❞ وَلَمَّا عَادَ النَّاسُ بِالأَمْوَالِ الَّتِي جُمِعَتْ بِالشَّقَا وَبَعْضُهَا بِالسُّحْتِ، فَقَدْ كَانُوا يَتَنَاقَلُونَ حَيَاتَهُمْ فِي العِرَاقِ وَالكُوَيْتِ وَلِيبْيَا وَيَفْتِنُونَ عَلَى بَعْضِهِمْ بَعْضًا.\" \"فَمِنْ بَيْنِ الأَقَاصِيصِ الَّتِي قُصَّتْ أَنَّ بَعْضَهُمْ كَانَ يَلْتَقِي بِالعَرَافِيِّ أَوِ الكُوَيْتِيِّ وَيَتَمَسْكَنُ وَيَتَسَوَّلُ، وَكَانَ بَعْضُهُمْ يُحَارِبُ أَهْلَ بَلْدَتِهِ فِي أَكْلِ عَيْشِهِمْ وَيُرِيدُ أَنْ يَظَلَّ بِأَرْضِ الغُرْبَةِ وَحْدَهُ حَتَّى لَا يَنْعَمَ اللهُ عَلَى أَحَدٍ غَيْرِهِ. وَجُمِعَتِ الأَمْوَالُ بَعْضُهَا بِالسَّرِقَةِ وَبَعْضُهَا بِالتَّسَوُّلِ وَبَعْضُهَا بِالشَّقَا، وَكُلٌّ كَانَ يَرْبِطُ عَلَى بَطْنِهِ لِكَيْ لَا يَعُودَ لِلْفَقْرِ مَرَّةً أُخْرَى. ظَهَرَ مِنْ أَصْلَابِهِمْ جِيلٌ أَكْثَرُ بَحْثًا عَنِ الأَمْوَالِ وَالثَّرَاءِ السَّرِيعِ، وَمَا زَالَتْ بَلْدَتُنَا تَكْتَظُّ بِهَؤُلَاءِ، وَهَؤُلَاءِ أَشَدُّ كُفْرًا وَتَضْلِيلًا.\" \"نَسِيَ الكَلَّافُ وَالحَمَّالُ وَالسَّقَّا مِهْنَةَ وَالِدِهِ، وَبِالرَّغْمِ أَنَّهُ لَمْ يُغَيِّرْ وَاقِعَهُ فَقَدْ خَرَجَ مِنْ خِدْمَةِ بُيُوتِ النَّاسِ فِي بَلْدَتِهِ إِلَى خِدْمَةِ بُيُوتِ أُنَاسٍ فِي بِلَادٍ أُخْرَى. وَلَمْ يَكُنْ هَذَا عَيْبًا، وَلَكِنَّ العَيْبَ أَنْ يَتَكَبَّرَ الإِنْسَانُ أَوْ يَتَنَكَّرَ مِنْ وَاقِعِهِ أَوْ يَسْتَعِيرَ مِنْ بِيئَتِهِ وَنَشْأَتِهِ وَيَنْسَى فَضْلَ الَّذِينَ سَاهَمُوا فِي دُخُولِهِ بَلْدَتَنَا وَمَلَّكُوا أَهْلَهُ دِيَارًا وَأَرْضًا وَسَاعَدُوهُمْ فِي التَّعْلِيمِ وَالكِفَاحِ وَعَلَّمُوهُمْ وَأَطْعَمُوهُمْ. وَمَا كَبُرَ هَؤُلَاءِ إِلَّا مِنْ فَضْلِ هَؤُلَاءِ. وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا. ظَلَّتِ النَّاسُ وَمَا زَالَتْ تَتَذَكَّرُ أَجْدَادَنَا وَتَحْتَرِمُ وَالِدَيْنَا وَبَيْتَنَا إِلَى يَوْمِ النَّاسِ هَذَا.\" \"وَإِنْ كَانَ البَعْضُ تَجَرَّدَ مِنْ جِلْدِهِ وَأَرَادَ اِمْتِلَاكَ دَوْرٍ لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لَهُ، فَسَوْفَ تَظَلُّ رَايَةُ التَّارِيخِ المُتَجَدِّدَةِ تُسَبِّبُ لَهُ قَلَقًا وَتَعَبًا. وَرُبَّمَا كِتَابِي هَذَا مَصْدَرَ إِزْعَاجٍ لِبَعْضِهِمْ فَقَدْ يَتَحَسَّسُ أَحَدُهُمْ عَلَى رَأْسِهِ.\" \"ظَلَّ مَحْوَرُ الشَّرِّ بِبلدتنا يَتَجَدَّدُ وَيَتَكَاثَرُ لِلْأَسَفِ، وَنَقَلَ عُدْوَى الخُبْثِ لِنِصْفِ الأَجْيَالِ. فَرُبَّمَا تُشَاهِدُ رَجُلًا صَارَ أَبًا وَلَكِنَّهُ خَبِيثٌ وَيَفْرَحُ لِخُبْثِهِ، وَيَعِيشُ عَلَى النَّمِيمَةِ وَالِانْشِغَالِ بِأَسْرَارِ النَّاسِ وَتَتَبُّعِ عَوْرَاتِهِمْ وَتَنَاقُلِ أَكَاذِيبِ القَوْلِ عَنْهُمْ. إِنَّنَا تَعَرَّضْنَا لِمِثْلِ هَذَا وَلَكِنْ قَلِيلًا، لِأَنَّ بَيْتَنَا كَانَ وَمَا زَالَ مُخْتَلِفًا، فَلَمْ يَفْقِدْ هَيْبَتَهُ يَوْمًا، وَلِلَّهِ الحَمْدُ. لِأَنَّنَا كُنَّا مُنْشَغِلِينَ بِاللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَمْ نَنْشَغِلْ بِالقِيلِ وَالقَالِ وَبِمَنْ مَلَكَ أَوْ مَنْ سَرَقَ. بَلْ كَانَ بَيْتُنَا وَمَا زَالَ يَقُومُ بِوَاجِبِهِ الأَخْلَاقِيِّ تُجَاهَ النَّاسِ وَيُقَدِّمُ مَا لَدَيْهِ بِكَرَمٍ وَحُبٍّ.