❞ الرجل الذي عرف ربه
كان الرجل مريضاً بمرض عِضال لا يُعرَف له علاجاً .. فكلما جلس في مكان قال له الناس - رائحتك كريهة .. ألا تستحم ..
و تردد على الأطباء و فحص الأنف و الجيوب و الحلق و الأسنان و اللثة و الكَبِد و الأمعاء .. و كانت النتيجة .. لا مرض في أي مكان بالجسد .. و لا سبب عضوياً مفهوم لهذه الرائحة .
و كان يتردد على الحمام عدة مرات في اليوم و يغتسل بأغلى العطور فلا تُجدي هذه الوسائل شيئاً ..
و لا يكاد يخرج إلى الناس حتى يتحول إلى قبر مُنتِن يهرب منه الصديق قبل العدو .
و ذهب يبكي لرجل صالح .. و حكى له حكايته .. فقال الرجل الصالح .. هذه ليست رائحة جسدك .. و لكن رائحة أعمالك .
● فقال الرجل مندهشاً : و هل للأعمال رائحة ؟ !
● فقال الرجل الصالح : تلك بعض الأسرار التي يكشف عنها الله الحجاب .. و يبدو أن الله أحبك و أراد لك الخير و أحب أن يُمهِد لك الطريق إلى التوبة .
● فقال الرجل معترفاً : أنا بالحق أعيش على السرقة و الإختلاس و الربا و أزني و أسكَر و أُقارِف المنكرات .
● قال الرجل الصالح : و قد رأيت .. فهذه رائحة أعمالك .
● قال الرجل : و ما الحل ؟
● قال الصالح : الحل أصبح واضحاًَ ، أن تُصلِح أعمالك و تتوب إلى الله توبة نصوحاً .
و تــاب الرجل توبة نصوحاً و أقلع عن جميع المنكرات و لكن رائحته ظلت كما هي .. فعاد يبكي إلى الرجل الصالح ..
● فقال له الرجل الصالح : لقد اصلحت أعمالك الحاضرة ، أما أعمالك الماضية فقد نفذ فيها السهم .. و لا خلاص منها إلا بمغفرة .
● قال الرجل : و كيف السبيل إلى مغفرة ؟
● قال الصالح : إن الحسنات يُذهِبنَ السيئات فتصدق بمالك .. و الحج المبرور يَخرُج منه صاحبه مغفور الذنوب كيوم ولدته أمه .. فاقصد الحج .. و اسجد لله .. و ابك على نفسك بعدد أيام عمرك ..
و تصدَّق الرجل بماله و خرج إلى الحج .. و سجد في كل ركن بالكعبة و بكى بعدد ايام عمره ..
و لكنه ظل على حاله تعافه الكلاب و تهرب منه الخنازير إلى حظائرها .. فآوَى إلى مقبرة قديمة و سكنها و صمم ألا يبرحها حتى يجعل الله له فرجاًَ من كَربِه .
و ما كاد يُغمِض عينيه لينام حتى رأى في الحلم الجُثث التي كانت في المقبرة تجمع أكفانها و ترحل هاربة .. و فتح عينيه فرأى جميع الجُثث قد رحلت بالفعل و جميع اللحود فارغة .. فخَرَ ساجداً يبكي حتى طلع الفجر .. فمر به الرجل الصالح ..
● و قال له : هذا بكاء لا ينفع .. فإن قلبك يمتلئ بالإعتراض .. و أنت لا تبكي إتهاماً لنفسك .. بل تتهم العدالة الإلهية في حقك .
● قال الرجل : لا أفهم !!
● قال الصالح : بالضبط .. إن عدل الله أصبح محل شبهة عندك .. و بهذا قَلَبتَ الأمور فجعلت الله مذنباً و تصورت نفسك بريئاً ..
و بهذا كنت طول الوقت تضيف إلى ذنوبك ذنوباً جديدة في الوقت الذي ظننت فيه أنك تُحسِن العمل .
● قال الرجل : و لكني أشعر بأني مظلوم .
