❞ \"وَكَانَ مِنْ بَيْنِ رِجَالِهَا الأَوْلِيَاءِ الشَّيْخُ دَهَّانٌ، رَحِمَهُ اللهُ وَرَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَقَدْ كَانَ زَاهِدًا عَابِدًا وَقَدْ شَهِدْتُ لَهُ وَمَا زِلْتُ أَتَذَكَّرُ بَعْضَ الوَقَائِعِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى كَرَامَاتِهِ وَخُلُقِهِ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. حَيْثُ بَحَثَتْ أُمِّي، رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، فِي خُنُونِ الحَمَامِ فَلَمْ تَجِدْ غَيْرَ زَوْجٍ مِنَ الحَمَامِ الجَاهِزِ لِلذَّبْحِ وَالزَّوْجُ لَا يَكْفِي بَاقِي الأُسْرَةِ. فَحِينَ أَمْسَكَتْ بِهِمَا صَحْتُ وَأَنَا صَغِيرٌ وَكُنْتُ لَا آكُلُ اللَّحْمَ بَعْدَ رَحِيلِ عَائِشَةَ أُمِّ الخَيْرِ وَقُلْتُ سَآكُلُ هَذَيْنِ الحَمَامَتَيْنِ. فَضَحِكَتْ أُمِّي وَفَرِحَتْ لِذَلِكَ وَقَالَتْ سَأَذْبَحُهُمَا وَأَسْوِيْهِمَا لَكِ وَلَوْ أَكَلْتَهُمَا سَأُحْضِرُ لَكِ دَرَّاجَةً جَدِيدَةً غَيْرَ الَّتِي حَطَّمْتِهَا، وَضَحِكْنَا وَسَاعَدْتُهَا وَقَدْ كُنْتُ مَا زِلْتُ طِفْلًا لَمْ أَدْخُلِ المَدْرَسَةَ بَعْدُ.\" \"وَحِينَ اِسْتَوَيَا طَرَقَ البَابَ فَفَتَحَتِ البَابَ فَإِذَا بِالشَّيْخِ دَهَّانٍ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَقَدْ كَانَ يَعِيشُ فِي بَنِي حَمِيلٍ أَقْصَى بِلَادِ الصَّعِيدِ. وَقَدْ جَاءَ فِي غَيْرِ مَوْعِدِ الشَّيْخِ وَقَدْ كَانَ نَقِيبًا لِشَيْخِ الطَّرِيقَةِ وَكَانَ مُنْشِدَهَا، فَقَالَتْ لَهُ أُمِّي: كَمْ أَنْتَ كَرِيمٌ يَا مَوْلَانَا، وَوَضَعَتْ أَمَامَهُ الحَمَامَتَيْنِ بِطَبِيخِهِمَا وَطَلَبَاتِهِمَا. وَأَنَا وَقَفْتُ أَتَفَرَّجُ عَلَى الحَمَامَتَيْنِ الَّتَيْنِ حَلِمْتُ أَنْ يَكُونَا لِي، فَقَدْ مَرَّ وَقْتٌ طَوِيلٌ لَمْ آكُلْ الحَمَامَ وَاللُّحُومَ بِأَنْوَاعِهَا. وَحِينَ نَوَيْتُ الأَكْلَ يَأْتِي ذَلِكَ الرَّجُلُ فَيَأْخُذُ طَعَامِي، يَا لَهُ مِنْ رَجُلٍ شِرِّيرٍ.