\" \"وَلَكِنَّ مَحْوَرَ الشَّرِّ شَاهَدْنَا مِنْهُمْ أَعْمَالًا كَانَتْ خَفِيَّةً وَمَكَائِدَ تُدَبَّرُ فِي الخَفَاءِ. فَمَثَلًا حِينَ رَحَلَ جَدِّي وَتَرَكَ أُمِّي طِفْلَةً صَغِيرَةً لَيْسَ مَعَهَا سِوَى أُمِّهَا وَعَمَّتِهَا، فَكَانَ ثَلَاثَتُهُنَّ يُوَاجِهْنَ نَهْبَ الأَرْضِ مِنَ الأَقَارِبِ. وَظَنَّ الأَقَارِبُ أَنَّهُنَّ نِسْوَةٌ، وَلَكِنَّ جَدَّتِي حَمَلَتِ البُنْدُقِيَّةَ وَضَرَبَتْ بِيَدٍ مِنْ حَدِيدٍ، وَحَمَلَتْ أُمِّي بُنْدُقِيَّةً.\" \"وَكَانَ مِنْ بَيْنِ الغُفَرِ الَّذِينَ لَمْ يَتْرُكُوا بَيْتَنَا الحَاجُّ عَبْدُ اللهِ وَقُبَيْصِي الجَحْشُ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ. وَمِنْ بَيْنِ مَنْ لَمْ يَتْرُكُوا خِدْمَةَ بَيْتِنَا فِي وَقْتِهَا مُحَمَّدُ صَابِرٌ وَالعَبْدُ عَبَّاسٌ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ، وَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ تَمَرَّتْ بِهِمُ العِشْرَةُ. اجْتَمَعَ أَيْضًا أَهْلُ الشَّرِّ مِمَّنْ جَاءُوا بِالأَمْوَالِ مِنْ خِدْمَةِ العِرَاقِيِّينَ وَالكُوَيْتِيَّةِ، وَظَنُّوا أَنَّ الأَمْوَالَ غَيَّرَتْ أَحْوَالَهُمْ وَمَعَادِنَهُمْ، وَجَلَبُوا أَهْلَ الشَّرِّ بِعَائِلَتِنَا لِيَتَوَسَّطُوا لَهُمْ فِي زَوَاجِ أُمِّي، وَتَقَدَّمُوا وَاحِدًا تِلْوَ الآخَرِ، وَبَعْضًا مِنْ أَبْنَاءِ العَائِلَةِ. وَلَكِنَّ أُمِّي، رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، رَفَضَتْهُمْ جَمِيعًا وَاخْتَارَتْ أَبِي، فَكَانَ رَجُلًا مِنْ ذَهَبٍ وَابْنَ حَسَبٍ وَنَسَبٍ وَذُو عِلْمٍ وَفِيرٍ وَصَاحِبَ مَقَامٍ وَهَيْبَةٍ. وَأَخْرَجَتْ عَائِلَةً بَعْدَمَا كَانَتْ وَحِيدَةً، وَرُبَّمَا هَذِهِ الصِّرَاعَاتُ الَّتِي وَاجَهَتْهَا هِيَ الَّتِي شَكَّلَتْ شَخْصِيَّتَهَا الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهَا.\" \"وَكَبُرْنَا وَكَبُرَ أَهْلُ الشَّرِّ وَكَبُرَ الشَّرُّ فِي نُفُوسِهِمُ المَرِيضَةِ. فَأَذْكُرُ حَادِثَةً دَبَّرَهَا أَرْبَعَةٌ مِنْ أَقْرِبَائِنَا، كَانَ أَبِي يَعْمَلُ بِمَرْكَزِ شُرْطَةِ جُهِينَةَ وَإِخْوَتِي بِالمَدْرَسَةِ، وَلَمْ أَدْخُلْ أَنَا المَدْرَسَةَ بَعْدُ، فَظَلِلْتُ أَنَا وَأُمِّي فَقَطْ بِالمَنْزِلِ. فَجَاءَنَا مَنْدُوبُ الجَمْعِيَّةِ الزِّرَاعِيَّةِ وَأَلَحَّ أَنْ تَأْتِيَ أُمِّي لِلتَّوْقِيعِ عَلَى اِسْتِلَامِ الكِيمَاوِيِّ وَأَنَّ الأَمْرَ ضَرُورِيٌّ وَلَابُدَّ أَنْ تَشَاهِدَ مَنْدُوبًا مِنَ الوِزَارَةِ. وَكَانَ إِلْحَاحُهُ العَجِيبُ وَالغَرِيبُ مَصْدَرَ شَكٍّ لِأُمِّي، رَحِمَهَا اللهُ وَرَضِيَ اللهُ عَنْهَا، وَلَكِنَّهَا وَافَقَتْ أَخِيرًا وَطَلَبَتْ مِنِّي أَنْ أَظَلَّ بِالْمَنْزِلِ، وَلَكِنِّي رَفَضْتُ وَأَلَحَحْتُ أَنْ أَذْهَبَ مَعَهَا. فَقَدْ كُنْتُ طِفْلًا، فَأَخَذَتْنِي مَعَهَا عَلَى مُضِضٍ وَقَلَقٍ. فَكَانَ غَفِيرُ المَدْرَسَةِ يَجْلِسُ عَلَى عَتَبَةِ مَنْدَرَةِ البَيْتِ، فَقَالَتْ أُمِّي لَهُ: \'خَلِّي بَالَكْ مِنَ البَوَّابَةِ\'. وَحِينَ ذَهَبْنَا لَمْ نَجِدْ أَحَدًا، فَقَالَ المَنْدُوبُ: \'اِنْتَظِرِي يَا بِنْتَ العُمْدَةِ، فَهُوَ ذَهَبَ يَتَفَقَّدُ شَيْئًا وَسَوْفَ يَأْتِي\'. وَلَكِنَّ أُمِّي أَخَذَتْنِي مِنْ يَدِي مُسْرِعَةً نَحْوَ البَيْتِ. وَحِينَ هَمَّتْ بِدُخُولِ المَنْزِلِ وَجَدَتِ الأَبْوَابَ مُغْلَقَةً مِنَ الدَّاخِلِ، فَقَدْ كَانَ البَابُ عِبَارَةً عَنْ بَوَّابَةٍ خَشَبِيَّةٍ كَبِيرَةٍ تُغْلَقُ بِغَلَقَةِ خَشَبٍ مِنَ الخَلْفِ طُولُ مِغْلَاقِهَا حَوَالِي مِتْرٍ وَنِصْفٍ. فَنَظَرْنَا مِنْ فَتَحَاتِ الخَشَبِ، فَوَجَدْنَا أَحَدَهُمْ يَجْرِي دَاخِلَ البَيْتِ. فَصَاحَتْ أُمِّي وَدَخَلَتْ عَلَى جِيرَانِنَا. \"فَأَحْضَرُوا لَهَا سُلَّمًا خَشَبِيًّا لَا يُفِي بِالغَرَضِ، فَصَعِدَتْ وَتَسَلَّقَتِ الحَائِطَ وَدَخَلَتِ البَيْتَ، فَلَمْ تَجِدْ أَحَدًا، وَلَكِنَّهَا وَجَدَتْ آثَارَهُمْ. وَحَضَرَ القَصَّاصُ، فَعَلِمَ حِذَاءَ اثْنَيْنِ مِنْهُمْ، وَلَمْ يَتَعَرَّفْ عَلَى حِذَاءِ الثَّالِثِ. الغَرِيبُ فِي الأَمْرِ أَنَّ أُمِّي لَمْ تُبْلِغِ الشُّرْطَةَ أَوْ تَتَّخِذْ أَيَّ مَوْقِفٍ، وَلَكِنَّهَا أَمْسَكَتْ سُبْحَتَهَا وَقَرَأَتْ يس وَقَالَتْ: \'حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ.\'\" \"وَلَمْ يَسْتَطِعِ اللُّصُوصُ الوُصُولَ إِلَى مُرَادِهِمْ، فَقَدْ كَانَ مُرَادُهُمُ الوَرَقَ وَحُجَجَ الأَرْضِ وَغَيْرَهَا، وَلَكِنَّ أُمِّي كَانَتْ تَضَعُ صُنْدُوقًا خَشَبِيًّا تَتَنَقَّلُ بِهِ بَيْنَ مَقَاعِدِهَا. فَكَانَ لَهَا مَقْعَدٌ فِي الدَّوْرِ الأَوَّلِ لِلشِّتَاءِ، وَمَقْعَدٌ بِالدَّوْرِ الثَّانِي لِلصَّيْفِ. وَكَانَ الصُّنْدُوقُ لَا يَحْتَوِي عَلَى أَشْيَاءَ مُهِمَّةٍ. أَمَّا الأَشْيَاءُ المُهِمَّةُ فَقَدْ صَنَعَتْ حِيلَةً لِتُخْبِئَهَا، فَهِيَ كَانَتْ بَيْنَ أُنَاسٍ يَطْمَعُونَ بِهَا وَيَسْتَكْثِرُونَ الخَيْرَ عَلَيْهَا.