❞ جسد لا يشيخ عقل يتخطى الزمن تحرر من معتقدك القديم حول الشيخوخة، واعلم بأن البشر مخلوق قادر على تغيير حالته البيولوجية من خلال ما يفكر فيه ويشعر، فالإنسان يمتلك الوعي وحالته الذهنية تؤثر على ما يَعِيه.
مقدّمة:: ربما شاهدت من بلغ التِّسعين وهو يعتني بنفسه ويمشي لمسافات طويلة ويمارس حياته بكل همة ونشاط، وفي غير الوطن العربي النماذج أكثر بحكم الاهتمام بالحركة والنوم ليلًا والعادات الصحية والبيئة المساعدة على تحقيق ذلك.
فالأمر ليس ضربًا من الخيال بل حقيقة ربما لم تصبح ظاهرة ولكنها موجودة ابحث عمن حولك أو من قابلتهم في سفر، وستبدأ في تذكر أكثر من شخصية.
والشيخوخة كما جاء في المكتشفات البحثية تعتمد على الفرد نفسه بدرجة أكبر مما كان يعتقد في السابق، ويثبت ذلك نماذج مثل: بيكاسو،ومايكل أنجيلو وغيرهم ممن كانت مساهماتهم للحضارة وهم في مرحلة مـتأخرة من العمر، تتبع الأمر وستتفاجأ بأن العمر البيولوجي لا يتوازى بالضرورة مع العمر الزمني، فهنالك من هو في سن العشرين ولكن من الناحية البيولوجية هو عجوز لأكثر من سبب منها: تجمع السموم في الجسم،والشعور بأنك مستهلك عاطفيًّا وجسديًّا بالإضافة إلى البيئة المسمومة والعلاقات والانفعالات السُمّيّة.. ❝ ⏤ديباك شوبرا
جسد لا يشيخ عقل يتخطى الزمن
تحرر من معتقدك القديم حول الشيخوخة، واعلم بأن البشر مخلوق قادر على تغيير حالته البيولوجية من خلال ما يفكر فيه ويشعر، فالإنسان يمتلك الوعي وحالته الذهنية تؤثر على ما يَعِيه.
ربما شاهدت من بلغ التِّسعين وهو يعتني بنفسه ويمشي لمسافات طويلة ويمارس حياته بكل همة ونشاط، وفي غير الوطن العربي النماذج أكثر بحكم الاهتمام بالحركة والنوم ليلًا والعادات الصحية والبيئة المساعدة على تحقيق ذلك.
فالأمر ليس ضربًا من الخيال بل حقيقة ربما لم تصبح ظاهرة ولكنها موجودة ابحث عمن حولك أو من قابلتهم في سفر، وستبدأ في تذكر أكثر من شخصية.
والشيخوخة كما جاء في المكتشفات البحثية تعتمد على الفرد نفسه بدرجة أكبر مما كان يعتقد في السابق، ويثبت ذلك نماذج مثل: بيكاسو،ومايكل أنجيلو وغيرهم ممن كانت مساهماتهم للحضارة وهم في مرحلة مـتأخرة من العمر، تتبع الأمر وستتفاجأ بأن العمر البيولوجي لا يتوازى بالضرورة مع العمر الزمني، فهنالك من هو في سن العشرين ولكن من الناحية البيولوجية هو عجوز لأكثر من سبب منها: تجمع السموم في الجسم،والشعور بأنك مستهلك عاطفيًّا وجسديًّا بالإضافة إلى البيئة المسمومة والعلاقات والانفعالات السُمّيّة.
الطب الحديث أعطى إشارة إلى أن المرضى الأكثر شيخوخة حسب ملاحظة الأطباء كانوا أكثر شبابًا بدنيًّا وعقليًّا.
ويذكر بأن الدماغ والحمض النووي متغيران والعقل هو المسؤول عن رعاية هذا التغيير، كما أن تغيير نمط حياتك إلى الأفضل من اتباع حمية، ورياضة، وإدارة التوتر، والتأمل سيغير من طبيعة وظيفة ما يقارب (500) من الجينات. بهذا أنت تحرك الجينات الحميدة وتوقف غير الحميدة.
ولو تأملت لوجدت بأن هذا التغيير كان نتيجة لنيّة وعزم وتصميم، أيْ: إن العقل هو البطل العظيم الذي يقف خلف هذا التغيير.
