█ وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي ۖ فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ (54) قوله تعالى : وقال الملك ائتوني به أستخلصه لنفسي فلما كلمه قال إنك اليوم لدينا مكين أمين قوله لما ثبت للملك براءته مما نسب إليه ; وتحقق القصة أمانته وفهم أيضا صبره وجلده عظمت منزلته عنده وتيقن حسن خلاله فانظر إلى قول أولا حين تحقق علمه فقط فعل يوسف ما ثانيا وروي عن وهب بن منبه دعي وقف بالباب فقال حسبي ربي من خلقه عز جاره وجل ثناؤه ولا إله غيره ثم دخل نظر نزل سريره فخر له ساجدا أقعده معه اجعلني خزائن الأرض إني حفيظ للخزائن عليم بوجوه تصرفاتها وقيل حافظ للحساب بالألسن وفي الخبر يرحم الله أخي لو لم يقل لاستعمله ساعته ولكن أخر ذلك سنة إنما تأخر تمليكه لأنه إن شاء وقد قيل هذه عليه السلام اللهم أسألك بخيرك خيره كتاب تفسير سورة مجاناً PDF اونلاين 2024 وصف pdfتاليف محمد رشيد رضا (نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن)آية مليئة بالمعاني الكثيرة التي تيبن أروع حدثت تعرض سيدنا لظلم إخوته حتي يقربوا أباهم منهم لأن الشيطان أوهمهم أنه بعيد عنهم كان لذالك حكمة وهو نشر الدين بلاد مصر حتى أمر بفضله وإرادته
❞ فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (34)
قوله تعالى : فاستجاب له ربه لما قال . وإلا تصرف عني كيدهن تعرض للدعاء ، وكأنه قال : اللهم اصرف عني كيدهن ; فاستجاب له دعاءه ، ولطف به وعصمه عن الوقوع في الزنا .
˝ كيدهن ˝ قيل : لأنهن جمع قد راودنه عن نفسه . وقيل : يعني كيد النساء . وقيل : يعني كيد امرأة العزيز ، على ما ذكر في الآية قبل ; والعموم أولى . ❝
❞ وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا ۖ وَقَالَ يَا أَبَتِ هَٰذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا ۖ وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي ۚ إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ ۚ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (100)
قوله تعالى : ورفع أبويه على العرش قال قتادة : يريد السرير ، وقد تقدمت محامله ; وقد يعبر بالعرش عن الملك والملك نفسه ; ومنه قول النابغة الذبياني :
عروش تفانوا بعد عز وأمنة
وقد تقدم .
قوله تعالى : وخروا له سجدا فيه ثلاث مسائل :
الأولى : قوله تعالى : وخروا له سجدا الهاء في ˝ خروا له ˝ قيل : إنها تعود على الله تعالى ; المعنى : وخروا شكرا لله سجدا ; ويوسف كالقبلة لتحقيق رؤياه ، وروي عن الحسن ; قال النقاش : وهذا خطأ ; والهاء راجعة إلى يوسف لقوله تعالى في أول السورة : رأيتهم لي ساجدين . وكان تحيتهم أن يسجد الوضيع للشريف ، والصغير للكبير ; سجد يعقوب وخالته وإخوته ليوسف - عليه السلام - فاقشعر جلده وقال : هذا تأويل رؤياي من قبل وكان بين رؤيا يوسف وبين تأويلها اثنتان وعشرون سنة . وقال سلمان الفارسي وعبد الله بن شداد : أربعون سنة ; قال عبد الله بن شداد : وذلك آخر ما تبطئ الرؤيا . وقال قتادة : خمس وثلاثون سنة . وقال السدي وسعيد بن جبير وعكرمة : ست وثلاثون سنة . وقال الحسن وجسر بن فرقد وفضيل بن عياض : ثمانون سنة . وقال وهب بن منبه : ألقي يوسف في الجب وهو ابن سبع عشرة سنة ، وغاب عن أبيه ثمانين سنة ، وعاش بعد أن التقى بأبيه ثلاثا وعشرين سنة ، ومات وهو ابن مائة وعشرين سنة . وفي التوراة مائة وست وعشرون سنة . وولد ليوسف من امرأة العزيز إفراثيم ومنشا ورحمة امرأة أيوب . وبين يوسف وموسى أربعمائة سنة . وقيل : إن يعقوب بقي عند يوسف عشرين سنة ، ثم توفي - صلى الله عليه وسلم - . وقيل : أقام عنده ثماني عشرة سنة . وقال بعض المحدثين : بضعا وأربعين سنة ; وكان بين يعقوب ويوسف ثلاث وثلاثون سنة حتى جمعهم الله . وقال ابن إسحاق : ثماني عشرة سنة ، والله أعلم .