\" \"فَكَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ بَيْتِ عَمِّنَا المَهْجُورِ حَائِطٌ مُتَسَاوٍ مَعَ حَائِطِنَا، وَيُعَدُّ أَمْرًا سَهْلًا لِمَنْ دَخَلَ البَيْتَ المَهْجُورَ أَنْ يَتَسَلَّقَ حَائِطَنَا. فَوَضَعَتْ تَحْتَ هَذَا الحَائِطِ رَمْلًا كَثِيرًا وَدَفَنَتْ أَشْيَاءَهَا تَحْتَ الرَّمْلِ. فَدَاسَ اللُّصُوصُ الرَّمْلَ وَتَرَكُوا آثَارَهُمْ وَكَسَرُوا الصُّنْدُوقَ، فَلَمْ يَعْثُرُوا عَلَى مُرَادِهِمْ وَخَرَجُوا خَائِبِينَ. وَلَكِنَّ هَذِهِ الحَادِثَةَ جَعَلَتْ أُمِّي أَكْثَرَ حِرْصًا وَلَمْ تَثِقْ بِأَحَدٍ قَطُّ، وَخُصُوصًا أَنَّ اللُّصُوصَ كَانُوا أَشَدَّ قُرْبًا وَوُدًّا.\" \"وَخِلَالَ أُسْبُوعٍ وَاحِدٍ رَأَيْنَا صُنْعَ اللهِ بِلُصُوصٍ لَمْ يَسْرِقُوا شَيْئًا وَلَكِنَّهُمْ تَسَوَّرُوا بَيْتَنَا وَأَحْدَثُوا شَرْخًا أَلِيمًا بَيْنَ أُمِّي وَأَبِي وَزَعْزَعُوا الثِّقَةَ بَيْنَهُمَا. فَبَعْدَ هَذِهِ الحَادِثَةِ لَمْ تُعْطِ أُمِّي ثِقَةً بِأَحَدٍ.\" \"فَقَدْ مَاتَ ابْنُ أَحَدِهِمُ الوَحِيدُ وَشُلَّ الآخَرُونَ، وَاعْتَرَفَ مَنْ مَاتَ ابْنُهُ عَلَيْهِمْ وَسَطَ حَشْدِ النَّاسِ وَأَقَرَّ بِفِعْلَتِهِ، وَجَاءُوا جَمِيعًا يَعْتَذِرُونَ. وَلَكِنْ كَانَ الأَمْرُ بَدَايَةً لِنِهَايَةِ العَلَاقَةِ بَيْنَ عَمُودَيِ البَيْتِ (أُمِّي وَأَبِي).\" \"ظَلَّتِ العَلَاقَةُ مَوْجُودَةً لِفَتْرَةٍ طَوِيلَةٍ بَعْدَ ذَلِكَ، وَلَكِنَّهَا لَمْ تَعُدْ لِمَا كَانَتْ عَلَيْهِ، وَهَذَا كَانَ كَفِيلًا أَنْ يُحْدِثَ شَرْخًا عَمِيقًا بِجِدَارِ العَلَاقَةِ.\" \"وَمِنْ مَحْوَرِ الشَّرِّ الَّذِي مَا زَالَ يُعَشِّشُ بَيْنَنَا حَتَّى اليَوْمِ سَفَاهَةُ البَعْضِ الَّتِي صَارَتْ شَيْئًا مُحَبَّبًا لِلْبَعْضِ، وَأَيْضًا مَوْضُوعُ المُنَافَسَةِ فِي رَفْعِ تَكَالِيفِ الجَوَازِ وَالمُهُورِ. وَهَذَا أَمْرٌ ابْتَدَعَهُ مُغْتَرِبُو الكُوَيْتِ الَّذِينَ أَغْنَاهُمُ اللهُ بِالأَمْوَالِ وَافْتَقَرُوا لِلْفَهْمِ وَالأَدَبِ وَالتَّوَاضُعِ. وَنَسِيَ بَعْضُهُمْ أَصْلَهُ وَتَنَكَّرَ لِذَلِكَ، وَظَنَّ أَنَّهُ حِينَ يُنَاسِبُ بِنْتَ فُلَانٍ سَيَكُونُ شَرَفًا لَهُ أَكْبَرُ، وَعَلَيْهِ لِيَنَالَ إِعْجَابَهَا أَنْ يُقَدِّمَ مَهْرًا مُبَالَغًا فِيهِ. وَأَيْضًا مَا سَمَحَ بِذَلِكَ طَمَعُ بَعْضٍ مِمَّنْ يُحْسَبُونَ عَلَى أَبْنَاءِ الأُصُولِ، وَنَظْرَتُهُمْ لِلْمَالِ أَكْثَرُ مِنْ نَظْرَتِهِمْ لِلأَصْلِ وَالعِلْمِ وَالتَّقْوَى. فَتَرَى مَهْرَةً تَزَوَّجَتْ جَحْشًا، وَتَرَى جَرْوًا تَزَوَّجَ مِنْ غَزَالَةٍ.\" \"فَأَخْرَجُوا أَجْيَالًا أَكْثَرَ مَسْخًا، وَزَادَتْ مَسَاحَةُ الحِقْدِ وَالضَّغِينَةِ وَالتَّكَبُّرِ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَصَارَتِ النَّاسُ غَيْرَ النَّاسِ. وَرُبَّمَا لَوْ سَارَتِ الأُمُورُ عَلَى هَذَا النَّحْوِ، لَوَجَدْنَا بَلْدَةً يَكْرَهُ العَابِرُونَ عُبُورَهَا، وَيَكْرَهُ السَّائِلُونَ سُؤَالَهَا، وَيَكْرَهُ الوَاعِظُونَ وَعْظَهَا.\" #العمدة #بيت_من_بيوت_الصوفية. ❝ ⏤اسماعيل حسانين العمدة
