❞ - الصراعات والثروات.. متلازمة الاستعمار الجديد في أفريقيا
و إذا كان الاستعمار القديـم يكتفى بنهب خيرات البلاد، فـإن هدف الشركات المتعددة الجنسيات هو الاستعمار الاستيطاني الذي يتضمن الاستيلاء على الأرض من أهلها ولا يكتفى - باستغلال السكان وإنما يقتلعهم من أرضهم وديارهم بالإبادة أو التهجير. وفي الحقيقة فقد لعبت الشركات العابرة للقارات دورا مؤثرا في صنع السياسات الداخلية والخارجية للدول الأفريقية، ومولت حروب حركات التمرد عبر استنزاف الموارد الأولية مقابل الحصول على السلاح، كما حـدث في ليبيريا، وسيراليون، والكونغو الديمقراطية، وغيرها، وحتى بعد أن شهدت بعض مناطق الصراع في أفريقيا استقرارا إثر اتفاقيات السلام، كما حدث في السودان، وليبيريا، والكونغو الديمقراطية، وأنجولا وغيرهـا، فإن الشركات العابرة للقارات بدت فاعلة في هذه المرحلة، عبر الدخول في علاقات تحالف مع الأنظمة السياسية لنيل أكبر قدر من المواد الخام الأفريقية في مرحلة السلام، كما حدث مثلا في السودان حيث تصارعت الشركات الأمريكية والصينية على النفط بعد اتفاق السلام. ولم تؤسس هذه الشركات في مرحلتى الصراع والسلام في أفريقيا لعلاقة شراكة اقتصادية، بل عملية نقل لأكبر قدر من المواد الأولية التي يحتاج إليها الاقتصاد العالمي، ومثلت البيئة الأفريقية حيزا ملائما لتحقـق فرضية العلاقة بين الصراعات والموارد، إذ إننا أمام قارة يشكل فيها النشاط الاستخراجي الأولى القطاع السائد في الحياة الاقتصادية، ولعل أبرزها استخراج المعادن التي يذهب 90 % من كمياتها المستخرجة إلى أوروبا، خاصـة الذهـب الذي تحـوز أفريقيا عـلى 81 % مـن صادراته العالمية، علاوة على النحاس، والحديد، والألومنيوم واليورانيوم، والكروم الذي يوجد 90 % من احتياطيه العالمي في القارة، كما تحتل القارة الأفريقية موقعا مهما في خريطة النفط العالمية، حيث بلغ إنتاج القارة اليومى 9 ملايين برميل، حسب تقرير اللجنة الأفريقية للطاقة (أفراك) في عام 2005 أي 11 % مـن الإنتاج العالمي، أما احتياطيات القارة من النفط الخام، فتبلغ 80 مليار برميل، وفقا لتقديرات مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، أي ما نسبته 12 % من الاحتياطي العالمي الخام، وتتركز هذه الاحتياطيات (نحو 70 %) في نيجيريا، وليبيا، وغينيا الاستوائية، فضلًا عن استخراج الماس الذي تضم مناجم أفريقيا 77 % من مجموع ما يوجـد منه في العالم ، يضاف إلى ذلك قائمة من الموارد الأخرى المائية سواء أكانت أنهارا أم بحيرات، والأخشاب والكاكاو الذي تنتج 70 % من إنتاجه العالمي والمطاط والقطن، وغيرها.. ❝ ⏤عبير بسيوني رضوان
❞
- الصراعات والثروات. متلازمة الاستعمار الجديد في أفريقيا
و إذا كان الاستعمار القديـم يكتفى بنهب خيرات البلاد، فـإن هدف الشركات المتعددة الجنسيات هو الاستعمار الاستيطاني الذي يتضمن الاستيلاء على الأرض من أهلها ولا يكتفى - باستغلال السكان وإنما يقتلعهم من أرضهم وديارهم بالإبادة أو التهجير. وفي الحقيقة فقد لعبت الشركات العابرة للقارات دورا مؤثرا في صنع السياسات الداخلية والخارجية للدول الأفريقية، ومولت حروب حركات التمرد عبر استنزاف الموارد الأولية مقابل الحصول على السلاح، كما حـدث في ليبيريا، وسيراليون، والكونغو الديمقراطية، وغيرها، وحتى بعد أن شهدت بعض مناطق الصراع في أفريقيا استقرارا إثر اتفاقيات السلام، كما حدث في السودان، وليبيريا، والكونغو الديمقراطية، وأنجولا وغيرهـا، فإن الشركات العابرة للقارات بدت فاعلة في هذه المرحلة، عبر الدخول في علاقات تحالف مع الأنظمة السياسية لنيل أكبر قدر من المواد الخام الأفريقية في مرحلة السلام، كما حدث مثلا في السودان حيث تصارعت الشركات الأمريكية والصينية على النفط بعد اتفاق السلام. ولم تؤسس هذه الشركات في مرحلتى الصراع والسلام في أفريقيا لعلاقة شراكة اقتصادية، بل عملية نقل لأكبر قدر من المواد الأولية التي يحتاج إليها الاقتصاد العالمي، ومثلت البيئة الأفريقية حيزا ملائما لتحقـق فرضية العلاقة بين الصراعات والموارد، إذ إننا أمام قارة يشكل فيها النشاط الاستخراجي الأولى القطاع السائد في الحياة الاقتصادية، ولعل أبرزها استخراج المعادن التي يذهب 90 % من كمياتها المستخرجة إلى أوروبا، خاصـة الذهـب الذي تحـوز أفريقيا عـلى 81 % مـن صادراته العالمية، علاوة على النحاس، والحديد، والألومنيوم واليورانيوم، والكروم الذي يوجد 90 % من احتياطيه العالمي في القارة، كما تحتل القارة الأفريقية موقعا مهما في خريطة النفط العالمية، حيث بلغ إنتاج القارة اليومى 9 ملايين برميل، حسب تقرير اللجنة الأفريقية للطاقة (أفراك) في عام 2005 أي 11 % مـن الإنتاج العالمي، أما احتياطيات القارة من النفط الخام، فتبلغ 80 مليار برميل، وفقا لتقديرات مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، أي ما نسبته 12 % من الاحتياطي العالمي الخام، وتتركز هذه الاحتياطيات (نحو 70 %) في نيجيريا، وليبيا، وغينيا الاستوائية، فضلًا عن استخراج الماس الذي تضم مناجم أفريقيا 77 % من مجموع ما يوجـد منه في العالم ، يضاف إلى ذلك قائمة من الموارد الأخرى المائية سواء أكانت أنهارا أم بحيرات، والأخشاب والكاكاو الذي تنتج 70 % من إنتاجه العالمي والمطاط والقطن، وغيرها. ❝
❞ هل الضوء أمواج ؟
هل الضوء ذرّات ؟
كانت المعركة محتدمة بين العلماء الذين يقولون بأن للضوء طبيعة موجية .. وبين العلماء الذين يقولون بأن طبيعته مادية ذرية ..
حينما تقدم عالَم نمساوي إسمه شرودنجر بمجموعة من المعادلات .. ليعلن نظرية اسمها "الميكانيكا الموجية" .
وفي هذه النظرية أثبت شرودنجر بالتجربة أن حزمة من الإلكترونات ساقطة على سطح بللورة معدنية تحيد بنفس الطريقة التي تحيد بها أمواج البحر التي تدخل من مضيق .. واستطاع أن يحسب طول موجة الإلكترونات التي تحيد بهذه الطريقة ..
وأعقبت هذه المفاجأة مفاجآت أخرى ..
فقد أثبتت التجارب التي أجريت على حِزَم من الذرّات، ثم على حِزَم من الجزيئات .. أنها بإسقاطها على بللورة معدنية تتصرف بنفس الطريقة الموجية وأن طول موجاتها يمكن حسابه بمعادلات شرودنجر ..
وبهذا بدأ صرح النظرية المادية كله ينهار .
إن الهيكل كله يسقط، ويتحول إلى خواء .
إن كُهّان العلوم دأبوا من سنين على أن يعلمونا أن الذرة عبارة عن معمار مادي يتألف من نواة ( بروتون أو أكثر ) تدور حولها الإلكترونات في أفلاك دائرية كما تدور الكواكب حول الشمس ..
وأكثر من هذا .. حسبوا عدد الإلكترونات في كل ذرة وقالوا لنا إنها إلكترون واحد في ذرة الأيدروجين ثم تزيد في العناصر الثقيلة حتى تبلغ 92 إلكترون في ذرة اليورانيوم، وأن كل ذرة لها وزن ذري .. وأثبتوا كل هذا بالمعادلات ..
فماذا يقولون في هذا الذي يهدم لهم صرح الهيكل ليقول إنه لا يحتوي على شيء له كيان مادي أو حيِّز، وإنما كل ما هناك .. طاقة متموجة، وأكثر من هذا يقدم لهم الإثبات بالمعادلات، والتجارب ..
وكانت بلبَلة علمية لا حـد لها .
كيف يمكن أن يقوم البرهان على شيئين متناقضين ! .. وهل يمكن أن يكون للشيء طبيعة متناقضة .. ؟!
كيف يمكن أن تكون للمادة صفات موجية، وللضوء صفات مادية .. ؟!
وتقدم عالِم ألماني هو " هايزنبرج " وبرفقته عالِم آخر هو " بورن " ليقول أنه من الممكن تخطي هذه الفجوة، وأنه لا توجد مشكلة .. وقدم مجموعة من المعادلات يمكن عن طريقها حساب الضوء على أنه أمواج أو على أنه ذرّات، ولمن يريد أن يختار الإفتراض الذي يعجبه .. وسيجد أن المعادلات تصلح للغرضين في وقت واحد ..
كيف يمكن أن تكون الحقيقة متناقضة .. ؟!
العلماء يسألون ..
وهايزنبرج يرد ببساطة .. الحقيقة المطلَقة لا سبيل إلى إدراكها .
العلم لا يستطيع أن يعرف حقيقة أي شيء .. إنه يعرف كيف يتصرف ذلك الشيء في ظروف معينة، ويستطيع أن يكشف علاقاته مع غيره من الأشياء ويحسبها .. ولكنه لا يستطيع أن يعرف ما هو . !