الثانية : قال سعيد بن جبير عن قتادة عن الحسن : في قوله : وخروا له سجدا - قال : لم يكن سجودا ، لكنه سنة كانت فيهم ، يومئون برءوسهم إيماء ، كذلك كانت تحيتهم . وقال الثوري والضحاك وغيرهما : كان سجودا كالسجود المعهود عندنا ، وهو كان تحيتهم . وقيل : كان انحناء كالركوع ، ولم يكن خرورا على الأرض ، وهكذا كان سلامهم بالتكفي والانحناء ، وقد نسخ الله ذلك كله في شرعنا ، وجعل الكلام بدلا عن الانحناء . وأجمع المفسرون أن ذلك السجود على أي وجه كان فإنما كان تحية لا عبادة ; قال قتادة : هذه كانت تحية الملوك عندهم ; وأعطى الله هذه الأمة السلام تحية أهل الجنة .
قلت : هذا الانحناء والتكفي الذي نسخ عنا قد صار عادة بالديار المصرية ، وعند العجم ، وكذلك قيام بعضهم إلى بعض ; حتى إن أحدهم إذا لم يقم له وجد في نفسه كأنه لا يؤبه به ، وأنه لا قدر له ; وكذلك إذا التقوا انحنى بعضهم لبعض ، عادة مستمرة ، ووراثة مستقرة لا سيما عند التقاء الأمراء والرؤساء نكبوا عن السنن ، وأعرضوا عن السنن . وروى أنس بن مالك قال : قلنا يا رسول الله أينحني بعضنا إلى بعض إذا التقينا ؟ قال : لا ; قلنا : أفيعتنق بعضنا بعضا ؟ قال لا . قلنا : أفيصافح بعضنا بعضا ؟ قال نعم . خرجه أبو عمر في ˝ التمهيد ˝ فإن قيل : فقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : قوموا إلى سيدكم وخيركم - يعني سعد بن معاذ - قلنا : ذلك مخصوص بسعد لما تقتضيه الحال المعينة ; وقد قيل : إنما كان قيامهم لينزلوه عن الحمار ; وأيضا فإنه يجوز للرجل الكبير إذا لم يؤثر ذلك في نفسه ، فإن أثر فيه وأعجب به ورأى لنفسه حظا لم يجز عونه على ذلك ; لقوله - صلى الله عليه وسلم - : من سره أن يتمثل له الناس قياما فليتبوأ مقعده من النار . وجاء عن الصحابة - رضوان الله عليهم أجمعين - أنه لم يكن وجه أكرم عليهم من وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما كانوا يقومون له إذا رأوه ، لما يعرفون من كراهته لذلك .
الثالثة : فإن قيل : فما تقول في الإشارة بالإصبع ؟ قيل له : ذلك جائز إذا بعد عنك ، لتعين له به وقت السلام ، فإن كان دانيا فلا ; وقد قيل بالمنع في القرب والبعد ; لما جاء عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : من تشبه بغيرنا فليس منا . وقال : لا تسلموا تسليم اليهود والنصارى فإن تسليم اليهود بالأكف والنصارى بالإشارة . وإذا سلم فإنه لا ينحني ، ولا أن يقبل مع السلام يده ، ولأن الانحناء على معنى التواضع لا ينبغي إلا لله . وأما تقبيل اليد فإنه من فعل الأعاجم ، ولا يتبعون على أفعالهم التي أحدثوها تعظيما منهم لكبرائهم ; قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : لا تقوموا عند رأسي كما تقوم الأعاجم عند رءوس أكاسرتها فهذا مثله . ولا بأس بالمصافحة ; فقد صافح النبي - صلى الله عليه وسلم - جعفر بن أبي طالب حين قدم من الحبشة ، وأمر بها ، وندب إليها ، وقال : تصافحوا يذهب الغل وروى غالب التمار عن الشعبي أن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - كانوا إذا التقوا تصافحوا ، وإذا قدموا من سفر تعانقوا ; فإن قيل : فقد كره مالك المصافحة ؟ قلنا : روى ابن وهب عن مالك أنه كره المصافحة والمعانقة ، وذهب إلى هذا سحنون وغيره من أصحابنا ; وقد روي عن مالك خلاف ذلك من جواز المصافحة ، وهو الذي يدل عليه معنى ما في الموطأ ; وعلى جواز المصافحة جماعة العلماء من السلف والخلف . قال ابن العربي : إنما كره مالك المصافحة لأنه لم يرها أمرا عاما في الدين ، ولا منقولا نقل السلام ; ولو كانت منه لاستوى معه
قلت : قد جاء في المصافحة حديث يدل على الترغيب فيها ، والدأب عليها والمحافظة ; وهو ما رواه البراء بن عازب قال : لقيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخذ بيدي فقلت : يا رسول الله ! إن كنت لأحسب أن المصافحة للأعاجم ؟ فقال : نحن أحق بالمصافحة منهم ما من مسلمين يلتقيان فيأخذ أحدهما بيد صاحبه مودة بينهما ونصيحة إلا ألقيت ذنوبهما بينهما .
