: - 5 -
( مول المستقبل ) هو أحد أكبر مولات ( مدينتنا ) أن لم يكن أكبرهم بالفعل و لكنه أحدثهم تشييداً ، هو بالطبع يقع فى الجانب الشرقى ..
تم الإنتهاء من تشطيب الثلاثة طوابق الأولى من المول و تسليم المحلات المصنوعة بالكامل من الزجاج السيكوريت
لملاكها أو لمستأجريها على حسب التعاقد ..
أما بالنسبة للثلاث طوابق المتبقين لم يتم الإنتهاء من تشطيبهم بشكل كامل و تم تأجيل هذه المهمة سالفاً لأكثر من مرة ..
لقد وقع الإختيار من قبل رجال أعمال ( مدينتنا ) على ( مول المستقبل ) و بالأحرى تم الأتفاق على تخصيص هذه الطوابق الثلاثة المتبقية للمهمات المُقبلة ، من إقامة الدورات التدريبية إلى صيانة الروبوتات و .. إلخ .
بدأت تهيئة المكان كـ ورش فنية لممارسة الوظيفة الجديدة ..
صيانة الروبوتات ..
تم العمل على قدم وساق لإنجاز تشطيب الطوابق الثلاثة العلوية فى زمن قياسى .. تم تكريس الوقت و مضاعفة المجهود حتى تم الإنتهاء بالفعل
من تنفيذ التصميم المعدل لهذه الطوابق بما يتماشى
مع المهمة الجديدة التى يتم تجهيزهم من أجلها ..
******************
تم التواصل مع المواطنين الذين سجلوا أسماءهم فى الدورة التدريبية للصيانة فور الإنتهاء من تشطيب الطوابق الثلاثة العلوية بالمول ، و تم أخبارهم بضرورة الحضور فى الموعد الذى تم تحديده لبدء الدورات التدريبية ، هذا بعد الأتفاق مع المدربين اليابانيين و تخصيص فيلا لهم ليقيموا فيها حتى الإنتهاء من المدة المحددة للدورات ..
كان عدد هائل من المواطنين قد تقدموا بتسجيل أسماءهم فى الدورة و قد حضروا فعلياً فى اليوم المحدد لبدء الدورة .. تم تقسيمهم و توزيعهم و مع كل مجموعة مدرب متخصص لضمان وصول المعلومة بسهولة و يسر ..
أستغرقت الدورات التدريبية حوالى أسبوعاً حتى أنتهى المدربين اليابانيين من تدريب المواطنين المصريين نظرياً و عمليا على كيفية إكتشاف العطل الذى يصيب الروبوتات و كيفية التعامل معه لحل المشكلة ..
يتبقى امراً واحداً و هو الإختبار الذى سيحدد مصير المتدربين لتحديد من منهم جدير بالوظيفة .. هذا الأختبار تم وضعه و سيتم الإشراف عليه و تقييمه من قبل هؤلاء المدربين اليابانيين دون تدخل أى عنصر مصرى .. و ذلك لضمان شفافية الدورة و دقة أختيار من سيصلحون حقآ لهذه الوظيفة ..
*******************
داخل فيلا الجزيرى تجد الرفاهية و الرخاء متجسدان فى كل الأمور الحياتية
بكل ركن فيها .. تشعر بلذة النعيم و مذاق الراحة
فى غضون خمس دقائق من دخولك مملكة الجزيرى ..
على طاولة الطعام كان يجلس الجزيرى برفقة أبنته جميلة ، كانت تجلس على يمينه و هذا هو مقعدها المفضل على هذه السفرة و التى تمتد مساحتها لأمتار عديدة و تكسوها قشرة من الذهب الخالص بالكامل , حتى مقاعدها لم تخلو من هذه القشرة الذهبية .. شردت جميلة و ثبت ناظريها على المقعدين المواجهين لها ، على واحداً منهما والذى يقع على يسار الجزيرى أعتادت زوجته - رحمها الله - الجلوس عليه و المقعد المجاور لها كان يجلس نهاوند ..
لاحظ الجزيرى حالة جميلة و أنتبه الى عيناها
و هى تبدوان زجاجيتان أثر رشح الدموع بها ..
أنزعج و حاول التحكم فى نبرة صوته و هو يخاطبها مازحاً :
ماذا أصابك يا صغيرتى .. لماذا هذه الدموع ؟ هل البصل زائد فى السلطة ؟!
أبتسمت جميلة أبتسامة فاترة و قالت بصوت متحشرج و هى تنظر للمقعد الذى على يسار والدها .. لقد وحشتنى كثيراً .. حقآ أفتقدها ..
ترحم عليها الجزيرى و قد امتلأ بالحزن و الأسى أثر ذكرها على مسامعه ، و دعا لجميلة بالشفاء و العمر المديد .. فهى الحياة و الأمل الذى يحيا من أجله و قد مسح براحة يديه على شعرها برفق ..
قالت له جميلة : نهاوند وحشنى جداً.. وحشتنى لمتنا على السفرة و مناكفته ليا .. نفسى يرجع يعيش معانا تانى !
هنا أمتقع وجه الجزيرى و صارت نظراته صارمة و خاطب جميلة بصوتا أجش :
هو أختار حياته الضايعة و أنا أختارت حياتنا من غيره و علشان يدخل هنا تانى لازم ينضف .. و مش عايز أفتح الموضوع دة تانى يا جميلة .. فهمانى ؟؟
تسلل اليأس لقلب جميلة و تملكه بشأن شقيقها نهاوند و عودته للفيلا .. هى تعرف جيداً صرامة قرارات والدها .. حاولت جميلة ترطيب الجو بعد تعكيره و سألت والدها بخصوص العمل و الأتجاه الجديد الذى يسلكوه بخصوص الروبوتات و الدورات و الوظائف المرتبطة بها ..
رد الجزيرى بأبتسامة مصطنعة و قال لجميلة : تمت الدورة بنجاح و خضع الآلاف للأختبار الذى وضعه المدربين اليابانيين و لم ينجو بسلام من هذا الاختبار إلا حوالى نصف العدد المتقدم لهذه الدورة !!
قالت جميلة فى أندهاش : هل كان الأختبار تعجيزياً ؟!
