█ ولما انقضت الحرب بدر أقبلَ رسولُ الله ﷺ حَتَّى وَقَفَ عَلَى القَتْلَى فقال ( بِئْسَ عَشيرة النبي كُنتُمْ لِنَبِيكُم كَذَّبْتُمُونِي وصَدَّقَني النَّاسُ وخذَلْتَموني ونَصَرني وأَخْرَجْتُموني وأواني ) ثم أمر بهم فسُحِبوا إلى قَليبٍ مِن قُلب فطرِحوا فيه وقف عليهم يا عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ ويا شَيْبَةَ رَبِيعَة فلانُ فُلانُ هَل وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَكُمْ رَبُّكُم حَقَّاً فَإِنِّي وَجَدْتُ وَعَدَنِي رَبِّي عُمَرُ بنُ الخطاب : رَسُولَ اللَّهِ ! ما تُخَاطِبُ مِنْ أقوام قَدْ جَيْفُوا؟ فقالَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ وَلَكِنَّهُمْ لَا يَسْتَطِيعُونَ الجَوابَ أقام رسول بِالعَرْصَةِ ثَلاثاً وَكَانَ إِذا ظَهَرَ قَوْمٍ أَقَامَ بِعَرْصَتِهِم ثلاثاً ارتحل مؤيداً منصوراً قرير العين بنصر له ومعه الأسارى والمغانم فلما كان بالصفراء قسم الغنائم وضرب عُنُقَ النَّضْرِ بن الحارث كلدة ثُمَّ لما نَزَلَ بِعِرْقِ الظَّبْيَةِ ضرب عُنُق عُقبَةَ أبي معيط ودخل المدينة مظفراً قد كتاب زاد المعاد هدي خير العباد (كامل) مجاناً PDF اونلاين 2024 من تأليف ابن قيم الجوزية خمسة مجلدات يتناول الفقه وأصوله والسيرة والتاريخ وذكر سيرة الرسول غزواته وحياته وبيّن هديه معيشته وعباداته ومعاملته لأصحابه وأعدائه وقد ألف هذا الكتب أثناء السفر ولم تكن معه أية مصادر ينقل منها يحتاج إليه أحاديث وأقوال وآراء تتعلق بمواضيع الكتاب ومع ذلك فقد ضمن كتابه نبوية الصحاح والسنن والمعاجم والسير وأثبت كل حديث الموضوع الذي يخصه مع العلم أن القيم يحفظ مسند الإمام أحمد حنبل يضم أكثر ثلاثين
❞ قبسات من غزوة تبوك ...
ثم إن رسول الله ﷺ سار حتى إذا كان ببعض الطريق ضَلَّت ناقته ، فقال زيد بن اللُّصَيْتِ وكان منافقاً : أليس يزعم أنه نبي ، ويُخبركم عن خبر السماء ، وهو لا يدري أين ناقته ؟ ، فقال رسول الله ﷺ( إِنْ رَجُلاً يَقُولُ ، وذَكَرَ مَقَالَتَهُ ، وإِنِّي والله لا أَعْلَمُ إلا ما علمني الله ، وقَدْ دَلَّني اللهُ عَلَيْها ، وهي في الوادي في شِعْبِ كَذَا وَكَذَا ، وَقَدْ حَبَسَتْها شَجَرَةٌ بِزمَامِهَا ، فَانْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُونِي بها ) فذهبوا فَأَتَوْهُ بها . ❝
❞ حادثة الإِفك .