قوله تعالى : وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن ولم يقل من الجب استعمالا للكرم ; لئلا يذكر إخوته صنيعهم بعد عفوه عنهم بقوله : لا تثريب عليكم .
قلت : وهذا هو الأصل عند مشايخ الصوفية : ذكر الجفا في وقت الصفا جفا ، وهو قول صحيح دل عليه الكتاب . وقيل : لأن في دخوله السجن كان باختياره بقوله : رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه وكان في الجب بإرادة الله تعالى له . وقيل : لأنه كان في السجن مع اللصوص والعصاة ، وفي الجب مع الله تعالى ; وأيضا فإن المنة في النجاة من السجن كانت أكبر ، لأنه دخله بسبب أمر هم به ; وأيضا دخله باختياره إذ قال : رب السجن أحب إلي فكان الكرب فيه أكثر ; وقال فيه أيضا : اذكرني عند ربك فعوقب فيه .
وجاء بكم من البدو يروى أن مسكن يعقوب كان بأرض كنعان ، وكانوا أهل مواش وبرية ; وقيل : كان يعقوب تحول إلى بادية وسكنها ، وأن الله لم يبعث نبيا من أهل البادية . وقيل : إنه كان خرج إلى بدا ، وهو موضع ; وإياه عنى جميل بقوله :
وأنت التي حببت شغبا إلى بدا إلي وأوطاني بلاد سواهما
وليعقوب بهذا الموضع مسجد تحت جبل . يقال : بدا القوم بدوا إذا أتوا بدا ، كما يقال : غاروا غورا أي أتوا الغور ; والمعنى : وجاء بكم من مكان بدا ; ذكره القشيري ، وحكاه الماوردي عن الضحاك عن ابن عباس .
من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي بإيقاع الحسد ; قاله ابن عباس . وقيل : أفسد ما بيني وبين إخوتي ; أحال ذنبهم على الشيطان تكرما منه .
إن ربي لطيف لما يشاء أي رفيق بعباده . وقال الخطابي : اللطيف هو البر بعباده الذي يلطف بهم من حيث لا يعلمون ، ويسبب لهم مصالحهم من حيث لا يحتسبون ; كقوله : الله لطيف بعباده يرزق من يشاء . وقيل : اللطيف العالم بدقائق الأمور ; والمراد هنا الإكرام والرفق . قال قتادة ، لطف بيوسف بإخراجه من السجن ، وجاءه بأهله من البدو ، ونزع عن قلبه نزغ الشيطان . ويروى أن يعقوب لما قدم بأهله وولده وشارف أرض مصر وبلغ ذلك يوسف استأذن فرعون - واسمه الريان - أن يأذن له في تلقي أبيه يعقوب ; وأخبره بقدومه فأذن له ، وأمر الملأ من أصحابه بالركوب معه ; فخرج يوسف والملك معه في أربعة آلاف من الأمراء مع كل أمير خلق الله أعلم بهم ; وركب أهل مصر معهم يتلقون يعقوب ، فكان يعقوب يمشي متكئا على يد يهوذا ; فنظر يعقوب إلى الخيل والناس والعساكر فقال : يا يهوذا ! هذا فرعون مصر ؟ قال : لا ، بل هذا ابنك يوسف ; فلما دنا كل واحد منهما من صاحبه ذهب يوسف ليبدأه بالسلام فمنع من ذلك ، وكان يعقوب أحق بذلك منه وأفضل ; فابتدأ يعقوب بالسلام فقال : السلام عليك يا مذهب الأحزان ، وبكى وبكى معه يوسف ; فبكى يعقوب فرحا ، وبكى يوسف لما رأى بأبيه من الحزن ; قال ابن عباس : فالبكاء أربعة ، بكاء من الخوف ، وبكاء من الجزع ، وبكاء من الفرح ، وبكاء رياء . ثم قال يعقوب : الحمد لله الذي أقر عيني بعد الهموم والأحزان ، ودخل ، مصر في اثنين وثمانين من أهل بيته ; فلم يخرجوا من مصر حتى بلغوا ستمائة ألف ونيف ألف ; وقطعوا البحر مع موسى - عليه السلام - ; رواه عكرمة عن ابن عباس . وحكى ابن مسعود أنهم دخلوا مصر وهم ثلاثة وتسعون إنسانا ما بين رجل وامرأة ، وخرجوا مع موسى وهم ستمائة ألف وسبعون ألفا . وقال الربيع بن خيثم : دخلوها وهم اثنان وسبعون ألفا ، وخرجوا مع موسى وهم ستمائة ألف . وقال وهب بن منبه : دخل يعقوب وولده مصر وهم تسعون إنسانا ما بين رجل وامرأة وصغير ، وخرجوا منها مع موسى فرارا من فرعون ، وهم ستمائة ألف وخمسمائة وبضع وسبعون رجلا مقاتلين ، سوى الذرية . والهرمى والزمنى ; وكانت الذرية ألف ألف ومائتي ألف سوى المقاتلة ، وقال أهل التواريخ : أقام يعقوب بمصر أربعا وعشرين سنة في أغبط حال ونعمة ، ومات بمصر ، وأوصى إلى ابنه يوسف أن يحمل جسده حتى يدفنه عند أبيه إسحاق بالشام ففعل ، ثم انصرف إلى مصر . قال سعيد بن جبير : نقل يعقوب - صلى الله عليه وسلم - في تابوت من ساج إلى بيت المقدس ، ووافق ذلك يوم مات عيصو ، فدفنا في قبر واحد ; فمن ثم تنقل اليهود موتاهم إلى بيت المقدس ، من فعل ذلك منهم ; وولد يعقوب وعيصو في بطن واحد ، ودفنا في قبر واحد وكان عمرهما جميعا مائة وسبعا وأربعين سنة . ❝
❞ فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ ۖ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَٰذَا بَشَرًا إِنْ هَٰذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ (31)
قوله تعالى : فلما سمعت بمكرهن أي بغيبتهن إياها ، واحتيالهن في ذمها . وقيل : إنها أطلعتهن واستأمنتهن فأفشين سرها ، فسمي ذلك مكرا .
قوله : أرسلت إليهن في الكلام حذف ; أي أرسلت إليهن تدعوهن إلى وليمة لتوقعهن فيما وقعت فيه ; فقال مجاهد عن ابن عباس : إن امرأة العزيز قالت لزوجها إني أريد أن أتخذ طعاما فأدعو هؤلاء النسوة ; فقال لها : افعلي ; فاتخذت طعاما ، ثم نجدت لهن البيوت ; نجدت أي زينت ; والنجد ما ينجد به البيت من المتاع أي يزين ، والجمع نجود عن أبي عبيد ; والتنجيد التزيين ; وأرسلت إليهن أن يحضرن طعامها ، ولا تتخلف منكن امرأة ممن سميت . قال وهب بن منبه : إنهن كن أربعين امرأة فجئن على كره منهن ، وقد قال فيهن أمية بن أبي الصلت :
حتى إذا جئنها قسرا ومهدت لهن أنضادا وكبابا
ويروى : أنماطا . قال وهب بن منبه : فجئن وأخذن مجالسهن .
