❞ لعل الود لا يزول
أخبر من تَوَدُّ بكل وِدّ أنك تَوَدُه، وافعل له كل شيء كي يبان الوِدُّ والمحبةُ بينكم، ومن الصفات الحميدة التي اتصف بها المسلمون خصوصًا، الجيل الأول الفريد من نوعه (الصحابة) ومن جاء بعدهم وافتدى بنهجهم القويم، صفة الوِدّ وإظهار المحبة بينهم
فلو لم يكن للوِدّ والمحبة شأن عظيم في علاقه المسلمين ببعضهم البعض لما تعايش المسلمون سالمين، فالود من المؤهلات الحسنة التي تتعايش فوق الأرض مثل أعلام ترفرف في السماء، فـسلامًا لمن أخبرنا بوده وحفظ الود بيننا لنهاية الطريق.
گ/ أمل محمد عثمان\"دنيا\". ❝ ⏤Donia Mohamed
❞ لعل الود لا يزول
أخبر من تَوَدُّ بكل وِدّ أنك تَوَدُه، وافعل له كل شيء كي يبان الوِدُّ والمحبةُ بينكم، ومن الصفات الحميدة التي اتصف بها المسلمون خصوصًا، الجيل الأول الفريد من نوعه (الصحابة) ومن جاء بعدهم وافتدى بنهجهم القويم، صفة الوِدّ وإظهار المحبة بينهم
فلو لم يكن للوِدّ والمحبة شأن عظيم في علاقه المسلمين ببعضهم البعض لما تعايش المسلمون سالمين، فالود من المؤهلات الحسنة التي تتعايش فوق الأرض مثل أعلام ترفرف في السماء، فـسلامًا لمن أخبرنا بوده وحفظ الود بيننا لنهاية الطريق.
گ/ أمل محمد عثمان˝دنيا˝. ❝
❞ استغل اوقات الذهاب او العودة من العمل في سيارتك او قبل النوم استمع لموعضة قصيرة او قصص الانبياء او قصص الصحابة و التابعين او ربما قصص واقعية للاشخاص الصالحين او قرآن بصوة جميل حافظ على هذه العادة يوميا و ستتغير حياتك للافضل سيزداد رزقك و حبك لله الرحمان الرحيم..... ❝ ⏤إسلام جمال
❞ استغل اوقات الذهاب او العودة من العمل في سيارتك او قبل النوم استمع لموعضة قصيرة او قصص الانبياء او قصص الصحابة و التابعين او ربما قصص واقعية للاشخاص الصالحين او قرآن بصوة جميل حافظ على هذه العادة يوميا و ستتغير حياتك للافضل سيزداد رزقك و حبك لله الرحمان الرحيم. ❝
❞ {مقدمة سلسلة أحاديث رمضان}
لله حمدي وإليه أسند * وما ينوب فعليه أعتمد
ثمَّ على نبيِّه محمــــــــدِ * خير صلاة وسلام سرمدِ
وبعد: فقد يظن البعض أن علم الحديث علم خاص بسرد الأحاديث وسماعها وحسب، والصحيح؛ أنَّ علم الحديث هو علم شامل، فيشمل كل العلوم الأخرى، فهو يشمل علم العقيدة، وعلم التفسير، وعلم الفقه، وعلم القواعد الفقهية، وعلم أصول الفقه، والقواعد أصول الفقه، وعلم البلاغة، واللغة وغيرها...
وكل هذا لأنَّ علم الحديث هو الأصل لكل العلوم، سواء أكانت أصلية أم فرعية (آلات العلوم الأصلية) والأصلية هي الفقه والتفسير والحديث، وحتى العلوم الأصلية فإنَّ علم الحديث هو المهيمن عليها، فكل من الفقه والتفسير مع أنهما أصليَّان إلَّا إنهما مُستخرجان من علم الحديث، فالتفسير إن لم يكن من تفسير رسول الله ﷺ أو ما علمَّه لأصحابه فلا خير فيه، إلا إن لم يكن في الآية حديث، فبقول الصحابة فيها، وقول الصحابة ليس بدعة بل هو مما تعلموه من رسول الله ﷺ؛ فإن لم يكن في قول الصحابة شيء فبقول التابعين وأتباعهم، وأقوال هؤلاء ليس ببدعة بل هو مما تعلموه من الصحابة والصحابة بدورهم تعلموه من النبي ﷺ، فإن لم يوجد شيء ممَّل سبق نستعمل قواعد التفسير، وقواعد التفسير وأصوله هما بذاتهما تمَّ استنباطهما من حديث رسول الله، فأصل أصول التفسير أن تفسر القرآن بالقرآن، وهذا تعلمناه من الحديث، من ذلك تفسير النبي ﷺ لقوله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ}[الأنعام: 82]، فشق ذلِكَ علَى المسلِمينَ فقَالوا: يا رسولَ اللَّهِ وأيُّنا لا يظلِمُ نفسَهُ؟ قالَ: ليسَ ذلِكَ، إنَّما هوَ الشِّركُ ألَم تسمَعوا ما قالَ لقمانُ لابنِهِ: {يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}[لقمان: 13] .
