❞ تبين ميدينا بنجامن في هذا الكتاب المقنع بصورة لافتة، والذي استوفى حقه ن البحث، أن الطائرة بدون طيّار (درون) هي السلاح الأحدث في ترسانة الأسلحة عالية التقنية والمُتحكّم بها عن بثعد. وعلى الرغم من انها لا تختلف عن الطائرات المقاتلة العادية في قدرتها التدميرية وبربريتها وترويعها المدنيين، فغنها بطبيعتها أكثر ملاءمة للمهام القذرة والخطرة. لذلك، تعوّل الولايات المتحدة عليها في تنفيذ برامج الاغتيالات والقتل المستهدف، ضمن ما تسميه \"الحرب على الإرهاب\"، منتهكة في معزم الأحيان القانونين الدولي والأمريكي معًا. وكما توثّق بنجامن، فإن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (سي. آي. ايه.) عي المسؤولة، لا البنتاغون، عن شنّ معظم ضربات الطائرات بدون طيّار، من دون أي محاسبة أو دليل او محاكمة تدين المستهدف بالموت، بل تمامًا حسب أهواء البيت الأبيض، وبحصانة كاملة من المسؤولية عن قتل المدنيين الموجودين في ساحة الإعدام، والذين كثيرًا ما يتحوّلون إلى مجرّد \"أضرار جانبية\"- سواء في أفغانستان أو باكستان أو اليمن أو الصومال أو فلسطين أو العراق أو مؤخرا سورية. كذلك تتقصّى بنجامن في هذا الكتاب بدقّة تاريخ الطائرات بدون طيّار، وأنواعها، و تخصصاتها، وتكلفتها، ودرجات تسليحها، ودور المؤسسة العسكرية الإسرائيلية (خصوصًا مهندس الطيران الإسرائيلي أبراهام كاريم) والأمريكية في تطويرها. ولأنّ الطائرات بدون طيّار أكثر ملاءمة لمهام المراقبة والتجسّس (إذ تستطيع متابعة شخص من ارتفاع 60 ألف قدم أحيانًا، وتصويره بالأشعة تحت الحمراء وفوق البنفسجية)، تتوقّع بنجامن رواج استخدامها داخليًا في التجسّس على الناشطين والمواطنين الأمريكيين العاديين. ❝ ⏤ميديا بنجامن
❞ تبين ميدينا بنجامن في هذا الكتاب المقنع بصورة لافتة، والذي استوفى حقه ن البحث، أن الطائرة بدون طيّار (درون) هي السلاح الأحدث في ترسانة الأسلحة عالية التقنية والمُتحكّم بها عن بثعد. وعلى الرغم من انها لا تختلف عن الطائرات المقاتلة العادية في قدرتها التدميرية وبربريتها وترويعها المدنيين، فغنها بطبيعتها أكثر ملاءمة للمهام القذرة والخطرة. لذلك، تعوّل الولايات المتحدة عليها في تنفيذ برامج الاغتيالات والقتل المستهدف، ضمن ما تسميه ˝الحرب على الإرهاب˝، منتهكة في معزم الأحيان القانونين الدولي والأمريكي معًا. وكما توثّق بنجامن، فإن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (سي. آي. ايه.) عي المسؤولة، لا البنتاغون، عن شنّ معظم ضربات الطائرات بدون طيّار، من دون أي محاسبة أو دليل او محاكمة تدين المستهدف بالموت، بل تمامًا حسب أهواء البيت الأبيض، وبحصانة كاملة من المسؤولية عن قتل المدنيين الموجودين في ساحة الإعدام، والذين كثيرًا ما يتحوّلون إلى مجرّد ˝أضرار جانبية˝- سواء في أفغانستان أو باكستان أو اليمن أو الصومال أو فلسطين أو العراق أو مؤخرا سورية. كذلك تتقصّى بنجامن في هذا الكتاب بدقّة تاريخ الطائرات بدون طيّار، وأنواعها، و تخصصاتها، وتكلفتها، ودرجات تسليحها، ودور المؤسسة العسكرية الإسرائيلية (خصوصًا مهندس الطيران الإسرائيلي أبراهام كاريم) والأمريكية في تطويرها. ولأنّ الطائرات بدون طيّار أكثر ملاءمة لمهام المراقبة والتجسّس (إذ تستطيع متابعة شخص من ارتفاع 60 ألف قدم أحيانًا، وتصويره بالأشعة تحت الحمراء وفوق البنفسجية)، تتوقّع بنجامن رواج استخدامها داخليًا في التجسّس على الناشطين والمواطنين الأمريكيين العاديين. ❝