قراءة المزيد .. ❞ وَلَمَّا عَادَ النَّاسُ بِالأَمْوَالِ الَّتِي جُمِعَتْ بِالشَّقَا وَبَعْضُهَا بِالسُّحْتِ، فَقَدْ كَانُوا يَتَنَاقَلُونَ حَيَاتَهُمْ فِي العِرَاقِ وَالكُوَيْتِ وَلِيبْيَا وَيَفْتِنُونَ عَلَى بَعْضِهِمْ بَعْضًا.˝
˝فَمِنْ بَيْنِ الأَقَاصِيصِ الَّتِي قُصَّتْ أَنَّ بَعْضَهُمْ كَانَ يَلْتَقِي بِالعَرَافِيِّ أَوِ الكُوَيْتِيِّ وَيَتَمَسْكَنُ وَيَتَسَوَّلُ، وَكَانَ بَعْضُهُمْ يُحَارِبُ أَهْلَ بَلْدَتِهِ فِي أَكْلِ عَيْشِهِمْ وَيُرِيدُ أَنْ يَظَلَّ بِأَرْضِ الغُرْبَةِ وَحْدَهُ حَتَّى لَا يَنْعَمَ اللهُ عَلَى أَحَدٍ غَيْرِهِ. وَجُمِعَتِ الأَمْوَالُ بَعْضُهَا بِالسَّرِقَةِ وَبَعْضُهَا بِالتَّسَوُّلِ وَبَعْضُهَا بِالشَّقَا، وَكُلٌّ كَانَ يَرْبِطُ عَلَى بَطْنِهِ لِكَيْ لَا يَعُودَ لِلْفَقْرِ مَرَّةً أُخْرَى. ظَهَرَ مِنْ أَصْلَابِهِمْ جِيلٌ أَكْثَرُ بَحْثًا عَنِ الأَمْوَالِ وَالثَّرَاءِ السَّرِيعِ، وَمَا زَالَتْ بَلْدَتُنَا تَكْتَظُّ بِهَؤُلَاءِ، وَهَؤُلَاءِ أَشَدُّ كُفْرًا وَتَضْلِيلًا.˝
˝نَسِيَ الكَلَّافُ وَالحَمَّالُ وَالسَّقَّا مِهْنَةَ وَالِدِهِ، وَبِالرَّغْمِ أَنَّهُ لَمْ يُغَيِّرْ وَاقِعَهُ فَقَدْ خَرَجَ مِنْ خِدْمَةِ بُيُوتِ النَّاسِ فِي بَلْدَتِهِ إِلَى خِدْمَةِ بُيُوتِ أُنَاسٍ فِي بِلَادٍ أُخْرَى. وَلَمْ يَكُنْ هَذَا عَيْبًا، وَلَكِنَّ العَيْبَ أَنْ يَتَكَبَّرَ الإِنْسَانُ أَوْ يَتَنَكَّرَ مِنْ وَاقِعِهِ أَوْ يَسْتَعِيرَ مِنْ بِيئَتِهِ وَنَشْأَتِهِ وَيَنْسَى فَضْلَ الَّذِينَ سَاهَمُوا فِي دُخُولِهِ بَلْدَتَنَا وَمَلَّكُوا أَهْلَهُ دِيَارًا وَأَرْضًا وَسَاعَدُوهُمْ فِي التَّعْلِيمِ وَالكِفَاحِ وَعَلَّمُوهُمْ وَأَطْعَمُوهُمْ. وَمَا كَبُرَ هَؤُلَاءِ إِلَّا مِنْ فَضْلِ هَؤُلَاءِ. وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا.
ظَلَّتِ النَّاسُ وَمَا زَالَتْ تَتَذَكَّرُ أَجْدَادَنَا وَتَحْتَرِمُ وَالِدَيْنَا وَبَيْتَنَا إِلَى يَوْمِ النَّاسِ هَذَا.˝
˝وَإِنْ كَانَ البَعْضُ تَجَرَّدَ مِنْ جِلْدِهِ وَأَرَادَ اِمْتِلَاكَ دَوْرٍ لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لَهُ، فَسَوْفَ تَظَلُّ رَايَةُ التَّارِيخِ المُتَجَدِّدَةِ تُسَبِّبُ لَهُ قَلَقًا وَتَعَبًا. وَرُبَّمَا كِتَابِي هَذَا مَصْدَرَ إِزْعَاجٍ لِبَعْضِهِمْ فَقَدْ يَتَحَسَّسُ أَحَدُهُمْ عَلَى رَأْسِهِ.˝
˝ظَلَّ مَحْوَرُ الشَّرِّ بِبلدتنا يَتَجَدَّدُ وَيَتَكَاثَرُ لِلْأَسَفِ، وَنَقَلَ عُدْوَى الخُبْثِ لِنِصْفِ الأَجْيَالِ. فَرُبَّمَا تُشَاهِدُ رَجُلًا صَارَ أَبًا وَلَكِنَّهُ خَبِيثٌ وَيَفْرَحُ لِخُبْثِهِ، وَيَعِيشُ عَلَى النَّمِيمَةِ وَالِانْشِغَالِ بِأَسْرَارِ النَّاسِ وَتَتَبُّعِ عَوْرَاتِهِمْ وَتَنَاقُلِ أَكَاذِيبِ القَوْلِ عَنْهُمْ. إِنَّنَا تَعَرَّضْنَا لِمِثْلِ هَذَا وَلَكِنْ قَلِيلًا، لِأَنَّ بَيْتَنَا كَانَ وَمَا زَالَ مُخْتَلِفًا، فَلَمْ يَفْقِدْ هَيْبَتَهُ يَوْمًا، وَلِلَّهِ الحَمْدُ. لِأَنَّنَا كُنَّا مُنْشَغِلِينَ بِاللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَمْ نَنْشَغِلْ بِالقِيلِ وَالقَالِ وَبِمَنْ مَلَكَ أَوْ مَنْ سَرَقَ. بَلْ كَانَ بَيْتُنَا وَمَا زَالَ يَقُومُ بِوَاجِبِهِ الأَخْلَاقِيِّ تُجَاهَ النَّاسِ وَيُقَدِّمُ مَا لَدَيْهِ بِكَرَمٍ وَحُبٍّ.˝
