█ فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَىٰ أَبِيهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (63) قوله تعالى : فلما رجعوا إلى أبيهم قالوا يا أبانا منع منا لأنه قال لهم فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي وأخبروه بما كان من أمرهم وإكرامهم إياه وأن شمعون مرتهن حتى يعلم صدق قولهم فأرسل معنا أخانا نكتل أي عند ذلك فأرسل والأصل نكتال ; فحذفت الضمة اللام للجزم وحذفت الألف لالتقاء الساكنين وقراءة أهل الحرمين وأبي عمرو وعاصم " بالنون وقرأ سائر الكوفيين يكتل بالياء والأول اختيار أبي عبيد ليكونوا كلهم داخلين فيمن يكتال وزعم أنه إذا للأخ وحده النحاس وهذا لا يلزم يخلو الكلام أحد جهتين أن يكون المعنى فيكون للجميع أو التقدير غير التقديم والتأخير دليل الجميع لقوله وإنا له لحافظون يناله سوء كتاب تفسير سورة يوسف مجاناً PDF اونلاين 2024 وصف pdfتاليف محمد رشيد رضا (نحن نقص عليك أحسن القصص أوحينا إليك هذا القرآن)آية مليئة بالمعاني الكثيرة التي تيبن أروع حدثت تعرض سيدنا لظلم إخوته حتي يقربوا أباهم منهم لأن الشيطان أوهمهم بعيد عنهم ولكن لذالك القصة حكمة الله وهو نشر الدين بلاد مصر تحقق أمر بفضله وإرادته
❞ وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي ۖ فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ (54)
قوله تعالى : وقال الملك ائتوني به أستخلصه لنفسي فلما كلمه قال إنك اليوم لدينا مكين أمين قوله تعالى : وقال الملك ائتوني به أستخلصه لنفسي لما ثبت للملك براءته مما نسب إليه ; وتحقق في القصة أمانته ، وفهم أيضا صبره وجلده عظمت منزلته عنده ، وتيقن حسن خلاله قال : ائتوني به أستخلصه لنفسي فانظر إلى قول الملك أولا - حين تحقق علمه - ائتوني به فقط ، فلما فعل يوسف ما فعل ثانيا قال : ائتوني به أستخلصه لنفسي وروي عن وهب بن منبه قال : لما دعي يوسف وقف بالباب فقال : حسبي ربي من خلقه ، عز جاره وجل ثناؤه ولا إله غيره . ثم دخل فلما نظر إليه الملك نزل عن سريره فخر له ساجدا ; ثم أقعده الملك معه على سريره فقال . إنك اليوم لدينا مكين أمين قال له يوسف اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ للخزائن عليم بوجوه تصرفاتها . وقيل : حافظ للحساب ، عليم بالألسن . وفي الخبر : يرحم الله أخي يوسف لو لم يقل اجعلني على خزائن الأرض لاستعمله من ساعته ولكن أخر ذلك سنة . وقيل : إنما تأخر تمليكه إلى سنة لأنه لم يقل إن شاء الله . وقد قيل في هذه القصة : إن يوسف - عليه السلام - لما دخل على الملك قال : اللهم إني أسألك بخيرك من خيره ، وأعوذ بك من شره وشر غيره ; ثم سلم على الملك بالعربية فقال : ما هذا اللسان ؟ قال : هذا لسان عمي إسماعيل ، ثم دعا له بالعبرانية فقال : ما هذا اللسان ؟ قال : لسان آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب ; وكان الملك يتكلم بسبعين لسانا ، فكلما تكلم الملك بلسان أجابه يوسف بذلك اللسان ، فأعجب الملك أمره ، وكان يوسف إذ ذاك ابن ثلاثين سنة ; ثم أجلسه على سريره وقال : أحب أن أسمع منك رؤياي ، قال يوسف نعم أيها الملك ! رأيت سبع بقرات سمان شهبا غرا حسانا ، كشف لك عنهن النيل فطلعن عليك من شاطئه تشخب أخلافها لبنا ; فبينا أنت تنظر إليهن وتتعجب من حسنهن إذ نضب النيل فغار ماؤه ، وبدا أسه ، فخرج من حمئه ووحله سبع بقرات عجاف شعث غبر مقلصات البطون ، ليس لهن ضروع ولا أخلاف ، لهن أنياب وأضراس ، وأكف كأكف الكلاب وخراطيم كخراطيم السباع ، فاختلطن بالسمان فافترسنهن افتراس السباع ، فأكلن لحومهن ، ومزقن جلودهن ، وحطمن عظامهن ، ومشمشن مخهن ; فبينا أنت تنظر وتتعجب كيف غلبنهن وهن مهازيل ! ثم لم يظهر منهن سمن ولا زيادة بعد أكلهن ! إذا بسبع سنابل خضر طريات ناعمات ممتلئات حبا وماء ، وإلى جانبهن سبع يابسات ليس فيهن ماء ولا خضرة في منبت واحد ، عروقهن في الثرى والماء ، فبينا أنت تقول في نفسك : أي شيء هذا ؟ ! هؤلاء خضر مثمرات ، وهؤلاء سود يابسات ، والمنبت واحد ، وأصولهن في الماء ، إذ هبت ريح فذرت الأوراق من اليابسات السود على الخضر المثمرات ، فأشعلت فيهن النار فأحرقتهن ; فصرن سودا مغبرات ; فانتبهت مذعورا أيها الملك ; فقال الملك : والله ما شأن هذه الرؤيا وإن كان عجبا بأعجب مما سمعت منك ! فما ترى في رؤياي أيها الصديق ؟ فقال يوسف : أرى أن تجمع الطعام ، وتزرع زرعا كثيرا في هذه السنين المخصبة ; فإنك لو زرعت على حجر أو مدر لنبت ، وأظهر الله فيه النماء والبركة ، ثم ترفع الزرع في قصبه وسنبله تبني له المخازن العظام ; فيكون القصب والسنبل علفا للدواب ، وحبه للناس ، وتأمر الناس فيرفعون من طعامهم إلى أهرائك الخمس ; فيكفيك من الطعام الذي جمعته لأهل مصر ومن حولها ، ويأتيك الخلق من النواحي يمتارون منك ، ويجتمع عندك من الكنوز ما لم يجتمع لأحد قبلك ; فقال الملك : ومن لي بتدبير هذه الأمور ؟ ولو جمعت أهل مصر جميعا ما أطاقوا ، ولم يكونوا فيه أمناء ; فقال يوسف - عليه السلام - عند ذلك : اجعلني على خزائن الأرض أي على خزائن أرضك ; وهي جمع خزانة ; ودخلت الألف واللام عوضا من الإضافة ، كقول النابغة :
لهم شيمة لم يعطها الله غيرهم من الجود والأحلام غير كواذب
قوله تعالى : أستخلصه لنفسي جزم لأنه جواب الأمر ; وهذا يدل على أن قوله : ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب جرى في السجن . ويحتمل أنه جرى عند الملك ثم قال في مجلس آخر : ائتوني به تأكيدا أستخلصه لنفسي أي أجعله خالصا لنفسي ، أفوض إليه أمر مملكتي ; فذهبوا فجاءوا به ; ودل على هذا قوله : ˝ فلما كلمه ˝ أي كلم الملك يوسف ، وسأله عن الرؤيا فأجاب يوسف ; ف ˝ قال ˝ الملك : إنك اليوم لدينا مكين أمين أي متمكن نافذ القول ، أمين لا تخاف غدرا . ❝
❞ قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَن تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ (13)
قوله تعالى : قال إني ليحزنني أن تذهبوا به وأخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون
قوله تعالى : قال إني ليحزنني أن تذهبوا به في موضع رفع ; أي ذهابكم به . أخبر عن حزنه لغيبته .