❞ كان العالم الخارجي في حالة ترقب وانتظار، وتحول وتغير، وكان الشرق الأوسط، والعالم العربي في قلبه، في حالة إحباط وفوضى، وفي تلك الفترة الحافلة والحرجة، سواء بالنسبة لأحوال العالم أو أحوال العرب، كانت أهمية المنطقة تزداد مع ازدياد حاجة التقدم، والمنافسة على بترولها المحبوس تحت شواطئها منذ ذلك الزمان الأسطوري البعيد. كان البترول هو نفسه مارد الجن الذي يستطيع أن يخلع القلوب بالرعب، أو يبني قصور الذهب، يتوقف الأمر على مقدرة التطويع، وكان الكل يريد، والكل يتمنى، والكل يتحرق بالرغبة واللهفة وفي هذا المناخ وقع الغزو العراقي للكويت، وانكسر الختم عن قمقم مسحور دون معرفة بسر طلسمه، وانطلق المارد من محبسه يسد فضاء الأفق هولاً وشراً مستطيراً. ولم يكن غريباً بعد ذلك أن تصبح أزمة الخليج على حد تعبير بربجنسكي، \"عاطفية بأكثر من اللازم، شخصية بأكثر من اللازم، عسكرية بأكثر من اللازم\"، ثم تجري وقائعها ونتائجها المأساوية على النحو الذي جرت به، ومجيء مقدمات القرن الواحد والعشرين وهي تومئ إلى عصر مختلف تتهيأ البشرية لاحتمالاته الضخمة والهائلة، بينما الأمة العربية في حال لم ترد عليها من قبل على طول ما عانت وقاست.
بهذه الكلمات هيأ محمد حسنين هيكل القارئ ذهنياً وعاطفياً ونفسياً للمضي في تلقن ما سطره من أحداث ووقائع جرت أبان حرب الخليج، وفي اقتراب هيكل من كتابه هذا من قصة حرب الخليج يذكر نفسه بحقائق القوة، لان القوة هي طبيعة الأشياء في السياسة الدولية، فالقانون ليس سعيداً في صراعات العالم، ولكن حقائق القوة لها السيادة طول الوقت وموقفه في عرض العقبة موقف المستقبل،وهو في سبيل إعداد هذا الكتاب التقى وتناقش واستمع إلى كثيرين من رؤساء الدول والقادة والسياسيين والعسكريين في العالم العربي، كذلك فقد التقى لهذا الغرض وتناقش واستمع إلى كثيرين من المشاركين في صنع القرار في الولايات المتحدة وفي أوروبا، وقد سمح له البعض بالإطلاع على أوراق وتقارير رسمية، وسجلات معلومات كانت في حوزتهم بحكم المنصب والمسؤولية.
ويقول هيكل بأنه في محاولته هذه من رواية قصة \"الحرب في الخليج\" لا يصدر أحكاماً، وإنما هو يحاول بناء واقع من منطلق أن أي كاتب سياسي مطالب بالدرجة الأولى بأكبر قدر من الحقائق، وبأكبر قدر من الاجتهادات، وعلى أوسع دائرة ممكنة، وبهذا الأسلوب فإن القارئ يستطيع تكوين رأيه. بقي أخيرا لفت النظر إلى أن هيكل وضع أصل هذا الكتاب بالغة الإنجليزية لمؤسسة \"هاربر كولينز\" وقد قام بنفسه على ترجمته إلى اللغة العربية مضيفاً إلى النسخة العربية ما استجد في الفترة الفاصلة من الصدور بين النسخة الإنكليزية والعربية ما استجد فيها من معلومات وأفكار وجدها هامة ومناسبة.
