📘 ❞ روائع الأئمة الأربعة ابو حنيفه ❝ كتاب ــ اسلام المازنى

التراجم والأعلام - 📖 ❞ كتاب روائع الأئمة الأربعة ابو حنيفه ❝ ــ اسلام المازنى 📖

█ _ اسلام المازنى 0 حصريا كتاب روائع الأئمة الأربعة ابو حنيفه عن دار الكتب العلمية بلبنان 2024 حنيفه: أبو حنيفة النعمان بن ثابت مرزُبان الكوفيّ (80 150 هـ 699 767م) فقيه وعالم مسلم وأول عند أهل السنة والجماعة وصاحب المذهب الحنفي الفقه الإسلامي اشتهر بعلمه الغزير وأخلاقه الحسنة حتى قال فيه الإمام الشافعي: «من أراد أن يتبحَّر فهو عيال أبي حنيفة» ويُعد من التابعين فقد لقي عدداً الصحابة منهم أنس مالك وكان معروفاً بالورع وكثرة العبادة والوقار والإخلاص وقوة الشخصية كان يعتمد فقهه ستة مصادر هي: القرآن الكريم والسنة النبوية والإجماع والقياس والاستحسان والعُرف والعادة وُلد بالكوفة ونشأ فيها وقد كانت الكوفة إحدى مدن العراق العظيمة ينتشر العلماء أصحاب المذاهب والشرائع المختلفة نشأ هذه البيئة الغنية بالعلم والعلماء فابتدأ منذ الصبا يجادل مع المجادلين ولكنه منصرفاً إلى مهنة التجارة فأبوه وجده كانا تاجرين ثم انصرف طلب العلم وصار يختلف حلقات واتجه دراسة بعد استعرض العلوم المعروفة ذلك العصر ولزم شيخه حماد سليمان يتعلم منه مات سنة 120 فتولى رئاسة حلقة بمسجد وأخذ يدارس تلاميذه ما يُعرض له فتاوى وَضع تلك الطريقةَ الفقهيةَ التي اشتُق منها وقعت بالإمام محنتان المحنة الأولى عصر الدولة الأموية وسببها أنه وقف ثورة زيد علي ورفض يعمل والي يزيد عمر هبيرة فحبسه الوالي وضربه وانتهت بخروجه مكة عام 130 وظل مقيماً بها صارت الخلافة للعباسيين فقدم زمن الخليفة العباسي جعفر المنصور أما الثانية فكانت العباسية محمد النفس الزكية يجهر بمخالفة غاياته عندما يستفتيه وعندما دعاه ليتولى القضاء امتنع فطلب يكون قاضي القضاة فامتنع توفي بغداد ودُفن مقبرة الخيزران وبني بجوار قبره جامع الأعظم 375 الهدوء والوقار كان ضابطاً لنفسه مستولياً مشاعره لا تعبث به الكلمات العارضة ولا تبعده الحق العبارات النابية يقول: «اللهم ضاق بنا صدره فإن قلوبنا قد اتسعت له» ويُروى بعض مناظريه: «يا مبتدع يا زنديق» فقال: «غفر الله لك يعلم مني خلاف وإني عدلت مذ عرفته أرجو إلا عفوه أخاف عقابه» بكى ذكر العقاب فقال الرجل: «اجعلني حل مما قلت» «كل شيئاً الجهل وكل ليس حرج غيبة تُبقي بعدهم» وروى الحسن إسماعيل مجالد أبيه قال: كنت الرشيد إذ دخل عليه يوسف هارون: «صف لي أخلاق «كان والله شديد الذب حرام مجانباً لأهل الدنيا وطويل الصمت دائم الفكر لم يكن مهذاراً ثرثاراً إن سُئل مسألة عنده علم أجاب علمته أمير المؤمنين صائناً ودينه مشتغلاً بنفسه الناس يذكر أحداً بخير» الرشيد: «هذه الصالحين» وعن بشر يحيى: سمعت ابن المبارك «ما رأيت رجلاً أوقر مجلسه أحسن سمتاً وحلماً ولقد كنا المسجد الجامع فوقعت حية السقف حجره فما زاد نفض فألقاها وما منا أحد هرب» الإخلاص والتواضع كان مخلصاً لإخلاصه يفرض رأيه هو المطلق الذي يشك بل «قولنا هذا رأي وهو قدرنا فمن جاءنا بأحسن قولنا أولى بالصواب منا» وقيل له: أبا تفتي شك فيه» «والله أدري لعله الباطل يرجع إذا ذَكر مناظرُه حديثاً يصح غيره مطعن أو ذكرت فتوى صحابي كذلك قوة الشخصية اتصف بقوة والنفوذ والمهابة والتأثير بالاستهواء والجاذبية الروح وصف مجلس أصحابه معاصره مسعر كدام «كانوا يتفرقون حوائجهم صلاة الغداة يجتمعون إليه فيجلس لهم سائل ومن مناظر ويرفعون الأصوات لكثرة يحتج يُسكن لعظيمُ الشأن الإسلام» صفته الشكلية كان