لا سبيل أمام العلم لإدراك المطلق .
العلم يدرِك كميات، ولكنه لا يدرِك ماهيات ..
العلم لا يمكنه أن يعرف ما هو الضوء .. ولا ما هو الإلكترون ..
وحينما يقول إن الأشعة الضوئية هي موجات كهربية مغناطيسية أو فوتونات .. فإنه يحيل الألغاز إلى ألغاز أخرى .. فما هي الموجات الكهربائية المغناطيسية ؟ حركة في الأثير ؟ .. وما الحركة ؟ .. وما الأثير ؟ ..
وما الفوتونات ؟ .. حِزَم من الطاقة ؟ .. وما الطاقة ؟ ..
العلم لا يمكن أن يعرف ماهية أي شيء .. إنه يستطيع أن يعرف سلوك الشيء وعلاقاته بالأشياء الأخرى والكيفيات التي يوجد بها في الظروف المختلفة .. ولكنه لا يستطيع أن يعرف حقيقته .
وحينما يكتشف العلم أن الضوء في إحدى التجارب يتصرَف بطريقة مَوْجية، وفي تجربة أخرى يتصرف بطريقة مادية ذرية، فلا تناقض هناك .. لأن ما اكتشفه العلم هو مسلَك الضوء، والكيفيات التي ينطلق بها في الظروف المختلفة .. لا حقيقة الضوء .. ويمكن أن تكون للضوء طبيعة مزدوجة .
والصفة الثانية للعلم ..
أن أحكامه كلها إحصائية وتقريبية .. لأنه لا يُجري تجاربه على حالات مفردة .. لا يمسك ذرة مفردة ليجري عليها تجاربه .. ولا يقبض على إلكترون واحد ليلاحظه .. ولا يمسك فوتونًا واحدًا ليفحصه ويتفرج عليه ..
وإنما يجري تجاربه على مجموعات .. على شعاع ضوء مثلًا ( والشعاع يحتوي على بلايين بلايين الفوتونات ) ..
أو جرام من مادة .. والجرام يحتوي على بلايين بلايين الذرات .. وتكون النتيجة أن الحسابات كلها حسابات إحصائية تقوم على الإحتمالات .. وعلى الصواب التقريبي .
والقوانين العلمية أشبه بالإحصائيات التي يمسح بها الباحثون الاجتماعيون المجتمع لتقرير أسباب الانتحار .. أو أسباب الطلاق .. أو علاقة السرطان بالتدخين .. أو الخمر بالجنون ..
وكل النتائج تكون في هذه الحالة نتائج إحتمالية وإحصائية لأنها جميعها متوسطات حسابية عن أعداد كبيرة .
أما إذا حاول العلم أن يجري تجاربه على وِحدة أساسية .. كأن يدرس ذرّة بعينها أو يلاحظ إلكترونًا واحدًا بالذات .. فإنه لا يمكنه أن يخرج بنتيجة أو معرفة .. لأنه يصطدم باستحالة نهائية .
ولكي يثبت هايزنبرج هذه الإستحالة تخيل أن عالِمًا يحاول أن يشاهد الإلكترون .. فعليه أولًا أن يستخدم ميكروسكوبًا يكبر مائة مليون مرة .. وعلى افتراض أنه حصل على هذا الميكروسكوب، فإن هناك صعوبة أخرى .. وهي أن الإلكترون أصغر من موجة الضوء .. فعليه أن يختار موجة قصيرة مثل أشعة إكس ..
ولكن أشعة إكس لا تصلح للرؤية .. إذاً عليه أن يستخدم أشعة الراديوم .
وبافتراض أنه حصل على هذه الأشياء .. فإنه في اللحظة التي يضع فيها عينيه على الميكروسكوب ويطلق فوتونًا ضوئيًا ليرى به الإلكترون .. فإن الفوتون سوف يضرب الإلكترون كما تضرب العصا كرة البلياردو ويزيحه من مكانه مغيرًا سرعته ..
لأن الفوتون عبارة عن شحنة من الطاقة ..
فهو في محاولته لتسجيل وضع الإلكترون وسرعته .. لن يصل إلى أي نتيجة ..
إذ في اللحظة التي يحاول فيها تسجيل سرعته يتغير مكانه .. لأن إطلاق الضوء عليه لرؤيته ينقله من مكانه ويغير سرعته .
إن عملية الملاحظة التي يقوم بها تغير من النتيجة المطلوبة ..
إنه يحاول أن يرى طبيعة الإلكترون ليسجلها .. ولكن عملية الرؤية تُغير أول ما تُغير تلك الطبيعة التي يجري وراء تسجيلها ..
فهو ينقل الإلكترون من مكانه في اللحظة التي يحاول فيها أن يسجل مكانه .
وهكذا يكون التعامل مع الوحدات الأساسية للطبيعة مستحيل .. فحينما نصل إلى عالَم الذرة الصغير يستحيل علينا التحديد .. وفي نفس الوقت يتعطل قانون السببية ..
فلا يصبح ساريًا .. لأن عملية الملاحظة تتدخل بين السبب والنتيجة وتكسر حلقة السببيية من منتصفها .. وتدخل هي بذاتها كسبب يغير من النتيجة بشكل يجعل من المستحيل معرفتها أو حسابها ..
إننا نكون أشبه بالأعمى الذي يمسك بقطعة مربعة من الثلج ليتحسس شكلها ومقياسها .. وهي في اللحظة التي يتحسسها تذوب مقاييسها بين يديه .. فيفقد الشيء الذي يبحث عنه بنفس العملية التي يبحث بها عنه .
وهكذا تتعطل القوانين حينما تصل إلى منتهى أجزاء ذلك الكون الكبير .. وتتوقف عند أصغر وحدة في وحداته .. فلا تعود سارية ولا تعود صالحة للتطبيق .
وبالمثل هي تتعطل أحيانًا حينما نحاول أن نطبقها على الكون بأسره ككل .. فقانون السببية أيضًا لا يعود ساريًا بالنسبة للكون ككل .. إذ أن اعتبار الكون صادرًا عن سبب، واعتباره خاضعًا للسببية يجعل منه جزءًا صادرًا عن جزء آخر ويتناقض مع كليته وشموله ..
القوانين تصطدم مع الحدّ الأكبر ومع الحدّ الأصغر للكون ولا تعود سارية ..
والعقل يصطدم بالإستحالة حينما يحاول أن يبحث في المبدأ وفي المنتهى .. لأنه لم يُجهَز بالوسائل التي يقتحم بها هذه الحدود ..
بهذا البحث الفلسفي الرياضي .. إستطاع هايزنبرج أن يفسر الطبيعة المزدوجة للضوء، ووضع المعادلات التي تصلح لتفسير الضوء على الأساس المادي وعلى الأساس الموجي في نفس الوقت، واعتبر القوانين في هذا المجال قوانين احتمالية إحصائية .. تعبِّر عن سلوك مجاميع هائلة من بلايين بلايين الفوتونات ..
أما الفوتون نفسه .. فشيء لا يمكن تحديده .
وهل يمكن تحديد نقطة في ريح عاصفة في الظلام .. وهل يمكنك أن تقول إن هذه النقطة تشغل هذا المكان بالذات .. ؟!
كل ما يمكن للعلم أن يدركه هو "الكميات" و "الكيفيات" .. ولكن لا سبيل إلى إدراك الماهيات .
** ** **
لكن أينشتين كانت له وجهة نظر أخرى ..
كان يرى في العالَم وحدة منسجمة ..
كان يرى العالَم الكبير بشموسه وأفلاكه، والعالم الصغير بذرّاته وإلكتروناته خاضعًا كله لقانون واحد بسيط ..
وكان يرى أن العقل في إمكانه أن يكتشف هذا القانون .. وكان يبحث جاهدًا عنه ..
وفي سنة 1929 أعلن عن نظرية "المجال الموحَد" .. ثم عاد بعد ذلك ورفضها واستبعدها .. وعاود البحث من جديد .
مقال / مبدأ الشـــك .
من كتاب / أينشتين والنسبية
لـلدكتور/ مصطفى محمود (رحمه الله ). ❝ ⏤مصطفى محمود
❞ هل الضوء أمواج ؟
هل الضوء ذرّات ؟
كانت المعركة محتدمة بين العلماء الذين يقولون بأن للضوء طبيعة موجية . وبين العلماء الذين يقولون بأن طبيعته مادية ذرية .
حينما تقدم عالَم نمساوي إسمه شرودنجر بمجموعة من المعادلات . ليعلن نظرية اسمها ˝الميكانيكا الموجية˝ .
وفي هذه النظرية أثبت شرودنجر بالتجربة أن حزمة من الإلكترونات ساقطة على سطح بللورة معدنية تحيد بنفس الطريقة التي تحيد بها أمواج البحر التي تدخل من مضيق . واستطاع أن يحسب طول موجة الإلكترونات التي تحيد بهذه الطريقة .
وأعقبت هذه المفاجأة مفاجآت أخرى .
فقد أثبتت التجارب التي أجريت على حِزَم من الذرّات، ثم على حِزَم من الجزيئات . أنها بإسقاطها على بللورة معدنية تتصرف بنفس الطريقة الموجية وأن طول موجاتها يمكن حسابه بمعادلات شرودنجر .
وبهذا بدأ صرح النظرية المادية كله ينهار .
إن الهيكل كله يسقط، ويتحول إلى خواء .
إن كُهّان العلوم دأبوا من سنين على أن يعلمونا أن الذرة عبارة عن معمار مادي يتألف من نواة ( بروتون أو أكثر ) تدور حولها الإلكترونات في أفلاك دائرية كما تدور الكواكب حول الشمس .
وأكثر من هذا . حسبوا عدد الإلكترونات في كل ذرة وقالوا لنا إنها إلكترون واحد في ذرة الأيدروجين ثم تزيد في العناصر الثقيلة حتى تبلغ 92 إلكترون في ذرة اليورانيوم، وأن كل ذرة لها وزن ذري . وأثبتوا كل هذا بالمعادلات .