... وجربت أن أقترب من أزمة الخليج كتابة، وبالفعل كتبت، ولكن الأزمة أصبحت منذ ساعاتها الأولى، عاطفية بأكثر من اللازم... شخصية بأكثر من اللازم... و\"عسكرية بأكثر من اللازم\"..
وفي مثل هذه الأحوال عادة فإن الصدور ضيقة والأعصاب متوترة والأمزجة منحرفة، وليس هناك غير سؤال واحد مطروح على كل الناس بنعم أو لا؟.. مع هذا أو ذاك؟.. هنا أو هناك؟
وأعترف أنه طوال أزمة الخليج كان هذا النوع من الأسئلة وما يترتب عليه من خيارات. يبدو لي أسهل الحلول وأخطرها في نفس الوقت. سهل لأنه يعفى أصحابه من حق الاجتهاد، وخطر لأنه ينقل هذا الحق في الاجتهاد إلى إرادات أخرى لها أغراضها، وعندها خططها.
والغريب أن أطراف الأزمة الآخرين، والذين جعلوها عاطفية وشخصية وعسكرية كانوا يتحاورون لتحقيق هدف لم يكن عليه في النهاية خلاف، وهو ضرورة خروج العراق من الكويت. وقد ظل الكونجرس الأمريكي على سبيل المثال يناقش كل الممكنات إلى يوم 6 يناير 1991، أي قبل أيام معدودة من بدء الحرب ليلة 17 يناير 1991، وأما عندنا فقد توقف الحوار بعد ساعات من فجر 2 أغسطس 1990.
ومهما يكن، فإن هذا الكتاب يجئ بعد سنة من وقف إطلاق في حرب الخليج، ومن ثم فإني آمل أن يكون الفكر العربي قد تجاوز أزمة دهمته على غير انتظار، وحالة حصار أحاطت به على غير ضرورة. ❝ ⏤بيار سالينجر إريك لوران
❞ كان العالم الخارجي في حالة ترقب وانتظار، وتحول وتغير، وكان الشرق الأوسط، والعالم العربي في قلبه، في حالة إحباط وفوضى، وفي تلك الفترة الحافلة والحرجة، سواء بالنسبة لأحوال العالم أو أحوال العرب، كانت أهمية المنطقة تزداد مع ازدياد حاجة التقدم، والمنافسة على بترولها المحبوس تحت شواطئها منذ ذلك الزمان الأسطوري البعيد. كان البترول هو نفسه مارد الجن الذي يستطيع أن يخلع القلوب بالرعب، أو يبني قصور الذهب، يتوقف الأمر على مقدرة التطويع، وكان الكل يريد، والكل يتمنى، والكل يتحرق بالرغبة واللهفة وفي هذا المناخ وقع الغزو العراقي للكويت، وانكسر الختم عن قمقم مسحور دون معرفة بسر طلسمه، وانطلق المارد من محبسه يسد فضاء الأفق هولاً وشراً مستطيراً. ولم يكن غريباً بعد ذلك أن تصبح أزمة الخليج على حد تعبير بربجنسكي، ˝عاطفية بأكثر من اللازم، شخصية بأكثر من اللازم، عسكرية بأكثر من اللازم˝، ثم تجري وقائعها ونتائجها المأساوية على النحو الذي جرت به، ومجيء مقدمات القرن الواحد والعشرين وهي تومئ إلى عصر مختلف تتهيأ البشرية لاحتمالاته الضخمة والهائلة، بينما الأمة العربية في حال لم ترد عليها من قبل على طول ما عانت وقاست.
