█ لما كان صلاح القلب واستقامته طريق سيره إلى الله تعالى متوقفاً جمعيته ولَمِّ شعثه بإقباله بالكلية فإن شَعَثَ لا يلمه إلَّا الإقبال وكان فضول الطعام والشراب وفُضول مخالطة الأنام وفضول الكلام المنام مما يزيدُه شَعَثاً ويُشَتُهُ كُلِّ وادٍ ويقطعه عن أو يُضعِفُه يعوقه ويُوقفه اقتضت رحمة العزيز الرحيم بعباده أن شرع لهم من الصوم ما يُذهِبُ ويستفرغ أخلاط الشهواتِ المعوقة له وشرعه بقدر المصلحة بحيث ينتفع به العبد دنياه وأخراه ولا يضره يقطعه مصالحه العاجلة والآجلة وشرع الاعتكاف الذي مقصوده وروحه عكوف وجمعيته عليه والخلوة والانقطاع الاشتغال بالخلق والاشتغال وحده سبحانه يصير ذكره وحبه والإقبال محل هموم وخطراته فيستولي بدلها ويصير الهم كله والخطرات كلها بذكره والتفكر تحصيل مراضيه وما يقرب منه فيصيرُ أنسه بالله بدل فيعده بذلك لأنسه يوم الوحشة القبور حين أنيس يفرح سواه فهذا مقصود كتاب زاد المعاد هدي خير العباد (كامل) مجاناً PDF اونلاين 2024 تأليف ابن قيم الجوزية خمسة مجلدات يتناول الفقه وأصوله والسيرة والتاريخ وذكر فيه سيرة الرسول غزواته وحياته وبيّن هديه معيشته وعباداته ومعاملته لأصحابه وأعدائه وقد ألف هذا الكتب أثناء السفر ولم تكن معه أية مصادر ينقل منها يحتاج إليه أحاديث وأقوال وآراء تتعلق بمواضيع الكتاب ومع ذلك فقد ضمن كتابه نبوية الصحاح والسنن والمعاجم والسير وأثبت كل حديث الموضوع يخصه مع العلم القيم يحفظ مسند الإمام أحمد بن حنبل يضم أكثر ثلاثين
❞ كتابه ﷺ إلى المُقوقَس ..
كتب ﷺ إلى المقوقس مَلِك مصر والإسكندرية ( بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، مِن محمد عبدِ اللَّهِ ورسُولِه ، إلى المُقَوْقِس عَظِيمِ القِبْطِ ، سَلامٌ على من اتَّبَعَ الهُدي ، أما بَعْدُ : فإني أَدعُوكَ بِدِعَايَةِ الإسلامِ ، أَسلِم تَسلَم ، وَأَسلِم يُؤتِكَ اللَّهُ أَجرَكَ مَرَّتَينِ ، فَإِن تَوَلَّيتَ ، فَإِنَّ عَلَيكَ إِثم القِبط { يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بَينَنَا وَبَينَكُمْ أَلَّا نعبد إلا الله ولا نُشْرِك ہه شَيئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعضُنَا بَعضًا أربابا من دون الله فإن تولوا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَا مسلمون } . ) ، وبعث به مع حاطب بن أبي بلتعة ، فكتب إلى رسول الله ﷺ : بسم الله الرحمن الرحيم ، لمحمد بن عبد الله ، من المقوقس عظيم القبط ، سلام عليك ، أما بعد : فقد قرأت كتابك ، وفهمتُ ما ذكرت فيه ، وما تدعو إليه ، وقد علمتُ أن نبياً بقي ، وكنتُ أظن أنه يخرج بالشام ، وقد أكرمتُ رسولك ، وبعثتُ إليك بجاريتين لهما مكان في القبط عظيم ، وبكسوة ، وأهديتُ إليك بغلة لتركبها ، والسلام عليك ) ولم يزد على هذا ، ولم يُسلم ، والجاريتان : مارية وسيرين ، والبغلة دُلدُل ، بقيت إلى زمن معاوية . ❝
❞ قدوم وفد الأزدِ على رسول الله ﷺ ..