رد الجزيرى فى حماس : بالعكس .. فهناك من تجاوزوا الإختبار فى سهولة كما يوجد شاب برع فى هذا الأختبار و تمكن من الحصول على الدرجات النهائية فيه بكل يسر .. أرى فى هذا الشاب مستقبلاً منيراً فى هذا المجال .. أثق فى ذلك ..
سألت جميلة و كلها فضول : ما أسم هذا الشاب ؟!
رد الجزيرى بنفس درجة الحماس :
أسمه محمود .. على ما أتذكر .. محمود طايع ..
****************
قرر الجزيرى رد عزومة فنجان القهوة الكولومبى لصديقه الماظة ، أتصل به هاتفياً و طلب منه المجئ لمكتبه بالمصنع لتناول فنجان القهوة معه
أن كان وقته يسمح بذلك ..
لم يتأخر الماظة على صديقه و أستجاب لدعوته و ذهب بالفعل لتناول فنجان القهوة مع الجزيرى فى مكتبه ..
جذب الماظة أطراف الحديث فيما يخص الدورة التدريبية و مستوى الأشخاص الذين أجتازوا هذه الدورة ولابد من العمل على رفع مستواهم و كفاءاتهم .. حتى دخل عليهم عامل البوفيه و هو من العناصر البشرية ، و هم قلائل جداً الباقين فى المصنع .. قدم القهوة لكلاً من الماظة و الجزيرى و بعد أن أنهى طقوس السرفيس أنصرف ، لم يرفع الماظة ناظريه عن فنجان القهوة .. كان الجزيرى يراقبه فى صمت حتى كسر الماظة الصمت بسؤاله : ايه القهوة دى ؟
رد الجزيرى : مالها يا صديقى ؟
رشف الماظة منها و قال : هى لذيذة بس مش فاهمها ! و شاكك فى حاجة كدة !
ضحك الجزيرى و قال له : سيبك من اللى فى دماغك .. المهم المذاق ؟
شحب وجه الماظة و قال له : يعنى اللى فى دماغى صح ؟ دة البن اللى حكيتلى عليه و قولتلى جبته معاك من أمريكا مع آخر سفرية ؟!
مازال الجزيرى مبتسماً أثر أشمئزاز الماظة من فنجان القهوة و قال له : الفنجان اللى قدامك دة سعره يعدى الـ ٥٠ دولار أمريكى !!
صعق الماظة و قال دون تعقل : مش دة البن اللى بيعملوه من
فضلات حيوان ( الكوبى لواك ) ؟!!
رد الجزيرى و قد أتسعت الأبتسامة على وجهه : بالظبط هو دة ..
تقلص وجه الماظة و هو يحاول أن يفهم فسأل الجزيرى : كيف لقهوة أن ُتصنع من فضلات حيوان و أن تصبح أبهظ قهوة بالعالم !
قال له الجزيرى : ( الكوبى لواك ) دة اللى هو ( قطط الزباد ) .. بتعيش فى شرق آسيا و بتتغذى على البن دة طعامها ، علشان كدة بيستخدموا فضلاتها لتصنيع أغلى أنواع البن فى العالم !!
و هنروح بعيد ليه أنت مش واخد بالك احنا فين ؟؟
ركز كدة هتلاقى أن فضلات النحل بتتاكل و من أشهى و أفيد الأطعمة !!
ثم رن هاتف الجزيرى فكسر جو التسامر السائد بينهما ، كان المتصل هو منير المنفلوطى .. أستجاب الجزيرى للأتصال لكنه لاحظ من نبرة صوت المنفلوطى أنه ليس على ما يرام فسأله ماذا أصابك ؟
فرد المنفلوطى بصوتاً مفزوعاً : قصدك ماذا أصاب الروبوتات .. الروبوتات هيست !!
فسأله الجزيرى مندهشاً : أزاى دة حصل ؟؟
عامة متقلقش بقى عندنا مركز صيانة جاهز للطوارئ ..
رد المنفلوطى بنفس حالة الفزع التى تملكته :
الروبوتات مش بتستجيب للتعليمات و الشغل بدأ يتعطل !
مازال الجزيرى مندهشاً و قال له : متقلقش هيتم السيطرة على الوضع .. لقد أصبح لدينا مراكز صيانة بها أمهر المهندسين و الفنيين ..
أنهى الجزيرى المكالمة و قبل أن يشارك الماظة فى الحوار أنهالت عليه الأتصالات من رجال أعمال المدينة يشكون نفس المشكلة
من تهييس الروبوتات بمصانعهم و شركاتهم !!
هنا أيقن الماظة و الجزيرى أن هناك حلقة مفقودة و غامضة .. و زاد يقينهما عندما دخل عليهما المسئول عن متابعة الروبوتات فى مصنع الجزيرى و كان يقف كالملسوع و صدره يعلو ويهبط بغير أنتظام و أخبر الجزيرى أن هناك أمراً غامضاً قد أصاب عدداً كبيراً من الروبوتات !!
*****************
نشأ مناخ رومانسى بين محمود و جميلة و أخذ ينمو من حولهما حتى تطورت العلاقة بينهما ، كاد محمود أن يتمكن من أقناع جميلة أن ترسل له رقم هاتفها ، لكنها رفضت فى بادئ الأمر فحاول محمود الأتصال بجميلة عبر الماسنجر مرات عديدة و لكن كانت تتحول كلها لدى جميلة فى النهاية إلى مكالمات فائتة ، حتى جاء يوم كانت جميلة على درجة مرتفعة من الأكتئاب فقبلت الأتصال و ردت على محمود عبر الماسنجر و لم يصدق محمود نفسه وقتها من الفرحة ..
و تطور الأمر فيما بعد ، و نجح محمود فى أن تتحول أتصالاته
من الماسنجر إلى الهاتف ..
و كان لذلك الفضل فى أن تتوطد بينهما العلاقة و أن يتجرأ محمود و يبدى لجميلة رغبته فى مقابلتها ! و أنه يتوق لرؤيتها وجها لوجه !!
أرتبكت جميلة على الفور أثر طلبه المفاجئ ، و بدا ذلك من صوتها عبر الهاتف و أكدت لمحمود أن هذا مستحيل يحدث و وبخته لأنه نسى أن من أشد العقبات لإتمام ذلك أنها قعيدة على كرسى متحرك !
كما أنها مستحيل أن تخرج من الفيلا بمفردها !
قالت له فى المكالمة الهاتفية : هذا جناااان !
رد محمود فى ثقة عالية : لدى خطة لتنفيذ ذلك بسهولة ..