بهذه الكلمات هيأ محمد حسنين هيكل القارئ ذهنياً وعاطفياً ونفسياً للمضي في تلقن ما سطره من أحداث ووقائع جرت أبان حرب الخليج، وفي اقتراب هيكل من كتابه هذا من قصة حرب الخليج يذكر نفسه بحقائق القوة، لان القوة هي طبيعة الأشياء في السياسة الدولية، فالقانون ليس سعيداً في صراعات العالم، ولكن حقائق القوة لها السيادة طول الوقت وموقفه في عرض العقبة موقف المستقبل،وهو في سبيل إعداد هذا الكتاب التقى وتناقش واستمع إلى كثيرين من رؤساء الدول والقادة والسياسيين والعسكريين في العالم العربي، كذلك فقد التقى لهذا الغرض وتناقش واستمع إلى كثيرين من المشاركين في صنع القرار في الولايات المتحدة وفي أوروبا، وقد سمح له البعض بالإطلاع على أوراق وتقارير رسمية، وسجلات معلومات كانت في حوزتهم بحكم المنصب والمسؤولية.
ويقول هيكل بأنه في محاولته هذه من رواية قصة ˝الحرب في الخليج˝ لا يصدر أحكاماً، وإنما هو يحاول بناء واقع من منطلق أن أي كاتب سياسي مطالب بالدرجة الأولى بأكبر قدر من الحقائق، وبأكبر قدر من الاجتهادات، وعلى أوسع دائرة ممكنة، وبهذا الأسلوب فإن القارئ يستطيع تكوين رأيه. بقي أخيرا لفت النظر إلى أن هيكل وضع أصل هذا الكتاب بالغة الإنجليزية لمؤسسة ˝هاربر كولينز˝ وقد قام بنفسه على ترجمته إلى اللغة العربية مضيفاً إلى النسخة العربية ما استجد في الفترة الفاصلة من الصدور بين النسخة الإنكليزية والعربية ما استجد فيها من معلومات وأفكار وجدها هامة ومناسبة.
.. وجربت أن أقترب من أزمة الخليج كتابة، وبالفعل كتبت، ولكن الأزمة أصبحت منذ ساعاتها الأولى، عاطفية بأكثر من اللازم.. شخصية بأكثر من اللازم.. و˝عسكرية بأكثر من اللازم˝.
وفي مثل هذه الأحوال عادة فإن الصدور ضيقة والأعصاب متوترة والأمزجة منحرفة، وليس هناك غير سؤال واحد مطروح على كل الناس بنعم أو لا؟. مع هذا أو ذاك؟. هنا أو هناك؟
وأعترف أنه طوال أزمة الخليج كان هذا النوع من الأسئلة وما يترتب عليه من خيارات. يبدو لي أسهل الحلول وأخطرها في نفس الوقت. سهل لأنه يعفى أصحابه من حق الاجتهاد، وخطر لأنه ينقل هذا الحق في الاجتهاد إلى إرادات أخرى لها أغراضها، وعندها خططها.
والغريب أن أطراف الأزمة الآخرين، والذين جعلوها عاطفية وشخصية وعسكرية كانوا يتحاورون لتحقيق هدف لم يكن عليه في النهاية خلاف، وهو ضرورة خروج العراق من الكويت. وقد ظل الكونجرس الأمريكي على سبيل المثال يناقش كل الممكنات إلى يوم 6 يناير 1991، أي قبل أيام معدودة من بدء الحرب ليلة 17 يناير 1991، وأما عندنا فقد توقف الحوار بعد ساعات من فجر 2 أغسطس 1990.
