█ وكان ﷺ يُسَلِّم بنفسه من يُواجهه ويُحَمِّلُ السَّلامَ لمن يُريد السَّلام عليه مِن الغائبين عنه ويتحمل السلام يبلغه إليه كما تحمل الله عز وجل صديقة النساء خديجة بنتِ خويلد رضي عنها لما قال له جبريلُ ( هَذِهِ خَدِيجَةُ قَدْ أَتَتْكَ بِطَعَامِ فَاقْرَأْ عَلَيْهَا السَّلَامَ مِنْ ربِّهَا ومِنِّي وَبَشِّرْهَا بِبَيْتٍ الجَنَّةِ ) وقال للصدِّيقة الثانية بنت الصديق عائشة هَذَا جِبْرِيلُ يَقْرَأُ عَلَيْكِ كتاب زاد المعاد هدي خير العباد (كامل) مجاناً PDF اونلاين 2024 تأليف ابن قيم الجوزية خمسة مجلدات يتناول الفقه وأصوله والسيرة والتاريخ وذكر فيه سيرة الرسول غزواته وحياته وبيّن هديه معيشته وعباداته ومعاملته لأصحابه وأعدائه وقد ألف هذا الكتب أثناء السفر ولم تكن معه أية مصادر ينقل منها ما يحتاج أحاديث وأقوال وآراء تتعلق بمواضيع الكتاب ومع ذلك فقد ضمن كتابه نبوية الصحاح والسنن والمعاجم والسير وأثبت كل حديث الموضوع الذي يخصه مع العلم أن القيم كان يحفظ مسند الإمام أحمد بن حنبل يضم أكثر ثلاثين
❞ وكان من هديه ﷺ إذا علم من الرجل أنه من أهل الزكاة أعطاه ، وإن سأله أحد من أهل الزكاة ولم يعرف حاله ، أعطاه بعد أن يخبره أنه لا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب ، وكان يأخذها من أهلها ويضعها في حقها ، وكان من هديه ﷺ تفريق الزكاة على المستحقين الذين في بلد المال ، وما فضل عنهم منها حُملت إليه ، ففرقها هو ، ولذلك كان يبعث سعاته إلى البوادي ، ولم يكن يبعثهم إلى القُرى ، بل أمر معاذ بن جبل أن يأخذ الصدقة من أغنياء أهل اليمن ، ويُعطيها فقراءهم ، ولم يأمره بحملها إليه ، ولم يكن من هديه ﷺ أن يبعث سعاته إلَّا إلى أهل الأموال الظاهرة من المواشي والزروع والثمار ، وكان يبعث الخارِصَ فيخرص على أرباب النخيل تمر نخيلهم ، وينظر كم يجيء منه وَسْقاً ، فَيَحْسِبُ عليهم من الزكاة بقدره ، وكان يأمر الخَارِصَ أن يدع لهم الثلث أو الربع ، فلا يخرصه عليهم لما يعروُ النخيل من النوائب ، وكان هذا الخرصُ لكي تُحصى الزكاة قبل أن تؤكل الثمارُ وتُصْرَمَ ، وليتصرف فيها أربابها بما شاؤوا ، ويضمنوا قدر الزكاة ، ولذلك كان يبعث الخارِصَ إلى من ساقاه من أهل خيبر وزارعه فيخرص عليهم الثمار والزروع ، ويُضمِّنُهم شطرها ، وكان يبعث إليهم عبد الله بن رواحة ، فأرادوا أن يَرشُوه ، فقال عبد الله : تُطعموني السُّحتَ ؟! والله لقد جئتكم من عند أحب الناس إليَّ ، ولأنتُم أبغض إليَّ من عِدَّتِكم من القردة والخنازير ، ولا يحملني بغضي لكم وحُبي إياه ، أن لا أعدل عليكم ، فقالوا : بهذا قامت السماوات والأرض ، ولم يكن من هديه ﷺ أخذ الزكاة من الخيل ، والرقيق ، ولا البغال ولا الحمير ، ولا الخضراوات ولا المباطخ والمقاتي والفواكه التي لا تكال ولا تدَّخر ، إلَّا العنب والرُّطب فإنه كان يأخذ الزكاة منه جملة ولم يفرق بين ما يبس منه وما لم ييبس ، واُختلف عنه في العسل ، وكان ﷺ إذا جاءه الرجل بالزكاة دعا له فتارة يقول ( اللَّهُمَّ بَارِك فيه وفي إبله ) ، وتارة يقول ( اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ ) ، ولم يكن من هديه ﷺ أخذ كرائم الأموال في الزكاة ، بل وسط المال ، ولهذا نهى معاذا عن ذلك ، وكان ﷺ ينهى المتصدق أن يشتري صدقته ، وكان يبيح للغني أن يأكل من الصدقة إذا أهداها إليه الفقير ، وأكل ﷺ من لحم تُصدِّقَ به على بريرة وقال ( هوَ عَلَيْهَا صَدَقَةٌ ولنا مِنْها هَدِية ) ، وكان ﷺ أحياناً يستدين لمصالح المسلمين على الصدقة ، كما جهز جيشاً فَنَفِدَتِ الإبل ، فأمر عبد الله بن عمرو أن يأخذ من قلائص الصدقة ، وكان ﷺ يَسِمُ إبل الصَّدَقَةِ بيده ، وكان ﷺ يَسِمُها في آذانها . وكان ﷺ إذا عراه أمر ، استسلف الصدقة من أربابها ، كما استسلف من العباس رضي الله عنه صدقة عامين . ❝
