❞ قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَىٰ أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94)
قالوا ياذا القرنين أي قالت له أمة من الإنس صالحة .
إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض قال الأخفش : من همز يأجوج فجعل الألفين من الأصل يقول : يأجوج يفعول ومأجوج مفعول كأنه من أجيج النار . قال : ومن لا يهمز ويجعل الألفين زائدتين يقول : " ياجوج " من يججت وماجوج من مججت وهما غير مصروفين ; قال رؤبة :
لو أن ياجوج وماجوج معا وعاد عاد واستجاشوا تبعا
ذكره الجوهري . وقيل : إنما لم ينصرفا لأنهما اسمان أعجميان ، مثل طالوت وجالوت غير مشتقين ; علتاهما في منع الصرف العجمة والتعريف والتأنيث . وقالت فرقة : هو معرب من أج وأجج علتاهما في منع الصرف التعريف والتأنيث . وقال أبو علي : يجوز أن يكونا عربيين ; فمن همز يأجوج فهو على وزن يفعول مثل يربوع ، من قولك أجت النار أي ضويت ، ومنه الأجيج ، ومنه ملح أجاج ، ومن لم يهمز أمكن أن يكون خفف الهمزة فقلبها ألفا مثل رأس ، وأما مأجوج فهو مفعول من أج ، والكلمتان من أصل واحد في الاشتقاق ومن لم يهمز فيجوز أن يكون خفف الهمزة ، ويجوز أن يكون فاعولا من مج ، وترك الصرف فيهما للتأنيث والتعريف كأنه اسم للقبيلة . واختلف في إفسادهم ; سعيد بن عبد العزيز : إفسادهم أكل بني آدم . وقالت فرقة : إفسادهم إنما كان متوقعا ، أي سيفسدون ، فطلبوا وجه التحرز منهم . وقالت فرقة : إفسادهم هو الظلم والغشم والقتل وسائر وجوه الإفساد المعلوم من البشر ، والله أعلم . وقد وردت أخبار بصفتهم وخروجهم وأنهم ولد يافث . روى أبو هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ولد لنوح سام وحام ويافث فولد سام العرب وفارس والروم والخير فيهم وولد يافث يأجوج ومأجوج والترك والصقالبة ولا خير فيهم وولد حام القبط والبربر والسودان . وقال كعب الأحبار : احتلم آدم - عليه السلام - فاختلط ماؤه بالتراب فأسف فخلقوا من ذلك الماء ، فهم متصلون بنا من جهة الأب لا من جهة الأم . وهذا فيه نظر ; لأن الأنبياء - صلوات الله عليهم - لا يحتلمون ، وإنما هم من ولد يافث ، وكذلك قال مقاتل وغيره . وروى أبو سعيد الخدري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : لا يموت رجل منهم حتى يولد لصلبه ألف رجل . يعني يأجوج ومأجوج . وقال أبو سعيد : هم خمس وعشرون قبيلة من وراء يأجوج ومأجوج لا يموت الرجل من هؤلاء ومن يأجوج ومأجوج حتى يخرج من صلبه ألف رجل ذكره القشيري . وقال عبد الله بن مسعود : سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - عن يأجوج ومأجوج ، فقال - عليه الصلاة والسلام - : يأجوج ومأجوج أمتان كل أمة أربعمائة ألف أمة كل أمة لا يعلم عددها إلا الله لا يموت الرجل منهم حتى يولد له ألف ذكر من صلبه كلهم قد حمل السلاح قيل : يا رسول الله صفهم لنا . قال : ( هم ثلاثة أصناف صنف منهم أمثال الأرز - شجر بالشام طول الشجرة عشرون ومائة ذراع - وصنف عرضه وطوله سواء نحوا من الذراع وصنف يفترش أذنه ويلتحف بالأخرى لا يمرون بفيل ولا وحش ولا خنزير إلا أكلوه ويأكلون من مات منهم مقدمتهم بالشام وساقتهم بخراسان يشربون أنهار الشرق وبحيرة طبرية فيمنعهم الله من مكة والمدينة وبيت المقدس . وقال علي - رضي الله - تعالى - عنه - : ( وصنف منهم في طول شبر ، لهم مخالب وأنياب السباع ، وتداعي الحمام ، وتسافد البهائم ، وعواء الذئاب ، وشعور تقيهم الحر والبرد ، وأذان عظام إحداها وبرة يشتون فيها ، والأخرى جلدة يصيفون فيها ، ويحفرون السد حتى كادوا ينقبونه فيعيده الله كما كان ، فيقولون : ننقبه غدا إن شاء الله - تعالى - فينقبونه ويخرجون ، ويتحصن الناس بالحصون ، فيرمون إلى السماء فيرد السهم عليهم ملطخا بالدم ، ثم يهلكهم الله - تعالى - بالنغف في رقابهم ) . ذكره الغزنوي . وقال علي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : يأجوج أمة لها أربعمائة أمير وكذا مأجوج لا يموت أحدهم حتى ينظر إلى ألف فارس من ولده .
قلت : وقد جاء مرفوعا من حديث أبي هريرة ، خرجه ابن ماجه في السنن قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن يأجوج ومأجوج يحفران كل يوم حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال الذي عليهم ارجعوا فستحفرونه غدا فيعيده الله أشد ما كان حتى إذا بلغت مدتهم وأراد الله - تعالى - أن يبعثهم على الناس حفروا حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال ارجعوا فستحفرونه غدا إن شاء الله - تعالى - فاستثنوا فيعودون إليه وهو كهيئته حين تركوه فيحفرونه ويخرجون على الناس فينشفون الماء ويتحصن الناس منهم في حصونهم فيرمون بسهامهم إلى السماء فيرجع عليها الدم - الذي أحفظ - فيقولون قهرنا أهل الأرض وعلونا أهل السماء فيبعث الله - تعالى - عليهم نغفا في أقفائهم فيقتلهم بها قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : والذي نفسي بيده إن دواب الأرض لتسمن وتشكر شكرا من لحومهم قال الجوهري شكرت الناقة تشكر شكرا فهي شكرة ; وأشكر الضرع امتلأ لبنا .
وقال وهب بن منبه : رآهم ذو القرنين ، وطول الواحد منهم مثل نصف الرجل المربوع منا ، لهم مخاليب في مواضع الأظفار وأضراس وأنياب كالسباع ، وأحناك كأحناك الإبل ، وهم هلب عليهم من الشعر ما يواريهم ، ولكل واحد منهم أذنان عظيمتان ، يلتحف إحداهما ويفترش الأخرى ، وكل واحد منهم قد عرف أجله لا يموت حتى يخرج له من صلبه ألف رجل إن كان ذكرا ، ومن رحمها ألف أنثى إن كانت أنثى . وقال السدي والضحاك : الترك شرذمة من يأجوج ومأجوج خرجت تغير ، فجاء ذو القرنين فضرب السد فبقيت في هذا الجانب . قال السدي : بني السد على إحدى وعشرين قبيلة ، وبقيت منهم قبيلة واحدة دون السد فهم الترك . وقاله قتادة .