وأعتدت لهن متكأ أي هيأت لهن مجالس يتكئن عليها . قال ابن جبير : في كل مجلس جام فيه عسل وأترج وسكين حاد . وقرأ مجاهد وسعيد بن جبير ˝ متكا ˝ مخففا غير مهموز ، والمتك هو الأترج بلغة القبط ، وكذلك فسره مجاهد روى سفيان عن منصور عن مجاهد قال : المتكأ مثقلا هو الطعام ، والمتك مخففا هو الأترج ; وقال الشاعر :
نشرب الإثم بالصواع جهارا وترى المتك بيننا مستعارا
وقد تقول أزد شنوءة : الأترجة المتكة ; قال الجوهري : المتك ما تبقيه الخاتنة . وأصل المتك الزماورد . والمتكاء من النساء التي لم تخفض . قال الفراء : حدثني شيخ من ثقات أهل البصرة أن المتك مخففا الزماورد . وقال بعضهم : إنه الأترج ; حكاه الأخفش . ابن زيد : أترجا وعسلا يؤكل به ; قال الشاعر :
فظللنا بنعمة واتكأنا وشربنا الحلال من قلله
أي أكلنا .
النحاس : قوله تعالى : ˝ وأعتدت ˝ من العتاد ; وهو كل ما جعلته عدة لشيء . ˝ متكأ ˝ أصح ما قيل فيه ما رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال : مجلسا ، وأما قول جماعة من أهل التفسير إنه الطعام فيجوز على تقدير : طعام متكأ ، مثل : واسأل القرية ; ودل على هذا الحذف وآتت كل واحدة منهن سكينا لأن حضور النساء معهن سكاكين إنما هو لطعام يقطع بالسكاكين ; كذا قال في كتاب ˝ إعراب القرآن ˝ له . وقال في كتاب ˝ معاني القرآن ˝ له :
وروى معمر عن قتادة قال : المتكأ الطعام . وقيل : المتكأ كل ما اتكئ عليه عند طعام أو شراب أو حديث ; وهذا هو المعروف عند أهل اللغة ، إلا أن الروايات قد صحت بذلك . وحكى القتبي أنه يقال : اتكأنا عند فلان أي أكلنا ، والأصل في متكأ موتكأ ، ومثله متزن ومتعد ; لأنه من وزنت ، ووعدت ووكأت ، ويقال : اتكأ يتكئ اتكاء .
وآتت كل واحدة منهن سكينا مفعولان ; وحكى الكسائي والفراء أن السكين يذكر ويؤنث ، وأنشد الفراء :
فعيث في السنام غداة قر بسكين موثقة النصاب
الجوهري : والغالب عليه التذكير ، وقال : يرى ناصحا فيما بدا فإذا خلا فذلك سكين على الحلق حاذق
الأصمعي : لا يعرف في السكين إلا التذكير .
قوله تعالى : وقالت اخرج عليهن بضم التاء لالتقاء الساكنين ; لأن الكسرة تثقل إذا كان بعدها ضمة ، وكسرت التاء على الأصل . قيل : إنها قالت لهن : لا تقطعن ولا تأكلن حتى أعلمكن ، ثم قالت لخادمها : إذا قلت لك ادع إيلا فادع يوسف ; وإيل : صنم كانوا يعبدونه ، وكان يوسف - عليه السلام - يعمل في الطين ، وقد شد مئزره ، وحسر عن ذراعيه ; فقالت للخادم : ادع لي إيلا ; أي ادع لي الرب ; وإيل بالعبرانية الرب ; قال : فتعجب النسوة وقلن : كيف يجيء ؟ ! فصعدت الخادم فدعت يوسف ، فلما انحدر قالت لهن : اقطعن ما معكن .
فلما رأينه أكبرنه وقطعن أيديهن بالمدى حتى بلغت السكاكين إلى العظم ; قاله وهب بن منبه . سعيد بن جبير : لم يخرج عليهن حتى زينته ، فخرج عليهن فجأة فدهشن فيه ، وتحيرن لحسن وجهه وزينته وما عليه ، فجعلن يقطعن أيديهن ، ويحسبن أنهن يقطعن الأترج ; واختلف في معنى أكبرنه فروى جويبر عن الضحاك عن ابن عباس : أعظمنه وهبنه ; وعنه أيضا أمنين وأمذين من الدهش ; وقال الشاعر :
إذا ما رأين الفحل من فوق قارة صهلن وأكبرن المني المدفقا
وقال ابن سمعان عن عدة من أصحابه : إنهم قالوا أمذين عشقا ; وهب بن منبه : عشقنه حتى مات منهن عشر في ذلك المجلس دهشا وحيرة ووجدا بيوسف . وقيل : معناه حضن من الدهش ; قاله قتادة ومقاتل والسدي ; قال الشاعر :
نأتي النساء على أطهارهن ولا نأتي النساء إذا أكبرن إكبارا
وأنكر ذلك أبو عبيدة وغيره وقالوا : ليس ذلك في كلام العرب ، ولكنه يجوز أن يكن حضن من شدة إعظامهن له ، وقد تفزع المرأة فتسقط ولدها أو تحيض . قال الزجاج يقال أكبرنه ، ولا يقال حضنه ، فليس الإكبار بمعنى الحيض ; وأجاب الأزهري فقال : يجوز أكبرت بمعنى حاضت ; لأن المرأة إذا حاضت في الابتداء خرجت من حيز الصغر إلى الكبر ; قال : والهاء في أكبرنه يجوز أن تكون هاء الوقف لا هاء الكناية ، وهذا مزيف ، لأن هاء الوقف تسقط في الوصل ، وأمثل منه قول ابن الأنباري : إن الهاء كناية عن مصدر الفعل ، أي أكبرن إكبارا ، بمعنى حضن حيضا . وعلى قول ابن عباس الأول تعود الهاء إلى يوسف ; أي أعظمن يوسف وأجللنه .
