❞ فخرج ﷺ من المدينة يوم الجمعة ، فلما صار بالشوط بين المدينة وأُحد ، انخزل عبد الله بن أبي بنحو ثلث العسكر وقال : تُخالفني وتسمعُ مِن غيري ، فتبعهم عبد الله بن عمرو بن حرام ، والد جابر بن عبد الله يوبخهم على الرجوع ، ويقول : تَعَالَوْا قاتِلُوا في سبيل الله ، أو ادفعوا ، قالوا : لو نَعلَمُ أنكم تُقاتلون ، لم نرجع ، فرجع عنهم ، وسَبَّهم ، وسأله قوم من الأنصار أن يستعينوا بحلفائهم من يهود ، فأبى ﷺ ، وسلك حرة بني حارثة، وقال ( مَنْ رَجُلٌ يَخْرُجُ بِنَا عَلَى القَوْمِ مِنْ كَثب؟ ) ، فخرج به بعض الأنصار حتى سلك في حائط لبعض المنافقين ، وكان أعمى ، فقام يحثو التراب في وجوه المسلمين ويقول : لا أُحِلُّ لك أن تدخُل في حائطي إن كنت رسول الله ، فابتدره القوم ليقتلوه، فقال ﷺ ( لا تقتلوه فهذا أعمى القلب أعمى البصر ) ، ونفذ رسول الله ﷺ حتى نزلَ الشَّعبَ مِن أُحد في عُدْوَةِ الوَادِي ، وجعل ظهره إلى أُحد ، ونهى الناس عَنِ القِتال حتى يأمرهم ، فلما أصبح يوم السبت ، تَعَبَّى للقتال ، وهو في سبعمئة ، فيهم خمسون فارساً ، واستعمل على الرماة ـ وكانوا خمسين ـ عبد الله بن جُبير ، وأمره وأصحابه أن يلزمُوا مركزهم ، وألا يُفارِقُوه ، ولو رأى الطير تتخطف العسكر ، وكانوا خلف الجيش وأمرَهُم أَنْ يَنْضَحُوا الْمُشْرِكِينَ بالنَّبْلِ ، لئلا يأتُوا المُسْلِمِينَ مِنْ وَرَائِهِم ، فظاهر رسول الله ﷺ بَيْنَ دِرْعَيْن يومَئِذٍ ، وأعطى اللواء مُصْعَبَ بنَ عُمير ، وجعل على إحدى المجنبتين الزبير بن العوام ، وعلى الأخرى المنذر بن عمرو ، واستعرض الشبابَ يومئذ فردَّ مَن استصغره عن القتال ، وكان منهم عبد الله بن عمر ، وأسامة بن زيد ، وأُسَيْدُ بن ظهير ، والبراء بن عازب ، وزيد بن أرقم ، وزيد بن ثابت ، وعَرَابة بن أوس ، وعمرو بنُ حَزْمٍ ، وأَجَازَ مَن رَآهُ مُطِيقاً ، وكان مِنهم سَمُرَةُ بنُ جُنْدَبٍ ، ورافع بن خديج ولهما خمس عشرة سنة ، فقيل : أجاز من أجاز لبلوغه بالسِّن خمس عشرة سنةٌ ، وردَّ مَن رَدَّ لِصغره عن سن البلوغ ، وقالت طائفة : إنما أجازَ مَنْ أجاز ، لإطاقته ، وردَّ من رَدَّ لعدم إطاقته ، ولا تأثير للبلوغ وعدمه في ذلك قالوا : وفي بعض ألفاظ حديث ابن عمر : فلما رآني مُطِيقاً ، أَجَازَني .