قلت : وإذا كان هذا ، فقد نعت النبي - صلى الله عليه وسلم - الترك كما نعت يأجوج ومأجوج ، فقال - عليه الصلاة والسلام - : لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون الترك قوما وجوههم كالمجان المطرقة يلبسون الشعر ويمشون في الشعر في رواية ينتعلون الشعر خرجه مسلم وأبو داود وغيرهما . ولما علم النبي - صلى الله عليه وسلم - عددهم وكثرتهم وحدة شوكتهم قال - عليه الصلاة والسلام - : اتركوا الترك ما تركوكم . وقد خرج منهم في هذا الوقت أمم لا يحصيهم إلا الله - تعالى - ، ولا يردهم عن المسلمين إلا الله - تعالى - ، حتى كأنهم يأجوج ومأجوج أو مقدمتهم . وروى أبو داود عن أبي بكرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ينزل ناس من أمتي بغائط يسمونه البصرة عند نهر يقال له دجلة يكون عليه جسر يكثر أهلها وتكون من أمصار المهاجرين - قال ابن يحيى قال أبو معمر وتكون من أمصار المسلمين فإذا كان في آخر الزمان جاء بنو قنطوراء عراض الوجوه صغار الأعين حتى ينزلوا على شاطئ النهر فيتفرق أهلها ثلاث فرق فرقة يأخذون أذناب البقر والبرية وهلكوا وفرقة يأخذون لأنفسهم وكفروا وفرقة يجعلون ذراريهم خلف ظهورهم ويقاتلونهم وهم الشهداء الغائط المطمئن من الأرض والبصرة الحجارة الرخوة وبها سميت البصرة وبنو قنطوراء هم الترك يقال : إن قنطوراء اسم جارية كانت لإبراهيم - صلوات الله وسلامه عليه - ، ولدت له أولادا جاء من نسلهم الترك .
قوله تعالى : فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا
فيه مسألتان :
الأولى : قوله تعالى : فهل نجعل لك خرجا استفهام على جهة حسن الأدب خرجا أي جعلا وقرئ " خراجا " والخرج أخص من الخراج يقال : أد خرج رأسك وخراج مدينتك وقال الأزهري : الخراج يقع على الضريبة ، ويقع على مال الفيء ، ويقع على الجزية وعلى الغلة والخراج اسم لما يخرج من الفرائض في الأموال . والخرج : المصدر .
وقوله تعالى : على أن تجعل بيننا وبينهم سدا أي ردما ; والردم ما جعل بعضه على بعض حتى يتصل وثوب مردم أي مرقع ، قاله الهروي يقال : ردمت الثلمة أردمها بالكسر ردما أي سددتها والردم أيضا الاسم وهو السد وقيل : الردم أبلغ من السد إذ السد كل ما يسد به والردم وضع الشيء على الشيء من حجارة أو تراب أو نحوه حتى يقوم من ذلك حجاب منيع ومنه ردم ثوبه إذا رقعه برقاع متكاثفة بعضها فوق بعض ومنه قول عنترة :
هل غادر الشعراء من متردم
أي من قول يركب بعضه على بعض . وقرئ سدا بالفتح في السين ، فقال الخليل وسيبويه : الضم هو الاسم والفتح المصدر . وقال الكسائي : الفتح والضم لغتان بمعنى واحد وقال عكرمة وأبو عمرو بن العلاء وأبو عبيدة : ما كان من خلقة الله لم يشاركه فيه أحد بعمل فهو بالضم ، وما كان من صنع البشر فهو بالفتح . ويلزم أهل هذه المقالة أن يقرءوا سدا بالفتح وقبله بين السدين بالضم ، وهي قراءة حمزة والكسائي . وقال أبو حاتم عن ابن عباس وعكرمة عكس ما قال أبو عبيدة . وقال ابن أبي إسحاق : ما رأته عيناك فهو سد بالضم وما لا ترى فهو سد بالفتح .
الثانية : في هذه الآية دليل على اتخاذ السجون ، وحبس أهل الفساد فيها ، ومنعهم من التصرف لما يريدونه ، ولا يتركون وما هم عليه ، بل يوجعون ضربا ويحبسون أو يكلفون ويطلقون كما فعل عمر - رضي الله عنه - .. ❝ ⏤محمد بن صالح العثيمين
❞ قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَىٰ أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94)
قالوا ياذا القرنين أي قالت له أمة من الإنس صالحة .
إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض قال الأخفش : من همز يأجوج فجعل الألفين من الأصل يقول : يأجوج يفعول ومأجوج مفعول كأنه من أجيج النار . قال : ومن لا يهمز ويجعل الألفين زائدتين يقول : " ياجوج " من يججت وماجوج من مججت وهما غير مصروفين ; قال رؤبة :
لو أن ياجوج وماجوج معا وعاد عاد واستجاشوا تبعا
ذكره الجوهري . وقيل : إنما لم ينصرفا لأنهما اسمان أعجميان ، مثل طالوت وجالوت غير مشتقين ; علتاهما في منع الصرف العجمة والتعريف والتأنيث . وقالت فرقة : هو معرب من أج وأجج علتاهما في منع الصرف التعريف والتأنيث . وقال أبو علي : يجوز أن يكونا عربيين ; فمن همز يأجوج فهو على وزن يفعول مثل يربوع ، من قولك أجت النار أي ضويت ، ومنه الأجيج ، ومنه ملح أجاج ، ومن لم يهمز أمكن أن يكون خفف الهمزة فقلبها ألفا مثل رأس ، وأما مأجوج فهو مفعول من أج ، والكلمتان من أصل واحد في الاشتقاق ومن لم يهمز فيجوز أن يكون خفف الهمزة ، ويجوز أن يكون فاعولا من مج ، وترك الصرف فيهما للتأنيث والتعريف كأنه اسم للقبيلة . واختلف في إفسادهم ; سعيد بن عبد العزيز : إفسادهم أكل بني آدم . وقالت فرقة : إفسادهم إنما كان متوقعا ، أي سيفسدون ، فطلبوا وجه التحرز منهم . وقالت فرقة : إفسادهم هو الظلم والغشم والقتل وسائر وجوه الإفساد المعلوم من البشر ، والله أعلم . وقد وردت أخبار بصفتهم وخروجهم وأنهم ولد يافث . روى أبو هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ولد لنوح سام وحام ويافث فولد سام العرب وفارس والروم والخير فيهم وولد يافث يأجوج ومأجوج والترك والصقالبة ولا خير فيهم وولد حام القبط والبربر والسودان . وقال كعب الأحبار : احتلم آدم - عليه السلام - فاختلط ماؤه بالتراب فأسف فخلقوا من ذلك الماء ، فهم متصلون بنا من جهة الأب لا من جهة الأم . وهذا فيه نظر ; لأن الأنبياء - صلوات الله عليهم - لا يحتلمون ، وإنما هم من ولد يافث ، وكذلك قال مقاتل وغيره . وروى أبو سعيد الخدري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : لا يموت رجل منهم حتى يولد لصلبه ألف رجل . يعني يأجوج ومأجوج . وقال أبو سعيد : هم خمس وعشرون قبيلة من وراء يأجوج ومأجوج لا يموت الرجل من هؤلاء ومن يأجوج ومأجوج حتى يخرج من صلبه ألف رجل ذكره القشيري . وقال عبد الله بن مسعود : سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - عن يأجوج ومأجوج ، فقال - عليه الصلاة والسلام - : يأجوج ومأجوج أمتان كل أمة أربعمائة ألف أمة كل أمة لا يعلم عددها إلا الله لا يموت الرجل منهم حتى يولد له ألف ذكر من صلبه كلهم قد حمل السلاح قيل : يا رسول الله صفهم لنا . قال : ( هم ثلاثة أصناف صنف منهم أمثال الأرز - شجر بالشام طول الشجرة عشرون ومائة ذراع - وصنف عرضه وطوله سواء نحوا من الذراع وصنف يفترش أذنه ويلتحف بالأخرى لا يمرون بفيل ولا وحش ولا خنزير إلا أكلوه ويأكلون من مات منهم مقدمتهم بالشام وساقتهم بخراسان يشربون أنهار الشرق وبحيرة طبرية فيمنعهم الله من مكة والمدينة وبيت المقدس . وقال علي - رضي الله - تعالى - عنه - : ( وصنف منهم في طول شبر ، لهم مخالب وأنياب السباع ، وتداعي الحمام ، وتسافد البهائم ، وعواء الذئاب ، وشعور تقيهم الحر والبرد ، وأذان عظام إحداها وبرة يشتون فيها ، والأخرى جلدة يصيفون فيها ، ويحفرون السد حتى كادوا ينقبونه فيعيده الله كما كان ، فيقولون : ننقبه غدا إن شاء الله - تعالى - فينقبونه ويخرجون ، ويتحصن الناس بالحصون ، فيرمون إلى السماء فيرد السهم عليهم ملطخا بالدم ، ثم يهلكهم الله - تعالى - بالنغف في رقابهم ) . ذكره الغزنوي . وقال علي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : يأجوج أمة لها أربعمائة أمير وكذا مأجوج لا يموت أحدهم حتى ينظر إلى ألف فارس من ولده .