قالت له جميلة بملء فيها : أنت حقاً مجنووووون !!
***********************
بعد أن ضربت ظاهرة ( جنون الروبوتات ) المدينة و أنتشرت الظاهرة بين الروبوتات المستخدمة فى مصانع و شركات الجانب الشرقى ، تم شحن و إرسال الروبوتات المخبولة إلى ( مول المستقبل ) حيث مراكز الصيانة المستجدة
و أول أختبار حقيقى لها !
تم أشراف الجزيرى و الماظة و المنفلوطى بأنفسهم على عمليات الصيانة للروبوتات ، كان يتجول كلاً منهم بمفرده فى طوابق الصيانة بالمول .. يتابعون بأنفسهم محاولات المهندسين البائسة التى لم تصل لشئ حتى بعد مرور عشر ساعات عمل تكاد تكون متواصلة !!
بدأ يشعر الثلاثة أنهم تورطوا فى تأسيس مراكز الصيانة التى كلفتهم مبالغ مالية كبيرة .. يمر الوقت دون جدوى تقريباً مما دعا الجزيرى لأقتراح فكرة التواصل مع الشركة اليابانية لإيجاد حل سريع حتى لا تتكبد مصانعهم و شركاتهم خسائر فادحة ، كان المنفلوطى مؤيداً للفكرة بينما أضاف الماظة ضرورة مراسلة الشركة اليابانية و أخبارها أن المبالغ التى تحملوها من تجهيزات لإجراء الدورة ذهبت هباءً و أنهم لم ينتفعوا بمجئ الخبراء اليابانيين بل خسروا ما دفعوه لهم أيضاً ..
حالة تخبط و أستياء سيطرت على رجال الأعمال و قد أجتمعوا فى مكتب الإدارة بالمول ، سمعوا طرقات على الباب فكان موظف الأمن .. دخل ليخبرهم أن هناك أحد المهندسين يود مقابلتهم لأمر بالغ الأهمية !
دخل المهندس و كانت نشوة الإنتصار تكسو وجهه .. كان يقف أمامهم و كانوا يفحصوه بنظراتهم ثم سمحوا له بالحديث ..
أخبرهم المهندس أنه أكتشف سبب العطل الذى أدى لهذه المشكلة .. هنا أعتدل الثلاثة في جلستهم و أنتبهوا لكلماته ، سأله الجزيرى فى شغف :
ما هو سبب العطل ؟!!
فاجأهم المهندس أن العطل مفتعل ! و أخبرهم أن هناك من تعمد نقل فيروس مصنع .. هذا الفيروس يظل خاملاً و ينشط بعد مدة معينة يحددها من صنع هذا الفيروس ، و هذا السبب لما حدث لهذه الروبوتات ..
جن جنون الماظة و قال له : و من فعل ذلك ؟
أخبره المهندس أنه بعد صعوبة بالغة تمكن من صيد هذا الفيروس الألكترونى و عند التعامل معه كانت الشفرة المستخدمة به بلغة معقدة و غير مفهومة ، بعد البحث عنها أكتشف أنها من حروف يابانية !
صعقت الصدمة رجال الأعمال الثلاثة و شرد الماظة ثم نظر بحدة للجزيرى و قال له : هل كان رفضنا للعرض اليابانى بتعيين مجموعة من الخبراء اليابانيين بأجور ثابتة فى مراكز الصيانة لدينا ، له علاقة بما حدث ؟!
رد عليه الجزيرى بعينان شاخصتان : الشعب اليابانى يتميز بأنه شعب منظم و مؤدب و خجول .. لكن معروف عن اليابانيين أيضاً أن ليس لديهم سياسة دوبلوماسية أو أقتصادية واضحة !!
أكد المنفلوطى شكوكهم عندما ذكرهم بطلب الخبراء اليابانيين بزيارة المصانع و الشركات بحجة التشييك على الروبوتات .. كان هذا الطلب بعد أعتذارهم عن إقتراح الشركة اليابانية بتثبيت خبراء يابانيين لديهم بمراكز الصيانة !
بعد أن أستنتجوا سيناريو لما حدث ، طلب الجزيرى من المهندس الذهاب معه و مشاهدة الروبوتات المُفيرسة بعد إصلاحها ..
بالفعل أنتقل الأربعة إلى موقع الحدث و شاهد الثلاثة بأنفسهم كيف تمكن المهندس المصرى من التفوق على نظيره اليابانى بعد أن حاول الأخير تضليلهم مما جعلهم ينبهرون بهذا المهندس !
سأله الجزيرى عن أسمه فأجاب المهندس :
محمود .. أسمى محمود طايع ..
أبتسم الجزيرى و قال : أتذكر اسمك .. لقد نجحت فى أجتياز الدورة بأمتياز .. أعلم ذلك ..
شارك الجزيرى الرأى مع الماظة و المنفلوطى فى تنصيبه لمحمود مديراً لمركز صيانة ( مول المستقبل ) .. فدعم الأثنان قرار الجزيرى بكل أقتناع ..
***********************
كان الأتجاه الذى سلكه رجال أعمال المدينة لمجابهة أزمة البطالة التى أجتاحت ( مدينتنا ) قد أنشطر إلى محورين ..
محور خاص بالصناعة و هو ما يخص الروبوتات و الصيانة و ما شابه .. و محور خاص بالزراعة فى محاولة لأستغلال الأراضى الصحراوية داخل ( مدينتنا ) و فى المحيط الخارجى للمدينة ..
تم التواصل من قبل اللجنة المتخصصة لفحص أفكار المشروعات مع خالد صاحب فكرة مشروع أستصلاح الأراضى الصحراوية و أستثمارها فى زراعة بعض المحاصيل الأساسية و من أهمها القمح ..
تم أخباره بالموافقة على دعم مشروعه و أنه لن يكون مشروعاً خاصاً به بل يخص المدينة بأكملها , تم تنصيب خالد على الإشراف العام على المشروع و متابعته له خطوة بخطوة لوضع حجر الأساس لهذا المشروع العملاق ..
تم تحديد و تخصيص المساحات التى وقع عليها الإختيار لتنفيذ المشروع عليها.. تم أختيار البذور السليمة بعناية فائقة لأستخدامها فى الزراعة .. تم أيضاً تجهيز الأسمدة اللازمة لهذه المهمة من
أسمدة نيتروجينية و أسمدة فوسفورية و أسمدة البوتاسيوم ..