وتَعَبَّت قريش للقتال ، وهم في ثلاثة آلاف ، وفيهم مائتا فارس ، فجعلوا على ميمنتهم بن الوليد ، وعلى الميسرة عكرمة بن أبي جهل ، ودفع رسول الله سيفه إلى أبي دُجَانَة سِمَاكِ بنِ خَرَشَةَ ، وكان شُجاعاً بطلاً يَخْتَالُ عِند الحرب. ❝ ⏤محمد ابن قيم الجوزية
❞ فخرج ﷺ من المدينة يوم الجمعة ، فلما صار بالشوط بين المدينة وأُحد ، انخزل عبد الله بن أبي بنحو ثلث العسكر وقال : تُخالفني وتسمعُ مِن غيري ، فتبعهم عبد الله بن عمرو بن حرام ، والد جابر بن عبد الله يوبخهم على الرجوع ، ويقول : تَعَالَوْا قاتِلُوا في سبيل الله ، أو ادفعوا ، قالوا : لو نَعلَمُ أنكم تُقاتلون ، لم نرجع ، فرجع عنهم ، وسَبَّهم ، وسأله قوم من الأنصار أن يستعينوا بحلفائهم من يهود ، فأبى ﷺ ، وسلك حرة بني حارثة، وقال ( مَنْ رَجُلٌ يَخْرُجُ بِنَا عَلَى القَوْمِ مِنْ كَثب؟ ) ، فخرج به بعض الأنصار حتى سلك في حائط لبعض المنافقين ، وكان أعمى ، فقام يحثو التراب في وجوه المسلمين ويقول : لا أُحِلُّ لك أن تدخُل في حائطي إن كنت رسول الله ، فابتدره القوم ليقتلوه، فقال ﷺ ( لا تقتلوه فهذا أعمى القلب أعمى البصر ) ، ونفذ رسول الله ﷺ حتى نزلَ الشَّعبَ مِن أُحد في عُدْوَةِ الوَادِي ، وجعل ظهره إلى أُحد ، ونهى الناس عَنِ القِتال حتى يأمرهم ، فلما أصبح يوم السبت ، تَعَبَّى للقتال ، وهو في سبعمئة ، فيهم خمسون فارساً ، واستعمل على الرماة ـ وكانوا خمسين ـ عبد الله بن جُبير ، وأمره وأصحابه أن يلزمُوا مركزهم ، وألا يُفارِقُوه ، ولو رأى الطير تتخطف العسكر ، وكانوا خلف الجيش وأمرَهُم أَنْ يَنْضَحُوا الْمُشْرِكِينَ بالنَّبْلِ ، لئلا يأتُوا المُسْلِمِينَ مِنْ وَرَائِهِم ، فظاهر رسول الله ﷺ بَيْنَ دِرْعَيْن يومَئِذٍ ، وأعطى اللواء مُصْعَبَ بنَ عُمير ، وجعل على إحدى المجنبتين الزبير بن العوام ، وعلى الأخرى المنذر بن عمرو ، واستعرض الشبابَ يومئذ فردَّ مَن استصغره عن القتال ، وكان منهم عبد الله بن عمر ، وأسامة بن زيد ، وأُسَيْدُ بن ظهير ، والبراء بن عازب ، وزيد بن أرقم ، وزيد بن ثابت ، وعَرَابة بن أوس ، وعمرو بنُ حَزْمٍ ، وأَجَازَ مَن رَآهُ مُطِيقاً ، وكان مِنهم سَمُرَةُ بنُ جُنْدَبٍ ، ورافع بن خديج ولهما خمس عشرة سنة ، فقيل : أجاز من أجاز لبلوغه بالسِّن خمس عشرة سنةٌ ، وردَّ مَن رَدَّ لِصغره عن سن البلوغ ، وقالت طائفة : إنما أجازَ مَنْ أجاز ، لإطاقته ، وردَّ من رَدَّ لعدم إطاقته ، ولا تأثير للبلوغ وعدمه في ذلك قالوا : وفي بعض ألفاظ حديث ابن عمر : فلما رآني مُطِيقاً ، أَجَازَني .
وتَعَبَّت قريش للقتال ، وهم في ثلاثة آلاف ، وفيهم مائتا فارس ، فجعلوا على ميمنتهم بن الوليد ، وعلى الميسرة عكرمة بن أبي جهل ، ودفع رسول الله سيفه إلى أبي دُجَانَة سِمَاكِ بنِ خَرَشَةَ ، وكان شُجاعاً بطلاً يَخْتَالُ عِند الحرب. ❝
❞ متعة الصعاب
أرى مع تلك البساطة هناك مصاعب نحيا بها ونواجهها، رغم ذلك هناك سحر بهذه البساطة تجعلنا نعشقها ونتقبلها بصدرٍ رحب، وأما سحر الليل ليس هناك ما يشبهه، فجمال المنظر يجعلنا ننسى مصاعب اليوم ومشقته، ومع إحتساء كوب القهوة تحت المطر وسماع ألحان أغنية أم كلثوم ومشاركة الحديث مع قمري يجعلني أمحي كل مصاعب يومي وأعشق حياتي البسيطة، فجمال حياتي تكمن بمشاركة لحظاتي معكَ يا قمري، وهذه اللحظات هي التي تخطف روحي لعالم البسمة والراحة، رغم مصاعب اليوم وإرهاقه الذي يتملك جسدي، فرؤيتك في يومي تمحي كل تلك المصاعب، فحياتي بدونك ليس لها معنى يا قمري.
