█ حصريا تحميل كتاب مجاناً PDF اونلاين 2024
❞ الفصل الثاني :
في الشفاعة وإصلاح ذات البين
قال الله تعالى : ﴿ من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها وكان الله على كل شيء مقيتاً ﴾ ( سورة النساء الآية 85 . ) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ˝ إن الله تعالى يسأل العبد عن جاهه ، كما يسأل عن عمره ، فيقول له جعلت لك جاهاً ، فهل نصرت به مظلوماً أو قمعت به ظالماً ، أو غشت به مكروباً ˝ وقال صلى الله عليه وسلم : ˝ أفضل الصدقة أن تعين بجاهك من لا جاه لهُ ˝ .
وعن أبي بردة, عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه . قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ˝ إذا جاءني طالب حاجة فاشفعوا له لكي تؤجروا ˝ يقضي الله تعالى على لسان نبيه ما شاء . وعن سمرة بن جندب رضي الله عنه .
قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:˝ أفضل الصدقة اللسان ، قيل يا رسول الله وما صدقة اللسان ، قال الشفاعة تفك بها الأسير ، وتحقن الدماء ، وتجريها المعروف إلى أخيك ، وتدفع عنه بها كريهة ˝ . رواه الطبراني في المكارم . وقال علي رضي الله عنه : الشفيع جناح الطالب . وقال رجل لبعض الولاة : ان الناس يتوسلون إليك بغيرك ، فينالون معروفك ويشكرون غيرك ، وأنا أتوسل إليك بك ، ليكون شكري لك لا لغيرك . وقيل كان المنصور معجباً بمحادثة محمد بن جعفر بن عبد الله بن عباس رضي الله عنهم ، وكان الناس لعظم قدره يفزعون إليه في الشفاعات فثقل ذلك على المنصور ، فحجبه مدة ، ثم لم يصبر عنه فأمر الربيع أن يكلمه في ذلك فكلمه وقال أعف يا أمير المؤمنين، لا تثقل عليه في الشفاعات فقبل ذلك منه .
فلما توجه إلى الباب اعترضه قوم من قريش معهم رقاع فسألوه إيصالها إلى المنصور فقص عليهم القصة ، فأبوا إلا أن يأخذها . فقال اقذفوها في كمي ، ثم دخل عليه وهو في الخضراء مشرف على مدينة السلام وما حولها من البساتين ، فقال له أما ترى إلى حسنها يا أبا عبد الله . فقال له يا أمير المؤمنين : بارك الله لك فيما آتاك وهناك بإتمام نعمته عليك فيما أعطاك ، فما بنت العرب في دولة الإسلام ولا العجم في سالف الأيام ، أحصن ولا أحسن من مدينتك ، ولكن سمجتها في عيني خصلة ، قال وما هي ؟
قال : ليس لي فيها ضيعة ، فتبسم . وقال : قد حسنتها في عينك بثلاث ضياع قد أقطعتكها . فقال أنت والله يا أمير المؤمنين شريف الموارد ، كريم المصادر ، فجعل الله تعالى باقي عمرك أكثر من ماضيه . ثم أقام معه يومه ذلك ، فلما نهض ليقوم بدت الرقاع من فجعل يردهن ، ويقول ارجعن خائبات ، خاسرات . فضحك المنصور ، وقال بحقي عليك ألا أخبرتني وأعلمتني بخبر هذه الرقاع فأعلمه .
وقال ما أتيت يا ابن معلم الخير إلا كريماً ، وتمثل بقول عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر :
لسنا وإن احسابنا كرمت يوماً على الأحساب نتكل
نبني كما كانت أوائلنا تبني ونفعل مثل ما فعلوا
ثم تصفح الرقاع وقضى حوائجهم عن آخرها . قال محمد فخرجت من عنده وقد ربحت وأربحت . وقال المبرد أتاني رجل لأشفع له حاجة فأنشدني لنفسه :
اني قصدتك لا أدلي بمعرفة ولا بقرب ولكن قد فشت نعمتك
فبت حيران مكروباً يؤرقني ذل الغريب ، ويغشيني الكرى كرمك
ما زلت أنكب ، حتى زلزلت قدمي فاحتل لتثبيتها لا زلزلت قدمك
فلو هممت بغير العرف ما علقت به يداك ولا انقادت له شيمك
قال فشفعت لهُ وأنلته من الإحسان ما قدرت عليه .
وكتب رجل إلى يحيى بن خالد رقعة فيها هذا البيت :
شفيعي إليك الله لا شيء غيره وليس إلى رد الشفيع سبيل
فأمره بلزوم الدهليز ، فكان يعطيه كل يوم عند الصباح ألف درهم ، فلما استوفى في ثلاثين ألفاً ذهب الرجل .