كانت الأمور تسير ضمن خطة مُحكمة مدروسة لضمان نجاح المشروع ..
كانت فكرة معالجة مياه الصرف الصحى لأستخدامها فى الرى تحتاج لمجهود ضخم لأتمامها .. تم التواصل من رجال أعمال المدينة مع وزارة ( الموارد المائية و الرى ) لأنشاء محطة معالجة مياه الصرف الصحى ، لكنهم فوجئوا بأن أنشاء المحطة سيستغرق حوالى ستة أشهر لأتمامه
و هذه المدة تعتبر قياسية لأنجاز هذا الأمر !
لكنها ليست كذلك بالنسبة للقائمين على المشروع ..
كما أنهم مازالوا فى حاجة لأستيراد المعدات الكهروميكانيكية من الخارج لأستخدامها فى المعالجة الثلاثية و هذا بدوره يستغرق شهوراً طويلة للحصول على الأعتمادات الفنية التى تحتاج وقتاً طويلاً للفحص من الجهات المسئولة ..
بدأ عامل الوقت يمثل العاقبة لأتمام نجاح المشروع ناهيك عن الأموال الطائلة التى سيتطلبها تنفيذ هذا المشروع ، لكن كانت العرقلة الأكبر تكمُن فى الوقت المُستغرق لأنهاء أساسيات المشروع ..
************************
كان الجزيرى يشعر بالسلام النفسى و يجد أيضاً لذة فى مجالسة أبنته جميلة ..
كانا يجلسان على طقم راتان مكون من ترابيزة و ثلاثة مقاعد فى حديقة الفيلا ، كان مكان المقعد الرابع خالياً تأهباً لملأه بمقعد جميلة المتحرك الذى يعمل بالكهرباء .. أستقرت جميلة بمقعدها و أمامها كان يجلس والدها .. كانا يتناولان وجبة الإفطار و كانا يتسامران فطلبت جميلة من والدها الجزيرى طلباً كان قادراً على جعله متفاجئاً ..
جميلة كانت تنفذ خطوات الخطة التى وضعها محمود .. أخبرت جميلة والدها أنها ترغب فى كسر الملل الذى تعيش فيه و تشاهد الناس و تتعامل معهم .. أخبرته أنها ترغب فى الهروب من محبسها النفسى ..
لطالما كان يطلب منها الجزيرى ذلك كى تتحدى أزمتها و تتمكن من أن تخطيها و لكنها كانت تتملص منه فى كل مرة ، رحب الجزيرى برغبتها و عرض عليها أن يسافران للتنزه فى أوروبا ، لكنها نجحت للمرة الثانية على التوالى
فى أن تصيبه بالمفاجأة ..
طلبت منه جميلة أن يأخذها فى رحلة أستكشافية لـ ( مول المستقبل ) و لمراكز الصيانة بالتحديد بعد أن أخبرها بما حدث للروبوتات ..
لم يجد الجزيرى ما يمنع من موافقته على رغبتها و ايضاً لا تمنع موافقته من أن يبدى لها أندهاشه من تفضيلها ( مول المستقبل ) على السفر لأوروبا !!
****************
قام الجزيرى بزيارة مفاجئة لـ ( مول المستقبل ) برفقة جميلة .. كانت الزيارة حقاً مفاجأة لكل العاملين بالمول عدا محمود بالتأكيد ، و الذى كان ينتظر هذه الزيارة على أحر من الجمر .. أعترف محمود أمام نفسه أنه نجح فعلاً فى إدارة حالته النفسية لكنه فشل تماماً فى أدارة حالته العاطفية كما كان ينوى !
حدثت اللحظة المُنتظرة على شوق عميق و وصل الجزيرى مع جميلة لمركز الصيانة الذى يعمل به محمود ..
ظهر محمود للجزيرى فقام الأخير بتقديمه لجميلة ..
تلاقت نظراتهما فـ سرت قشعريرة فى جسد محمود و كأنه لمس سلك كهربائى عارى .. كان يبدو من الخارج ثابتاً لكن عيناه كانت تخبر بعكس ذلك تماماً !
بينما جميلة أستشعرت أنها ذاقت إكسير الحياة .. جريت فى عروقها أنتعاشة أشعرتها بأن مازال للحياة مذاق لذيذ .. لقد باحت عيناها بكل شئ !
كسر الجزيرى اللحظة التاريخية التى يمر بها كلاً من محمود و جميلة عندما سألهما : هل بينكما سابق معرفة ؟!
هنا أنتفضا الأثنان و أرتبكا .. برر محمود ما أصابه و قال للجزيرى :
هذا شرف بعيد المنال .. لكن أبنة حضرتك على وجهها أعتى آيات الجمال .. مما أجبرنى على الوقوف ساهماً .. ربنا يحفظها لحضرتك ..
**********************
. ❝ ⏤محمد حسن عبد الجابر
الفصل الخامس
- 5 -
( مول المستقبل ) هو أحد أكبر مولات ( مدينتنا ) أن لم يكن أكبرهم بالفعل و لكنه أحدثهم تشييداً ، هو بالطبع يقع فى الجانب الشرقى ..
تم الإنتهاء من تشطيب الثلاثة طوابق الأولى من المول و تسليم المحلات المصنوعة بالكامل من الزجاج السيكوريت
لملاكها أو لمستأجريها على حسب التعاقد ..
أما بالنسبة للثلاث طوابق المتبقين لم يتم الإنتهاء من تشطيبهم بشكل كامل و تم تأجيل هذه المهمة سالفاً لأكثر من مرة ..
لقد وقع الإختيار من قبل رجال أعمال ( مدينتنا ) على ( مول المستقبل ) و بالأحرى تم الأتفاق على تخصيص هذه الطوابق الثلاثة المتبقية للمهمات المُقبلة ، من إقامة الدورات التدريبية إلى صيانة الروبوتات و .. إلخ .
بدأت تهيئة المكان كـ ورش فنية لممارسة الوظيفة الجديدة ..
صيانة الروبوتات ..