لـِ ندى العطفي
بيلا. ❝ ⏤Nada Elatfe
❞ متعة الصعاب
أرى مع تلك البساطة هناك مصاعب نحيا بها ونواجهها، رغم ذلك هناك سحر بهذه البساطة تجعلنا نعشقها ونتقبلها بصدرٍ رحب، وأما سحر الليل ليس هناك ما يشبهه، فجمال المنظر يجعلنا ننسى مصاعب اليوم ومشقته، ومع إحتساء كوب القهوة تحت المطر وسماع ألحان أغنية أم كلثوم ومشاركة الحديث مع قمري يجعلني أمحي كل مصاعب يومي وأعشق حياتي البسيطة، فجمال حياتي تكمن بمشاركة لحظاتي معكَ يا قمري، وهذه اللحظات هي التي تخطف روحي لعالم البسمة والراحة، رغم مصاعب اليوم وإرهاقه الذي يتملك جسدي، فرؤيتك في يومي تمحي كل تلك المصاعب، فحياتي بدونك ليس لها معنى يا قمري.
لـِ ندى العطفي
بيلا. ❝
❞ ● books-library.com :
❞ صاحبي مات ˝
لله الأمر وله الحكم
وطعم الحزن كما السم
مت يا صاحبي خلاص
مش حسمع صوتك تاني
طب مش حشوفك تاني
مت يا أبو القلب الطيب
طب استنى أشوفك يا حبيب
الموت قد كده مننا قريب
مت يا صاحب عمري
مين حيسأل تاني عني
مت يا ريحة الصبا
مت يا ضحكة هنا
حاشكي لمين تاني
مت وسيبتني وحداني
آه يا الباقي من ضحكتي
آه يا أنيس وحدتي
لو دمع الكون عليك ما يكفي
وحزن القلب وحده ما يوفي
مش لسه بدري علشان تسيبني
والله فراقك دا حيدبحني
سامحني يا صاحبي
أنا هنا في غربتي
مش حأقدر أشيل نعشك
ولا أبكي شوية جنب قبرك
ولا حأقدر أواسي أخواتك وأمك
ولا حاحضن بقلبي ولدك
سامحني يا أعز أصحابي
بس لما تروح لربك وربي
قله إني كنت بعزك آه وربي
سامحني يا صاحبي
....
والله يا تراب لولا خوفي من ربي
لأنبشك حباية حباية بيدي
لأجل أشوف صاحبي
مكنش العشم يا قبر تخطفه بدري
دا كان أخويا وصاحب عمري
وكانت القعدة معاه كل فرحي
....
كان اسمه عيسى وكان أحمد
وكان في حزني معاي يتوحد
أشكيله غربتي يقولي اجمد
....
هان عليك يا تراب تغطيه
كان قلى وأنا كنت من عمري أديه
بس والله لافضل عمري كله أبكي عليه
مع السلامة يا صاحبي. ❝ ⏤. ❝ ⏤منصور بدوى عبدالله
❞ ● books-library.com :
❞ صاحبي مات ˝
لله الأمر وله الحكم
وطعم الحزن كما السم
مت يا صاحبي خلاص
مش حسمع صوتك تاني
طب مش حشوفك تاني
مت يا أبو القلب الطيب
طب استنى أشوفك يا حبيب
الموت قد كده مننا قريب
مت يا صاحب عمري
مين حيسأل تاني عني
مت يا ريحة الصبا
مت يا ضحكة هنا
حاشكي لمين تاني
مت وسيبتني وحداني
آه يا الباقي من ضحكتي
آه يا أنيس وحدتي
لو دمع الكون عليك ما يكفي
وحزن القلب وحده ما يوفي
مش لسه بدري علشان تسيبني
والله فراقك دا حيدبحني
سامحني يا صاحبي
أنا هنا في غربتي
مش حأقدر أشيل نعشك
ولا أبكي شوية جنب قبرك
ولا حأقدر أواسي أخواتك وأمك
ولا حاحضن بقلبي ولدك
سامحني يا أعز أصحابي
بس لما تروح لربك وربي
قله إني كنت بعزك آه وربي
سامحني يا صاحبي
..