وأمَّا الفقه فكلُّه مستخرج من علم الحديث، وهذا معلوم مشهور مأثور، فإن كانت أصول العلوم كذلك ففروعه من باب أولى، سيقول القائل إنَّ القواعد الفقهية وأصول الفقه هي استنباطية جائت من عقول العلماء، نقول: أنَّ العلماء استنبطوها من حديث رسول الله ﷺ، فمثلا قاعدة: الأمور بمقاصدها، التي عبَّر عنها ابن سند المالكي في منظومته منظومة القواعد الفقهية قال: إنَّ الأمور هنَّ بالمقاصد * .................
فهذا مستنبط من قول النبي ﷺ: إنَّما الأعمال بالنيَّات... .
وهكذا إلى سائر العلوم الشرعية فكلها مستنبطة من علم الحديث، ومن جملة هذه العلوم علوم العقيدة، فأصل أصول علم العقيدة هو حديث جبريل ﷺ، وفيه كل أبواب أصول العقيدة ، فقد جمع النبي ﷺ في حديث واحد كل مباني العقيدة.
والعقيدة عند أهل السنة لا تستحكم من قلب المسلم إلا بثلاثة أعمال:
1 – أعمال القلب.
2 – وأعمال اللسان.
3 – وأعمال الجوارح.
ومرادها هو أن تعتقد بأن ˝لا إله إلا الله˝ بقلبك، وتنطق بها بلسانك، وتعمل بها جوارحك.
وهذه المباني الثلاثة لا تتمُّ إلا ببعضها فهي كالعقد الدريُّ المنظوم، إن سللت درة منه تساقطت البقية، ومع هذا فهي ليست متساوية في القوَّة، فأعلاها قوَّة هي أعمال القلوب، وقد بيَّن النبي ﷺ ذلك بقوله: ألا وإنَّ في الجَسَدِ مُضْغَةً، إذا صَلَحَتْ، صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وإذا فَسَدَتْ، فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، ألا وهي القَلْبُ .
فالقلب وأعماله هو المهين على سائر الأعمال سواء أعمال الجوارح أو اللسان، وهذا لا يعني أنَّ ترك أعمال الجوارح واللسان جائز، هذا لا يجوز أبدا، فكل الثلاثة يكملون بعضهم، ولكنَّ مرادنا بيان أنَّ أعمال القلب أعلاها.
وعمل القلب هو التوحيد، والتوحيد أصل تندرج تحته كل أعمال القلب، كالولاء والبراء، والبغض والمحبة، وغيرها من أعمال القلب، وأعلى فرع من فروع التوحيد هو المحبَّة، فعلى قدر حب المسلم لربِّه ولنبيِّه ولصحب نبيه يكون قربه لله تعالى، وعلى قدر بغضه للكفر والكفار يكون قربه من الله تعالى، والعكس بالعكس.
وهذا الحب ليس متعلق بالله وحده، بل يشمل نبيه ثمَّ سائر أنبيائه، ثمَّ صحب نبيه وصحب سائر أنبيائه، ثمَّ تابعيهم وتابعي سائر أنبيائهم، ثمَّ أتباعهم وأتباع سائر أنبيائهم، ولكن حبُّ الله تعالى هو الأعلى من بين ما سبق، لأنه الأصل وحب هؤلاء ما كان إلا بحب الله تعالى، وهذه المحبَّة هي بدورها كالدر المنظوم، إن سللت درة تساقطت بقية الدرر، فلا يدعي أحدا أنه يحب الله تعالى وهو يبغض أحد أنبيائه أو أحد ملائكته، فقد قال تعالى: {مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَىٰ قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ * مَن كَانَ عَدُوًّا لِّلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ}[البقرة: 97 – 98]، لاحظ معي أنه سبحانه قال في الآية الأولى {مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ}ثمَّ بيَّن لك أنَّ عداوة جبريل الملك الرسول هي عداوة لله تعالى، وزاد وبيَّن أنَّ الضرر المنجر إليك ببغضك لجبريل ليس خاصا بجبريل وحسب، بل بيَّن في الآية الثانية أنه شامل لكل أهل الله تعالى، وعطف جبريل وميكال عطف الخاص على العام لبيان فضلهما فقال: {مَن كَانَ عَدُوًّا لِّلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ} ثمَّ بيَّن حكم من يبغض أهل الله تعالى وقال: {فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ}، هذه الآيات المباركات، هي درر أصول وفروع عقيدة المسلم، التي لم ينتبه إليها كثير من العامة، بحيث يبغض البعض منهم اللحية أو الأقمصة أو الأبيض من اللباس أو التقصير في الثياب، فكل ما ذكرته يعود لتك الآيات المباركات، فما اللحية والقميص والبياض والتقصير وغيره إلا سنن من سنن المصطفى ﷺ، فمن كان يبغض هذا فقد أبغض شيأ من سنن المصطفى ﷺ ومن أبغض شيأ من سنن المصطفى ﷺ فقد أبغض المصطفى ﷺ، ومن أبغض المصطفى أبغض الله تعالى، ومن أبغض الله تعالى، يوشك الله أن يأخذه.