تم العمل على قدم وساق لإنجاز تشطيب الطوابق الثلاثة العلوية فى زمن قياسى .. تم تكريس الوقت و مضاعفة المجهود حتى تم الإنتهاء بالفعل
من تنفيذ التصميم المعدل لهذه الطوابق بما يتماشى
مع المهمة الجديدة التى يتم تجهيزهم من أجلها ....... [المزيد]
: 2 -
لهواة النظام وعشاق الدقة بتفاصيلها الغير منتهية .. عليهم القيام بجولة داخل مصنع الجزيرى ستشعرهم بأنهم داخل نموذج مكبر لخلية نحل متكاملة ، سير العمل بالمصنع يأخذ نفس نهج منظومة عمل خلية النحل و لكنه خلية بشرية لصناعة و تعبئة عسل النحل .. يعمل عمال المصنع على أيصال منتج المصنع و هو ( عسل نحل مدينتنا ) إلى أعلى جودة له ليكون فى أبهى صوره التسويقية ، حيث أن الجزيرى واحد من أثقل رجال أعمال ( مدينتنا ) و الذى يسعى
لأقتناص لقب أغنى رجل فى ( مدينتنا ) ..
نجح العمال فى الحفاظ على نفس درجة حماستهم فى العمل بالمصنع لسنوات و أستمرت حتى بدايات عام ٢٠٢٢ و قد بدأت أسعار السلع و المنتجات رحلة الصعود المتواصل مع ثبات مرتباتهم و عدم مرافقتها لرحلة صعود الأسعار لتواكبها .. أثر ذلك بالسلب على نفسية العمال فتأثر أدائهم فى العمل لا سيما و قد بائت كل محاولاتهم فى طلب الزيادة للمرتبات بالفشل حيث تم تأجيل ذلك لأكثر من مرة مع وعود جوفاء عامة ، مما سمح لبذور الأنقلاب أن تتناثر فى أجواء المصنع فتنبت شيئآ فشيئآ حتى تعمقت جذورها و أشتدت و فى أنتظار فقط من يداعب فتيل قنبلة التمرد فيجذبه لينفجر الغضب و يصب على رأس الجزيرى !!
كان الجو العام فى المصنع هادئا الهدوء الذى يسبق العاصفة إلى أن جاء خبر وفاة زميلهم فنى الكهرباء أثناء قيامه بتبديل أسبوتات الأضاءة فى سقف المصنع .. وقع الخبر كالصاعقة على مسامع زملائه لحبهم الجم له و بعد أن أنتزعوا حقيقة السبب المؤدى للوفاة !
لقد توفى فنى الكهرباء غرقاً بعد أن أنزلقت قدماه و أختل توازنه و سقط من أعلى السلم الخشبى ليهوي داخل سطل عملاق معبأ عن أخره بعسل النحل و يصل عمق هذا السطل لأكثر من مترين !!
أستطاع موظف ال IT بالمصنع أقتطاع الفيديو خفية الخاص بغرق زميلهم فى العسل و الأحتفاظ به بعد أن سجل الفيديو لحظات المعاناة المؤلمة التى مر بها الفنى حتى الوفاة !
تم تسريب الفيديو بين عمال المصنع و تم تداوله بينهم كأنتشار النار فى الهشيم , و مما أشعل النار فى قلوب العمال تسريب أيضاً خبر تستيف أوراق الواقعة على أنها وفاة طبيعية خارج المصنع وذلك
لعدم ألحاق الضرر بمصنع الجزيرى ..
كانت واقعة غرق العامل فى العسل بتطوراتها السريعة هى بمثابة جذب فتيل التمرد و الغضب لدى العمال ، سرعان ما تجمهر العمال وبزغ من بينهم من يصلح لتزعمهم و قاموا بوقفة أحتجاجية أتفقوا فيها على مطالبة الجزيرى بحق زميلهم و حقوقهم المؤجلة
و أعلنوا أنهم لم و لن يتنازلوا عنها ..
فى غضون لحظات نقلت الشخصيات ( المعصفرة ) بالمصنع التطورات للجزيرى الذى أتخذ الأمر على محمل الجد و ذهب لموقع الأحتجاج و بعد أن أستمع لهم أخبرهم أن ليست هذه هى الوسيلة التى تليق بأن يعرضوا عليه طلباتهم .. أمرهم أن يتفرقوا و يتموقعوا على ماكيناتهم و سينظر فى موضوع زيادة المرتبات .. رفض العمال و أشتاطوا غضباً و أصروا على موقفهم بروح الثوار مما أستفز الجزيرى أكثر فأخبرهم فى صرامة كاسحة أن لديهم ساعة واحدة من الزمن لفض هذه الوقفة الأحتجاجية و أستئناف عملهم أو مغادرتهم المصنع دون رجعة !!
★★★★★★★★
أكتشف محمود أن ( موطن الفاشلين ) الذى أسسه
هو حقآ أكبر نجاح قد حققه !!
لقد تفاقمت أعداد الفاشلين المنضمين لموطنهم الجديد و وصلت لحوالى نصف مليون ، مما رشح هذه الصفحة لتصدر مواقع البحث الألكترونى لتمر بأزهى أوان لها منذ أنشائها ..
لم تكن الصفحة محط أنظار الفاشلين فحسب بل كانت أيضاً محط أهتمام نوع أخر من رواد السوشيال ميديا.. كان يتابع الصفحة بل و أنضم إليها عدد هائل من الأطباء النفسيين تحت أسامى مستعارة تتيح لهم التوغل فى ( موطن الفاشلين ) دون أن يكشفهم أحد .. لقد كانوا يتابعون بوستات الفاشلين الذين يقومون بتشييرها و تعرض لمحات من حياتهم السوداوية , و كان هؤلاء الأطباء ينبهرون بضخامة تفاعل الفاشلين مع بعضهم البعض و كلاً منهم يشارك ببوست أقوى من الذى سلفه
و كأنه مزاد على أكثر حياة بائسة !!
لقد راق كثيرا لهؤلاء الأطباء النفسيين المخفيين هذه الأحداث المتطورة بين رواد الصفحة و وجدوا فيها بيئة ملائمة تخدم مجال عملهم و تدعمه .. وعليه فقط فكر عدد لا بأس به من هؤلاء الأطباء فى نفس الفكرة و قاموا بالتواصل مع شركات دعاية للأعلان عن عياداتهم و أساليبهم المتطورة و الحديثة فى علاج و تطوير الذات على هذه الصفحة .. موطن الفاشلين ..
سرعان ما تم التواصل مع محمود من قبل شركات الدعايا و عرضوا عليه فكرة الأعلان على صفحة ( موطن الفاشلين ) لأطباء يعالجون
بطرق تنمية و تطوير الذات ..