والله يا تراب لولا خوفي من ربي
لأنبشك حباية حباية بيدي
لأجل أشوف صاحبي
مكنش العشم يا قبر تخطفه بدري
دا كان أخويا وصاحب عمري
وكانت القعدة معاه كل فرحي
..
كان اسمه عيسى وكان أحمد
وكان في حزني معاي يتوحد
أشكيله غربتي يقولي اجمد
..
هان عليك يا تراب تغطيه
كان قلى وأنا كنت من عمري أديه
بس والله لافضل عمري كله أبكي عليه
مع السلامة يا صاحبي. ❝ ⏤. ❝
❞ أنت حينما تنام .. تتحول إلى شجرة
هناك زر كهربائي في المخ ينطفئ في لحظة النوم .. فيسود الظلام و تسود الغيبوبة .. و تمر الشخصية بحالة
غرق و يتحول الإنسان إلى شجرة .. إلى نبات بدائي .. إلى شيء تستمر فيه الحياة على شكل وظائف
.. دورة الدم تجري .. النفس يتردد .. الخلايا تفرز .. الأمعاء
تهضم .. كل هذا يتم بطريقة تلقائية و
الجسد ممدد بلا حراك .. تماماً مثل نبات مغروس في الأرض تجري فيه العصارة و تنمو الخلايا و تتنفس
من أكسوجين الجو
.
إنها لحظة غريبة يسقط فيها الجسد في هوة التعب و العجز .
و يستحيل عليه التعبير عن روحه و معنوياته الراقية فيأخذ إجازة .. و يعود ملايين السنين إلى الوراء ..
ليعيش بطريقة بدائية كما كان يعيش النبات .. حياة مريحة لا تكلف جهداً
..
إن سر الموت يكمن في لغز النوم .. لأن النوم هو نصف الطريق إلى الموت , نصف الإنسان الراقي يموت
أثناء النوم .. شخصيته تموت .. عقله يموت .. و يتحول إلى كائن منحط مثل الإسفنج و الطحلب
يتنفس و ينمو بلا وعي .. و كأنه فقد الروح .
إنه يقطع نصف الطريق إلى التراب .. و يعود مليون سنة إلى الخلف ..
يعود عقله الواعي إلى ينبوعه الباطن . و تعود شخصيته الواعية إلى ينبوعها الطبيعي الذي يعمل في غيبوبة
كما تعمل العصارة في لحاء الشجر .. و يلتقي الإنسان بخاماته الطبيعية .. بجسده و ترابه و مادته و الجزء
اللاوعي من وجوده
..
إن الشعراء يقولون أن لحظات النهار سطحية لأن ألوان النهار البراقة تخطف الانتباه .. و لحظات الليل
عميقة لأن الليل يهتك هذا الستار البراق و يفك أغلال الانتباه فيغوص في أعماق الأشياء ..
و أنا أقول أن لحظة النعاس هي أعمق اللحظات لأنها تهتك ستاراً آخر و هو ستار الألفة .
النعاس يمحو الألفة بيني و بين الأشياء فتبدو غريبة مدهشة مما يدعوني أحياناً إلى التساؤل .. و أنا أنظر
حولي في غرفة نومي بين النوم و اليقظة .. و أهمس : أنا فين ؟
إني لا أتعرف على سريري .. و لا أتعرف على دولابي .. و تسقط الألفة تماماً بيني و بين غرفتي فتبدو
غريبة ..
و هذه اللحظة عميقة .. لأن العقل يخرج فيها من إطار ظروفه و يتحرر من الألفة تماماً بيني و بين غرفتي
فتبدو غريبة ..
و هذه اللحظة لحظة عميقة .. لأن العقل يخرج فيها من إطار ظروفه و يتحرر من الألفة و التعود و
الأحكام العادية و ينظر حوله من جديد .. ليصدر أحكاماً جديدة أكثر تحرراً .. و إلهاماً .
