❞ من واحنا صغيرين كان عندنا سؤال.. هو فيه حد هيعيش اكتر من عمره؟ الاجابة لا.. كل واحد مننا ليه عمر لما بينتهى خلاص وكل حاجة بأيد المولى سبحانه وتعالى
فى معلومه كده ميعرفهاش الكل ان ابليس هو اول من ادعى الخلود، طيب يعنى اي الخلود.. ابليس ادعى انه مش هيموت وان عمره ممتد إلى ما لا نهاية وهو ده المقصود بالخلود، وللأسف فى الوقت الحالى فى بشر بتدعى الخلود، بس يا تري اى هتكون نهاية البشر دول؟
........
قدرت أربط خيوط كتير ببعض، سبع ضحايا بينهم عوامل مشتركة، بس اي السبب الى يخليهم ينتحروا؟
فيه سر ورا الموضوع ده او حاجة انا مش فاهمها.. قطع تفكيرى دخول كريم وقلى قدرنا نوصل لصاحب الرقم، اخدت الاسم والعنوان واصريت مبلغش حد أخدت معايا كريم ورحنا على العنوان.. كان بيت قديم فى منطقه معزوله، دخلنا عشان الباب كان موارب بيت مكون من أربع غرف، الريحه كريهه جداً ولا تطاق.. دخلنا الغرفة الي خارج منها النور وهنا كانت الصدمة
......
الخلود
أسمى أحمد عز على عندى 30 سنة متجوز وعندى ولد وحيد اسمه فهد، انا بشتغل رائد شرطه فى احدى محافظات الصعيد، قصتى بتبدأ من يوم عادى جداً فى الشغل وصلنا بلاغ عن جريمة قتل فى المدينه الى فيها المديرية، على الفور اتحركت قوه من القسم على موقع الحادث.. فى الوقت ده انا كنت فى مكتبى تليفوني رن كان العميد مصطفى رديت
_ أحمد انا عايزك دلوقتى تتحرك على مكان الحادث أنا كلفتك أنت بالقضيه دى
_تمام يا فندم تحت امر سيادتك.
اتحركت على مكان الحادث ووصلت هناك بعد نص ساعة كانت شقة فى عمارة، دخلت وكان اخصائى المعمل الجنائى وصل، والمشهد جوه كالتالى جثة لشاب فى الثلاثين من عمره مدبوح قدام مرايا الحمام وجنبه آداة الجريمة سكين حاد، التشخيص المبدئى جرح نافذ فى الرقبه.
اتعملت التحريات عن المجنى عليه وكنت منتظر تقرير الطب الشرعى عشان نبدأ التحقيق لكن تقرير الطب الشرعى كان مفاجأة.. مفيش شبهه جنائيه، المجنى عليه انتحر.
خلينى اقرأ ليكم التحريات والتقرير..( اسمه عمرو حسين عنده 32 سنة متجوز ومعندوش اولاد بيشتغل محاسب فى بنك ، بسؤال زوجته والمقربين منه مفيش أى حاجه تخليه ينتحر وحياته هادية جداً ومستقره.... التقرير لا توجد شبهه جنائيه فقد قام المدعو عمرو حسين بذبح نفسه وبصماته على السكين ولا يوجد اى نوع من المقاومة)
بس انا مش مقتنع في حاجه غلط، أى يخلى واحد معندوش مشاكل ينتحر وينهى حياته بالطريقة دى لا لا فى حاجه غلط، في الوقت ده طلبنى العميد مصطفى على مكتبه، روحتله وانا واخد قرارى
_صباح الخير يا فندم
_صباح النور يا أحمد أى قفلت ملف القضية
_فى الحقيقه لا يا فندم أنا مش مقتنع إن عمرو انتحر
_يعني أى مش مقتنع مش فاهم
_ بعد أذنك يا فندم انا محتاج وقت عشان اثبت كلامى عمرو منتحرش ارجوك يا فندم
_ قدامك اسبوع يا أحمد يا تثبت كلامك يا ملف القضية ده يتقفل.
خرجت من مكتب العميد وانا مش عارف أعمل اى، رجعت على مكتبى الباب خبط ودخل واحد وقلى
_انا النقيب كريم حمدى معاك في القضية الجديده
_ اهلا يا كريم بس لازم تعرف انها قضية من الواضح انها هتتعبنا
_ انا فهمت من العميد انك رافض فكره انه انتحر وعلى الاساس ده انضميت معاك لحلها
_عموما انا طلبت استدعى زوجه المجنى عليه اكيد لو ضغطنا عليها ممكن تقول حاجه مخبياها عننا.
بعد مرور ساعه لقيت الأمين داخل وبيقولي في واحده بره اسمها نهى عاوزة حضرتك... قولتله خليها تدخل
دخلت نهى زوجه المجنى عليه عمرو حسين وقالت
_ هو ليه الاستدعى ده هو انا متهمه بحاجة؟
_لا أبداً ده مجرد نقاش عادى وهتمشى، كل المطلوب منك تقوليلى جوزك كان عامل اى فى الفتره الاخيرة، يعنى لاحظتى عليه انه متغير مثلا؟
_ اه هو فعلاً فى الفترة الاخيرة كان متغير خصوصا لما راح للدكتور وعرف انه عقيم مش بيخلف لكن... قبل ما يتوفى بأسبوع بدأت تظهر عليه تصرفات غريبه
_ تصرفات غريبه ازاى وضحى
_في يوم كنت نايمة وصحيت على صوت خبط منتظم مكنتش عارفه الصوت ده جاى منين، الأوضة كانت ضلمة مش شايفة حاجه لكن لما ركزت كان عمرو وكان بيخبط راسه فى الدولاب.. قومت بسرعة وشغلت نور الأوضة، صرخ انا اتفزعت من صرخته لكن عينيه كانت مقفولة ولقيته رايح ناحية السرير دخل السرير واتغطى ونام، فى اليوم ده مقدرتش انام وفضلت صاحية للصبح، لما حاولت أفتح معاه الحوار ده قال عليا بخرف وأن الكلام ده محصلش، بعد الموضوع ده محصلش حاجه لحد قبل ما يتوفى بيوم كان مبسوط جداً وقلى انه قريب هيتحقق حلمنا وهنخلف، ، بس يا فندم وتانى يوم أنا خرجت روحت لوالدتى ولما رجعت عرفت الي حصل.
_ دى كل حاجه حصلت الفترة الاخيرة؟
_أيوة يا فندم مفيش حاجة تانى
_تمام تقدرى تتفضلى
طيب وبعدين كده كلام نهى مش منطقى يعنى أى واحد متفائل انه هيخلف ينتحر كده بدون سبب، القضية دى معقدة بس فيه حاجه ناقصة ولازم نعرفها
طلبت من النيابة آذن بتفتيش بيت المجنى عليه وروحنا وفتشنا وملقناش أى حاجه، ايام صعبه بتمر عليا الاسبوع بيجرى ودى اول مرة افشل فى حل قضية، لكن حصلت حاجة مكنتش على البال... جيه بلاغ عن جريمة تانية فى نفس المدينة، القوة اتحركت بقيادة ملازم أ خالد اشرف واقتحموا الشقة، لكن المفاجأة الى خلتنى اجرى بسرعة على عنوان الضحية التانية هو ان الضحية يبقى زوج اخت عمرو حسين المجنى عليه فى القضية الأولى
وصلت هناك وشوفت ادم سعيد الضحية التانية مشنوق في سقف الأوضة، خرجت للصالة وكانت زوجته امل حسين اخت عمرو حسين.. قربت منها وقولتلها البقاء لله شدى حيلك لكن مردتش عليا كانت فى حالة صدمة
رجعت مكتبى وزى ما توقعت طلبنى العميد مصطفى وقلى
_شكلى كده ظلمتك وكلامك هيطلع صح. بس انا عندى ليك سؤال. بس تفتكر الجريمتين ليهم علاقه ببعض؟
_اكيد يا فندم أنا هعمل التحريات وهنتظر تقرير المعمل الجنائى وتقرير الطب الشرعي
_تمام ربنا يوفقك، انت دلوقتي معاك النقيب كريم حمدى
وملازم أ خالد اشرف، انتوا الفريق المسؤول قدامى عن الجريمتين
_الف شكر يا فندم وان شاء الله نكون قد المسؤوليه دى
رجعت مكتبى وبدأنا عمل التحريات لحد ما جالنا التقرير الي كان للاسف مخيب للأمال... لتانى مرة مفيش جريمة.. انتحار
هقرأ ليكم التحريات والتقرير (اسمه أدم سعيد عنده 31 سنة متجوز وعنده بنت اسمها سلمى بيشتغل مهندس فى شركات مقاولات لكنه محال للتحقيق بسبب مشكله فى الشغل، بسؤال زوجته والمقربين حياته هادية جداً ومستقره ومفيش غير مشكلة الشغل، التقرير.. لا توجد شبهه جنائيه فقد قام المدعو ادم سعيد بشنق نفسه فى سقف الغرفه وبصماته على الحبل المستخدم فى عملية الانتحار ولا يوجد اى نوع من المقاومة)
حالة من الصمت بتسيطر على المكتب مش قادر أصدق ولا اقتنع إن دى صدف
من وسط الحاجات الى كانت موجودة فى الأوضة كان الموبايل الخاص بيه قدرنا نفتحه ومكنش عليه أى حاجه نمشى وراها، وللمره التانية طلبت استدعى زوجة المجنى عليه، وطلبت اننا لازم نكتم على الخبر لحد لما نعرف الحقيقة
بعد شوية حضرت الأستاذة أمل حسين وكانت فى مكتبى
بدأت أنا الكلام
_ أستاذه أمل أنا مقدر الحالة الي أنتى فيها يعنى اخوكى وبعدين زوجك، لكن حاولى تهدى وتساعدينا
_ انا تحت امرك يافندم أتفضل اسأل
_ جوزك كان عامل أى فى الفترة الاخيرة؟ يعنى لاحظتى عليه أنه متغير؟
_ايوه..انا مكنتش عاوزة احكي عشان كنتوا هتقولوا عليا مجنونة لكن خلاص انا قررت احكي، جوزى بدأ يتغير من يوم ما اتحول للتحقيق في الشغل بسبب ان ورق المشروع الجديد ضاع منه وده أثر عليه جداً، بقى عصبى جداً ومن اقل حاجة خصوصا انهم قلولوا هيستغنوا عنه.. الكلام ده من شهر لكن قبل ما يتوفى
بكام يوم، كان هو فى الحمام وسمعته بيتكلم مع حد جوه
مكنتش فاهمه لكن قررت انى هفتح باب الحمام لازم أعرف أي الي بيحصل جوه وفتحته لكن فجأه نور الحمام أطفى وجوزى كان واقف قدام المرايا واتلفتلى عينيه كانت بيضة تماماً وصرخ وباب الحمام اترزع فى وشى.. انا جريت على المطبخ وكنت بترعش ومرعوبة من الى شوفته مفيش خمس دقايق ولقيته داخل المطبخ
وبيقولي احنا مش هنفطر ولا أى، مكنتش عارفة اقوله أى
وقبل ما يموت بيومين قلى اول ما احقق الخلود حياتنا هترجع لطبيعتها واحسن من الاول، وبعدها انتحر مش عارفة ليه
_ يعني اي يحقق الخلود؟
_ مش عارفة انا سألته قلي هتعرفى فى الوقت المناسب
_طيب واخوكى الاستاذ عمرو انتحر ليه؟
_معرفش فيه حاجه غريبة بتحصل بس انا بأكد لحضرتك إن فيه حاجه غلط مستحيل ينتحروا مستحيل
_ تمام يا أستاذه أمل تقدرى تتفضلى تمشي
وبعدين يا كريم أى الي بيحصل ده.. ده قاتل محترف مش بيسيب دليل وراه وبيخلى الجرايم تبان انها انتحار .. بس هو يعني اي الخلود؟
_ مش عارف يا أحمد بس هنعمل اى دلوقتى.. تتوقع فيه جريمة تاني هتحصل؟
_ اكيد.. بس احنا محتاجين نعرف السبب عشان نعرف الدور على مين
بعد مرور اربع ايام وخلاص كان الاتفاق بعد تحقيقات وتحريات اننا هنقفل الجريمتين على انهم انتحار.. لكن جالنا بلاغ جديد بجريمه جديدة عن انتحار الأستاذة أمل حسين، بمجرد وصول البلاغ اتحركنا فوراً، وصلنا كانت الناس كلها متجمعة وزحمة رهيبة .. دخلت وسط الناس وشوفت الجثة.. الأستاذة أمل رمت نفسها من البلكونة من الدور العاشر او حد رماها من الدور العاشر... كالعاده المعمل الجنائي وصل واقتحمنا الشقه كل حاجه مترتبة ومنسقة ومفيش أى حاجه واقعه على الارض وده يدل انه مفيش مقاومة، لكن لقينا أدوية اكتئاب كتير... طبعاً تقرير المعمل الجنائى وتقرير الطب الشرعي والصفة التشريحية كان متوقع.. انتحار، اتشرحت الجثة بدقة واكتشف ان الأستاذة أمل كانت تتعاطى ادوية الإكتئاب بكثره وفيه حبوب ملحقتش تدوب فى المعدة.
كنت مشتت المرة دى معنديش كلام أقوله.. أمل فعلاً انتحرت.. المقربين منها قالوا انها كانت بتمر بحالة إكتئاب بعد موت جوزها.. بعد فحص التليفون الخاص بيها اكتشفنا انها اتكلمت مع والدتها قبل ما تموت بساعات.