تملص محمود فى بادئ الأمر و أبدى عدم ترحيبه بالفكرة فتنفيذها قد يقلل من مصداقية الصفحة فهى صفحة حرة و ملك لروادها ..
أسهل طريقة للأقناع هى ذكر المقابل المادى للخدمة و هذا ما أتبعته شركات الدعايا مع محمود الذى أصابه التخبط عندما أدرك أن المقابل المادى حقآ مجزى فلم يتماسك طويلاً و أعلن موافقته على الأعلانات الممولة التى فى غضون أيام تدفقت كفيضان أكتسح
موطن الفاشلين ...
***********************
مضت ساعة سلحفية داخل مصنع الجزيرى مرت على العمال و كأنها دهرآ و على الجزيرى أيضآ ..
الأنتظار فى حد ذاته يعصر العقل و أحياناً يعتصر القلب ..
بزغ الجزيرى فى مكان ما فى الأعلى يتيح له مخاطبة المتجمهرين من العمال المتمردين .. لحظة صمت ضربت الثوار بمثابة
ظهور الجزيرى لهم بعد تهديده الحاسم ..
رمقهم بنظرات خاطفة صارمة و خاطبهم بصوت أجش
و هو يسألهم ماذا نويتم ؟؟
كانوا يتجمهرون فى خطوط دائرية و فى مركزهم كان يقبع زعيمهم و ينادونه بعم ضياء الذى برز لمواجهة الجزيرى و قد رفع ناظريه للأعلى ليرد فى ثقة على سؤال الجزيرى ..
نوينا على أن لا نفرط فى حق زميلنا الشهيد و لن نتهاون فى حقوقنا
و لن نتراجع عن مطالبنا ..
رد الجزيرى فى حزم لحسم الموقف و قال له أسمعها قولآ واحداً منهم .. نظر عم ضياء لهم كأنه عازف يقود الأوركسترا حتى خرجت منهم سيمفونية الغضب التى أكدت على كلام عم ضياء ..
أنطلقت عبارات مقتضبة من الجزيرى على سياق .. أذن فلتصلكم حقوقكم المادية عن هذا الشهر و لتغادروا المصنع بعدها دون رجعة !!
عبارات قصيرة ثقيلة أنهى بها الجزيرى الموقف دون تردد أو تهاون .. قرار لم يتوقعه أحداً من الثوار أن يستغنى الجزيرى عن جميع عمال المصنع فى آن واحد .. لقد حول عم ضياء الوضع لظلمات لهم .. بينما تعامل الجزيرى مع الأمر بكل بساطة و كأنه يدهس سيجارته بعد أنهائها !
أرسل الجزيرى بعد ذلك من يتواصل مع أهل فنى الكهرباء الذى توفى غارقآ فى العسل و تم مراضية أسرته مع ضمان مبلغ شهرى كبير سيصلهم كل أول شهر شرط أن يغلقوا ملف الوفاة نهائيآ و عدم التجاوب مع أى محرض يحمل فيدوهات لن تجدى لهم نفعاً ،
بل ستبتر يد العون الممدودة لهم ..
و بخطوات ممنهجة لم يهدر الجزيرى الوقت بل كان يبرم أتفاقاً مع شركة يابانية لتوريد روبوتات بتكلفة مليون دولار ليقفوا على خطوط الأنتاج بمصنعه لأستمرار عجلة الأنتاج بل وضع خطة لمضاعفته !!!
******************
إذا وضعتك الظروف فى غرفة معتمة فلا شك أن ظهور شعاع نور فيها سيلفت نظرك و يجذب أنتباهك ..
محمود كان تائهآ فى ( موطن الفاشلين ) كان يشاهد و يتابع فى صمت بوستات أعضاء الصفحة التى توحى و كأنها لوحات أدبية لكنها سوداوية كانت تشعر محمود بالظلام الدامس ..
فى ظل هذه العتمة المعنوية كانت بوستات تشوبها بصيصاً من الأمل تنزل تباعآ لنفس الأسم .. أختلاف لونها المضئ لفت نظر محمود ليس فقط ذلك .. بل أسم صاحبة البوستات هو من جذب أنتباهه أكثر !
( وردة الجنة .. ذبلت فى جحيم الحياة ) كان محمود يتابع هذا الأسم المستعار منذ فترة طويلة و يتفحص بوستاته و هى مكتوبة من حروف تملؤها الشجن ويكسوها قشرة من الأمل !
قرر محمود كسر الحاجز الزجاجى الفاصل بينهما و فتح محادثة معها و تردد كثيرآ قبل أن يكتب لها : السلام عليكم ..
كانت شارة أدمن الصفحة تظهر جنب أسم محمود مما أوهم محمود أنه بمجرد ألقاء السلام على من يحدثه من أعضاء الصفحة سيقتنص عضو الصفحة هذه الفرصة سريعاً ، عاد محمود و ألقى السلام مرة أخرى و أيضآ لم يستقبل أجابة .. فعاد للمحادثة و كتب :
هو أنا مش بقول السلام عليكم ؟!
فجائت أجابة كتابية من وردة الجنة الذابلة : بـس يــاض ..
عقد محمود حاجبيه و كتب و هو يمسح حروفاً و يعود لكتابتها ثم كتب لها : أطوارك غريبة .. حتى صفحتك لما فتحتها غرقت فى بحر غموضها .. ممكن أعرف حكايتك ؟؟
ردت الفتاة : بس يا بابا .. و تانى مرة متفتحش حاجة متخصكش ..
ظهر غضب محمود فى كتابته للفتاة : و بعدين فى لماضتك دى ؟
أنتى منين عايز أفهم ؟ أسكندرية و لا القاهرة و لا منين ؟
الفتاة : هريحك و أرد علشان أجابتى هتحيرك ..
انا لا من أسكندرية و لا من القاهرة .. أنا من النص ..
أستخدم محمود دهائه فى المحاورة :
مهو لو عرفت أنتى منين بجد .. هتخيلك و هقولك حاجات
عن شخصيتك تبهرك .. جربى و أعتبريها لعبة للتسلية ..
الفتاة فى ثقة : أزاى زعيم الفاشلين هينجح فى حاجة ؟
أنا من مدينة تتوسط المحافظتين .. مدينة أسمها ( مدينتنا ) .. لما تعرفها أبقى أتخيلنى و أبهرنى المرة الجاية .. دلوقت أنا لازم أقفل .. سلااااام ...