وأخاف أن يأكله الذئب وذلك أنه رأى في منامه أن الذئب شد على يوسف ، فلذلك خافه عليه ; قاله الكلبي . وقيل : إنه رأى في منامه كأنه على ذروة جبل ، وكأن يوسف في بطن الوادي ، فإذا عشرة من الذئاب قد احتوشته تريد أكله ، فدرأ عنه واحد ، ثم انشقت الأرض فتوارى يوسف فيها ثلاثة أيام ; فكانت العشرة إخوته ، لما تمالئوا على قتله ، والذي دافع عنه أخوه الأكبر يهوذا ، وتواريه في الأرض هو مقامه في الجب ثلاثة أيام . وقيل : إنما قال ذلك لخوفه منهم عليه ، وإنه أرادهم بالذئب ; فخوفه إنما كان من قتلهم له ، فكنى عنهم بالذئب مساترة لهم ; قال ابن عباس : فسماهم ذئابا . وقيل : ما خافهم عليه ، ولو خافهم لما أرسله معهم ، وإنما خاف الذئب ; لأنه أغلب ما يخاف في الصحاري . والذئب مأخوذ من تذاءبت الريح إذا جاءت من كل وجه ; كذا قال أحمد بن يحيى ; قال : والذئب مهموز لأنه يجيء من كل وجه . وروى ورش عن نافع ˝ الذيب ˝ بغير همز ، لما كانت الهمزة ساكنة وقبلها كسرة فخففها صارت ياء .
وأنتم عنه غافلون أي مشتغلون بالرعي . ❝
❞ قَالُوا أَإِنَّكَ لَأَنتَ يُوسُفُ ۖ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَٰذَا أَخِي ۖ قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا ۖ إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (90)
قوله تعالى : قالوا أئنك لأنت يوسف لما دخلوا عليه فقالوا : مسنا وأهلنا الضر فخضعوا له وتواضعوا رق لهم ، وعرفهم بنفسه ، فقال : هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه فتنبهوا فقالوا : أئنك لأنت يوسف قاله ابن إسحاق . وقيل : إن يوسف تبسم فشبهوه بيوسف واستفهموا قال ابن عباس لما قال لهم : هل علمتم ما فعلتم بيوسف الآية ، ثم تبسم يوسف - وكان إذا تبسم كأن ثناياه اللؤلؤ المنظوم - فشبهوه بيوسف ، فقالوا له على جهة الاستفهام : أئنك لأنت يوسف . وعن ابن عباس أيضا : أن إخوته لم يعرفوه حتى وضع التاج عنه ، وكان في قرنه علامة ، وكان ليعقوب مثلها شبه الشامة ، فلما قال لهم : هل علمتم ما فعلتم بيوسف رفع التاج عنه فعرفوه ، فقالوا : أئنك لأنت يوسف . وقال ابن عباس : كتب يعقوب إليه يطلب رد ابنه ، وفي الكتاب : من يعقوب صفي الله ابن إسحاق ذبيح الله ابن إبراهيم خليل الله إلى عزيز مصر - أما بعد - فإنا أهل بيت بلاء ومحن ، ابتلى الله جدي إبراهيم بنمروذ وناره ، ثم ابتلى أبي إسحاق بالذبح ، ثم ابتلاني بولد كان لي أحب أولادي إلي حتى كف بصري من البكاء ، وإني لم أسرق ولم ألد سارقا والسلام . فلما قرأ يوسف الكتاب ارتعدت مفاصله ، واقشعر جلده ، وأرخى عينيه بالبكاء ، وعيل صبره فباح بالسر . وقرأ ابن كثير " إنك " على الخبر ، ويجوز أن تكون هذه القراءة استفهاما كقوله : وتلك نعمة .
قال أنا يوسف أي أنا المظلوم والمراد قتله ، ولم يقل أنا هو تعظيما للقصة .
قد من الله علينا أي بالنجاة والملك .
إنه من يتق ويصبر أي يتق الله ويصبر على المصائب ، وعن المعاصي .
فإن الله لا يضيع أجر المحسنين أي الصابرين في بلائه ، القائمين بطاعته . وقرأ ابن كثير : " إنه من يتقي " بإثبات الياء ; والقراءة بها جائزة على أن تجعل " من " بمعنى الذي ، وتدخل يتقي في الصلة ، فتثبت الياء لا غير ، وترفع " ويصبر " . وقد يجوز أن تجزم " ويصبر " على أن تجعل " يتقي " في موضع جزم و " من " للشرط ، وتثبت الياء ، وتجعل علامة الجزم حذف الضمة التي كانت في الياء على الأصل ; كما قال :
ثم نادي إذا دخلت دمشقا يا يزيد بن خالد بن يزيد
وقال آخر :
ألم يأتيك والأنباء تنمي بما لاقت لبون بني زياد
وقراءة الجماعة ظاهرة ، والهاء في " إنه " كناية عن الحديث ، والجملة الخبر . ❝