الفصل الرابع 💬 أقوال محمد حسن عبد الجابر 📖 رواية أخطبوط بسبع أيادي
- 📖 من ❞ رواية أخطبوط بسبع أيادي ❝ محمد حسن عبد الجابر 📖
█ الفصل الرابع كتاب أخطبوط بسبع أيادي مجاناً PDF اونلاين 2024 تستعرض الرواية جرائم التسويق الشبكي لكيان الأخطبوط والتي يستغلها مواطن أمريكي لتوهم الناس بتحقيق ثروة سريعة من خلال اختيار أبطال لتحقيق ذلك
- 4 -
كانت أجواء التصوير قد فرضت نفسها على المكان داخل شقة حازم .. بدأ فى تسجيل الفيديو الثالث و قدم فى مطلع الفيديو واقعة النصب الطريفة التى حدثت معه بالهايبر و أشار ألى أن هناك أساليب جديدة و متحورة للنصب و أوضح أن شهوة النصب هى عادة موروثة و محببة لدى البعض و تتوارثها الأجيال على مرور الزمان ما دام هناك طمع أو فقر فكلاهما أو على الأقل أحداهما تكون بمثابة تربة خصبة لأستقبال بذور النصب ..
و ليؤكد وجهة نظره و قد أكتسب حازم وجهة النظر فى هذا الموضوع بعد أن تعرض شخصيا لواقعة نصب و عليه فقد تحركت مناطق فى الجزء الخلفى من ذهنه و أتجهت لجذب المواضيع التى تدور حول نفس المضمون .. فقسم الفيديو لثلاث مراحل و برر أمام الكاميرا ذلك ليجعل من الفيديو سبوت على بعض وقائع النصب الواقعية التى حدثت منذ فترة طويلة و كما أنه نوه للمشاهدين أن فيديو اليوم هو بمثابة جرس أنذار لعدم الوقوع فى فخ النصب لا سيما و أن التربة خصبة جدا فى هذه الفترة لأنتعاش تنامى بذور النصب فقد خيم شبح الفقر بظلماته على الوضع العام للبلاد مما أدى ألى تأهب غريزة الطمع بداخل الكثير من الناس بغرض الحصول على أى ربح سريع يحقق الثراء السهل للهروب من بين فكى الفقر ..
فى المرحلة الثانية من الفيديو تناول حازم واقعة نصب طريفة حدثت عام 1946 م عندما نصب شاب أسمه رمضان أبو زيد العبد بدهائه على شاب قروى بسيط يدعى حفظ الله .. بدأ نصب الفخ عندما أفصح القروى لرمضان أنه جاء الى القاهرة و بحوزته مبلغ من المال يريد أن يفتح به مشروعا فعرض عليه رمضان العبد عدة مشاريع لكنها لم تنال أقتناع القروى الذى كان منبهرا بالترماى و معجبا بزحامها .. و ما أن لاحظ رمضان العبد ذلك فى عينى القروى حتى قفزت ألى رأسه حيلة أن يبع له الترماى و سيكون له الحق بعدها فى جنى قيمة التحصيل أخر الخط و سيكون مشروع مربح نظرا للتزايد المستمر للزحام فى الترماى و قد لاحظ حفظ الله ذلك بعينيه ..
و بالفعل ذهبا لمحامى من طرف النصاب و تم صياغة عقد مزيف يضمن البيع مقابل مبلغ 200 جنيه لم يكن منهم مع القروى سوى 83 جنيه فأخذ منه العبد ثمانون جنيه و ترك له ثلاثة جنيهات بعد أن أقنعه أن يكتب له كمبيالات بقيمة المبلغ المتبقى و هو 120 جنيه و أوهمه أنه كان لا ينوى البيع بأقل من مبلغ و قدره 1000 جنيه لكنه تنازل من أجل أنه بلدياته !!
و كان القروى فى غاية السعادة أنه أتم الصفقة و ركب الترماى ألى أن جاء فى أخر الخط و طلب من الكمسرى كل الأموال التى تم تحصيلها طول الخط فضحك الكمسرى ثم تطور الأمر عندما أيقن أن القروى يتحدث بجدية و تحول الموقف لخناقة أنتهت بالذهاب لقسم الشرطة و هناك أكتشف القروى أنه تحول لأكبر مغفل فى مصر و ليس فقط ذلك فقد ذاع صيته عالميا أيضا فلم تكتفى الصحافة المصرية بنشر قصته كجريدة أخبار اليوم التى سجلت الواقعة على صفحاتها فى عددها الصادر بتاريخ 3 \ 1 \1948 و تحولت القصة فيما بعد لفيلم العتبة الخضراء و الذى أنتج فى عام 1959 م فحسب بل مجلة أخبار لندن المصورة نشرت أيضا على غلافها لوحة تجسد تلك القصة !!
أما القسم الثالث من الفيديو فتناول فيه حازم النسخة الأجنبية و الأقدم و التى تشبه هذه الواقعة و أكد أن ما دام هناك فقر و طمع وجُد المغفل و النصاب فى أى بقعة على الأرض و فى أى حقبة من الزمن !
فى عام 1925 م و بعد خروج فرنسا من الحرب العالمية الأولى كانت بيئة مثالية لعمليات النصب و أنتشر مقال فى هذه الفترة يدعو لأصلاح برج أيفل حيث أن البرج كان يتجه للسقوط و كان يحتاج للصيانة و أعادة طلائه و لكن ذلك كان عمل مكلف جدا و كان هذا المقال مصدر ألهام لرجل فى غاية الدهاء يدعى فيكتور لوستيج و قد وضع خطة جهنمية من وراء هذا الخبر و من الوسائل المساعدة لتنفيذ خطته أنه كان يمتلك بطاقة عمل مزيفة للعمل لدى الحكومة الفرنسية فدعا ستة من تجار المعادن ألى أجتماع سرى فى فندق كريلون واحد من الفنادق العتيقة فى باريس رفيعة المستوى و قدم نفسه على أنه نائب مدير عام وزارة البريد و التلغراف و شرح لهم أنه تم أختيارهم لسمعتهم الجيدة و أن عملية صيانة البرج ستكون مكلفة جدا و لذلك تم الغاء العملية و سيتم بيع البرج للنفايات و نظرا للضجة المحيطة بتكلفة أعمال الصيانة للبرج فيجب ألتزام السرية حول عملية بيع البرج و شرح لهم أنه تم أختياره من قبل الوزراة لأختيار التاجر الذى سيتم التعامل معه بخصوص العملية و أخذهم فى ليموزين ألى البرج لمعاينته و ليكتشف من هو أكثرهم حماسا للموضوع و بالفعل و قع الأختيار على أحدهم و هو بويسون و لمح له فيكتور أنه يسعى لتحسين دخله و يبحث عن مصادر مساعدة للدخل بجانب عمله الحكومى لتحسين مستواه المعيشى و عليه فهم بويسون أن فيكتور يريد مبلغا كبيرا كرشوة ليرشحه و يقع عليه الأختيار لشراء برج أيفل !!
و بالفعل تلقى فيكتور و سكرتيره الأمريكى مبلغا كبيرا من المال و هو ثمن أن يقع الأختيار على التاجر بويسون و ليس ثمن البرج ثم أخذا قطارا متجها لـ فيينا النمساوية و معهما حقيبة مليئة بالنقود !!
و لم يحدث شئ بعد هروبهما حيث أن بويسون وجد أنه من الأذلال أن يبلغ عن كونه أحمق لهذه الدرجة فأثر الصمت ..
لكن بعد هذه العملية بشهر رجع فيكتور و سكرتيره لباريس مرة أخرى و أختار ستة تجار أخرين و كرر معهم ما فعله فى المرة السابقة و لكن هذه المرة ذهبت الضحية المختارة للبوليس قبل أتمام فيكتور للصفقة و أفتضح الأمر لكن تمكن فيكتور و سكرتيره من الهرب !!
و بعد سرد هذه الوقائع أنهى حازم الفيديو و هو يشير ألى أن النصب حدث و يحدث و سيظل يحدث بألوان مبتكرة مادام هناك فقر يولد الطمع ..
******************
كانت فيلا راغب الشامى من أرقى الفيلات الموجودة بحى رفيع المستوى فى مدينة الأسكندرية .. راغب رجل أعمال ذاع صيته فى مجال التجارة و الصناعة و مجال المقاولات و قد حقق نجاحات كبيرة فى هذه المجالات , كان يجلس فى حديقة فيلته مع صديق قديم له منذ المراهقة يدعى سليمان و لقب بـ مستر سولى و قد قضى أغلب سنوات عمره خارج مصر متنقلا بين دول العالم لكنه كان يستقر فى الأصل فى الولايات المتحدة الأمريكية بعد أن سافر مع والده للولايات المتحدة فى عمر السادسة عشرة و أكمل دراسته هناك و من ثم بدأ حياته الجديدة ..
مستر سولى مصرى أمريكى فوالده مصرى و تزوج من فتاة أمريكية كانت فى رحلة سياحية لمصر و كان هو مرشد الفوج السياحى و أنجذب لها فتزوجها وعاشت معه فى مصر سنوات و كان قد أنجب منها سليمان و عندما تعثرت معهما الحياة قررت الأمريكية العودة لموطنها و سافر معها زوجها والد سولى و ضغطا على سولى و أصرا على أن يسافر معهما و عاش الثلاثة هناك حياة أفضل جعلتهم لا يفكرون فى العودة لمصر مرة أخرى , سليمان كان على أتصال مع صديق المراهقة راغب الشامى من خلال جوابات البريد التى كانا يتبادلاها سويا للأطمئنان على بعضهما و متابعة أخبارهما لكنها كانت تنقطع لسنوات ثم تعود المراسلة مرة أخرى و كانا يلتقيان على فترات بعيدة عندما كان يجد مستر سولى فرصة ينزل فيها مصر بغرض الزيارة و الغوص فى عباب الذكريات و لكن زياراته كان لها دوما جانب خفى فهى فى الأساس تكون من أجل مصالح شخصية ..
كان يجلس رجل الأعمال المصرى راغب الشامى مع رجل الأعمال الأمريكى مستر سولى فى حديقة الفيلا على سفرة مصنوعة من الخشب التك و هو خشب مخصص للفرنيتشر الـ أوت دور , تشغل مساحة السفرة صينية كبيرة موضوعة عليها و تحمل فخذ ضأن ينز منه الدهن و حولها يتناثر أطباق صغيرة بها أصناف متنوعة من المحاشى .. كان راغب يعزم فى حرارة على مستر سولى كعادة المصريين فى الترحيب بضيوفهم فألزام الضيف بأنهاء كل الطعام هو رمز الحفاوة فى الترحيب .. كانا يتحدثان و يقصان لبعضهما أمور الحياة و العمل , أخبر مستر سولى صديقه أنه يرغب فى تنفيذ مشروع ألكترونى فى مصر و قد نفذه فى عدة دول عربية و نجح فى ذلك و هو يسعى لتكملة مشروعه لأتمام تأسيس الكيان الذى بدأه و عليه فقد قرر تنفيذه فى مصر فى الفترة الراهنة مما حفز راغب و عرض على صديقه أنه سيقدم له المساعدات التى فى قدر أستطاعته و التى تخدمه فى نجاح مشروعه ..
كان مستر سولى يقيم بشكل مؤقت فى فندق خمس نجوم مع مارك مساعده الخاص و لكن أصر راغب الشامى على تخصيص غرفة فى فيلته ليقضى فيها مستر سولى الليلة ليكون معه غدا من بداية اليوم لمباشرة التجهيز لحفل عيد ميلاد أبنه أسر و قال له مازحا أنها حفلة عيد ميلاد لأبنى أسر و أيضا نحسبها بمثابة حفلة ترحيب بمستر سولى لقدومه مصر .. و وعده راغب أنهما سوف يجلسان مرة أخرى لمناقشة حيثيات مشروعه و الذى يود تطبيقه فى مصر ..
************************
سيمفونية الحرب العالمية لـ بيتهوفن بدأت تنطلق من سماعات هاتف فريدة و هى جالسة فى محل - وشم و رسم - بجوار ماسة و تتوسطهما منضدة - جذع الشجرة - و التى كانت شاهدة على واقعة العايق كانت حاملة أعلاها أفيونة المزاج .. النسكافيه و الشيكولاتة الدارك ..
عندما بدأ بيتهوفن فى العزف مع أرتشاف النسكافيه كانت أجواء مماثلة لأجواء دخول العايق عليهم قبل تحويله ألى مسخ مما أدى لأستعادة ذكرى المشهد من قبل فريدة و ماسة فتبادلا الضحكات و التنمر على طارق العايق ..
ثم فاجأت فريدة صديقتها ماسة و سألتها : أيه أخبار سولم باشا ؟؟؟
فضحكت ماسة و قالت : لسة مفيش جديد .. زى ما أنتى عارفة .. أنا عارفة أنه بيحبنى و عايز يتقدملى .. علشان كدة لما بيحاول يفتح الموضوع فى كل مرة
بكون فاهمة فـ بصده ..
فريدة : يا بنتى هتجننينى معاكى ! مش أنتى معجبة بيه ؟
و لا طلعتى شمال و أنا معرفش ؟
رفعت ماسة حاجبيها مع أبتسامة : منكرش أنى معجبة بالنقيب أسلام لأن فيه بعض الصفات لفارس أحلامى .. بس طبيعة حياتى غير طبيعة حياته أنا بحب الرسم و الروقان و الأبداع و بسمع موسيقى .. هو بيسمع ضرب نار و بيشوف لوحات بشرية متشرحة و بيطلع مأموريات بالأيام ..
لسة متلغبطة بس حاسة أن القرار هو الفرار ..
فريدة : فالحة فى الألش .. طب ما هو بابا الحاج ظابط .. يعنى المفروض أنك واخدة على كدة برضه ؟
ماسة : دى كانت محور خناقاتى مع بابا .. من و أنا صغيرة و أنا بطلب منه يغير شغله علشان أعرف أشوفه و ألعب معاه و كان يبص لماما و يضحك و يقولها الكوبى بتاعك و بيحاول دايما يعوضنى عن غيابه بس بكون حاسة أن محتاجة لحضوره فى حياتى أكتر من كدة ..
و أستطردت ماسة و هى تغمز بأحدى عينيها : سيبك منى بقى و قوليلى أيه أخبار الكابتن نضال ؟
فريدة : لا فتحى عينيكى دى .. مفيش حاجة خالص من اللى فى دماغك دة عبارة عن رجل صخرى و الحادثة أنتزعت منه قلبه .. الميعاد اللى حددناه هيكون بكرة و هشوفه هنا فى المحل و أنتى أكيد مش هتفوتى الفرصة و هتبقى موجودة و بتابعى على المكتب و أنتى بتتفرجى على الكاميرا زى حكم ال VAR
ضحكت فريدة و ماسة ثم شرعت فريدة فى أن تجمع أشيائها و هى تخبر ماسة أنه يتحتم عليها الرحيل حتى تستعد لحفلة عيد ميلاد صديق أخيها جاسر الليلة ..