تم استدعاء الوالدة عشان نعرف منها اي اتقال في المكالمة دي، الوالده اسمها سعاد.. حضرت على حسب الاستدعى ودار بينا الحوار التالى
_استاذة سعاد البقاء لله انا عارف انك فقدتى ابنك وبنتك ده غير جوز بنتك، لكن حاولى تتماسكى عشان نعرف نجيب حقهم
_ سبحان من له الدوام يا باشا.. اسأل انا جاهزة
_ فيه مكالمة جمعت ما بينك وبين بنتك عاوزين نعرف قلتلك اي
_ بنتى كانت حزينه جداً بعد موت جوزها وكانت حابسة نفسها ومش بتخرج ويوم ما ماتت قلتلى انها هتنفذ الخلود عشان هي مش عارفة تعيش من غير جوزها
بس انا مفهمتش معنى كلامها واى الخلود ده،، وقلتلي ان الخلود هيخليها تعيش معاه
_ الخلود.. الخلود تانى، اى معنى الكلمة دى.. طيب وبالنسبه لابنك عمرو وجوز بنتك ادم
_لا دول معرفش حاجة واتفاجأت بانتحارهم عشان مفيش سبب يخليهم ينتحروا
_ طيب يا حجة تقدرى تمشى
الكلمة المشتركة ما بينهم الخلود.. الكلمة الي انا مش فاهم معناها لحد دلوقتى ولا مين الى بيوصلها ليهم بس الوحيدة الي عندها سبب مقنع تنتحر علشانه هي أمل بغض النظر عن كلمة الخلود... كريم اتكلم وقلى
_فيه حاجة احنا مش واخدين بالنا منها، انتوا مش ملاحظين أن اي حد بنحقق معاه بينتحر او بمعنى اصح بيتقتل.. وده استنتج منه ان القاتل بيكون مراقب الضحايا كويس بس في ضلع ناقص في المثلث.. كلمة الخلود الي الكل بيقولها قبل ما ينتحر... رد خالد وقال
_طيب المفروض دلوقتي نعمل اي يعنى نراقب الست سعاد عشان نقبض علي القاتل.. رد كريم
_بالظبط كده نراقب الست سعاد وشقتها وهو ده الي هيوصلنا للقاتل
كلام كريم كان منطقى لكن كان عايز وقت كبير.. قاتل محترف مش بيسيب دليل وراه مش هيقع بالسهولة دى برضوا.. لكن مفيش عندنا حل تانى وبدأنا نراقب شقة الست سعاد
الست سعاد ساكنه مع جوزها وبنتها ريم فى الشقة دى والحجة سعاد نادر جداً خروجها من الشقة..ريم كانت متجوزه واحد اسمه ياسين ممدوح اختفى وبعدين عرفوا انه اتعرض لحادث ومات ، فضلنا مراقبين الشقه 3 أيام متواصلة لحد ما حصلت حاجة، خرجت ريم تصرخ في البلكونة وتقول الحقونى.. الناس جريت على الشقة واحنا كمان.. اقتحمنا الشقة والمشهد جوه كالتالى جثتين ايوه بالظبط كده جثة الست سعاد غرقانة في البانيو فى الحمام، وجثة للاستاذ حسين فى اوضة النوم بطعن نافذ فى البطن، الشرطة جات ووصل خبير المعمل الجنائي وطبعا احنا عارفين النتيجة من غير اي تقارير... اتعملت التحريات وكنا في انتظار التقرير المعروفة نتيجته
واستدعانا العميد مصطفى انا وكريم وخالد ورحنالوا المكتب
_واضح ان اختيارى ليكم كان خاطئ من البداية الجرايم بتزيد فى نفس العيلة كل كام يوم يتقتل واحد والتقارير تقول انتحار، شكلنا بقى وحش قدام الرأى العام والصحافة ما اهو يا نقفل القضايا على انها انتحار يا اما تجيبوا القاتل قدامكم 48 ساعة والقاتل يكون تحت ايديكم مفهوم
_ مفهوم يا فندم
خرجنا من عندنا العميد مصطفى واحنا مش عارفين نتصرف ازاى، بالنسبالي مش انتحار ومش هقتنع انهم انتحروا وهجيب القاتل، قعدنا احنا التلاته فى المكتب عندى نفكر عشان نشوف حل.. التليفزيون والبرامج مفيش قدامهم غير سيرتنا واننا عاجزين في القبض على القاتل... بدأنا نفتش بيوت الضحايا من تانى ونجمع الآدلة من تانى عشان نوصل لحاجة مفيش للأسف وخلاص كان القرار اننا هنقفل القضايا على انها انتحار.
بالنسبالي كان قرار صعب جداً، دخلت وبلغت العميد بقرارى وانا باصص فى الارض مش قادر ابصله وعارف ان القضايا دى فيها سر بس خلاص من الواضح ان المجرم ده انتصر علينا في النهاية، وأعلنا للإعلام والصحافة والرأي العام انها صنفت قضايا انتحار.. طبعاً اتوجه لينا هجوم شديد.
لحد ما حصلت حاجة قلبت كل حاجة رأسا على عقب.. رساله وصلت على تليفوني من رقم مجهول وكان نص الرسالة ( كنت ماشى صح فى قاتل ارجع افتح القضية الناس دى منتحرتش) حسيت ان الرسالة أشبه بنجدة بالنسبالي.. اخدت الرسالة وبسرعة على مكتب العميد الي رغم أنه شاف الرسالة قلى
_ انت عاوز أي انا ما صدقت ان الناس بدأت تهدى شوية، عاوز تفتح القضايا تاني ومتعرفش تحلها.
_يا فندم الرسالة دي خطيرة ولو وصلنا لصاحب الرسالة هنوصل للقاتل
_ ويمكن لا ويطلع حد بيشتغلنا بقولك أي القضايا دي اتقفلت وانسي انها تتفتح تاني
_ يا فندم ارجوك انا مصمم اكمل
_الكلام خلص يا أحمد
خرجت من المكتب وانا بجد مستغرب رد فعله لكن انا مش هسكت، وقررت اشتغل مع فريقى في صمت.. خالد رفض وقال هينفذ الاوامر وانسحب.. وفضلنا انا وكريم وأول خطوة بدأنا نبحث عن الرقم، لكن للأسف الرقم طلع لواحد متوفي وكمان الي بعت الرسالة بعتها وقفل التليفون.. اتقلى مفيش حل غير انه يفتح تليفونه، رغم احباطى لكن مصمم اعرف الحقيقه، رجعت البيت ونمت نمت نوم عميق صحيت على صوت رسالة جديدة.. فتحت الرسالة كانت عبارة عن عنوان.. اتصلت بكريم لكنه قلى ملحقناش كان اسرع مننا وقفل التليفون تاني
قررت انى هروح العنوان ولوحدى نزلت من البيت ركبت عربيتى واتحركت.. العنوان كان بيت فى قرية قريبة وصلت القرية وسألت عن بيت الست عفاف طبعاً بطبيعة الصعايدة سألوني عاوزها فى أي.. عرفتهم انى رائد شرطة وجاى عاوزاها في موضوع ضروري.. دلوني على البيت
خبطت مرة واتنين فتحتلى ست فى الاربعين من عمرها اكيد دى عفاف عرفتها بنفسى ودخلت البيت عشان الاقى فى البيت بنت في العشرينات قاعدة وشارده في ملكوت الله وعلى لسانها كلمة واحدة الخلود.. الخلود
قعدت قدامها وسألتها يعني اى الخلود.. يعنى أى؟
مش بترد عليا ساكته تماماً.
سألت والدتها الست عفاف عن حالتها؟ ردت وقالت
_ مش عارفة يا ولدى هي كده من اسبوع
_ انتى كنتى بتشتغلى عند العيلة الي ماتوا الفترة الي فاتت دي صح؟
_ ها ايوة صح يا ولدى انا وبنتى صابرين دى
_ ومشيتوا ليه؟
_ الست سعاد هي الى قطعت عيشنا عشان شقتها اتسرقت واحنا مكناش في الشقة ومخدناش اذنها
وانا بتكلم معاها خطبة الجمعة بدأت.. قومت وروحت الجامع الي كان قريب جداً من بيتها، وصليت الجمعة وبعد الصلاة روحت لشيخ الجامع وقولتله
_ سلام عليكم يا عم الشيخ انا غريب عن بلدكم وكنت عايز اسألك على حاجة لو تعرف معناها
_ اهلا يبني منور البلد اتفضل اسأل يبنى
_ هو يعني اى الخلود؟
_ الشيخ قلي ليه السؤال ده؟
_ قولتله اجابتك متوقفه عليها حاجات كتير.. فهمني
_ قلى إبليس ادعى الخلود وقال انه مش هيموت أبداً
المقصود بيها ان العمر ممتد الي مالا نهاية
إبليس بيدعى وجود حياه بعد الموت اسمها الخلود
_ تمام انا فهمت الف شكر يا مولانا
خرجت من الجامع على صوت صراخ الست عفاف كانت بتصرخ جريت على البيت وأهل البلد كلهم اتجمعوا عند البيت.. صابرين انتحرت وقطعت شاريينها.. اتصلت بسرعة بكريم وبلغته وجات الشرطة والاسعاف والدنيا اتقلبت في القرية.. رجعت مكتبى وانا بحاول افهم بحاول اربط الخيوط ببعضها لكن مش عارف في حاجات ناقصة
لكن انا قربت اوصل
لازم نعرف يا كريم مين صاحب الرقم ده وفى اقرب وقت
المرة دي مش محتاج اعمل تحريات ولا تقارير.. الست عفاف وبنتها كانوا شغالين في بيت الست سعاد وطردتهم بسبب سرقه الشقة لكن هما أي دخلهم بالعيلة دى
واي دخل كلمة الخلود بكل ده
الإجابة هي حل كل القضايا يا كريم
فى الوقت ده وصلت رسالة بصيت كان هو الرقم ومكتوب (اتمني تلحق آخر ضحية) اتكلم كريم وقال
_ هو يقصد مين؟
_ عفاف يقصد عفاف
خرجنا نجرى من المديرية ركبنا عربيتي وبسرعة علي القرية وصلنا كان البيت علية زحمة.. دخلنا بسرعة لقينا الستات بتقول افتحي يا عفاف افتحي الباب.. قولت للستات وسعوا وكسرنا الباب عفاف قطعت شريينها زي بنتها.. للأسف ملحقناش الضحية الأخيرة
خرجت من البيت على مكتب العميد مصطفى اتكلمت معاه وقولتله انى عايز فرصة أخيرة بعد محاولات لاقناعه وافق
....
رجعت مكتبى وقعدت وانا بكلم نفسي قدرت أربط خيوط كتير ببعض، سبع ضحايا بينهم عوامل مشتركة، بس اي السبب الى يخليهم ينتحروا؟
فيه سر ورا الموضوع ده او حاجة انا مش فاهمها.. قطع تفكيرى دخول كريم وقلى قدرنا نوصل لصاحب الرقم، اخدت الاسم والعنوان واصريت مبلغش حد أخدت معايا كريم ورحنا على العنوان.. كان بيت قديم فى منطقه معزوله، دخلنا عشان الباب كان موارب بيت مكون من أربع غرف، الريحه كريهه جداً ولا تطاق.. دخلنا الغرفة الي خارج منها النور وهنا كانت الصدمة... دجال ونايمة قدامه واحدة حاطط ايده على دماغها وبيقول كلام غريب وهي بتترعش قدامه.. أول ما شافنا ابتسم وقال اخيرا عرفتوا توصلوا.. الست الي قدامه قامت وخرجت تجرى من الأوضة.. قولتلوا
_ انت مين؟ وليه بتبعتلي الرسايل دى؟ وعلاقتك اى بالجرايم دي كلها؟
_ انا هحكيلك انا كنت هتجنن عشان اوصل لرقمك عشان لازم تعرف الحقيقه.. من 6 شهور جالى واحد اسمه ياسين وكان جايب معاه صور لسبعة وقال انه عايز يخلص منهم بس بالبطئ يموتوا بالبطئ.. الي عرفته ان ياسين من عيلة غنية جداً وقولت استغل الفرصة وطلبت منه مليون جنيه
قلى هديلك الي انت عاوزه مقابل موت السبعة دول وبالبطئ.. عملت جلسة تحضير لجن موكل بالخراب والموت لكنى قولت طلسم غلط والي اتحضر جن موكل بالموت لكن الجن ده مش بيقتل بالبطئ زي ما هو طلب
ياسين قلي يأما تصرفه ياملكش عندي مليم واختلفنا عشان الجن ده مارد من مردة الجن ومش هينصرف بسهولة.. الجن ده على حسب ما عرفت عنه بيقنع ضحاياه بالخلود يعني بيقولهم انتحروا وانا هخليكم تعيشوا حياة أبدية وطبعا هو بيخدعهم والي بيرفض بيفضل وراه لحد لما يتجنن زي ما حصل في ياسين ممدوح دلوقتى واهو عايش في مستشفى المجانين
_ انت بتقول مين؟ ياسين ممدوح.. طب ازاي ده مات من فترة كبيرة
_ مين ده الي مات ياباشا ياسين ممدوح عايش في المستشفى.. مستشفى المجانين
_وهو عمل كده ليه؟
_انا مالى يا باشا روحوا اسألوه
قبضنا على فتحى الدجال والشرطة جات وفتشت البيت
وخرجت منه اعمال وأذيه طالت وبتطول ناس كتير
طمع وجحود ونفوس مريضة بتأذي ناس ملهاش ذنب في اي حاجة
رجعت المديرية من تاني وروحت للعميد مصطفى وحكتله اي الي حصل بالظبط.. العميد قلي
_طيب وبعدين يا أحمد ناوى على أى، ده واحد في مستشفى امراض عقلية يعني مجنون.. تفتكر ممكن حد ياخد بالكلام الي ممكن يقوله ده لو يعني اتكلم
_ خليني اسمع منه الاول يا فندم وبعد كده نشوف
_ تمام يا أحمد ربنا معاكم
روحت المستشفى عشان اشوف ياسين ممدوح، قابلت هناك الدكتور المسؤول عن حالة ياسين.. قلي احسن ليك متقبلهوش هو مش هيتكلم انا متأكد.. طيب ممكن اشوفه ولو من بعيد وفعلا بصيت عليه من شباك اوضته
اعوذ بالله من المنظر الي شوفته اعوذ بالله
واحد حالق شعره خالص عروق جسمه نافره ولونها اسود.. عينيه تحت هالات سوده.. اشبه بالهيكل العظمى
قولت للدكتور
_ هو ماله يا دكتور؟
_قلى عنده هلاوس سمعية وبصرية ده غير انه بتجيله حالة هياج واحنا حبسينه في غرفة العزل عشان لما بيخرج بيأذي نفسه والي حواليه
خرجت من المستشفى وانا ساكت تماماً ورحت الحبس عشان لازم اقابل فتحى فيه حاجه اكيد مقالش عليها
جبته المكتب وحكتله الحالة الي فيها ياسين وقولتله انا عايز افهم محدش من الضحايا كان في الحالة دي مفيش غير ياسين الي كده
_ عشان ياسين هو السبب في تحضيره وياسين دلوقتي رافض يخضع للخلود الي طلبه منه الجن وعشان كده الجن بيعذبه
_ طيب والحل دلوقتي اي؟
_ تجيب حد يخرجه من عليه عشان يقدر يحكيلك الي انت عايز تسمعه
_ تمام.. يعني مفيش حل تانى
_للأسف لا
رجعت فتحى السجن ومكنش فى غيره قدامى الشيخ الي قبلته فى القرية روحتله عرفت ان اسمه ايوب وحكتله كل حاجه.. قلى
_تمام يبنى هاجى معاك بس هما هيوافقوا فى المستشفى
_ سيب الموضوع ده عليا انا، انا هتصرف
اخدت الشيخ وطلعنا على المستشفى ودخلت للدكتور المعالج اكتر من ساعة من الجدال عشان أقنعه ان الشيخ هيدخل يعالح ياسين.. واقنعته مش مريض نفسي.. هو بس عليه مارد من مردة الجن.. انا مكنتش مصدق اني بقول الكلام ده انا الراجل المتعلم بيقول كده
المهم دخل الشيخ ايوب على ياسين اول ما شافه صرخ ياسين
أما الشيخ اتكلم وقال
وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ... بسم الله ارقيك بسم الله نرقيك
بسم الله وبحول الله وبقوه لا اله الا الله اخرج الان، أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما خلق وذرأ وبرأ، ومن شر ما ينزل من السماء ومن شر ما يعرج فيها، ومن شر ما ذرأ في الأرض ومن شر ما يخرج منها، ومن شر طوارق الليل والنهار ومن شر كل طارق إلا طارقا يطرق بخير يا رحمان
ياسين فضل يتلوى ويتشنج وبيخرج منه صوت لا يمكن يكون صوت بشرى زي صراخ مكتوم
فضل الشيخ مكمل وقرأ آيه الكرسي كنت حاسس بزلزال في الأوضة والصوت المخيف الي طالع منه وبيقول هقتله وهقتلكم معاه مش هسيبه مش هسيبه..العروق الي في جسمه بدأ لونها يتغير للون الاحمر وعينيه اتقلبت وبقت بيضة تماماً..الشيخ زعق وقال يا من ألجمت كل متمرد سلم يارب سلم..اعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق..ربي اعوذ بك من همزات الشياطين واعوذ بك ربي ان يحضرون..سكت الشيخ ايوب... وحالة من القيئ جات لياسين رهيبة لدرجة انى حسيت انه هيموت
_ الشيخ بصلى وقال بحمد الله خرج سيبه يرتاح وتعالي بكره يبني اقعد معاه واسمع منه
فعلاً اخدت الشيخ رجعته مكانه وشكرته، وتاني يوم كنت عند ياسين في المستشفى حالته اتحسنت جداً.. دخلتله وقولتله حمدالله على السلامة، تسمحلى يا دكتور هنعمل التحقيق هنا .