قلت : وقد جاء مرفوعا من حديث أبي هريرة ، خرجه ابن ماجه في السنن قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن يأجوج ومأجوج يحفران كل يوم حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال الذي عليهم ارجعوا فستحفرونه غدا فيعيده الله أشد ما كان حتى إذا بلغت مدتهم وأراد الله - تعالى - أن يبعثهم على الناس حفروا حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال ارجعوا فستحفرونه غدا إن شاء الله - تعالى - فاستثنوا فيعودون إليه وهو كهيئته حين تركوه فيحفرونه ويخرجون على الناس فينشفون الماء ويتحصن الناس منهم في حصونهم فيرمون بسهامهم إلى السماء فيرجع عليها الدم - الذي أحفظ - فيقولون قهرنا أهل الأرض وعلونا أهل السماء فيبعث الله - تعالى - عليهم نغفا في أقفائهم فيقتلهم بها قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : والذي نفسي بيده إن دواب الأرض لتسمن وتشكر شكرا من لحومهم قال الجوهري شكرت الناقة تشكر شكرا فهي شكرة ; وأشكر الضرع امتلأ لبنا .
وقال وهب بن منبه : رآهم ذو القرنين ، وطول الواحد منهم مثل نصف الرجل المربوع منا ، لهم مخاليب في مواضع الأظفار وأضراس وأنياب كالسباع ، وأحناك كأحناك الإبل ، وهم هلب عليهم من الشعر ما يواريهم ، ولكل واحد منهم أذنان عظيمتان ، يلتحف إحداهما ويفترش الأخرى ، وكل واحد منهم قد عرف أجله لا يموت حتى يخرج له من صلبه ألف رجل إن كان ذكرا ، ومن رحمها ألف أنثى إن كانت أنثى . وقال السدي والضحاك : الترك شرذمة من يأجوج ومأجوج خرجت تغير ، فجاء ذو القرنين فضرب السد فبقيت في هذا الجانب . قال السدي : بني السد على إحدى وعشرين قبيلة ، وبقيت منهم قبيلة واحدة دون السد فهم الترك . وقاله قتادة .
قلت : وإذا كان هذا ، فقد نعت النبي - صلى الله عليه وسلم - الترك كما نعت يأجوج ومأجوج ، فقال - عليه الصلاة والسلام - : لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون الترك قوما وجوههم كالمجان المطرقة يلبسون الشعر ويمشون في الشعر في رواية ينتعلون الشعر خرجه مسلم وأبو داود وغيرهما . ولما علم النبي - صلى الله عليه وسلم - عددهم وكثرتهم وحدة شوكتهم قال - عليه الصلاة والسلام - : اتركوا الترك ما تركوكم . وقد خرج منهم في هذا الوقت أمم لا يحصيهم إلا الله - تعالى - ، ولا يردهم عن المسلمين إلا الله - تعالى - ، حتى كأنهم يأجوج ومأجوج أو مقدمتهم . وروى أبو داود عن أبي بكرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ينزل ناس من أمتي بغائط يسمونه البصرة عند نهر يقال له دجلة يكون عليه جسر يكثر أهلها وتكون من أمصار المهاجرين - قال ابن يحيى قال أبو معمر وتكون من أمصار المسلمين فإذا كان في آخر الزمان جاء بنو قنطوراء عراض الوجوه صغار الأعين حتى ينزلوا على شاطئ النهر فيتفرق أهلها ثلاث فرق فرقة يأخذون أذناب البقر والبرية وهلكوا وفرقة يأخذون لأنفسهم وكفروا وفرقة يجعلون ذراريهم خلف ظهورهم ويقاتلونهم وهم الشهداء الغائط المطمئن من الأرض والبصرة الحجارة الرخوة وبها سميت البصرة وبنو قنطوراء هم الترك يقال : إن قنطوراء اسم جارية كانت لإبراهيم - صلوات الله وسلامه عليه - ، ولدت له أولادا جاء من نسلهم الترك .
قوله تعالى : فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا
فيه مسألتان :
الأولى : قوله تعالى : فهل نجعل لك خرجا استفهام على جهة حسن الأدب خرجا أي جعلا وقرئ " خراجا " والخرج أخص من الخراج يقال : أد خرج رأسك وخراج مدينتك وقال الأزهري : الخراج يقع على الضريبة ، ويقع على مال الفيء ، ويقع على الجزية وعلى الغلة والخراج اسم لما يخرج من الفرائض في الأموال . والخرج : المصدر .