˝وَلَكِنَّ مَحْوَرَ الشَّرِّ شَاهَدْنَا مِنْهُمْ أَعْمَالًا كَانَتْ خَفِيَّةً وَمَكَائِدَ تُدَبَّرُ فِي الخَفَاءِ. فَمَثَلًا حِينَ رَحَلَ جَدِّي وَتَرَكَ أُمِّي طِفْلَةً صَغِيرَةً لَيْسَ مَعَهَا سِوَى أُمِّهَا وَعَمَّتِهَا، فَكَانَ ثَلَاثَتُهُنَّ يُوَاجِهْنَ نَهْبَ الأَرْضِ مِنَ الأَقَارِبِ. وَظَنَّ الأَقَارِبُ أَنَّهُنَّ نِسْوَةٌ، وَلَكِنَّ جَدَّتِي حَمَلَتِ البُنْدُقِيَّةَ وَضَرَبَتْ بِيَدٍ مِنْ حَدِيدٍ، وَحَمَلَتْ أُمِّي بُنْدُقِيَّةً.˝
˝وَكَانَ مِنْ بَيْنِ الغُفَرِ الَّذِينَ لَمْ يَتْرُكُوا بَيْتَنَا الحَاجُّ عَبْدُ اللهِ وَقُبَيْصِي الجَحْشُ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ.
وَمِنْ بَيْنِ مَنْ لَمْ يَتْرُكُوا خِدْمَةَ بَيْتِنَا فِي وَقْتِهَا مُحَمَّدُ صَابِرٌ وَالعَبْدُ عَبَّاسٌ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ، وَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ تَمَرَّتْ بِهِمُ العِشْرَةُ.
اجْتَمَعَ أَيْضًا أَهْلُ الشَّرِّ مِمَّنْ جَاءُوا بِالأَمْوَالِ مِنْ خِدْمَةِ العِرَاقِيِّينَ وَالكُوَيْتِيَّةِ، وَظَنُّوا أَنَّ الأَمْوَالَ غَيَّرَتْ أَحْوَالَهُمْ وَمَعَادِنَهُمْ، وَجَلَبُوا أَهْلَ الشَّرِّ بِعَائِلَتِنَا لِيَتَوَسَّطُوا لَهُمْ فِي زَوَاجِ أُمِّي، وَتَقَدَّمُوا وَاحِدًا تِلْوَ الآخَرِ، وَبَعْضًا مِنْ أَبْنَاءِ العَائِلَةِ. وَلَكِنَّ أُمِّي، رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، رَفَضَتْهُمْ جَمِيعًا وَاخْتَارَتْ أَبِي، فَكَانَ رَجُلًا مِنْ ذَهَبٍ وَابْنَ حَسَبٍ وَنَسَبٍ وَذُو عِلْمٍ وَفِيرٍ وَصَاحِبَ مَقَامٍ وَهَيْبَةٍ. وَأَخْرَجَتْ عَائِلَةً بَعْدَمَا كَانَتْ وَحِيدَةً، وَرُبَّمَا هَذِهِ الصِّرَاعَاتُ الَّتِي وَاجَهَتْهَا هِيَ الَّتِي شَكَّلَتْ شَخْصِيَّتَهَا الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهَا.˝
˝وَكَبُرْنَا وَكَبُرَ أَهْلُ الشَّرِّ وَكَبُرَ الشَّرُّ فِي نُفُوسِهِمُ المَرِيضَةِ.
فَأَذْكُرُ حَادِثَةً دَبَّرَهَا أَرْبَعَةٌ مِنْ أَقْرِبَائِنَا، كَانَ أَبِي يَعْمَلُ بِمَرْكَزِ شُرْطَةِ جُهِينَةَ وَإِخْوَتِي بِالمَدْرَسَةِ، وَلَمْ أَدْخُلْ أَنَا المَدْرَسَةَ بَعْدُ، فَظَلِلْتُ أَنَا وَأُمِّي فَقَطْ بِالمَنْزِلِ. فَجَاءَنَا مَنْدُوبُ الجَمْعِيَّةِ الزِّرَاعِيَّةِ وَأَلَحَّ أَنْ تَأْتِيَ أُمِّي لِلتَّوْقِيعِ عَلَى اِسْتِلَامِ الكِيمَاوِيِّ وَأَنَّ الأَمْرَ ضَرُورِيٌّ وَلَابُدَّ أَنْ تَشَاهِدَ مَنْدُوبًا مِنَ الوِزَارَةِ.