ياسين احنا عارفنا كل حاجة بس انا عاوز اسمع منك انت .. انا الرائد أحمد عز على وهنا عشان اسمع منك واساعدك انا مش ضدك تمام.. اتفضل تقدر تحكى
ياسين اتكلم وقال كنت عايش حياة هادية وجميلة مع اكتر واحدة حبيتها في حياتي.. ريم كانت هي الي بتنورلى حياتي مكنش عندى اي مشاكل غير الخلفة المشكله كانت من عندها مش من عندي.. لكنى صبرت معاها 3سنين لكن مع الوقت مقدرتش نفسي اكون اب.. اسمع كلمة بابا
قررت اني هتجوز وفعلا اخدت قرار واتجوزت واحدة اسمها ريهام وكنت مخبى اني متجوز، لحد ما فى يوم ريهام كلمتنى وقلتلى انا حامل.. الفرحة مكنتش سيعانى من فرحتي جريت وقولتلهم على اساس انهم عيلتى، طردوني ورجعت لريهام قولت خلاص هعيش مع مراتى وابنى الي جاى في السكه.. لكن الجحود كان مالى قلبهم اتفقوا انهم يتخلصوا من ابنى عشان بنتهم دخلت فى مود اكتئاب.. انت متخيل.. بمساعدة حتة خدامة هي وبنتها كانوا شغالين عندى.. الخدامة دي خدرت مراتى وسهلت دخول الكلاب الشقة.. في الوقت ده انا كنت فى الشغل رجعت لقيت مراتى سايحه فى دمها.. واخر حاجة قلتهالى قتلوا ابننا.. قتلوا ابننا... وماتت ايوة ماتت، نار الانتقام حرقت قلبى لكن لو انتقمت بالطريقة الغبية انى اروحلهم فعلا هكون غبى.. روحت لفتحى عشان اعملهم سحر يموتهم بالبطئ.. لكن فتحى قرأ التعويذة غلط وحرر جن موكل بالموت والهلاك مقابل الخلود.. رفضت اديلوا الفلوس فسلطه عليا انا وعشان انا الي طلبت السحر كان عقابي اضعاف اضغاف الي اتعمل فيهم وبقيت محبوس جوه اوضة ضلمة كل يوم بشوف المخلوق المرعب ده وشايفوا وهو بيتحكم فيا وفي تصرفاتي كنت حاسس اني هموت سكت وقولت ده عقاب ربنا كنت بسمعه بيقولي الخلود لكن انا رفضت، لحد ما انت جيت وخرجتنى... انا مش زعلان انى هدخل السجن.
انا فرحان انى اخدت حقى
_ انت عارف العقوبة؟
اكيد عارف بس انا مش زعلان انا خلاص اخدت حقى ومش عايز حاجة تاني كفاية اني اخدت حقى.. انا بتمني اموت عشان حاسس انها ماتت بسببي
اتكشف علي ياسين وتم ثبوت انه لا يعاني من اى امراض
اتقبض على ياسين ممدوح واتحول للمحاكمة وكان المتهم فى القضية دى اتنين..
المتهم الأول اسمه ياسين ممدوح محمد
والمتهم الثانى فتحي عاشور السيد.. ياسين اتكلم وحكى كل حاجه في القفص للقاضى... وقاله الزمن الي احنا فيه مفهوش عدل وكل واحد بياخد حقه بدراعه انا الي بطلب منك يا سيادة القاضى.. احكم عليا بالاعدام دلوقتي وريحنى.. انا كنت ضحية وبقيت قاتل بس انا فرحان اني قتلتهم انا فرحان اني قتلتهم
رغم كل الي حكاه ياسين... حكمت المحكمة وبإجماع الاراء علي كلا من ياسين ممدوح محمد وفتحى عاشور السيد بإحالة اوراقهم إلي فضيلة المفتى
يمكن ياسين يستاهل حكم المحكمة لكن هما يستاهلوا الإعدام وفي ميدان عام
....
تمت
...
محمود الامين. ❝ ⏤محمود الامين
❞ من واحنا صغيرين كان عندنا سؤال. هو فيه حد هيعيش اكتر من عمره؟ الاجابة لا. كل واحد مننا ليه عمر لما بينتهى خلاص وكل حاجة بأيد المولى سبحانه وتعالى
فى معلومه كده ميعرفهاش الكل ان ابليس هو اول من ادعى الخلود، طيب يعنى اي الخلود. ابليس ادعى انه مش هيموت وان عمره ممتد إلى ما لا نهاية وهو ده المقصود بالخلود، وللأسف فى الوقت الحالى فى بشر بتدعى الخلود، بس يا تري اى هتكون نهاية البشر دول؟
....
قدرت أربط خيوط كتير ببعض، سبع ضحايا بينهم عوامل مشتركة، بس اي السبب الى يخليهم ينتحروا؟
فيه سر ورا الموضوع ده او حاجة انا مش فاهمها. قطع تفكيرى دخول كريم وقلى قدرنا نوصل لصاحب الرقم، اخدت الاسم والعنوان واصريت مبلغش حد أخدت معايا كريم ورحنا على العنوان. كان بيت قديم فى منطقه معزوله، دخلنا عشان الباب كان موارب بيت مكون من أربع غرف، الريحه كريهه جداً ولا تطاق. دخلنا الغرفة الي خارج منها النور وهنا كانت الصدمة
...
الخلود
أسمى أحمد عز على عندى 30 سنة متجوز وعندى ولد وحيد اسمه فهد، انا بشتغل رائد شرطه فى احدى محافظات الصعيد، قصتى بتبدأ من يوم عادى جداً فى الشغل وصلنا بلاغ عن جريمة قتل فى المدينه الى فيها المديرية، على الفور اتحركت قوه من القسم على موقع الحادث. فى الوقت ده انا كنت فى مكتبى تليفوني رن كان العميد مصطفى رديت
_ أحمد انا عايزك دلوقتى تتحرك على مكان الحادث أنا كلفتك أنت بالقضيه دى
_تمام يا فندم تحت امر سيادتك.
اتحركت على مكان الحادث ووصلت هناك بعد نص ساعة كانت شقة فى عمارة، دخلت وكان اخصائى المعمل الجنائى وصل، والمشهد جوه كالتالى جثة لشاب فى الثلاثين من عمره مدبوح قدام مرايا الحمام وجنبه آداة الجريمة سكين حاد، التشخيص المبدئى جرح نافذ فى الرقبه.
اتعملت التحريات عن المجنى عليه وكنت منتظر تقرير الطب الشرعى عشان نبدأ التحقيق لكن تقرير الطب الشرعى كان مفاجأة. مفيش شبهه جنائيه، المجنى عليه انتحر.
خلينى اقرأ ليكم التحريات والتقرير.( اسمه عمرو حسين عنده 32 سنة متجوز ومعندوش اولاد بيشتغل محاسب فى بنك ، بسؤال زوجته والمقربين منه مفيش أى حاجه تخليه ينتحر وحياته هادية جداً ومستقره.. التقرير لا توجد شبهه جنائيه فقد قام المدعو عمرو حسين بذبح نفسه وبصماته على السكين ولا يوجد اى نوع من المقاومة)
بس انا مش مقتنع في حاجه غلط، أى يخلى واحد معندوش مشاكل ينتحر وينهى حياته بالطريقة دى لا لا فى حاجه غلط، في الوقت ده طلبنى العميد مصطفى على مكتبه، روحتله وانا واخد قرارى
_صباح الخير يا فندم
_صباح النور يا أحمد أى قفلت ملف القضية
_فى الحقيقه لا يا فندم أنا مش مقتنع إن عمرو انتحر
_يعني أى مش مقتنع مش فاهم
_ بعد أذنك يا فندم انا محتاج وقت عشان اثبت كلامى عمرو منتحرش ارجوك يا فندم
_ قدامك اسبوع يا أحمد يا تثبت كلامك يا ملف القضية ده يتقفل.
خرجت من مكتب العميد وانا مش عارف أعمل اى، رجعت على مكتبى الباب خبط ودخل واحد وقلى
_انا النقيب كريم حمدى معاك في القضية الجديده
_ اهلا يا كريم بس لازم تعرف انها قضية من الواضح انها هتتعبنا
_ انا فهمت من العميد انك رافض فكره انه انتحر وعلى الاساس ده انضميت معاك لحلها
_عموما انا طلبت استدعى زوجه المجنى عليه اكيد لو ضغطنا عليها ممكن تقول حاجه مخبياها عننا.
بعد مرور ساعه لقيت الأمين داخل وبيقولي في واحده بره اسمها نهى عاوزة حضرتك.. قولتله خليها تدخل
دخلت نهى زوجه المجنى عليه عمرو حسين وقالت
_ هو ليه الاستدعى ده هو انا متهمه بحاجة؟
_لا أبداً ده مجرد نقاش عادى وهتمشى، كل المطلوب منك تقوليلى جوزك كان عامل اى فى الفتره الاخيرة، يعنى لاحظتى عليه انه متغير مثلا؟
_ اه هو فعلاً فى الفترة الاخيرة كان متغير خصوصا لما راح للدكتور وعرف انه عقيم مش بيخلف لكن.. قبل ما يتوفى بأسبوع بدأت تظهر عليه تصرفات غريبه
_ تصرفات غريبه ازاى وضحى
_في يوم كنت نايمة وصحيت على صوت خبط منتظم مكنتش عارفه الصوت ده جاى منين، الأوضة كانت ضلمة مش شايفة حاجه لكن لما ركزت كان عمرو وكان بيخبط راسه فى الدولاب. قومت بسرعة وشغلت نور الأوضة، صرخ انا اتفزعت من صرخته لكن عينيه كانت مقفولة ولقيته رايح ناحية السرير دخل السرير واتغطى ونام، فى اليوم ده مقدرتش انام وفضلت صاحية للصبح، لما حاولت أفتح معاه الحوار ده قال عليا بخرف وأن الكلام ده محصلش، بعد الموضوع ده محصلش حاجه لحد قبل ما يتوفى بيوم كان مبسوط جداً وقلى انه قريب هيتحقق حلمنا وهنخلف، ، بس يا فندم وتانى يوم أنا خرجت روحت لوالدتى ولما رجعت عرفت الي حصل.