**************
خيم الليل بسكونه و ظلماته لكن فيلا راغب الشامى كانت تتلألأ فى الظلام و كأنها زمردة عملاقة منيرة .. خراطيم شرايط الليد بألوان قوس قزح كانت تكسو جسم الفيلا من الخارج و تـراكات الأضاءة الورم وايت كانت معلقة بالعرض على أعمدة مؤقتة مخصصة لرفعها فى حديقة الفيلا ناهيك عن السفرات المصنوعة من خشب التك مثمنة الشكل و التى تملأ الحديقة لأستقبال الضيوف .. فى أحد أطراف الحديقة يوجد أكثر من هاموك للأرجحة .. البالونات الغزيرة المترابطة تتطاير مع تيارات الهواء مكونة سقفا للحديقة من البالونات الملونة يعلو و يهبط .. فريق الـ دى جى نصب عدته من سماعات و أجهزة الليزر ذات مؤثرات الأضاءة المتحركة .. الجو مفعم بالبهجة و السرور ..
راغب و زوجته رانيا و مستر سولى كانوا يقفون فى أستقبال الضيوف و الترحيب بهم .. أسر و ياسمين كانوا يمرون على الضيوف و ينظموا حركة تموقعهم ..
ظهر جاسر على البوابة برفقة فريدة فتم الترحيب بهما من قبل راغب و رانيا و بترحيب خاص من مستر سولى الذى صافح فريدة و أطلق تجاهها نظرات و كأنه يصورها بعدسة عينيه و يخزن الصور فى ذهنه .. لمحتهم ياسمين فوغزت أسر فتحركا ناحيتهما و عانق أسر صديقه جاسر و عانقت ياسمين فريدة و جذبوهما للداخل الى ركناً فى الحديقة قام أسر بتخصيصه لأصدقائه و لصديقات شقيقته .. بعد الترحيب قدم جاسر شنطة هدايا لأسر وهو يتمنى له العمر المديد فشكره أسر و تنمر على ثقلها و أخرج ما بداخلها فوجد عبوتان كبيرتان واحدة كانت عبوة كرياتين مستوردة و الأخرى عبوة بروتين مستوردة أيضا ..
هذا النوع من الهدايا يتطاير به لاعبى كمال الأجسام فرحاً و بالفعل نالت الهدية أعجاب أسر كثيرا ..
شكره أسر مرة أخرى و أستأذنهما بعد أن أتخذ كلاً منهما مقعده
ليعاود الأهتمام بالضيوف الوافدين ..
بعد مرور حوالى نصف ساعة كانت الحديقة قد أكتظت بالضيوف , سحب أسر هاتفه من جيبه و فتحه للأتصال بكابتن نضال و ما أن بدأ الرنين حتى أستجاب نضال لهاتفه على الفور و أخبر أسر أنه عند المدخل فأستدار أسر بناظريه فوجد كابتن نضال فأبتسم له وهو يغلق الهاتف و يسرع تجاهه و عانقه بحرارة لحظة لقائه فأندهش راغب و رانيا و لفت ذلك نظر مستر سولى .. أرتباط أسر بمدربه لهذه الدرجة لكن الأندهاشة الكبرى التى أصابتهم و هى عندما أكتشفوا هدية كابتن نضال لأسر !
نضال كان ممسكا فى يده حامل للحيوانات عبارة عن قفص حديدى ذا مظهر شيك لكنه كان يحفظ بداخله جرو جيرمن شيبرد !!
راغب لا يهوى الكلاب و لذلك لم يهتم عندما أختفى كلب أبنه أسر فجأة و رفض أعادة تجربة شراء أسر لكلب أخر و مراعاته لذلك فهو أنزعج عندما وجد نضال يحُضر معه قفص يصدر منه أصواتا لنباح كلب !!
على النقيض تماما كان أسر لا يصدق المفاجأة و أنتابته فرحة عارمة لهدية مدربه فأخذها و حملها عنه و أجلسه فى الركن الخاص الذى ميزه لضيوفه ..
و هنا كان أسر يرد المفاجأة لنضال دون قصد عندما رأى نضال تواجد فريدة فى نفس المكان الذى هو فيه للمرة الثانية بترتيب القدر ! و عليه أندهش أسر من تبادلهما نظرات التعجب للحظات فسألهما فى أدب :
أنتو تعرفوا بعض ؟
نظرا كلا من نضال و فريدة تجاه أسر و نطقا فى صوتا واحداً و قالا : تقريبا !!
فتدخل جاسر مزمجرا : أنا مش فاهم حاجة !
فقال أسر لصديقه جاسر : دة كابتن نضال يا جاسر الـ بيدربنى بوكس ..
جاسر : أهلا يا كابتن .. أسر حكى ليا عنك كتير و كان نفسى أقابلك من زمان .. هو حضرتك تعرف فريدة أختى ؟
طلبت فريدة منهم الجلوس و رحبت بنضال فشكرها و جذب الكرسى المجاور لجاسر و جلس بجانبه و على الجانب الأخر لجاسر كانت تجلس فريدة و التى يثق فيها جاسر ثقة عمياء ..
كانت الأجواء تقترب من الأحتفال بعيد الميلاد كل شئ أصبح جاهز تقريبا بدأت الأضاءة تقل تدريجيا و التجمع يتزايد تدريجيا حول التورتة الضخمة و بدأت مراسم الأحتفال بأسر من غناء و تصوير و أطلاق صواريخ الأحتفال ..
ثم عاد الجميع بعد الأحتفال لأماكنهم و بدأ تقديم العشاء للحاضرين .. كانت أطباق من اللحوم و كانت غير مفهومة لبعض الضيوف منهم على سبيل المثال لا الحصر فريدة و جاسر و نضال و قد كانوا يجهلون هوية هذه اللحوم بدا ذلك عليهم جليا .. لكن كانت تنبعث منها رائحة شهية جدا .. سأل جاسر صديقه أسر عندما أقترب من السفرة التى يجلس عليها و هو يتمم على خدمة الضيوف و قال له :
أيه يا أسر اللحمة اللى بتدوب قبل ما أمضغها دى ؟
دى لحمة لكبار السن و لا ايه ؟
فضحك أسر و أيضا ضحكت فريدة و أخيرا أبتسم نضال و رد أسر :
دة لحم غزلان و لحم نعام يا صاحبى .. بألف هنا .. حد ناقصه أى حاجة ؟
فأثنوا عليه و طلبوا منه أن يجلس و يأكل معهم ففعل ذلك .. و طلب طبقا له و جلس يأكل فى نهم حتى يحفز ضيوفه على الأكل دون خجل ..
مستر سولى أبدى أعجابه لراغب بطهى اللحوم و تسويتها و أثنى كثيرا على طيب طعمها و سأل صديقه : هل لديك مزرعة للغزلان و النعام ؟
فأخبره راغب أنه لا يملك هذا الطراز من المزارع و لكن زوجته رانيا أعتادت على طلب ما تحتاجه من هذه الأصناف أون لاين من صفحة تزورها بأستمرار و قد عرفتها من صديقاتها فى أحد الجروبات الخاصة بهم و هى لمحل مميز لـ لحوم و طيور فى القاهرة لتاجر أسمه سعيد نتعامل معه منذ فترة طويلة و بضاعته دائما تكون جيدة .. كما أنه رشح لنا محلا للفواكه ممتازا لتاجر أسمه جوزيف أيضا نبتاع منه ما نريد منذ فترة طويلة عن طريق الطلب أون لاين , و بعد قليل ستتذوق فاكهة قادمة من محله ستنال أعجابك ..
بدأت تغادر أطباق اللحوم من على السُفر التك ليأخذ مكانها أطباق الجاتوه و أطباق فاكهة جوزيف المميزة ..
ما أن نزلت أطباق الفاكهة على السفرة التى تجمع نضال و فريدة و جاسر مع التعريف بأسمائها من قبل مقدميها .. هذا موز أحمر و هذا دوريان و هذه مانجوستين .. حتى ألتقط جاسر هاتفه وسط نظرات ترقب من فريدة و نضال و فتح اليوتيوب و كتب على محرك البحث أسم أحد أنواع الفاكهة التى سمعها غير الموز الأحمر .. و عندما سألته فريدة عن ما يفعله فأجابها أنه يحاول فهم كيفية التعامل مع هذه الفاكهة قبل أن يغادر الطبق السفرة و يخسر فرصة التجربة و لم يكترث لصرامة نظرتها له و التى تعنى أن يتحلى بالخجل .. ثم وضع الهاتف أمامه على السفرة و أسنده بميل على كوب الماء فأصبحت المشاهدة واضحة للثلاثة و ظهر أول فيديو فى البحث فلمس جاسر الشاشة مكان علامة التشغيل ليفتح فيديو حازم الذى يشرح كيفية تقشير هذه الأنواع من الفواكه المميزة .. و على نهج الخطوات التى تعلمها جاسر من الفيديو بدأ فى تناول الفاكهة من أمامه و عزم بها على فريدة و نضال و بدأ الثلاثة فى تطبيق الخطوات الطازجة التى علقت فى أذهانهم و تعاملوا مع حبات الفاكهة بوعى أكتسبوه من ثوان قليلة و نجحوا فى التعامل معها و تلذذوا بمذاقها
و كأنهم جربوها مرات من قبل ..
أبتسم نضال لجاسر و قال له : أنت مشكلة يا جاسر ..
رد جاسر بصوت متقطع : و لو ماروحتش الحمام دلوقت هتبقى مشكلة .. ثم قفز جاسر من على كرسيه متجها لأسر ليرشده لمكان الحمام ..
أصبح نضال يجلس مع فريدة على سفرة واحدة يفصلهما مقعد خاوى , نظر نضال لفريدة بملامح جدية و سألها : هو أحنا طلعنا قرايب ؟
ضحكت فريدة فى ذهول و قالت : أنت طلعت بتعرف تهزر يا كابتن !
نضال : أيه الموضوع ؟
أرتبكت فريدة لوهلة و هى تفكر فى الموقف الحرج الذى وقعت فيه فالوقت غير مناسب لتذكر نضال بالحادث و لو أجلت الحديث قد يسئ نضال بها الظن و يعتقد أنها تماطل من أجل أن يتقرب منها أكثر .. و قعت فى حيرة و قد لاحظ نضال عليها ذلك فقطع شرودها و سألها مرة أخرى : مالك يا فريدة ؟؟
سرت قشعريرة بداخل فريدة عندما سمعت أسمها هذه المرة من نضال دون أن يسبق أسمها لقب أستاذة .. نظرت لنضال و قررت أن تخبره و ليكن ما يكون ..
أكدت له رغم أن الوقت غير مناسب لفتح موضوع كهذا لكنها ستخبره حتى لا يتسلل الشك لعقله أن هناك سرا أو أمرا ما حولها ..
قدمت له فريدة نفسها أنها فريدة أبراهيم النحراوى بنت سائق أتوبيس الرحلات الذى توفى فى حادث أنقلاب الأتوبيس منذ ستة أعوام و توفى معه كل ركاب الأتوبيس من ضمنهم أسرته ..
تجمدت تعابير وجه نضال و أصبحت جافة لصعقه بهذه الذكرى المؤلمة له .. فجأة أقتحمت ياسمين مع أسر مجلسهما و طلبت من فريدة أن تقوم معها و تنخرط فى أجواء عيد الميلاد فقامت معها بعد أن أستأذنت من نضال و أسر .. جلس أسر بجوار كابتن نضال و هو يسأله عن سبب تأخر جاسر فى الحمام و لكنه لاحظ علامات أضطراب على وجه نضال و عندما سأله أسر عن ما أصابه فـ جائه الجواب من نضال أنه مرهق و يتحتم عليه الرحيل لينال قسطا من الراحة ثم غادر نضال ..
رغم أن مستر سولى كان مرافقا لراغب فى أغلب أوقات الحفلة لكنه كان مراقبا لسفرة فريدة و نضال أغلب أوقات الحفلة أيضا , كان يطبع فى عقله صورا لما يلاحظه لكن الصورة النهائية فى ذهنه أصبحت مشوشة خاصة بعد رحيل نضال فجأة و أندماج فريدة فى الأحتفال مع ياسمين و أنخراط جاسر فى الرقص مع أسر ..
ذهب مستر سولى للسفرة التى يجلس عليها مساعده الخاص مارك الأسود و قد دعاه لحضور حفل عيد الميلاد معه .. مارك نادرا ما يفارق مستر سولى فى أى مكان يذهب أليه فهو الذى يعد له جدول أعمال اليوم و لقبه مستر سولى بالأسود ليس للون بشرته السمراء لكن مارك هو بئر أسرار مستر سولى فيعتبره سولى الصندوق الأسود له لذلك لقبه بمارك الأسود كما أن مارك هو بمثابة مؤشر البحث لمستر سولى و الذى يحصل من خلاله
على أى معلومة يرغبها تخص أى شخص أو مكان !
طلب مستر سولى من مارك تكوين قاعدة بيانات وافية عن كلا من فريدة و نضال و أطلاعه عليها غدا فى الفندق الذى يقيمان فيه !
****************
داخل الفندق الراقى كان يشغل مستر سولى جناحا خاصا يقيم به , سولى يعشق حياة الفنادق و قد أعتادها بحكم زياراته الكثيرة لدول عديدة ..
قد تمكن اللون الأبيض من أن يغزو رأس مستر سولى بالكامل رغم أنه مازال فى الخمسين من عمره .. سولى يقدر النساء كثيرا و يقدر المال أكثر .. يزداد شعوره بالأمان كلما تضخمت ثروته و تورط فى علاقات نسائية عديدة !
كان يجلس فى غرفته على كنبة جلد أبيض مط .. تجاوره فتاة ثلاثينية فى يدها سيجارة و بيدها الأخرى كأس ممتلئ لنصفه بالنبيذ الأحمر و يضرب بكأسه فى كأسها فيصدر صوت طرقعة الكاسات مع الضحكات ..
يمد مستر سولى يده ليأخذ زجاجة النبيذ من أمامه ليزود كأسه و كان قد وضعها على مكعبا من رزم دولارات متراصة فوق بعضها البعض على الأرض مكونة شكل مكعب أرتفاعه حوالى 50 سم و طوله و عرضه حوالى 50 سم و يتعامل معه و كأنه قطعة أثاث يضع عليها هاتفه و زجاجة النبيذ !
قرع مارك باب الغرفة فأشار سولى للغانية التى بجواره لتذهب و تسمح لمارك بالدخول ثم تغادر و تتركهما .. دخل مارك و فى يده فلاشة رفعها فى وجه سولى و قال له أتفضل يا مستر سولى .. كل ما ترغب فى معرفته عن نضال و فريدة ستجده فى هذه الفلاشة .. جلس مارك بعد أن طلب منه مستر سولى ذلك كما طلب منه أن يقص عليه نبذة عن محتوى الفلاشة فأستغرقت النبذة حوالى عشرون دقيقة على سبيل الفضفضة كانت كافية لسولى لأن تخمر أفكارا كانت تراوده بخصوصهما لا سيما و أنه قد شاهد من قبل فيديو فريدة و هى توشم العايق و فهم مارك ذلك من مشاركة مستر سولى الحوار معه و ذكر بعض الأحداث التى ظهرت فى الفيديو , بدت علامات الرضا واضحة على وجه مستر سولى و هو يبتسم لمارك ثم طلب منه أن يقوم بتشغيل التلفاز و تناول مستر سولى هاتفه من على مكعب الدولارات و قام بتشغيل فيديو من على هاتفه بعد أن ربطه بالتلفاز فظهر الفيديو على شاشة التلفاز و كان فيديو لحازم و الذى يعرض فيه حيل النصب و وقائع حقيقية طريفة لنصابين ..
بعد أن شاهد مستر سولى الفيديو للمرة الثانية مع مارك الذى يشاهده للمرة الأولى طلب منه أن يتواصل مع صاحب الفيديو و يحدد معه موعد على أخر الأسبوع يخبره أن هناك رجل أعمال يريد مقابلته هنا فى الفندق ..
كما طلب مستر سولى من مساعده مارك أن يتواصل أيضا مع فريدة و نضال و ينسق معهما مقابلة فى نفس الموعد الذى سيحدده لحازم ..
أكد مستر سولى على مارك أن هذا الأجتماع المغلق للثلاثة فى جناحه الخاص يكون فى سرية تامة و لا يخبر أحدا من الثلاثة ألا بشئ واحد ..
أنه سيكون تحقيق أحلامهم و فرصة لهم لن تعوض فى هذا اللقاء !
: - 2 -
كانا يجلسان فى مقهى ( اللؤلؤة ) فى واحدة من أفضل المناطق الريفية بمدينة الأسكندرية , يتميز المقهى بمساحة شاسعة فهو يستولى على المساحة الأرضية بالكامل للعقار الذى يعلوه كما أنه يطل على ناصية الشارع العمومى ..
هذا العقار ملك عم جابر و هو رجل أشيب الشعر و قد بلغ من العمر ستون عاما كان جالسا فى المقهى و الذى يملكه أيضا مع سيد و هو رجل أربعينى , يجلس عم جابر على مقعده المميز أمام مكتبه و فى الجهة المقابلة للمكتب كان يجلس سيد و أمامه منضدة صغيرة وضع عليها
صينيه تحمل فنجان القهوة المانو و كوباً من الماء ..
على هذا المكتب يتم أمضاء عقود الأيجار أو التمليك للشقق الخالية بالعقار , عم جابر يتحدث دوما مع الزبائن عن الشقق الخالية بفخر و فى ثقة محسومة لما يمتاز به العقار من موقع جغرافى حيوى و كامل الخدمات ناهيك عن رخصة البناء التى حصل عليها من الحى للعقار بأكمله و التى تجنب السكان شبح مشاكل الهدد أو التصالح و ما شابه من كوابيس تلاحق المواطنين على فترات متقاربة ..
كان سيد يخطب ود عم جابر فى محاولة لتقليص قيمة الأيجار لكن بائت محاولاته بالفشل و كاد أن يثير غضب عم جابر فقرر أن يكف عن المحاولة و يقبل بكلام عم جابر لأنه يدرك أن الأتفاق مناسب له و عليه فقد جرف مجرى الحوار و أشار بأصبعه للخارج الى فيلا تبدو غريبة الأطوار تقع على قرب من المقهى و بالتالى من الشقة التى سيقيم بها فسأل عم جابر عنها فى شغف على سبيل التعرف على المكان و ما فيه , لكن فى الواقع سيد من الشخصيات اللبلابية يتعايش و ينمو على معرفة أخبار الغير و التطفل على حياتهم و نقل الأخبار بعد أضافة التوابل الأدبية لها و هذا بالتأكيد يزج به فى مشاكل متنوعة مما أدى أيضا لأنتزاعه لقب عصفورة و بجدارة ..
كان واضحا على تعابير وجه عم جابر أنها أتسمت بالغضب عندما جادله سيد فى قيمة الأيجار و عندما غير سيد الموضوع بمكر و حول وجهة الكلام للأستفسار عن الفيلا كان يتوقع أنه بذلك يساعد عم جابر على أن تعود قسمات وجهه المقبوضة للبشاشة المعهودة عنه لكن ما حدث كان غير ذلك ..
لقد تبدلت ملامح عم جابر من الغضب للأنزعاج و التوتر
و بدا الحزن جليا فى عينيه بعد سؤال سيد ..
عقد سيد حاجبيه و قال : مالك يا عم جابر ؟ و ماله البيت دة ؟
عم جابر فى شرود : فيلا كمال القناوى .. الفيلا دى يا سيد يابنى كل أهل القرية تعرفها كويس و يعرفوا أهلها اللى كانوا موجوديين فيها , وقتها كله كان بيحب بعض و القرية دى كانت عيلة واحدة كبيرة فى المناسبات الحلوة والوحشة كله كان يتجمع و نفرح سوا ونحزن سوا .. لحد لما حصلت الفاجعة !!
تمتم سيد فى ذعر : أيه اللى حصل يا عم جابر ؟؟
أستطرد عم جابر و قد تغرغرت عيناه : من 6 سنين كانت عيلة الحاج كمال القناوى صديقى و حبيبى - الله يرحمهم - طالعين رحلة مصيف .. كان كمال و زوجته الحاجة هنية و أبنتهم هويدا و سمر زوجة أبنهم و الحفيدين التؤام ريم و مصطفى 4 سنين ولاد سمر و نضال .. راكبين الأتوبيس السياحى و فى طريقهم الفرامل هربت من الأتوبيس والسواق كان على سرعة عالية فركب الجزيرة و أتقلب .. كان فى نقل تقيل جاى ورا منه حاطط بسرعته ملمش نفسه لبس فيه و هرسه و كل اللى فى الأتوبيس اتوفوا قبل ما توصل الأسعاف !!
- أنفلتت دموع عم جابر على دون رغبة منه و فشل فى مقاومتها -
شرد سيد للحظات من فرط الصدمة ثم عاد و سأل : أنت قولت نضال يا عم جابر ابن الحاج كمال و أبو الطفلين صح ؟ كان فين ؟ و ايه اللى حصله ؟
عم جابر : نضال الوحيد اللى نجا فى العيلة دى لأنه مكانش معاهم .. نضال بطل الجمهورية فى الملاكمة و كان وقتها بيدرب ملاكمة فى أكاديمية خاصة و كان عنده أجتماع مهم جدا مع أدارة الأكاديمية اليوم دة لازم يحضره و فعلا قرر يحضره بعد ما أتفق مع الأدارة أنه هيسافر على طول بعد الأجتماع و فعلا حجز بصعوبة تذكرة فى الأتوبيس اللى معاد رحلته بعد رحلة الأتوبيس اللى طلع فيه عيلته ..
سيد فى نهم : و بعدين ؟
عم جابر : عرف الخبر على الطريق وهو فى الأتوبيس لما سمع السواق بيتكلم فى الموبايل و سواق زميله بيبلغه بالخبر فـ جن جنونه و صبر لحد لما الأتوبيس اللى هو راكبه وصل لمكان الأتوبيس المهروس اللى كان
مقبرة لعيلته كلها و فى يوم واحد !!
قدر الله و ما شاء فعل و محدش يعز على اللى خلقه يبنى ونعم بالله , بس الصدمة كانت فوق أحتمال نضال , حبس نفسه بعدها فى الفيلا دى 4 سنين مانع أى حد يقرب منه أو من الفيلا و كان يطلع منها للشديد القوى بس
و ساب شغله و زهد الدنيا !!
سيد : و السنتين اللى بعدهم دول راح فين ساب الفيلا ؟
عم جابر : ميقدرش يروح فى حتة و يبعد عن الفيلا دى و يسيب ذكرياته فيها لأنه كبر فيها و أتجوز وخلف فيها .. بس الزنقة وحشة و اربع سنين من غير شغل ولا دخل صعبة برضه و أتضطر أنه يبيع عربيته علشان يصرف و بعدها باع دهب كتير و لما لقى مفيش فايدة من الوضع دة و بعد ألحاح غير منقطع من زمايله الكباتن فى الأكاديمية , وافق أنه يرجع يدرب بوكس تانى بس فى الفيلا عنده و خاصة أنه عامل لنفسه فى الفيلا جيم صغير كدة و مكان تانى فيه حلبة ملاكمة كان بيتدرب فيه من زمان و الحاج كمال كان بيشجعه وبيدعمه .. قرر زمايله أنهم ميتخلوش عنه فكانوا بيقابلوه بشباب عايز يتمرن فى مجموعات خاصة و بدأ يخرج من القوقعة اللى دخل فيها بس برضه لسة حاطط حاجز كلفة زجاجى مع كل الناس ..
سيد فى فضول : و الحاجز دة معاك أنت كمان يا عم جابر و أنت صاحب والده و شكلك كنت قريب منه ؟
أندهش عم جابر من تأهب مراكز الفضول لدى سيد و قال له : بص يا سيد بما أنك فطن كدة و بتحب التفاصيل هريحك بس علشان أقولك مغزى كلامى دة كله ليه فى الأخر .. الحاجز الزجاج دة بيتكسر معايا أنا بس يا سيد فاهمنى ؟؟
رد سيد و قد ضاقت عيناه فيما يوحى بالغباء : تقصد ايه يا عم جابر ؟
عم جابر : القصة دى بطلت أتكلم فيها من زمان و أهل القرية كمان لأن بتقلب علينا أوجاع بتعصر قلوبنا بس أنا حكيتلك لانك غريب عن القرية و متعرفش أحداثها فكان واجب عليا أحكيلك علشان أفطنك ..
نضال عامل زى حقل الألغام يا سيد لو قربت منه .. هينفجر فى وشك .. عيش معانا فى سلام و ملكش دعوة بحد و أنسى الفيلا دى بس متنساش تحذيرى ليك من اللى ساكن جوة الفيلا دى .. عيش فى حالك لأن أهل القرية دلوقت بقى كله فى حاله لأسباب كتير منها أعباء الحياة و أهمها المحزنة اللى عاشها أهل القرية يوم ما نضال خسر عيلته و الوضع أتغير بعدها ..
أومأ سيد برأسه و كانت عيناه شاردتان الى لا شئ .. فتناول عم جابر القلم ومضى بأسمه فى الوريقات التى أمامه ثم
أزاحها لسيد و ناوله القلم ليفعل كما فعل ..
تم أمضاء العقود و دفع التأمين و المقدم و أتمام عملية الأيجار و عزم سيد على الرحيل فوقف ممسكا بحقيبة ملابسه و قبل مغادرته للمقهى و صعوده لأستلام الشقة بسط يده ليسلم على عم جابر و هو يقول له :
أن شاء الله معرفة خير ..
فمد عم جابر يده ليسلم على سيد و هو ضاغطأ على يده و قال له :
تذكر يا سيد .. تذكر أن تتذكر .. خليك دايما فى حالك ..
**********************
الظروف التى مر بها نضال لم تكن عادية على الأطلاق .. تجاوز محنة الفراق كان أمرا معقدا بالنسبة لنضال,هذا الشاب و الذى يبلغ من العمر ثلاثة وثلاثون عاما .. بقايا حطام أنسان بداخله كانت مازالت متمسكة بالحياة و جعلته يعود تدريجيا .. عاد و لكنه تبدل تماما و كأنه شخص أخر و كان ذلك واضحا لمن كان يعرفه .. الصدمة كانت ثقيلة عليه و مازال يشعر بوطأتها , تحول من شخص أجتماعى مرح لأكثر شخص صمتا و الأقل كلاما على الأطلاق ..
فيلا كمال القناوى تم تصميمها على طراز حديث من قبل مهندس ديكور ذات صيت مشرف فى مجاله , تم الأخذ بعين الأعتبار عند تصميم الفيلا بناء حمام سباحة طبيعى مثله كمثل أى حمام سباحة و لكن نضال بنفس عين الاعتبار طلب من المهندس تصميم حمام سباحة أضافى و لكن بمواصفات مختلفة نوعا ما و بجانب هذه المواصفات يكون موقع حمام السباحة فى مكان مغلق له سقف و يكون مخفى عن الأنظار قدر الأمكان .. و قد كان .. و نجح المهندس
فى تلبية رغبات نضال اللوغاريتمية !!
كانت المحصلة النهائية رائعة لتصميم الفيلا و تنفيذها من قبل المهندس حلمى مهندس الديكور الذى فعلها على المعتاد منه ..
لقد وضع الحاج كمال ما أختزنه طيلة حياته من جنيهات دهب و أموال فى ابتياع قطعة الأرض و بناء فيلته الحالية عليها و التى عاش حالما بها ليستمر شمل أسرته فى الترابط و يعيش هو و أبنائه و أحفاده فيما بعد فى مكانا واحدا يسعهم جميعا و يمكنهم من الأنسجام و التكيف ..
أنتقل كمال القناوى الى فيلته الجديدة منذ حوالى خمسة عشر عاما هو و أسرته من منزل قديم يقع بالقرب من الفيلا ..