\" \"وَظَلِلْتُ أُحَدِّثُ نَفْسِي، فَأَخَذَتْنِي أُمِّي بِيَدِهَا وَانْصَرَفْنَا وَتَرَكْنَاهُ يَنْفَرِدُ بِطَعَامِي الشَّهِيِّ. أَعَدَّتْ أُمِّي لَهُ الشَّايَ وَقَالَتْ: \"اِذْهَبْ بِهِ إِلَيْهِ\". فَلَمَّا دَخَلْتُ عَلَيْهِ قُلْتُ بِغَضَبٍ: \"تَفَضَّلِ الشَّايَ\".\" \"فَضَحِكَ رَحِمَهُ اللهُ وَأَمْسَكَنِي وَأَجْلَسَنِي وَقَالَ لِي: \"اِجْلِسْ يَا بُو السِّبَاعِ يَا طَوِيلَ البَاعِ وَكُلْ طَعَامَكَ الشَّهِيَّ\". وَأَزَاحَ البَشْكِيرَ مِنْ فَوْقِ الطَّعَامِ، فَإِذَا الحَمَامَتَانِ سَلِيمَتَانِ كَمَا هُمَا. يَا اللهُ، لَقَدْ أَكَلَ بَعْضَ الأَرُزِّ وَالطَّبِيخِ وَتَرَكَ الحَمَامَتَيْنِ كَمَا هُمَا.\" \"وَلَكِنْ كَيْفَ ذَلِكَ وَقَدْ شَاهَدْتُهُ بِأُمِّ عَيْنِي يَقْطُمُ الحَمَامَ بِنَيَابِهِ المُتَآكِلَةِ؟ رُبَّمَا كُنْتُ أَحْلَمُ، وَاللهُ أَعْلَمُ.\" \"فَقُلْتُ لَهُ وَقَدْ اَعْتَرَانِي الخَجَلُ: \"لَا، لَنْ آكُلَ، فَكُلْهُمَا أَنْتَ بِالهَنَاءِ وَالشِّفَاءِ\". فَأَقْسَمَ عَلَيَّ حَتَّى أَكَلْتُ. دَخَلَتْ أُمِّي فَهَمَّتْ لِتَنْهَرَنِي، فَمَنَعَهَا وَقَالَ لَهَا: \"وَاللهِ أَكَلْتُ نَصِيبِي وَهَذَا نَصِيبُهُ\". فَالحَمْدُ لِلهِ أَنَّهُ أَكَلَ الحَمَامَ وَعَادَ يَأْكُلُ مِنْ جَدِيدٍ. فقَرَأَ لِي ودعا وَقَالَ: \"اِبْنُكَ هَذَا سَيَفْتَحُ البَيْتَ وَيَكُونُ ذُو شَأْنٍ عَظِيمٍ\". وَبَعْدَمَا أَكَلْنَا، جَلَسْتُ مَعَهُ يُعَلِّمُنِي مِمَّا أَفَاضَ اللهُ بِهِ عَلَيْهِ.\" وَمِنْ بَيْنِ مَا تَعَلَّمْتُهُ مِنْهُ الحُبَّ، أَنْ تُحِبَّ اللهَ وَتُعْطِيَهُ قَدْرَهُ وَتُطِيعَهُ فِي الغَيْبِ وَبِالغَيْبِ، وَأَنْ تَكُونَ مُؤَدَّبًا مَعَ اللهِ. وَضَرَبَ لِي مَثَلًا قَائِلًا: \"أَتَدْرِي إِنْ وَقَفْتَ أَمَامَ أَبِيكَ، فَمَاذَا سَتَفْعَلُ؟\" قُلْتُ: \"أَنْكُثُ وَجْهِي لِلْأَسْفَلِ وَأَقِفُ انْتِبَاهًا\". قَالَ: \"اللهُ خَالِقُ أَبِيكَ وَخَالِقُ الجَمِيعِ. أَتَدْرِي إِنْ وَقَفْتَ أَمَامَ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ الدُّنْيَا وَأَمَرَكَ بِأَمْرٍ فَقُلْتَ لَهُ لَا أُطِيعُهُ، فَأَنَا لَا يَأْمُرُنِي غَيْرُ أَبِي\". فَضَحِكَ وَقَالَ: \"اللهُ قَبْلَ أَبِيكَ يَا إِسْمَاعِيلُ\". وَمِنْ بَيْنِ كَرَامَاتِهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، كَانَ يُنْشِدُ ذَاتَ مَرَّةٍ أَمَامَ بَيْتِنَا وَالنَّاسُ كَغُثَاءِ السَّيْلِ يَسْتَمِعُونَ. فَنَادَاهُ الشَّيْخُ فَتَرَكَ الحَضْرَةَ وَدَخَلَ لِلشَّيْخِ وَكَانَ صَوْتُهُ يُنْشِدُ، وَقَدْ لَاحَظَ ذَلِكَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَأَصَابَتْهُمْ قَشْعَرِيرَةٌ تُشْبِهُ مَاسَ الكَهْرَبَاءِ الشَّدِيدِ، فَسَقَطُوا عَلَى الأَرْضِ صَرْعَى، فَأَنْهَضَهُمْ أَبِي وَاحِدًا تِلْوَ الآخَرِ. \"وذَاتَ يَوْمٍ جَاءَ هُوَ وَالسَّيِّدُ عَبْدُ الرَّحِيمِ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، وَالسَّيِّدُ عَبْدُ الرَّحِيمِ دَرْوِيشٌ زَاهِدٌ كَانَ مِنْ قَرْيَةٍ مُجَاوِرَةٍ لَنَا. وَيَبْدُو أَنَّ الشَّيْخَ دَهَّانَ ذَهَبَ إِلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِينَا، ثُمَّ اصْطَحَبَهُ قَاصِدًا بَيْتَنَا. فَكُنْتُ بِحَقْلٍ لَنَا فِي أَوَّلِ البَلْدِ حَيْثُ ذَهَبْتُ لِأُعْطِي غَدَاءً وَمَاءً لِلْعُمَّالِ وَمَعَهُمْ إِخْوَتِي. وَأَنَا فِي طَرِيقِ العَوْدَةِ اِلْتَقَيْتُهُمَا رَاكِبَيْنِ فَوْقَ حِمَارَةِ العَمِّ السَّيِّدِ، فَعَرَفَانِي قَبْلَ أَنْ أَتَعَرَّفَ عَلَيْهِمَا.\" \"وَقَدْ كُنْتُ أَسِيرُ بِعَجَلَتِي، فَنَزَلْتُ وَأَمْسَكْتُ بِهَا وَسِرْتُ مَاشِيًا بِجِوَارِهِمَا. فَقَالَ لِي الشَّيْخُ دَهَّانُ: \"اِرْكَبْ وَاسْبِقْنَا وَأَخْبِرْ وَالِدَتَكَ أَنَّنَا قَادِمُونَ\". فَحِينَ جِئْتُ أَرْكَبُ البِسْكِلِتَةَ، وَقَعْتُ عَلَى الأَرْضِ. فَقَالَ: \"حَيَّ اللهُ\"، فَأَحْسَسْتُ بِيَدٍ تَرْفَعُنِي مِنْ عَلَى الأَرْضِ وَجَلَبَتْنِي أَنَا وَعَجَلَتِي فَوْقَ الحِمَارَةِ. وَقَدْ كُنْتُ بَعِيدًا عَنْ مُتَنَاوَلِ أَيْدِيهِمَا، فَكَيْفَ حَدَثَ ذَلِكَ لَا يَعْلَمُ الأَمْرَ غَيْرُ اللهِ.\" وَلَكِنْ انْتَابَنِي شُعُورٌ بِأَنَّ الشَّيْخَ دَهَانَ هُوَ مَنْ مَدَّ يَدَهُ وَالْتَقَطَنِي قَبْلَ أَنْ أَسْقُطَ عَلَى الأَرْضِ، وَلَكِنْ كَيْفَ وَهُوَ مَا زَالَ فَوْقَ الحِمَارَةِ وَالمَسَافَةُ أَطْوَلُ مِنْ خَمْسِ أَذْرُعٍ عَلَى الأَقَلِّ بَيْنِي وَبَيْنَهُمَا؟ وَحِينَ قَصَصْتُ لِأُمِّي ذَلِكَ قَالَتْ: \"دَعْهَا فِي نَفْسِكَ\". \"وَمِنْ بَيْنِ كَرَامَاتِهِ، ذَاتَ يَوْمٍ كَانَتْ لَدَيْنَا بَقَرَةٌ مَرِيضَةٌ، فَجَاءَنَا لِزِيَارَتِنَا بِغَيْرِ مَوْعِدٍ. وَحِينَ دَخَلَ البَيْتَ أَشَرْنَا لَهُ أَنْ يَدْخُلَ المُضِيفَةَ، فَقَالَ: أَوَّلًا أَطْمَئِنُّ عَلَى البَقَرَةِ. وَدَخَلَ عَلَيْهَا مُبَاشَرَةً وَطَلَبَ جَرْدَلَ مَاءٍ، فَسَكَبَهُ عَلَيْهَا وَقَالَ: بِاسْمِ اللهِ، فَنَهَضَتْ وَأَكَلَتْ، وَظَلَّتْ تُنْجِبُ الوَلَدَ بَعْدَ الوَلَدِ حَتَّى بَاعَتْهَا أُمِّي.\" \"وَمِثْلُ هَذِهِ القِصَصِ كَانَ الكَثِيرُ وَالكَثِيرُ. فَأَذْكُرُ ذَاتَ يَوْمٍ جَاءَتْهُ اِمْرَأَةٌ مِنْ بَلْدَتِنَا تَطْلُبُ مِنْهُ حِجَابًا لِابْنِهَا، فَضَحِكَ وَقَالَ: يَا اِبْنَتِي، هَذَا لَا يَجُوزُ، فَأَحْضِرِيهِ مَجْلِسَ الذِّكْرِ فَيَشْفَى بِإِذْنِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَقَدْ شُفِيَ بَعْدَ يَوْمَيْنِ مِنْ حُضُورِهِ فِعْلًا. وَكَانَ دَائِمًا يَقُولُ: إِنَّ الطَّرِيقَ حُبٌّ وَإِخْلَاصٌ لِلهِ عَزَّ وَجَلَّ فَلَا رِيَاءَ وَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ.\" #العمدة #بيت_من_بيوت_الصوفية. ❝ ⏤اسماعيل حسانين العمدة
قراءة المزيد .. ❞ ˝وَكَانَ مِنْ بَيْنِ رِجَالِهَا الأَوْلِيَاءِ الشَّيْخُ دَهَّانٌ، رَحِمَهُ اللهُ وَرَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَقَدْ كَانَ زَاهِدًا عَابِدًا وَقَدْ شَهِدْتُ لَهُ وَمَا زِلْتُ أَتَذَكَّرُ بَعْضَ الوَقَائِعِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى كَرَامَاتِهِ وَخُلُقِهِ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
حَيْثُ بَحَثَتْ أُمِّي، رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، فِي خُنُونِ الحَمَامِ فَلَمْ تَجِدْ غَيْرَ زَوْجٍ مِنَ الحَمَامِ الجَاهِزِ لِلذَّبْحِ وَالزَّوْجُ لَا يَكْفِي بَاقِي الأُسْرَةِ. فَحِينَ أَمْسَكَتْ بِهِمَا صَحْتُ وَأَنَا صَغِيرٌ وَكُنْتُ لَا آكُلُ اللَّحْمَ بَعْدَ رَحِيلِ عَائِشَةَ أُمِّ الخَيْرِ وَقُلْتُ سَآكُلُ هَذَيْنِ الحَمَامَتَيْنِ. فَضَحِكَتْ أُمِّي وَفَرِحَتْ لِذَلِكَ وَقَالَتْ سَأَذْبَحُهُمَا وَأَسْوِيْهِمَا لَكِ وَلَوْ أَكَلْتَهُمَا سَأُحْضِرُ لَكِ دَرَّاجَةً جَدِيدَةً غَيْرَ الَّتِي حَطَّمْتِهَا، وَضَحِكْنَا وَسَاعَدْتُهَا وَقَدْ كُنْتُ مَا زِلْتُ طِفْلًا لَمْ أَدْخُلِ المَدْرَسَةَ بَعْدُ.˝
