█ قبسات من غزوة تبوك ثُمَّ إن أبا خَيثَمَة رجع بعد أن سار رسول الله ﷺ أياماً إلى أهله يوم حار فوجد امرأتين له عريشين لهما حائطه قد رشت كُل واحدة منهما عريشها وبرَّدَتْ ماء وهيأت فيه طعاماً فلما دخل قام باب العريش فنظر امرأتيه وما صنعتا فقال الضَّح ( الشمس ) والريح والحر وأبو خيثمة ظل بارد وطعام مهياً وامرأة حسناء ماله مقيم ؟ ما هذا بالنَّصَفِ ثم قال والله لا أدخل عريش منكما حتى الحق برسول فهيئا لي زاداً ففعلتا قدم ناضحه فارتحله خرج طلب أدركه حين نزل وقد كان أدرك عُمير بن وهب الجمحي الطريق يطلب فترافقا إذا دنوا أبو لعمير : ذنباً فلا عليك تتخلف عني آتي ففعل دنا مِن وهو نازل بتبوك الناس راكب مقبل كُنْ أَبَا خَيْثَمَةَ قالوا يارسول هو أناخ أقبل فسلم أَوْلى لَكَ يَا خَيْثَمَة فأخبر خبره خَيْراً ودعا بخير كتاب زاد المعاد هدي خير العباد (كامل) مجاناً PDF اونلاين 2024 تأليف ابن قيم الجوزية خمسة مجلدات يتناول الفقه وأصوله والسيرة والتاريخ وذكر سيرة الرسول غزواته وحياته وبيّن هديه معيشته وعباداته ومعاملته لأصحابه وأعدائه ألف الكتب أثناء السفر ولم تكن معه أية مصادر ينقل منها يحتاج إليه أحاديث وأقوال وآراء تتعلق بمواضيع الكتاب ومع ذلك فقد ضمن كتابه نبوية الصحاح والسنن والمعاجم والسير وأثبت كل حديث الموضوع الذي يخصه مع العلم القيم يحفظ مسند الإمام أحمد حنبل يضم أكثر ثلاثين
❞ تتمة هديه ﷺ في الحج
ولم يتعجل ﷺ في يومين ، بل تأخر حتى أكمل رمي أيام التشريق الثلاثة ، وأفاض يوم الثلاثاء بعد الظهر إلى المُحَصَّبِ ، وهو الأبطح ، وهو خَيْف بني كنانة ، فوجد أبا رافع قد ضرب له فيه قبة هناك ، وكان على ثَقَله توفيقاً من الله عز وجل ، دون أن يأمره به رسول الله ، فصلى الظهر ، والعصر ، والمغرب ، والعشاء ، ورقد رقدة ثم نهض إلى مكة ، فطاف للوداع ليلاً سحراً ، ولم يَرْمُلْ في هذا الطَّوافِ وأخبرته صفية أنها حائض ، فقال ( أحَابِسَتُنا هي؟ ) فقالوا له : إنها قَدْ أَفَاضَتْ قال ( فَلْتَنْفِرْ إذاً ) ، ورَغِبَتْ إليه عائشة تلك الليلة أن يُعْمِرَها عُمرةً مفردة ، فأخبرها أن طوافها بالبيت وبالصفا والمروة قد أجزاً عن حجها وعُمرتها ، فأبت إلَّا أن تعتمِرَ عُمرة مفردة ، فأمر أخاها عبد الرحمن أن يُعْمِرَها من التنعيم ، فَفَرَغَتْ مِن عُمرتها ليلاً ثمَّ وافَتِ المُحَصَّبَ مَعَ أخيها ، فأتيا في جَوْفِ الليل ، فقال رسول الله ﷺ ( فَرَغْتُمَا ؟ ) قالت : نَعَمْ ، فنادى بالرحيل في أصحابه ، فارتحل الناسُ ، ثم طاف بالبيت قبلَ صَلاةِ الصُّبح ، ثم ارتحل راجعاً إلى المدينة ، فلما كان بالروحاء ، لقي ركباً ، فسلم عليهم ، وقال ( مَنِ القَوْمُ؟ ) فَقَالُوا : المُسْلِمُونَ ، قالوا : فَمَنِ القَوْمُ ؟ فَقَالَ : رَسُولُ الله ﷺ ، فَرَفَعَتِ امْرَأَةٌ صَبيّاً لَهَا مِنْ مِحفَّتِها ، فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ أَلِهَذَا حَج ؟ قال ( نعم ، ولَكِ أَجْرٌ ) ، فلما أتى ذَا الحُلَيْفَةِ ، باتَ بِهَا ، فَلَمَّا رَأَى الْمَدِينَةَ ، كَبَّرَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ، وقال ( لا إله إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَه ، لَهُ المُلْكُ ، وَلَهُ الحَمْدُ ، وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَدِير ، آيبون تَائِبونَ عَابِدُونَ سَاجِدُونَ ، لِرَبِّنا حَامِدُونَ ، صَدَقَ اللَّهُ وَعْدَهُ ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ ، وَهَزَمَ الأحْزَابَ وَحْدَه ) ، ثم دخلها نهاراً من طريق المُعَرَّسِ، وخَرَجَ مِن طريق الشَّجَرَةِ ، والله أعلم . ❝
❞ وكان هديه ﷺ القنوت في النوازل خاصة ، وتركه عند عدمها ، ولم يكن يخصه بالفجر ، بل كان أكثر قنوته فيها لأجل ما شرع فيها من التطويل ، ولاتصالها بصلاة الليل ، وقربها من السَّحَر ، وساعة الإجابة ، وللتنزل الإلهي ، ولأنها الصلاة المشهودة التي يشهدها الله وملائكته . ❝
❞ تأمل كيف وصف ـ سبحانه ـ النصر بأنه عزيزا في هذا الموطن ثم ذكر إنزال السكينة في قلوب المؤمنين في هذا الموطن الذي اضطربت فيه القلوب ، وقَلِقَتْ أشدَّ القلق ، فهي أحوج ما كانت إلى السكينة ، فازدادوا بها إيماناً إلى إيمانهم ، ثم ذكر سبحانه بيعتهم لرسوله وأكدها بكونها بيعةً له سبحانه ، وأن يده تعالى كانت فوق أيديهم إذ كانت يد رسول الله ﷺ كذلك ، وهو رسوله ونبيه ، فالعقد معه عقد مع مُرْسِلهِ ، وبيعته بيعته ، فمن بايعه ، فكأنما بايع الله ، ويد الله فوق يده ، وإذا كان الحجر الأسود يمين الله في الأرض ، فمن صافحه وقبله ، فكأنما صافح الله ، وقبل يمينه ، فيد رسول الله ﷺ أولى بهذا من الحجر الأسود ، ثم أخبر أن ناكث هذه البيعة إنما يعود نكثه على نفسه ، وأن للمُوَفِّي بها أجراً عظيماً فَكُلُّ مؤمن فقد بايع الله على لسان رسوله بيعة على الإسلام وحقوقه ، فناكِث ومُوفٍ . ❝