نظر محمود طويلاً بعينان مفتوحتان عن أخرهما لشاشة موبايله بعد أن قرأ كلمات الفتاة صاحبة أسم .. ( وردة الجنة.. ذبلت فى جحيم الحياة ) ..
*************
أرض الرخاء هى أرقى بقاع ( مدينتنا ) تقع بالطبع فى الجانب الشرقى فى أقصاه .. تم تخصيصها لصفوة أثرياء المدينة ..
أحدث تصميمات عصرية لفيلات ستجدها فى أرض الرخاء .. واحدة من التصميمات المبهرة كانت من نصيب فيلا تضج دومآ بالحياة .. هذه الفيلا يقوم صاحبها و هو شاب فى أواخر العشرينات يدعى نهاوند ، بتأجيرها لأقامة حفلات الزفاف و أعياد الميلاد و ماشابه و هذا بمقابل مادى باهظ ..
فى حالة عدم و جود حفلات يقيم هو حفلاته الخاصة مع أصدقائه و صديقاته ليكسر بهذه الحفلات سكون الليل إلى أن تعود الشمس من غيابها مرة أخرى ..
فى هذا اليوم كان جدول الأعمال خالى من أى حفلات ، لذلك دعا نهاوند أصدقائه و صديقاته لقضاء سهرة ساخنة فى فيلته .. نهاوند كان يقدر المخدرات لا سيما الحشيش بينما أصدقائه لا يحبذونه فمنهم من يدمن الخمور و الويسكى و منهن
من غرزت أقدامهن فى حبوب الهلوسة الخطيرة !
نهاوند يسعى دائماً لأستخدام الطرق التى تيسر عليه المعيشة فهو على أستعداد لأن يبذل جهداً كبيراً كتلة واحدة مقابل أن تمنحه كتلة الجهد هذه أطول فترة راحة ممكنة فيما بعد ..
حتى فى أمور الهلس يطبق نهاوند نظريته فى الحياة.. فعلى سبيل المثال أبتاع نهاوند مبشرة خضروات و قد بحث عنها جاهداً حتى حصل على واحدة أستانلس فتحاتها أوسع قليلا من خرم الأبرة !
و أتفق مع ديلر و أبتاع منه كيس حشيش كامل يزن حوالى ٢٥٠جراماً و قام ببشره على المبشرة لتحويله لبودر بنى
و قام بتعبئته فى برطمان زجاجى كبير !!
و عند أحتياجه لتعاطى المخدرات فقط يفتح البرطمان و يأخذ المقدار المناسب ليستخدمه حسب طريقة تعاطيه للحشيش ..
نهاوند يعيش فى الحياة بهدف الحصول على اللذة و الغرق فى المتعة و هذه أحدى الأسباب الرئيسية لخلافه مع والده ..
هجم الليل فى موعده و خيم بظلامه على المدينة .. عكس الحال داخل فيلا نهاوند فالأضاءات الليد المتناثرة هنا و هناك تشعرك
أنك فى وضح النهار .. أنتشر أصدقاء نهاوند و صديقاته فى الفيلا و كلاً يغنى على ليلاه .. فهناك من يرفع زجاجة الويسكى و يجرع منها فى همجية و هنا فتاة تبتلع حباية يدسها فى فمها شاب يرقص معها و يدس واحدة فى فمه هو أيضاً..
الجميع كان فى حالة لذة صارخة و نشوة عارمة ..
نهاوند كان يجلس بمرافقة فتاة ممشوقة القوام يغطى شعرها الأسود الداكن كتفيها و تتلوى على أنغام الموسيقى بينما هو كان ممسكآ بسيجارة الحشيش بين أصبعيه و يسحب منها ببطء فينفث بعدها سحابات كثيفة من الدخان ، كان يجلس بالقرب منهما شاب سكير مع فتاة تشبهه ..
جميع الحاضرون يعرفون الخلاف القائم بين نهاوند و والده رجل الأعمال منذ سنوات قريبة و على أثره أنتقل نهاوند للعيش بمفرده فى هذه الفيلا التى سجلها له والده بأسمه قبل نشوب الخلاف بينهما ..
لكن تأثير الخمور قد ضرب هذا الشاب السكير بقوة الذى يجلس على مقربة من نهاوند و جعله يتطاول فى حديثه مع نهاوند و هو يخاطبه فقال :
شفت أبوك عمل أيه .. سرح العمال اللى عنده فى المصنع و هيجيب مكانهم روبوتات .. ثم ضحك ضحكاً مريعاً و أستطرد السكير مخاطباً نهاوند .. ليك حق تطفش منه وتقاطعه و تيجى تعيش هنا .. و أصدر ضحكة مقززة أخرى ثم رفع الزجاجة على فمه التى كان قابضاً عليها بيديه و ظل يشرب منها و كأنها مياه غازية !
كان نهاوند قد أعتدل فى جلسته و ما أن أنهى صديقه الثمل حديثه حتى قام نهاوند عن مقعده و أقترب منه فأطفأ سيجارة الحشيش بأسقاطها داخل زجاجة الخمر الممسك بها و قال له :
خلافى مع والدى لن يمنحك الحق فى التطاول على الجزيرى باشا .. ثم كال له لكمة عنيفة كانت قد حولت الصخب من حولهما لصمت الموتى .. ترقب الجميع الموقف بعدها ، و مع تأثير المخدرات كانوا يشعرون أنهم أثقل وزناً و لم يستغرق الموقف أكثر من خمس دقائق قد أنتهى بطرد نهاوند للسكير المتطاول على والده ثم عاد الوضع لما كان عليه و صدحت الموسيقى مرة أخرى من مكان ما و أحيت معها
الشرب و الضحك و الرقص و كأن شيئاً لم يكن ..
***************************
محمود طايع هو بالفعل بارع فى مجال البرمجيات ولكنه ليس الأبرع فيه .. صفحته (موطن الفاشلين ) حالها كحال الجروبات الخاصة بالنساء فقط .. فتجد هذه الجروبات سرية للبنات لكنها فى الحقيقة تزخر بالرجال المتنكرين فى أسماء مستعارة لسيدات ، هذا على سبيل المثال ..