أسمرَ اللون ميل بياضه ربعةً الطول أقرب جميلَ الصورة مهيبَ الطلعة طويلَ اللحية وقوراً يتأنق ثوبه وعمامته ونعليه حسنَ المنطق حلوَ النغمة فصيحاً كثيرَ التطيب يُعرف ذهب وإذا جاء نحيفاً "ما أبقى خوفه تعالى وطول مراقبته عبادته فضلاً لحم بَلْه شحم" قال نعيم دكين: جميلاً الوجه الثوب» وقال يوسف: ربعة الرجال بالقصير بالطويل منطقاً وأحلاهم نغمةً وأبينهم عما تريد» إسحاق حنيفة: «إن طويلاً تعلوه سمرة لَبَّاساً الهيئة التعطر بريح الطيب أقبل خرج منزله قبل تراه» عبد الرحمن المغيرة الكوفي بمصر: «رأيت شيخاً مسجد يفتي وعليه قلنسوة طويلة فقلت هذا؟» قالوا: «أبو شيوخه شيوخ كثيرون يسع ذكرهم حفص الكبير أربعة آلاف شيخ غيره: «له بالك بغيرهم؟» شيوخه: روى كثير الشيوخ منهم: عطاء رباح أكبر وأفضلهم والشعبي وطاووس وجبلة سحيم وعدي وعبد هرمز الأعرج وعمرو دينار وأبي سفيان طلحة نافع ونافع مولى والقاسم مسعود ومحارب دثار وعلقمة مرثد العزيز رفيع وحماد وبه تفقه وسماك حرب الملك عمير الباقر وابن شهاب الزهري ومحمد المنكدر وعطاء السائب وهشام عروة وخلق سواهم تلاميذه حدَّث خلقٌ يعقوب إبراهيم وأبو الهذيل زفر العنبري وإبراهيم طهمان عالم خراسان وأبيض الأغر الصباح المنقري وأسد عمرو البجلي وإسماعيل يحيى الصيرفي والحسن زياد اللؤلؤي وحفص القاضي وابنه وحمزة الزيات أقرانه وداود الطائي المقرئ الشيباني ويوسف خالد السمتي وغيرهم ذرية حنيفة ابنُ اسمُه "حمّاد" سمّاه أبوه اسم حمّاد قاضياً 212 الهجري واستمرت ذرية منتصف القرن التاسع وآخر انتسب الشيخ حميد الدين أحمد النعماني البغدادي دمشق المتوفى يوم 6 ربيع الأول 867 تُوفي المدرسة العينية سفح جبل قاسيون انتشار عبر التاريخ أماكن انتشار (اللون الأخضر الفاتح) العالم يُسمى المذهبُ مذهبَ الرأي أقدم وصاحبه موطن تدارسه وفاة ببغداد شاع وانتشر أكثر البقاع الإسلامية فكان مصر والشام وبلاد الروم والعراق وراء النهر اجتاز الحدود الهند والصين حيث منافس مزاحم ويكاد المنفرد الأصقاع الآن ويقال لأصحاب لأن الحديث قليلاً بالعراق فاستكثروا القياس ومهروا ورُوي الذين دونوا مذهبه أربعون وأن أول كتب كتبه أسد إيثار الحنفية بالقضاء العباسي لما تولى هارون ولى صاحب وذلك 170هـ وأصبحت تولية بيده فلم يولي ببلاد وخراسان ومصر (إلى أقصى عمل إفريقية) أشار والمنتسبين فاضطرت العامة أحكامهم وفتاواهم وفشا البلاد فشواً عظيماً حزم: «مذهبان انتشرا بدء أمرهما بالرئاسة والسلطان: بالمشرق والمالكي بالأندلس» ولم يزل غالباً لإيثار الخلفاء العباسيين تبدلت الأحوال وزاحمته الثلاثة الأخرى وبلغ تمسكهم القادر بالله استخلف مرة شافعياً العباس البارزي الشافعي الأكفاني فشاع نقل الشافعية فاشتهر حزبين ثارت بينهما الفتن فاضطر صرف وإعادة 393هـ انتشاره المغرب وصقلية كان الغالب إفريقية السنن والآثار قدم فروح الفاسي بمذهب غلب عليها لما ولي قضاءها الفرات سنان بقي حمل المعز باديس أهلها المالكي اليوم يقلدون ظهر ظهوراً كثيراً بإفريقية قريب 400هـ فانقطع ودخل شيء وراءها قريباً الأندلس ومدينة فاس كما رُوي صقلية حنفيون مصر كان يعرفون وَلَّى المهدي لإسماعيل اليسع 146هـ قاضٍ حنفي بمصر أدخل إليها خير يذهب إبطال الأحباس فثقل أمره وقالوا: «أحدث لنا أحكاماً نعرفها ببلدنا» فعزله ثم فشا مدة تمكِّن مقصوراً يتولاه الحنفيون تارة والمالكيون الشافعيون أخرى استولى الفاطميون وأظهروا مذهب الشيعة الإسماعيلية وولوا فقوي بالدولة وعمل بأحكامه يَقض السنية العبادات لأنهم كانوا يبيحون للرعية التعبد