● قال الصالح : لو اطلعت على الغيب لوجدت نفسك تستحق عذاباً أكبر .. و لعرفت أن الله الذي ابتلاك لطف بك .. و لكنك اعترضت على ما تجهل و اتهمت ربك بالظلم .. فاستغفر و حاول أن تُطَهِر قلبك و أسلِم وجهك ..
فإنك إلى الآن و رغم حجك و صومك و صلاتك و توبتك لم تُسلِم بعد .
● قال الرجل : كيف .. ألستُ مسلماً ؟ !
● قال الصالح : نعم لست مسلماً ، فالإسلام هو إسلام الوجه قبل كل شئ ..
و ذلك لا يكون إلا بالقبول و عدم الإعتراض و الإسترسال مع الله فى مقاديره و بأن يستوي عندك المنع و العطاء ، و أن ترى حكمة الله و رحمته في منعه كما تراه فى عطائه ، فلا تغتر بنعمة .. و لا تعترض على حرمان ..
فعدل الله لا يختلف ، و هو عادل دائماً فى جميع الأحوال و رحمته سابغة فى كل ما يُجريه من مقادير ..
فقل لا إله إلا الله ثم استقم . . ذلــك هـو الإســـلام .
● قال الرجل : إنى أقول لا إله إلا الله كل لحظة .
● قال الصــالح : تقولها بلسانك و لا تقولها بقلبك و لا تقولها بموقفك و عملك .
● قال الرجل : كيــف ؟
● قال الصــالح : إنك تناقش الله الحساب كل يوم و كأنك إله مثله ..
تقول له استغفرت فلم تغفر لى .. سجدت فلم ترحمنى .. بكيت فلم تُشفق غلىّ .. صليت و صمت و حججت إليك فما سامحتني .. أين عدلــك ؟
و ربت الرجل الصــالح على كتفيه قــائلاً : يا أخـي ليس هذا توحيداً .
التـوحيـد أن تكون إرادة الله هي عين ما تهوى و فعله عين ما تحب و كأن يدك أصبحت يده و لسانك لسانه .. التوحيد هو أن تقول نعم . و تصدع بالأمر مثل ملائكة العزائم دون أن تسأل لماذا .. لأنه لا إله إلا الله .. لا عادل و لا رحمن و لا رحيم و لا حق سواه .. هو الوجود و أنت العدم .. فكيف يناقش العدم الوجود .. إنما يتلقى العدم المدد من الوجود ساجداً حامداً شاكراً .. لأنه لا وجود غيره .. هو الإيجاب و ما عداه سلب .. هو الحق و ما عداه باطل .
فبكـى الرجل و قد أدرك أنه ما عاش قط و ما عبد ربه قط .
● قال الصــالح : الآن عرفت فالزم .. و قل لا إله إلا الله .. ثم استقـم .. قلها مرة واحدة من أحشائــك .
● فقال الرجل : لا إله إلا الله .
فتضوع الياسمين و انتشر العطر و ملأ العبير الأجواء و كأن روضة من الجنة تنزلت على الأرض .
و تلفت الناس .. و قالوا .. مَن هناك .. مَن ذلك الملاك الذى تلفه سحابة عِطر .
● قال الرجل الصــالح : بل هـو رجـل عــرف ربـه .
..
من كتاب : نقطة الغليان
للدكتور / مصطفــــى محمـــــود (رحمه الله). ❝ ⏤مصطفى محمود
❞ الرجل الذي عرف ربه
كان الرجل مريضاً بمرض عِضال لا يُعرَف له علاجاً . فكلما جلس في مكان قال له الناس - رائحتك كريهة . ألا تستحم .
و تردد على الأطباء و فحص الأنف و الجيوب و الحلق و الأسنان و اللثة و الكَبِد و الأمعاء . و كانت النتيجة . لا مرض في أي مكان بالجسد . و لا سبب عضوياً مفهوم لهذه الرائحة .
و كان يتردد على الحمام عدة مرات في اليوم و يغتسل بأغلى العطور فلا تُجدي هذه الوسائل شيئاً .