وقدم على رسول الله ﷺ صُرَدُ بنُ عبد الله الأزدي ، فأسلم وحسن إسلامه في وفد من الأزد ، فأمَّرَه رسول الله ﷺ على من أسلم من قومه وأمره أن يُجاهد بمن أسلم من كان يليه من أهل الشرك من قبائل اليمن ، فخرج صُرَدُ يسير بأمر رسول الله ﷺ حتى نزل بِجُرَش ، وهي يومئذ مدينة مغلقة ، وبها قبائل من قبائل اليمن ، وقد ضوت إليهم خَنْعَمُ ، فدخلوها معهم حين سمعوا بمسير المسلمين إليهم ، فحاصروهم فيها قريباً من شهر وامتنعوا فيها ، فرجع عنهم قافلا ، حتى إذا كان في جبل لهم يقال له : شَكَرَ ، ظن أهل جُرَسٌ أنه إنما ولى عنهم منهزماً ، فخرجوا في طلبه حتى إذا أدركوه ، عطف عليهم ، فقاتلهم فقتلهم قتلاً شديداً ، وقد كان أهلُ جُرَش بعثُوا إلى رسول الله ﷺ رجلين منهم يرتادان وينظران ، فبينا هما عند رسول الله ﷺ عشية بعد العصر ، إذ قال رسول الله ﷺ ( بِأَيِّ بلادِ اللَّهِ شَكَر ؟ ) فقام الجُرشيان فقالا : يا رسول الله ! ببلادنا جبل يُقال له : كشر ، وكذلك تُسميه أهل جرش فقالﷺ إِنَّهُ لَيْسَ بِكَشَر ، ولكنه شَكَرَ ) ، قالا : فما شأنه يا رسول الله ؟ فقال ﷺ ( إِنَّ بُدْنَ اللَّهِ لتُنْحَرُ عِنْدَهُ الآن ) ، قال فجلس الرجلان إلى أبي بكر وإلى عثمان ، فقالا لهما : ويحكما إنَّ رسول الله ﷺ لينعى لكُما قومكما ، فقوما إليه فاسألاه أن يدعو الله أن يرفع عن قومكما ، فقاما إليه فسألاه ذلك ، فقال ﷺ ( اللَّهُمَّ ارْفَعْ عَنْهُمْ ) ، فخرجا من عند رسول الله ﷺ راجعين إلى قومهما ، فوجدا قومهما أصيبوا في اليوم الذي قال فيه رسول الله ﷺ ما قال وفي الساعة التي ذكر فيها ما ذكر ، فخرج وفد جُرش حتى قَدِمُوا على رسول الله ﷺ ، فأسلموا ، وحمى لهم حمى حول قريتهم . ❝
❞ وكان ﷺ يبدأ من لقيه بالسلام ، وإذا سلم عليه أحد ، رد عليهِ مِثلَ تحيته أو أفضل منها على الفور من غير تأخير ، إلا لعذر ، مثل حالة الصلاة ، وحالة قضاء الحاجة ، وكان ﷺ يُسمعُ المُسَلِم رده عليه ، ولم يكن يَرُدُّ بيده ولا رأسه ولا أصبعه إلا في الصلاة ، فإنه كان يرد على من سلم عليه إشارة ، ثبت ذلك عنه في عدة أحاديث ، ولم يجئ عنه ما يعارضها إلا بشيء باطل لا يصح عنه ، وكان هديه ﷺ في ابتداء السلام أن يقول ( السَّلَامُ عَلَيْكُم وَرَحْمَةُ اللهِ وبركاته ) وكان يكره أن يقول المبتدئ : عليك السلام ، قال أبو جري الهجيمي : أتيتُ النبي ﷺ فَقُلْتُ : عَلَيْكَ السَّلامُ يَا رَسُولَ اللهِ ، فَقَالَ ( لا تَقُلْ عَلَيْكَ السَّلامُ ، فَإِنَّ عَلَيْكَ السَّلَامُ تَحِيةُ المَوْتَى ) . ❝