بما يشاؤون قامت الأيوبية سلاطينها شافعية قضوا التشيع وأنشأوا المدارس للفقهاء والمالكية نور الشهيد حنفياً فنشر الشام ومنها كثرت وقدم أيضاً عدة فقهاء بلاد المشرق فبنى صلاح الأيوبي اليوسفية بالقاهرة زال مذهبهم ويقوى وفقهاؤهم يكثرون آخر رتب دروساً للمذاهب مدرسة واحدة الصالح نجم أيوب مدرسته الصالحية 641هـ النوع الدولتين التركية والجركسية وحدث جعْلُ فعاد انقطاعهم عنه الفاطميين والاقتصار الأيوبيين نواب المالكية والحنابلة فتح العثمانيون حصروا وأصبح أمراء وخاصتها ورغب لتولي بين الريف (الوجه البحري) والصعيد انتشاره المدن الأخرى أما دخول سائر الرابع صنعاء وصعدة باليمن والغالب وقضائه منتشراً بالشام تكاد تخلو قصبة بلد وربما العمل الفاطمي زمنه أي إقليم الشرق وسجستان وغيرها جرجان وبعض طبرستان الديلم حنفية دبيل الرحاب الران وأرمينية وأذربيجان وتبريز وموجوداً مدنه بلا غلبة القرى الجبال وكثيراً خوزستان المسمى قديماً الأهواز وأئمة كبار بإقليم فارس الغلبة السنين للظاهرية فيهم وكانت قصبات السِّند سجستان ملوك بنجالة بالهند جميعاً التراجم والأعلام مجاناً PDF اونلاين يتناول سير حياة الأعلام العصور دقيق يبحث أحوال الشخصيات والأفراد تركوا آثارا المجتمع ويتناول كافة طبقات الأنبياء والخلفاء والملوك والأمراء والقادة شتى المجالات والفقهاء والأدباء والشعراء والفلاسفة ويهتم بذكر حياتهم ومواقفهم وأثرهم الحياة وتأثيرهم ويعتبر عموما فرعا فروع التاريخ اهتم المسلمون بعلم اهتماما كبيرا بدأت العناية بهذا عندهم عهد الرسول صلى وسلم بزمن يسير حرص حماية وصيانة المصدر الثاني التشريع الإسلام النبوي حرصوا صيانته الكذب والتزوير والغش والتلفيق والدس فنشأ كقاعدة تلقّي الأخبار وبالأخص فيما يتعلق بالحديث أولا الآثار المروية والتابعين وباقي خصوصا والناس روى صحيحه مجاهد «جاء بشير العدوي عباس فجعل يحدث ويقول: رسول يأذن لحديثه ينظر مالي أراك تسمع لحديثي؟ أحدثك تسمع؟ عباس: إنا سمعنا رجلا يقول ابتدرته أبصارنا وأصغينا بآذاننا فلما ركب الصعب والذلول نأخذ نعرف » واستمر القاعدة ضرورة معرفة ناقلي بسبب حال نقلة ينبني المعرفة قبول والتعبد لله رد والحذر اعتبارها ديناً سيرين «لم يكونوا يسألون الإسناد وقعت الفتنة قالوا سموا رجالكم فينظر فيؤخذ حديثهم وينظر البدع فلا يؤخذ حديثهم» وجاءت عبارات بيان أهمية الرواة صريحة وواضحة الأهمية بمكان البحث نواح تفصيلية الراوي ونواح استنتاجية (تُستنتج حديثه وطريقته التحديث) مباحث العلم: تاريخ ميلاد وتاريخ طلبه للعلم وممن سمع سِنِيِّ هم عنهم (من حدث سماعاً دلس أرسل عنه) ملازمته لكلّ شيوخه وكيف ذاك وكم الأحاديث ذلك؛ وهل الضعفاء والمجاهيل؟ ورحلاته حدّث به؛ ومتى يحدِّث؟ حفظه أم كتابه؛ سماعٌ عرض؛ المستملون والوراقون استخدمهم؟) إقبال عدد الحاضرين عنده؟ هي الأوهام وقع والسَّقطات أُخذت عليه؟ وعبادته ومهنته؛ يأخذ أجراً التحديث؟ عسِراً التحديث سمحاً متساهلاً ؟ وتفرّع وانبثق علوم كثيرة متعلّقة الباب تفرّدته الأمة باقي الأمم وعلم مصطلح ناحية العدالة والتوثيق والضبط العلل الجرح والتعديل أقسام التراجم هنالك تقسيمات متنوعة لعلم والكتب العديدة المؤلفة فمنها: التراجم الطبقات التراجم الحروف الوفيات القرون البلدان وقسّمهم البعض الآخر أبواب مختلفة منها: التراجم المتعلقة معيّن المتعلّقة بفنّ بشخص الترجمة الذاتية وقد أسهب التأليف الأبواب يكاد يخلوا باب وصنّفت عشرات وهذا ركن خاص بكتب مجانيه للتحميل وتراجم ومذكرات فيشمل الكثير حول المجال