و لا يكاد يخرج إلى الناس حتى يتحول إلى قبر مُنتِن يهرب منه الصديق قبل العدو .
و ذهب يبكي لرجل صالح . و حكى له حكايته . فقال الرجل الصالح . هذه ليست رائحة جسدك . و لكن رائحة أعمالك .
● فقال الرجل مندهشاً : و هل للأعمال رائحة ؟ !
● فقال الرجل الصالح : تلك بعض الأسرار التي يكشف عنها الله الحجاب . و يبدو أن الله أحبك و أراد لك الخير و أحب أن يُمهِد لك الطريق إلى التوبة .
● فقال الرجل معترفاً : أنا بالحق أعيش على السرقة و الإختلاس و الربا و أزني و أسكَر و أُقارِف المنكرات .
● قال الرجل الصالح : و قد رأيت . فهذه رائحة أعمالك .
● قال الرجل : و ما الحل ؟
● قال الصالح : الحل أصبح واضحاًَ ، أن تُصلِح أعمالك و تتوب إلى الله توبة نصوحاً .
و تــاب الرجل توبة نصوحاً و أقلع عن جميع المنكرات و لكن رائحته ظلت كما هي . فعاد يبكي إلى الرجل الصالح .
● فقال له الرجل الصالح : لقد اصلحت أعمالك الحاضرة ، أما أعمالك الماضية فقد نفذ فيها السهم . و لا خلاص منها إلا بمغفرة .
● قال الرجل : و كيف السبيل إلى مغفرة ؟
● قال الصالح : إن الحسنات يُذهِبنَ السيئات فتصدق بمالك . و الحج المبرور يَخرُج منه صاحبه مغفور الذنوب كيوم ولدته أمه . فاقصد الحج . و اسجد لله . و ابك على نفسك بعدد أيام عمرك .
و تصدَّق الرجل بماله و خرج إلى الحج . و سجد في كل ركن بالكعبة و بكى بعدد ايام عمره .
و لكنه ظل على حاله تعافه الكلاب و تهرب منه الخنازير إلى حظائرها . فآوَى إلى مقبرة قديمة و سكنها و صمم ألا يبرحها حتى يجعل الله له فرجاًَ من كَربِه .
و ما كاد يُغمِض عينيه لينام حتى رأى في الحلم الجُثث التي كانت في المقبرة تجمع أكفانها و ترحل هاربة . و فتح عينيه فرأى جميع الجُثث قد رحلت بالفعل و جميع اللحود فارغة . فخَرَ ساجداً يبكي حتى طلع الفجر . فمر به الرجل الصالح .
● و قال له : هذا بكاء لا ينفع . فإن قلبك يمتلئ بالإعتراض . و أنت لا تبكي إتهاماً لنفسك . بل تتهم العدالة الإلهية في حقك .
● قال الرجل : لا أفهم !!
● قال الصالح : بالضبط . إن عدل الله أصبح محل شبهة عندك . و بهذا قَلَبتَ الأمور فجعلت الله مذنباً و تصورت نفسك بريئاً .
و بهذا كنت طول الوقت تضيف إلى ذنوبك ذنوباً جديدة في الوقت الذي ظننت فيه أنك تُحسِن العمل .
● قال الرجل : و لكني أشعر بأني مظلوم .
● قال الصالح : لو اطلعت على الغيب لوجدت نفسك تستحق عذاباً أكبر . و لعرفت أن الله الذي ابتلاك لطف بك . و لكنك اعترضت على ما تجهل و اتهمت ربك بالظلم . فاستغفر و حاول أن تُطَهِر قلبك و أسلِم وجهك .
فإنك إلى الآن و رغم حجك و صومك و صلاتك و توبتك لم تُسلِم بعد .
● قال الرجل : كيف . ألستُ مسلماً ؟ !
● قال الصالح : نعم لست مسلماً ، فالإسلام هو إسلام الوجه قبل كل شئ .
و ذلك لا يكون إلا بالقبول و عدم الإعتراض و الإسترسال مع الله فى مقاديره و بأن يستوي عندك المنع و العطاء ، و أن ترى حكمة الله و رحمته في منعه كما تراه فى عطائه ، فلا تغتر بنعمة . و لا تعترض على حرمان .