فماذا يقولون في هذا الذي يهدم لهم صرح الهيكل ليقول إنه لا يحتوي على شيء له كيان مادي أو حيِّز، وإنما كل ما هناك . طاقة متموجة، وأكثر من هذا يقدم لهم الإثبات بالمعادلات، والتجارب .
وكانت بلبَلة علمية لا حـد لها .
كيف يمكن أن يقوم البرهان على شيئين متناقضين ! . وهل يمكن أن يكون للشيء طبيعة متناقضة . ؟!
كيف يمكن أن تكون للمادة صفات موجية، وللضوء صفات مادية . ؟!
وتقدم عالِم ألماني هو ˝ هايزنبرج ˝ وبرفقته عالِم آخر هو ˝ بورن ˝ ليقول أنه من الممكن تخطي هذه الفجوة، وأنه لا توجد مشكلة . وقدم مجموعة من المعادلات يمكن عن طريقها حساب الضوء على أنه أمواج أو على أنه ذرّات، ولمن يريد أن يختار الإفتراض الذي يعجبه . وسيجد أن المعادلات تصلح للغرضين في وقت واحد .
كيف يمكن أن تكون الحقيقة متناقضة . ؟!
العلماء يسألون .
وهايزنبرج يرد ببساطة . الحقيقة المطلَقة لا سبيل إلى إدراكها .
العلم لا يستطيع أن يعرف حقيقة أي شيء . إنه يعرف كيف يتصرف ذلك الشيء في ظروف معينة، ويستطيع أن يكشف علاقاته مع غيره من الأشياء ويحسبها . ولكنه لا يستطيع أن يعرف ما هو . !
لا سبيل أمام العلم لإدراك المطلق .
العلم يدرِك كميات، ولكنه لا يدرِك ماهيات .
العلم لا يمكنه أن يعرف ما هو الضوء . ولا ما هو الإلكترون .
وحينما يقول إن الأشعة الضوئية هي موجات كهربية مغناطيسية أو فوتونات . فإنه يحيل الألغاز إلى ألغاز أخرى . فما هي الموجات الكهربائية المغناطيسية ؟ حركة في الأثير ؟ . وما الحركة ؟ . وما الأثير ؟ .
وما الفوتونات ؟ . حِزَم من الطاقة ؟ . وما الطاقة ؟ .
العلم لا يمكن أن يعرف ماهية أي شيء . إنه يستطيع أن يعرف سلوك الشيء وعلاقاته بالأشياء الأخرى والكيفيات التي يوجد بها في الظروف المختلفة . ولكنه لا يستطيع أن يعرف حقيقته .
وحينما يكتشف العلم أن الضوء في إحدى التجارب يتصرَف بطريقة مَوْجية، وفي تجربة أخرى يتصرف بطريقة مادية ذرية، فلا تناقض هناك . لأن ما اكتشفه العلم هو مسلَك الضوء، والكيفيات التي ينطلق بها في الظروف المختلفة . لا حقيقة الضوء . ويمكن أن تكون للضوء طبيعة مزدوجة .
والصفة الثانية للعلم .
أن أحكامه كلها إحصائية وتقريبية . لأنه لا يُجري تجاربه على حالات مفردة . لا يمسك ذرة مفردة ليجري عليها تجاربه . ولا يقبض على إلكترون واحد ليلاحظه . ولا يمسك فوتونًا واحدًا ليفحصه ويتفرج عليه .
وإنما يجري تجاربه على مجموعات . على شعاع ضوء مثلًا ( والشعاع يحتوي على بلايين بلايين الفوتونات ) .
أو جرام من مادة . والجرام يحتوي على بلايين بلايين الذرات . وتكون النتيجة أن الحسابات كلها حسابات إحصائية تقوم على الإحتمالات . وعلى الصواب التقريبي .
والقوانين العلمية أشبه بالإحصائيات التي يمسح بها الباحثون الاجتماعيون المجتمع لتقرير أسباب الانتحار . أو أسباب الطلاق . أو علاقة السرطان بالتدخين . أو الخمر بالجنون .
وكل النتائج تكون في هذه الحالة نتائج إحتمالية وإحصائية لأنها جميعها متوسطات حسابية عن أعداد كبيرة .
أما إذا حاول العلم أن يجري تجاربه على وِحدة أساسية . كأن يدرس ذرّة بعينها أو يلاحظ إلكترونًا واحدًا بالذات . فإنه لا يمكنه أن يخرج بنتيجة أو معرفة . لأنه يصطدم باستحالة نهائية .
ولكي يثبت هايزنبرج هذه الإستحالة تخيل أن عالِمًا يحاول أن يشاهد الإلكترون . فعليه أولًا أن يستخدم ميكروسكوبًا يكبر مائة مليون مرة . وعلى افتراض أنه حصل على هذا الميكروسكوب، فإن هناك صعوبة أخرى . وهي أن الإلكترون أصغر من موجة الضوء . فعليه أن يختار موجة قصيرة مثل أشعة إكس .
ولكن أشعة إكس لا تصلح للرؤية . إذاً عليه أن يستخدم أشعة الراديوم .
وبافتراض أنه حصل على هذه الأشياء . فإنه في اللحظة التي يضع فيها عينيه على الميكروسكوب ويطلق فوتونًا ضوئيًا ليرى به الإلكترون . فإن الفوتون سوف يضرب الإلكترون كما تضرب العصا كرة البلياردو ويزيحه من مكانه مغيرًا سرعته .
لأن الفوتون عبارة عن شحنة من الطاقة .
فهو في محاولته لتسجيل وضع الإلكترون وسرعته . لن يصل إلى أي نتيجة .
إذ في اللحظة التي يحاول فيها تسجيل سرعته يتغير مكانه . لأن إطلاق الضوء عليه لرؤيته ينقله من مكانه ويغير سرعته .
إن عملية الملاحظة التي يقوم بها تغير من النتيجة المطلوبة .
إنه يحاول أن يرى طبيعة الإلكترون ليسجلها . ولكن عملية الرؤية تُغير أول ما تُغير تلك الطبيعة التي يجري وراء تسجيلها .
فهو ينقل الإلكترون من مكانه في اللحظة التي يحاول فيها أن يسجل مكانه .
وهكذا يكون التعامل مع الوحدات الأساسية للطبيعة مستحيل . فحينما نصل إلى عالَم الذرة الصغير يستحيل علينا التحديد . وفي نفس الوقت يتعطل قانون السببية .
فلا يصبح ساريًا . لأن عملية الملاحظة تتدخل بين السبب والنتيجة وتكسر حلقة السببيية من منتصفها . وتدخل هي بذاتها كسبب يغير من النتيجة بشكل يجعل من المستحيل معرفتها أو حسابها .
إننا نكون أشبه بالأعمى الذي يمسك بقطعة مربعة من الثلج ليتحسس شكلها ومقياسها . وهي في اللحظة التي يتحسسها تذوب مقاييسها بين يديه . فيفقد الشيء الذي يبحث عنه بنفس العملية التي يبحث بها عنه .
وهكذا تتعطل القوانين حينما تصل إلى منتهى أجزاء ذلك الكون الكبير . وتتوقف عند أصغر وحدة في وحداته . فلا تعود سارية ولا تعود صالحة للتطبيق .
وبالمثل هي تتعطل أحيانًا حينما نحاول أن نطبقها على الكون بأسره ككل . فقانون السببية أيضًا لا يعود ساريًا بالنسبة للكون ككل . إذ أن اعتبار الكون صادرًا عن سبب، واعتباره خاضعًا للسببية يجعل منه جزءًا صادرًا عن جزء آخر ويتناقض مع كليته وشموله .
القوانين تصطدم مع الحدّ الأكبر ومع الحدّ الأصغر للكون ولا تعود سارية .
والعقل يصطدم بالإستحالة حينما يحاول أن يبحث في المبدأ وفي المنتهى . لأنه لم يُجهَز بالوسائل التي يقتحم بها هذه الحدود .
بهذا البحث الفلسفي الرياضي . إستطاع هايزنبرج أن يفسر الطبيعة المزدوجة للضوء، ووضع المعادلات التي تصلح لتفسير الضوء على الأساس المادي وعلى الأساس الموجي في نفس الوقت، واعتبر القوانين في هذا المجال قوانين احتمالية إحصائية . تعبِّر عن سلوك مجاميع هائلة من بلايين بلايين الفوتونات .
أما الفوتون نفسه . فشيء لا يمكن تحديده .
وهل يمكن تحديد نقطة في ريح عاصفة في الظلام . وهل يمكنك أن تقول إن هذه النقطة تشغل هذا المكان بالذات . ؟!
كل ما يمكن للعلم أن يدركه هو ˝الكميات˝ و ˝الكيفيات˝ . ولكن لا سبيل إلى إدراك الماهيات .
******
لكن أينشتين كانت له وجهة نظر أخرى .
كان يرى في العالَم وحدة منسجمة .
كان يرى العالَم الكبير بشموسه وأفلاكه، والعالم الصغير بذرّاته وإلكتروناته خاضعًا كله لقانون واحد بسيط .
وكان يرى أن العقل في إمكانه أن يكتشف هذا القانون . وكان يبحث جاهدًا عنه .
وفي سنة 1929 أعلن عن نظرية ˝المجال الموحَد˝ . ثم عاد بعد ذلك ورفضها واستبعدها . وعاود البحث من جديد .
مقال / مبدأ الشـــك .
من كتاب / أينشتين والنسبية
لـلدكتور/ مصطفى محمود (رحمه الله ). ❝
❞ حوار مع صديقي الملحد
..