وقوله تعالى : على أن تجعل بيننا وبينهم سدا أي ردما ; والردم ما جعل بعضه على بعض حتى يتصل وثوب مردم أي مرقع ، قاله الهروي يقال : ردمت الثلمة أردمها بالكسر ردما أي سددتها والردم أيضا الاسم وهو السد وقيل : الردم أبلغ من السد إذ السد كل ما يسد به والردم وضع الشيء على الشيء من حجارة أو تراب أو نحوه حتى يقوم من ذلك حجاب منيع ومنه ردم ثوبه إذا رقعه برقاع متكاثفة بعضها فوق بعض ومنه قول عنترة :
هل غادر الشعراء من متردم
أي من قول يركب بعضه على بعض . وقرئ سدا بالفتح في السين ، فقال الخليل وسيبويه : الضم هو الاسم والفتح المصدر . وقال الكسائي : الفتح والضم لغتان بمعنى واحد وقال عكرمة وأبو عمرو بن العلاء وأبو عبيدة : ما كان من خلقة الله لم يشاركه فيه أحد بعمل فهو بالضم ، وما كان من صنع البشر فهو بالفتح . ويلزم أهل هذه المقالة أن يقرءوا سدا بالفتح وقبله بين السدين بالضم ، وهي قراءة حمزة والكسائي . وقال أبو حاتم عن ابن عباس وعكرمة عكس ما قال أبو عبيدة . وقال ابن أبي إسحاق : ما رأته عيناك فهو سد بالضم وما لا ترى فهو سد بالفتح .
الثانية : في هذه الآية دليل على اتخاذ السجون ، وحبس أهل الفساد فيها ، ومنعهم من التصرف لما يريدونه ، ولا يتركون وما هم عليه ، بل يوجعون ضربا ويحبسون أو يكلفون ويطلقون كما فعل عمر - رضي الله عنه -. ❝
❞ «كل هذه الأجواء تجعل الحياة تعود إلى قلبي، ولكن أشعر بأنها لم تعد كليًا»
أقفُ وَسط الأشجار، والسماء فوقي، وأغمض عيناي الجميلة ،من قوة أشعة الشمس، مناظر جميعها طبيعية لعيناي، وصورتي تنعكس في هذه البحيرة الزرقاء، ويتطاير شعري بفعل الهواء، هذا الجمال يجعلني أعيش حياة جميلة، يملؤها الدفء من حولي، وهذه السحابة الجميلة التي: في السماء الزرقاء، أتخيل نفسي وأنا جالسةٌ عليها، وتتحرك بي لتجعلني أعيشُ بعض اللحظات السعيدة؛ لكي أتذكرها كلما شعرت بالشجن؛ فيجعل قلبي الحزين سعيد، هذه الأجواء الطبيعة كلها أشعر أنها جنة على الارض؛ لتجعلنا نَشعر ببعض الراحة، إلى أن تلتقي بخالقها، دُموعي تنزل ببطء شديد علي خداي، أشعر أنها نار، ولكن ليهدئ قليل فكل هذا سيمر، أجلس علي هذا الصخرة، بنية اللون، وأنظر إلي مياه النهر كما هى جميلة، فهو مثل: قلبي غامض كثيرًا، لا أريد الاستسلام، ولكن أشعر أنني هزيلة، لا أستطيع الوقوف قدماي، كلما حدث معي شيء، أقف في وسط كل هذه الأجواء وأستنشق بعض الهواء؛ لكي تهدائ روحي ولكن أشعر أنه ما زال قلبي يحترق.
لـ أسماء الزغاوي ✍🏻. ❝ ⏤گ/أسماء الزغاوي/الأميرة الصغيرة \\\\
❞«كل هذه الأجواء تجعل الحياة تعود إلى قلبي، ولكن أشعر بأنها لم تعد كليًا»
أقفُ وَسط الأشجار، والسماء فوقي، وأغمض عيناي الجميلة ،من قوة أشعة الشمس، مناظر جميعها طبيعية لعيناي، وصورتي تنعكس في هذه البحيرة الزرقاء، ويتطاير شعري بفعل الهواء، هذا الجمال يجعلني أعيش حياة جميلة، يملؤها الدفء من حولي، وهذه السحابة الجميلة التي: في السماء الزرقاء، أتخيل نفسي وأنا جالسةٌ عليها، وتتحرك بي لتجعلني أعيشُ بعض اللحظات السعيدة؛ لكي أتذكرها كلما شعرت بالشجن؛ فيجعل قلبي الحزين سعيد، هذه الأجواء الطبيعة كلها أشعر أنها جنة على الارض؛ لتجعلنا نَشعر ببعض الراحة، إلى أن تلتقي بخالقها، دُموعي تنزل ببطء شديد علي خداي، أشعر أنها نار، ولكن ليهدئ قليل فكل هذا سيمر، أجلس علي هذا الصخرة، بنية اللون، وأنظر إلي مياه النهر كما هى جميلة، فهو مثل: قلبي غامض كثيرًا، لا أريد الاستسلام، ولكن أشعر أنني هزيلة، لا أستطيع الوقوف قدماي، كلما حدث معي شيء، أقف في وسط كل هذه الأجواء وأستنشق بعض الهواء؛ لكي تهدائ روحي ولكن أشعر أنه ما زال قلبي يحترق.
لـ أسماء الزغاوي ✍🏻. ❝
❞ الفصل الخامس والأخير
عند يمن
من تلك التي فرقت بيني وبين نجمتي؟ من تلك؟
كانت الكلمات تتصاعد في قلبه كعواصف لا تهدأ، وعينيه تغرقان في الظلام، كأنما يرى ما بين الظلال ويبحث عن بصيص ضياء وسط هذا الظلام الدامس، أرسل يمن رسالة إلى ملاك، تتناثر من بين أصابعه كأنها سكاكين مرُّة:
\"من أنتِ لتفرقي بيننا؟ من أنتِ لتحكمي على قلبي؟ أنتِ لستِ ملاكًا، بل جحيم.\"
وبكل صدمةٍ، قرأت ملاك الرسالة. ولكن في قلبها، كان هناك شيءٌ أكثر مرارة من الكلمات: خيبة أمل عميقة، وقع الثقل على صدرها، فشعرت بالإعياء يتسلل إليها كوحش مخيف، بدأت تردد كلمات نثرية، كانت تعرفها جيدًا، فقد كانت ملاذًا دائمًا لها في كل معركة:
\"أنا أختكِ بالإسلام، أمحو غشاوة أعيننا الذي يزينها لنا الشيطان، أنا نثرٌ يدلكِ إلى الصواب، وإن أحببت من فرقتها عنك، فلتذهب إلى منزلها، لتطلب يدها في النور، عسى أن تلقى مرادك عند الله.\"
ثم أضافت بنبرة أكثر حزنًا:
\"أعلم أني لست ملاكًا، ولكنني فتاة تعشق النثر، والسلام عليكم.\"
وبتلك الكلمات، كان الختام، أغشي على ملاك، واختفت عينها عن هذا العالم، كما لو أن قلبها قد ابتلعته المجهول.
عند سليم
الحديث كان شديد التوتر في منزل سليم، وقف أسامة وهشام وأشرف أمامه، والقلق في أعينهم.
\"سليم، هل أنتَ مصمم على هذا؟ ألم تقل أن تلك الفتاة التي اسمها ملاك، قد نصحتك بترك الأمر للشيخ؟\"
قال أسامة بصوتٍ منخفض.
\"نعم، قالت ذلك، ولكن هذا حقي.\"
أجاب سليم، وصوته يندلع كصاعقة في فجرٍ هادئ.