_ دى كل حاجه حصلت الفترة الاخيرة؟
_أيوة يا فندم مفيش حاجة تانى
_تمام تقدرى تتفضلى
طيب وبعدين كده كلام نهى مش منطقى يعنى أى واحد متفائل انه هيخلف ينتحر كده بدون سبب، القضية دى معقدة بس فيه حاجه ناقصة ولازم نعرفها
طلبت من النيابة آذن بتفتيش بيت المجنى عليه وروحنا وفتشنا وملقناش أى حاجه، ايام صعبه بتمر عليا الاسبوع بيجرى ودى اول مرة افشل فى حل قضية، لكن حصلت حاجة مكنتش على البال.. جيه بلاغ عن جريمة تانية فى نفس المدينة، القوة اتحركت بقيادة ملازم أ خالد اشرف واقتحموا الشقة، لكن المفاجأة الى خلتنى اجرى بسرعة على عنوان الضحية التانية هو ان الضحية يبقى زوج اخت عمرو حسين المجنى عليه فى القضية الأولى
وصلت هناك وشوفت ادم سعيد الضحية التانية مشنوق في سقف الأوضة، خرجت للصالة وكانت زوجته امل حسين اخت عمرو حسين. قربت منها وقولتلها البقاء لله شدى حيلك لكن مردتش عليا كانت فى حالة صدمة
_اكيد يا فندم أنا هعمل التحريات وهنتظر تقرير المعمل الجنائى وتقرير الطب الشرعي
_تمام ربنا يوفقك، انت دلوقتي معاك النقيب كريم حمدى
وملازم أ خالد اشرف، انتوا الفريق المسؤول قدامى عن الجريمتين
_الف شكر يا فندم وان شاء الله نكون قد المسؤوليه دى
رجعت مكتبى وبدأنا عمل التحريات لحد ما جالنا التقرير الي كان للاسف مخيب للأمال.. لتانى مرة مفيش جريمة. انتحار
هقرأ ليكم التحريات والتقرير (اسمه أدم سعيد عنده 31 سنة متجوز وعنده بنت اسمها سلمى بيشتغل مهندس فى شركات مقاولات لكنه محال للتحقيق بسبب مشكله فى الشغل، بسؤال زوجته والمقربين حياته هادية جداً ومستقره ومفيش غير مشكلة الشغل، التقرير. لا توجد شبهه جنائيه فقد قام المدعو ادم سعيد بشنق نفسه فى سقف الغرفه وبصماته على الحبل المستخدم فى عملية الانتحار ولا يوجد اى نوع من المقاومة)
حالة من الصمت بتسيطر على المكتب مش قادر أصدق ولا اقتنع إن دى صدف
من وسط الحاجات الى كانت موجودة فى الأوضة كان الموبايل الخاص بيه قدرنا نفتحه ومكنش عليه أى حاجه نمشى وراها، وللمره التانية طلبت استدعى زوجة المجنى عليه، وطلبت اننا لازم نكتم على الخبر لحد لما نعرف الحقيقة
بعد شوية حضرت الأستاذة أمل حسين وكانت فى مكتبى
بدأت أنا الكلام
_ أستاذه أمل أنا مقدر الحالة الي أنتى فيها يعنى اخوكى وبعدين زوجك، لكن حاولى تهدى وتساعدينا
_ انا تحت امرك يافندم أتفضل اسأل
_ جوزك كان عامل أى فى الفترة الاخيرة؟ يعنى لاحظتى عليه أنه متغير؟
_ايوه.انا مكنتش عاوزة احكي عشان كنتوا هتقولوا عليا مجنونة لكن خلاص انا قررت احكي، جوزى بدأ يتغير من يوم ما اتحول للتحقيق في الشغل بسبب ان ورق المشروع الجديد ضاع منه وده أثر عليه جداً، بقى عصبى جداً ومن اقل حاجة خصوصا انهم قلولوا هيستغنوا عنه. الكلام ده من شهر لكن قبل ما يتوفى
بكام يوم، كان هو فى الحمام وسمعته بيتكلم مع حد جوه
مكنتش فاهمه لكن قررت انى هفتح باب الحمام لازم أعرف أي الي بيحصل جوه وفتحته لكن فجأه نور الحمام أطفى وجوزى كان واقف قدام المرايا واتلفتلى عينيه كانت بيضة تماماً وصرخ وباب الحمام اترزع فى وشى. انا جريت على المطبخ وكنت بترعش ومرعوبة من الى شوفته مفيش خمس دقايق ولقيته داخل المطبخ
وبيقولي احنا مش هنفطر ولا أى، مكنتش عارفة اقوله أى
وقبل ما يموت بيومين قلى اول ما احقق الخلود حياتنا هترجع لطبيعتها واحسن من الاول، وبعدها انتحر مش عارفة ليه
_ يعني اي يحقق الخلود؟
_ مش عارفة انا سألته قلي هتعرفى فى الوقت المناسب
_طيب واخوكى الاستاذ عمرو انتحر ليه؟
_معرفش فيه حاجه غريبة بتحصل بس انا بأكد لحضرتك إن فيه حاجه غلط مستحيل ينتحروا مستحيل
_ تمام يا أستاذه أمل تقدرى تتفضلى تمشي
وبعدين يا كريم أى الي بيحصل ده. ده قاتل محترف مش بيسيب دليل وراه وبيخلى الجرايم تبان انها انتحار . بس هو يعني اي الخلود؟
_ مش عارف يا أحمد بس هنعمل اى دلوقتى. تتوقع فيه جريمة تاني هتحصل؟
_ اكيد. بس احنا محتاجين نعرف السبب عشان نعرف الدور على مين
بعد مرور اربع ايام وخلاص كان الاتفاق بعد تحقيقات وتحريات اننا هنقفل الجريمتين على انهم انتحار. لكن جالنا بلاغ جديد بجريمه جديدة عن انتحار الأستاذة أمل حسين، بمجرد وصول البلاغ اتحركنا فوراً، وصلنا كانت الناس كلها متجمعة وزحمة رهيبة . دخلت وسط الناس وشوفت الجثة. الأستاذة أمل رمت نفسها من البلكونة من الدور العاشر او حد رماها من الدور العاشر.. كالعاده المعمل الجنائي وصل واقتحمنا الشقه كل حاجه مترتبة ومنسقة ومفيش أى حاجه واقعه على الارض وده يدل انه مفيش مقاومة، لكن لقينا أدوية اكتئاب كتير.. طبعاً تقرير المعمل الجنائى وتقرير الطب الشرعي والصفة التشريحية كان متوقع. انتحار، اتشرحت الجثة بدقة واكتشف ان الأستاذة أمل كانت تتعاطى ادوية الإكتئاب بكثره وفيه حبوب ملحقتش تدوب فى المعدة.
كنت مشتت المرة دى معنديش كلام أقوله. أمل فعلاً انتحرت. المقربين منها قالوا انها كانت بتمر بحالة إكتئاب بعد موت جوزها. بعد فحص التليفون الخاص بيها اكتشفنا انها اتكلمت مع والدتها قبل ما تموت بساعات.
تم استدعاء الوالدة عشان نعرف منها اي اتقال في المكالمة دي، الوالده اسمها سعاد. حضرت على حسب الاستدعى ودار بينا الحوار التالى
_استاذة سعاد البقاء لله انا عارف انك فقدتى ابنك وبنتك ده غير جوز بنتك، لكن حاولى تتماسكى عشان نعرف نجيب حقهم
_ سبحان من له الدوام يا باشا. اسأل انا جاهزة
_ فيه مكالمة جمعت ما بينك وبين بنتك عاوزين نعرف قلتلك اي
_ بنتى كانت حزينه جداً بعد موت جوزها وكانت حابسة نفسها ومش بتخرج ويوم ما ماتت قلتلى انها هتنفذ الخلود عشان هي مش عارفة تعيش من غير جوزها
بس انا مفهمتش معنى كلامها واى الخلود ده،، وقلتلي ان الخلود هيخليها تعيش معاه
_ الخلود. الخلود تانى، اى معنى الكلمة دى. طيب وبالنسبه لابنك عمرو وجوز بنتك ادم
_لا دول معرفش حاجة واتفاجأت بانتحارهم عشان مفيش سبب يخليهم ينتحروا
_ طيب يا حجة تقدرى تمشى
الكلمة المشتركة ما بينهم الخلود. الكلمة الي انا مش فاهم معناها لحد دلوقتى ولا مين الى بيوصلها ليهم بس الوحيدة الي عندها سبب مقنع تنتحر علشانه هي أمل بغض النظر عن كلمة الخلود.. كريم اتكلم وقلى
_فيه حاجة احنا مش واخدين بالنا منها، انتوا مش ملاحظين أن اي حد بنحقق معاه بينتحر او بمعنى اصح بيتقتل. وده استنتج منه ان القاتل بيكون مراقب الضحايا كويس بس في ضلع ناقص في المثلث. كلمة الخلود الي الكل بيقولها قبل ما ينتحر.. رد خالد وقال
_طيب المفروض دلوقتي نعمل اي يعنى نراقب الست سعاد عشان نقبض علي القاتل. رد كريم
_بالظبط كده نراقب الست سعاد وشقتها وهو ده الي هيوصلنا للقاتل
كلام كريم كان منطقى لكن كان عايز وقت كبير. قاتل محترف مش بيسيب دليل وراه مش هيقع بالسهولة دى برضوا. لكن مفيش عندنا حل تانى وبدأنا نراقب شقة الست سعاد
الست سعاد ساكنه مع جوزها وبنتها ريم فى الشقة دى والحجة سعاد نادر جداً خروجها من الشقة.ريم كانت متجوزه واحد اسمه ياسين ممدوح اختفى وبعدين عرفوا انه اتعرض لحادث ومات ، فضلنا مراقبين الشقه 3 أيام متواصلة لحد ما حصلت حاجة، خرجت ريم تصرخ في البلكونة وتقول الحقونى. الناس جريت على الشقة واحنا كمان. اقتحمنا الشقة والمشهد جوه كالتالى جثتين ايوه بالظبط كده جثة الست سعاد غرقانة في البانيو فى الحمام، وجثة للاستاذ حسين فى اوضة النوم بطعن نافذ فى البطن، الشرطة جات ووصل خبير المعمل الجنائي وطبعا احنا عارفين النتيجة من غير اي تقارير.. اتعملت التحريات وكنا في انتظار التقرير المعروفة نتيجته
واستدعانا العميد مصطفى انا وكريم وخالد ورحنالوا المكتب
_واضح ان اختيارى ليكم كان خاطئ من البداية الجرايم بتزيد فى نفس العيلة كل كام يوم يتقتل واحد والتقارير تقول انتحار، شكلنا بقى وحش قدام الرأى العام والصحافة ما اهو يا نقفل القضايا على انها انتحار يا اما تجيبوا القاتل قدامكم 48 ساعة والقاتل يكون تحت ايديكم مفهوم
_ مفهوم يا فندم
خرجنا من عندنا العميد مصطفى واحنا مش عارفين نتصرف ازاى، بالنسبالي مش انتحار ومش هقتنع انهم انتحروا وهجيب القاتل، قعدنا احنا التلاته فى المكتب عندى نفكر عشان نشوف حل. التليفزيون والبرامج مفيش قدامهم غير سيرتنا واننا عاجزين في القبض على القاتل.. بدأنا نفتش بيوت الضحايا من تانى ونجمع الآدلة من تانى عشان نوصل لحاجة مفيش للأسف وخلاص كان القرار اننا هنقفل القضايا على انها انتحار.
بالنسبالي كان قرار صعب جداً، دخلت وبلغت العميد بقرارى وانا باصص فى الارض مش قادر ابصله وعارف ان القضايا دى فيها سر بس خلاص من الواضح ان المجرم ده انتصر علينا في النهاية، وأعلنا للإعلام والصحافة والرأي العام انها صنفت قضايا انتحار. طبعاً اتوجه لينا هجوم شديد.
لحد ما حصلت حاجة قلبت كل حاجة رأسا على عقب. رساله وصلت على تليفوني من رقم مجهول وكان نص الرسالة ( كنت ماشى صح فى قاتل ارجع افتح القضية الناس دى منتحرتش) حسيت ان الرسالة أشبه بنجدة بالنسبالي. اخدت الرسالة وبسرعة على مكتب العميد الي رغم أنه شاف الرسالة قلى
_ انت عاوز أي انا ما صدقت ان الناس بدأت تهدى شوية، عاوز تفتح القضايا تاني ومتعرفش تحلها.
_يا فندم الرسالة دي خطيرة ولو وصلنا لصاحب الرسالة هنوصل للقاتل
_ ويمكن لا ويطلع حد بيشتغلنا بقولك أي القضايا دي اتقفلت وانسي انها تتفتح تاني
_ يا فندم ارجوك انا مصمم اكمل
_الكلام خلص يا أحمد
خرجت من المكتب وانا بجد مستغرب رد فعله لكن انا مش هسكت، وقررت اشتغل مع فريقى في صمت. خالد رفض وقال هينفذ الاوامر وانسحب. وفضلنا انا وكريم وأول خطوة بدأنا نبحث عن الرقم، لكن للأسف الرقم طلع لواحد متوفي وكمان الي بعت الرسالة بعتها وقفل التليفون. اتقلى مفيش حل غير انه يفتح تليفونه، رغم احباطى لكن مصمم اعرف الحقيقه، رجعت البيت ونمت نمت نوم عميق صحيت على صوت رسالة جديدة. فتحت الرسالة كانت عبارة عن عنوان. اتصلت بكريم لكنه قلى ملحقناش كان اسرع مننا وقفل التليفون تاني
قررت انى هروح العنوان ولوحدى نزلت من البيت ركبت عربيتى واتحركت. العنوان كان بيت فى قرية قريبة وصلت القرية وسألت عن بيت الست عفاف طبعاً بطبيعة الصعايدة سألوني عاوزها فى أي. عرفتهم انى رائد شرطة وجاى عاوزاها في موضوع ضروري. دلوني على البيت
خبطت مرة واتنين فتحتلى ست فى الاربعين من عمرها اكيد دى عفاف عرفتها بنفسى ودخلت البيت عشان الاقى فى البيت بنت في العشرينات قاعدة وشارده في ملكوت الله وعلى لسانها كلمة واحدة الخلود. الخلود
قعدت قدامها وسألتها يعني اى الخلود. يعنى أى؟
مش بترد عليا ساكته تماماً.
سألت والدتها الست عفاف عن حالتها؟ ردت وقالت
_ مش عارفة يا ولدى هي كده من اسبوع
_ انتى كنتى بتشتغلى عند العيلة الي ماتوا الفترة الي فاتت دي صح؟
_ ها ايوة صح يا ولدى انا وبنتى صابرين دى
_ ومشيتوا ليه؟
_ الست سعاد هي الى قطعت عيشنا عشان شقتها اتسرقت واحنا مكناش في الشقة ومخدناش اذنها
وانا بتكلم معاها خطبة الجمعة بدأت. قومت وروحت الجامع الي كان قريب جداً من بيتها، وصليت الجمعة وبعد الصلاة روحت لشيخ الجامع وقولتله
_ سلام عليكم يا عم الشيخ انا غريب عن بلدكم وكنت عايز اسألك على حاجة لو تعرف معناها
_ اهلا يبني منور البلد اتفضل اسأل يبنى
_ هو يعني اى الخلود؟
_ الشيخ قلي ليه السؤال ده؟
_ قولتله اجابتك متوقفه عليها حاجات كتير. فهمني
_ قلى إبليس ادعى الخلود وقال انه مش هيموت أبداً
المقصود بيها ان العمر ممتد الي مالا نهاية
إبليس بيدعى وجود حياه بعد الموت اسمها الخلود
_ تمام انا فهمت الف شكر يا مولانا
خرجت من الجامع على صوت صراخ الست عفاف كانت بتصرخ جريت على البيت وأهل البلد كلهم اتجمعوا عند البيت. صابرين انتحرت وقطعت شاريينها. اتصلت بسرعة بكريم وبلغته وجات الشرطة والاسعاف والدنيا اتقلبت في القرية. رجعت مكتبى وانا بحاول افهم بحاول اربط الخيوط ببعضها لكن مش عارف في حاجات ناقصة
لكن انا قربت اوصل
لازم نعرف يا كريم مين صاحب الرقم ده وفى اقرب وقت
المرة دي مش محتاج اعمل تحريات ولا تقارير. الست عفاف وبنتها كانوا شغالين في بيت الست سعاد وطردتهم بسبب سرقه الشقة لكن هما أي دخلهم بالعيلة دى
واي دخل كلمة الخلود بكل ده
الإجابة هي حل كل القضايا يا كريم
فى الوقت ده وصلت رسالة بصيت كان هو الرقم ومكتوب (اتمني تلحق آخر ضحية) اتكلم كريم وقال
_ هو يقصد مين؟
_ عفاف يقصد عفاف
خرجنا نجرى من المديرية ركبنا عربيتي وبسرعة علي القرية وصلنا كان البيت علية زحمة. دخلنا بسرعة لقينا الستات بتقول افتحي يا عفاف افتحي الباب. قولت للستات وسعوا وكسرنا الباب عفاف قطعت شريينها زي بنتها. للأسف ملحقناش الضحية الأخيرة
خرجت من البيت على مكتب العميد مصطفى اتكلمت معاه وقولتله انى عايز فرصة أخيرة بعد محاولات لاقناعه وافق
..