و الأنبياء كانوا يتلقون إلهامهم في هذه اللحظة .. و كأن الوحي يأتيهم بين النعاس و الغيبوبة
..
و نيوتن اكتشف قانون الجاذبية في هذه اللحظة .. و هو ينظر بعين نعسانة إلى تفاحة تسقط من الشجرة
.. لقد أحس أن سقوط التفاحة أمر غير مألوف .. و أن التفاحة لا يمكن أن تسقط على الأرض .. و إنما
الأرض هي التي يجب أن تجذبها ..
و كل المخترعين و المؤلفين و الشعراء و المفكرين .. تفتقت أذهانهم في هذه اللحظة .. لأنها اللحظة
الحرجة التي سقط فيها المألوف .. و المعتاد .. و لمعت الحياة بالدهشة .. و برق العقل بأسئلة جديدة تماماً
.. لم يكن ليلقيها لو كان في كامل يقظته .. و كامل ارتباطه بالأشياء
..
و الفرق بين النبي .. و العبقري .. في تلك اللحظة هي مساحة الرؤيا التي تنكشف لكل واحد .
النبي يشبه جهاز تلفزيون به مليون صمام .. مساحة الرؤيا فيه شاسعة .. و قدرة استقباله كبيرة .. فهو
يستطيع أن يستقبل صوراً من المريخ على شاشة بانورامية عريضة لأنه مؤيد بوسائل إلهية
.
و العبقري هو جهاز ترانزيستور صغير يكاد يستمع إلى محطة القاهرة بالسعودية .. لأنه يعتمد على
اجتهاد الخاطر الذي قد يخطئ و قد يصيب ..
و لكن الاثنين يسبحان جنباً إلى جنب في بحر الحقائق
و النوم في حقيقته يقظة عميقة .. تتيقظ فيه الوظائف
الأصلية .. فتنتظم دورة الدم .. و ينتظم التنفس .. و ينتظم الهضم .. و الإمتصاص و الإفراز و يتوقف الهدم .. و يبدأ النمو و البناء و يقل الإحتراق الذي يحدث في النهار
و تتيقظ رغبات أكثر أصالة من رغبات النهار .. الغرائز كلها تتيقظ و تعمل .. و تنشر نشاطها في الأحلام .. و تفضح نزواتها على مسرح رمزي مبهم لا يستطيع فك رموزه و طلاسمه إلا صاحبه
و يدخل النوم بعد هذا في مرحلة أعمق .. هي النوم الثقيل .. و هي مرحلة تخلو من الإحساس تماماً.. و تخلو من الأحلام أيضاً.. مرحلة من الظلام .. و العدم .. و هوّة بعيدة الغور .. و مساحة مشطوبة من الحياة .. ليس فيها وعي و لا زمن .. و لا مكان .. العشر ساعات تمر فيها كلمح الطرف بين غمضة العين و انتباهتها .. بدون إحساس بالمدة .. و كأن خيط العمر انقطع فجأة .. كما يحدث حينما نقطع أشرطة التسجيل ثم
نوصلها من جديد ليستمر سياق الكلام كما نريد ..
السياق الزمني في النوم غريب
إنه زمن آخر غير زمن الساعة .. فالحلم قد يحتوي على أحداث سنة كاملة بتفاصيلها من حب إلى زواج إلى طلاق إلى جريمة و مع هذا لا يستغرق بحساب الساعة أكثر من ثانية ..
و العكس يحدث أحياناً فتمر على النائم عشر ساعات و في ظنه أن عقرب الساعة لم يتحرك إلا دقائق معدودة ..
الزمن يتخلص من قيود الساعة أثناء النوم .. و يخضع لتقدير آخر هو تقدير المخيلة التي توسع و تضيق فيه على حسب ازدحامها بالحوادث و الرغبات .. إنه من صناعة النائم و خلقه .. فهو ذاتي صرف ..
النائم كالفنان الذي يؤلف قصة .. يخلق زمن القصة كما يريد .. و يعيش في قمقم خرافي من أوهامه .. يتمطى فيه و يصرخ بالرغبة التي يحبها .. في حرية مطلقة تصل إلى حد العبث ..
ومعظم أحلامنا عبث في عبث .. و أمنيات مستحيلة .. و لكننا نعيشها كما نريدها ونحن نائمون ..