ومهما يكن، فإن هذا الكتاب يجئ بعد سنة من وقف إطلاق في حرب الخليج، ومن ثم فإني آمل أن يكون الفكر العربي قد تجاوز أزمة دهمته على غير انتظار، وحالة حصار أحاطت به على غير ضرورة. ❝
❞ ملخص كتاب ❞ قصة التتار (من البداية إلى عين جالوت)❝ بين أيدينا الآن حَدَثٌ من الأحداث المهمة جدًا في تاريخ المسلمين، بل وفي تاريخ الأرض بصفة عامة، وهو حَدَثْ ظهور قوة جديدة رهيبة على سطح الأرض في القرن السابع الهجري. وقد أدَّى ظهور هذه القوة إلى تغييرات هائلة في الدنيا بصفة عامة، وفي أرض الإسلام بصفة خاصة، تلك القوة هي (دولة التتار). وقصة التتار عجيبة حقًا، عجيبة بكل المقاييس، ولولا أنها موثَّقَة في كل المصادر، وبصورة تكاد تَكُون متطابقة في كثير من الأحيان؛ لقلنا أنها خيال، أو أغرب من الخيال. القصة عجيبة لأن التغيير فيها من ضعْف إلى قوة، أو من قوة إلى ضعْف لم يأخذ إلا وقتًا يسيرًا جدًا؛ فما هي إلا أعوام قليلة جدًا حتى يُعِز الله دولة ويُذِل أخرى، ثم تمر أعوام أخرى قليلة فيذل الله -عز وجل -الأولى ويعز الأخرى. والقصة عجيبة أيضًا للمبالَغة الشديدة في الأحداث؛ فهناك مبالَغة في الأرقام في كل حَدَث، مبالغة في أعداد القتلى، وفي أعداد الجيوش، وفي أعداد المدن المنهارة، وفي مساحات البلاد المحتلة، وفي أعداد الخيانات وأسلوبها. كما أن القصة عجيبة لشدة التطابق بينها وبين واقعنا الآن. 1- ظهور التتار: ظهرت دولة التتار في سنة (603هـ) تقريبًا، وكان ظهورها الأول في (منغوليا) في شمال (الصين)، وكان أول زعمائها هو (جنكيزخان). و (جنكيزخان) كلمة تعني: قاهر العالَم، أو مَلِك ملوك العالَم، واسمه الأصلي (تيموجين)، وكان رجلًا سفَّاكًا للدماء، وكان كذلك قائدًا عسكريًا شديد البأس، وكانت له القدرة على تجميع الناس حوله، وبدأ في التوسع تدريجيًّا في المناطق المحيطة به. وسرعان ما اتسعت مملكته حتى بَلَغَتْ حدودها من (كوريا) شرقًا إلى حدود الدولة الخوارزمية الإسلامية غربًا، ومن سهول (سيبريا) شمالًا إلى بحر (الصين) جنوبًا.
كان للتتار ديانة عجيبة هي خليط من أديان مختلِفة؛ فقد جَمَعَ (جنكيزخان) بعض الشرائع من الإسلام، والبعض من المسيحية، والبعض من البوذية، وأضاف من عنده شرائع أخرى، وأَخرج لهم في النهاية كتابًا جعله كالدستور للتتار، وسَمَّي هذا الكتاب بـِِِِـ (الياسك) أو (الياسق).. ❝ ⏤راغب السرجاني
ملخص كتاب ❞ قصة التتار (من البداية إلى عين جالوت)❝
بين أيدينا الآن حَدَثٌ من الأحداث المهمة جدًا في تاريخ المسلمين، بل وفي تاريخ الأرض بصفة عامة، وهو حَدَثْ ظهور قوة جديدة رهيبة على سطح الأرض في القرن السابع الهجري. وقد أدَّى ظهور هذه القوة إلى تغييرات هائلة في الدنيا بصفة عامة، وفي أرض الإسلام بصفة خاصة، تلك القوة هي (دولة التتار). وقصة التتار عجيبة حقًا، عجيبة بكل المقاييس، ولولا أنها موثَّقَة في كل المصادر، وبصورة تكاد تَكُون متطابقة في كثير من الأحيان؛ لقلنا أنها خيال، أو أغرب من الخيال. القصة عجيبة لأن التغيير فيها من ضعْف إلى قوة، أو من قوة إلى ضعْف لم يأخذ إلا وقتًا يسيرًا جدًا؛ فما هي إلا أعوام قليلة جدًا حتى يُعِز الله دولة ويُذِل أخرى، ثم تمر أعوام أخرى قليلة فيذل الله -عز وجل -الأولى ويعز الأخرى. والقصة عجيبة أيضًا للمبالَغة الشديدة في الأحداث؛ فهناك مبالَغة في الأرقام في كل حَدَث، مبالغة في أعداد القتلى، وفي أعداد الجيوش، وفي أعداد المدن المنهارة، وفي مساحات البلاد المحتلة، وفي أعداد الخيانات وأسلوبها. كما أن القصة عجيبة لشدة التطابق بينها وبين واقعنا الآن.