رجعت مكتبى وقعدت وانا بكلم نفسي قدرت أربط خيوط كتير ببعض، سبع ضحايا بينهم عوامل مشتركة، بس اي السبب الى يخليهم ينتحروا؟
فيه سر ورا الموضوع ده او حاجة انا مش فاهمها. قطع تفكيرى دخول كريم وقلى قدرنا نوصل لصاحب الرقم، اخدت الاسم والعنوان واصريت مبلغش حد أخدت معايا كريم ورحنا على العنوان. كان بيت قديم فى منطقه معزوله، دخلنا عشان الباب كان موارب بيت مكون من أربع غرف، الريحه كريهه جداً ولا تطاق. دخلنا الغرفة الي خارج منها النور وهنا كانت الصدمة.. دجال ونايمة قدامه واحدة حاطط ايده على دماغها وبيقول كلام غريب وهي بتترعش قدامه. أول ما شافنا ابتسم وقال اخيرا عرفتوا توصلوا. الست الي قدامه قامت وخرجت تجرى من الأوضة. قولتلوا
_ انا هحكيلك انا كنت هتجنن عشان اوصل لرقمك عشان لازم تعرف الحقيقه. من 6 شهور جالى واحد اسمه ياسين وكان جايب معاه صور لسبعة وقال انه عايز يخلص منهم بس بالبطئ يموتوا بالبطئ. الي عرفته ان ياسين من عيلة غنية جداً وقولت استغل الفرصة وطلبت منه مليون جنيه
قلى هديلك الي انت عاوزه مقابل موت السبعة دول وبالبطئ. عملت جلسة تحضير لجن موكل بالخراب والموت لكنى قولت طلسم غلط والي اتحضر جن موكل بالموت لكن الجن ده مش بيقتل بالبطئ زي ما هو طلب
ياسين قلي يأما تصرفه ياملكش عندي مليم واختلفنا عشان الجن ده مارد من مردة الجن ومش هينصرف بسهولة. الجن ده على حسب ما عرفت عنه بيقنع ضحاياه بالخلود يعني بيقولهم انتحروا وانا هخليكم تعيشوا حياة أبدية وطبعا هو بيخدعهم والي بيرفض بيفضل وراه لحد لما يتجنن زي ما حصل في ياسين ممدوح دلوقتى واهو عايش في مستشفى المجانين
_ انت بتقول مين؟ ياسين ممدوح. طب ازاي ده مات من فترة كبيرة
_ مين ده الي مات ياباشا ياسين ممدوح عايش في المستشفى. مستشفى المجانين
_وهو عمل كده ليه؟
_انا مالى يا باشا روحوا اسألوه
قبضنا على فتحى الدجال والشرطة جات وفتشت البيت
وخرجت منه اعمال وأذيه طالت وبتطول ناس كتير
طمع وجحود ونفوس مريضة بتأذي ناس ملهاش ذنب في اي حاجة
رجعت المديرية من تاني وروحت للعميد مصطفى وحكتله اي الي حصل بالظبط. العميد قلي
_طيب وبعدين يا أحمد ناوى على أى، ده واحد في مستشفى امراض عقلية يعني مجنون. تفتكر ممكن حد ياخد بالكلام الي ممكن يقوله ده لو يعني اتكلم
_ خليني اسمع منه الاول يا فندم وبعد كده نشوف
_ تمام يا أحمد ربنا معاكم
روحت المستشفى عشان اشوف ياسين ممدوح، قابلت هناك الدكتور المسؤول عن حالة ياسين. قلي احسن ليك متقبلهوش هو مش هيتكلم انا متأكد. طيب ممكن اشوفه ولو من بعيد وفعلا بصيت عليه من شباك اوضته
اعوذ بالله من المنظر الي شوفته اعوذ بالله
واحد حالق شعره خالص عروق جسمه نافره ولونها اسود. عينيه تحت هالات سوده. اشبه بالهيكل العظمى
قولت للدكتور
_ هو ماله يا دكتور؟
_قلى عنده هلاوس سمعية وبصرية ده غير انه بتجيله حالة هياج واحنا حبسينه في غرفة العزل عشان لما بيخرج بيأذي نفسه والي حواليه
خرجت من المستشفى وانا ساكت تماماً ورحت الحبس عشان لازم اقابل فتحى فيه حاجه اكيد مقالش عليها
جبته المكتب وحكتله الحالة الي فيها ياسين وقولتله انا عايز افهم محدش من الضحايا كان في الحالة دي مفيش غير ياسين الي كده
_ عشان ياسين هو السبب في تحضيره وياسين دلوقتي رافض يخضع للخلود الي طلبه منه الجن وعشان كده الجن بيعذبه
_ طيب والحل دلوقتي اي؟
_ تجيب حد يخرجه من عليه عشان يقدر يحكيلك الي انت عايز تسمعه
_ تمام. يعني مفيش حل تانى
_للأسف لا
رجعت فتحى السجن ومكنش فى غيره قدامى الشيخ الي قبلته فى القرية روحتله عرفت ان اسمه ايوب وحكتله كل حاجه. قلى
_تمام يبنى هاجى معاك بس هما هيوافقوا فى المستشفى
_ سيب الموضوع ده عليا انا، انا هتصرف
اخدت الشيخ وطلعنا على المستشفى ودخلت للدكتور المعالج اكتر من ساعة من الجدال عشان أقنعه ان الشيخ هيدخل يعالح ياسين. واقنعته مش مريض نفسي. هو بس عليه مارد من مردة الجن. انا مكنتش مصدق اني بقول الكلام ده انا الراجل المتعلم بيقول كده
المهم دخل الشيخ ايوب على ياسين اول ما شافه صرخ ياسين
أما الشيخ اتكلم وقال
وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ.. بسم الله ارقيك بسم الله نرقيك
بسم الله وبحول الله وبقوه لا اله الا الله اخرج الان، أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما خلق وذرأ وبرأ، ومن شر ما ينزل من السماء ومن شر ما يعرج فيها، ومن شر ما ذرأ في الأرض ومن شر ما يخرج منها، ومن شر طوارق الليل والنهار ومن شر كل طارق إلا طارقا يطرق بخير يا رحمان
ياسين فضل يتلوى ويتشنج وبيخرج منه صوت لا يمكن يكون صوت بشرى زي صراخ مكتوم
فضل الشيخ مكمل وقرأ آيه الكرسي كنت حاسس بزلزال في الأوضة والصوت المخيف الي طالع منه وبيقول هقتله وهقتلكم معاه مش هسيبه مش هسيبه.العروق الي في جسمه بدأ لونها يتغير للون الاحمر وعينيه اتقلبت وبقت بيضة تماماً.الشيخ زعق وقال يا من ألجمت كل متمرد سلم يارب سلم.اعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق.ربي اعوذ بك من همزات الشياطين واعوذ بك ربي ان يحضرون.سكت الشيخ ايوب.. وحالة من القيئ جات لياسين رهيبة لدرجة انى حسيت انه هيموت
_ الشيخ بصلى وقال بحمد الله خرج سيبه يرتاح وتعالي بكره يبني اقعد معاه واسمع منه
فعلاً اخدت الشيخ رجعته مكانه وشكرته، وتاني يوم كنت عند ياسين في المستشفى حالته اتحسنت جداً. دخلتله وقولتله حمدالله على السلامة، تسمحلى يا دكتور هنعمل التحقيق هنا .
ياسين احنا عارفنا كل حاجة بس انا عاوز اسمع منك انت . انا الرائد أحمد عز على وهنا عشان اسمع منك واساعدك انا مش ضدك تمام. اتفضل تقدر تحكى
ياسين اتكلم وقال كنت عايش حياة هادية وجميلة مع اكتر واحدة حبيتها في حياتي. ريم كانت هي الي بتنورلى حياتي مكنش عندى اي مشاكل غير الخلفة المشكله كانت من عندها مش من عندي. لكنى صبرت معاها 3سنين لكن مع الوقت مقدرتش نفسي اكون اب. اسمع كلمة بابا
قررت اني هتجوز وفعلا اخدت قرار واتجوزت واحدة اسمها ريهام وكنت مخبى اني متجوز، لحد ما فى يوم ريهام كلمتنى وقلتلى انا حامل. الفرحة مكنتش سيعانى من فرحتي جريت وقولتلهم على اساس انهم عيلتى، طردوني ورجعت لريهام قولت خلاص هعيش مع مراتى وابنى الي جاى في السكه. لكن الجحود كان مالى قلبهم اتفقوا انهم يتخلصوا من ابنى عشان بنتهم دخلت فى مود اكتئاب. انت متخيل. بمساعدة حتة خدامة هي وبنتها كانوا شغالين عندى. الخدامة دي خدرت مراتى وسهلت دخول الكلاب الشقة. في الوقت ده انا كنت فى الشغل رجعت لقيت مراتى سايحه فى دمها. واخر حاجة قلتهالى قتلوا ابننا. قتلوا ابننا.. وماتت ايوة ماتت، نار الانتقام حرقت قلبى لكن لو انتقمت بالطريقة الغبية انى اروحلهم فعلا هكون غبى. روحت لفتحى عشان اعملهم سحر يموتهم بالبطئ. لكن فتحى قرأ التعويذة غلط وحرر جن موكل بالموت والهلاك مقابل الخلود. رفضت اديلوا الفلوس فسلطه عليا انا وعشان انا الي طلبت السحر كان عقابي اضعاف اضغاف الي اتعمل فيهم وبقيت محبوس جوه اوضة ضلمة كل يوم بشوف المخلوق المرعب ده وشايفوا وهو بيتحكم فيا وفي تصرفاتي كنت حاسس اني هموت سكت وقولت ده عقاب ربنا كنت بسمعه بيقولي الخلود لكن انا رفضت، لحد ما انت جيت وخرجتنى.. انا مش زعلان انى هدخل السجن.
انا فرحان انى اخدت حقى
_ انت عارف العقوبة؟
اكيد عارف بس انا مش زعلان انا خلاص اخدت حقى ومش عايز حاجة تاني كفاية اني اخدت حقى. انا بتمني اموت عشان حاسس انها ماتت بسببي
اتكشف علي ياسين وتم ثبوت انه لا يعاني من اى امراض
اتقبض على ياسين ممدوح واتحول للمحاكمة وكان المتهم فى القضية دى اتنين.
المتهم الأول اسمه ياسين ممدوح محمد
والمتهم الثانى فتحي عاشور السيد. ياسين اتكلم وحكى كل حاجه في القفص للقاضى.. وقاله الزمن الي احنا فيه مفهوش عدل وكل واحد بياخد حقه بدراعه انا الي بطلب منك يا سيادة القاضى. احكم عليا بالاعدام دلوقتي وريحنى. انا كنت ضحية وبقيت قاتل بس انا فرحان اني قتلتهم انا فرحان اني قتلتهم
رغم كل الي حكاه ياسين.. حكمت المحكمة وبإجماع الاراء علي كلا من ياسين ممدوح محمد وفتحى عاشور السيد بإحالة اوراقهم إلي فضيلة المفتى
يمكن ياسين يستاهل حكم المحكمة لكن هما يستاهلوا الإعدام وفي ميدان عام
..
تمت
..
محمود الامين. ❝
❞ تعلمت من تجربتي السابقة. أن في ما نجهله جمالية تفوق فرحتنا بمعرفة الحقيقة.ولذا، قررت أن أترك موعدي مع عبد الحق للحياة، تتدبره كما تشاء. حتى لا أفقد عنصر المفاجأة.. وحتى لا أستعجل الخاتمة.. ❝ ⏤أحلام مستغانمي
❞ تعلمت من تجربتي السابقة. أن في ما نجهله جمالية تفوق فرحتنا بمعرفة الحقيقة.ولذا، قررت أن أترك موعدي مع عبد الحق للحياة، تتدبره كما تشاء. حتى لا أفقد عنصر المفاجأة. وحتى لا أستعجل الخاتمة. ❝
❞ سنتناول اليوم حكاية رجل يدعى ثابت بن النعمان ، عرف عنه زهده ، وتعبده لله عز وجل ، ولكنه في الوقت نفسه كان فقيرًا معدمًا ، وفي صبيحة يوم استيقظ على حالة من الجوع الشديد ، حتى كادت بطنه أن تتقطع ، من فرط حاجتها لالتهام الطعام ، لكنه رغم بحثه هنا وهناك ، عله يجد شيئًا يتناوله ، ويصبر به نفسه ، لم يجد أي شيء في أرجاء بيته .
هم للخروج باحثًا عن أي طعام يتناوله ، ظل يسير ، ويسر إلى أن وصل إلى حديقة خضراء ، تفيض بشجر التفاح المثمر، على الفور قطف تفاحة ، وأكل نصفها سريعًا ، وفجأة توقف عن الطعام ، ما هذه ؟ كيف لي أن آخذ ما ليس من حقي ، فكان لزامًا علي أن أستأذن صاحب الحديقة أولًا ، ماذا عساي أن أفعل الآن ؟ فقد أكلت حرامًا ، ليس من حقي ، وندم كثيرًا على فعلته هذه .
على الفور ، بدأ النعمان في البحث هنا وهناك عن مالك الحديقة ، ويسأل عنه كل من يقابله ، حتى دلوه عن بيت الرجل ، فذهب إليه ، وخبط على بابه ، فخرج الرجل سائلًا : من أنت يا بني ؟ وما خطبك ؟ فرد عليه ، وحكى له ما حدث له بالتفصيل ، وأبدى إليه ندمه عن فعلته ، ولكنه أخذ يترجاه في العفو عنه ، ومسامحته .
رد الرجل قائلًا : لن أسامحك أبدًا ، وسأحاجك بهذه التفاحة يوم القيامة ، هنا انهمر ثابت في البكاء ، وقال للرجل : أرجوك أن تسامحني ، وسأفعل لك أي شيء تطلبه ، وأكون في خدمتك دون أي مقابل ، ماحييت ، لم يستجب صاحب الحديقة إليه ، وأعرض عنه ، ودخل إلى البيت .
جاء وقت صلاة العصر ، وقد خرج صاحب الحديقة ، ووجد ثابت كما تركه ، يجهش بالبكاء ، فسأله : ما خطبك أيها الرجل ؟ فرد ثابت : أرجوك أن تسامحني ، فرد عليه قائلًا : يمكنني أن أسامحك بشرط واحد ، وهو أن تتزوج ابنتي ، تعجب ابن النعمان لهذا الشرط ، وأجاب على الفور ، سأتزوجها ، هنا رد صاحب الحديقة : تمهل يا بني ، إن ابنتي هذه كفيفة ، بكماء ، صماء ، وقعيدة ، فإن وافقت على الزواج منها ، فسأسامحك على الفور ، وإلا فلا .
هنا أطرق ابن النعمان مليًا ، في حيرة مما سمع ، فوهنا بدأ يتخيل حياته مع تلك الزوجة ، كيف تدبر أمور الحياة معها ؟ كيف ؟ وكيف ؟ ولكنه بعد تفكر عميق ، أدرك أنه لن يسامحه إلا بذلك ، وإن لم يسامحه ، فسيغضب الله عليه ، ولكل جواد كبوة ، فرد عليه قائلًا : موافق على الزواج منها ، وسأحتسب أجري عند رب العباد ، المهم عندي أن تسامحني .