فقال يحيى والله لو قام إلى آخر عمره ما قطعتها عنه .
وقال آخر :
وقد جئتكم بالمصطفى متشفعاً وما خاب من بالمصطفى يتشفع
إلى باب مولانا رفعت ظلامتي عسى الهم عني والمصائب ترفع
تشفع بالنبي فكل عبد يجار إذا تشفع بالنبي
وقال آخر :
ولا تجزع إذا ضاقت أمور فكم لله من لطف خفي
وروي عن جبريل عليه السلام قال : يا محمد لو كانت عبادتنا لله تعالى على وجه الأرض لعملنا ثلاث خصال : سقي الماء للمسلمين ، وإعانة أصحاب العيال ، وستر الذنوب على المسلمين إذا أذنبوا . اللهم استر ذنوبنا ، واقض عنا تبعاتنا وصلى الله الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
ص : 194-193 . ❝
❞ وجدير بمواطن عمّرت بالوحي والتنزيل وَتَرَدَّدَ بِهَا جِبْرِيلُ وَمِيكَائِيلُ، وَعَرَجَتْ مِنْهَا الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ، وَضَجَّتْ عَرَصَاتُهَا بِالتَّقْدِيسِ وَالتَّسْبِيحِ وَاشْتَمَلَتْ تُرْبَتُهَا عَلَى جَسَدِ سَيِّدِ الْبَشَرِ، وَانْتَشَرَ عَنْهَا مِنْ دِينِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ مَا انْتَشَرَ، مَدَارِسُ وآيات، وَمَسَاجِدُ وَصَلَوَاتٌ، وَمَشَاهِدُ الْفَضَائِلِ وَالْخَيْرَاتِ، وَمَعَاهِدُ الْبَرَاهِينِ وَالْمُعْجِزَاتِ، وَمَنَاسِكُ الدِّينِ، وَمَشَاعِرُ الْمُسْلِمِينَ، وَمَوَاقِفُ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ، وَمُتَبَوَّأُ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ، حَيْثُ انْفَجَرَتِ النُّبُوَّةُ، وَأَيْنَ فَاضَ عُبَابُهَا ، وَمُوَاطِنُ طُوِيَتْ فِيهَا الرِّسَالَةُ، وأول أرض مسّ جلد المصطفى تراثها ، أَنْ تُعَظَّمَ عَرَصَاتُهَا، وَتُتَنَسَّمَ نَفَحَاتُهَا، وَتُقَبَّلَ رُبُوعُهَا وجدرانها..
يَا دَارَ خَيْرِ الْمُرْسَلِينَ وَمَنْ بِهِ ... هُدِيَ الْأَنَامُ وَخُصَّ بِالْآيَاتِ
عِنْدِي لِأَجْلِكِ لَوْعَةٌ وَصَبَابَةٌ ... وَتَشَوُّقٌ مُتَوَقِّدُ الْجَمَرَاتِ . ❝
❞ ألا ما أشقى ذلك الجمل الشارد في صحراء الظلمات… لا يفتأ يلهث راكضا خلف سراب مال متسخ، حتى يتسخ وبره وتنتن رائحته، فيرين على قلبه ما يحجب رؤيته لجدول الصلاة الرقراق، وراء رمال العصيان، ثم يموت يلهث عطشا دون ظل المورد العذب. وما بين استحالة الموت ميلادا إلا أن يركع لمالك خزائن القطر، فإذا القفر حواليه حدائق ذات بهجة، ترشح غصونها بأنداء الطهور، نورا يصفيه من جميع الأدران.
كان البهاء يحيط الحبيب المصطفى، وهو في هالة صافية من أصحابه إذ قال: أرأيتم لو أن نهرا بباب أحدكم، يغتسل فيه كل يوم خمس مرات؛ هل يبقى من دَرَنِه شيء؟قالوا: لا يبقى من درنه شيء. قال: فكذلك مثل الصلوات الخمس، يمحو الله بهن الخطايا(متفق عليه).
ويوقد الحبيب قنديلا آخر فيقول: ما أدري أحدثكم بشيء أم أسكت؟ فقلنا يا رسول الله إن كان خيرا فحدثنا، وإن كان غير ذلك؛ فالله ورسوله أعلم. قال ما من مسلم يتطهر، فيتم الطهور الذي كتب الله عليه، فيصلي هذه الصلوات الخمس إلا كانت كفارات لما بينها(متفق عليه)، وفي ومضة قنديل آخر وذلك الدهر كله(رواه مسلم) . ❝