( موطن الفاشلين ) هو بالفعل مأوى للفاشلين و المحبطين و للهاربين من الحياة بسننها و قوانينها المعقدة .. لكن لا مانع من تواجد بعض الفضوليين فى هذه الصفحة لمتابعة ظهور فكرة جديدة كـ ( موطن الفاشلين ) و محاولة تقليدها و هناك من يندس بينهم لأغراض صحفية و منهم لأغراض مهنية كما فعل بعض الأطباء النفسيين ..
كما أن مواطنين الصفحة من الفاشلين لم تولدهم أمهاتهم فاشلين .. بل من المؤكد أن لديهم مواهب أو أنهم أتقنوا مهارات أو وظايف على مدار حياتهم السابقة ، لكن ضغوطات الحياة تمكنت منهم و سحقت حماسهم و دهست طموحاتهم فأصبحوا على ما هم عليه الأن فهاجروا إلى ( موطن الفاشلين ) بمجرد ظهوره ..
فى الأونة الأخيرة ظهرت مجموعة من الفاشلين المخلصين فى ( موطن الفاشلين ) كانت تقوم بتشيير بوستات على الصفحة تدين فيها الأطباء النفسيين و تستنكر أنتشار
الدعايا و الأعلانات الممولة على صفحة موطنهم !
لاقت هذه البوستات الكثير من التفاعل معها سواء بـ لايك أو كومنت مؤيد للبوست ، و بدأت تجذب و بشدة أنتباه معظم مواطنين الصفحة و بدا ذلك جلياً من تنامى التفاعل مع بوستات الفاشلين المتضجرين ..
مما حفز أحد أعضاء الصفحة من فئة الفاشلين المخلصين لأن يستجمع خبراته المغمورة بعقله الباطن و يلملم نفسه و يستفاد من إلاعيبه السابقة فى تهكير الأجهزة و أختراق المواقع و يكرس ذلك ليتمكن من تقديم المساعدة لنفسه أولاً و لأعضاء الصفحة من الفاشلين و المحطمين نفسياً ..
كانت البوستات تتوالى و كانت بمثابة حطب نار الأنتفاضة ..
بالفعل نجحت هذه البوستات فى أطلاق الشرارة الأولى بداخل الفاشل الهاكرز حتى تحولت لجحيم فى رأسه و قرر أن يطلق سراحها .. تحول هذا الهاكرز لتنين بشرى يُخرج فحيح الغضب من مسامه .. أصبح عزمه معقودا على التنفيذ حتى حدد يوم رد الأعتبار ..
على الصعيد الأخر كان محمود يتعامل مع البوستات الأنتقادية و الضجر على صفحته كما تعامل مبارك وحاشيته مع ثوار يناير .. التجاهل .. ظن محمود أن ما يحدث فى ( موطن الفاشلين ) مجرد زوبعة فى فنجان و ستتبخر و تذهب لحالها ، و توهم أن الحماية التى غلف بها الصفحة منحتها قوة ستجعل الصفحة تدوم رغم أى مناوشات تدور معها !
كما أنه كان يؤمن فى أعماق نفسه أن ما يتحصل عليه من دخل مادى ضخم بفضل الأعلانات الممولة على ( موطن الفاشلين ) لن يتنازل عنه و لن يفرط فيه و رأى أن التجاهل فن و هذا أوانه ..
فى اليوم المحدد بذهن الفاشل الهاكرز بدأ فى ممارسة خطته الهجومية .. أستغرق من الوقت ما أستغرقه و فى النهاية تمت السيطرة التامة على الصفحة من حذف للأعلانات الممولة و تعطيل نشر بوستات جديدة و وقف التفاعل مع البوستات القديمة .. أى تم شل حركة الصفحة بالكامل .. لم يكتف الفاشل الهاكرز بذلك بل كتب بالبنط العريض على الصفحة الرئيسية :
لقد تم أحتلال موطن الفاشلين ..
هذه الصفحة أكذوبة.. فمن أنشأها يتاجر بفشل أعضائها ..
لا للمصالح الشخصية ..
علم محمود بما حدث من خلال ( عصفورة النت ) و هى أشعارات الفيس التى تخبر صاحبها بكل همسة تحدث فيما يشارك به .. فتح محمود ليفهم ما التعديلات التى حدثت لصفحته دون أن يفعلها ، لكن أصابته الصدمة عندما وجد نفسه كباقى أعضاء الصفحة يفتح ليقرأ فقط ما تم كتابته على الصفحة .. حاول محمود أن يستغل براعته فى مجاله لأستعادة صفحته لكنه فشل فشلآ ذريعآ و أدرك أنه عاد مرة أخرى لنقطة الصفر ..
أيقن محمود وقتها أن هناك من هو أبرع منه فى المجال و أنه
كان مخطئا عندما ظن أن فى التجاهل نجاة ..
*****************************************
. ❝ ⏤محمد حسن عبد الجابر
الفصل الثاني
2 -
لهواة النظام وعشاق الدقة بتفاصيلها الغير منتهية .. عليهم القيام بجولة داخل مصنع الجزيرى ستشعرهم بأنهم داخل نموذج مكبر لخلية نحل متكاملة ، سير العمل بالمصنع يأخذ نفس نهج منظومة عمل خلية النحل و لكنه خلية بشرية لصناعة و تعبئة عسل النحل .. يعمل عمال المصنع على أيصال منتج المصنع و هو ( عسل نحل مدينتنا ) إلى أعلى جودة له ليكون فى أبهى صوره التسويقية ، حيث أن الجزيرى واحد من أثقل رجال أعمال ( مدينتنا ) و الذى يسعى
لأقتناص لقب أغنى رجل فى ( مدينتنا ) ..
نجح العمال فى الحفاظ على نفس درجة حماستهم فى العمل بالمصنع لسنوات و أستمرت حتى بدايات عام ٢٠٢٢ و قد بدأت أسعار السلع و المنتجات رحلة الصعود المتواصل مع ثبات مرتباتهم و عدم مرافقتها لرحلة صعود الأسعار لتواكبها .. أثر ذلك بالسلب على نفسية العمال فتأثر أدائهم فى العمل لا سيما و قد بائت كل محاولاتهم فى طلب الزيادة للمرتبات بالفشل حيث تم تأجيل ذلك لأكثر من مرة مع وعود جوفاء عامة ، مما سمح لبذور الأنقلاب أن تتناثر فى أجواء المصنع فتنبت شيئآ فشيئآ حتى تعمقت جذورها و ....... [المزيد]