وينبه "شوبرا"إلى أنه إذا بدأت تشعر بالإحباط لأنك تتقدم في السن فسوف تشيخ بسرعة أكبر,والعكس إذا قبلت وسلمت سوف تنقذ نفسك من التعاسة على المستوى الجسدي والذهني فأنت عجوز بمقدار ما تشعر أنت بذلك.
التأمل وتمارين التنفس، تخلّص من فرضية أن جسدك يشيخ فالعدو الأول للتجدد هو العادة، وظيفة مرضية، الزواج السعيد، روتين يومي منتظم، تفاؤل الشعور بالأمان المالي والتحكم في الحياة الشخصية، وقت فراغ ممتع، التطور والنمو يقاوم الشيخوخة، التغذية…
النوم بشكل جيد، والمكملات الغذائية، والتخلص من السموم التي في الجسد والعلاقات، التمرينات الجسدية وإنقاص الوزن، لا تهتم بصغائر الأمور، عِشْ حياة رضية مستندًا إلى أن حياتك ذات معنى واشعر بالسعادة من نشاطاتك اليومية،وقدّر واحترم نفسك. أيضًا نوم الليل سبع أو ثماني ساعات، عدم التدخين،الوزن الطبيعي وعدم الأكل بين الوجبات.. وأخيرًا الحب وهو الأكثر فاعلية يشفي ويجدد الحياة.
من هذه الأمور الكآبة، حياة العزلة، عدم وجود عمل روتيني منتظم، الديون، القلق، عدم الرضا عن الوضع الوظيفي، الندم ونقد الذات والآخرين، العمل أكثر من (40) ساعة في الأسبوع، عدم وجود أصدقاء مقربين، التفكير في الماضي أو المستقبل،ركز على الحاضر وأعتق نفسك من التفكير في الماضي والمستقبل فلا وجود لهما.
يقصد "شوبرا" بهذه العبارة بأنه عندما تتجاوز ذاتك تلج إلى عالم الروح فتحطم حاجز الزمن والروح هي ميدان وعيك.
فالحياة تعتمد على إحساسك بهويتك والمعنى والهدف من حياتك.. وحتى تغير من نمط حياتك كما يرى طبق ما يلي:
والآن، بعد أن عرفت الأعمار الثلاثة ربما عليك أن تكتب العمر الذي تحس به بدلًا من تاريخ ميلادك، متبعًا نصائح "شوبرا" حول الصحة البدنية والعقلية والنفيسة، وكذلك الروحية المرتبطة بالخالق حتى تحظى بعمر بيولوجي أصغر.
❞ الطريق من القاهرة إلى مرسى مطروح بالسيارة طريق طويل ممل تتشابه فيه المناظر على مدى ساعات .. آفاق ممتدة من الرمال و شريط أزرق من البحر يبدو و يختفي .. و اهتزازات صاعدة هابطة تهبط منها الأحشاء ، و يُصاب الرأس بالدوار ..
و لولا ذلك الرفيق الثِرثار ربما كان السائق قد أغفَى على مقعد القيادة نائماً من فرط الرتابة .
و في مثل هذه المسافات الطويلة تحلو الثرثرة ..
و صاحبنا الثرثار رجل قلِق متوتر لا يعجبه شيء و لا يرى من الإنسان إلا عيوبه ، و لا يرى في الدنيا إلا جوانبها السالبة و لا يرى في الكون شيئاً جديراً بالحمد ..
فالكون مشروع فاشل ، و الحياة صفقة خاسرة نهايتها الموت .. و العَطَب و الفساد يكتنف كل شيء ..
فالورد يذبُل .. و الشمس تأفُل .. و الجسد يشيخ .. و الأرض تتبدل .. و لا شيء يبقى على حاله .. و الإنسان يشرب دموعه مع كل ضحكة .. فأين الحكمة .. و أين الإبداع .. و أين الجمال .. و علام ذلك التسبيح شكراً و حمداً .. و علام تعفير الجباه سجوداً و ركوعاً .. و كيف نشكر الخالق على الميكروب و السرطان و الزلزال و الموت غرقاً و حرقاً ..
أما صاحبنا الآخر فهو على النقيض ، رجل مطمئن تكسوه دائماً ملامح الرضا و الحمد و القناعة ..