كان الهدوء الذي طلبه أصدقاؤه يبدد في نفسه كل أمل، لكنهم كانوا يصرون:
\"لنهدأ ونفكر معًا، لماذا لا تسمع كلام ملاك؟\"
أجاب سليم بحيرة، فألمه كان يتحول إلى نارٍ في قلبه: \"ماذا عن حقي؟\"
لكن أصدقاؤه لم يتركوه وحده، وقالوا معًا:
\"سيظهر الله حقك أمام عينيك، ثق بنا، فلن نترك سوءًا يحدث لك.\"
وقالوا له بحنان:
\"لنذهب معًا.\"
سليم: إلى أين؟
الأصدقاء ببسمة أمل: إلى التحفيظ.
سليم بقلق: وماذا عن فتحي؟
الأصدقاء بحنان: اترك لنا الأمر يا سليم.
سليم بتردد: سأفعل ذلك، هيا بنا.
عند ملاك
كانت همس تتسلل إلى غرفة ملاك، وعينها تائهة بين أملٍ وهلع. ووجدت ملاك ممددة على الأرض، فاقدة الوعي، وبدأت علامات الإعياء تظهر بوضوح على وجهها.
همس لم تستطع تحمل رؤية أختها بهذه الحالة، فهرعت إلى هاتفها في رعب، واتصلت بالمشفى.
تم نقل ملاك إلى المشفى بسرعة، وكان في قلب همس دويّ يشبه صوت أجنحة الموت.
في المشفى
كانت الغرفة مكتظة بالقلق، همس واقفة في الخارج تنتظر على أحر من الجمر، ساعات من الانتظار، وعينيها مملوءتان بالأمل المكسور، حتى خرج الطبيب أخيرًا، وعيناه تفيض بالأسى.
\"آسف... حالة ملاك تدهورت. حالتها في تدهور تام.\"
أصيبت همس بالصمت، كأن الكلمات قد انتهت في قلبها:
\"ماذا تعني؟ ألحظات الوداع؟\"
قال الطبيب، وأشاح بنظره: \"كل شيء بأمر الله.\"
همس، وقد امتلأت عيناها بالحزن، همست: \"ونعم بالله.\"
عند سليم
في مكان التحفيظ، بعد انتهاء الجلسة، كان سليم يتجول في المكان، قلبه يئن، وعينيه تلتمسان كل زاوية، فجأة، جاء فتحي، يحاول استفزازه.
\"أنت من تُدعى فتحي؟\" سمعه فتحي يناديه.
أجاب فتحي، عينيه مشوشة: \"نعم، أنا هو.\"
ثم كان الصوت الذي أعقب ذلك أقوى من كلمات فتحي: \"إن لم تعطني هاتفك الآن، ستكن نهايتك.\"
ثم جاء الصوت القوي الذي تتبع الكلمات، \"كيف لك أن تبعث مع عائلتي؟ كيف تلعب بمشاعر أختي، وتطلب منها ما يُغضب الله؟\"
وتصاعد الحديث، حتى أصبح كالصراع بين الظلام والنور، لكن النهاية كانت سريعة، فأخذ الفتى هاتف فتحي، وأظهر الحقيقة، وتبددت الأكاذيب.
قال الأصدقاء لسليم، مؤكدين له أن الله هو من يُظهر الحق دون الحاجة لأي تدخل بشري: \"الحق سيظهر... لا داعي لأن تضر نفسك.\"
وفي النهاية،
تحدث سليم عن ملاك، وقال:
\"لقد كانت على حق، إنني الآن أرى صدقي بأمر الله، دون أن أؤذي نفسي.\"
وأصبح جميعهم يشكرون الله على براءته.
عند يمنى وجهاد
كانت جهاد في حالة من السعادة العميقة، تنتظر أن تقفز نحو أحلامها، تنتظر هشام الذي سيتقدم إليها.
لكن شيئًا غير متوقع حدث، دخل سليم وهشام معًا، وكان هشام يحمل بيده رسالة تثبت خيانة يمنى، رسائلها التي كانت تهدف إلى تدمير سعادة جهاد، وها هي اللحظة التي تُكشف فيها الحقيقة.
جهاد نظرت إلى يمنى في صدمة، وكلماتها كانت مليئة بالألم:
\"لماذا؟ لماذا كل هذا الحقد؟ كنت أعتبركِ أختي.\"
ويمنى، ضحكت بتهكم:
\"أنا الشريرة، أليس كذلك؟\"
ولكن الحقيقة كانت قد خرجت، ومهازلها قد انتهت، والدها جاء غاضبًا وأخذها معه، ووسط ذلك الصراع كانت السعادة قد عادت إلى جهاد.
عند فتحي
ظل يعاني من إصابة بليغة، بينما كانت أفكاره تحترق وتشتعل بألم لا يهدأ، وكان العقل الشيطاني لا يزال يسيطر عليه، لكنه أدرك أخيرًا أنه لن يهدأ حتى يهلك نفسه.
عند ملاك
كان التواصل معها مستحيلاً، وسليم لا يدري عنها شيئًا، وقد تسرب القلق إلى متابعين نثرها، أما أحلام، فقد كثَّفت مراسلتها، لكن دون جدوى.
همس: مرَّ أسبوعٌ ولا يزال الخطر يزداد، ورغم حديثي معها، تصرُّ على رفض الموافقة على تلك العملية.
الطبيب: لما؟ كل ذلك من أجل الذكريات؟ فلتذهب إلى الجحيم.
همس: ليست الذكريات هي المقصودة، بل حياتها كلها مرهونة بتلك الذكريات.
الطبيب: وكيف ذلك؟ ما هي تلك الذكريات؟
همس: ليس الآن وقت الحديث عنها، دعنا نذهب لنطمئن عليها.
في الغرفة، كان القلق يملأ المكان، ونظرات همس والطبيب تتبادلان، بينما كان قلب همس يخفق بفزع لم تشعر به من قبل.
ملاك: همس، اسمحي لي بهاتفي، وأستأذن منك أن تجلسي بجانبي.
همس: ماذا تودين؟
الطبيب: ليس كثيرًا.
ملاك: اسمح لي، فقد تكون هذه آخر نثر لي.
نظر إليها الطبيب بأسى، ثم خرج تاركًا خلفه أجواءً من الحزن والهم.
ملاك: يذكرني بوالد السمكة نيمو، كِشري، ابتسمي يا همس، أم أنه عادكِ بالكآبة؟
همس: لم يعديني، بل أنتِ العنيدة هنا.
ملاك: ما يهمني الآن هو أن تفتحي هاتفي، وأنثري بدلاً عني تلك الكلمات:
لقد اعتدتم على قراءة كلماتي وخواطري، لكن يؤسفني أن أخبركم أنني وصلت إلى النهاية، لا يعلم أحدكم عن مرضي، ولم أتحدث عنه من قبل، فقد اعتدت أن أكون مبتسمة، وأن أكون أملًا لكم نحو المستقبل المضيء، ولكن المرض قد غلبني، ووهن روحي أضعفني، فلا تحزنوا عليّْ، وادعوا لي بما يجول في خاطركم، وآخر ما أود أن أنثره لكم هو:
ماذا لو أنَّ ميعادي قد اقترب؟ فهذه وصيتي...