إنضم الآن وتصفح بدون إعلانات
روائع الأئمة الأربعة ابو حنيفه
كتاب

روائع الأئمة الأربعة ابو حنيفه

ــ اسلام المازنى

عن دار الكتب العلمية بلبنان
روائع الأئمة الأربعة ابو حنيفه
كتاب

روائع الأئمة الأربعة ابو حنيفه

ــ اسلام المازنى

عن دار الكتب العلمية بلبنان
عن كتاب روائع الأئمة الأربعة ابو حنيفه:
أبو حنيفة النعمان بن ثابت بن مرزُبان الكوفيّ (80-150 هـ/ 699-767م) فقيه وعالم مسلم، وأول الأئمة الأربعة عند أهل السنة والجماعة، وصاحب المذهب الحنفي في الفقه الإسلامي. اشتهر بعلمه الغزير وأخلاقه الحسنة، حتى قال فيه الإمام الشافعي: «من أراد أن يتبحَّر في الفقه فهو عيال على أبي حنيفة»، ويُعد أبو حنيفة من التابعين، فقد لقي عدداً من الصحابة منهم أنس بن مالك، وكان معروفاً بالورع وكثرة العبادة والوقار والإخلاص وقوة الشخصية. كان أبو حنيفة يعتمد في فقهه على ستة مصادر هي: القرآن الكريم، والسنة النبوية، والإجماع، والقياس، والاستحسان، والعُرف والعادة.

وُلد أبو حنيفة بالكوفة ونشأ فيها، وقد كانت الكوفة إحدى مدن العراق العظيمة، ينتشر فيها العلماء أصحاب المذاهب والشرائع المختلفة، وقد نشأ أبو حنيفة في هذه البيئة الغنية بالعلم والعلماء، فابتدأ منذ الصبا يجادل مع المجادلين، ولكنه كان منصرفاً إلى مهنة التجارة، فأبوه وجده كانا تاجرين، ثم انصرف إلى طلب العلم، وصار يختلف إلى حلقات العلماء، واتجه إلى دراسة الفقه بعد أن استعرض العلوم المعروفة في ذلك العصر، ولزم شيخه حماد بن أبي سليمان يتعلم منه الفقه حتى مات حماد سنة 120 هـ، فتولى أبو حنيفة رئاسة حلقة شيخه حماد بمسجد الكوفة، وأخذ يدارس تلاميذه ما يُعرض له من فتاوى، حتى وَضع تلك الطريقةَ الفقهيةَ التي اشتُق منها المذهب الحنفي.