قوله تعالى : وقطعن أيديهن قال مجاهد : قطعنها حتى ألقينها . وقيل : خدشنها . وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال : حزا بالسكين ، قال النحاس : يريد مجاهد أنه ليس قطعا تبين منه اليد ، إنما هو خدش وحز ، وذلك معروف في اللغة أن يقال إذا خدش الإنسان يد صاحبه قطع يده . وقال عكرمة : ˝ أيديهن ˝ أكمامهن ، وفيه بعد . وقيل : أناملهن ; أي ما وجدن ألما في القطع والجرح ، أي لشغل قلوبهن بيوسف ، والتقطيع يشير إلى الكثرة ، فيمكن أن ترجع الكثرة إلى واحدة جرحت يدها في موضع ، ويمكن أن يرجع إلى عددهن .
قوله تعالى : وقلن حاش لله أي معاذ الله . وروى الأصمعي عن نافع أنه قرأ كما قرأ أبو عمرو بن العلاء . ˝ وقلن حاشا لله ˝ بإثبات الألف وهو الأصل ، ومن حذفها جعل اللام في لله عوضا منها . وفيها أربع لغات ; يقال : حاشاك وحاشا لك وحاش لك وحشا لك . ويقال : حاشا زيد وحاشا زيدا ; قال النحاس : وسمعت علي بن سليمان يقول سمعت محمد بن يزيد يقول : النصب أولى ; لأنه قد صح أنها فعل لقولهم حاش لزيد ، والحرف لا يحذف منه ; وقد قال ، النابغة :
ولا أحاشي من الأقوام من أحد
وقال بعضهم : حاش حرف ، وأحاشى فعل . ويدل على كون حاشا فعلا وقوع حرف الجر بعدها . وحكى أبو زيد عن أعرابي : اللهم اغفر لي ولمن يسمع ، حاشا الشيطان وأبا الأصبغ ; فنصب بها . وقرأ الحسن ˝ وقلن حاش لله ˝ بإسكان الشين ، وعنه أيضا ˝ حاش الإله ˝ . ابن مسعود وأبي : ˝ حاش الله ˝ بغير لام ، ومنه قول الشاعر :
حاشا أبي ثوبان إن به ضنا عن الملحاة والشتم
قال الزجاج : وأصل الكلمة من الحاشية ، والحشا بمعنى الناحية ، تقول : كنت في حشا فلان أي في ناحيته ; فقولك : حاشا لزيد أي تنحى زيد من هذا وتباعد عنه ، والاستثناء إخراج وتنحية عن جملة المذكورين . وقال أبو علي : هو فاعل من المحاشاة ; أي حاشا يوسف وصار في حاشية وناحية مما قرف به ، أو من أن يكون بشرا ; فحاشا وحاش في الاستثناء حرف جر عند سيبويه ، وعلى ما قال المبرد وأبو علي فعل .