*****************
اليوم و بعد مرور ستة أعوام على حادثة أسرة كمال قناوى يعيش نضال فى الفيلا وسط ذكرياته و ألامه و مع حربه الداخلية فى المقاومة من أجل البقاء .. هذه الفيلا و قد خيم عليها من الخارج شبح الحزن و الكأبة و كأنها حزينة على فراق ساكنيها , باتت أضاءة الفيلا سقيمة معظم الوقت حتى التفاعل فى محيط جنينة الفيلا و الحركة حول حمام السباحة الأساسى قلت هى الأخرى من الأدق وصفها بشبه معدومة فقد غابت الملائكة الصغيرة الذين كانوا يملئون هذه البقعة مرح و فرح و طاقة أيجابية , قلما ما يستخدم نضال هذا الجزء من الفيلا بعد الحادثة خاصة و أنه قد تم تخصيص الطابق العلوى بالكامل لنضال بعد زواجه من سمر و كان فى البداية يحتل نصف الطابق عندما كان أعزب فبجانب غرفته الأساسية كان يستغل غرفتان أخريتان غير غرفته الخاصة واحدة منهما حولها لجيم مصغر من بارات وتارات بأوازان متعددة و بعض الماكينات الرياضية المتواضعة , والغرفة الأخرى أسس فى مركزها حلبة ملاكمة و فى أركانها وضع أدوات الملاكمة من قفازات و كيس الملاكمة الرملى و غيرها من أدوات .. و ساعده فى ذلك أن الغرف تكتسب مساحات فسيحة تلهم بأبتكار أفكار فى أستخدامها و أستغلال بعضها بشكل مختلف ..
الطابق السفلى كان يضم غرف عديدة منها مثلا غرفة كمال قناوى و زوجته هنية و غرفة أخرى لأبنتهم هويدا ..
من أبرز الأماكن المتواجدة بالطابق السفلى ذاك الممر الطويل و الذى يشبه الدهليز .. عند المرور منه يشعر الماشى و كأنه فى جيب خفى من الفيلا , أخر الممر باب خشبى ضخم فخم .. عند فتح الباب يظهر حوش صغير بعده يوجد سور من السياج الحديدية هذا السور يطوق غابة مصطنعة و أن جاز التعبير و لكنها بدون نباتات يتوسط هذا السور باب حديدى
من نفس السياج الحديدية المكونة للسور يسمح بالدخول و الخروج منه !!
الغابة على النحو التالى .. حمام السباحة و الذى وضع نضال تصميمه مع المهندس حلمى عندما شرع فى تشييد هذه الفيلا , حمام السباحة كان ملحق به درج سلم خرسانى مكسو بالسيراميك و لكنه أكبر من المألوف لدى حمامات السباحة فكان أعرض من الطبيعى .. محيط حمام السباحة كان عبارة عن أرض صخرية صناعية خصص جزء منها ليكون رملى و فى زاوية من هذا المحيط تستقر بناية أرتفاعها عن الأرض حوالى متر على شكل صخرة مدرجة
يجلس على سطحها نضال !
شاب قوى البنية مفتول العضلات و قد كان
شاردا و كأن ذهنه محلقا فى عوالم أخرى !!
رن هاتف نضال و الذى كان بجانبه فأنتبه و عاد الى عالمنا أمسك هاتفه و نقر على أيقونة الرد الخضراء على شاشة هاتفه و كان المتصل هو أسر ..
نضال فى صوت محشرج بسبب فترات الصمت التى تقضيها حنجرته :
أزيك يا أسر .. قدامك أد أيه و توصل ؟؟
أسر : الحمد الله يا كابتن .. أنا وصلت و واقف أدام بوابة الفيلا ..
ممكن تفتحلى ؟
نضال فى أقتضاب : أنت لحقت .. أنت لسة مكلمنى من شوية ..
أسر : النهاردة يوم الحد و السكة رايقة ..
نضال : جايلك ..
و خرج نضال مسرعا فى الممر الطويل بعد أن أوصد الباب الحديدى للغابة الصناعية لكنه دفع الباب الخشبى الضخم خلفه
و لم يتحقق من أحكام غلق الباب الخشبى جيدا !
أسر هو شاب لا يتجاوز الخامسة عشر من عمره من الناشئين فى رياضة الملاكمة يقوم بتدريبه كابتن نضال فى كورس برايفت على رغبة من أسر منذ حوالى عام و توصلا لبعضهما من خلال أحد الكباتن زملاء نضال سابقا فى الأكاديمية التى كان يدرب فيها و أحد المخلصين لنضال و قد أصر على مساندته و تقديم العون له للخروج من محنته ..
مر أقل من دقيقة و كان نضال يفتح البوابة ليسمح لأسر بالدخول لكن أمرا جعله ينزعج و يحملق فى أسر و قال له بعد أن صار صوته أجش : أيه دة يا أسر ؟!
تلعثم أسر عند الأجابة و جاوبه : أسف يا كابتن دة جاكس الكلب بتاعى و للأسف محدش عندى فى الفيلا دلوقت أسيبه معاه وهو كمان أصر بشكل غريب أنه يجى معايا .. معلش هو هيقعد فى هدوء يستنانى لحد لما أخلص التمرينة و نمشى على طول ..
رد نضال فى زجر : أنا مبسمحش بكدة لحد يا أسر بس أنا بعزك و هوافق المرة دى بس أستثناء .. خليه دايما يبقى قريب منك ..
رد أسر منشكحا فى أنفراجة : حبيبى يا أبو الكباتن .. أوامر ..
دخل أسر و جاكس و أوصد نضال خلفهما البوابة الحديدية للفيلا و توجهوا صاعدين الدرج للطابق العلوى حيث صالة تدريب الملاكمة الخاصة بتدرب نضال و التى أتخذها موقعا لتدريب الناشئين ..
بدل أسر ثيابه بملابس رياضية و شرع فى الأحماء قبل البدء فى التدريب متبعا توجيهات كابتن نضال و الذى كان يجهز أدوات التمرين و يعد برنامجا لتدريب اليوم , على مقربة جلس الكلب جاكس فى أسترخاء باسطا ذراعيه
و مفترشا رجليه يتابع صديقه ..
بينما كان نضال منهمكا فى تدريب أسر و قد أندمجا الأثنان وهما يستمتعان بهذه اللحظات و التى تجعلهما يرتقان الى حالة من السعادة والرضا النفسى و هذا الشعور يكون وليد ممارسة الرياضة عندما يعتبرها الرياضى أسلوب حياة .. كان شعورا كفيلا لأن ينسيهما حضور الكلب و الذى أختفى وراح يتسلل عبر الدرج بعد أن أنتصبت أذناه و أشتدت و هذا يدل على أرتيابه من أمر ما , الكلاب تشعر وتحس وتشم وتسمع ما هو غير مألوف و تتجه لتبحث عن ما هو مريب و غريب فى المكان !
نزل جاكس على الدرج و سلك الممر الطويل و قد بدأ نباحه يشتد كلما أقترب من الباب الخشبى الضخم الفخم و الذى تركه نضال مواربا دون قصد ..
فجأة تزايد نباح الكلب فأنتبه كلا من نضال و أسر لأبتعاد الكلب و هرول نضال دون تعقل يلاحقه أسر وهو لا يفهم سبب ذعر مدربه لكنه أستشعر أن هناك أمرا مزعجا جعل جاكس ينبح هكذا , كان النباح يعلو كلما أقتربوا وقتها فهم نضال الى أين توجه جاكس فتتحول هرولته للوثب خاصة و قد بلغ نباح جاكس لذروته ثم أنقطع فجأة !!
وصل نضال و أسر أخر الممر فوجدا الباب الخشبى غير موصد و عندما جذبه نضال بعنف على أخره و دخل هو و أسر حتى صعق أسر من هول المنظر !!
و أيقن نضال حينها أنه أصبح فى ورطة حقيقية ..
أستطاع جاكس أن يتسلل من السياج الحديدية لداخل الغابة الصناعية لكنه لم يستطع أن يفلت من بين فكى التمساح رعد
و الذى داهمه عندما فلت من السور الحديدى !!
رعد هو السر الذى كان يخفيه نضال و أسرته عن كل أهل القرية عدا عم جابر و الذى كان يعرف بأمر التمساح الذى أطلق عليه نضال أسم رعد منذ أن أشتراه له والده وهو فقس صغير ..
رعد يصل طوله الأن لحوالى أثنان متر ونصف المتر.. كان قابعا أسفل الصخرة المدرجة و قد تخضب فكيه بالدماء أثر الفتك بجاكس وقطمه الى نصفين !!
مشهد كان كفيلا بأن يصل بأسر للأنهيار و قد هاج و ماج و هو يصرخ غير مستوعب ما حدث لكلبه و غير مصدق لوجود هذا الكائن الذى يقع على بضع خطوات و يفصله عنه مجرد سور حديدى .. حاول نضال جاهدا تهدئة أسر و قد جلجلت صيحاته للخارج بسبب وجود نافذة تهوية صغيرة فى المكان تسمح بدخول أشعة الشمس والهواء كما أنها تطل على شارع رئيسى .. حاول نضال السيطرة على أسر و أن يهدئ من روعه حتى لا يشعر من بالخارج بما حدث و ينكشف سر رعد بعد كل هذه السنوات لكن بائت محاولات نضال بالفشل و أضطر أسفا لأن يكيل له لكمة متوسطة الى ذقنه أنهت الموقف بأن سقط أسر مغشيا عليه ثم خرج نضال فى الممر مسرعا متوجها للبوابة الرئيسية للفيلا بعد سماعه تكرار صوت جرس الفيلا لمرات عديدة ..
يفتح نضال و هو يتمتم باللعنات فقد حدث ما كان يتوقعه و لا يرغبه , وجد عم جابر و جمعا من أهل القرية و قد تعرف على بعضهم و برز من بينهم سيد الذى كان يفسح لنفسه و يشق طريقه بين الجمع ليجد نفسه يقف فى مواجهة نضال مباشرة و قد أصبح عم جابر على جانبه !
سأله عم جابر و سط صيحات المتواجدون : أنت بخير يا نضال يبنى ؟؟ أحنا سمعنا نباح غريب لكلب و صوت حد بيزعق أو بيتخانق .. فى مشكلة معاك ؟ نقدر نساعدك ؟
نضال : مفيش حاجة يا عم جابر دة التلفزيون و كان صوته عالى حبة .. أنا أسف على الأزعاج دة يا جماعة و تشكروا .. تسلم يا عم جابر و ..
هنا قاطعه سيد و عينيه تخترق الفيلا للداخل و قد تقدم خطوة فخبط كتفه فى نضال وتزحزح وخطى البوابة الحديدية و قال : بس يا كابتن نضال دة مش صوت تلفزيون خالص .. دة كان صووو....
رمقه نضال بنظرات صارمة كاسحة و صار صوته أجش ثم تحول بناظريه لعم جابر وقال له فى ضجر بعد أن أمسك بذراع سيد و قد أحكم عليه قبضته بقوة فقطع جملته و ثبته مكانه : مين دة ؟!!
لم يعط سيد فرصة للحوار أن يستمر و حاول أن يتقدم مرة أخرى للدخول و أستكشاف الفيلا و معرفة ما حدث كذلك لم يعطه نضال الفرصة و فى لمح البصر جذبه من ذراعه فـ تقهقر سيد للخلف ثم وجه له نضال لكمة قوية جعلت الدم يسيل من أنفه .. كانت لكمة عنيفة
تسببت فى كسر عظمة أنفه و جعلته مترنحا غير متزنا !!
نضال من الطراز الذى لا يعبأ بالعواقب عندما يثار غضبه لكنه كان يجيد توجيه اللكمات لمراكز الوجه على حسب الموقف الذى يتعرض له !
كاد الأنفلات أن يعم المكان لكن تدارك عم جابر الموقف و صاح فى الجمع بالأنصراف بعد أن حمل أحدهم سيد على كتفه متجها به الى مستوصف القرية لعمل الأسعافات اللازمة له و قد كان سيد يخطرف و يتوعد نضال فى هذيان أنه سيدفعه ثمنا غاليا لما أرتكبه فى حقه ..
داخل الميدان كانت الفوضى مازالت تسود المكان رغم أنتهاء العرض و مغادرة فريدة و ماسة للميدان , و لحسم الفوضى و فض الموقف كان لا مفر من فك قيود طارق العايق و صرفه عن المكان .. بات ذلك جليا للمتعقلون المتواجدون من أصحاب المحال بالميدان , بالفعل شرع أحدهم و المدعو أيمن بمساعدة شريف و كريم من فك قيود العايق و ما أن أنتهوا حتى سكبوا على رأسه جردلا من الماء البارد فسهل عملية الأفاقة و قد نجحت محاولتهم ..
كان العايق جالسا أرضا ممددا رجليه و ظهره مستندا لجذع الشجرة الراسخة و قد أتخذ هذا الوضع بواسطة الثلاث شباب , بدأ العايق يستجمع نفسه تدريجيا وهو يلتفت حوله فيجد نفسه فى هذا الوضع و هو نصف عارى و أمامه جمع من الناس يضحكون و يتابعونه و كأنه قرد يقدم أحدى فقرات القرداتى , كان المشهد يزيد من صعوبة أستيعاب العايق لما حدث له فيصرخ فيهم و هو يتسائل و ظل يردد جملة واحدة فى ذهول : أيه اللى حصل .. أيه اللى حصل ..
بدأ ينهض و هو غير متزن فيقع و يعاود محاولة الوقوف مرات و مرات و الجمع من حوله يبتعد و ينتشر عشوائيا فى الميدان تحسبا لأى تهور ينتج من العايق مع ألقائه بكلمات وجمل سخرية من هنا وهناك
بما يفيد أن ينظر لوجهه !!
وقف العايق أخيرا بصعوبة و كان تأثير خليط البرشام مع الحشيش مع البنج الذى تعرض له عقله جعله يمشى و كأنه زومبى حتى وصل لمحل أيمن الذى يعرض أمام محله نموذجا لبيع نظارات شمسية و سحب العايق المرأة الدائرية المصغرة و نظر فيها فأتسعت عيناه و ثغر فاه و ألقى المرأة بتهور على الأرض فتهشمت و هم فى ألتقاط الحجارة من الأرض فهرع الناس من حوله و ساد الهرج و المرج لكن العايق تناول الحجارة وبدأ فى تصويبها فى جنون تجاه محل
- وشم و رسم - و هو يسب فريدة سبابا مقذعا و أصبح فى حالة من الهيستيريا الكاملة فأحدث أتلافات بالغة فى الديكورات الزجاجية التى تتزين بها واجهة المحل هنا أنقض عليه الثلاثة الذين حرروه من قيوده و تمكنوا من السيطرة عليه و قيدوه مرة أخرى و أتصلوا بفريدة و التى لم ترد عليهم فكانت غارقة فى سبات عميق , فتم الأتصال بماسة و أخبروها بما حدث و كانت تتحدث
مع شخص بجانبها طلب منها أن تخبرهم بأن يتحفظوا عليه
لقليل من الوقت و سينتهى الموضوع ..
ماسة كانت بصحبة والدها العقيد أحمد السويفى رئيس مباحث قسم شرطة فى أحدى المناطق الريفية بمحافظة الأسكندرية ..