و النوم أرخص أنواع الحياة من حيث الكلفة .. فمقدار السكر و الأكسجين الذي يحتاجه النائم ليستمر في الحياة أقل بكثير من المقدار الذي يحتاجه في اليقظة .
و الإنسان الذي يعيش مائة سنة بين نوم و يقظة يستطيع أن يعيش ثلاثمائة سنة إذا عمل على حسابه أن ينامها كلها ..
و مادة النوم رخيصة .. لأن الإنسان يقترب فيه من التراب .. ويعود إلى الآلية الكيميائية المتأصلة في خلاياه من بداية الحياة ...
. ❝ ⏤مصطفى محمود
❞ أنت حينما تنام . تتحول إلى شجرة
هناك زر كهربائي في المخ ينطفئ في لحظة النوم . فيسود الظلام و تسود الغيبوبة . و تمر الشخصية بحالة
غرق و يتحول الإنسان إلى شجرة . إلى نبات بدائي . إلى شيء تستمر فيه الحياة على شكل وظائف
. دورة الدم تجري . النفس يتردد . الخلايا تفرز . الأمعاء
تهضم . كل هذا يتم بطريقة تلقائية و
الجسد ممدد بلا حراك . تماماً مثل نبات مغروس في الأرض تجري فيه العصارة و تنمو الخلايا و تتنفس
من أكسوجين الجو
.
إنها لحظة غريبة يسقط فيها الجسد في هوة التعب و العجز .
و يستحيل عليه التعبير عن روحه و معنوياته الراقية فيأخذ إجازة . و يعود ملايين السنين إلى الوراء .
ليعيش بطريقة بدائية كما كان يعيش النبات . حياة مريحة لا تكلف جهداً
.
إن سر الموت يكمن في لغز النوم . لأن النوم هو نصف الطريق إلى الموت , نصف الإنسان الراقي يموت
أثناء النوم . شخصيته تموت . عقله يموت . و يتحول إلى كائن منحط مثل الإسفنج و الطحلب
يتنفس و ينمو بلا وعي . و كأنه فقد الروح .
إنه يقطع نصف الطريق إلى التراب . و يعود مليون سنة إلى الخلف .
يعود عقله الواعي إلى ينبوعه الباطن . و تعود شخصيته الواعية إلى ينبوعها الطبيعي الذي يعمل في غيبوبة
كما تعمل العصارة في لحاء الشجر . و يلتقي الإنسان بخاماته الطبيعية . بجسده و ترابه و مادته و الجزء
اللاوعي من وجوده
.
إن الشعراء يقولون أن لحظات النهار سطحية لأن ألوان النهار البراقة تخطف الانتباه . و لحظات الليل
عميقة لأن الليل يهتك هذا الستار البراق و يفك أغلال الانتباه فيغوص في أعماق الأشياء .
و أنا أقول أن لحظة النعاس هي أعمق اللحظات لأنها تهتك ستاراً آخر و هو ستار الألفة .
النعاس يمحو الألفة بيني و بين الأشياء فتبدو غريبة مدهشة مما يدعوني أحياناً إلى التساؤل . و أنا أنظر
حولي في غرفة نومي بين النوم و اليقظة . و أهمس : أنا فين ؟
إني لا أتعرف على سريري . و لا أتعرف على دولابي . و تسقط الألفة تماماً بيني و بين غرفتي فتبدو
غريبة .
و هذه اللحظة عميقة . لأن العقل يخرج فيها من إطار ظروفه و يتحرر من الألفة تماماً بيني و بين غرفتي
فتبدو غريبة .
و هذه اللحظة لحظة عميقة . لأن العقل يخرج فيها من إطار ظروفه و يتحرر من الألفة و التعود و
الأحكام العادية و ينظر حوله من جديد . ليصدر أحكاماً جديدة أكثر تحرراً . و إلهاماً .
و الأنبياء كانوا يتلقون إلهامهم في هذه اللحظة . و كأن الوحي يأتيهم بين النعاس و الغيبوبة
.
و نيوتن اكتشف قانون الجاذبية في هذه اللحظة . و هو ينظر بعين نعسانة إلى تفاحة تسقط من الشجرة
. لقد أحس أن سقوط التفاحة أمر غير مألوف . و أن التفاحة لا يمكن أن تسقط على الأرض . و إنما
الأرض هي التي يجب أن تجذبها .