ظهرت دولة التتار في سنة (603هـ) تقريبًا، وكان ظهورها الأول في (منغوليا) في شمال (الصين)، وكان أول زعمائها هو (جنكيزخان). و (جنكيزخان) كلمة تعني: قاهر العالَم، أو مَلِك ملوك العالَم، واسمه الأصلي (تيموجين)، وكان رجلًا سفَّاكًا للدماء، وكان كذلك قائدًا عسكريًا شديد البأس، وكانت له القدرة على تجميع الناس حوله، وبدأ في التوسع تدريجيًّا في المناطق المحيطة به. وسرعان ما اتسعت مملكته حتى بَلَغَتْ حدودها من (كوريا) شرقًا إلى حدود الدولة الخوارزمية الإسلامية غربًا، ومن سهول (سيبريا) شمالًا إلى بحر (الصين) جنوبًا.
كان للتتار ديانة عجيبة هي خليط من أديان مختلِفة؛ فقد جَمَعَ (جنكيزخان) بعض الشرائع من الإسلام، والبعض من المسيحية، والبعض من البوذية، وأضاف من عنده شرائع أخرى، وأَخرج لهم في النهاية كتابًا جعله كالدستور للتتار، وسَمَّي هذا الكتاب بـِِِِـ (الياسك) أو (الياسق).
أَرسل الصليبيون وفدًا رفيع المستوى من (أوروبا) إلى (منغوليا)، وهي مسافة تزيد على اثني عشر ألف كيلو متر ذهابًا فقط، يحفزونهم على غزو بلاد المسلمين، وعلى إسقاط الخلافة العباسية، وعلى اقتحام (بغداد) درة العالم الإسلامي في ذلك الوقت، وعَظَّموا لهم جدًا من شأن الخلافة الإسلامية، وذَكَروا لهم أنهم -أي الصليبيين -سيَكونون عونًا لهم في بلاد المسلمين، وعينًا لهم هناك، وبذلك تم إغراء التتار إغراء كاملًا.
وقد حَدَث ما تَوقعه الصليبيون: سال لعاب التتار لأملاك الخلافة العباسية، وقرروا فعلًا غزو هذه البلاد الواسعة الغنية بثرواتها المليئة بالخيرات. هذا مع عدم توافق التتار مع الصليبيين في أمور كثيرة، بل ستدور بينهم بعد ذلك حروب في أماكن متفرقة من العالم، ولكنهم إذا واجهوا أمة الإسلام؛ فإنهم يوحِّدون صفوفهم لحرب الإسلام والمسلمين، وهذا الكلام ليس غريبًا؛ بل هو من الطُّرق الثابتة لأهل الباطل في حربهم مع المسلمين.
لا يستقيم أن يتعامل المسلمون بالمبدأ القائل: "عدوّ عدوّي صديقي"؛ بل لا بد أن يَعرف المسلمون أعداءهم، ولا بد أن يَعرفوا أيضًا أن عدوَّ عدوهم قد ....... [المزيد]
3- الهجوم التتريّ الأول
4- جُبْنٌ وخَوْف يُطْبِق على المكان والزمان
5- لم يَسْلَم من التتار أَحد
6- (هولاكو) والتجهيز لاجتياح (بغداد)
7- سقوط (بغداد) وتدمير المكتبة
8- اجتياح الشام
9- (قطز) ومعركة (عين جالوت)