█ حصريا تحميل كتاب مجاناً PDF اونلاين 2024
❞ للصوم تأثير عجيب في حفظ الجوارح الظاهرة ، والقوى الباطنة وحميتها عن التخليط الجالب لها المواد الفاسدة التي إذا استولت عليها أفسدتها ، و استفراغ المواد الرديئة المانعة لها من صحتها ، فالصوم يحفظ على القلب والجوارح صحتها ، ويُعيد إليها ما استلبته منها أيدي الشهوات ، فهو من أكبر العون على التقوى كما قال تعالى ( يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُتب عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) ، ولما كان المقصود من الصيام حبس النفس عن الشهوات وفطامها عن المألوفات ، وتعديل قوتها الشهوانية ، لتستعد لطلب ما فيه غاية سعادتها ونعيمها ، وقبول ما تزكو به مما فيه حياتها الأبدية ويكسر الجوع والظمأ مِن حِدَّتِها وسَوْرتها ، ويُذكرها بحال الأكباد الجائعة من المساكين ، وتضيق مجاري الشيطان من العبد بتضييق مجاري الطعام والشراب ، وتحبس قوى الأعضاء عن استرسالها لحكم الطبيعة فيما يضرها في معاشها ومعادها ، ويُسكنُ كُلَّ عضو منها وكُل قوة عن جماحه ، وتُلجم بلجامه ، فهو لجام المتقين ، وجُنَّةُ المحاربين ، ورياضة الأبرار والمقربين ، وهو لرب العالمين من بين سائر الأعمال ، فإن الصائم لا يفعل شيئاً ، وإنما يترك شهوته وطعامه وشرابه من أجل معبوده ، فهو ترك محبوبات النفس وتلذذاتها إيثاراً لمحبة الله ومرضاته ، وهو سر بين العبد وربه لا يَطَّلِعُ عليه سواه ، والعباد قد يَطَّلِعُونَ منه على ترك المفطرات الظاهرة ، وأما كونه ترك طعامه وشرابه وشهوته من أجل معبوده ، فهو أمر لا يطلع عليه بشر ، وذلك حقيقة الصوم ، وقال النبي ﷺ ( الصَّوْمُ جُنَّة ) وأمَرَ مَن اشتدَّتْ عليه شَهوة النكاح ، ولا قدرة له عليه بالصيام ، وجعله وجَاءَ هذه الشهوة ، والمقصود أن مصالح الصوم لما كانت مشهودة بالعقول السليمة والفطر المستقيمة ، شرعه الله لعباده رحمة بهم ، وإحساناً إليهم ، وحميةً لهم وجُنَّةٌ . ❝