˝وَحِينَ اِسْتَوَيَا طَرَقَ البَابَ فَفَتَحَتِ البَابَ فَإِذَا بِالشَّيْخِ دَهَّانٍ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَقَدْ كَانَ يَعِيشُ فِي بَنِي حَمِيلٍ أَقْصَى بِلَادِ الصَّعِيدِ. وَقَدْ جَاءَ فِي غَيْرِ مَوْعِدِ الشَّيْخِ وَقَدْ كَانَ نَقِيبًا لِشَيْخِ الطَّرِيقَةِ وَكَانَ مُنْشِدَهَا، فَقَالَتْ لَهُ أُمِّي: كَمْ أَنْتَ كَرِيمٌ يَا مَوْلَانَا، وَوَضَعَتْ أَمَامَهُ الحَمَامَتَيْنِ بِطَبِيخِهِمَا وَطَلَبَاتِهِمَا. وَأَنَا وَقَفْتُ أَتَفَرَّجُ عَلَى الحَمَامَتَيْنِ الَّتَيْنِ حَلِمْتُ أَنْ يَكُونَا لِي، فَقَدْ مَرَّ وَقْتٌ طَوِيلٌ لَمْ آكُلْ الحَمَامَ وَاللُّحُومَ بِأَنْوَاعِهَا. وَحِينَ نَوَيْتُ الأَكْلَ يَأْتِي ذَلِكَ الرَّجُلُ فَيَأْخُذُ طَعَامِي، يَا لَهُ مِنْ رَجُلٍ شِرِّيرٍ.˝
˝وَظَلِلْتُ أُحَدِّثُ نَفْسِي، فَأَخَذَتْنِي أُمِّي بِيَدِهَا وَانْصَرَفْنَا وَتَرَكْنَاهُ يَنْفَرِدُ بِطَعَامِي الشَّهِيِّ. أَعَدَّتْ أُمِّي لَهُ الشَّايَ وَقَالَتْ: ˝اِذْهَبْ بِهِ إِلَيْهِ˝. فَلَمَّا دَخَلْتُ عَلَيْهِ قُلْتُ بِغَضَبٍ: ˝تَفَضَّلِ الشَّايَ˝.˝
˝فَضَحِكَ رَحِمَهُ اللهُ وَأَمْسَكَنِي وَأَجْلَسَنِي وَقَالَ لِي: ˝اِجْلِسْ يَا بُو السِّبَاعِ يَا طَوِيلَ البَاعِ وَكُلْ طَعَامَكَ الشَّهِيَّ˝. وَأَزَاحَ البَشْكِيرَ مِنْ فَوْقِ الطَّعَامِ، فَإِذَا الحَمَامَتَانِ سَلِيمَتَانِ كَمَا هُمَا. يَا اللهُ، لَقَدْ أَكَلَ بَعْضَ الأَرُزِّ وَالطَّبِيخِ وَتَرَكَ الحَمَامَتَيْنِ كَمَا هُمَا.˝
˝وَلَكِنْ كَيْفَ ذَلِكَ وَقَدْ شَاهَدْتُهُ بِأُمِّ عَيْنِي يَقْطُمُ الحَمَامَ بِنَيَابِهِ المُتَآكِلَةِ؟ رُبَّمَا كُنْتُ أَحْلَمُ، وَاللهُ أَعْلَمُ.˝
˝فَقُلْتُ لَهُ وَقَدْ اَعْتَرَانِي الخَجَلُ: ˝لَا، لَنْ آكُلَ، فَكُلْهُمَا أَنْتَ بِالهَنَاءِ وَالشِّفَاءِ˝. فَأَقْسَمَ عَلَيَّ حَتَّى أَكَلْتُ.