أود لو أنني أستطيع رؤيتك قبل وفاتي، وأسرد لك كل ما في قلبي من مشاعر لم أكن أجرؤ على النطق بها، لعلك تشعر بما بداخلي تجاهك، أتعلم، أدعو الله أن يرزقني رؤية وجهك قبل مماتي، لعل شوقي يهدأ، وأتساءل إن كانت روحي تستطيع أن تواكبك وتحميك بعد وفاتي؟ فإذا كان للروح أن ترافق من تحب، فإني سأوصيها أن تكون معك، تحميك من كل سوء، وإن استطعت أن أصنع ذكريات مع من حولي، فأتمنى ألا ينسوني، وأن يتذكروني، ويزوروني من حين لآخر، فزياراتهم تسعدني وتُشعرني بالأمان، أتمنى لو أنني قد تركت أثرًا جميلًا في قلوبهم.
لا أدري إن كنت قد تركت فيهم ذكرى طيبة أم لا، لكنني أتمنى أن أكون الذكرى الجميلة التي تبقى في قلوبهم.
أتعلم يا قمرى أن قلبي يشعر بك أينما كنت، وأنه يتمنى لو كنت بالقرب مني ولو لحظة واحدة، فقربك هو نجاتي، ومأمني.
الوداع يا قرائي الأعزاء.
وحين أُغلقت الرسالة، كانت ملاك قد أغمضت عينيها، وكأنها نامت على صدر الحياة للأبد.
انهارت دموع القراء، وانفجر سليم بالبكاء، وعلى الرغم من محاولاته المستمرة في إرسال الرسائل، لم تلقَ منه أي إجابة، أما أحلام، فقد حزنت على ملاك التي دخلت حياتها مثل الحلم، ثم تلاشت كسراب، أما يمن، فقد شعر بالذنب لما تسببت به كلماته في جرح ملاك، فصارت بالنسبة له سرابًا.
كأن ملاك كانت سرابًا وتلاشت مع أول ضياء فجر جديد، كأنها كالزهرة التي نشرت السعادة ثم انطلقت مع هبوب الرياح.
بعد عامين
كان في هاتفها نصٌّ لم تُرسله بعد، نصٌّ يُشبه قلبها: بريئًا، وحزينًا، وأبيًا، فقررت أن أنثره لكم، كما أرادت ملاك.
ثم تضع همس نصّْ \"أبناء الفجر\"؛ ليكون هذا الختام الرمزي للقصة.
أبناء الفجر
يا أبناء الفجر، يا نوارس الضياء في بحر الظلمات، يا رجفة الرجاء في صدور من أضناهم الانتظار إني أودعكم، وكأنني ألملم بقايا نجمٍ خبا قبل أن يكتمل مداه، كنت بينكم ظلَّ حلمٍ يتعثر فوق ركام الأحزان، وقبسَ نورٍ يقتات من فتات اليقين، تعلمت منكم أن الجراح قد تزهر، وأن من قلب الألم يولد نشيد لا يفهمه إلا من سار حافيًا على دروب الشوك، وإن مضيتُ، فليشهد الفجر أنني مضيتُ وقلبي يزهر لكم بدعاءٍ صامت، وأملٍ يتوارى في دجى الرحيل، لا تبكوا على الأطلال، بل امضوا، ازرعوا في بيداء الروح حدائق من ضياء، واحملوا في كفوفكم قناديل الحلم التي أشعلناها معًا، فأنتم أبناء الفجر، آخر ما حفظه القلب، وأول ما تناثر من حطامه نورًا.
ملاك
قرأ القراء ما نثرته ملاك، وقال سليم: يا ليتكِ هنا، يا ملاك، لترين كيف أن نصائحك كانت دربًا للنور في حياتنا.
أما أحلام: يا ليتكِ هنا، يا ملاك، لأسرد لكِ كيف أن كلماتك كانت سببًا في أنني أظل على ضوء الأمل، بعد أن قرأت نثرك عن العشق.
أما يمن، فقد قال: يا ليتني أستطيع أن أعتذر عن كلماتي التي جرحتكِ، وأن أخبركِ بأنكِ السبب في أنني أعيش حبًا حقيقيًا، فبعد أن قرأت رسالتك، فهمتُ معنى الحب الصادق.
وإلى هنا ومع الختام أصف ملاك بصورةٍ نُقشت داخل صدري، فتاة تُحاط بالطيور بجانب قفصٍ من حديد أمام مياه البحر الزرقاء، فأنثر ما يُخالج قلبي لذلك المشهد الرقيق:
اشتد خفقان قلبي وأنا أحدِّق بذلك القفص، شعرتُ وكأنَّ الأجنحة المنكسرة تناجيني، تناشدني أن أنقذها من الأسر والذبول، مددتُ يدي بترددٍ مرتعش، لامستُ بأصابعي القضبان الباردة، وكأنني ألامس جراح نفسي، همستُ دون أن أدري: \"أما آنَ للأجنحة أن تتحرر؟ أما آنَ لقلوبنا أن تطير دون قيود؟\"
رفعتُ رأسي نحو الأفق، كان الغروب يسكب لونه الدموي على صفحة الماء، وكأن السماء تبكي وداع الأحباب، تذكرتُ ملاك، تلك التي كانت كطائرٍ أبيض حلَّق في سماء حياتنا، ثم رحلت، تاركةً خلفها نورًا لا ينطفئ، تناهى إلى سمعي صوتٌ داخلي، يشبه نثرها الرقيق، يقول: \"لا تحزنوا لغياب الطيور، فالطيور لا تموت، بل تصبح جزءًا من السماء،\" ابتسمتُ وسط دمعتي، وأدركتُ أن الأرواح النقية لا ترحل إلا لتصير ضوءًا يهدينا في دجن أيامنا.
وبذلك ظلَّ اسم ملاك خالدًا في قلوب من أحبوها، وبقي نثرها دعاءً عالقًا بين الأرض والسماء، يهمس لكل قلب حزين: \"ازرع الخير وإن متَّ، فالأثر لا يموت.\"
لـِ ندى العطفي
بيلا. ❝ ⏤Nada Elatfe
❞ الفصل الخامس والأخير
عند يمن
من تلك التي فرقت بيني وبين نجمتي؟ من تلك؟
كانت الكلمات تتصاعد في قلبه كعواصف لا تهدأ، وعينيه تغرقان في الظلام، كأنما يرى ما بين الظلال ويبحث عن بصيص ضياء وسط هذا الظلام الدامس، أرسل يمن رسالة إلى ملاك، تتناثر من بين أصابعه كأنها سكاكين مرُّة:
˝من أنتِ لتفرقي بيننا؟ من أنتِ لتحكمي على قلبي؟ أنتِ لستِ ملاكًا، بل جحيم.˝
وبكل صدمةٍ، قرأت ملاك الرسالة. ولكن في قلبها، كان هناك شيءٌ أكثر مرارة من الكلمات: خيبة أمل عميقة، وقع الثقل على صدرها، فشعرت بالإعياء يتسلل إليها كوحش مخيف، بدأت تردد كلمات نثرية، كانت تعرفها جيدًا، فقد كانت ملاذًا دائمًا لها في كل معركة:
˝أنا أختكِ بالإسلام، أمحو غشاوة أعيننا الذي يزينها لنا الشيطان، أنا نثرٌ يدلكِ إلى الصواب، وإن أحببت من فرقتها عنك، فلتذهب إلى منزلها، لتطلب يدها في النور، عسى أن تلقى مرادك عند الله.˝
ثم أضافت بنبرة أكثر حزنًا:
˝أعلم أني لست ملاكًا، ولكنني فتاة تعشق النثر، والسلام عليكم.˝
وبتلك الكلمات، كان الختام، أغشي على ملاك، واختفت عينها عن هذا العالم، كما لو أن قلبها قد ابتلعته المجهول.