وَكَانَ إِلْحَاحُهُ العَجِيبُ وَالغَرِيبُ مَصْدَرَ شَكٍّ لِأُمِّي، رَحِمَهَا اللهُ وَرَضِيَ اللهُ عَنْهَا، وَلَكِنَّهَا وَافَقَتْ أَخِيرًا وَطَلَبَتْ مِنِّي أَنْ أَظَلَّ بِالْمَنْزِلِ، وَلَكِنِّي رَفَضْتُ وَأَلَحَحْتُ أَنْ أَذْهَبَ مَعَهَا.
فَقَدْ كُنْتُ طِفْلًا، فَأَخَذَتْنِي مَعَهَا عَلَى مُضِضٍ وَقَلَقٍ. فَكَانَ غَفِيرُ المَدْرَسَةِ يَجْلِسُ عَلَى عَتَبَةِ مَنْدَرَةِ البَيْتِ، فَقَالَتْ أُمِّي لَهُ: ˝خَلِّي بَالَكْ مِنَ البَوَّابَةِ˝.
وَحِينَ ذَهَبْنَا لَمْ نَجِدْ أَحَدًا، فَقَالَ المَنْدُوبُ: ˝اِنْتَظِرِي يَا بِنْتَ العُمْدَةِ، فَهُوَ ذَهَبَ يَتَفَقَّدُ شَيْئًا وَسَوْفَ يَأْتِي˝. وَلَكِنَّ أُمِّي أَخَذَتْنِي مِنْ يَدِي مُسْرِعَةً نَحْوَ البَيْتِ. وَحِينَ هَمَّتْ بِدُخُولِ المَنْزِلِ وَجَدَتِ الأَبْوَابَ مُغْلَقَةً مِنَ الدَّاخِلِ، فَقَدْ كَانَ البَابُ عِبَارَةً عَنْ بَوَّابَةٍ خَشَبِيَّةٍ كَبِيرَةٍ تُغْلَقُ بِغَلَقَةِ خَشَبٍ مِنَ الخَلْفِ طُولُ مِغْلَاقِهَا حَوَالِي مِتْرٍ وَنِصْفٍ. فَنَظَرْنَا مِنْ فَتَحَاتِ الخَشَبِ، فَوَجَدْنَا أَحَدَهُمْ يَجْرِي دَاخِلَ البَيْتِ. فَصَاحَتْ أُمِّي وَدَخَلَتْ عَلَى جِيرَانِنَا.
˝فَأَحْضَرُوا لَهَا سُلَّمًا خَشَبِيًّا لَا يُفِي بِالغَرَضِ، فَصَعِدَتْ وَتَسَلَّقَتِ الحَائِطَ وَدَخَلَتِ البَيْتَ، فَلَمْ تَجِدْ أَحَدًا، وَلَكِنَّهَا وَجَدَتْ آثَارَهُمْ. وَحَضَرَ القَصَّاصُ، فَعَلِمَ حِذَاءَ اثْنَيْنِ مِنْهُمْ، وَلَمْ يَتَعَرَّفْ عَلَى حِذَاءِ الثَّالِثِ. الغَرِيبُ فِي الأَمْرِ أَنَّ أُمِّي لَمْ تُبْلِغِ الشُّرْطَةَ أَوْ تَتَّخِذْ أَيَّ مَوْقِفٍ، وَلَكِنَّهَا أَمْسَكَتْ سُبْحَتَهَا وَقَرَأَتْ يس وَقَالَتْ: ˝حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ.˝˝
˝وَلَمْ يَسْتَطِعِ اللُّصُوصُ الوُصُولَ إِلَى مُرَادِهِمْ، فَقَدْ كَانَ مُرَادُهُمُ الوَرَقَ وَحُجَجَ الأَرْضِ وَغَيْرَهَا، وَلَكِنَّ أُمِّي كَانَتْ تَضَعُ صُنْدُوقًا خَشَبِيًّا تَتَنَقَّلُ بِهِ بَيْنَ مَقَاعِدِهَا. فَكَانَ لَهَا مَقْعَدٌ فِي الدَّوْرِ الأَوَّلِ لِلشِّتَاءِ، وَمَقْعَدٌ بِالدَّوْرِ الثَّانِي لِلصَّيْفِ. وَكَانَ الصُّنْدُوقُ لَا يَحْتَوِي عَلَى أَشْيَاءَ مُهِمَّةٍ. أَمَّا الأَشْيَاءُ المُهِمَّةُ فَقَدْ صَنَعَتْ حِيلَةً لِتُخْبِئَهَا، فَهِيَ كَانَتْ بَيْنَ أُنَاسٍ يَطْمَعُونَ بِهَا وَيَسْتَكْثِرُونَ الخَيْرَ عَلَيْهَا.˝