قلت لصديقي : ربما كان حديث اليوم عن لمحات العلم في القرآن أكثر إثارة لعقلك العلمي من جلستنا السابقة .. فما كان الفلك الحديث ، و لا علوم الذرّة ، و لا علوم البيولوجيا و التشريح معروفة حينما نزلت الآيات الكونية في القرآن منذ أكثر من ألف و أربعمائة سنة لتتكلم عن السماوات و الأرض و النجوم و الكواكب ، و خلق الجنين و تكوين الإنسان بما يتفق مع أحداث العلوم التي جاء بها عصرنا .و لم يتعرض القرآن لهذه الموضوعات بتفصيل الكتاب العلمي المتخصص ، لأنه جاء في المقام الأول كتاب عقيدة و منهج و تشريع ..و لو أنه تعرض لتلك الموضوعات بتفصيل و وضوح لصدم العرب بما لا يفهمونه .. و لهذا لجأ إلى أسلوب الإشارة و اللمحة و الومضة لتفسرها علوم المستقبل و كشوفه بعد ذلك بمئات السنين .. و تظهر للناس جيلاً بعد جيل كآيات و معجزات على صدق نزول القرآن من الله الحق ..
( سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (
لأنهم لم يكتفوا بشهادة الله على كتابه .. فأصبح من الضروري أن نريهم ذلك بالآيات الكاشفة .. هكذا يقول الله في كتابه ..و ما زال القرآن يكشف لنا يوماً بعد يوم مزيداً من تلك الآيات العجيبة .. و حول كروية الأرض جاءت هذه الآيات الصريحة التي تستخدم لفظ التكوير لتصف انزلاق الليل و النهار كنصفي كرة :
( يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ)
ثم الآية التي تصف دحو الأرض ..
( وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا )
و دحا هي الكلمة الوحيدة في القاموس التي تعني البسط والتكوير معاً .. و الأرض كما هو معلوم مبسوطة في الظاهر و مكورة في الحقيقة ، بل هي أشبه بالدحية " البيضة " في تكويرها .. ثم نقرأ إشارة أخرى صريحة عن أن الجبال تسبح في الفضاء ، و بالتالي فالأرض كلها تسبح بجبالها حيث هي و الجبال كتلة واحدة :
( وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ (
فالجبال التي تبدو جامدة ساكنة هي في الواقع سابحة في الفضاء .. و تشبيه الجبال بالسحب فيه لمحة أخرى عن التكوين الهش للمادة .. التي نعرف الآن أنها مؤلفة من ذرّات ، كما أن السحب مؤلفة من قطيرات . .ثم الكلام عن تواقت الليل والنهار بدون أن يسبق أحدهما الآخر من مبدأ الخلق إلى نهايته .
( لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ )
إشارة أخرى إلى كروية الأرض .. حيث بدأ الليل والنهار معاً وفي وقت واحد منذ بدء الخليقة كنصفي كرة ولو كانت الأرض مسطحة لتعاقب النهار والليل الواحد بعد الآخر بالضرورة .
ثم تأتي القيامة والأرض في ليل ونهار في وقت واحد كما كانت في البدء
( حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ )
و في قوله تعالى ليلاً أو نهاراً .. تأكيد لهذا التواقت الذي لا تفسير له إلا أن نصف الأرض محجوب عن الشمس و مظلم ، و الآخر مواجه للشمس و مضيء بحكم كونها كروية ، و لو كانت مسطحة لكان لها في كل وقت وجه واحد ، و لما صح أن نقول :
( وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ )
ثم تعدد المشارق و المغارب في القرآن فالله يُوصَف :
( بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ(
رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ )
و لو كانت الأرض مسطحة لكان هناك مشرق واحد ومغرب واحد ، يقول الإنسان لشيطانه يوم القيامة :
( يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ (
ولا تكون المسافة على الأرض أبعد ما تكون بين مشرقين إلا إذا كانت الأرض كروية ..ثم الكلام عن السماء بأن فيها مسارات ومجالات وطرقاً :
( وَالسَّمَاء ذَاتِ الْحُبُكِ )
والحبك هي المسارات..
( وَالسَّمَاء ذَاتِ الرَّجْعِ )
أي أنها ترجع كل ما يرتفع فيها إلى الأرض .. ترجع بخار الماء مطراً .. وترجع الأجسام بالجاذبية الأرضية .. وترجع الأمواج اللاسلكية بانعكاسها من طبقة الأيونوسفير .. كما ترجع الأشعة الحرارية تحت الحمراء معكوسة إلى الأرض بنفس الطريقة فتدفئها في الليل ..وكما تعكس السماء ما ينقذف إليها من الأرض كذلك تمتص وتعكس وتشتت ما ينقذف إليها من العالم الخارجي ، وبذلك تحمي الأرض من قذائف الأشعة الكونية المميتة ، والأشعة فوق البنفسجية القاتلة ..فهي تتصرف كأنها سقف ..
( وَجَعَلْنَا السَّمَاء سَقْفًا مَّحْفُوظًا(
( وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ )
و هو ما يعرف الآن باسم تمدد الكون المطرد ..وكان مثقال الذرة يعرف في تلك الأيام بأنه أصغر مثقال، وكانت الذرة توصف بأنها جوهر فرد لا ينقسم، فجاء القرآن ليقول بمثاقيل أصغر تنقسم إليها الذرة .. وكان أول كتاب يذكر شيئاً أصغر من الذرة :
( لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ )
كل هذه لمحات كاشفة قاطعة عن حقائق مذهلة مثل كروية الأرض ، وطبيعة السماء والذرة .. وهي حقائق لم تكن تخطر على بال عاقل أو مجنون في ذلك العصر البائد الذي نزل فيه القرآن ..ثم بصيرة القرآن في تكوين الإنسان وكلامه عن النطفة المنوية وانفرادها بتحديد جنس المولود .
( وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى . مِن نُّطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى )
و هي حقيقة بيولوجية لم تُعرف إلاّ هذا الزمان .. ونحن نقول الآن إن رأس الحيوان المنوي هو وحده الذي يحتوي على عوامل تحديد الجنس Sex Determination Factor .وتسوية البنان بما فيه من رسوم البصمات التي أوردها الله في مجال التحدي عن البعث والتجسيد :
( أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَلَّن نَجْمَعَ عِظَامَهُ . بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ)
بل سوف نجسد حتى ذلك البنان ونسويه كما كان .. وفي ذلك لفتة إلى الإعجاز الملحوظ فيتسوية البنان بحيث لا يتشابه فيه اثنان ..وأوهن البيوت في القرآن هو بيت العنكبوت.. لم يقل الله خيط العنكبوت بل قال بيت العنكبوت ..وخيط العنكبوت كما هو معلوم أقوى من مثيله من الصلب أربع مرات .. إنما الوهن في البيتلا في الخيط .. حيث يكون البيت أسوأ ملجأ لمن يحتمي فيه .. فهو مصيدة لمن يقع فيه من الزوار الغرباء ..وهو مقتل حتى لأهله .. فالعنكبوت الأنثى تأكل زوجها بعد التلقيح .. وتأكل أولادها عند الفقس ، والأولاد يأكل بعضهم بعض .
إن بيت العنكبوت هو أبلغ مثال يضرب عن سوء الملجأ وسوء المصير .. وهكذا حال من يلجأ لغير الله .. وهنا بلاغة الآية :
( مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاء كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ )
وجاءت خاتمة الآية عبارة .. لو كانوا يعلمون .. إشارة إلى أنه علم لن يظهر إلا متأخراً .. و معلوم أن هذه الأسرار البيولوجية لم تظهر إلا متأخرة .. كذلك نجد في سورة الكهف ..
( وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا (
و نعرف الآن أن ثلاثمائة سنة بالتقويم الشمسي تساوي ثلاثمائة وتسعاً بالتقويم القمري باليوم والدقيقة والثانية ..و في سورة مريم يحكي الله تبارك وتعالى عن مريم وكيف جاءها المخاض فأوت إلى جذع النخلة وهي تتمنى الموت، فناداها المنادي أن تهز بجذع النخلة وتأكل ما يتساقط من رطب جنى :
( فَأَجَاءهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا . فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَاأَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا . وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا . فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا )
و لمـاذا الرطـب ؟ !!إن أحدث بحث علمي عن الرطب يقول : إن فيه مادة قابضة للرحم تساعد على الولادة ، وتساعد على منع النزيف بعد الولادة ، مثل مادة Oxytocin ، وأن فيه مادة ملينة .. ومعلوم طبياً أن الملينات النباتية تفيد في تسهيل و تأمين عملية الولادة بتنظيفها للقولون ..إن الحكمة العلمية لوصف الرطب وتوقيت تناول الرطب مع مخاض الولادة فيه دقة علمية واضحة .هذه الأمثلة من الصدق العلمي والصدق المجازي والصدق الحرفي هو ما أشار إليه الله سبحانه واصفاً القرآن بأنه :
( لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ (
و بأنه :
( وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا (
اختلافاً بين الآيات وبين بعضها بمعنى تناقضها .. واختلافاً عن الحقائق الثابتة التي سوف تكشفها العلوم .. وكلا الاختلافين نجده دائماً في الكتب المؤلفة .. ولهذا يحرص المؤلف على أن يضيف أو يحذف أو يعدل كلما أصدر طبعة جديدة من كتبه .. ونرى النظريات تتلو بعضها البعض مكذبة بعضها البعض .. ونرى المؤلف مهما راعى الدقة يقع في التناقض .. وهي عيوب لا نجدها في القرآن . وهو بعد ذلك معجزة ، لأنه يخبرك عن ماض لم يؤرخ ويتنبا بمستقبل لم يأت .. وقد صدقت نبوءات القرآن المتعددة عن انتصار الروم بعد هزيمتهم :
( غُلِبَتِ الرُّومُ . فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ . فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ )
و " بضع " في اللغة هي ما بين ثلاث وتسع .. وقد جاء انتصار الروم بعد سنين .وعن انتصار بدر :
( سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ )
وعن رؤيا دخول مكة :
( لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ
و قد كان .. وما زلت في القرآن نبوءات تتحقق أمام أعيننا .. فهذا إبراهيم يدعو ربه:
( رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (
لقد دعا بالرزق لهذا الوادي الجديب ..ثم جاء وعد الله لأهل مكة بالرخاء والغنى حينما أمرهم بمنع المشركين من زيارة البيت فخافوا البوار الاقتصادي والكساد ، " وكان أهل مكة يعتمدون في رواجهم على حج البيت " فقال ليطمئنهم :
( وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ )
وهو وعد نراه الآن يتحقق أمامنا في البترول الذي يتدفق من الصحراء بلا حساب وترتفع أسعارهفي جنون يوماً بعد يوم .. ثم في كنوز اليورانيوم التي تخفيها تلك الصحاري بما يضمن لها الرخاء إلى نهاية الزمان ..ثم نرى القرآن يحدثنا عن الغيب المطلسم في أسرار الجن والملائكة مما لم يكشف إلاّ لقلة من المخصوصين من أهل التصوف .. فإذا رأي هؤلاء فهم لا يرون إلا ما يوافق كلمة القرآن ..وإذا طالعوا لا يطالعون إلا ما يطابق أسراره .ثم هو يقدم لنا الكلمة الأخيرة في السياسة والأخلاق ، ونظم الحكم ، والحرب والسلم ، والاقتصاد والمجتمع ، والزواج والمعاشرة ، ويشرع لنا من محكم الشرائع ما يسبق به ميثاق حقوق الإنسان .. كل ذلك في أسلوب منفرد وعبارة شامخة وبنيان جمالي وبلاغي هو نسيج وحده في تاريخ اللغة .سألوا ابن عربي عن سر إعجاز القرآن فأجاب بكلمة واحدة هي : " الصدق المطلق " ..فكلمات القرآن صادقة صدقاً مطلقاً ، في حين أقصى ما يستطيعه مؤلف هو أن يصل إلى صدق نسبي ، وأقصى ما يطمع فيه كاتب هو أن يكون صادقاً حسب رؤيته .. ومساحة الرؤية دائماً محدودة ومتغيرة من عصر إلى عصر .. كل واحد منا يحيط بجانب من الحقيقة وتفوته جوانب ، ينظر من زاوية وتفوته زوايا .. وما يصل إليه من صدق دائماً صدق نسبي .. أما صاحب العلم المحيط والبصر الشامل فهو الله وحده .. وهو وحده القادر على الصدق المطلق .. ولهذا نقول على القرآن إنه من عند الله ، لأنه أصاب الصدق المطلق في كل شيء.سألوا محمداً عليه الصلاة والسلام عن القرآن فقال :" فيه نبأ ما قبلكم ، وفصل ما بينكم ، وخبر ما بعدكم ، وهو الفصل ليس بالهزل ، وهو الذكر الحكيم ، وهو حبل الله المتين ، وهو الصراط المستقيم ، من تركه من جبار قصمه الله ، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله ، وهو الذي لا تلتبس به الألسن ، ولا تزيغ به العقول ، ولا يخلق على كثرة الرد ، ولا يشبع منه العلماء ، ولا تنقضي عجائبه " ..عن انفجار شمسنا ونهاية الحياة على الأرض وقيام القيامة يقول ربنا في سورة الرحمن الآيات 37 إلى 44 :
( فَإِذَا انشَقَّتِ السَّمَاء فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ . فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ . فَيَوْمَئِذٍ لَّا يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلَا جَانٌّ . فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ . يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ . فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ . هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ . يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ )
وتأتينا علوم الفلك الآن وبعد ألف وأربعمائة سنة من نزول القرآن .. بأن هذه نهاية النجوم التي تملأ السماء بألوانها المبهرة .. بل ويطلق الفلكيون على بعض هذه النجوم المنفجرة اسم Rosetta أي وردة ..من أي مصدر جاءت هذه النبوءات للرسول منذ أكثر من ألف وأربعمائة عام ..إلا أن تكون من رب الكون نفسه .. ويستطيع أي قارئ أن يرى هذه العجائب على الانترنت بموقع NASA بابAstronomical picture of the day بعنوان Cats eye و هذا كلامهم و ليس كلامنا ..و هذا هو كتابنا يا صديقــي ..و لهذه الصفات مجتمعة لا يمكن أن يكون مؤلفاً ..
من كتــاب/ حوار مع صديقي الملحد
للدكتور / مصطفى محمود رحمه الله. ❝ ⏤مصطفى محمود
❞ حوار مع صديقي الملحد
.
قلت لصديقي : ربما كان حديث اليوم عن لمحات العلم في القرآن أكثر إثارة لعقلك العلمي من جلستنا السابقة . فما كان الفلك الحديث ، و لا علوم الذرّة ، و لا علوم البيولوجيا و التشريح معروفة حينما نزلت الآيات الكونية في القرآن منذ أكثر من ألف و أربعمائة سنة لتتكلم عن السماوات و الأرض و النجوم و الكواكب ، و خلق الجنين و تكوين الإنسان بما يتفق مع أحداث العلوم التي جاء بها عصرنا .و لم يتعرض القرآن لهذه الموضوعات بتفصيل الكتاب العلمي المتخصص ، لأنه جاء في المقام الأول كتاب عقيدة و منهج و تشريع .و لو أنه تعرض لتلك الموضوعات بتفصيل و وضوح لصدم العرب بما لا يفهمونه . و لهذا لجأ إلى أسلوب الإشارة و اللمحة و الومضة لتفسرها علوم المستقبل و كشوفه بعد ذلك بمئات السنين . و تظهر للناس جيلاً بعد جيل كآيات و معجزات على صدق نزول القرآن من الله الحق .
لأنهم لم يكتفوا بشهادة الله على كتابه . فأصبح من الضروري أن نريهم ذلك بالآيات الكاشفة . هكذا يقول الله في كتابه .و ما زال القرآن يكشف لنا يوماً بعد يوم مزيداً من تلك الآيات العجيبة . و حول كروية الأرض جاءت هذه الآيات الصريحة التي تستخدم لفظ التكوير لتصف انزلاق الليل و النهار كنصفي كرة :
ثم الآية التي تصف دحو الأرض .
( وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا )
و دحا هي الكلمة الوحيدة في القاموس التي تعني البسط والتكوير معاً . و الأرض كما هو معلوم مبسوطة في الظاهر و مكورة في الحقيقة ، بل هي أشبه بالدحية " البيضة " في تكويرها . ثم نقرأ إشارة أخرى صريحة عن أن الجبال تسبح في الفضاء ، و بالتالي فالأرض كلها تسبح بجبالها حيث هي و الجبال كتلة واحدة :
( وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ (
فالجبال التي تبدو جامدة ساكنة هي في الواقع سابحة في الفضاء . و تشبيه الجبال بالسحب فيه لمحة أخرى عن التكوين الهش للمادة . التي نعرف الآن أنها مؤلفة من ذرّات ، كما أن السحب مؤلفة من قطيرات . .ثم الكلام عن تواقت الليل والنهار بدون أن يسبق أحدهما الآخر من مبدأ الخلق إلى نهايته .
( لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ )
إشارة أخرى إلى كروية الأرض . حيث بدأ الليل والنهار معاً وفي وقت واحد منذ بدء الخليقة كنصفي كرة ولو كانت الأرض مسطحة لتعاقب النهار والليل الواحد بعد الآخر بالضرورة .
ثم تأتي القيامة والأرض في ليل ونهار في وقت واحد كما كانت في البدء
( حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ )
و في قوله تعالى ليلاً أو نهاراً . تأكيد لهذا التواقت الذي لا تفسير له إلا أن نصف الأرض محجوب عن الشمس و مظلم ، و الآخر مواجه للشمس و مضيء بحكم كونها كروية ، و لو كانت مسطحة لكان لها في كل وقت وجه واحد ، و لما صح أن نقول :
( وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ )
ثم تعدد المشارق و المغارب في القرآن فالله يُوصَف :
( بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ(
رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ )
و لو كانت الأرض مسطحة لكان هناك مشرق واحد ومغرب واحد ، يقول الإنسان لشيطانه يوم القيامة :
( يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ (
ولا تكون المسافة على الأرض أبعد ما تكون بين مشرقين إلا إذا كانت الأرض كروية .ثم الكلام عن السماء بأن فيها مسارات ومجالات وطرقاً :
( وَالسَّمَاء ذَاتِ الْحُبُكِ )
والحبك هي المسارات.
( وَالسَّمَاء ذَاتِ الرَّجْعِ )
أي أنها ترجع كل ما يرتفع فيها إلى الأرض . ترجع بخار الماء مطراً . وترجع الأجسام بالجاذبية الأرضية . وترجع الأمواج اللاسلكية بانعكاسها من طبقة الأيونوسفير . كما ترجع الأشعة الحرارية تحت الحمراء معكوسة إلى الأرض بنفس الطريقة فتدفئها في الليل .وكما تعكس السماء ما ينقذف إليها من الأرض كذلك تمتص وتعكس وتشتت ما ينقذف إليها من العالم الخارجي ، وبذلك تحمي الأرض من قذائف الأشعة الكونية المميتة ، والأشعة فوق البنفسجية القاتلة .فهي تتصرف كأنها سقف .
( وَجَعَلْنَا السَّمَاء سَقْفًا مَّحْفُوظًا(
( وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ )
و هو ما يعرف الآن باسم تمدد الكون المطرد .وكان مثقال الذرة يعرف في تلك الأيام بأنه أصغر مثقال، وكانت الذرة توصف بأنها جوهر فرد لا ينقسم، فجاء القرآن ليقول بمثاقيل أصغر تنقسم إليها الذرة . وكان أول كتاب يذكر شيئاً أصغر من الذرة :
( لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ )
كل هذه لمحات كاشفة قاطعة عن حقائق مذهلة مثل كروية الأرض ، وطبيعة السماء والذرة . وهي حقائق لم تكن تخطر على بال عاقل أو مجنون في ذلك العصر البائد الذي نزل فيه القرآن .ثم بصيرة القرآن في تكوين الإنسان وكلامه عن النطفة المنوية وانفرادها بتحديد جنس المولود .
( وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى . مِن نُّطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى )
و هي حقيقة بيولوجية لم تُعرف إلاّ هذا الزمان . ونحن نقول الآن إن رأس الحيوان المنوي هو وحده الذي يحتوي على عوامل تحديد الجنس Sex Determination Factor .وتسوية البنان بما فيه من رسوم البصمات التي أوردها الله في مجال التحدي عن البعث والتجسيد :
( أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَلَّن نَجْمَعَ عِظَامَهُ . بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ)
بل سوف نجسد حتى ذلك البنان ونسويه كما كان . وفي ذلك لفتة إلى الإعجاز الملحوظ فيتسوية البنان بحيث لا يتشابه فيه اثنان .وأوهن البيوت في القرآن هو بيت العنكبوت. لم يقل الله خيط العنكبوت بل قال بيت العنكبوت .وخيط العنكبوت كما هو معلوم أقوى من مثيله من الصلب أربع مرات . إنما الوهن في البيتلا في الخيط . حيث يكون البيت أسوأ ملجأ لمن يحتمي فيه . فهو مصيدة لمن يقع فيه من الزوار الغرباء .وهو مقتل حتى لأهله . فالعنكبوت الأنثى تأكل زوجها بعد التلقيح . وتأكل أولادها عند الفقس ، والأولاد يأكل بعضهم بعض .
إن بيت العنكبوت هو أبلغ مثال يضرب عن سوء الملجأ وسوء المصير . وهكذا حال من يلجأ لغير الله . وهنا بلاغة الآية :
( مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاء كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ )
وجاءت خاتمة الآية عبارة . لو كانوا يعلمون . إشارة إلى أنه علم لن يظهر إلا متأخراً . و معلوم أن هذه الأسرار البيولوجية لم تظهر إلا متأخرة . كذلك نجد في سورة الكهف .
( وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا (
و نعرف الآن أن ثلاثمائة سنة بالتقويم الشمسي تساوي ثلاثمائة وتسعاً بالتقويم القمري باليوم والدقيقة والثانية .و في سورة مريم يحكي الله تبارك وتعالى عن مريم وكيف جاءها المخاض فأوت إلى جذع النخلة وهي تتمنى الموت، فناداها المنادي أن تهز بجذع النخلة وتأكل ما يتساقط من رطب جنى :
( فَأَجَاءهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا . فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَاأَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا . وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا . فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا )
و لمـاذا الرطـب ؟ !!إن أحدث بحث علمي عن الرطب يقول : إن فيه مادة قابضة للرحم تساعد على الولادة ، وتساعد على منع النزيف بعد الولادة ، مثل مادة Oxytocin ، وأن فيه مادة ملينة . ومعلوم طبياً أن الملينات النباتية تفيد في تسهيل و تأمين عملية الولادة بتنظيفها للقولون .إن الحكمة العلمية لوصف الرطب وتوقيت تناول الرطب مع مخاض الولادة فيه دقة علمية واضحة .هذه الأمثلة من الصدق العلمي والصدق المجازي والصدق الحرفي هو ما أشار إليه الله سبحانه واصفاً القرآن بأنه :
( لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ (
و بأنه :
( وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا (
اختلافاً بين الآيات وبين بعضها بمعنى تناقضها . واختلافاً عن الحقائق الثابتة التي سوف تكشفها العلوم . وكلا الاختلافين نجده دائماً في الكتب المؤلفة . ولهذا يحرص المؤلف على أن يضيف أو يحذف أو يعدل كلما أصدر طبعة جديدة من كتبه . ونرى النظريات تتلو بعضها البعض مكذبة بعضها البعض . ونرى المؤلف مهما راعى الدقة يقع في التناقض . وهي عيوب لا نجدها في القرآن . وهو بعد ذلك معجزة ، لأنه يخبرك عن ماض لم يؤرخ ويتنبا بمستقبل لم يأت . وقد صدقت نبوءات القرآن المتعددة عن انتصار الروم بعد هزيمتهم :
( غُلِبَتِ الرُّومُ . فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ . فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ )
و " بضع " في اللغة هي ما بين ثلاث وتسع . وقد جاء انتصار الروم بعد سنين .وعن انتصار بدر :
( سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ )
وعن رؤيا دخول مكة :
( لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ
و قد كان . وما زلت في القرآن نبوءات تتحقق أمام أعيننا . فهذا إبراهيم يدعو ربه:
( رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (
لقد دعا بالرزق لهذا الوادي الجديب .ثم جاء وعد الله لأهل مكة بالرخاء والغنى حينما أمرهم بمنع المشركين من زيارة البيت فخافوا البوار الاقتصادي والكساد ، " وكان أهل مكة يعتمدون في رواجهم على حج البيت " فقال ليطمئنهم :
( وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ )
وهو وعد نراه الآن يتحقق أمامنا في البترول الذي يتدفق من الصحراء بلا حساب وترتفع أسعارهفي جنون يوماً بعد يوم . ثم في كنوز اليورانيوم التي تخفيها تلك الصحاري بما يضمن لها الرخاء إلى نهاية الزمان .ثم نرى القرآن يحدثنا عن الغيب المطلسم في أسرار الجن والملائكة مما لم يكشف إلاّ لقلة من المخصوصين من أهل التصوف . فإذا رأي هؤلاء فهم لا يرون إلا ما يوافق كلمة القرآن .وإذا طالعوا لا يطالعون إلا ما يطابق أسراره .ثم هو يقدم لنا الكلمة الأخيرة في السياسة والأخلاق ، ونظم الحكم ، والحرب والسلم ، والاقتصاد والمجتمع ، والزواج والمعاشرة ، ويشرع لنا من محكم الشرائع ما يسبق به ميثاق حقوق الإنسان . كل ذلك في أسلوب منفرد وعبارة شامخة وبنيان جمالي وبلاغي هو نسيج وحده في تاريخ اللغة .سألوا ابن عربي عن سر إعجاز القرآن فأجاب بكلمة واحدة هي : " الصدق المطلق " .فكلمات القرآن صادقة صدقاً مطلقاً ، في حين أقصى ما يستطيعه مؤلف هو أن يصل إلى صدق نسبي ، وأقصى ما يطمع فيه كاتب هو أن يكون صادقاً حسب رؤيته . ومساحة الرؤية دائماً محدودة ومتغيرة من عصر إلى عصر . كل واحد منا يحيط بجانب من الحقيقة وتفوته جوانب ، ينظر من زاوية وتفوته زوايا . وما يصل إليه من صدق دائماً صدق نسبي . أما صاحب العلم المحيط والبصر الشامل فهو الله وحده . وهو وحده القادر على الصدق المطلق . ولهذا نقول على القرآن إنه من عند الله ، لأنه أصاب الصدق المطلق في كل شيء.سألوا محمداً عليه الصلاة والسلام عن القرآن فقال :" فيه نبأ ما قبلكم ، وفصل ما بينكم ، وخبر ما بعدكم ، وهو الفصل ليس بالهزل ، وهو الذكر الحكيم ، وهو حبل الله المتين ، وهو الصراط المستقيم ، من تركه من جبار قصمه الله ، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله ، وهو الذي لا تلتبس به الألسن ، ولا تزيغ به العقول ، ولا يخلق على كثرة الرد ، ولا يشبع منه العلماء ، ولا تنقضي عجائبه " .عن انفجار شمسنا ونهاية الحياة على الأرض وقيام القيامة يقول ربنا في سورة الرحمن الآيات 37 إلى 44 :
( فَإِذَا انشَقَّتِ السَّمَاء فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ . فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ . فَيَوْمَئِذٍ لَّا يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلَا جَانٌّ . فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ . يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ . فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ . هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ . يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ )
وتأتينا علوم الفلك الآن وبعد ألف وأربعمائة سنة من نزول القرآن . بأن هذه نهاية النجوم التي تملأ السماء بألوانها المبهرة . بل ويطلق الفلكيون على بعض هذه النجوم المنفجرة اسم Rosetta أي وردة .من أي مصدر جاءت هذه النبوءات للرسول منذ أكثر من ألف وأربعمائة عام .إلا أن تكون من رب الكون نفسه . ويستطيع أي قارئ أن يرى هذه العجائب على الانترنت بموقع NASA بابAstronomical picture of the day بعنوان Cats eye و هذا كلامهم و ليس كلامنا .و هذا هو كتابنا يا صديقــي .و لهذه الصفات مجتمعة لا يمكن أن يكون مؤلفاً .
من كتــاب/ حوار مع صديقي الملحد
للدكتور / مصطفى محمود رحمه الله. ❝
❞ والنتيجة هي مفاجأة أكثر إدهاشًا من كل المفاجآت السابقة ..
الكتلة مرادفة للوزن في لغة الكلام العادي .. والذين يذكرون بعض المعلومات التي أخذوها في كتب الطبيعة يعلمون أن للكتلة تعريفًا مختلفًا ..
فهي : خاصية مقاومة الحركة .. هكذا يسميها الفقهاء .
وقد تعلمنا من هؤلاء الفقهاء أن الكتلة كمٌ ثابت .. وأنها لا تتأثر بحركة الجسم أو بسكونه .. فهي صفة جوهرية فيه .
ولكن أينشتين الذي قلب وجه الفقه الطبيعي أثبت أن الكتلة نسبية مثل الزمان والمكان .. وأنها مقدار متغير، وأنها تتغير بحركة الجسم .
كلما ازدادت سرعة الجسم كلما ازدادت كتلته ..
ولا تبدو هذه الفروق في السرع الصغيرة المألوفة حولنا ولهذا تفوتنا فلا نلاحظها .. ولكنها في السرَع العالية التي تقترب من سرعة الضوء تصبح فروقاً هائلة .. حتى إذا بلغت سرعة الجسم مثل سرعة الضوء فإن كتلته تصبح لا نهائية .. وبالتالي تصبح مقاومته للحركة لا نهائية وبالتالي يتوقف .
وهذه فرضية مستحيلة طبعًا .. لأنه لا يوجد جسم يمكنه أن يتحرك بسرعة الضوء ..
واستطاع أينشتين أن يقدم المعادلة الدقيقة التي تبين العلاقة بين كتلة الجسم وسرعته ..
لينك المعادلة :
http://im35.gulfup.com/MlRL9.jpg
حيث أن ك1 هي كتلة الجسم وهو متحرك ، ك كتلته وهو ساكن ، ع سرعته ، ص سرعة الضوء .