وذلك أن عائشة رضي الله عنها كانت قد خَرَجَ بها رسول الله ﷺ معه في هذه الغَزوةِ ˝ غزوة بني المصطلق ˝ بقرعة أصابَتْهَا ، وكانت تلك عادته مع نسائه ، فلما رجعوا من الغزوة ، نزلوا في بعض المنازل ، فخرجَتْ عائشة لحاجتها ، ثم رجعت ، ففقَدَتْ عِقْداً لأختها كانت أعارتها إياه ، فرجَعَتْ تلتمسه في الموضع الذي فَقَدَتْهُ فيه ، فجاء النَّفَرُ الَّذِينَ كَانُوا يَرْحَلُونَ هَوْدَجَها ، فظنُّوها فيه ، فحملوا الهودج ، ولا يُنكرون خِفته ، لأنها رضي الله عنها كانت فتية السن ، لم يغشها اللحْمُ الذي كان يُثْقِلُها ، وأيضاً ، فإن النفرَ لمَّا تساعدوا على حمل الهودج ، لم يُنكِرُوا خِفَّته ، ولو كان الذي حمله واحداً أو اثنين لم يَخْفَ عليهما الحال ، فرجعت عائشة إلى منازلهم ، وقد أصابت العقد ، فإذا ليس بها داع ولا مجيب ، فقعدت في المنزل ، وظنت أنهم سيفقدونها ، فيرجعون في طلبها ، والله غالب على أمره ، يُدبِّرُ الأمرَ فَوقَ عرشه كما يشاء ، فغلبتها عيناها فنامَتْ ، فلم تستيقظ إِلَّا بِقَوْلِ صَفْوَانَ بنِ المُعَطْل : إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إليه رَاجِعُونَ ، زوجة رسول الله ﷺ ، وكان صفوان قد عرَّس في أخريات الجيش ، لأنه كان كثير النوم ، كما جاء عنه في صحيح أبي حاتم وفي السنن ، فلما رآها عرفها ، وكان يراها قبل نزولِ الحِجَابِ ، فاسترجع ، وأناخ راحِلَته ، فقرَّبها إليها ، فركِبَتْها ، وما كلَّمَها كلمةً واحدة ، ولم تَسْمَعْ منه إلَّا استرجاعه ، ثم سار بها يَقُودُهَا حَتَّى قَدِمَ بها ، وقد نزل الجيش في نحر الظهيرة ، فلما رأى ذلك الناسُ ، تكلم كُل منهم بشاكلته ، وما يليق به ، ووجد الخبيثُ عدو الله ابنُ أبي متنفساً ، فتنفس مِن كَرْبِ النفاق والحسد الذي بين ضلوعه ، فجعل يستحكي الإفك ، ويستوشيه ، ويشيعه ، ويُذيعه ، ويَجمعُه ، ويُفرّقه ، وكان أصحابه يتقرَّبُونَ به إليه ، فلما قَدِمُوا المدينةَ ، أفاض أهل الإفك في الحديث ، ورسولُ اللهِ ﷺ ساكِتُ لا يتكلم ، ثم استشار أصحابه في فراقها ، فأشار عليه علي رضي الله عنه أن يُفارِقَهَا ، ويأخُذَ غيرها تلويحاً لا تصريحاً ، وأشار عليه أسامة وغيره بإمساكها ، والا يلتفت إلى كلام الأعداء ، فعلي لما رأى أن ما قيل مشكوك فيه ، أشار بترك الشك والريبة إلى اليقين ليتخلص رسول الله ﷺ من الهم والغم الذي لحقه من كلام الناس ، فأشار بحسم الداء ، وأسامة لمَّا عَلِمَ حب رسولِ اللهِ ﷺ لها ولأبيها ، وعلم من عفتها وبراءتها ، وحصانتها وديانتها ما هي فوق ذلك ، وأعظمُ منه ، وعرف مِن كرامةِ رَسُول اللَّهِ ﷺ على ربِّه ومنزلته عنده ، ودفاعه عنه أنه لا يجعل ربة بيته وحبيبته من النساء ، وبنت صديقه بالمنزلة التي أنزلها به أرباب الإفك ، وأن رسول الله ﷺ أكرم على ربه ، وأعزُّ عليه من أن يجعل تحته امرأة بغياً ، وعلم أنَّ الصديقة حبيبة رسول الله ﷺ أكرم على ربها مِن أن يَبْتَلِيَهَا بِالفَاحِشَةِ ، وهي تحتَ رسوله ﷺ ، ومَنْ قَوِيَتْ معرفته لله ومعرفته لرسوله وقدره عند الله في قلبه ، قال كما قال أبو أيوب وغيره من سادات الصحابة ، لما سمعوا ذلك { سُبْحَنَكَ هَذَا بُهْتَنُ عَظِيمٌ } ، وتأمل ما في تسبيحهم لله ، وتنزيههم له في هذا المقام من المعرفة به وتنزيهه عما لا يليق به ، أن يجعل لرسوله وخليله وأكرم الخلق عليه امرأة خبيثة بغيًّا ، فمن ظنَّ به سُبحانه هذا الظَّنَّ ، فقد ظَنَّ به ظنَّ السوء ، وعرف أهل المعرفة بالله ورسوله أن المرأة الخبيثة لا تليقُ إِلَّا بمثلها ، كما قال تعالى: { الْخَبِيثَتُ لِلْخَبِيثِينَ } ، فقطعوا قطعاً لا يشكون فيه أن هذا بهتان عظيم ، وفريةٌ ظاهرة . ❝