اتفق الرجلان ، وحدد الأب يوم الخميس القادم مباشرة ، للزواج ، وأنه سيكون المتكفل بمهر ابنته ، وجميع احتياجات العرس ، طبعًا أصبح جاء ثابت يوم الخميس ، وقد أصابه همًا ، وغمًا كبيرين ، ليس سعيدًا بعرسه ، وهم ، وذهب إلى البيت ، وطرقه ، ففتح الرجل ، ورحب بالعريس ، فدخل ثابت ، وألقى السلام ، رغم علمه بأنها لن تسمعه ، ولن ترد ، ولكن حدثت المفاجأة .
ردت العروس ، وقالت : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، هنا انصرف الأب ، وهمت العروس ، فصافحت عريسها ، وقبلت يداه ، وجلست إلى جواره ، والعريس مذهول مما يرى ، ويسمع ، فسألته عما به ، فحكى لها ما أخبره به والدها عنها ، فردت قائلة : نعم ، فقد صدق أبي
فأنا صماء ، لم أسمع أبدًا ما يغضب ربي ، وأنا بكماء ، لم أتكلم قط بما يغضب ربي عني ، وأنا عمياء ، فأنا لم أرى ما حييث شيئًا يغضب ربي ، وأنا قعيدة ، لا أمشِ إلا فيما يرضي الله ، هنا فرح العريس فرحة غامرة ، وجاء فصلى بها ركعتين ، ومن ثم عاشا معًا حياة هنيئة ، وأنجبا أبا حنيفة النعمان .. ❝ ⏤Sara Hegazy
❞ سنتناول اليوم حكاية رجل يدعى ثابت بن النعمان ، عرف عنه زهده ، وتعبده لله عز وجل ، ولكنه في الوقت نفسه كان فقيرًا معدمًا ، وفي صبيحة يوم استيقظ على حالة من الجوع الشديد ، حتى كادت بطنه أن تتقطع ، من فرط حاجتها لالتهام الطعام ، لكنه رغم بحثه هنا وهناك ، عله يجد شيئًا يتناوله ، ويصبر به نفسه ، لم يجد أي شيء في أرجاء بيته .
هم للخروج باحثًا عن أي طعام يتناوله ، ظل يسير ، ويسر إلى أن وصل إلى حديقة خضراء ، تفيض بشجر التفاح المثمر، على الفور قطف تفاحة ، وأكل نصفها سريعًا ، وفجأة توقف عن الطعام ، ما هذه ؟ كيف لي أن آخذ ما ليس من حقي ، فكان لزامًا علي أن أستأذن صاحب الحديقة أولًا ، ماذا عساي أن أفعل الآن ؟ فقد أكلت حرامًا ، ليس من حقي ، وندم كثيرًا على فعلته هذه .
على الفور ، بدأ النعمان في البحث هنا وهناك عن مالك الحديقة ، ويسأل عنه كل من يقابله ، حتى دلوه عن بيت الرجل ، فذهب إليه ، وخبط على بابه ، فخرج الرجل سائلًا : من أنت يا بني ؟ وما خطبك ؟ فرد عليه ، وحكى له ما حدث له بالتفصيل ، وأبدى إليه ندمه عن فعلته ، ولكنه أخذ يترجاه في العفو عنه ، ومسامحته .
رد الرجل قائلًا : لن أسامحك أبدًا ، وسأحاجك بهذه التفاحة يوم القيامة ، هنا انهمر ثابت في البكاء ، وقال للرجل : أرجوك أن تسامحني ، وسأفعل لك أي شيء تطلبه ، وأكون في خدمتك دون أي مقابل ، ماحييت ، لم يستجب صاحب الحديقة إليه ، وأعرض عنه ، ودخل إلى البيت .
جاء وقت صلاة العصر ، وقد خرج صاحب الحديقة ، ووجد ثابت كما تركه ، يجهش بالبكاء ، فسأله : ما خطبك أيها الرجل ؟ فرد ثابت : أرجوك أن تسامحني ، فرد عليه قائلًا : يمكنني أن أسامحك بشرط واحد ، وهو أن تتزوج ابنتي ، تعجب ابن النعمان لهذا الشرط ، وأجاب على الفور ، سأتزوجها ، هنا رد صاحب الحديقة : تمهل يا بني ، إن ابنتي هذه كفيفة ، بكماء ، صماء ، وقعيدة ، فإن وافقت على الزواج منها ، فسأسامحك على الفور ، وإلا فلا .
هنا أطرق ابن النعمان مليًا ، في حيرة مما سمع ، فوهنا بدأ يتخيل حياته مع تلك الزوجة ، كيف تدبر أمور الحياة معها ؟ كيف ؟ وكيف ؟ ولكنه بعد تفكر عميق ، أدرك أنه لن يسامحه إلا بذلك ، وإن لم يسامحه ، فسيغضب الله عليه ، ولكل جواد كبوة ، فرد عليه قائلًا : موافق على الزواج منها ، وسأحتسب أجري عند رب العباد ، المهم عندي أن تسامحني .
اتفق الرجلان ، وحدد الأب يوم الخميس القادم مباشرة ، للزواج ، وأنه سيكون المتكفل بمهر ابنته ، وجميع احتياجات العرس ، طبعًا أصبح جاء ثابت يوم الخميس ، وقد أصابه همًا ، وغمًا كبيرين ، ليس سعيدًا بعرسه ، وهم ، وذهب إلى البيت ، وطرقه ، ففتح الرجل ، ورحب بالعريس ، فدخل ثابت ، وألقى السلام ، رغم علمه بأنها لن تسمعه ، ولن ترد ، ولكن حدثت المفاجأة .
ردت العروس ، وقالت : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، هنا انصرف الأب ، وهمت العروس ، فصافحت عريسها ، وقبلت يداه ، وجلست إلى جواره ، والعريس مذهول مما يرى ، ويسمع ، فسألته عما به ، فحكى لها ما أخبره به والدها عنها ، فردت قائلة : نعم ، فقد صدق أبي
فأنا صماء ، لم أسمع أبدًا ما يغضب ربي ، وأنا بكماء ، لم أتكلم قط بما يغضب ربي عني ، وأنا عمياء ، فأنا لم أرى ما حييث شيئًا يغضب ربي ، وأنا قعيدة ، لا أمشِ إلا فيما يرضي الله ، هنا فرح العريس فرحة غامرة ، وجاء فصلى بها ركعتين ، ومن ثم عاشا معًا حياة هنيئة ، وأنجبا أبا حنيفة النعمان. ❝
❞ فلسفةٌ من قوة الضعف..
أريد أن أكون فيلسوفا..أتلاعب بالكلمات ..أرسم من نقطة ماء سقطت على ورقي بحراً.. أرسم شلالاً يغمرني ..
أرسم موجاً يغرق ممحاتي الوردية..والتي أحسها أكبر من ذاك البحر
أريد أن أثقب جبلاً.. أصنع نفقاً.. في جبلٍ تشكل من صخرٍ أصم..فاق شموخه شموخ الهملايا..سأحفره بتلك الإبرة التي ورثتها عن جدتي بعد رحيلها..
أريد أن أجتاح العالم ..أغ_ز_وة..سأعلن ال_ح_رب..
سأعقد إتفاقية مع مملكة النمل..بحراسها..بعمالها..مع كل الحضنة..والأجنة..مع ولاة أمرها.. مع امراءها.. ووزراءها.. سأعقد إتفاقا لنبني صرحاً يخترق الأفق..لنبني جسراً يربط القارات بعضها ببعض.. سننتصر على مردة الشياطين.. على عفاريت.. الجن.. مع ذلك ال_ج_يش العرمرم من ج_ن_ود النحل وفراشات تعدت ألف ألف فراشةٍ إنظمت إلينا حين دقت طبول ال_ح_رب..تحمل زهوراً لها نصلٌ يشبه السيف..وأقرب ما يكون خنجراً..
لقد أوقد ال_ع_دو_ براكين من حممٍ مسجورٍ أحسه..
والرهان لا زال قيد الأمل
لا يضر سننتصر..
نعم جهزوا منجنيقات من حجارةٍ مسومةٍ..لكننا سننتصر..
أخبرني بذلك قائد_ ف_ي_لق_ النمل ..الذي كان في مقدمة سفينة صُنعت من ورقة ليمون سموها التايتنك
لا أعلم اسراراً للفلاسفة
لا أعلم ما الذي يجعلهم مختلفون
نعم هم رجالاً.. ونساءً ..لكنهم في كل ليلة يتجهون لأسرتهم بنية النوم..كسائر البشر..ثم أنهم يستيقظون صباحاً..يغسلون وجوههم..
قد يختلف معجون الأسنان من فيلسوف لآخر لكنهم يتبعون نفس الطريقة في التنظيف والتي تتعدى على أقل تقديرٍ دقيقةً كاملةً ليكتمل بريق أسنانهم بنجاح
لا شيء يميزهم على سائر البشر..سوى ذلك الثقب الذي أنتج الآف المصطلحات..وملايين الإحتمالات..
ليسوا مختلفين كثيراً..غير أنهم يفكرون كثيراً...يتأملون كثيرا.. يتخيلون كثيراً..تنبع أفكارهم من الشتات حين تشكل الكون..قد تستغرق بقعة ضوء إستقرت على وسادة فيلسوف ألف كتاب... ليتم تفسير تلك الظاهرة بلونها..بحجمها..بشكلها.. بطولها..بعرضها..بذلك الحدث..كيف..؟ ولماذا..؟ ولم..؟
ولذلك هم طبيعيون حد الدهشة ..حد المفاجأة الكبرى حرفهم يشد الناظرين..كل العلامات..كل الإرهاصات..كل الدلائل تستشعِرُ ذاك الفن..ذاك الاجتهاد..ذاك الجمال في بوح وطرح الفكرة البسيطة كقظية أنهكت العالم..
..
ومع كل هذه التفاصيل أريد أن أصبح فيلسوفاً..لكن لا أعلم كيف أتشاكس مع جميل الكلمات..وعذب الحروف.. لا أعلم كيف أنظم عِقداً بتلك الإبرة التي ورثتها عن جدتي
#خالد_الخطيب. ❝ ⏤خالد الخطيب
❞ فلسفةٌ من قوة الضعف.
أريد أن أكون فيلسوفا.أتلاعب بالكلمات .أرسم من نقطة ماء سقطت على ورقي بحراً. أرسم شلالاً يغمرني .
أرسم موجاً يغرق ممحاتي الوردية.والتي أحسها أكبر من ذاك البحر
أريد أن أثقب جبلاً. أصنع نفقاً. في جبلٍ تشكل من صخرٍ أصم.فاق شموخه شموخ الهملايا.سأحفره بتلك الإبرة التي ورثتها عن جدتي بعد رحيلها.
أريد أن أجتاح العالم .أغ_ز_وة.سأعلن ال_ح_رب.
سأعقد إتفاقية مع مملكة النمل.بحراسها.بعمالها.مع كل الحضنة.والأجنة.مع ولاة أمرها. مع امراءها. ووزراءها. سأعقد إتفاقا لنبني صرحاً يخترق الأفق.لنبني جسراً يربط القارات بعضها ببعض. سننتصر على مردة الشياطين. على عفاريت. الجن. مع ذلك ال_ج_يش العرمرم من ج_ن_ود النحل وفراشات تعدت ألف ألف فراشةٍ إنظمت إلينا حين دقت طبول ال_ح_رب.تحمل زهوراً لها نصلٌ يشبه السيف.وأقرب ما يكون خنجراً.
لقد أوقد ال_ع_دو_ براكين من حممٍ مسجورٍ أحسه.
والرهان لا زال قيد الأمل
لا يضر سننتصر.
نعم جهزوا منجنيقات من حجارةٍ مسومةٍ.لكننا سننتصر.
أخبرني بذلك قائد_ ف_ي_لق_ النمل .الذي كان في مقدمة سفينة صُنعت من ورقة ليمون سموها التايتنك
لا أعلم اسراراً للفلاسفة
لا أعلم ما الذي يجعلهم مختلفون
نعم هم رجالاً. ونساءً .لكنهم في كل ليلة يتجهون لأسرتهم بنية النوم.كسائر البشر.ثم أنهم يستيقظون صباحاً.يغسلون وجوههم.
قد يختلف معجون الأسنان من فيلسوف لآخر لكنهم يتبعون نفس الطريقة في التنظيف والتي تتعدى على أقل تقديرٍ دقيقةً كاملةً ليكتمل بريق أسنانهم بنجاح
لا شيء يميزهم على سائر البشر.سوى ذلك الثقب الذي أنتج الآف المصطلحات.وملايين الإحتمالات.
ليسوا مختلفين كثيراً.غير أنهم يفكرون كثيراً..يتأملون كثيرا. يتخيلون كثيراً.تنبع أفكارهم من الشتات حين تشكل الكون.قد تستغرق بقعة ضوء إستقرت على وسادة فيلسوف ألف كتاب.. ليتم تفسير تلك الظاهرة بلونها.بحجمها.بشكلها. بطولها.بعرضها.بذلك الحدث.كيف.؟ ولماذا.؟ ولم.؟
ولذلك هم طبيعيون حد الدهشة .حد المفاجأة الكبرى حرفهم يشد الناظرين.كل العلامات.كل الإرهاصات.كل الدلائل تستشعِرُ ذاك الفن.ذاك الاجتهاد.ذاك الجمال في بوح وطرح الفكرة البسيطة كقظية أنهكت العالم.
.
ومع كل هذه التفاصيل أريد أن أصبح فيلسوفاً.لكن لا أعلم كيف أتشاكس مع جميل الكلمات.وعذب الحروف. لا أعلم كيف أنظم عِقداً بتلك الإبرة التي ورثتها عن جدتي
❞ المليونير الكبير الذي يموت . . جمع حوله أولاده الأربعة و راح يُملي على أكبرهم وصيته الأخيرة التي سينسخ بها جميع وصاياه السابقة .
إنه يُملي بصوت متهدج ، و الأولاد قد فتحوا أفواههم من الدهشة و كأنما يستمعون إلى شخص آخر غير أبيهم الذي عرفوه .
قال الرجل في صوت مهدم :
_ هناك مليون دولار ستوزع عليكم بالتساوي أما السبعة ملايين دولار الباقية ، فوصيتي أن تُبنَى بها مدارس و مستشفيات و ملاجيء و دار مسنين و معهد لتعليم الحِرَف . و على الأخ الأكبر إنشاء هذه المؤسسات الخيرية و إدارتها و رعايتها لتكون صدقة جارية ينتفع بها اليتيم و المريض و المحتاج .
و ارتفع صوت الإبن الصغير معترضاً :
_ و لكن يا أبي لا أحد منا له خبرة بهذه الأشياء .
و استمر الأب يُملي بصوته المتهدج :
_ و الإثنين مليون دولار في الخزينة .. يبنى بها مسجد و مستوصف و مقرأه للقرآن .