عند سليم
الحديث كان شديد التوتر في منزل سليم، وقف أسامة وهشام وأشرف أمامه، والقلق في أعينهم.
˝سليم، هل أنتَ مصمم على هذا؟ ألم تقل أن تلك الفتاة التي اسمها ملاك، قد نصحتك بترك الأمر للشيخ؟˝
قال أسامة بصوتٍ منخفض.
˝نعم، قالت ذلك، ولكن هذا حقي.˝
أجاب سليم، وصوته يندلع كصاعقة في فجرٍ هادئ.
كان الهدوء الذي طلبه أصدقاؤه يبدد في نفسه كل أمل، لكنهم كانوا يصرون:
˝لنهدأ ونفكر معًا، لماذا لا تسمع كلام ملاك؟˝
أجاب سليم بحيرة، فألمه كان يتحول إلى نارٍ في قلبه: ˝ماذا عن حقي؟˝
لكن أصدقاؤه لم يتركوه وحده، وقالوا معًا:
˝سيظهر الله حقك أمام عينيك، ثق بنا، فلن نترك سوءًا يحدث لك.˝
وقالوا له بحنان:
˝لنذهب معًا.˝
سليم: إلى أين؟
الأصدقاء ببسمة أمل: إلى التحفيظ.
سليم بقلق: وماذا عن فتحي؟
الأصدقاء بحنان: اترك لنا الأمر يا سليم.
سليم بتردد: سأفعل ذلك، هيا بنا.
عند ملاك
كانت همس تتسلل إلى غرفة ملاك، وعينها تائهة بين أملٍ وهلع. ووجدت ملاك ممددة على الأرض، فاقدة الوعي، وبدأت علامات الإعياء تظهر بوضوح على وجهها.
همس لم تستطع تحمل رؤية أختها بهذه الحالة، فهرعت إلى هاتفها في رعب، واتصلت بالمشفى.
تم نقل ملاك إلى المشفى بسرعة، وكان في قلب همس دويّ يشبه صوت أجنحة الموت.
في المشفى
كانت الغرفة مكتظة بالقلق، همس واقفة في الخارج تنتظر على أحر من الجمر، ساعات من الانتظار، وعينيها مملوءتان بالأمل المكسور، حتى خرج الطبيب أخيرًا، وعيناه تفيض بالأسى.
˝آسف.. حالة ملاك تدهورت. حالتها في تدهور تام.˝
أصيبت همس بالصمت، كأن الكلمات قد انتهت في قلبها:
˝ماذا تعني؟ ألحظات الوداع؟˝
قال الطبيب، وأشاح بنظره: ˝كل شيء بأمر الله.˝
همس، وقد امتلأت عيناها بالحزن، همست: ˝ونعم بالله.˝
عند سليم
في مكان التحفيظ، بعد انتهاء الجلسة، كان سليم يتجول في المكان، قلبه يئن، وعينيه تلتمسان كل زاوية، فجأة، جاء فتحي، يحاول استفزازه.
˝أنت من تُدعى فتحي؟˝ سمعه فتحي يناديه.
أجاب فتحي، عينيه مشوشة: ˝نعم، أنا هو.˝
ثم كان الصوت الذي أعقب ذلك أقوى من كلمات فتحي: ˝إن لم تعطني هاتفك الآن، ستكن نهايتك.˝
ثم جاء الصوت القوي الذي تتبع الكلمات، ˝كيف لك أن تبعث مع عائلتي؟ كيف تلعب بمشاعر أختي، وتطلب منها ما يُغضب الله؟˝
وتصاعد الحديث، حتى أصبح كالصراع بين الظلام والنور، لكن النهاية كانت سريعة، فأخذ الفتى هاتف فتحي، وأظهر الحقيقة، وتبددت الأكاذيب.
قال الأصدقاء لسليم، مؤكدين له أن الله هو من يُظهر الحق دون الحاجة لأي تدخل بشري: ˝الحق سيظهر.. لا داعي لأن تضر نفسك.˝
وفي النهاية،
تحدث سليم عن ملاك، وقال:
˝لقد كانت على حق، إنني الآن أرى صدقي بأمر الله، دون أن أؤذي نفسي.˝
وأصبح جميعهم يشكرون الله على براءته.
عند يمنى وجهاد
كانت جهاد في حالة من السعادة العميقة، تنتظر أن تقفز نحو أحلامها، تنتظر هشام الذي سيتقدم إليها.
لكن شيئًا غير متوقع حدث، دخل سليم وهشام معًا، وكان هشام يحمل بيده رسالة تثبت خيانة يمنى، رسائلها التي كانت تهدف إلى تدمير سعادة جهاد، وها هي اللحظة التي تُكشف فيها الحقيقة.
جهاد نظرت إلى يمنى في صدمة، وكلماتها كانت مليئة بالألم:
˝لماذا؟ لماذا كل هذا الحقد؟ كنت أعتبركِ أختي.˝
ويمنى، ضحكت بتهكم:
˝أنا الشريرة، أليس كذلك؟˝
ولكن الحقيقة كانت قد خرجت، ومهازلها قد انتهت، والدها جاء غاضبًا وأخذها معه، ووسط ذلك الصراع كانت السعادة قد عادت إلى جهاد.
عند فتحي
ظل يعاني من إصابة بليغة، بينما كانت أفكاره تحترق وتشتعل بألم لا يهدأ، وكان العقل الشيطاني لا يزال يسيطر عليه، لكنه أدرك أخيرًا أنه لن يهدأ حتى يهلك نفسه.
عند ملاك
كان التواصل معها مستحيلاً، وسليم لا يدري عنها شيئًا، وقد تسرب القلق إلى متابعين نثرها، أما أحلام، فقد كثَّفت مراسلتها، لكن دون جدوى.
همس: مرَّ أسبوعٌ ولا يزال الخطر يزداد، ورغم حديثي معها، تصرُّ على رفض الموافقة على تلك العملية.
الطبيب: لما؟ كل ذلك من أجل الذكريات؟ فلتذهب إلى الجحيم.
همس: ليست الذكريات هي المقصودة، بل حياتها كلها مرهونة بتلك الذكريات.
الطبيب: وكيف ذلك؟ ما هي تلك الذكريات؟
همس: ليس الآن وقت الحديث عنها، دعنا نذهب لنطمئن عليها.
في الغرفة، كان القلق يملأ المكان، ونظرات همس والطبيب تتبادلان، بينما كان قلب همس يخفق بفزع لم تشعر به من قبل.
ملاك: همس، اسمحي لي بهاتفي، وأستأذن منك أن تجلسي بجانبي.
همس: ماذا تودين؟
الطبيب: ليس كثيرًا.