كان العقيد السويفى قد أنهى عمله فى هذا اليوم على دون رغبة منه و غادر قسم الشرطة بأوامر من أبنته ماسة و هى أبنته الوحيدة و فؤاد قلبه , ليذهبا سويا و يختاران هدية مناسبة للحاجة عفاف زوجة السويفى و والدة ماسة بمناسبة عيد زواجهما و فى طريق العودة بعد أن أبتاعوا هدية قيمة , قصت ماسة على والدها و صديقها - كذلك تشعر تجاهه منذ نشأتها -
ما حدث معها و مع فريدة اليوم فى الميدان وتضجر لأنها لم تخبره من بداية الأمر فأخبرته أنها رغبة فريدة و كان يتحتم عليها أن تحترمها ..
مر وقت قصير حتى وصل السويفى و أبنته ماسة للميدان , لاحظت ماسة ما حدث لديكورات المحل فأنفعلت و صرخت فى زجر و توبيخ لطارق العايق وهو مكتوف الأيدى و ملقى أرضا و تسللت دمعة من عينيها حزنا على الخسائر التى لحقت بالمحل دون أن تبالى بخسائر العايق و التى دفعته للقيام بذلك ..
على أثرها تم مجاملة السويفى باشا من بعض الشباب المتواجدون منهم أيمن
- صاحب محل نظارات شمس و أكسسوارات - فى الميدان و كريم
- صاحب محل صيانة و بيع هواتف محمولة و أجهزة لاب توب و كاميرات مراقبة - و كانا على معرفة به جيدا و قد قضى لهما سابقا بعض الخدمات الصعبة بتوسط من ماسة , فقاما بحمل و شحن العايق فى حقيبة سيارة السويفى باشا كما طلب منهما و غادر سيادة العقيد ليعود مرة أخرى لمكان عمله و معه أبنته و العايق , طلب من ماسة أن تتصل بفريدة و تخبرها أن تحضر فورا لقسم الشرطة و بحوزتها كل الدلائل التى تثبت وقائع التحرش من رسائل و فويسات و أيضا الفيديو الذى تم تسجيله بالمحل ..
*****************
دخل نضال الفيلا مزمجرا غاضبا يلعن سوء الحظ و يلعن الأغبياء و يتعجب لتبدل الحال فى غمضة عين .. من الأستمتاع بالتدريب الى ما وصل اليه الأمر , حمل أسر على كتفه و صعد به للطابق العلوى و دخلا غرفة ضيوف و بدأ نضال مهمة الأفاقة لأسر حتى نجح لكن بمثابة أستعادة أسر أستيعابه كاد أن يدخل فى نوبة هياج مرة أخرى لكن أجبره نضال بلطف على التريث و الهدوء و أخبره أنه يدرك كم هو مؤلم أن يفقد كلبه و له كل الحق فى أن يحزن عليه و أوضح لأسر أنه يقدر هذا الأحساس و يعرف مذاقه جيدا و مقدار الألم لفقدان عزيز سواء من البشر أو حيوان يكون بعد تربيته بمثابة واحدا من الأسرة .. أخبره أن التمساح رعد يساعده بأن يظل قلبه ينبض فهو أعز صديق لديه و هو العزيز الوحيد الباقى لديه بعد ما فقد عائلته , أخبره أن
رعد صديقه منذ أكثر من 18 عاما !!
أخبره أنه كان يراعيه منذ أن كان فقس صغير حتى بلغ عمره ثلاث سنوات و بلغ حجمه حوالى متر .. وقتها عزموا على الأنتقال لمنزل أخر فقرر أن يخصص له بيتا مناسبا داخل المنزل الجديد و هذا ما حدث و أنتقلوا جميعا للفيلا بصحبة رعد و الذى عاش معهم فيها خمسة عشر عاما حتى تحول نضال و رعد لصديقان و أستمرت بينهما العلاقة و هو يتعامل معه بحظر من منطلق أن رعد فى النهاية كائن مفترس ! لقد أخبره نضال بكل ذلك !
بدا الأندهاش و الذهول واضحا على وجه أسر و كأن حديث نضال معه جلسة تنويم مغناطيسى .. بكى أسر لفقدان جاكس فأعتذر له نضال و كان هذا صعبا على نضال لكنه فعل و كرر أسفه لأسر لما فقده و طلب منه أن يظل أمر رعد سرا بينهما حتى لا تتم مصادرته من قبل وزارة البيئة فلن يتحمل فراق أخر من تبقى له فى هذه الحياة ..
فى هذه اللحظات مر أسر بأحساسين متماوجين متناقضين .. شعور بالتعاطف مع نضال و شعور بالأنتقام لكلبه .. لملم نفسه و جمع أشيائه فى ثقل و هو مفعم بالبؤس و غادر و هو يهمهم فى أسى و يقول : هنا كانت مقبرة جاكس !
أنفرد بعدها نضال بنفسه فى غرفته محاولا الخلود للنوم للأنفصال بعض الوقت عن الواقع و ما أن حاول حتى رن جرس الفيلا فظن أن أسر قد نسى شيئا و عاد ليلتقطه فذهب و فتح البوابة الحديدية لكنه تفاجأ بقدوم قوة من قسم الشرطة لتنفيذ الأحكام و طلبوا منه أن يذهب معهم لقسم الشرطة و عندما سأل عن السبب أنطلقت الجملة التقليدية .. هناك هتعرف ..
فأوصد البوابة الحديدية خلفه و ركب السيارة الخاصة بهم و غاب عن أنظار عم جابر و الجالسون فى مقهى اللؤلؤة المقابل للفيلا ..
و على الفور أستقل عم جابر سيارته مع عددا من الرجال الشهام ليلحقوا بسيارة الشرطة و يذهبوا للقسم ليكاتفوا نضال لتجاوز محنته ..
*****************
داخل قسم الشرطة كان العقيد السويفى جالسا على مكتبه و فى كامل هيبته و على وضعه , كان يوجد أمام مكتبه كرسيين أنتظار جلد تجلس ماسة على واحدا منهما و فريدة على الأخر .. طارق العايق كان يقف فى أحد زوايا المكتب فى رهبة و ذلة و رغم ذلك كانت بداخله رغبة ملحة فى الأنقضاض على فريدة و الفتك بها لكنه يعى جيدا أنه لو فعل ذلك فسيودع حريته لفترة مجهولة المدة و من الأسباب الداعمة لفقدان حريته تاريخه المشوه و سجله الملئ بمحاضر تحرش و تعدى , رغم ذلك حاول فى مناوشة الموقف و صرح بأنه يرغب فى تحرير محضر لفريدة لتعمدها أحداث عاهة مستديمة فى وجهه ..
هنا أنفجر العقيد السويفى فى الضحك فأرتعدت فرائص العايق و سكن الرعب قلبه ثم قال له السويفى : محضر عاهة قدام محاضر منها : تحرش
- و قام السويفى بتشغيل عدد من الفويسات و الفيديوهات التى تدين العايق بعد أن حصل عليها من فريدة و ماسة -
و تعدى و بلطجة و تهشيم ملكيات خاصة غير تعاطى
و أتجار المخدرات و .... الخ
فبدت الخيبة واضحة على وجه العايق ..
أجرى السويفى هذا التحقيق بنفسه فى مكتبه و بعد أجراء مكالمة هاتفية بقسم الشرطة التابع للمنطقة التى تمت فيها الواقعة و أخبر معاون المباحث هناك أنه كان يمر بمحض الصدفة و وجد هذه المشكلة فتولى حلها بنفسه فى مكتبه و ذلك ليبرر السويفى و يقنن التحقيق مع العايق فى قسم الشرطة الذى يعمل به ..
خاطب العايق العقيد فى توسل : أوامرك يا باشا ..
العقيد السويفى فى تغطرس : هتشيل من دماغك خالص موضوع محضر عاهة و فواحة و الهبل دة و هتمضى على محضر عدم تعرض و هتشيل فريدة من دماغك نهائى و ألا ....
فقاطعه العايق فى نبرة توحى بالأمتثال التام لما يقول : مفهوم يا بشوية مفهوم .. و همضى .. همضى ..
خرجت فريدة و ماسة من المكتب بعد أن طلب العقيد السويفى من أبنته أن تسبقه الى المنزل و سيرسل معها من يقوم بتوصيلها هى وفريدة و سوف ينهى بعض الأمور فى مكتبه و يلحق بها على المنزل و سيحتفظ بالهدية التى قاما بشرائها ليقدمها لزوجته عندما يعود ...
*****************
بالقرب من غرفة مكتب العقيد السويفى كانت تقع غرفة مكتب النقيب أسلام ظابط المباحث و الذى أصدر أمرا بضبط و أحضار المدعو نضال كمال القناوى بسبب تحرير سيد مصطفى الدمنهورى محضرا فى نضال يدعى فيه أن الأخير قد أعتدى عليه و أبرحه ضربا مما أدى لأحداث أصابات بالغة و أبدى سيد رغبته فى أستكمال المحضر و أرفاق تقرير طبى لحالته لينال من نضال ..
كان نضال يقف أمام مكتب النقيب و حوله عم جابر و بعض رجال القرية الذين جائوا لمساندة نضال , فى زاوية هناك كان يقف سيد مع أحد أمناء الشرطة
و هو بلدياته من كفر الدوار و يدعى محمود وهو الذى ساعد فى تحريك المحضر و سرعة ضبط و أحضار نضال لقسم الشرطة !
*********
عندما خرجت فريدة و صديقتها ماسة من مكتب العقيد كان يتوجب عليهما المرور من أمام مكتب النقيب أسلام لتتمكنا من الوصول للدرج المؤدى لأسفل و منه للخروج و المغادرة ..
عندما أقتربت فريدة من مكتب النقيب كان نضال يقف عائقا للمرور و فريدة خلفه تستأذنه ليفسح لها الطريق لتتمكن من المرور فأنتبه لها نضال و أفسح لها الطريق بالفعل وهو يعتذر لكنه بعد ما فعل ذلك و أصبح الطريق واسعا تسمرت فريدة فى مكانها و هى تنظر لنضال نظرة لم يستطع أن يفسرها و بينما كان نضال لا يبالى بنظرات فريدة التى لا يفهمها مدت له فريدة يدها بالسلام وهى تقول له :
أزيك يا كابتن نضال ؟ أقدر أساعدك ؟
رد عليها نضال فى عدم أكتراث لأنه لا يعرفها : الحمد الله .. شكرا ..
ثم أشاح بوجهه بعيدا !!
حتى أنوثة فريدة الطاغية لم تحرك لنضال ساكنا فلم يعد شئ بقادر على التأثير فى نضال فما مر به بدله لشخص لم يعد يدهشه شئ !
ماسة جذبت فريدة من ذراعها و الفضول سيقتلها لتعرف ما العلاقة التى تربطها بهذا الشخص و كيف لم تحكى لها من قبل .. لكن فريدة طلبت من ماسة طلبا غريبا .. طلبت منها أن تتوسط عند ظابط المباحث أن يساعد نضال و يخرجه من الورطة التى يقع فيها و هى لا تعرف كنهها و بعدها ستشبع فضولها و تخبرها بما تريد ..
و بالفعل أمتثلت ماسة لطلبها بحكم قوة صداقتهم و دخلت مكتب الظابط أسلام بعد أن طرقت على الباب وسمح لها بالدخول .. رحب بها النقيب بحفاوة ليس فقط لأنها أبنة رئيسه فى العمل و لكن يرجع الترحيب و الأستقبال المميز لنظرة الأعجاب التى تملأ عينين أسلام فى كل مرة يقابل فيها ماسة بمحض الصدفة ..
طلبت منه أن يساعد الشاب المدعو نضال .. فأخبرها أنه تعدى على شخص و هشم أنفه فأخبرته أن هذا جميل ستحفظه له لو تم .. و على أثره أستدعى الظابط سيد و نضال وعرض عليهما الصلح فرفض بالطبع سيد و لكن وبخه أسلام و أرهبه عندما ذكر له أن نضال يرغب فى تحرير محضر له بأقتحام فيلته لسرقتها فأنعقد حاجبى نضال من الدهشة لأنه لم يتذكر أن طلب ذلك من الظابط , و أستطرد الظابط و أخبر سيد أنه سينتظر بالقسم لحين أنهاء عرضه طبيا للحصول على التقرير الطبى فى الصباح كما أنه سيحتجزه مع نضال بسبب محضر الأقتحام و السرقة , بدا التوتر واضحا على سيد الذى يرفض تماما فكرة أن يقضى ليلة داخل الزنزانة مع المجرمين على شاكلتهم هذا غير حبسه مع نضال فى مكانا واحدا .. أشتغل عقله و أنزعج بمثل هذه الأفكار فأضطر لأن يميل للصلح و يتنازل عن المحضر !!
شكر نضال النقيب أسلام - خريج مدرسة العقيد السويفى - فقال له أسلام أشكر فريدة قريبتك و أشار له بالأنصراف .. رحل نضال وهو ينظر للكارت الشخصى الممسك به فى يده و قد منحته له فريدة قبل أن تنصرف و قبل دخوله مكتب الظابط , قد يكون ما حدث من فريدة هو أول موقف من سنوات يثير فضول نضال و يشغل الجزء الخلفى من ذهنه !
كان الفضول أيضا قد تمكن من ماسة لتعرف ما الذى يربط فريدة بالمدعو نضال و هى تستشعر أنها قد رأت نضال من قبل لكن التفاصيل قد محاها النسيان .. و سألتها كيف تعرفه جيدا و هو لا يتذكرها فى حين أن فريدة من الصعب أن ينساها من يقابلها و لو لمرة واحدة !
فى السيارة التى تقلهما للعودة بدأت فريدة فى أخماد نار الحيرة التى لسعت ماسة و أخذت تذكرها فتقول لها و قد تغرغرت عيناها بالدموع :
فاكرة الحادثة المريعة اللى بابا أتوفى فيها من 6 سنين ؟؟
ماسة فى شئ من الحزن : طبعا فاكراها .. الله يرحمه ..
فريدة : كانت نفس الحادثة اللى أتوفيت فيها أسرة نضال كلها .. بابا كان سائق أتوبيس الرحلات اللى كان فيه عيلة نضال .. و تصدرت الحادثة دى وقتها التريند على مواقع التواصل الأجتماعى و كانت حديث وسائل الأعلام و تعاطف الجميع مع نضال لحجم ما فقد .. نضال ساعتها كان كالمجذوب عقله قفل وقتها على الحادثة و مطلعش منها غير بألم و معاناة الفراق !!