و في رأيه أنه ليس في الإمكان أبدع مما كان .. و أن الله خلق الكون و الإنسان على أحسن صورة ..
و أن الموت و الشيخوخة و المرض .. هي ظِلال لابد منها لكمال الصورة .. فما كانت الصحة لِتُعرَف لولا المرض .. بل إن المرض يعطي للإنسان فيما يُعطي .. المناعة و الحصانة .. كما أنه يعلمه الصبر و الجَلَد .. ثم هو الذي يخلق المناسبة للرحمة و التعاطف و البذل بين الناس .. و حُكمِهِ حُكم لَسعَة البرد و الحر التي تنبه الجسد و تستفزه ليحتشد .. و لو أخلد الإنسان إلى إعتدال دائم لاسترخت خلايا جسده و هلكت من الخمول و الترف ..
و شُكراً للميكروب فهو يخلق للعقل وظيفة عاجلة ليفكر و يبتكر و يحتال على الإنقاذ .. و هل البنسلين و الكلورميسين و الأريومسين و كافة عائلة المضادات الحيوية إلا مخلفات ميكروبات .. !
و هل يحصل النبات على سماده الطبيعي إلا بميكروبات في درنات الجذور تثبت النيتروجين و تسلمه لنبات سماداً جاهزاً .. !
** إن للشر دائماً وجهاً آخر خَفيّاً .. هو عين الخير .
و لولا الزلازل و البراكين التي تُنَفِس عن الضغط الزائد في باطن الأرض لانفجرت الأرض بِمَن عليها من ملاين السنين .
و كما يقول الفيلسوف الحكيم أبو حامد الغزالي : كلما ازداد القوس إعوجاجاً أعطى السهم تَوتُراً و اندِفاعاً أكثر ليصيب هدفه ، و ذلك هو الكمال الذي يَخفَى في باطن النقص .
و لهذا قال الغزالي : إنه ليس في الإمكان أبدع مما كان ، و أن الدنيا بما فيها من نقص هي أكمل مثال لدنيا زائلة .
● قال الرجل الثِرثار :
كل هذا كلام في كلام .. و أُحِب أن أرى الآن لو كُسِرَت ذراعُك أو كُفَ بَصرُك .. ماذا تقول .. ؟
● قال الرجل الهادئ :
أقول الحمد لله لطفت يا رب في قضائك و أبقيت لي ذراعاً سليمة .. و أخذت بصري و أبقيت سمعي .. فشكراً على ما أبقيت .. و لك الحكمة فيما أخذت .
● قال الثرثار :
هذا دجل صريح .. و أراهن أنك أكبر دجال فيما تقول .. و أُراهن أن الموقف سوف يختلف كثيراً إذا أصابك شيء من هذا .. و أنك سوف تَسُب الدين و المِلّة .
● قال الرجل المطمئن :
حاشا لله أن أفعل شيئاً من ذلك .. و أنا أُحسِن الظن بالله .. و أرى جماله في كل شيء .. و أرى رحمته تسبق عدله .. و لُطفِه يسبق رحمته في كل قضاء .. و لا أراه ظالِماً أبداً .. تعالى ربي عن الظُلم عُلُواً كبيراً .
و لم يُجِب الرجل الثِرثار .. فقد وقعت العربة في مطب فجأة و انحرفت عجلة القيادة .. و ظهرت عربة قادمة بسرعة من الإتجاه الآخر .. و فقد السائق السيطرة على توجيه عربته تماماً ..
و رآها تخرج من يده إلى خارج الطريق المرصوف ثم تميل ميلاً شديداً لتنقلب و تبدأ في الدوران حول نفسها عدة مرات لتستقر على بعد مائة متر في الرمال .
و خرج الرجل الثرثار شاحِباً يرتجف و هو يتحسس نفسه و يدهش كيف لم يُصَب بِخدش .. أما الرجل المطمئن فكان فاقد الوعي يتنفس بصعوبة و يخرج من فمه شخير .
و انطلق الرجل في فزع إلى أقرب نقطة مرور و اتصل تليفونياً بأقرب وحدة صحية ، و كانت وحدة العلمين على بُعد عشرة كيلو مترات .