وقعت بالإمام أبي حنيفة محنتان، المحنة الأولى في عصر الدولة الأموية، وسببها أنه وقف مع ثورة الإمام زيد بن علي، ورفض أن يعمل عند والي الكوفة يزيد بن عمر بن هبيرة، فحبسه الوالي وضربه، وانتهت المحنة بخروجه إلى مكة عام 130 هـ، وظل مقيماً بها حتى صارت الخلافة للعباسيين، فقدم الكوفة في زمن الخليفة العباسي أبي جعفر المنصور. أما المحنة الثانية فكانت في عصر الدولة العباسية، وسببها أنه وقف مع ثورة الإمام محمد النفس الزكية، وكان يجهر بمخالفة المنصور في غاياته عندما يستفتيه، وعندما دعاه أبو جعفر المنصور ليتولى القضاء امتنع، فطلب منه أن يكون قاضي القضاة فامتنع، فحبسه إلى أن توفي في بغداد سنة 150 هـ، ودُفن في مقبرة الخيزران في بغداد، وبني بجوار قبره جامع الإمام الأعظم عام 375 هـ.

الهدوء والوقار
كان أبو حنيفة ضابطاً لنفسه، مستولياً على مشاعره، لا تعبث به الكلمات العارضة، ولا تبعده عن الحق العبارات النابية، وكان يقول: «اللهم من ضاق بنا صدره، فإن قلوبنا قد اتسعت له». ويُروى أنه قال له بعض مناظريه: «يا مبتدع يا زنديق»، فقال: «غفر الله لك، الله يعلم مني خلاف ذلك، وإني ما عدلت به مذ عرفته، ولا أرجو إلا عفوه، ولا أخاف إلا عقابه»، ثم بكى عند ذكر العقاب، فقال له الرجل: «اجعلني في حل مما قلت»، فقال: «كل من قال في شيئاً من أهل الجهل فهو في حل، وكل من قال في شيئاً مما ليس في من أهل العلم فهو في حرج، فإن غيبة العلماء تُبقي شيئاً بعدهم».

وروى الحسن بن إسماعيل بن مجالد عن أبيه، قال: كنت عند الرشيد إذ دخل عليه أبو يوسف، فقال له هارون: «صف لي أخلاق أبي حنيفة»، قال: «كان والله شديد الذب عن حرام الله، مجانباً لأهل الدنيا، وطويل الصمت دائم الفكر، لم يكن مهذاراً ولا ثرثاراً، إن سُئل عن مسألة عنده منها علم أجاب فيها، ما علمته يا أمير المؤمنين إلا صائناً لنفسه ودينه، مشتغلاً بنفسه عن الناس لا يذكر أحداً إلا بخير»، فقال الرشيد: «هذه أخلاق الصالحين».

وعن بشر بن يحيى: سمعت ابن المبارك يقول: «ما رأيت رجلاً أوقر في مجلسه، ولا أحسن سمتاً وحلماً من أبي حنيفة، ولقد كنا عنده في المسجد الجامع، فوقعت حية من السقف في حجره، فما زاد على أن نفض حجره، فألقاها وما منا أحد إلا هرب».

الإخلاص والتواضع
كان أبو حنيفة مخلصاً في طلب الحق، وكان لإخلاصه لا يفرض أن رأيه هو الحق المطلق الذي لا يشك فيه، بل كان يقول: «قولنا هذا رأي، وهو أحسن ما قدرنا عليه، فمن جاءنا بأحسن من قولنا فهو أولى بالصواب منا». وقيل له: «يا أبا حنيفة، هذا الذي تفتي به هو الحق الذي لا شك فيه»، فقال: «والله لا أدري لعله الباطل الذي لا شك فيه». وكان أبو حنيفة لإخلاصه في طلب الحق يرجع عن رأيه إذا ذَكر له مناظرُه حديثاً لم يصح عنده غيره ولا مطعن له فيه، أو ذكرت له فتوى صحابي كذلك.