وقتها مركزتش مع مصيبة نضال لأن فراق بابا كان أكبر صدمة و كان كفيل أنه يشغلنى و يلهينى .. بعدها بفترة جبت رقم نضال و أتصلت بيه علشان أعزيه ولكنه دخل فى نوبة صمت تام و بصراحة مهتمتش أتصل تانى بعدها , بس كان صعبان عليا و كان نفسى أقدمله أى مساعدة
حتى لو دعم معنوى بس محصلش نصيب ..
ماسة قد ربطت بعض الخيوط و أستحضرت من ذهنها صور للحادث و تذكرت وجه نضال ثم خبطت بكفها على جبهتها وقالت لفريدة :
فكرتينى يا صاحبة التريندات .. أبقى أفتحى النت لأنك ركبتى التريند النهاردة
بفيديو طارق العايق اللى أجتاح النت !!
********************
. ❝ ⏤محمد حسن عبد الجابر
الفصل الثاني
- 2 -
كانا يجلسان فى مقهى ( اللؤلؤة ) فى واحدة من أفضل المناطق الريفية بمدينة الأسكندرية , يتميز المقهى بمساحة شاسعة فهو يستولى على المساحة الأرضية بالكامل للعقار الذى يعلوه كما أنه يطل على ناصية الشارع العمومى ..
هذا العقار ملك عم جابر و هو رجل أشيب الشعر و قد بلغ من العمر ستون عاما كان جالسا فى المقهى و الذى يملكه أيضا مع سيد و هو رجل أربعينى , يجلس عم جابر على مقعده المميز أمام مكتبه و فى الجهة المقابلة للمكتب كان يجلس سيد و أمامه منضدة صغيرة وضع عليها
صينيه تحمل فنجان القهوة المانو و كوباً من الماء ..
على هذا المكتب يتم أمضاء عقود الأيجار أو التمليك للشقق الخالية بالعقار , عم جابر يتحدث دوما مع الزبائن عن الشقق الخالية بفخر و فى ثقة محسومة لما يمتاز به العقار من موقع جغرافى حيوى و كامل الخدمات ناهيك عن رخصة البناء التى حصل عليها من الحى للعقار بأكمله و التى تجنب السكان شبح مشاكل الهدد أو التصالح و ما شابه من كوابيس تلاحق المواطنين على فترات متقاربة ..
كان سيد يخطب ود عم جابر فى محاولة لتقليص قيمة الأيجار لكن بائت محاولاته بالفشل و كاد أن يثير غضب عم ....... [المزيد]
: - 3 -
مازن يتسم بالأنسانية فى زمن أصبحت فيه الأنسانية صفة لدى البعض وليست طبيعة و غريزة كما كان معهود سابقا !
كان يمر فى طريق العودة لمنزله عائدا من عمله و لمح طفلا صغيرا يبلغ حوالى عشر سنوات جالسا على الرصيف و قد شبك يديه متكئا بهما على ركبتيه فيسند عليهما رأسه و قد أنهكه التعب و بجانبه خشبة طولية مثبت بأعلاها خشبة أخرى عرضية و برزت من الخشبتين مسامير معلق عليها أكياس من حلوى غزل البنات و أخرى من حلوى الفريسكا .. كان طفل أخر يجول بكرتونة يبيع فيها المناديل و الكمامات توقف أمام الطفل بائع الحلوى و الذى غلبه النوم و قد لمعت عيناه و عض على شفتيه ناظرا للحلوى و هو يتوق لها و لا يجرؤ
على شرائها ثم هم بالأنصراف .. هنا تدخل مازن و أشار لطفل الكمامات و أمسك بيديه و عاد به لطفل الحلوى و وغزه برفق فأيقظه و أبتاع منه كيس غزل البنات و كيس فريسكا ثم أعطاهما لطفل الكمامات فأرتسمت فرحة على وجه الطفلين كانت كفيلة بأن تشحن مازن بطاقة أيجابية لها الفضل فى أن جعلت أحساسا بالسعادة تتدفق بداخل مازن ..
كان مازن يقص على صديقه حازم هذا الموقف و هما جالسان فى شقة صغيرة فى واحدة من المناطق الشعبية بمحافظة القاهرة , هذه الشقة تخص حازم و هى شقة والديه و قد نشأ فيها و بعد وفاة والديه بسنوات تزوج حازم و غادر الشقة ليقيم فى شقة أكبر و أفضل فأتخذها حازم بؤرة تجمعه مع أصدقائه و فضلوا التموقع فيها عندما كانوا يرغبون فى السهر و الترفيه عن أنفسهم ..
مازن كان يحكى متأثرا بمواقف مر بها شخصيا مرارا تشبه ما حدث , فذات مرة كان أبنه يرغب فى لعبة ما و يلح عليها و كان مازن يعجز عن توفيرها له غير أصناف من الحلوى المستوردة المتداولة بين الأطفال و كان يلحظ فى عينى ولده نظرة تشوق لها فيعد أبنه أن يوما ما سيوفرها له و كان مازن بالفعل عندما يستطع ينفذ , كان يمر أحيانا بأوقات يعجز فيها عن تلبية طلبات و رغبات أبنه كحال الكثير من الناس فى الفترة الراهنة لضيق الحال و صعوبة المعيشة التى تضيق يوما فيوما .. مازن يحكى وهو يدرك أن حازم يدرك أنه يحكى له على سبيل الفضفضة و لن يقبل منه أى مساعدات مالية تحت أى ظرف ..
كذلك حازم يدرك أن مازن يدرك أنه لا يبتلع فكرة أن يكون فى دور الدائن و لا دور المدين لأحد .. و عليه فصداقتهما مستمرة و توصف بأنها علاقة ناجحة لأنها قائمة على التفاهم و الشفافية ..
مازن يهوى التصوير و عندما ألتحق بوظيفة فى هايبر كبير كان المسئول عن تصوير المنتجات و البضائع بحرفية تسويقية و يرفعها على الويب سايت الخاص بالهايبر و طلب أن تكون بحوزته الكاميرا و مضى لهم بما يفيد أنها فى عهدته ، كان يستخدمها أحيانا فى حياته الشخصية لتوثيق بعض اللحظات كمشهد نظرة طفل الكمامات للحلوى فكانت روايته أوقع مع حازم و هو يعرض عليه الصورة ..
حازم كان معجبا بتألق مازن فى التصوير و يصفه دائما بالموهوب خاصة و أن حازم يعمل مراسل صحفى لدى أحدى الجرائد الألكترونية و مر عليه العديد من المصورين فى مجال عمله ..
سعيد صديقهما الثالث وهو يتمتع بحس ساخر و يمتلك روح الدعابة كما أنه يمتلك محلا ذا مساحة لا بأس بها فى مكان على درجة من الرقى يقع على مسافة ليست ببعيدة عن شقة حازم التى يتجمعون فيها , يختلف نشاط المحل عن نشاط أى محل أخر بالقرب منه أو حتى بعيد عنه .. سعيد كان يبيع فى المحل لحوم طيور و لحوم حيوانات غير شائع تداولها لبهظ ثمنها و لأنه كان يتميز فى نشاطه فكان له زبونه الخاص الذى يبحث عنه و يذهب لمحله ويبتاع منه ما يريد أو يطلبه من خلال صفحة الفيس بوك الخاصة بدعاية المحل ..
سعيد كان يبيع لحم النعام فيصل سعر الكيلو منه لحوالى 300 جنيه و كيلو لحم الغزال كان يبيعه بـ 680 جنيه و كان يبيع أيضا كبدة النعام و كبدة الغزلان و عكاوى نعام كما أنه كان يبيع عبوات زيت نعام و بيض النعام
فيصل سعر الواحدة 150 جنيه !!
أما جوزيف فهو صديقهما الرابع و ينادونه دائما بـ جو ( بتعطيش الجيم ) , بدأت صداقة الأربعة منذ عشر أعوام منذ أن كان عمرهم يتراوح من أصغرهم جو و كان أربع وعشرون عاما الى أكبرهم حازم و كان عمره حينذاك سبع و عشرون عاما ..
جو صاحب محل فواكه مميز أيضا .. فهو يبيع أصناف متنوعة من الفاكهة تقريبا كل الأصناف على حسب مواسمها بالأضافة ألى أنه يخصص ركنا فى المحل محاطا بالزجاج السيكوريت يعرض فيه أنواع من الفاكهة النادرة غير المتداولة مثل الموز الأحمر و الدوريان و المانجوستين و أصناف أخرى مثيلة و غير شائعة , و لهم زبونهم الخاص و فى أغلب الأحيان كانت زبائن سعيد تزور هذا الركن من الفواكه النادرة و يبتاعونها من جوزيف بتنويه من سعيد .. كما كان له زبائن من صفحة الفيس الخاصة بمحله يطلبون أوردرات أون لاين من هذه الأنواع المميزة من الفواكه و كان هو الأخر يطلب منهم أن يقوموا بزيارة لمحل سعيد لأنهم سيجدون هناك ما يناسبهم و ما تشتهى له أنفسهم ..
أجرى سعيد محادثة هاتفية بحازم قبل أن يذهب للشقة ليتأكد أنه هناك و سمع فى المحادثة صوت مازن يخاطب أحدا فأخبره حازم أن مازن يتحدث مع جو فى الهاتف و يذكره ببعض الطلبات من مأكولات و مشروبات و مسليات لزوم السهر و هنا سعيد سأل حازم مؤكدا عليه هل أبتاع ما يكفى من مخدر الحشيش فطمأنه حازم و طلب منه أن لا يتأخر عن موعد المبارة و كانت مباراة لفريق الأهلى المصرى مع أحدى الفرق الأفريقية فى دورى أبطال أفريقيا , و أخبره أن
بعد مشاهدة المباراة سوف يتناولون العشاء ..
كان جو يقف عند محمصة مزاج الخير المواجهة لشقة حازم يبتاع دفتر ورق البفرة و السودانى واللب فقابله سعيد و صعدا معا الدرج حتى وصلا للشقة و قرع سعيد الباب مصدرا صوت أيقاع شرقى و كأن الصوت
خارج من طبلة بلدى ..
فتح له حازم مسرعا قبل أن يستفز غضب الجيران أكثر من ذلك , صافحهم حازم و دخلا و تعانق الجميع و جلسوا أمام التلفاز متموقعين كلا
فى مكانه المفضل الذى أعتاده ..
بدأ حازم فى تجاذب أطراف الحديث فرحب بهم كالعادة و سألهم عن أحوالهم فكانت الأجابة منذ شهور دائما تبدأ بالحمد الله و يأتى بعدها كالعادة أيضا حديث مفعم بالبئوس فقد غدت الحياة قاسية بسبب الضغوط المتنامية و سوء الأحوال المعيشية الناتجة من هبوط الأقتصاد العالمى مما أثر على ركود الأقتصاد المصرى و أدى الى ركوب أسعار السلع لصاروخ الزيادة !!
تعاتب الجميع فى حوار طويل كان فيه وابل من اللوم لكلمات من طراز
- بنتكلم و بس .. مبنعملش حاجة .. كلام سطل -
هنا أخرج حازم قرش الحشيش لترطيب جو الحوار و ألقاه فى طبق حديدى صغير فضى اللون مخصص لهذه الأمور و أخرج جو علبة السجائر و دفتر البفرة و شرع سعيد فى لف سجائر الحشيش و وزعها عليهم عدا مازن و الذى أعتاد أن يشاركهم فى واحدة فقط و ذلك لسببين ..
الأول أنه لا يدمن الحشيش و يشربه بشراهة يوميا مثلهم ..
و الثانى لأن عند أضافة ثمن قطعة الحشيش على ثمن تكاليف العشاء و تقسيم الناتج على الأربعة سيكون نصيب الواحد مبلغا ليس بهين قد تزلزل قيمته الميزانية المالية لمازن و لذلك فهو يفضل أن يشاركهم قيمة نصيب الفرد فى العشاء و يدفع ثمن سيجارة حشيش واحدة يدخنها معهم فى تجمعهم , فهو لا يدخن الحشيش سوى فى تجمعه معهم فقط فيساهم بسيجارة واحدة عكسهم تماما فهم يقضون ساعات طويلة يدخنون فيها مخدر الحشيش ..
كانوا يقومون بذلك على فترات متقاربة منذ أن نشأت صداقتهم من عشر أعوام حتى هذا اليوم فى منتصف شهر فبراير من عام 2021 و الذى كان يبدو
أنه سيكون يوما مختلفا لهم ..
ملأت حلقات الدخان الغرفة التى يجلسون فيها و أخذت فى التصاعد مكونة سحب بيضاء كثيفة ملبدة بالحشيش .. غلبت عليهم حالة من الأسترخاء و شعروا أن وزنهم أصبح أثقل .. بدا هذا واضحا من طريقة ثناء سعيد على حازم و هو يقول له و قد أصبحت عيناه حمراوتان و نصف مغلقة :
أصلى .. أصلى يا كرف ..
لقد ضربهم المخدر بقوة و لكنهم مازالوا قادرين على أدارة حالتهم الجسدية و تسبب فى شعورهم بمزاج جيد بشكل مصطنع و بالطبع الحشيش لم يغير نفسيتهم المأزومة و يبدلها و لكنه كان قادرا على أن يبدل حدة النقاش فعاد الحوار مرة أخرى و لكن بشكل أهدأ و بال رائق ..
أستمر الحديث فى نفس الموضوع و قد تناقشوا سابقا مرارا و تكرارا عن مشروعات عديدة يمكن أن يقوموا بها سويا و ينفذوا مشروع مشترك يجمهم لتحسين دخلهم لمواكبة سرطان الزيادة الذى توغل فى كل السلع
و المنتجات و أصابها بشكل مرعب !
لكن كل المشروعات فى نظرهم كانت تنبئ بالفشل لذلك لم يجرئوا على الخوض فى أى واحدا حتى هذا اليوم عدا مشروعا واحدا كان متحمس له الأربعة و متحفزين أن يكون طوق نجاة لمصدر دخل كبير و سهل و سريع .. لقد قرروا سابقا فى أكثر من مرة ألتقوا فيها فى شقة حازم أن يقوموا بأنشاء حساب على التيك توك أو فتح قناة على اليوتيوب و يسجلوا فيديوهات ليعرضوها فتجتذب مشاهدات و لايكات بالألاف و عليه تجنى لهم أموالا كثيرة كما هو شائع بين الناس فى هذا العصر و كانت العقبة فى كل مرة هى أختيار محتوى مميز لتقديمه عبر القناة أو الحساب فكانت تتحول طموحاتهم فى كل تجمع
لحلم ليلة كيف !!
كان حازم شاردا و أصدقائه يتناقشون فى نفس الموضوع و يعيدون نفس الكلمات فجأة قاطعهم و قد لمعت عيناه الشاردتان الحمراوتان و قال لهم فى همة :
وجــدتها !
