█ حصريا تحميل كتاب مجاناً PDF اونلاين 2024
❞ فتذكر أن محمداً صعد إلى السماء السابعة ووصل الى سدرة المنتهى وإقترب حيث لم يقترب مخلوقاً من قبل، ولما عاد إلى الأرض كان في خدمة أهله.
كان يحلب شاته، ويخصف نعله، ويأتي العبد يطلب أن يتوسط له عند سيده فيفعل، وتأتي الجارية الصغيرة تجره من يده ليشفع لها عند أهلها فيمضي معها.
صعد إلى السماء السابعة وبقي يأكل في صحن واحد مع المساكين، ويركب بغله، ويأمر جيشه أن لا يقطعوا شجراً، ولا يقتلوا طفلاً ولا إمرأة، وأن يتركوا الرهبان في أديرتهم هم وما يعبدون.
كان كبيراً قبل أن يصعد، وظل كبيراً بعد أن نزل.
كبيراً دون تكبر.. عظيماً دون تعاظم . ❝
❞ إن اختياري محمداً ليكون الأول في أهم وأعظم رجال التاريخ قد يدهش القراء، لكنه الرجل الوحيد في التاريخ كله الذي نجح أعلى نجاح على المستويين: الديني والدنيوي، فهناك رُسل وأنبياء وحكماء بدؤا رسالات عظيمة، لكنهم ماتوا دون إتمامها، كالمسيح في المسيحية، أو شاركهم فيها غيرهم، أو سبقهم إليهم سواهم، كموسى في اليهودية، ولكن محمداً هو الوحيد الذي أتم رسالته الدينية، وتحددت أحكامها، وآمنت بها شعوب بأسرها في حيات؛ ولأنه أقام جانب الدين دولة جديدة، فإنه في هذا المجال الدنيوي أيضاً، وحّد القبائل في شعب، والشعوب في أمة، ووضع لها كل أسس حياتها، ورسم أمور دنياها، ووضعها في موضع الانطلاق إلى العالم. أيضاً في حياته، فهو الذي بدأ الرسالة الدينية والدنيوية وأتمها . ❝
❞ وَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَىٰ عَلَىٰ يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ (84)
قوله تعالى : وتولى عنهم وقال يا أسفى على يوسف وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم فيه ثلاث مسائل :
الأولى : قوله تعالى : وتولى عنهم أي أعرض عنهم ; وذلك أن يعقوب لما بلغه خبر بنيامين تتام حزنه ، وبلغ جهده ، وجدد الله مصيبته له في يوسف فقال : يا أسفى على يوسف ونسي ابنه بنيامين فلم يذكره ; عن ابن عباس . وقال سعيد بن جبير : لم يكن عند يعقوب ما في كتابنا من الاسترجاع ، ولو كان عنده لما قال : يا أسفى على يوسف قال قتادة والحسن : والمعنى يا حزناه ! وقال مجاهد والضحاك : يا جزعاه ! ; قال كثير :
فيا أسفا للقلب كيف انصرافه وللنفس لما سليت فتسلت
والأسف شدة الحزن على ما فات . والنداء على معنى : تعال يا أسف فإنه من أوقاته . وقال الزجاج : الأصل يا أسفي ; فأبدل من الياء ألف لخفة الفتحة .
وابيضت عيناه من الحزن قيل : لم يبصر بهما ست سنين ، وأنه عمي ; قاله مقاتل . وقيل : قد تبيض العين ويبقى شيء من الرؤية ، والله أعلم بحال يعقوب ; وإنما ابيضت عيناه من البكاء ، ولكن سبب البكاء الحزن ، فلهذا قال : من الحزن . وقيل : إن يعقوب كان يصلي ، ويوسف نائما معترضا بين يديه ، فغط في نومه ، فالتفت يعقوب إليه ، ثم غط ثانية فالتفت إليه ، ثم غط ثالثة فالتفت إليه سرورا به وبغطيطه ; فأوحى الله تعالى إلى ملائكته : ˝ انظروا إلى صفيي وابن خليلي قائما في مناجاتي يلتفت إلى غيري ، وعزتي وجلالي ! لأنزعن الحدقتين اللتين التفت بهما ، ولأفرقن بينه وبين من التفت إليه ثمانين سنة ، ليعلم العاملون أن من قام بين يدي يجب عليه مراقبة نظري ˝ .
الثانية : هذا يدل على أن الالتفات في الصلاة - وإن لم يبطل - يدل على العقوبة عليها ، والنقص فيها ، وقد روى البخاري عن عائشة قالت : سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الالتفات في الصلاة فقال : هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد . وسيأتي ما للعلماء في هذا في أول سورة ˝ المؤمنون ˝ موعبا إن شاء الله تعالى .
الثالثة : قال النحاس : فإن سأل قوم عن معنى شدة حزن يعقوب - صلى الله عليه وسلم - وعلى نبينا - فللعلماء في هذا ثلاثة أجوبة : منها - أن يعقوب - صلى الله عليه وسلم - لما علم أن يوسف - صلى الله عليه وسلم - حي خاف على دينه ، فاشتد حزنه لذلك . وقيل : إنما حزن لأنه سلمه إليهم صغيرا ، فندم على ذلك . والجواب الثالث : وهو أبينها - هو أن الحزن ليس بمحظور ، وإنما المحظور الولولة وشق الثياب ، والكلام بما لا ينبغي وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول ما يسخط الرب . وقد بين الله جل وعز ذلك بقوله : فهو كظيم أي مكظوم مملوء من الحزن ممسك عليه لا يبثه ; ومنه كظم الغيظ وهو إخفاؤه ; فالمكظوم المسدود عليه طريق حزنه ; قال الله تعالى : إذ نادى وهو مكظوم أي مملوء كربا . ويجوز أن يكون المكظوم بمعنى الكاظم ; وهو المشتمل على حزنه . وعن ابن عباس : كظيم مغموم ; قال الشاعر :
فإن أك كاظما لمصاب شاس فإني اليوم منطلق لساني
وقال ابن جريج عن مجاهد عن ابن عباس قال : ذهبت عيناه من الحزن فهو كظيم قال : فهو مكروب . وقال مقاتل بن سليمان عن عطاء عن ابن عباس في قوله : فهو كظيم قال : فهو كمد ; يقول : يعلم أن يوسف حي ، وأنه لا يدري أين هو ; فهو كمد من ذلك . قال الجوهري : الكمد الحزن المكتوم ; تقول منه كمد الرجل فهو كمد وكميد . النحاس . يقال فلان كظيم وكاظم ; أي حزين لا يشكو حزنه ; قال الشاعر :
فحضضت قومي واحتسبت قتالهم والقوم من خوف المنايا كظم . ❝
❞ قال البدر الزركشي ولا يُظن بأحد من أئمة المسلمين أنهُ يُتوقف في أفضلية نبينا صلى الله عليه وسلم على جميع الملائكة، وكذا سائر الأنبياء، وأطال في الحط والرد على من توقفَ في ذلك وزعم أن هذا ليس مِما كُلفنا بمعرفته ثم قال هذا الزعم باطل فإن هذا من مسائل اصول الدين الواجبة الاعتقاد على كل مكلف . ❝