❞ هديه ﷺ في الأضاحي
لم يكن ﷺ يَدَعُ الأضحية ، وكان يُضَحي بكبشين ، وكان ينحرهما بعد صلاة العيد ، وأخبر أن مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ ، فَلَيْسَ مِنَ النُّسُكِ فِي شَيْءٍ ، وإِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ قَدَّمَهُ لأَهْلِهِ ، هذا الذي دلت عليه سُنته وهديه ﷺ ، لا الاعتبار بوقت الصلاة والخطبة بل بنفس فعلها ، وهذا هو الذي ندين الله به ، وأمرهم أن يذبحوا الجَذَعَ مِن الضَّانِ والثنِي مِمَّا سِوَاهُ ، وهي المُسِنَّة ، ونهى ﷺ عن إدخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث ، ومن هديه ﷺ أن من أراد التضحية ، ودخل يوم العشر ، فلا يأخُذ من شعره وبشره شيئاً ، وكان من هديه ﷺ اختيار الأضحية واستحسانها ، وسلامتها مِن العُيوب ، ونهى أَنْ يُضَحَى بِعَضْبَاءِ الأُذُنِ والقَرْنِ ، أي مقطوعة الأذن ، ومكسورة القرن ، النصف فما زاد ، وأمرَ ﷺ أَنْ تُسْتَشْرَفَ العَيْنُ والأُذُن ، أي : يُنظر إلى سلامتها ، وأن لا يُضحى بِعَوْرَاء ، ولا مُقابَلَة ، ولا مُدَابَرَة ، ولا شرقاءَ ولا خَرْقَاءَ ، ˝ والمُقَابَلَةُ هي الَّتِي قُطِعَ مُقَدَّمُ أُذُنِها ، والمُدَابَرَةُ الَّتى قُطِعَ مُؤَخِّرُ أُذُنِهَا ، والشَّرْقَاءُ التي شُقَّتْ أُذُنُها ، والخَرْقَاءُ التي خُرِقَتْ أُذُنُها ˝ ، وذكر عنه أيضاً : أَرْبَعٌ لَا تُجْزِي في الأضاحي : العَوْرَاءُ البَيِّنُ عَوَرُهَا ، والمَرِيضَةُ البَيِّنُ مَرَضُهَا ، والعَرْجَاءُ البَيِّنُ عَرَجُهَا ، والكسيرَةُ التي لا تُنقي والعَجْفَاءُ التي لا تنقي ، أي من هزالها لا مخ فيها ، ونهى ﷺ عن ذبح المُصْفرة ، والمُسْتَأْصَلَة ، والبَخْقَاء ، والمُشَيَّعَةِ ، والكَسْراء ، ˝ فالمُصفَرة التي تُستأصل أذنها حتى يَبْدُو صِمَاحُها ، والمُستَأْصَلَةُ التي استُوْصِلَ قَرْنُها مِنْ أَصْلِهِ ، والبَخْقَاء التي بخقت عينها ، والمشيعة التي لا تتبع الغنم عَجَفاً وضَعْفاً ، والكَسْراءُ الكَسِيرة ˝ ، وكان من هديه ﷺ أن يُضحي بالمُصلَّى ، ذكره أبو داود عن جابر أنه شَهِدَ معه الأضحي بالمصلى ، فلما قَضَى خُطبته نزل من منبره ، وأتي بكبش ، فذبحه بيده وقال ( بِسْمِ الله ، واللهُ أَكْبَرُ ، هَذَا عَنِّي وَعَمَّن لَمْ يُضَحٌ مِنْ أُمتي ) ، وفي الصحيحين ( أنَّ النبيَّ ﷺ كَان يَذْبَحُ وينحر بالمصلى ) ، وذكر أبو داود عنه : أنه ذبح يوم النحر كبشين أقرنين أَمْلَحَيْنِ مَوْجُوءَين ، فلما وَجَهَهُمَا قال ﷺ ( وجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً ، ومَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ المُسْلِمِينَ ، اللَّهُمَّ مِنْكَ وَلَكَ ، عَنْ مُحَمَّدٍ وَأُمَّتِهِ ، بسم الله ، واللهُ أَكْبَرُ ) ثُمَّ ذَبح ، وأمر الناس إذا ذبحوا أن يُحسِنُوا ، وإذا قتلوا أن يُحسنوا القتلة ، وقال ﷺ ( إن اللَّهَ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ) ، وكان من هديه ﷺ أن الشاة تجزئ عن الرجل وعن أهل بيته ، وإن كثُر عددهم . ❝