دَخَلَتْ أُمِّي فَهَمَّتْ لِتَنْهَرَنِي، فَمَنَعَهَا وَقَالَ لَهَا: ˝وَاللهِ أَكَلْتُ نَصِيبِي وَهَذَا نَصِيبُهُ˝. فَالحَمْدُ لِلهِ أَنَّهُ أَكَلَ الحَمَامَ وَعَادَ يَأْكُلُ مِنْ جَدِيدٍ. فقَرَأَ لِي ودعا وَقَالَ: ˝اِبْنُكَ هَذَا سَيَفْتَحُ البَيْتَ وَيَكُونُ ذُو شَأْنٍ عَظِيمٍ˝. وَبَعْدَمَا أَكَلْنَا، جَلَسْتُ مَعَهُ يُعَلِّمُنِي مِمَّا أَفَاضَ اللهُ بِهِ عَلَيْهِ.˝
وَمِنْ بَيْنِ مَا تَعَلَّمْتُهُ مِنْهُ الحُبَّ، أَنْ تُحِبَّ اللهَ وَتُعْطِيَهُ قَدْرَهُ وَتُطِيعَهُ فِي الغَيْبِ وَبِالغَيْبِ، وَأَنْ تَكُونَ مُؤَدَّبًا مَعَ اللهِ. وَضَرَبَ لِي مَثَلًا قَائِلًا: ˝أَتَدْرِي إِنْ وَقَفْتَ أَمَامَ أَبِيكَ، فَمَاذَا سَتَفْعَلُ؟˝ قُلْتُ: ˝أَنْكُثُ وَجْهِي لِلْأَسْفَلِ وَأَقِفُ انْتِبَاهًا˝. قَالَ: ˝اللهُ خَالِقُ أَبِيكَ وَخَالِقُ الجَمِيعِ. أَتَدْرِي إِنْ وَقَفْتَ أَمَامَ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ الدُّنْيَا وَأَمَرَكَ بِأَمْرٍ فَقُلْتَ لَهُ لَا أُطِيعُهُ، فَأَنَا لَا يَأْمُرُنِي غَيْرُ أَبِي˝. فَضَحِكَ وَقَالَ: ˝اللهُ قَبْلَ أَبِيكَ يَا إِسْمَاعِيلُ˝.
وَمِنْ بَيْنِ كَرَامَاتِهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، كَانَ يُنْشِدُ ذَاتَ مَرَّةٍ أَمَامَ بَيْتِنَا وَالنَّاسُ كَغُثَاءِ السَّيْلِ يَسْتَمِعُونَ. فَنَادَاهُ الشَّيْخُ فَتَرَكَ الحَضْرَةَ وَدَخَلَ لِلشَّيْخِ وَكَانَ صَوْتُهُ يُنْشِدُ، وَقَدْ لَاحَظَ ذَلِكَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَأَصَابَتْهُمْ قَشْعَرِيرَةٌ تُشْبِهُ مَاسَ الكَهْرَبَاءِ الشَّدِيدِ، فَسَقَطُوا عَلَى الأَرْضِ صَرْعَى، فَأَنْهَضَهُمْ أَبِي وَاحِدًا تِلْوَ الآخَرِ.
˝وذَاتَ يَوْمٍ جَاءَ هُوَ وَالسَّيِّدُ عَبْدُ الرَّحِيمِ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، وَالسَّيِّدُ عَبْدُ الرَّحِيمِ دَرْوِيشٌ زَاهِدٌ كَانَ مِنْ قَرْيَةٍ مُجَاوِرَةٍ لَنَا. وَيَبْدُو أَنَّ الشَّيْخَ دَهَّانَ ذَهَبَ إِلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِينَا، ثُمَّ اصْطَحَبَهُ قَاصِدًا بَيْتَنَا. فَكُنْتُ بِحَقْلٍ لَنَا فِي أَوَّلِ البَلْدِ حَيْثُ ذَهَبْتُ لِأُعْطِي غَدَاءً وَمَاءً لِلْعُمَّالِ وَمَعَهُمْ إِخْوَتِي. وَأَنَا فِي طَرِيقِ العَوْدَةِ اِلْتَقَيْتُهُمَا رَاكِبَيْنِ فَوْقَ حِمَارَةِ العَمِّ السَّيِّدِ، فَعَرَفَانِي قَبْلَ أَنْ أَتَعَرَّفَ عَلَيْهِمَا.˝