❞ أمر الله تعالى عباده أن يُجاهدوا فيه حق جهاده ، كما أمرهم أن يتقوه حق تقاته ، وكما أن حق تقاته أن يُطاع فلا يعصى ، ويُذكَرَ فلا يُنسى ، ويُشكر فلا يُكفر ، فحق جهاده أن يُجاهِدَ العبد نفسَه لِيُسْلِم قلبه ولسانه وجوارحه لله ، فيكون كله لله ، وبالله لا لنفسه ، ولا بنفسه ، ويُجاهد شيطانه بتكذيب وعده ، ومعصية أمره ، وارتكاب نهيه ، فإنه يَعِدُ الأمانِيَّ ، ويُمَنِّي الغُرور ، ويَعِدُ الفقر ، ويأمرُ بالفحشاء ، وينهى عن التقى والهدى ، والعفة والصبر ، وأخلاق الإيمان كُلها ، فجاهده بتكذيب وعده ، ومعصية أمره ، فينشأ له من هذين الجهادين قوة وسلطان ، وعُدَّة يُجاهد بها أعداء الله في الخارج بقلبه ولسانه ويده وماله ، لتكونَ كلمة الله هي العليا . ❝
❞ ويقول كعب بن مالك: لبثت بعد ذلك عشر ليالٍ حتى كَمُلَت لنا خمسون ليلة من حين نهى رسول الله ﷺ و عن كلامنا ، فلما صليت صلاة الفجر صُبحَ خمسين ليلة على سطح بيت من بيوتنا ، بينا أنا جالس على الحال التي أذكر الله تعالى ، وقد ضاقت علي نفسي ، وضاقت علي الأرض بما رحُبت ، سمعت صوت صارخ أوفى على جبل سَلع بأعلى صوته يا كعب بن مالك أبشر ، فخررتُ ساجداً ، فعرفت أن قد جاء فرج من الله ، وآذن رسول الله ﷺ بتوبة الله علينا حين صلى الفجر ، فذهب الناسُ يبشروننا ، وذهب قبل صاحبي مبشرون ، وركض إليَّ رجل فرساً ، وسعى ساع من أسلم ، فأوفى على ذروة الجبل ، وكان الصوتُ أسرع من الفرس ، فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني ، نزعتُ له ثوبيَّ فكسوتُه إياهما ببشراء ، والله ما أملك غيرهما ، واستعرتُ ثوبين ، فلبستهما ، فانطلقت إلى رسول الله ﷺ فتلقاني الناسُ فوجاً فوجاً يهنئوني بالتوبة يقولون : ليهنك توبه الله عليك ، قال كعب : حتى دخلت يُهرول حتى صافحني وهناني ، والله ما قام إلي رجل المهاجرين غيره ، ولست أنساها لطلحة ، فلما من سلمتُ على رسول الله ﷺ ، قال وهو يَبْرُقُ وجهه من السرور ( أَبْشِرْ بِخَيْر يَوْمٍ مَرَّ عَلَيْكَ مُنْذُ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ ) ، قال : قلتُ: أمن عندك يا رسول الله ، أم من عند الله ؟ قال ﷺ ( لَا بَلْ مِنْ عِنْدِ اللهِ ) ، وكان رسول الله ﷺ إذا سُرِّ استنار وجهه حتى كأنه قطعة قمر ، وكنا نعرف ذلك منه فلما جلستُ بين يديه ، قلت : يا رسول الله ! إن من توبتي أن انخلع من مالي صدقة إلى الله ، وإلى رسوله ﷺ ، فقال ( أمسكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ ، فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ ) ، قلت : فإني أُمْسِك سهمي الذي بخيبر ، فقلتُ : يا رسول الله إن الله إنما نجاني بالصدق ، وإن من توبتي ألا أحدث إلا صدقاً ما بقيتُ ، فوالله ما أعلم أحداً من المسلمين أبلاه الله الحديث منذ ذكرت ذلك لرسول الله ﷺ إلى يومي هذا ما أبلاني ، والله ما تعمدت بعد ذلك إلى يومي هذا كذباً ، وإني لأرجو أن يحفظني الله فيما بقيتُ ، فوالله ما أنعم الله على نعمة قط بعد أن هداني للإسلام ، أعظم في نفسي من صدقي رسول الله ﷺ ، أن لا أكون كذبته فأهْلِكَ كما هَلَكَ الَّذِينَ كَذَبُوا ، وقال كعب : وكان تخلفنا أيُّها الثلاثة من أمر أولئك الذين قَبِلَ منهم رسول الله ﷺ حين حلفوا له ، فبايعهم ، واستغفر لهم ، وأرجأ أمرنا حتى قضى الله فيه ، فبذلك قال الله { وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِفُوا } ، وليس الذي ذكر الله مما خُلفنا عن الغزو ، وإنما هو تخليفه إيَّانا ، وإرجاؤه أمرنا عمن حلف له واعتذر إليه فقبل منه . ❝