قوة الشخصية
اتصف أبو حنيفة بقوة الشخصية، والنفوذ والمهابة، والتأثير في غيره بالاستهواء والجاذبية وقوة الروح، وقد وصف مجلس أبي حنيفة مع أصحابه معاصره مسعر بن كدام، فقال: «كانوا يتفرقون في حوائجهم بعد صلاة الغداة، ثم يجتمعون إليه فيجلس لهم، فمن سائل ومن مناظر، ويرفعون الأصوات لكثرة ما يحتج لهم، إن رجلاً يُسكن الله به هذه الأصوات لعظيمُ الشأن في الإسلام».

صفته الشكلية
كان الإمام أبو حنيفة أسمرَ اللون مع ميل إلى بياضه، ربعةً من الناس، إلى الطول أقرب، جميلَ الصورة، مهيبَ الطلعة، طويلَ اللحية، وقوراً، يتأنق في ثوبه وعمامته ونعليه، حسنَ المنطق، حلوَ النغمة فصيحاً، كثيرَ التطيب يُعرف به إذا ذهب وإذا جاء، نحيفاً "ما أبقى عليه خوفه من الله تعالى وطول مراقبته وكثرة عبادته فضلاً من لحم بَلْه من شحم".

قال أبو نعيم بن دكين: «كان أبو حنيفة جميلاً، حسنَ الوجه، حسنَ اللحية، حسنَ الثوب». وقال أبو يوسف: «كان أبو حنيفة ربعة من الرجال، ليس بالقصير ولا بالطويل، وكان أحسن الناس منطقاً، وأحلاهم نغمةً، وأبينهم عما تريد». وقال عمر بن جعفر بن إسحاق بن عمر بن حماد بن أبي حنيفة: «إن أبا حنيفة كان طويلاً تعلوه سمرة، وكان لَبَّاساً حسنَ الهيئة كثيرَ التعطر، يُعرف بريح الطيب إذا أقبل وإذا خرج من منزله قبل أن تراه». وقال علي بن عبد الرحمن بن محمد بن المغيرة الكوفي بمصر: سمعت أبي، يقول: «رأيت شيخاً في مسجد الكوفة يفتي الناس وعليه قلنسوة طويلة، فقلت من هذا؟»، قالوا: «أبو حنيفة».

شيوخه
شيوخ الإمام أبي حنيفة كثيرون لا يسع ذكرهم، وقد ذكر منهم الإمام أبو حفص الكبير أربعة آلاف شيخ، وقال غيره: «له أربعة آلاف شيخ من التابعين، فما بالك بغيرهم؟»، ومن شيوخه: أنس بن مالك. وقد روى الإمام أبو حنيفة عن كثير من الشيوخ منهم: عطاء بن أبي رباح، وهو أكبر شيخ له وأفضلهم على ما قال، والشعبي، وطاووس، وجبلة بن سحيم، وعدي بن ثابت، وعبد الرحمن بن هرمز الأعرج، وعمرو بن دينار، وأبي سفيان طلحة بن نافع، ونافع مولى ابن عمر، والقاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود، ومحارب بن دثار، وعلقمة بن مرثد، وعبد العزيز بن رفيع، وحماد بن أبي سليمان وبه تفقه، وسماك بن حرب، وعبد الملك بن عمير، وأبي جعفر الباقر، وابن شهاب الزهري، ومحمد بن المنكدر، وعطاء بن السائب، وهشام بن عروة، وخلق سواهم.

تلاميذه
حدَّث عن الإمام أبي حنيفة خلقٌ كثير منهم: أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم، وأبو الهذيل زفر بن الهذيل العنبري، وإبراهيم بن طهمان عالم خراسان، وأبيض بن الأغر بن الصباح المنقري، وأسد بن عمرو البجلي، وإسماعيل بن يحيى الصيرفي، والحسن بن زياد اللؤلؤي، وحفص بن عبد الرحمن القاضي، وابنه حماد بن أبي حنيفة، وحمزة الزيات وهو من أقرانه، وداود الطائي، وعبد الله بن المبارك، وعبد الله بن يزيد المقرئ، ومحمد بن الحسن الشيباني، ويوسف بن خالد السمتي، وغيرهم كثير.

ذرية أبي حنيفة
ابنُ أبي حنيفة اسمُه "حمّاد"، سمّاه أبوه على اسم شيخه حماد بن أبي سليمان، وكان إسماعيل بن حمّاد بن أبي حنيفة قاضياً، وقد توفي عام 212 الهجري، واستمرت ذرية أبي حنيفة إلى منتصف القرن التاسع الهجري، وآخر من انتسب إلى أبي حنيفة هو الشيخ حميد الدين محمد بن أحمد النعماني البغدادي، قاضي دمشق، المتوفى يوم 6 ربيع الأول من عام 867 الهجري، تُوفي في المدرسة العينية، ودُفن عند سفح جبل قاسيون.