رد عليه سعيد ساخرا : هى مين اللى وجدها يا حاج نيوتن ؟!
نفسك فى تفاحة أجبهالك من عند جو ؟!
أجابه حازم و قد بدا على طبقة صوته الجدية : لا عايز بيضة نعامة من عندك ..
ضحك الجميع عدا حازم ضحكات عالية و ظنوا أن حازم يهرتل من تأثير الأفراط فى تعاطى الحشيش .. صمت حازم حتى أنتهى الجميع من الضحك و عاود طلبه فى أصرار و قد صار صوته ذا طبقة أمرة موجها كلامه لسعيد الذى عقد حاجبيه فى أندهاش و قد قرر تلبية رغبة حازم فأجرى محادثة هاتفية بعسلية و هو صبى يعمل لديه فى المحل و طلب منه أن يحضر بيضة نعامة و أخبره بالعنوان !
ثم وجه حازم كلامه لمازن بنفس طبقة الصوت الأمرة و طلب منه أن يجهز الكاميرا التى بحوزته و أعدادها لتسجيل فيديو قصير .. نفس تعابير الدهشة التى أرتسمت على وجه سعيد قد أكتست وجه مازن وهو
يومأ برأسه لحازم بما يفيد الموافقة ..
بدأت مباراة النادى الأهلى و بدأ ينخرط الأربعة فى المتابعة بما فيهم مازن و الذى يشجع فريق نادى الزمالك و لكنه كان يدعمهم فى بطولتهم و أندمجوا فى المباراة لحين وصول عسلية و معه البيضة المطلوبة ..
عندما وصل عسلية كانت المباراة فى دقائقها الأخيرة و كان الأهلى قد حسم نتيجة المباراة بثلاثة أهداف نظيفة فى شباك فريق المريخ السودانى و كعادته أذاق جمهوره لذة الفوز ..
فتح حازم لعسلية و أخذ منه ما يحمله فى حرص و فى لهفة و عرض على عسلية الدخول لكنه أعتذر و القى عليهم السلام و أستأذن ليعود أدراجه للمحل مرة أخرى ..
دخل حازم أمام نظرات الثلاثة و هم يتفحصوه .. بدأ حازم فى أخراج البيضة من العلبة الكرتون و هو منبهر من حجمها و رفعها فى وجه أصدقائه و قال لهم و هو يدرك الأجابة : حد فيكم أكل أومليت بيض نعام قبل كدة ؟!
فجائت ضحكاتهم و كانت خير أجابة تفيد النفى ..
ثم أدار حازم وجهه لسعيد و سأله فى تنمر :
و لا أنت يا برنس الطيور و اللحوم ؟!
فأجاب سعيد بنبرة تنمر أيضا : أحبوش .. البيض أحبوش .. منتا عارف .. اللى عايز أعرفه دلوقت تمن البيضة دى عند مين يا قلب البرنس ؟!
هنا أنفجر الجميع فى الضحك و أجمعوا على رغبتهم
فى أجابة حازم على سؤال سعيد ..
أجاب حازم فى دهاء : حجم البيضة و تواجد طاسة كبيرة بالفيديو سيثير فضول المشاهدين و دة هيدفعهم أنهم يفتحوا الفيديو و يكتشفوا اللى فيه و لما يلاقوه حقيقيى زى ما هو كان ظاهر ليهم و مختلف هينبهروا لأنه حاجة جديدة .. نادر لما هيكون بين المتفرجين شخص أعتزم ما ننوى عليه و عليه هيشيروا الفيديو و ينتشر و يجيب مشاهدات كتير و دة هيدخلنا فلوس كتير .. أحنا هنجرب نجح الموضوع هنعمل فيديوهات تانية بنفس النمط تكون مختلفة و مميزة .. فشل الموضوع نبقى كسبنا عشوة مختلفة و على الأقل هنكون بدأنا مش زى كل مرة و يبقى كسبنا شرف المحاولة ..
أستطرد حازم و قد لاحظ بوادر الأقتناع على وجوههم : شوفوا اللى يريحكم عايزين نبقى شركاء و نضيف سعر البيضة على الجمعية بتاعت النهاردة و اللى يدخلنا من الفيديو نقسمه علينا تمام .. عايزنها تبقى عزومة و انا أتحمل تمن البيضة برضه تمام .. عنيا ليكم بس لو نجحت التجربة هكمل لوحدى بعد كدة و مش هوافق أن حد يدخل معايا .. فكروا و قرروا و بلغونى ..
حازم ذكى و موهوب فى أقناع من يريد بما يريده ..
وافق الثلاثة على الترابط كما أعتادوا المشاركة بينهم فى أغلب أمورهم و سلموا لرغبة حازم و كانوا مقتنعين أن يقدم حازم الفيديو و الفيديوهات القادمة أذا نجحوا و ذلك لتوفر المؤهلات المناسبة به فلديه حضور و كاريزما غير قدرته على طرح الموضوعات كما أنه يتمتع بقسطا من الوسامة .. و أتفق معهم حازم أنهم سيقومون بمساعدته كلا منهم على حسب الدور المحدد له ..
كان مازن مستعدا بالكاميرا و أعد حازم المطبخ ليكون مهيئا للتنفيذ و التصوير بمساعدة جو و سعيد و عندما أصبح كل شئ جاهزا وقف حازم أمام الكاميرا و قد أحكم الأمساك بالبيضة الضخمة و كان يذكر فوائد بيض النعام و هو يسيح السمنة فى الطاسة الكبيرة ثم خبط البيضة خبطة بمعلقة خشب فشقتها لنصفين و مكنتها من تفريغ محتوياتها لتملأ الطاسة عن أخرها فى مشهد مثير .. و بعد الأنتهاء من تسجيل الفيديو طلب حازم من سعيد و جو أن يقوموا بأنشاء قناة على أبلكيشن اليوتيوب و أنهاء أجراءات ذلك ثم رفع الفيديو عليها و تحميله أيضا على مواقع التواصل الأجتماعى الأخرى و الجروبات لسرعة تداوله و ذلك بمساعدة مازن حاليا ثم تفرغ مازن فيما بعد للتصوير أن نجح الأمر و سوف يتابع وقتها سعيد و جو رفع الفيديوهات و متابعة التفاعل معها و تولى أمر الأدارة المالية للقناة ..
******************
فى وقت مبكر من الصباح كان يجلس نضال مع عم جابر فى مقهى اللؤلؤة الأثنان كانا يستيقظان مبكرا و كان الموعد المناسب لنضال عندما كان يرغب فى الخروج و الأنخراط فى القرية و ذلك من خلال الجلوس فى مقهى اللؤلؤة بصحبة عم جابر فى هذا الوقت حيث يكون المقهى رائقا من زحام الزبائن فيجتمع به و يتحدث معه بين الحين و الأخر ..
فى هذه المرة أتصل عم جابر بنضال و أخبره أنه يرغب فى الجلوس معه ليسأله عن ما حدث بالفيلا من سماع أصوات غريبة يوم المشكلة و يناقشه في ما حدث بقسم الشرطة , و عندما لبى نضال رغبته و ذهب للمقهى شرح لعم جابر ما حدث مع أسر فأنزعج عم جابر لما سمع و سأله بعدها عن نوع العلاقة التى تربطه بفريدة و التى تجعلها تزج بنفسها فى مأزقه و تتدخل لمساعدته , بالطبع أنكر نضال وجود أى علاقة و بدا صدق كلامه منطقيا لعم جابر لأنه أخبره أنه أيضا يرغب فى أن يعرف من هى فريدة و لماذا ساعدته ..
عم جابر أخبر نضال بأنه يعرف عن فريدة بعض المعلومات فتيقظت حواس نضال وهو يطلب من عم جابر أن ينيره بها .. أخبره عم جابر بما فعلته فريدة في من يدعى بالعايق و كيف أنتقمت منه و هذبته فأرتسمت علامات الأعجاب على وجه نضال لما فعلته فريدة و سأل عم جابر عن مصدر المعلومات فجاوبه عم جابر و قال له أن سيد عصفورة أخبره بكل ذلك من خلال محمود بلدياته أمين الشرطة و الذى ساعده فى فعلته تجاه نضال ..
سأله نضال عن ما أذا كان هناك المزيد من المعلومات التى نقلها له عصفورة بخصوص فريدة فأضاف عم جابر أن سيد أخبره أيضا أن فريدة صارت مشهورة بسبب فيديو الوشم فقد أصبح الفيديو منتشرا على مواقع التواصل الأجتماعى و متداولا بشكل واسع بين رواده ..
كانت معلومات لا بأس بها بالنسبة لنضال لكنه مازال جاهلا سبب مساعدة فريدة له و عليه فقد أخبر عم جابر أنه قرر على غير المألوف أن يهتم بالأمر و عزم نضال على الأتصال بالرقم المكتوب فى الكارت الذى منحته أياه فريدة !
****************
أجرى سعيد أتصال هاتفى بجوزيف كان يخبره فيه بنجاح ما قاموا به و يبشره بأنتشار فيديو بيضة النعامة على نطاق واسع و كان جو يستقبل منه وهو على علم بذلك لأنه كان يتابع أيضا فى شغف مدى تأثير الفيديو و عدد المشاهدات التى حصدها الفيديو و قد حقق رقما من المشاهدات غير متوقع ..
طلب سعيد من جو أن يقوم بالأتصال بحازم و أبلاغه بالأحداث و معرفة الخطوة التالية ثم معاودة الأتصال به , و بالفعل قام جو بالأتصال بحازم و أجرى معه محادثة هاتفية ..
جوزيف فى تفاؤل : الووووو
حازم : أزيك يا جو .. أيه الأخبار ؟
جو : مبروووك يا زومة .. فعلناها .. و سعيد بيقولك يا زومة الحالة مش هتكون تانى مأزومة ..
حازم مفعما بالأمل : الفيديو جاب فيوهات كتير ؟
جو متقمصا صوت شمس الزناتى : بتعرف تعد لحد كام ؟
جاب حوالى خمس الاف يا صاحبى .. مبروووك لينا .. اللى جاى أيه ؟
حازم بعد أن تبطن صوته بالأمل : الفيديو اللى فات أتعشينا بالبيضة .. يبقى بديهى كدة الفيديو اللى جاى نحلى بقى .. ولا أيه ؟
جو فى توتر : يا خوفى .. كدة بديهى بقى الفيديو التالت يبقى فى الحمام !!
حازم مقهقها : لا متقلقش .. بص بقى أحنا نصرف شوية علشان نستمر .. يعنى عايز كام حبة فاكهة من ركن النوادر بتاعك دة نطلعهم فى فيديو و نعرف المشاهدين عليهم و مش بس كدة لا و نقشرهم أدام الكاميرا و ناكلهم و أشرح طعمهم و فوائدهم و الناس تعرف معلومات جديدة
و أحنا كمان هناكل و نجرب حاجة جديدة ..
جو : فكرة حلوة بس عندى فكرة أحلى و متفهمنيش غلط خلينا نفكر
بشكل عملى .. دلوقت أنا هحسب تمن الفاكهة دى زى ما بطلعها كأنها طالعة لزبون .. نفس الفاكهة دى بتتباع فى الهايبر عند مازن بس بسعر أقل لأن الهايبر بيجيب كميات كبيرة فبياخد بسعر جملة أقل , غير أن مازن ليه هناك خصم موظفين حوالى 10% , أحنا أولى بفرق السعر دة و لا أيه ؟
حازم متحمسا: أقنعتنى يا بن الـ أيه .. أقفل هكلمه و أظبط معاه و هروحله أجيب الحاجة و نتقابل فى الشقة بليل النهاردة .. أكد على سعيد و انا هبلغ مازن ..
و بالفعل أتصل حازم هاتفيا بمازن و أخبره بحيثيات محادثته مع جو فرحب مازن بمجئ حازم و أكد له أنه سيكون فى أنتظاره عندما يصل ..
كان مازن يقف داخل الهايبر بالتحديد عند الخزينة و كانت بالقرب من باب المدخل الزجاجى فألتقى بحازم فى يسر عندما وصل و قدمه لـ أمين الخزينة بعد أن طلب منه مازن أن يطبع الفاتورة بأسمه عندما يأتى حازم ليحاسبه حتى يتمكن من الحصول على الخصم فطمأنه أمين الخزينة و بعدها ذهب حازم بصحبة مازن للمكان المخصص للفاكهة النادرة و كان موقعه قريب من الخزينة و أعتذر مازن لحازم لأنه يتحتم عليه أن يعود ليستكمل عمله فشكره حازم و أنصرف مازن و بدأ حازم رحلة التمعن و الأختيار للفاكهة , لكنه كان يلاحظ تواجد امرأة عجوز كانت تتبعه منذ أن دخل الهايبر و تلاحقه بنظراتها و كانت نظرات غريبة و قد عجز عن تفسيرها و لحسم حيرته قرر أن يقترب منها و سألها فى رفق :
أى خدمة يا أمى ؟
فدمعت عيناها و قالت له : متأسفة يا ابنى .. أصلك شبه ابنى المتوفى كثيرا .. و لما شفتك حسيت انى شيفاه قدامى .. حتى كلمة أمى لما نطقتها أراحت قلبى كثيرا .. سامحنى يا ابنى ..
حازم قد تأثر لكلامها فأقترب منها و قبل رأسها و قال لها :
دى سنة الحياة يا أمى .. ربنا يبارك فى عمرك ..
فتهاوت دمعة أخرى من عيناها ثم أتجهت فى خطوات ناحية الباب الزجاجى دون أن تلتفت له فناداها بصوت عالى يا أمى يا أمى ..
وقفت أمام الباب الزجاجى ثم أستدارت له و لوحت له بيديها مودعة .. فودعها حازم بصوت عالى ليجبرها و قال : مع السلامة يا أمى ..
ثم عاد حازم لما عزم عليه و أندمج فى أختيار حبات الفاكهة المميزة و الخاطفة للأنظار و التى يرى أنها ستكون مناسبة لغرضه ثم توجه للخزينة ليدفع ثمن أحتياجاته فأخبره أمين الخزينة أن حسابه بعد الخصم 685 جنيه و حساب والدته بعد الخصم 1870 جنيه !!
فقال له حازم فى أنزعاج : عفوا .. والدة مين و حساب أيه مش واخد بالى !!