والذين يذكرون أوليات علم الجبر يعلمون أن ع حينما تكون مقاديرها صغيرة لا تؤثر بكثير في المعادلة .. ولكن حينما تقترب ع من سرعة الضوء فإن النتيجة تتضخم بشكل هائل وتصبح قيمة الجذر التربيعي أقرب إلى الصفر .. وتصبح الكتلة الجديدة هي ك مقسومة على صفر .. أي لا نهاية ..
ولم تلبث المعامل أن قدمت لنا التجربة الملموسة التي تثبت صدق هذه المعادلة .. وبهذا خرجت بها من حيز الافتراضات الجبرية إلى حيز الحقائق العلمية المعترف بها ..
أثبتت التجارب أن القذائف المشعة التي تطلقها مادة الراديوم واليورانيوم ( وهي دقائق مادية متناهية في الصِغَر تنطلق بسرعة قريبة من سرعة الضوء ) تزداد كتلتها بما يتفق مع حسابات أينشتين ..
وخطا أينشتين خطوة أخرى في تفكيره النظري قائلًا :
إنه مادام الجسم يكتسب مزيدًا من الكتلة حينما يكتسب مزيدًا من الحركة .. وبما أن الحركة شكل من أشكال الطاقة .. فإن معنى هذا أن الجسم حينما يكتسب طاقة يكتسب في نفس الوقت كتلة ..
أي أن الطاقة يمكن أن تتحول إلى كتلة، والكتلة يمكن أن تتحول إلى طاقة .
وما لبث أن قدم المعادلة التاريخية لهذه العلاقة بين الطاقة والكتلة .. وهي المعادلة التي صُنِعت القنبلة الذرية على أساسها :
طـ = ك X ص2 .
أو أن الطاقة المتحصلة من كتلة معينة تساوي حاصل ضرب هذه الكتلة بالجرام في مربع سرعة الضوء بالسنتيمتر/ ثانية ..
ويلاحَظ هنا أن الطاقة الناتجة من تفجير جرام واحد كمية هائلة جدًا .. وأنها يمكن أن تحرق مدينة .. أو تزوِّد مديرية كاملة بالوقود لمدة سنة .
فإذا أردنا أن نحسب كمية الكتلة المتحصلة من تركيز كمية الطاقة، فإن المعادلة تكون أن .. الكتلة تساوي الطاقة مقسومة على سرعة الضوء بالسنتيمتر ثانية .. أي مقدار ضئيل جدًا ..
والمعادلة تفسر لنا السر في أزلية هذا الكون وقِدَمه ..
السر أن هذا العدد الهائل من النجوم مضت عليه آماد طويلة من بلايين السنين وهو يشع نورًا وطاقة وحرارة .. ولم تبد عليه مخايل الفناء بعد ..
والسر هو أن النجوم تحترق بطريقة أخرى غير احتراق السجاير .. والكبريت .. فالكبريت يشتعل بطريقة كيميائية .. والنار التي تخرج منه هي حرارة اتحاد عناصر بعضها ببعض .. هي حرارة إتحاد الكبريت بالأوكسجين لينتج ثاني أكسيد الكربون ..
الكبريت لا يفنَى وإنما يتحول إلى مركبات أخرى .. هي الدخان .
أما احتراق الشمس والنجوم فإنه احتراق فَناء ..
ذرات الشمس والنجوم تتحطم وتتدفق شعاعًا في كل أقطار الكون، وهذا النوع من الاحتراق النووي بطيء جدًا .. لأن قليلًا جدً جدًا من المادة يملأ الفضاء بالكثير جدًا جدًا من الطاقة ..
فالنجوم تخسر قليلًا جدًا من مادتها كل يوم .. وهذا سر عمرها الطويل الأزلي، ولو كانت الشمس تحترق بالطريقة التي تحترق بها السجائر وعيدان الكبريت لانطفأت في لحظة ولتحولت الأرض إلى صقيع وانقرض ما عليها من صنوف الحياة .
ولقد كان انفجار قنبلة هيروشيما ، واختراع القنبلة الهيدروجينية بعد ذلك ، ثم قنبلة النيوترون بداية فتح رهيب في عالَم الطاقة .
لقد سلَّم أينشتين مفاتيح جهنم للعلماء .. وللساسة المخبولين .. وللمجانين من هواة الحروب .. بهذه المعادلة البسيطة ..
وأصبح ممكنًا بالحساب والأرقام معرفة كمية المادة اللازمة لنسف دولة وإفناء شعب .. وهي في العادة قليل من جرامات اليورانيوم والماء الثقيل والكوبالت .. أقل مما يملأ قبضة اليد ..
وانفتح في نفس الوقت باب لبحوث الفضاء .. وأصبح السفر في صواريخ هائلة تنطلق بسرعة خارقة وتخرج من جاذبية الأرض ممكنًا .. نتيجة اختراع صنوف جديدة من الوقود الذرّي .
لكن أهم من هذه التطبيقات العملية .. كانت هناك نتيجة نظرية خطيرة ترتبت على هذه الخطوة ..
أن الحاجز بين المادة والطاقة قد سقط نهائيًا .. وأصبحت المادة هي الطاقة ، والطاقة هي المادة .
لا فرق بين الصوت والضوء والحرارة والحركة والمغنطيسية والكهرباء .. وبين المادة الخاملة التي لا يخرج منها صوت ولا تندّ عنها حركة .
فالمادة هي كل هذه الظواهر مختزنة مركَّزة .
المادة هي الحركة مضغوطة محبوسة .
هي قمقم سليمان فيه عفريت .
وأينشتين هو الذي أطلق تعزيمة الرموز والطلاسم الجبرية فانفتح القمقم وخرج العفريت .
المادة ليست مادة ..
إنها حركة ..
ما الفرق بين أن نقول ذلك ، وبين أن نقول إنها روح .. ؟!
الروح تعبير صوفي نقصد به الفعالية الخالصة التي بلا جسد ..
والمادة اتضح أنها فعالية خالصة ( حركة ) وأن جسمها الملموس وَهم من أوهام الحواس ..
الألفاظ تختلط ببعضها .. وكل شيء جائز .
ومنذ اللحظة التي حطم فيها أينشتين السدّ الوهميّ بين المادة والطاقة ، انهار كل يقين حسي ملموس .. وتحولت الدنيا إلى خواء مشحون بطاقة غير مرئية .. مثل الجن والعفاريت ..
مرة يسميها العِلم موجات مغناطيسية كهربائية .. ومرة يسميها أشعة كونية .. ومرة يسميها أشعة إكس .. ومرة يسميها جزيئات بيتا .. ومرة يسميها أشعة جاما ..
وأغلبها أشياء تقتل في الظلام دون أن تدركها الحواس .. وهذه الأشياء هي نفسها المادة الساذجة الخاملة التي نتداولها بين أيدينا كل يوم ..
وسط هذا التشويش والغموض وَجَدت بعض المعضلات العلمية تفسيرها .. المشكلة التي أثارها ماكس بلانك : هل طبيعة الضوء ذرية .. أو موجية .. ؟!
مثل هذا الازدواج أصبح طبيعيًا .. فالضوء مادة وفي نفس الوقت طاقة .. ولابد أن يحمل أثر هذه الطبيعة المزدوجة .. وهي ازدواج وليس تناقضًا ..
لأن الذرة ليست شكلًا ثابتًا وحيدًا للمادة .. وإنما هي في ذات الوقت يمكن أن تتبعثر أمواجًا ..
مقال / الكتلة
من كتاب / اينشتين والنسبيه
للدكتور/ مصطفى محمود (رحمه الله). ❝ ⏤مصطفى محمود
❞ والنتيجة هي مفاجأة أكثر إدهاشًا من كل المفاجآت السابقة .
الكتلة مرادفة للوزن في لغة الكلام العادي . والذين يذكرون بعض المعلومات التي أخذوها في كتب الطبيعة يعلمون أن للكتلة تعريفًا مختلفًا .
فهي : خاصية مقاومة الحركة . هكذا يسميها الفقهاء .
وقد تعلمنا من هؤلاء الفقهاء أن الكتلة كمٌ ثابت . وأنها لا تتأثر بحركة الجسم أو بسكونه . فهي صفة جوهرية فيه .
ولكن أينشتين الذي قلب وجه الفقه الطبيعي أثبت أن الكتلة نسبية مثل الزمان والمكان . وأنها مقدار متغير، وأنها تتغير بحركة الجسم .
كلما ازدادت سرعة الجسم كلما ازدادت كتلته .
ولا تبدو هذه الفروق في السرع الصغيرة المألوفة حولنا ولهذا تفوتنا فلا نلاحظها . ولكنها في السرَع العالية التي تقترب من سرعة الضوء تصبح فروقاً هائلة . حتى إذا بلغت سرعة الجسم مثل سرعة الضوء فإن كتلته تصبح لا نهائية . وبالتالي تصبح مقاومته للحركة لا نهائية وبالتالي يتوقف .
وهذه فرضية مستحيلة طبعًا . لأنه لا يوجد جسم يمكنه أن يتحرك بسرعة الضوء .
واستطاع أينشتين أن يقدم المعادلة الدقيقة التي تبين العلاقة بين كتلة الجسم وسرعته .
لينك المعادلة :
http://im35.gulfup.com/MlRL9.jpg
حيث أن ك1 هي كتلة الجسم وهو متحرك ، ك كتلته وهو ساكن ، ع سرعته ، ص سرعة الضوء .
والذين يذكرون أوليات علم الجبر يعلمون أن ع حينما تكون مقاديرها صغيرة لا تؤثر بكثير في المعادلة . ولكن حينما تقترب ع من سرعة الضوء فإن النتيجة تتضخم بشكل هائل وتصبح قيمة الجذر التربيعي أقرب إلى الصفر . وتصبح الكتلة الجديدة هي ك مقسومة على صفر . أي لا نهاية .
ولم تلبث المعامل أن قدمت لنا التجربة الملموسة التي تثبت صدق هذه المعادلة . وبهذا خرجت بها من حيز الافتراضات الجبرية إلى حيز الحقائق العلمية المعترف بها .