ملاك: اسمح لي، فقد تكون هذه آخر نثر لي.
نظر إليها الطبيب بأسى، ثم خرج تاركًا خلفه أجواءً من الحزن والهم.
ملاك: يذكرني بوالد السمكة نيمو، كِشري، ابتسمي يا همس، أم أنه عادكِ بالكآبة؟
همس: لم يعديني، بل أنتِ العنيدة هنا.
ملاك: ما يهمني الآن هو أن تفتحي هاتفي، وأنثري بدلاً عني تلك الكلمات:
لقد اعتدتم على قراءة كلماتي وخواطري، لكن يؤسفني أن أخبركم أنني وصلت إلى النهاية، لا يعلم أحدكم عن مرضي، ولم أتحدث عنه من قبل، فقد اعتدت أن أكون مبتسمة، وأن أكون أملًا لكم نحو المستقبل المضيء، ولكن المرض قد غلبني، ووهن روحي أضعفني، فلا تحزنوا عليّْ، وادعوا لي بما يجول في خاطركم، وآخر ما أود أن أنثره لكم هو:
ماذا لو أنَّ ميعادي قد اقترب؟ فهذه وصيتي..
أود لو أنني أستطيع رؤيتك قبل وفاتي، وأسرد لك كل ما في قلبي من مشاعر لم أكن أجرؤ على النطق بها، لعلك تشعر بما بداخلي تجاهك، أتعلم، أدعو الله أن يرزقني رؤية وجهك قبل مماتي، لعل شوقي يهدأ، وأتساءل إن كانت روحي تستطيع أن تواكبك وتحميك بعد وفاتي؟ فإذا كان للروح أن ترافق من تحب، فإني سأوصيها أن تكون معك، تحميك من كل سوء، وإن استطعت أن أصنع ذكريات مع من حولي، فأتمنى ألا ينسوني، وأن يتذكروني، ويزوروني من حين لآخر، فزياراتهم تسعدني وتُشعرني بالأمان، أتمنى لو أنني قد تركت أثرًا جميلًا في قلوبهم.
لا أدري إن كنت قد تركت فيهم ذكرى طيبة أم لا، لكنني أتمنى أن أكون الذكرى الجميلة التي تبقى في قلوبهم.
أتعلم يا قمرى أن قلبي يشعر بك أينما كنت، وأنه يتمنى لو كنت بالقرب مني ولو لحظة واحدة، فقربك هو نجاتي، ومأمني.
الوداع يا قرائي الأعزاء.
وحين أُغلقت الرسالة، كانت ملاك قد أغمضت عينيها، وكأنها نامت على صدر الحياة للأبد.
انهارت دموع القراء، وانفجر سليم بالبكاء، وعلى الرغم من محاولاته المستمرة في إرسال الرسائل، لم تلقَ منه أي إجابة، أما أحلام، فقد حزنت على ملاك التي دخلت حياتها مثل الحلم، ثم تلاشت كسراب، أما يمن، فقد شعر بالذنب لما تسببت به كلماته في جرح ملاك، فصارت بالنسبة له سرابًا.
كأن ملاك كانت سرابًا وتلاشت مع أول ضياء فجر جديد، كأنها كالزهرة التي نشرت السعادة ثم انطلقت مع هبوب الرياح.
بعد عامين
كان في هاتفها نصٌّ لم تُرسله بعد، نصٌّ يُشبه قلبها: بريئًا، وحزينًا، وأبيًا، فقررت أن أنثره لكم، كما أرادت ملاك.
ثم تضع همس نصّْ ˝أبناء الفجر˝؛ ليكون هذا الختام الرمزي للقصة.
أبناء الفجر
يا أبناء الفجر، يا نوارس الضياء في بحر الظلمات، يا رجفة الرجاء في صدور من أضناهم الانتظار إني أودعكم، وكأنني ألملم بقايا نجمٍ خبا قبل أن يكتمل مداه، كنت بينكم ظلَّ حلمٍ يتعثر فوق ركام الأحزان، وقبسَ نورٍ يقتات من فتات اليقين، تعلمت منكم أن الجراح قد تزهر، وأن من قلب الألم يولد نشيد لا يفهمه إلا من سار حافيًا على دروب الشوك، وإن مضيتُ، فليشهد الفجر أنني مضيتُ وقلبي يزهر لكم بدعاءٍ صامت، وأملٍ يتوارى في دجى الرحيل، لا تبكوا على الأطلال، بل امضوا، ازرعوا في بيداء الروح حدائق من ضياء، واحملوا في كفوفكم قناديل الحلم التي أشعلناها معًا، فأنتم أبناء الفجر، آخر ما حفظه القلب، وأول ما تناثر من حطامه نورًا.
ملاك
قرأ القراء ما نثرته ملاك، وقال سليم: يا ليتكِ هنا، يا ملاك، لترين كيف أن نصائحك كانت دربًا للنور في حياتنا.
أما أحلام: يا ليتكِ هنا، يا ملاك، لأسرد لكِ كيف أن كلماتك كانت سببًا في أنني أظل على ضوء الأمل، بعد أن قرأت نثرك عن العشق.
أما يمن، فقد قال: يا ليتني أستطيع أن أعتذر عن كلماتي التي جرحتكِ، وأن أخبركِ بأنكِ السبب في أنني أعيش حبًا حقيقيًا، فبعد أن قرأت رسالتك، فهمتُ معنى الحب الصادق.
وإلى هنا ومع الختام أصف ملاك بصورةٍ نُقشت داخل صدري، فتاة تُحاط بالطيور بجانب قفصٍ من حديد أمام مياه البحر الزرقاء، فأنثر ما يُخالج قلبي لذلك المشهد الرقيق:
اشتد خفقان قلبي وأنا أحدِّق بذلك القفص، شعرتُ وكأنَّ الأجنحة المنكسرة تناجيني، تناشدني أن أنقذها من الأسر والذبول، مددتُ يدي بترددٍ مرتعش، لامستُ بأصابعي القضبان الباردة، وكأنني ألامس جراح نفسي، همستُ دون أن أدري: ˝أما آنَ للأجنحة أن تتحرر؟ أما آنَ لقلوبنا أن تطير دون قيود؟˝
رفعتُ رأسي نحو الأفق، كان الغروب يسكب لونه الدموي على صفحة الماء، وكأن السماء تبكي وداع الأحباب، تذكرتُ ملاك، تلك التي كانت كطائرٍ أبيض حلَّق في سماء حياتنا، ثم رحلت، تاركةً خلفها نورًا لا ينطفئ، تناهى إلى سمعي صوتٌ داخلي، يشبه نثرها الرقيق، يقول: ˝لا تحزنوا لغياب الطيور، فالطيور لا تموت، بل تصبح جزءًا من السماء،˝ ابتسمتُ وسط دمعتي، وأدركتُ أن الأرواح النقية لا ترحل إلا لتصير ضوءًا يهدينا في دجن أيامنا.
وبذلك ظلَّ اسم ملاك خالدًا في قلوب من أحبوها، وبقي نثرها دعاءً عالقًا بين الأرض والسماء، يهمس لكل قلب حزين: ˝ازرع الخير وإن متَّ، فالأثر لا يموت.˝