انتشار المذهب الحنفي عبر التاريخ

أماكن انتشار المذهب الحنفي (اللون الأخضر الفاتح) في العالم
يُسمى المذهبُ الحنفي مذهبَ أهل الرأي، وهو أقدم المذاهب الأربعة، وصاحبه هو الإمام أبو حنيفة النعمان، وقد نشأ المذهب الحنفي بالكوفة موطن الإمام أبي حنيفة، ثم تدارسه العلماء بعد وفاة شيخه ببغداد، ثم شاع من بعد ذلك وانتشر في أكثر البقاع الإسلامية، فكان في مصر والشام وبلاد الروم والعراق وما وراء النهر، ثم اجتاز الحدود فكان في الهند والصين، حيث لا منافس له ولا مزاحم، ويكاد أن يكون هو المنفرد في تلك الأصقاع إلى الآن.

ويقال لأصحاب المذهب الحنفي أهل الرأي، لأن الحديث كان قليلاً بالعراق، فاستكثروا من القياس ومهروا فيه. ورُوي أن أصحاب أبي حنيفة الذين دونوا مذهبه أربعون رجلاً منهم: أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم، وأبو الهذيل زفر بن الهذيل العنبري، وأن أول من كتب كتبه أسد بن عمرو.

إيثار الحنفية بالقضاء في العصر العباسي
لما تولى هارون الرشيد الخلافة، ولى القضاء أبا يوسف صاحب أبي حنيفة، وذلك بعد سنة 170هـ، وأصبحت تولية القضاء بيده، فلم يكن يولي ببلاد العراق وخراسان والشام ومصر (إلى أقصى عمل إفريقية) إلا من أشار به، وكان لا يولي إلا أصحابه والمنتسبين إلى مذهبه، فاضطرت العامة إلى أحكامهم وفتاواهم، وفشا المذهب في هذه البلاد فشواً عظيماً، حتى قال ابن حزم: «مذهبان انتشرا في بدء أمرهما بالرئاسة والسلطان: الحنفي بالمشرق، والمالكي بالأندلس». ولم يزل هذا المذهب غالباً على هذه البلاد لإيثار الخلفاء العباسيين بالقضاء، حتى تبدلت الأحوال وزاحمته المذاهب الثلاثة الأخرى. وبلغ من تمسكهم به في القضاء أن القادر بالله استخلف مرة قاضياً شافعياً هو أبو العباس أحمد بن محمد البارزي الشافعي عن أبي محمد بن الأكفاني الحنفي قاضي بغداد، فشاع أن الخليفة نقل القضاء عن الحنفية إلى الشافعية، فاشتهر ذلك وصار أهل بغداد حزبين ثارت بينهما الفتن، فاضطر الخليفة إلى صرف البارزي، وإعادة الحنفية إلى القضاء، وذلك في سنة 393هـ.

انتشاره في المغرب وصقلية
كان الغالب على إفريقية السنن والآثار، إلى أن قدم عبد الله بن فروح أبو محمد الفاسي بمذهب أبي حنيفة، ثم غلب عليها لما ولي قضاءها أسد بن الفرات بن سنان، ثم بقي غالباً عليها حتى حمل المعز بن باديس أهلها على المذهب المالكي، وهو الغالب إلى اليوم على أهلها إلا قليلاً منهم يقلدون المذهب الحنفي. ورُوي أن المذهب الحنفي ظهر ظهوراً كثيراً بإفريقية إلى قريب من سنة 400هـ، فانقطع ودخل منه شيء إلى ما وراءها من المغرب قريباً من الأندلس ومدينة فاس. كما رُوي أن أهل صقلية حنفيون.

انتشاره في مصر
كان أهل مصر لا يعرفون المذهب الحنفي حتى وَلَّى الخليفة المهدي قضاءها لإسماعيل بن اليسع الكوفي سنة 146هـ، وهو أول قاضٍ حنفي بمصر، وأول من أدخل إليها المذهب الحنفي، وكان من خير القضاة، إلا أنه كان يذهب إلى إبطال الأحباس، فثقل أمره على أهل مصر وقالوا: «أحدث لنا أحكاماً لا نعرفها ببلدنا»، فعزله المهدي.