و جاءت عربة الإسعاف .. و قال طبيب الوحدة بعد الفحص الأوَلي إن هناك تمزُقاً بالكلية اليُمنى و نزيفاً ، و إن الحل الوحيد هو نقل المصاب فوراً إلى الإسكندرية و إجراء جراحة إستئصال عاجلة للكلية ..
و في الغُرفة رقم "7" بعنبر الجراحة بمستشفى الجامعة .. كان المُصاب مسجى على فراشه بعد أن خرج من غرفة العمليات .. و كان لا يزال في غفوة البنج .
و إلى جواره جلس صديقه الثرثار في انتظار اللحظة التي يفتح فيها عينيه ، و كان أول ما قال الرجل حينما فتح عينيه :
● الحمد لله .
و كان الرجل الثرثار يجلس مبهوتاً ، و كان لا يزال يرتجف من هول ما رأى و ما سَمِع و هو يتأرجح على عتبة الموت .. و كان لا يزال يتحسس جسده السليم و لا يُصدِق كيف خرج سليماً ، و كان الطبيب يتحدث بالتليفون إلى قسم الباثولوجي .
و وضع الطبيب التليفون و ظهرت على وجهه دهشة لا حد لها ..
قال الطبيب و قد اتسعت حدقتاه :
● هذا أمر عجيب .. أمرٌ لا يُصَدَق .!
● قال الرجل الثرثار .. كيف .. ماذا تعني .. ماذا حدث ؟
● قال الطبيب و هو يبتلع لعابه من الإنفعال :
الكلية التي أستُئصِلَت ..
● قال الرجل الثرثار في فضول :
ما خطبها .. ؟
● قال الطبيب :
يقول تقرير الباثولوجي .. إنه كان بها سرطان وليد في أول مراحله .
و خيَّم الصمت على الثلاثة برهة و كأن على رؤسهم الطير ..
● ثم استأنف الطبيب الكلام :
لولا هذا الحادث الذي إستأصلنا بسببه الكلية لكان المصاب سيهلك بالسرطان حتماً .. هذا عجيب .. هذا حادث إنقاذ .. هذا حادث مُلاطَفة .. و ليس نكبة .
إن ما حدث كان خيراً لا حد له ..
● و ابتسم الرجل المطمئن إبتسامة واهنة في فراشه و قال : الحمد لله .
إن الله يعاملني بنياتي ، فقد كنت دائماً أُحسِن الظن به .
و التفت إلى صاحبه الثرثار قائلا :
أرأيت يا صديقي .. فذلك هو الخير الباطن في الشر ..
و سكت الطبيب ساهِماً .
و بُهِتَ الذي كَفَر .. فلم يجد ما يقول ..
*****
قصة / ملاطفة
من كتـــاب / نقـطــة الغـليــان
للدكتور / مصطفى محمود (رحمه الله). ❝ ⏤مصطفى محمود
❞ الطريق من القاهرة إلى مرسى مطروح بالسيارة طريق طويل ممل تتشابه فيه المناظر على مدى ساعات . آفاق ممتدة من الرمال و شريط أزرق من البحر يبدو و يختفي . و اهتزازات صاعدة هابطة تهبط منها الأحشاء ، و يُصاب الرأس بالدوار .
و لولا ذلك الرفيق الثِرثار ربما كان السائق قد أغفَى على مقعد القيادة نائماً من فرط الرتابة .
و في مثل هذه المسافات الطويلة تحلو الثرثرة .
و صاحبنا الثرثار رجل قلِق متوتر لا يعجبه شيء و لا يرى من الإنسان إلا عيوبه ، و لا يرى في الدنيا إلا جوانبها السالبة و لا يرى في الكون شيئاً جديراً بالحمد .
فالكون مشروع فاشل ، و الحياة صفقة خاسرة نهايتها الموت . و العَطَب و الفساد يكتنف كل شيء .
فالورد يذبُل . و الشمس تأفُل . و الجسد يشيخ . و الأرض تتبدل . و لا شيء يبقى على حاله . و الإنسان يشرب دموعه مع كل ضحكة . فأين الحكمة . و أين الإبداع . و أين الجمال . و علام ذلك التسبيح شكراً و حمداً . و علام تعفير الجباه سجوداً و ركوعاً . و كيف نشكر الخالق على الميكروب و السرطان و الزلزال و الموت غرقاً و حرقاً .