قوله تعالى : ما هذا بشرا قال الخليل وسيبويه : ما بمنزلة ليس ; تقول : ليس زيد قائما ، و ˝ ما هذا بشرا ˝ و ˝ ما هن أمهاتهم ˝ . وقال الكوفيون : لما حذفت الباء نصبت ; وشرح هذا - فيما قاله أحمد بن يحيى - إنك إذا قلت : ما زيد بمنطلق ، فموضع الباء موضع نصب ، وهكذا سائر حروف الخفض ; فلما حذفت الباء نصبت لتدل على محلها ، قال : وهذا قول الفراء ، قال : ولم تعمل ˝ ما ˝ شيئا ; فألزمهم البصريون أن يقولوا : زيد القمر ; لأن المعنى كالقمر ! فرد أحمد بن يحيى بأن قال : الباء أدخل في حروف الخفض من الكاف ; لأن الكاف تكون اسما . قال النحاس : لا يصح إلا قول البصريين ; وهذا القول يتناقض ; لأن الفراء أجاز نصا ما بمنطلق زيد ، وأنشد :
أما والله أن لو كنت حرا وما بالحر أنت ولا العتيق
ومنع نصا النصب ; ولا نعلم بين النحويين اختلافا أنه جائز : ما فيك براغب زيد ، وما إليك بقاصد عمرو ، ثم يحذفون الباء ويرفعون . وحكى البصريون والكوفيون ما زيد منطلق بالرفع ، وحكى البصريون أنها لغة تميم ، وأنشدوا :
أتيما تجعلون إلي ندا وما تيم لذي حسب نديد
الند والنديد والنديدة المثل والنظير . وحكى الكسائي أنها لغة تهامة ونجد . وزعم الفراء أن الرفع أقوى الوجهين ، قال أبو إسحاق : وهذا غلط ; كتاب الله - عز وجل - ولغة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقوى وأولى .
قلت : وفي مصحف حفصة - رضي الله عنها - ˝ ما هذا ببشر ˝ ذكره الغزنوي . قال القشيري أبو نصر : وذكرت النسوة أن صورة يوسف أحسن من صورة البشر ، بل هو في صورة ملك ; وقال الله تعالى : لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم والجمع بين الآيتين أن قولهن : حاش لله تبرئة ليوسف عما رمته به امرأة العزيز . من المراودة ، أي بعد يوسف عن هذا ; وقولهن : ˝ لله ˝ أي لخوفه ، أي براءة لله من هذا ; أي قد نجا يوسف من ذلك ، فليس هذا من الصورة في شيء ; والمعنى : أنه في التبرئة عن المعاصي كالملائكة ; فعلى هذا لا تناقض . وقيل : المراد تنزيهه عن مشابهة البشر في الصورة ، لفرط جماله . وقوله : ˝ لله ˝ تأكيد لهذا المعنى ; فعلى هذا المعنى قالت النسوة ذلك ظنا منهن أن صورة الملك أحسن ، وما بلغهن قوله تعالى : لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم فإنه من كتابنا . وقد ظن بعض الضعفة أن هذا القول لو كان ظنا باطلا منهن لوجب على الله أن يرد عليهن ، ويبين كذبهن ، وهذا باطل ; إذ لا وجوب على الله تعالى ، وليس كل ما يخبر به الله سبحانه من كفر الكافرين وكذب الكاذبين يجب عليه أن يقرن به الرد عليه ، وأيضا أهل العرف قد يقولون في القبيح كأنه شيطان ، وفي الحسن كأنه ملك ; أي لم ير مثله ، لأن الناس لا يرون الملائكة ; فهو بناء على ظن في أن صورة الملك أحسن ، أو على الإخبار بطهارة أخلاقه وبعده عن التهم . إن هذا إلا ملك أي ما هذا إلا ملك ; وقال الشاعر :
فلست لإنسي ولكن لملأك تنزل من جو السماء يصوب
وروي عن الحسن : ˝ ما هذا بشرى ˝ بكسر الباء والشين ، أي ما هذا عبدا مشترى ، أي ما ينبغي لمثل هذا أن يباع ، فوضع المصدر موضع اسم المفعول ، كما قال : أحل لكم صيد البحر أي مصيده ، وشبهه كثير . ويجوز أن يكون المعنى : ما هذا بثمن ، أي مثله لا يثمن ولا يقوم ; فيراد بالشراء على هذا الثمن المشترى به : كقولك : ما هذا بألف إذا نفيت قول القائل : هذا بألف . فالباء على هذا متعلقة بمحذوف هو الخبر ، كأنه قال : ما هذا مقدرا بشراء . وقراءة العامة أشبه ; لأن بعده إن هذا إلا ملك كريم مبالغة في تفضيله في جنس الملائكة تعظيما لشأنه ، ولأن مثل ˝ بشرى ˝ يكتب في المصحف بالياء . ❝