و تلفت الأبناء كل واحد يتصفح وجه الآخر في استغراب ، و عاد صوت الإبن الأصغر ليعترض :
_ليس هذا ما تعلمنا منك خلال حياتنا معك .. لقد ربيتنا على أعمال أخرى .. و الآن تفاجئنا بدور جديد لا نستطيع أن نقوم به . أنت في حياتك لم تدخل مسجداً و لم تصل ركعة و لم تفتح مصحفاً .. و لم تعط مليماً لمحتاج .. و لم تحدثنا حرفاً واحداً عن الدين أو الخير .. و كل ما تعلمناه منك هو كيف نستلم البضاعة من قبرص و ندخل بها مُهرَّبة إلى مصر .. و كيف نوزعها على الأعوان .. و كيف نقود اللنشات السريعة و عربات النقل و المقطورات و الهليكوبتر ، و كيف نستعمل البنادق السريعة الطلقات و القنابل اليدوية و مدافع الهاون عند اللزوم .. و كيف نحول المائة جنيه إلى مليون و لو قتلنا في سبيل ذلك كل رجال خفر السواحل .. علمتنا ألا نخاف أي شيء و ألا نعبأ بحاكم و لا بمحكوم و لا بحكومة .. و أن كل الذمم يمكن شراؤها و أن الذمة التي لا تقبل المائة سوف تقبل الألف ، و التي لا تقبل الألف سوف تقبل المليون .. و أنه لا يوجد كبير يتكبر على المال .. و أن كل الناس حشرات يمكن اصطيادها بالعسل .. و من لا يقع في العسل يقع في السم .. و أن العالم غابة لا أمان فيها .. و أن الشعار الوحيد الذي يصلح للتعامل في هذه الغابة .. هو .. أُقتُل قبل أن تُقْتَل .
هذا ما علمتنا إياه و لا نرى جديداً قد جد حتى تقول لنا كلاماً آخر .
_ الجديد أني أموت .. أنا أبوكم يموت .. و غداً أصبح رمة يأكلها الدود . تراباً لا يختلف كثيراً عن التراب الذي تطأونه بنعالكم .
_ هذا ليس أمراً جديداً عليك . فقد كنت ترى الموت حولك كل يوم يختطف أعوانك .. واحداً بعد آخر .. و كنت تمشي بنفسك في جنازاتهم ، و كنت أحياناً تقتلهم . أنت الذي كنت تقتلهم بيدك .. أو تصدر الأمر بقتلهم بنفس اللسان الذي يملي علينا الآن هذا الكلام عن بناء المساجد و الملاجيء و دور الأيتام و المقاريء .
_ لأن هذه المرة أنا الذي أموت .. أنا الذي دوَّخ أجهزة الأمن في مصر و الشام و العراق و تونس و الجزائر و إيطاليا و ألمانيا و اليونان .. أنا الشبح الذي لم يكن أحد يستطيع أن يضع يده عليه .. أنا اليوم معتقل بالشلل و العمى و بكرسي لا أستطيع أن أبارحه .. و أنا أنزف الدم من أمعائي و أموت ببطء .. و أصحو و أعود إلى الغيبوبة .
و الدقائق التي تبقت لي قليلة معدودة . لقد كنت أصنع الموت للألوف .. هذا صحيح . و لكن رؤية الموت تختلف كثيراً عن تذوقه .
الفارق كبير .. و أنا لا أريدكم أن تذوقوه كما أذوقه .. لابد أن يتغير كل شيء .. لقد أخطأت يا أولادي .. أخطأت بفظاعة ربما اكتشفت خطي بعد فوات الأوان .. و لكن هذا لا يغير شيئاً من النهاية .. إن الخطأ هو الخطأ .. اسمعوا .. هذه الوصية الجديدة هي التي يجب أن تنفَّذ .. هذا أمر .
و حاول أن يخرِج الطبنجة من جيبه . فلم يستطع .. و طلب من ابنه الكبير أن يناوله الطبنجة .
و مد الإبن الكبير يده في جيب أبيه و أخرج الطبنجة و ناولها له .. فأمسكها الأب في إعزاز و راح يلوح بها و أصابعه على الزناد ، ثم ناولها لإبنه الكبير قائلاً :
_ من يخالف هذه الوصية أطلق عليه النار و لو كان أخاك .. هذا آخر أمر .. هذا آخر أمر لي في هذه الدنيا . اقتل . اقتل .. بلا تردد أي إرادة تقف في سبيل هذه الوصية .. هذه الأموال في البنوك و في الخزائن ليست ملكي لترثوها .. إنها سرقات .. لا تكفير لها إلا أن تبني كما هدمت و تصنع من الحياة بقدر ما أعدمت .
_ و العمارات :
قالها الإبن الأصغر بصوت مرتجف .
_ تباع في مزادات و يصنع بثمنها نفس الشيء
_ و كازينو القمار .. و أوبرج ميلانو .. و شركات بيع السلاح في لندن .. و شقة باريس و فيللا جنيف .. و شاليهات فلوريدا .
_ تباع كلها . لا نصيب لأحد فيها .. و لا يد لأحد عليها .. و لا تؤول لأحد منكم .. إنها ملكي وحدي و أنا وهبتها لنفس الأغراض .. و ثمنها يكفي لإنشاء جامعة .
_ و نحن ماذا يبقى لنا و كيف نعيش ؟!
_ إن المليون دولار التي ستقسمونها بينكم . تساوي أربعة ملايين جنيه مصري .. أي مليون جنيه مصري لكل واحد فيكم .. و هي بداية تكفي لأن يبدأ كل منكم حياة شريفة ..
و بدت كلمة الشرف غريبة و هي تخرج من فم " الضبع " صاحب أكبر عصابة مخدرات في الشرق الأوسط ، و بدا لها رنين غريب في جو الصمت و الرهبة مما جعل كل ابن يتلفت في وجه أخيه و يقلب شفتيه ، في انتظار معجزة .
و كانت المفاجأة مرعبة .. فقد سحب الضبع الطبنجة من يد الإبن الكبير و لوح بها في وجوههم و أطلق الرصاص في الهواء .. و في كل اتجاه .. مما جعلهم يتقافزون في رعب و يلتصقون بالجدران بينما تهدج صوت الرجُل و هو ينطق :
_ هذا آخر أمر .. آخر أمر لي قبل أن أموت و لابد أن ينفذ .
و اختنق صوته و انطلق يلهث .
ثم سكن فجأة و سقط رأسه على صدره و لفظ آخر أنفاسه في صمت .
و أطبقت لحظة ثلجية من الذهول و الرعب على الجميع .. لا حركة .. و لا صوت .. و لا شيء سوى أنفاس مرتجفة و نبضات مضطربة و نظرات زائغة ، ثم بدأ الإبن الأصغر يتحرك و يسعل و يلوح بيديه في الهواء و لا يجد كلاماً
ثم ما لبث أن جمع أشتات نفسه ثم انفجر قائلاً :
_ لقد فعل كل شيء ، لم يترك جريمة لم يرتكبها ، لم يدع لذة لم ينتهبها ، لم يدع امرأة لم يغتصبها ، لم يدع شراً لم يقارفه ، لم يدع رذيلة لم يلهث خلفها .. و الآن و في آخر لحظة حينما فقد القوة على عمل أي شيء ، و حينما فقد الأمل في أي متعة و فقد القدرة على أي لذة .. الآن فقط يقرر أن يبعثر كل أمواله و يحرمنا منها لأنه أصبح ولياً من أولياء الله شغله الشاغل بناء المساجد و مقارئ القرآن و الملاجئ و بيوت الأيتام ، شيء غير مفهوم .
_ الدكتور الذي كشف عليه بالأمس قال أنه قد أصابه ضمور في المخ .
_ هي أعراض هذيان بلا شك .
_ إنه يخرج من غيبوبة ليعود إلى غيبوبة . و لا يمكن أن يؤخذ كلامه مأخذ الجد .
قال الإبن الكبير في هدوء مريب :
_ و لماذا لا يؤخذ كلامه على أنه توبة حقيقية ؟!
فأجاب الإبن الأصغر في عصبية :
_ توبة رجل مشلول فقد القدرة على كل شيء .. لا يمكن أن تكون توبة حقيقية .
قال الإبن الأوسط مؤيداً :
_ فعلاً . التوبة عن الذنب لا تكون مفهومة إلا من رجل قادر على الذنب .. فهو يقلع عن ذنبه بإرادته و اختياره .. أما فاقد الإرادة و فاقد الاختيار و فاقد القدرة .. فهو كذاب إذا ادعى فضيلة .. و إذا ادعى توبة .
قال الإبن الكبير بنفس النبرة الهادئة :
_ التوبة مسألة نية . و لا يحكم على صدق النيات إلا الله .. و ليس من حقنا أن نكذب الرجل فلا أحد منا يطلع على قلبه .
_ إن قلبه بلون القطران . حياته كلها تقول هذا
قال الإبن الأصغر :
_ إن حالته مثل حالة رجل تاب عن نزول البحر حينما فقد القدرة على السباحة
فأجاب الإبن الأكبر :
_ لا يمكن أن تتهمه بالكذب إلا إذا استعاد قدرته على السباحة و لم ينفذ وعده .. و نفس الشيء .. لا يمكن أن نتهم أبانا بالكذب إلا إذا استعاد حياته و استعاد صحته .. ثم عاود جرائمه .. و لم ينفذ وعده .. و هو مالا سبيل إلى معرفته .
_ ماذا تعني ؟
_ أعني أن الوصية واجبة .. و لا سبيل إلى الطعن عليها .. و سوف أحرص على تنفيذها : و أخرج طبنجته و وضعها على المائدة مُردِفاً :
_ و على من يقف في وجه إرادة الميت .. أن يستعد ليلحق به .
و قفز الإبن الأصغر مرتاعاً و هو يردد في دهشة :
_ هل جننت .. هل فقدت عقلك .. هل صدقت هذا المعتوه ؟!
و خرجت من الأخوين الآخرين تمتمات مرتعشة :
_ هل نحرم أنفسنا من مائة مليون جنيه لمجرد نزوة توبة خرجت من دماغ مشلول .
و نظر إليه الإبن الأكبر نظرة ثلجية و أجاب في بطء ثقيل :
_ و منذ متى كنا نلجأ إلى القضاء أو نحتكم إلى القانون أو نأخذ برأي العدل .
_ لم تعد هناك وصية .. انتهى كل شيء .
فأردف الإبن الأكبر في نبرة كرنين الفولاذ :
_ أنا الوصية .. و أنا القانون .. و أنا العدل .
و فجأة و في حركة غير محسوبة ، أخرج الإبن الأصغر مسدسه و أطلق رصاصة على أخيه الأكبر أصابت كتفه . و جاء الرد فورياً من الطبنجة في يد الأخ الأكبر سيلاً من الطلقات .. و انبطح الأخوة أرضاً يتبادلون الرصاص .
و أسفرت المذبحة عن ثلاثة قتلى و أفلت الأخ الأصغر من الموت .. ليسرع الخطى إلى الخزينة .. و إلى مخاب الدولارات في الجدران .. يفرغ كل شيء في حقيبة كبيرة و ليقفز بها إلى عربته المرسيدس و ليدوس على البنزين بأقصى سرعة و قد بسط أمامه خريطة كبيرة .. و راح ينظر فيها .. باحثاً عن خط سير مأمون إلى الصحراء الليبية عبر الحدود .. كانت ليبيا بعد فتح الحدود و إزالة الجمارك هي أكثر الأهداف أمناً .
و لم يتردد .
و أطلق لسيارته العنان و قد راوده الشعور بالأمن لأول مرة بعد ليلة عاصفة .. لم يكن يفكر في أي شيء .. و لم يكن نادماً على أي شيء .
كان يشعر بنفسه فقط .
و هكذا عاش دائماً لا يفكر إلا في نفسه و في لحظته .
و كان يؤمن بالحكمة التي علمها له أبوه .. أن كل الناس حشرات يمكن إصطيادها بالعسل . و من لا يقع منها في العسل يقع في السم .
و لم يحدث أن شعر مرة واحده بروابط العائلة أو صلة الدم .. و ما كان أبوه و اخوته إلا مجرد وسائل للثراء السريع و جمع الدولارات .. مجرد أعضاء عصابة يجتمعون و ينفضون على خطط القتل و الإجرام .. و يعود كل واحد آخر الليل إلى بيته لينام بلا ذرة ندم .
الشمس تغرب و ساعات أخرى بطيئة ثقيلة و مؤشر البنزين يقترب من الصفر و اللمبة الحمراء تضيء .
الخريطة تقول أن ما تبقى لبلوغ الحدود قليل ، ربما عشرة كيلومترات .. فإنه يستطيع أن يحمل حقيبته و يمشي الباقي على قدميه .. و ساعات أخرى قلقة متوترة .
و تتوقف العربة كخنزير أسود في صحراء حالكة الظلمة .
و يحمل حقيبته و ينزل .. ليمشي و قد وضع الخريطة في جيبه .
ساعة أخرى .. ساعتان .. ثلاث ساعات .. و تتهاوى ساقاه و يتكوم فينام على تل من الرمال الناعمة .. فاقد الوعي تماماً .
و ما تكاد تمر دقائق حتى ينتفض من لدغة تلسعه كالنار .
بطرف عينيه يرى ثعبان الطريشة يعود أدراجه ليغوص في الرمل بعد أن فعل فعلته .
إنه يعلم ماذا ستفعل به لدغة الطريشة من ثعبان بهذا الحجم الذي رآه .
لا أمل إنتهى كل شيء .
و زحف على بطنه ليفتح الحقيبة و يلقي نظرة أخيرة على ملايين الدولارات المكدسة . و بدأ السم يسري في دمه ليصل إلى مركز التنفس و يصيب عضلات التنفس بالشلل .
و بدأ صوته يتحشرج و يحتضر و يسلم الروح .
و هبت دوامة عاتية من الرمال بعثرت محتويات الحقيبة لتنتشر على مساحة شاسعة من الصحراء و تبعثر أكوام الدولارات إلى هباء .. أمام عينين تخمدان .
و مات آخر أبناء عائلة الضبع .
و عرف أخـيراً الفرق بيـن .. رؤيـــة المـــوت و بيـن تـذوقــه ..
و كـم كـان الفــارق كبيـــراً ...
..
قصة / نهاية الشبح .
من كتاب / الذين ضحكوا حتى البكاء
للدكتور / مصطفى محمود (رحمه الله). ❝ ⏤مصطفى محمود
❞ المليونير الكبير الذي يموت . . جمع حوله أولاده الأربعة و راح يُملي على أكبرهم وصيته الأخيرة التي سينسخ بها جميع وصاياه السابقة .
إنه يُملي بصوت متهدج ، و الأولاد قد فتحوا أفواههم من الدهشة و كأنما يستمعون إلى شخص آخر غير أبيهم الذي عرفوه .