أما صاحبنا الآخر فهو على النقيض ، رجل مطمئن تكسوه دائماً ملامح الرضا و الحمد و القناعة .
و في رأيه أنه ليس في الإمكان أبدع مما كان . و أن الله خلق الكون و الإنسان على أحسن صورة .
و أن الموت و الشيخوخة و المرض . هي ظِلال لابد منها لكمال الصورة . فما كانت الصحة لِتُعرَف لولا المرض . بل إن المرض يعطي للإنسان فيما يُعطي . المناعة و الحصانة . كما أنه يعلمه الصبر و الجَلَد . ثم هو الذي يخلق المناسبة للرحمة و التعاطف و البذل بين الناس . و حُكمِهِ حُكم لَسعَة البرد و الحر التي تنبه الجسد و تستفزه ليحتشد . و لو أخلد الإنسان إلى إعتدال دائم لاسترخت خلايا جسده و هلكت من الخمول و الترف .
و شُكراً للميكروب فهو يخلق للعقل وظيفة عاجلة ليفكر و يبتكر و يحتال على الإنقاذ . و هل البنسلين و الكلورميسين و الأريومسين و كافة عائلة المضادات الحيوية إلا مخلفات ميكروبات . !
و هل يحصل النبات على سماده الطبيعي إلا بميكروبات في درنات الجذور تثبت النيتروجين و تسلمه لنبات سماداً جاهزاً . !
* إن للشر دائماً وجهاً آخر خَفيّاً . هو عين الخير .
و لولا الزلازل و البراكين التي تُنَفِس عن الضغط الزائد في باطن الأرض لانفجرت الأرض بِمَن عليها من ملاين السنين .
و كما يقول الفيلسوف الحكيم أبو حامد الغزالي : كلما ازداد القوس إعوجاجاً أعطى السهم تَوتُراً و اندِفاعاً أكثر ليصيب هدفه ، و ذلك هو الكمال الذي يَخفَى في باطن النقص .
و لهذا قال الغزالي : إنه ليس في الإمكان أبدع مما كان ، و أن الدنيا بما فيها من نقص هي أكمل مثال لدنيا زائلة .
● قال الرجل الثِرثار :
كل هذا كلام في كلام . و أُحِب أن أرى الآن لو كُسِرَت ذراعُك أو كُفَ بَصرُك . ماذا تقول . ؟
● قال الرجل الهادئ :
أقول الحمد لله لطفت يا رب في قضائك و أبقيت لي ذراعاً سليمة . و أخذت بصري و أبقيت سمعي . فشكراً على ما أبقيت . و لك الحكمة فيما أخذت .
● قال الثرثار :
هذا دجل صريح . و أراهن أنك أكبر دجال فيما تقول . و أُراهن أن الموقف سوف يختلف كثيراً إذا أصابك شيء من هذا . و أنك سوف تَسُب الدين و المِلّة .
● قال الرجل المطمئن :
حاشا لله أن أفعل شيئاً من ذلك . و أنا أُحسِن الظن بالله . و أرى جماله في كل شيء . و أرى رحمته تسبق عدله . و لُطفِه يسبق رحمته في كل قضاء . و لا أراه ظالِماً أبداً . تعالى ربي عن الظُلم عُلُواً كبيراً .
و لم يُجِب الرجل الثِرثار . فقد وقعت العربة في مطب فجأة و انحرفت عجلة القيادة . و ظهرت عربة قادمة بسرعة من الإتجاه الآخر . و فقد السائق السيطرة على توجيه عربته تماماً .
و رآها تخرج من يده إلى خارج الطريق المرصوف ثم تميل ميلاً شديداً لتنقلب و تبدأ في الدوران حول نفسها عدة مرات لتستقر على بعد مائة متر في الرمال .
و خرج الرجل الثرثار شاحِباً يرتجف و هو يتحسس نفسه و يدهش كيف لم يُصَب بِخدش . أما الرجل المطمئن فكان فاقد الوعي يتنفس بصعوبة و يخرج من فمه شخير .
و انطلق الرجل في فزع إلى أقرب نقطة مرور و اتصل تليفونياً بأقرب وحدة صحية ، و كانت وحدة العلمين على بُعد عشرة كيلو مترات .