ثم فشا المذهب الحنفي فيها بعد ذلك مدة تمكِّن العباسيين، إلا أن القضاء بها لم يكن مقصوراً على الحنفية، بل كان يتولاه الحنفيون تارة، والمالكيون أو الشافعيون تارة أخرى، إلى أن استولى عليها الفاطميون، وأظهروا مذهب الشيعة الإسماعيلية، وولوا القضاة منهم، فقوي هذا المذهب بالدولة، وعمل بأحكامه، إلا أنه لم يَقض على المذاهب السنية في العبادات، لأنهم كانوا يبيحون للرعية التعبد بما يشاؤون من المذاهب.

ثم لما قامت الدولة الأيوبية بمصر، وكان من سلاطينها شافعية، قضوا على التشيع فيها، وأنشأوا المدارس للفقهاء الشافعية والمالكية. وكان نور الدين الشهيد حنفياً، فنشر مذهبه ببلاد الشام، ومنها كثرت الحنفية بمصر، وقدم إليها أيضاً عدة فقهاء منهم من بلاد المشرق، فبنى لهم صلاح الدين الأيوبي المدرسة اليوسفية بالقاهرة، وما زال مذهبهم ينتشر ويقوى، وفقهاؤهم يكثرون بمصر، إلا في آخر هذه الدولة. وأول من رتب دروساً أربعة للمذاهب الأربعة في مدرسة واحدة هو الصالح نجم الدين أيوب في مدرسته الصالحية بالقاهرة سنة 641هـ. ثم فشا هذا النوع من المدارس في الدولتين التركية والجركسية، وحدث في الأولى جعْلُ القضاة أربعة، فعاد الحنفية إلى القضاء بعد انقطاعهم عنه مدة الفاطميين، والاقتصار مدة الأيوبيين على نواب منهم ومن المالكية والحنابلة عن القاضي الشافعي.

ثم لما فتح العثمانيون مصر حصروا القضاء في الحنفية، وأصبح المذهب الحنفي مذهب أمراء الدولة وخاصتها، ورغب كثير من أهل العلم فيه لتولي القضاء، إلا أنه لم ينتشر بين أهل الريف (الوجه البحري) والصعيد انتشاره في المدن ولم يزل كذلك إلى اليوم.

انتشاره في البلاد الإسلامية الأخرى
أما بدء دخول المذهب الحنفي في سائر البلاد الإسلامية فكان في القرن الرابع الهجري، وقد كان المذهب الحنفي هو الغالب على أهل صنعاء وصعدة باليمن، والغالب على فقهاء العراق وقضائه، وكان منتشراً بالشام، تكاد لا تخلو فيه قصبة أو بلد من حنفي، وربما كان القضاء منهم، إلا أن أكثر العمل فيها كان على المذهب الفاطمي في زمنه، أي كما كان بمصر. وكان المذهب الحنفي في إقليم الشرق أي خراسان وسجستان وما وراء النهر وغيرها، إلا في بلاد منها كان أهلها شافعية، وكان أهل جرجان وبعض طبرستان من إقليم الديلم حنفية. وكان غالباً على أهل دبيل من إقليم الرحاب الذي منه الران وأرمينية وأذربيجان وتبريز، وموجوداً في بعض مدنه بلا غلبة. وكان غالباً على أهل القرى من إقليم الجبال، وكثيراً في إقليم خوزستان المسمى قديماً الأهواز، وكان لهم به فقهاء وأئمة كبار. وكان بإقليم فارس كثير من الحنفية، إلا أن الغلبة كانت في أكثر السنين للظاهرية، وكان القضاء فيهم. وكانت قصبات السِّند لا تخلو من فقهاء حنفية، كما أن أهل سجستان كانوا حنفية، وكان ملوك بنجالة بالهند جميعاً حنفية.
الترتيب:

#3K

0 مشاهدة هذا اليوم

#32K

18 مشاهدة هذا الشهر

#11K

17K إجمالي المشاهدات
المتجر أماكن الشراء
اسلام المازنى ✍️ المؤلف
مناقشات ومراجعات
دار الكتب العلمية بلبنان 🏛 الناشر
QR Code
أماكن الشراء: عفواً ، لا يوجد روابط مُسجّلة حاليا لشراء الكتاب من المتاجر الإلكترونية
نتيجة البحث