˝فَكَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ بَيْتِ عَمِّنَا المَهْجُورِ حَائِطٌ مُتَسَاوٍ مَعَ حَائِطِنَا، وَيُعَدُّ أَمْرًا سَهْلًا لِمَنْ دَخَلَ البَيْتَ المَهْجُورَ أَنْ يَتَسَلَّقَ حَائِطَنَا. فَوَضَعَتْ تَحْتَ هَذَا الحَائِطِ رَمْلًا كَثِيرًا وَدَفَنَتْ أَشْيَاءَهَا تَحْتَ الرَّمْلِ. فَدَاسَ اللُّصُوصُ الرَّمْلَ وَتَرَكُوا آثَارَهُمْ وَكَسَرُوا الصُّنْدُوقَ، فَلَمْ يَعْثُرُوا عَلَى مُرَادِهِمْ وَخَرَجُوا خَائِبِينَ. وَلَكِنَّ هَذِهِ الحَادِثَةَ جَعَلَتْ أُمِّي أَكْثَرَ حِرْصًا وَلَمْ تَثِقْ بِأَحَدٍ قَطُّ، وَخُصُوصًا أَنَّ اللُّصُوصَ كَانُوا أَشَدَّ قُرْبًا وَوُدًّا.˝
˝وَخِلَالَ أُسْبُوعٍ وَاحِدٍ رَأَيْنَا صُنْعَ اللهِ بِلُصُوصٍ لَمْ يَسْرِقُوا شَيْئًا وَلَكِنَّهُمْ تَسَوَّرُوا بَيْتَنَا وَأَحْدَثُوا شَرْخًا أَلِيمًا بَيْنَ أُمِّي وَأَبِي وَزَعْزَعُوا الثِّقَةَ بَيْنَهُمَا. فَبَعْدَ هَذِهِ الحَادِثَةِ لَمْ تُعْطِ أُمِّي ثِقَةً بِأَحَدٍ.˝
˝فَقَدْ مَاتَ ابْنُ أَحَدِهِمُ الوَحِيدُ وَشُلَّ الآخَرُونَ، وَاعْتَرَفَ مَنْ مَاتَ ابْنُهُ عَلَيْهِمْ وَسَطَ حَشْدِ النَّاسِ وَأَقَرَّ بِفِعْلَتِهِ، وَجَاءُوا جَمِيعًا يَعْتَذِرُونَ. وَلَكِنْ كَانَ الأَمْرُ بَدَايَةً لِنِهَايَةِ العَلَاقَةِ بَيْنَ عَمُودَيِ البَيْتِ
(أُمِّي وَأَبِي) .˝
˝ظَلَّتِ العَلَاقَةُ مَوْجُودَةً لِفَتْرَةٍ طَوِيلَةٍ بَعْدَ ذَلِكَ، وَلَكِنَّهَا لَمْ تَعُدْ لِمَا كَانَتْ عَلَيْهِ، وَهَذَا كَانَ كَفِيلًا أَنْ يُحْدِثَ شَرْخًا عَمِيقًا بِجِدَارِ العَلَاقَةِ.˝
˝وَمِنْ مَحْوَرِ الشَّرِّ الَّذِي مَا زَالَ يُعَشِّشُ بَيْنَنَا حَتَّى اليَوْمِ سَفَاهَةُ البَعْضِ الَّتِي صَارَتْ شَيْئًا مُحَبَّبًا لِلْبَعْضِ، وَأَيْضًا مَوْضُوعُ المُنَافَسَةِ فِي رَفْعِ تَكَالِيفِ الجَوَازِ وَالمُهُورِ. وَهَذَا أَمْرٌ ابْتَدَعَهُ مُغْتَرِبُو الكُوَيْتِ الَّذِينَ أَغْنَاهُمُ اللهُ بِالأَمْوَالِ وَافْتَقَرُوا لِلْفَهْمِ وَالأَدَبِ وَالتَّوَاضُعِ. وَنَسِيَ بَعْضُهُمْ أَصْلَهُ وَتَنَكَّرَ لِذَلِكَ، وَظَنَّ أَنَّهُ حِينَ يُنَاسِبُ بِنْتَ فُلَانٍ سَيَكُونُ شَرَفًا لَهُ أَكْبَرُ، وَعَلَيْهِ لِيَنَالَ إِعْجَابَهَا أَنْ يُقَدِّمَ مَهْرًا مُبَالَغًا فِيهِ. وَأَيْضًا مَا سَمَحَ بِذَلِكَ طَمَعُ بَعْضٍ مِمَّنْ يُحْسَبُونَ عَلَى أَبْنَاءِ الأُصُولِ، وَنَظْرَتُهُمْ لِلْمَالِ أَكْثَرُ مِنْ نَظْرَتِهِمْ لِلأَصْلِ وَالعِلْمِ وَالتَّقْوَى. فَتَرَى مَهْرَةً تَزَوَّجَتْ جَحْشًا، وَتَرَى جَرْوًا تَزَوَّجَ مِنْ غَزَالَةٍ.˝
˝فَأَخْرَجُوا أَجْيَالًا أَكْثَرَ مَسْخًا، وَزَادَتْ مَسَاحَةُ الحِقْدِ وَالضَّغِينَةِ وَالتَّكَبُّرِ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَصَارَتِ النَّاسُ غَيْرَ النَّاسِ. وَرُبَّمَا لَوْ سَارَتِ الأُمُورُ عَلَى هَذَا النَّحْوِ، لَوَجَدْنَا بَلْدَةً يَكْرَهُ العَابِرُونَ عُبُورَهَا، وَيَكْرَهُ السَّائِلُونَ سُؤَالَهَا، وَيَكْرَهُ الوَاعِظُونَ وَعْظَهَا.˝
#العمدة #بيت_من_بيوت_الصوفية .
❝