و جاءت عربة الإسعاف . و قال طبيب الوحدة بعد الفحص الأوَلي إن هناك تمزُقاً بالكلية اليُمنى و نزيفاً ، و إن الحل الوحيد هو نقل المصاب فوراً إلى الإسكندرية و إجراء جراحة إستئصال عاجلة للكلية .
و في الغُرفة رقم ˝7˝ بعنبر الجراحة بمستشفى الجامعة . كان المُصاب مسجى على فراشه بعد أن خرج من غرفة العمليات . و كان لا يزال في غفوة البنج .
و إلى جواره جلس صديقه الثرثار في انتظار اللحظة التي يفتح فيها عينيه ، و كان أول ما قال الرجل حينما فتح عينيه :
● الحمد لله .
و كان الرجل الثرثار يجلس مبهوتاً ، و كان لا يزال يرتجف من هول ما رأى و ما سَمِع و هو يتأرجح على عتبة الموت . و كان لا يزال يتحسس جسده السليم و لا يُصدِق كيف خرج سليماً ، و كان الطبيب يتحدث بالتليفون إلى قسم الباثولوجي .
و وضع الطبيب التليفون و ظهرت على وجهه دهشة لا حد لها .
قال الطبيب و قد اتسعت حدقتاه :
● هذا أمر عجيب . أمرٌ لا يُصَدَق .!
● قال الرجل الثرثار . كيف . ماذا تعني . ماذا حدث ؟
● قال الطبيب و هو يبتلع لعابه من الإنفعال :
الكلية التي أستُئصِلَت .
● قال الرجل الثرثار في فضول :
ما خطبها . ؟
● قال الطبيب :
يقول تقرير الباثولوجي . إنه كان بها سرطان وليد في أول مراحله .
و خيَّم الصمت على الثلاثة برهة و كأن على رؤسهم الطير .
● ثم استأنف الطبيب الكلام :
لولا هذا الحادث الذي إستأصلنا بسببه الكلية لكان المصاب سيهلك بالسرطان حتماً . هذا عجيب . هذا حادث إنقاذ . هذا حادث مُلاطَفة . و ليس نكبة .
إن ما حدث كان خيراً لا حد له .
● و ابتسم الرجل المطمئن إبتسامة واهنة في فراشه و قال : الحمد لله .
إن الله يعاملني بنياتي ، فقد كنت دائماً أُحسِن الظن به .
و التفت إلى صاحبه الثرثار قائلا :
أرأيت يا صديقي . فذلك هو الخير الباطن في الشر .
و سكت الطبيب ساهِماً .
و بُهِتَ الذي كَفَر . فلم يجد ما يقول .
*****
قصة / ملاطفة
من كتـــاب / نقـطــة الغـليــان
للدكتور / مصطفى محمود (رحمه الله). ❝
❞ ليتْ البرائة تكبُر فينا كما تكبُر عقولنا، ليتْ المسؤولية تخفْ حين نقدحها بِقدح التوكل، وليتْ اليأس يفنى حين تُخبرهُ قلوبنا أن ربنّا على كُل شيءٍ قدير
، ليتْ الأمل يكبُر دون أن يُضاف لِعُمرهِ أرقام كما تُضافُ لِأعمارِنا ، فقط يكبُر إلى الما لانهاية ، هذا هو الأمل الذي يمُدُّ حبالهُ للسماء، حبالهُ التي لاتنتهي، هذا هو الأمل الذي لايشيخ ولايموت أبدًا.
وتبقى ليتْ فعل تمنيّ لايُحقق الرجاء ، وليس حبلاً من حبال الدعاء .. ❝ ⏤فاطمة الدفعي
❞ ليتْ البرائة تكبُر فينا كما تكبُر عقولنا، ليتْ المسؤولية تخفْ حين نقدحها بِقدح التوكل، وليتْ اليأس يفنى حين تُخبرهُ قلوبنا أن ربنّا على كُل شيءٍ قدير
، ليتْ الأمل يكبُر دون أن يُضاف لِعُمرهِ أرقام كما تُضافُ لِأعمارِنا ، فقط يكبُر إلى الما لانهاية ، هذا هو الأمل الذي يمُدُّ حبالهُ للسماء، حبالهُ التي لاتنتهي، هذا هو الأمل الذي لايشيخ ولايموت أبدًا.
وتبقى ليتْ فعل تمنيّ لايُحقق الرجاء ، وليس حبلاً من حبال الدعاء. ❝