فعدل الله لا يختلف ، و هو عادل دائماً فى جميع الأحوال و رحمته سابغة فى كل ما يُجريه من مقادير .
فقل لا إله إلا الله ثم استقم . . ذلــك هـو الإســـلام .
● قال الرجل : إنى أقول لا إله إلا الله كل لحظة .
● قال الصــالح : تقولها بلسانك و لا تقولها بقلبك و لا تقولها بموقفك و عملك .
● قال الرجل : كيــف ؟
● قال الصــالح : إنك تناقش الله الحساب كل يوم و كأنك إله مثله .
تقول له استغفرت فلم تغفر لى . سجدت فلم ترحمنى . بكيت فلم تُشفق غلىّ . صليت و صمت و حججت إليك فما سامحتني . أين عدلــك ؟
و ربت الرجل الصــالح على كتفيه قــائلاً : يا أخـي ليس هذا توحيداً .
التـوحيـد أن تكون إرادة الله هي عين ما تهوى و فعله عين ما تحب و كأن يدك أصبحت يده و لسانك لسانه . التوحيد هو أن تقول نعم . و تصدع بالأمر مثل ملائكة العزائم دون أن تسأل لماذا . لأنه لا إله إلا الله . لا عادل و لا رحمن و لا رحيم و لا حق سواه . هو الوجود و أنت العدم . فكيف يناقش العدم الوجود . إنما يتلقى العدم المدد من الوجود ساجداً حامداً شاكراً . لأنه لا وجود غيره . هو الإيجاب و ما عداه سلب . هو الحق و ما عداه باطل .
فبكـى الرجل و قد أدرك أنه ما عاش قط و ما عبد ربه قط .
● قال الصــالح : الآن عرفت فالزم . و قل لا إله إلا الله . ثم استقـم . قلها مرة واحدة من أحشائــك .
● فقال الرجل : لا إله إلا الله .
فتضوع الياسمين و انتشر العطر و ملأ العبير الأجواء و كأن روضة من الجنة تنزلت على الأرض .
و تلفت الناس . و قالوا . مَن هناك . مَن ذلك الملاك الذى تلفه سحابة عِطر .
● قال الرجل الصــالح : بل هـو رجـل عــرف ربـه .
.
من كتاب : نقطة الغليان
للدكتور / مصطفــــى محمـــــود (رحمه الله). ❝
❞ أهدى إليها مرة زجاجة من العطر الثمين وكتب معها: يا زجاجة العطر اذهبي إليها.. وتعطري بمس يديها.. وكوني رسالة قلبي لديها.. وها أنذا انثر القبلات على جوانبكِ فمتى لمستكِ فضعي قبلتي على بنانها.. وألقيها خفية ظاهرة في مثل حنـّو نظرتها وحنانها.. وألمسـِـيها من تلك القبلات معاني أفراحها في قلبي ومعاني إشجانها .. وها أنذا أصافحكِ فمتى أخذتكِ في يدها فكوني لمسة الأشواق.. وها أنذا أضمكِ إلى قلبي فمتى فتحتكِ فانثري عليها معاني العطر لمساتِ العناق .. ❝ ⏤مصطفى صادق الرافعي
❞ أهدى إليها مرة زجاجة من العطر الثمين وكتب معها: يا زجاجة العطر اذهبي إليها. وتعطري بمس يديها. وكوني رسالة قلبي لديها. وها أنذا انثر القبلات على جوانبكِ فمتى لمستكِ فضعي قبلتي على بنانها. وألقيها خفية ظاهرة في مثل حنـّو نظرتها وحنانها. وألمسـِـيها من تلك القبلات معاني أفراحها في قلبي ومعاني إشجانها . وها أنذا أصافحكِ فمتى أخذتكِ في يدها فكوني لمسة الأشواق. وها أنذا أضمكِ إلى قلبي فمتى فتحتكِ فانثري عليها معاني العطر لمساتِ العناق. ❝