أمين الخزينة فى صرامة : والدتك .. اللى قولتلها من شوية مع السلامة يا أمى .. بلغتنى و قالتلى أبنى هيحاسبك .. هو فى مشكلة يا أستاذ حازم ؟
فى هذه اللحظة دارات الدنيا و لفت بحازم فلو أنكر أنها والدته و أنها نصابة ستحدث مشاكل و سيتسبب فى أزعاج بالمكان على ما يتم أكتشاف صحة الواقعة و فى النهاية سيتحمل حتما دفع المبلغ بعد أن يكون تسبب فى أحراج لمازن فى مكان عمله.. لقد أيقن حازم أن لا مفر من دفع المبلغ و مغادرة الهايبر !
أخرج حازم الكريدت كارد الخاص به لأن ليس لديه من النقود ما يكفى للحساب ثم غادر المكان وهو يلعن المرأة العجوز و يتمتم بـ النصابة الشمطاء !
و عاد للشقة موقع تجمعهم و قد وضع أشيائه جانبا ثم أخرج علبة سجائره و أفرغ محتوياتها على منضدة الصالون المدهب فتبعثرت قطعة من الحشيش و عددا من السجائر و دفتر البفرة و شرع فى لف هذه السجائر مرة أخرى بعد أن أفرغ تبغها و أخذ يبدر عليها الحشيش بعد أن قام بتسخينه ثم طحنه بأنامله و قد حوله لبودر بنى اللون .. كان يفعل ذلك و ذهنه شاردا فيما حدث له , كان يلوم نفسه كيف يقع فى فخ نصب فى هذا العمر !
ما أن أنتهى حتى أشعل واحدة و نفث سحابة كثيفة من الدخان و أخذ يكرر ذلك حتى قطع مازن خلوته بأتصاله الهاتفى ..
مازن : فينك يا حازم ؟ و أيه حكاية أمك ؟!
حازم قد ضربه المخدر و ظن أن مازن يوبخه بوالدته فأجاب فى ضجر :
مالك يا مازن ؟؟ عامة أنا فى الشقة ..
مازن قد أدرك أن بال حازم غير رائق فقال له : أنا جايلك .. هعدى على سعيد و جو و هنجيلك دلوقت ..
عندما وصل الثلاثة و دخلوا على حازم بعد أن فتحوا بالنسخة الأحتياطية للمفتاح و التى يحتفظ بها مازن و قد أضاع كلا من سعيد و جو نسختيهما , وجدوا حازم و قد غلبه النعاس و كان جالسا على أريكة الصالون و أمامه المنضدة تفضح ما قام به حازم قبل أن يصلوا ..
أيقظه مازن و تموقع سعيد و جو فى مكانهما و هما يقذفاه فى دعابة بكلمات لوم لأنه سبقهم و تعاطى الحشيش و لم ينتظرهما ..
سأله مازن مرة أخرى عن ما حدث فى الهايبر و لكن قبل أن يجيب حازم حدث أن سعيد لم يتمالك نفسه و على دون رغبة منه وجد نفسه يسأل حازم :
1870 ليه يا حازم أشتريت أيه ؟ و بعدين مش الحاجة أتوفيت من سنين برضه ؟ و لا جت تعمل شوبينج للمقابر كلها و رجعت لهم تانى ؟؟
رمقه حازم فى صرامة ثم ضحك ضحكاً مريعا فأنفجر الجميع فى الضحك و أخبرهم حازم أنه لابد و أن يكون الفيديو الثالث له نصيب مما حدث ..
كما أخبرهم أنه لا يرغب فى الكلام الأن في ما حدث , و بدأ التجهيز لفيديو غرائب الفواكه .. أعد مازن الكاميرا و رتب حازم المكان و قد وضع أمامه ثلاثة أنواع من الفواكه الفريدة و التى تظهر على شاشة الكاميرا فى صورة رائعة و بدأ تسجيل الفيديو فسحب أول نوع و كان الموز الأحمر بشكله الجذاب و شرع حازم فى أعطاء نبذه عن فوائده ( بعد أن أمده جو بتفاصيل و معلومات كافية حول هذه الأنواع من الفواكه بحكم عمله )
أخذ حازم يستعرض بأسلوبه الذى حاز على قبول المشاهدين فى فيديو البيضة فأشار ألى موطن الموز الأحمر و هو دولة الهند كما أنه ينتشر فى
جنوب شرق أسيا و بدأ فى تقشير الموزة و تذوقها وهو يتلذذ بطعمها أمام الكاميرا فيخبر عن مذاقها و هو ميكس بين نكهتى الموز و التوت !!
ثم تناول حازم نوعا أخر من الفواكه و كان المانجوستين و ذكر للمشاهدين أن ملكة هولندا كانت تزرعها فى حديقة قصرها و كانت ترسلها كهدايا لملوك و أمراء أوروبا بسبب كثرة فوائدها و لكن موطنها الأصلى تايلاند و قام بتقشيرها فكانت مفاجأة فهى تشبه من الداخل منظر فصوص الثوم !!
أما مذاقها فهو ميكس بين نكهة الفراولة و نكهة المشمش !!
ثم تناول حازم أخر صنف من الفواكه التى يستعرضها و كان الدوريان و هو ملقب بملك الفواكه !
رغم رائحته الكريهة و التى ملأت أرجاء الشقة فضحك الأربعة من فظاظة الرائحة و كان ضحكهم بمثابة مشاركة فى الفيديو تأكد كلام حازم عن رائحته , فموطن هذه الفاكهة فى جنوب أسيا و يصفونه سكان جنوب أسيا
بأن له رائحة جهنم و طعم الجنة !!
و برغم رائحته الكريهة فله مذاق حلو لا يوصف .. هكذا شرح حازم فى الفيديو و هو يتذوق الدوريان و أشار ألى أنه متوفر بكثرة
فى ماليزيا و أندونيسيا و الفلبين ..
ثم أنهى حازم الفيديو بالجمل الشائعة لليوتيوبرز من تذكيرهم للمشاهدين بالضغط على زر المتابعة و اللايك .. ثم التنويه لأنتظار الفيديو القادم ..
**************
داخل شقة أبراهيم النحراوى كان الوضع متوترا للغاية لا سيما فى غرفة الليفنج حيث كانت تجلس الحاجة سهام فى مكانها المفضل على الركنة و أمامها كانت تجلس أبنتها فريدة ..
كانت الحاجة سهام غاضبة و أخذت توبخ فريدة ثم تلومها و ترجع مرة أخرى تنفعل عليها و بدا عليها القلق جليا فى كل أنفعالاتها و كانت فريدة تقدر ذلك فتحاول تهدئتها و تعتذر لها و تخبرها أنها فضلت أن تحجم عنها ما كانت تنوى فعله مع طارق لأنها كانت بالطبع سترفض و تقلق عليها , فبررت لها أنها لذلك قامت بتنفيذ ما خططت له فى سرية و طمأنتها أنها كانت تتوخى الحذر و تحسب جيدا لخطواتها ..
رن جرس الباب بعدها فتح جاسر بالمفتاح و دخل على غرفة الليفنج فألقى السلام على والدته و أخته و رمى على كرسى مطرفا شنطة رياضية كانت معلقة على كتفه و كاد أن يجلس فصرخت فيه و الدته و طلبت منه
أن يذهب ليغسل يديه أولا ..
بدأ الوضع المضطرب يستقر تدريجيا بعد أن طمأنت فريدة و الدتها و هدئت من روعها و وعدتها أنها لن تتهور مرة أخرى ثم قبلتها و عانقتها فدخل عليهما جاسر بعد أن غسل يديه و هو يعاكسهم :
يا سيدى .. على معاملة التريند يا سيدى ..
جاسر شاب رياضى يغوى رياضة كمال الأجسام و هو أصغر من فريدة
فعمره 17 عام و يتدرب فى جيم جيد المستوى و على علاقة طيبة بعدد من الرياضيين المشتركين فى الجيم الذى يتدرب فيه ..
فريدة تعتبر المسئولة عن مصاريف والدتها و أخيها الأصغر فبجانب معاش والدها ملزمة بتوفير مبلغا أخر من المال فهى تتحمل أعباء مصاريف المنزل و مصاريف دراسة جاسر و قد رفضت فى حزم أن يبحث عن عمل ليساعدها وطلبت منه أن يهتم بدراسته و يركز فى رياضته و هى متكفلة بكل الأمور , و تعامله كأنهما صديقين مما جعله يفاجئهم أنه مدعو غدا على عيد ميلاد فى فيلا صديقه الذى يتمرن معه فى الجيم و فريدة أيضا مدعوة على عيد الميلاد معه .. فألتفتت له فريدة و قد عقدت حاجبيها فأخبرها جاسر قبل أن يخرج السؤال من بين شفتيها و قال لها أن ياسمين أخت أسر صديقه و صاحب عيد الميلاد قد أكدت على أن أخبرك أن تحضرى عيد الميلاد .. هى تتذكرك جيدا عندما كنتى بصحبتى فى حضور حفل خطوبتها منذ فترة قريبة ..
الحاجة سهام أمرأة بيتوتية جدا لكنها حفزت فريدة على أن تذهب مع أخيها فمنها تغير جو و أيضا لتكون صمام أمان لـ جاسر ..
و بالفعل وافقت فريدة فهى تشعر أنها حقا تحتاج لتجديد مودها و شحن طاقتها مرة أخرى ..
********************
كان المناخ الريفى يخيم بهدوئه فى محيط مقهى اللؤلؤة و فيلا كمال القناوى ..
داخل الفيلا كان المشهد خاويا فارغا يوحى بالرهبة لعدم توافر الحركة , كان الباب الخشبى الضخم الذى فى أخر الممر مفتوحا .. نضال كان يعتلى الصخرة المدرجة و كأنه ملكا مستقرا على كرسيه فى أحدى يديه يمسك هاتفه و فى اليد الأخرى يحمل الكارت الذى أعطته له فريدة .. رعد كان مسترخيا أمام الصخرة ..
فعلها نضال بعد تردد و أتصل بالرقم المسجل على الكارت : السلام عليكم ..
ردت فريدة فى جدية : و عليكم السلام .. مين معايا ..
نضال فى أقتضاب : أنا نضال .. حضرتك ا/ فريدة ؟؟
فريدة فى شئ من المرونة : أه .. فريدة من غير أستاذة .. أنا خريجة فنون جميلة مش تربية .. اخبارك أيه يا كابتن ؟
نضال : الحمد الله .. ممكن أعرف حضرتك مين بالظبط ؟ و ليه ساعدينى فى قسم الشرطة قبل ما حتى تعرفى الموضوع ؟؟
تنهدت فريدة ثم قالت فى هدوء : عندك مانع يا كابتن تشرفنى فى المحل و تشرب معايا القهوة و نتكلم ؟؟ الكلام فى الموبايل مش هينفع ..
لم يمانع نضال بالعكس وافق و طلب منها تحديد موعد و أتفقا على موعدا يناسبهما ..
*****************
بعد أن أنهى نضال محادثته الهاتفية مع فريدة شرد قليلا و هو يحاول تخمين عن ماهية العلاقة التى تربط فريدة به وهو على يقين أنه لم يلتقى بها قبل لقائهما فى قسم الشرطة و بينما كان سابحا فى سموات التأمل .. رن هاتفه فأنتبه نضال و أمسك به و قد أندهش للأتصال فقد كان المتصل هو أسر !
رد نضال : السلام عليكم .. أزيك يا بطل ؟
أسر : و عليكم السلام .. أنا الحمد الله يا ابو الكباتن .. أخبارك أيه ؟؟
نضال و بدأ يشعر بالراحة النفسية تجاه أسر من نبرة صوته :
الحمد الله أنا فى نعم .. و يارب أسمع عنك دايما أنك بخير ..
و ياريت متكونش لسة زعلان منى ..
رد أسر فى شئ من الخجل : ياريت حضرتك اللى متزعلش من أسلوبى معاك يومها يا كابتن أنا مكنتش فى حالتى الطبيعية .. بس علشان مبقاش زعلان خالص منك يا كابتن ليا عندك طلب و مش هينفع تكسفنى ..
رد نضال بعد أن تبددت الراحة النفسية التى شعر بها منذ قليل : خير يا أسر ؟؟
أسر : أنا عيد ميلادى بكرة يا كابتن و بفرح لما بيكون حواليا الناس اللى بحبهم و بطمن وسطهم و حضرتك واحد من الناس الغالية عليا يا كابتن و هكون مبسوط لو جيت و حضرت عيد ميلادى .. ممكن ؟؟
نضال : تسلم يا أسر .. بس أنا مليش فى جو أعياد الميلاد .. دة غير أن أنا معرفش حد خالص فى الحفلة .. معلش يا أسر حاول تعفينى ..
قاطعه أسر و قال له : أنت صاحب مكان يا كابتن .. و بابا رجل أعمال بيحب الرياضة و بيدعمها و عازم رياضيين كتير أكيد هيكون فيهم كباتن يعرفوك يا كابتن و أنا كمان هبقى معاك .. علشان خاطرى يا كابتن .. طب و غلاوة رعد عندك ..
ضحك نضال ضحكات متكلفة .. فأخبره أسر أنه سيرسل له اللوكيشن
على الواتس اب و أكد عليه أنه سينتظر مجيئه ..
****************
. ❝ ⏤محمد حسن عبد الجابر
الفصل الثالث
- 3 -
مازن يتسم بالأنسانية فى زمن أصبحت فيه الأنسانية صفة لدى البعض وليست طبيعة و غريزة كما كان معهود سابقا !
كان يمر فى طريق العودة لمنزله عائدا من عمله و لمح طفلا صغيرا يبلغ حوالى عشر سنوات جالسا على الرصيف و قد شبك يديه متكئا بهما على ركبتيه فيسند عليهما رأسه و قد أنهكه التعب و بجانبه خشبة طولية مثبت بأعلاها خشبة أخرى عرضية و برزت من الخشبتين مسامير معلق عليها أكياس من حلوى غزل البنات و أخرى من حلوى الفريسكا .. كان طفل أخر يجول بكرتونة يبيع فيها المناديل و الكمامات توقف أمام الطفل بائع الحلوى و الذى غلبه النوم و قد لمعت عيناه و عض على شفتيه ناظرا للحلوى و هو يتوق لها و لا يجرؤ
على شرائها ثم هم بالأنصراف .. هنا تدخل مازن و أشار لطفل الكمامات و أمسك بيديه و عاد به لطفل الحلوى و وغزه برفق فأيقظه و أبتاع منه كيس غزل البنات و كيس فريسكا ثم أعطاهما لطفل الكمامات فأرتسمت فرحة على وجه الطفلين كانت كفيلة بأن تشحن مازن بطاقة أيجابية لها الفضل فى أن جعلت أحساسا بالسعادة تتدفق بداخل مازن ..
كان مازن يقص على صديقه حازم هذا الموقف و هما جالسان فى شقة صغيرة ....... [المزيد]