و كل المخترعين و المؤلفين و الشعراء و المفكرين . تفتقت أذهانهم في هذه اللحظة . لأنها اللحظة
الحرجة التي سقط فيها المألوف . و المعتاد . و لمعت الحياة بالدهشة . و برق العقل بأسئلة جديدة تماماً
. لم يكن ليلقيها لو كان في كامل يقظته . و كامل ارتباطه بالأشياء
.
و الفرق بين النبي . و العبقري . في تلك اللحظة هي مساحة الرؤيا التي تنكشف لكل واحد .
النبي يشبه جهاز تلفزيون به مليون صمام . مساحة الرؤيا فيه شاسعة . و قدرة استقباله كبيرة . فهو
يستطيع أن يستقبل صوراً من المريخ على شاشة بانورامية عريضة لأنه مؤيد بوسائل إلهية
.
و العبقري هو جهاز ترانزيستور صغير يكاد يستمع إلى محطة القاهرة بالسعودية . لأنه يعتمد على
اجتهاد الخاطر الذي قد يخطئ و قد يصيب .
و لكن الاثنين يسبحان جنباً إلى جنب في بحر الحقائق
و النوم في حقيقته يقظة عميقة . تتيقظ فيه الوظائف
الأصلية . فتنتظم دورة الدم . و ينتظم التنفس . و ينتظم الهضم . و الإمتصاص و الإفراز و يتوقف الهدم . و يبدأ النمو و البناء و يقل الإحتراق الذي يحدث في النهار
و تتيقظ رغبات أكثر أصالة من رغبات النهار . الغرائز كلها تتيقظ و تعمل . و تنشر نشاطها في الأحلام . و تفضح نزواتها على مسرح رمزي مبهم لا يستطيع فك رموزه و طلاسمه إلا صاحبه
و يدخل النوم بعد هذا في مرحلة أعمق . هي النوم الثقيل . و هي مرحلة تخلو من الإحساس تماماً. و تخلو من الأحلام أيضاً. مرحلة من الظلام . و العدم . و هوّة بعيدة الغور . و مساحة مشطوبة من الحياة . ليس فيها وعي و لا زمن . و لا مكان . العشر ساعات تمر فيها كلمح الطرف بين غمضة العين و انتباهتها . بدون إحساس بالمدة . و كأن خيط العمر انقطع فجأة . كما يحدث حينما نقطع أشرطة التسجيل ثم
نوصلها من جديد ليستمر سياق الكلام كما نريد .
السياق الزمني في النوم غريب
إنه زمن آخر غير زمن الساعة . فالحلم قد يحتوي على أحداث سنة كاملة بتفاصيلها من حب إلى زواج إلى طلاق إلى جريمة و مع هذا لا يستغرق بحساب الساعة أكثر من ثانية .
و العكس يحدث أحياناً فتمر على النائم عشر ساعات و في ظنه أن عقرب الساعة لم يتحرك إلا دقائق معدودة .
الزمن يتخلص من قيود الساعة أثناء النوم . و يخضع لتقدير آخر هو تقدير المخيلة التي توسع و تضيق فيه على حسب ازدحامها بالحوادث و الرغبات . إنه من صناعة النائم و خلقه . فهو ذاتي صرف .
النائم كالفنان الذي يؤلف قصة . يخلق زمن القصة كما يريد . و يعيش في قمقم خرافي من أوهامه . يتمطى فيه و يصرخ بالرغبة التي يحبها . في حرية مطلقة تصل إلى حد العبث .
ومعظم أحلامنا عبث في عبث . و أمنيات مستحيلة . و لكننا نعيشها كما نريدها ونحن نائمون .
و النوم أرخص أنواع الحياة من حيث الكلفة . فمقدار السكر و الأكسجين الذي يحتاجه النائم ليستمر في الحياة أقل بكثير من المقدار الذي يحتاجه في اليقظة .
و الإنسان الذي يعيش مائة سنة بين نوم و يقظة يستطيع أن يعيش ثلاثمائة سنة إذا عمل على حسابه أن ينامها كلها .
و مادة النوم رخيصة . لأن الإنسان يقترب فيه من التراب . ويعود إلى الآلية الكيميائية المتأصلة في خلاياه من بداية الحياة. ❝