أثبتت التجارب أن القذائف المشعة التي تطلقها مادة الراديوم واليورانيوم ( وهي دقائق مادية متناهية في الصِغَر تنطلق بسرعة قريبة من سرعة الضوء ) تزداد كتلتها بما يتفق مع حسابات أينشتين .
وخطا أينشتين خطوة أخرى في تفكيره النظري قائلًا :
إنه مادام الجسم يكتسب مزيدًا من الكتلة حينما يكتسب مزيدًا من الحركة . وبما أن الحركة شكل من أشكال الطاقة . فإن معنى هذا أن الجسم حينما يكتسب طاقة يكتسب في نفس الوقت كتلة .
أي أن الطاقة يمكن أن تتحول إلى كتلة، والكتلة يمكن أن تتحول إلى طاقة .
وما لبث أن قدم المعادلة التاريخية لهذه العلاقة بين الطاقة والكتلة . وهي المعادلة التي صُنِعت القنبلة الذرية على أساسها :
طـ = ك X ص2 .
أو أن الطاقة المتحصلة من كتلة معينة تساوي حاصل ضرب هذه الكتلة بالجرام في مربع سرعة الضوء بالسنتيمتر/ ثانية .
ويلاحَظ هنا أن الطاقة الناتجة من تفجير جرام واحد كمية هائلة جدًا . وأنها يمكن أن تحرق مدينة . أو تزوِّد مديرية كاملة بالوقود لمدة سنة .
فإذا أردنا أن نحسب كمية الكتلة المتحصلة من تركيز كمية الطاقة، فإن المعادلة تكون أن . الكتلة تساوي الطاقة مقسومة على سرعة الضوء بالسنتيمتر ثانية . أي مقدار ضئيل جدًا .
والمعادلة تفسر لنا السر في أزلية هذا الكون وقِدَمه .
السر أن هذا العدد الهائل من النجوم مضت عليه آماد طويلة من بلايين السنين وهو يشع نورًا وطاقة وحرارة . ولم تبد عليه مخايل الفناء بعد .
والسر هو أن النجوم تحترق بطريقة أخرى غير احتراق السجاير . والكبريت . فالكبريت يشتعل بطريقة كيميائية . والنار التي تخرج منه هي حرارة اتحاد عناصر بعضها ببعض . هي حرارة إتحاد الكبريت بالأوكسجين لينتج ثاني أكسيد الكربون .
الكبريت لا يفنَى وإنما يتحول إلى مركبات أخرى . هي الدخان .
أما احتراق الشمس والنجوم فإنه احتراق فَناء .
ذرات الشمس والنجوم تتحطم وتتدفق شعاعًا في كل أقطار الكون، وهذا النوع من الاحتراق النووي بطيء جدًا . لأن قليلًا جدً جدًا من المادة يملأ الفضاء بالكثير جدًا جدًا من الطاقة .
فالنجوم تخسر قليلًا جدًا من مادتها كل يوم . وهذا سر عمرها الطويل الأزلي، ولو كانت الشمس تحترق بالطريقة التي تحترق بها السجائر وعيدان الكبريت لانطفأت في لحظة ولتحولت الأرض إلى صقيع وانقرض ما عليها من صنوف الحياة .
ولقد كان انفجار قنبلة هيروشيما ، واختراع القنبلة الهيدروجينية بعد ذلك ، ثم قنبلة النيوترون بداية فتح رهيب في عالَم الطاقة .
لقد سلَّم أينشتين مفاتيح جهنم للعلماء . وللساسة المخبولين . وللمجانين من هواة الحروب . بهذه المعادلة البسيطة .
وأصبح ممكنًا بالحساب والأرقام معرفة كمية المادة اللازمة لنسف دولة وإفناء شعب . وهي في العادة قليل من جرامات اليورانيوم والماء الثقيل والكوبالت . أقل مما يملأ قبضة اليد .
وانفتح في نفس الوقت باب لبحوث الفضاء . وأصبح السفر في صواريخ هائلة تنطلق بسرعة خارقة وتخرج من جاذبية الأرض ممكنًا . نتيجة اختراع صنوف جديدة من الوقود الذرّي .
لكن أهم من هذه التطبيقات العملية . كانت هناك نتيجة نظرية خطيرة ترتبت على هذه الخطوة .
أن الحاجز بين المادة والطاقة قد سقط نهائيًا . وأصبحت المادة هي الطاقة ، والطاقة هي المادة .
لا فرق بين الصوت والضوء والحرارة والحركة والمغنطيسية والكهرباء . وبين المادة الخاملة التي لا يخرج منها صوت ولا تندّ عنها حركة .
فالمادة هي كل هذه الظواهر مختزنة مركَّزة .
المادة هي الحركة مضغوطة محبوسة .
هي قمقم سليمان فيه عفريت .
وأينشتين هو الذي أطلق تعزيمة الرموز والطلاسم الجبرية فانفتح القمقم وخرج العفريت .
المادة ليست مادة .
إنها حركة .
ما الفرق بين أن نقول ذلك ، وبين أن نقول إنها روح . ؟!
الروح تعبير صوفي نقصد به الفعالية الخالصة التي بلا جسد .
والمادة اتضح أنها فعالية خالصة ( حركة ) وأن جسمها الملموس وَهم من أوهام الحواس .
الألفاظ تختلط ببعضها . وكل شيء جائز .
ومنذ اللحظة التي حطم فيها أينشتين السدّ الوهميّ بين المادة والطاقة ، انهار كل يقين حسي ملموس . وتحولت الدنيا إلى خواء مشحون بطاقة غير مرئية . مثل الجن والعفاريت .
مرة يسميها العِلم موجات مغناطيسية كهربائية . ومرة يسميها أشعة كونية . ومرة يسميها أشعة إكس . ومرة يسميها جزيئات بيتا . ومرة يسميها أشعة جاما .
وأغلبها أشياء تقتل في الظلام دون أن تدركها الحواس . وهذه الأشياء هي نفسها المادة الساذجة الخاملة التي نتداولها بين أيدينا كل يوم .
وسط هذا التشويش والغموض وَجَدت بعض المعضلات العلمية تفسيرها . المشكلة التي أثارها ماكس بلانك : هل طبيعة الضوء ذرية . أو موجية . ؟!
مثل هذا الازدواج أصبح طبيعيًا . فالضوء مادة وفي نفس الوقت طاقة . ولابد أن يحمل أثر هذه الطبيعة المزدوجة . وهي ازدواج وليس تناقضًا .
لأن الذرة ليست شكلًا ثابتًا وحيدًا للمادة . وإنما هي في ذات الوقت يمكن أن تتبعثر أمواجًا .
مقال / الكتلة
من كتاب / اينشتين والنسبيه
للدكتور/ مصطفى محمود (رحمه الله). ❝
❞ كانت الضربات الجوية الأمريكية قد استمرت بضراوة حتى يوم 24 شباط 1991 وقد تقدم الاتحاد السوفيتي بمبادرة يوم 22 شباط 1991 لتفادي الحرب البرية على أساس انسحاب العراق غير المشروط من الكويت ووفق مهلة زمنية محددة ولكن الأمريكان رفضوا المبادرة السوفيتية واعتبروها غير كافية ورغم تعديل السوفييت لمبادرتهم لأن يكون الانسحاب العراقي بعد يوم واحد من وقف إطلاق النار واستكمال الانسحاب خلال فترة وجيزة فإن الأمريكان رفضوا ذلك مصرّين على أن يستكمل العراق انسحابه خلال 24 ساعة وفي يوم 26 شباط/ فبراير بدأ الهجوم البري، وتنتهي تلك الصفحة من الحرب والعدوان على العراق بإعلان وقف العمليات العسكرية يوم 28/2/1991 بعد انسحاب العراق من الكويت وإلغائه كل قراراته التي أصدرها منذ يوم 2 آب / أغسطس 1990 ومنها ضمّه للكويت بعد تعرضه لأكبر وأطول حملة همجية تدميرية طالت كل مراكزه المدنية والصناعية والعسكرية والتنموية وقد تعرضت القوات أثناء انسحابها من الكويت وداخل الأراضي العراقية في الطريق الذي يربط الكويت بالعراق الذي سمي بطريق الموت لغارات جوية وحشية استخدمت فيها أسلحة تدميرية محرمة ضد الدبابات والناقلات العراقية مستخدمة اليورانيوم المنضب الذي أذاب الحديد والبشر.. ❝ ⏤نبيل نجم صالح التكريتي
❞ كانت الضربات الجوية الأمريكية قد استمرت بضراوة حتى يوم 24 شباط 1991 وقد تقدم الاتحاد السوفيتي بمبادرة يوم 22 شباط 1991 لتفادي الحرب البرية على أساس انسحاب العراق غير المشروط من الكويت ووفق مهلة زمنية محددة ولكن الأمريكان رفضوا المبادرة السوفيتية واعتبروها غير كافية ورغم تعديل السوفييت لمبادرتهم لأن يكون الانسحاب العراقي بعد يوم واحد من وقف إطلاق النار واستكمال الانسحاب خلال فترة وجيزة فإن الأمريكان رفضوا ذلك مصرّين على أن يستكمل العراق انسحابه خلال 24 ساعة وفي يوم 26 شباط/ فبراير بدأ الهجوم البري، وتنتهي تلك الصفحة من الحرب والعدوان على العراق بإعلان وقف العمليات العسكرية يوم 28/2/1991 بعد انسحاب العراق من الكويت وإلغائه كل قراراته التي أصدرها منذ يوم 2 آب / أغسطس 1990 ومنها ضمّه للكويت بعد تعرضه لأكبر وأطول حملة همجية تدميرية طالت كل مراكزه المدنية والصناعية والعسكرية والتنموية وقد تعرضت القوات أثناء انسحابها من الكويت وداخل الأراضي العراقية في الطريق الذي يربط الكويت بالعراق الذي سمي بطريق الموت لغارات جوية وحشية استخدمت فيها أسلحة تدميرية محرمة ضد الدبابات والناقلات العراقية مستخدمة اليورانيوم المنضب الذي أذاب الحديد والبشر. ❝