˝وَقَدْ كُنْتُ أَسِيرُ بِعَجَلَتِي، فَنَزَلْتُ وَأَمْسَكْتُ بِهَا وَسِرْتُ مَاشِيًا بِجِوَارِهِمَا. فَقَالَ لِي الشَّيْخُ دَهَّانُ: ˝اِرْكَبْ وَاسْبِقْنَا وَأَخْبِرْ وَالِدَتَكَ أَنَّنَا قَادِمُونَ˝. فَحِينَ جِئْتُ أَرْكَبُ البِسْكِلِتَةَ، وَقَعْتُ عَلَى الأَرْضِ. فَقَالَ: ˝حَيَّ اللهُ˝، فَأَحْسَسْتُ بِيَدٍ تَرْفَعُنِي مِنْ عَلَى الأَرْضِ وَجَلَبَتْنِي أَنَا وَعَجَلَتِي فَوْقَ الحِمَارَةِ. وَقَدْ كُنْتُ بَعِيدًا عَنْ مُتَنَاوَلِ أَيْدِيهِمَا، فَكَيْفَ حَدَثَ ذَلِكَ لَا يَعْلَمُ الأَمْرَ غَيْرُ اللهِ.˝
وَلَكِنْ انْتَابَنِي شُعُورٌ بِأَنَّ الشَّيْخَ دَهَانَ هُوَ مَنْ مَدَّ يَدَهُ وَالْتَقَطَنِي قَبْلَ أَنْ أَسْقُطَ عَلَى الأَرْضِ، وَلَكِنْ كَيْفَ وَهُوَ مَا زَالَ فَوْقَ الحِمَارَةِ وَالمَسَافَةُ أَطْوَلُ مِنْ خَمْسِ أَذْرُعٍ عَلَى الأَقَلِّ بَيْنِي وَبَيْنَهُمَا؟ وَحِينَ قَصَصْتُ لِأُمِّي ذَلِكَ قَالَتْ: ˝دَعْهَا فِي نَفْسِكَ˝.
˝وَمِنْ بَيْنِ كَرَامَاتِهِ، ذَاتَ يَوْمٍ كَانَتْ لَدَيْنَا بَقَرَةٌ مَرِيضَةٌ، فَجَاءَنَا لِزِيَارَتِنَا بِغَيْرِ مَوْعِدٍ. وَحِينَ دَخَلَ البَيْتَ أَشَرْنَا لَهُ أَنْ يَدْخُلَ المُضِيفَةَ، فَقَالَ: أَوَّلًا أَطْمَئِنُّ عَلَى البَقَرَةِ. وَدَخَلَ عَلَيْهَا مُبَاشَرَةً وَطَلَبَ جَرْدَلَ مَاءٍ، فَسَكَبَهُ عَلَيْهَا وَقَالَ: بِاسْمِ اللهِ، فَنَهَضَتْ وَأَكَلَتْ، وَظَلَّتْ تُنْجِبُ الوَلَدَ بَعْدَ الوَلَدِ حَتَّى بَاعَتْهَا أُمِّي.˝
˝وَمِثْلُ هَذِهِ القِصَصِ كَانَ الكَثِيرُ وَالكَثِيرُ. فَأَذْكُرُ ذَاتَ يَوْمٍ جَاءَتْهُ اِمْرَأَةٌ مِنْ بَلْدَتِنَا تَطْلُبُ مِنْهُ حِجَابًا لِابْنِهَا، فَضَحِكَ وَقَالَ: يَا اِبْنَتِي، هَذَا لَا يَجُوزُ، فَأَحْضِرِيهِ مَجْلِسَ الذِّكْرِ فَيَشْفَى بِإِذْنِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَقَدْ شُفِيَ بَعْدَ يَوْمَيْنِ مِنْ حُضُورِهِ فِعْلًا. وَكَانَ دَائِمًا يَقُولُ: إِنَّ الطَّرِيقَ حُبٌّ وَإِخْلَاصٌ لِلهِ عَزَّ وَجَلَّ فَلَا رِيَاءَ وَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ.˝
#العمدة #بيت_من_بيوت_الصوفية .
❝