قال الرجل في صوت مهدم :
_ هناك مليون دولار ستوزع عليكم بالتساوي أما السبعة ملايين دولار الباقية ، فوصيتي أن تُبنَى بها مدارس و مستشفيات و ملاجيء و دار مسنين و معهد لتعليم الحِرَف . و على الأخ الأكبر إنشاء هذه المؤسسات الخيرية و إدارتها و رعايتها لتكون صدقة جارية ينتفع بها اليتيم و المريض و المحتاج .
و ارتفع صوت الإبن الصغير معترضاً :
_ و لكن يا أبي لا أحد منا له خبرة بهذه الأشياء .
و استمر الأب يُملي بصوته المتهدج :
_ و الإثنين مليون دولار في الخزينة . يبنى بها مسجد و مستوصف و مقرأه للقرآن .
و تلفت الأبناء كل واحد يتصفح وجه الآخر في استغراب ، و عاد صوت الإبن الأصغر ليعترض :
_ليس هذا ما تعلمنا منك خلال حياتنا معك . لقد ربيتنا على أعمال أخرى . و الآن تفاجئنا بدور جديد لا نستطيع أن نقوم به . أنت في حياتك لم تدخل مسجداً و لم تصل ركعة و لم تفتح مصحفاً . و لم تعط مليماً لمحتاج . و لم تحدثنا حرفاً واحداً عن الدين أو الخير . و كل ما تعلمناه منك هو كيف نستلم البضاعة من قبرص و ندخل بها مُهرَّبة إلى مصر . و كيف نوزعها على الأعوان . و كيف نقود اللنشات السريعة و عربات النقل و المقطورات و الهليكوبتر ، و كيف نستعمل البنادق السريعة الطلقات و القنابل اليدوية و مدافع الهاون عند اللزوم . و كيف نحول المائة جنيه إلى مليون و لو قتلنا في سبيل ذلك كل رجال خفر السواحل . علمتنا ألا نخاف أي شيء و ألا نعبأ بحاكم و لا بمحكوم و لا بحكومة . و أن كل الذمم يمكن شراؤها و أن الذمة التي لا تقبل المائة سوف تقبل الألف ، و التي لا تقبل الألف سوف تقبل المليون . و أنه لا يوجد كبير يتكبر على المال . و أن كل الناس حشرات يمكن اصطيادها بالعسل . و من لا يقع في العسل يقع في السم . و أن العالم غابة لا أمان فيها . و أن الشعار الوحيد الذي يصلح للتعامل في هذه الغابة . هو . أُقتُل قبل أن تُقْتَل .
هذا ما علمتنا إياه و لا نرى جديداً قد جد حتى تقول لنا كلاماً آخر .
_ الجديد أني أموت . أنا أبوكم يموت . و غداً أصبح رمة يأكلها الدود . تراباً لا يختلف كثيراً عن التراب الذي تطأونه بنعالكم .
_ هذا ليس أمراً جديداً عليك . فقد كنت ترى الموت حولك كل يوم يختطف أعوانك . واحداً بعد آخر . و كنت تمشي بنفسك في جنازاتهم ، و كنت أحياناً تقتلهم . أنت الذي كنت تقتلهم بيدك . أو تصدر الأمر بقتلهم بنفس اللسان الذي يملي علينا الآن هذا الكلام عن بناء المساجد و الملاجيء و دور الأيتام و المقاريء .
_ لأن هذه المرة أنا الذي أموت . أنا الذي دوَّخ أجهزة الأمن في مصر و الشام و العراق و تونس و الجزائر و إيطاليا و ألمانيا و اليونان . أنا الشبح الذي لم يكن أحد يستطيع أن يضع يده عليه . أنا اليوم معتقل بالشلل و العمى و بكرسي لا أستطيع أن أبارحه . و أنا أنزف الدم من أمعائي و أموت ببطء . و أصحو و أعود إلى الغيبوبة .
و الدقائق التي تبقت لي قليلة معدودة . لقد كنت أصنع الموت للألوف . هذا صحيح . و لكن رؤية الموت تختلف كثيراً عن تذوقه .
الفارق كبير . و أنا لا أريدكم أن تذوقوه كما أذوقه . لابد أن يتغير كل شيء . لقد أخطأت يا أولادي . أخطأت بفظاعة ربما اكتشفت خطي بعد فوات الأوان . و لكن هذا لا يغير شيئاً من النهاية . إن الخطأ هو الخطأ . اسمعوا . هذه الوصية الجديدة هي التي يجب أن تنفَّذ . هذا أمر .
و حاول أن يخرِج الطبنجة من جيبه . فلم يستطع . و طلب من ابنه الكبير أن يناوله الطبنجة .
و مد الإبن الكبير يده في جيب أبيه و أخرج الطبنجة و ناولها له . فأمسكها الأب في إعزاز و راح يلوح بها و أصابعه على الزناد ، ثم ناولها لإبنه الكبير قائلاً :
_ من يخالف هذه الوصية أطلق عليه النار و لو كان أخاك . هذا آخر أمر . هذا آخر أمر لي في هذه الدنيا . اقتل . اقتل . بلا تردد أي إرادة تقف في سبيل هذه الوصية . هذه الأموال في البنوك و في الخزائن ليست ملكي لترثوها . إنها سرقات . لا تكفير لها إلا أن تبني كما هدمت و تصنع من الحياة بقدر ما أعدمت .
_ و العمارات :
قالها الإبن الأصغر بصوت مرتجف .
_ تباع في مزادات و يصنع بثمنها نفس الشيء
_ و كازينو القمار . و أوبرج ميلانو . و شركات بيع السلاح في لندن . و شقة باريس و فيللا جنيف . و شاليهات فلوريدا .
_ تباع كلها . لا نصيب لأحد فيها . و لا يد لأحد عليها . و لا تؤول لأحد منكم . إنها ملكي وحدي و أنا وهبتها لنفس الأغراض . و ثمنها يكفي لإنشاء جامعة .
_ و نحن ماذا يبقى لنا و كيف نعيش ؟!
_ إن المليون دولار التي ستقسمونها بينكم . تساوي أربعة ملايين جنيه مصري . أي مليون جنيه مصري لكل واحد فيكم . و هي بداية تكفي لأن يبدأ كل منكم حياة شريفة .
و بدت كلمة الشرف غريبة و هي تخرج من فم ˝ الضبع ˝ صاحب أكبر عصابة مخدرات في الشرق الأوسط ، و بدا لها رنين غريب في جو الصمت و الرهبة مما جعل كل ابن يتلفت في وجه أخيه و يقلب شفتيه ، في انتظار معجزة .
و كانت المفاجأة مرعبة . فقد سحب الضبع الطبنجة من يد الإبن الكبير و لوح بها في وجوههم و أطلق الرصاص في الهواء . و في كل اتجاه . مما جعلهم يتقافزون في رعب و يلتصقون بالجدران بينما تهدج صوت الرجُل و هو ينطق :
_ هذا آخر أمر . آخر أمر لي قبل أن أموت و لابد أن ينفذ .
و اختنق صوته و انطلق يلهث .
ثم سكن فجأة و سقط رأسه على صدره و لفظ آخر أنفاسه في صمت .
و أطبقت لحظة ثلجية من الذهول و الرعب على الجميع . لا حركة . و لا صوت . و لا شيء سوى أنفاس مرتجفة و نبضات مضطربة و نظرات زائغة ، ثم بدأ الإبن الأصغر يتحرك و يسعل و يلوح بيديه في الهواء و لا يجد كلاماً
ثم ما لبث أن جمع أشتات نفسه ثم انفجر قائلاً :
_ لقد فعل كل شيء ، لم يترك جريمة لم يرتكبها ، لم يدع لذة لم ينتهبها ، لم يدع امرأة لم يغتصبها ، لم يدع شراً لم يقارفه ، لم يدع رذيلة لم يلهث خلفها . و الآن و في آخر لحظة حينما فقد القوة على عمل أي شيء ، و حينما فقد الأمل في أي متعة و فقد القدرة على أي لذة . الآن فقط يقرر أن يبعثر كل أمواله و يحرمنا منها لأنه أصبح ولياً من أولياء الله شغله الشاغل بناء المساجد و مقارئ القرآن و الملاجئ و بيوت الأيتام ، شيء غير مفهوم .
_ الدكتور الذي كشف عليه بالأمس قال أنه قد أصابه ضمور في المخ .
_ هي أعراض هذيان بلا شك .
_ إنه يخرج من غيبوبة ليعود إلى غيبوبة . و لا يمكن أن يؤخذ كلامه مأخذ الجد .
قال الإبن الكبير في هدوء مريب :
_ و لماذا لا يؤخذ كلامه على أنه توبة حقيقية ؟!
فأجاب الإبن الأصغر في عصبية :
_ توبة رجل مشلول فقد القدرة على كل شيء . لا يمكن أن تكون توبة حقيقية .
قال الإبن الأوسط مؤيداً :
_ فعلاً . التوبة عن الذنب لا تكون مفهومة إلا من رجل قادر على الذنب . فهو يقلع عن ذنبه بإرادته و اختياره . أما فاقد الإرادة و فاقد الاختيار و فاقد القدرة . فهو كذاب إذا ادعى فضيلة . و إذا ادعى توبة .
قال الإبن الكبير بنفس النبرة الهادئة :
_ التوبة مسألة نية . و لا يحكم على صدق النيات إلا الله . و ليس من حقنا أن نكذب الرجل فلا أحد منا يطلع على قلبه .
_ إن قلبه بلون القطران . حياته كلها تقول هذا
قال الإبن الأصغر :
_ إن حالته مثل حالة رجل تاب عن نزول البحر حينما فقد القدرة على السباحة
فأجاب الإبن الأكبر :
_ لا يمكن أن تتهمه بالكذب إلا إذا استعاد قدرته على السباحة و لم ينفذ وعده . و نفس الشيء . لا يمكن أن نتهم أبانا بالكذب إلا إذا استعاد حياته و استعاد صحته . ثم عاود جرائمه . و لم ينفذ وعده . و هو مالا سبيل إلى معرفته .
_ ماذا تعني ؟
_ أعني أن الوصية واجبة . و لا سبيل إلى الطعن عليها . و سوف أحرص على تنفيذها : و أخرج طبنجته و وضعها على المائدة مُردِفاً :
_ و على من يقف في وجه إرادة الميت . أن يستعد ليلحق به .
و قفز الإبن الأصغر مرتاعاً و هو يردد في دهشة :
_ هل جننت . هل فقدت عقلك . هل صدقت هذا المعتوه ؟!
و خرجت من الأخوين الآخرين تمتمات مرتعشة :
_ هل نحرم أنفسنا من مائة مليون جنيه لمجرد نزوة توبة خرجت من دماغ مشلول .
و نظر إليه الإبن الأكبر نظرة ثلجية و أجاب في بطء ثقيل :
_ و منذ متى كنا نلجأ إلى القضاء أو نحتكم إلى القانون أو نأخذ برأي العدل .
_ لم تعد هناك وصية . انتهى كل شيء .
فأردف الإبن الأكبر في نبرة كرنين الفولاذ :
_ أنا الوصية . و أنا القانون . و أنا العدل .
و فجأة و في حركة غير محسوبة ، أخرج الإبن الأصغر مسدسه و أطلق رصاصة على أخيه الأكبر أصابت كتفه . و جاء الرد فورياً من الطبنجة في يد الأخ الأكبر سيلاً من الطلقات . و انبطح الأخوة أرضاً يتبادلون الرصاص .
و أسفرت المذبحة عن ثلاثة قتلى و أفلت الأخ الأصغر من الموت . ليسرع الخطى إلى الخزينة . و إلى مخاب الدولارات في الجدران . يفرغ كل شيء في حقيبة كبيرة و ليقفز بها إلى عربته المرسيدس و ليدوس على البنزين بأقصى سرعة و قد بسط أمامه خريطة كبيرة . و راح ينظر فيها . باحثاً عن خط سير مأمون إلى الصحراء الليبية عبر الحدود . كانت ليبيا بعد فتح الحدود و إزالة الجمارك هي أكثر الأهداف أمناً .
و لم يتردد .
و أطلق لسيارته العنان و قد راوده الشعور بالأمن لأول مرة بعد ليلة عاصفة . لم يكن يفكر في أي شيء . و لم يكن نادماً على أي شيء .
كان يشعر بنفسه فقط .
و هكذا عاش دائماً لا يفكر إلا في نفسه و في لحظته .
و كان يؤمن بالحكمة التي علمها له أبوه . أن كل الناس حشرات يمكن إصطيادها بالعسل . و من لا يقع منها في العسل يقع في السم .
و لم يحدث أن شعر مرة واحده بروابط العائلة أو صلة الدم . و ما كان أبوه و اخوته إلا مجرد وسائل للثراء السريع و جمع الدولارات . مجرد أعضاء عصابة يجتمعون و ينفضون على خطط القتل و الإجرام . و يعود كل واحد آخر الليل إلى بيته لينام بلا ذرة ندم .
الشمس تغرب و ساعات أخرى بطيئة ثقيلة و مؤشر البنزين يقترب من الصفر و اللمبة الحمراء تضيء .
الخريطة تقول أن ما تبقى لبلوغ الحدود قليل ، ربما عشرة كيلومترات . فإنه يستطيع أن يحمل حقيبته و يمشي الباقي على قدميه . و ساعات أخرى قلقة متوترة .
و تتوقف العربة كخنزير أسود في صحراء حالكة الظلمة .
و يحمل حقيبته و ينزل . ليمشي و قد وضع الخريطة في جيبه .
ساعة أخرى . ساعتان . ثلاث ساعات . و تتهاوى ساقاه و يتكوم فينام على تل من الرمال الناعمة . فاقد الوعي تماماً .
و ما تكاد تمر دقائق حتى ينتفض من لدغة تلسعه كالنار .
بطرف عينيه يرى ثعبان الطريشة يعود أدراجه ليغوص في الرمل بعد أن فعل فعلته .
إنه يعلم ماذا ستفعل به لدغة الطريشة من ثعبان بهذا الحجم الذي رآه .
لا أمل إنتهى كل شيء .
و زحف على بطنه ليفتح الحقيبة و يلقي نظرة أخيرة على ملايين الدولارات المكدسة . و بدأ السم يسري في دمه ليصل إلى مركز التنفس و يصيب عضلات التنفس بالشلل .
و بدأ صوته يتحشرج و يحتضر و يسلم الروح .
و هبت دوامة عاتية من الرمال بعثرت محتويات الحقيبة لتنتشر على مساحة شاسعة من الصحراء و تبعثر أكوام الدولارات إلى هباء . أمام عينين تخمدان .
و مات آخر أبناء عائلة الضبع .
و عرف أخـيراً الفرق بيـن . رؤيـــة المـــوت و بيـن تـذوقــه .
و كـم كـان الفــارق كبيـــراً ..
.
قصة / نهاية الشبح .
من كتاب / الذين ضحكوا حتى البكاء
للدكتور / مصطفى محمود (رحمه الله). ❝