وعكس هذا يكون له نقيضه، فمن أحب سنن المصطفى فقد أحب المصطفى، ومن أحب المصطفى فقد أحب الله، ومن أحب الله تعالى، يوشك الله أن يدخله جنته، واسمع لهذا الحديث الصحيح عن أنس بن مالك رضي الله عنه حيث قال: أنَّ رَجُلًا سَأَلَ النبيَّ ﷺ عَنِ السَّاعَةِ، فَقَالَ: مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ: ومَاذَا أعْدَدْتَ لَهَا. قَالَ: لا شيءَ، إلَّا أنِّي أُحِبُّ اللَّهَ ورَسوله ﷺ، فَقَالَ: أنْتَ مع مَن أحْبَبْتَ. قَالَ أنَسٌ: فَما فَرِحْنَا بشيءٍ، فَرَحَنَا بقَوْلِ النبيِّ ﷺ: أنْتَ مع مَن أحْبَبْتَ، قَالَ أنَسٌ: فأنَا أُحِبُّ النبيَّ ﷺ وأَبَا بَكْرٍ، وعُمَرَ، وأَرْجُو أنْ أكُونَ معهُمْ بحُبِّي إيَّاهُمْ، وإنْ لَمْ أعْمَلْ بمِثْلِ أعْمَالِهِمْ .
والآن لاحظ معي؛ إن كان هذا الأمر في شيء من السنن، فما بالك من أمر الله ورسوله ﷺ بحبهم، بل وحثَّ على توقيرهم واتباعهم ونصرتهم، بل وأمر بالاقتداء بهم، وهم أصحاب رسول الله ﷺ وأتباعهم وأتباع أتباعهم، الذين قال الله تعالى فيهم: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}[التوبة: 100].
وقال: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ ۚ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ۖ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا ۖ سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ۚ ذَٰلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ ۚ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ ۗ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا}[الفتح: 29].
وهاهو عبد الله ابن مسعود يبيِّن فضل هؤلاء وهو منهم حيث قال: مَن كانَ مُستنًّا؛ فليستَنَّ بمَن قَد ماتَ فإنَّ الحيَّ لا تُؤمَنُ علَيهِ الفِتنةُ أولئِكَ أصحابُ محمَّدٍ ﷺ كانوا أفضلَ هذِهِ الأمَّةِ أبرَّها قلوبًا وأعمقَها عِلمًا وأقلَّها تَكَلُّفًا اختارَهُمُ اللَّهُ لِصُحبةِ نبيِّهِ ولإقامةِ دينِهِ فاعرِفوا لَهُم فضلَهُم واتَّبعوا علَى آثارِهِم وتمسَّكوا بما استطعتُمْ مِن أخلاقِهِم وسِيَرِهِم ، فإنَّهم كانوا علَى الهُدى المستقيمِ .
فهؤلاء حبُّهم عقيدة المسلم، وبغضهم علامة المنافة، فمن أحبهم فهو معهم وإن لم يعمل بأعمالهم، ومن أبغضهم فلقد أبغض رسول الله ﷺ، ومن أبغض رسول الله ﷺ فقد أبغض الله تعالى.
ومن أحبهم فقد أحب رسول الله ﷺ، ومن أحب رسول الله ﷺ فقد أحب الله تعالى.
ونحن نريد أن نجدد إيماننا، ونحيي قلوبنا، في هذا الشهر المبارك، ونعطي لكل ذي حقٍّ حقَّه، وننزل الناس منازلها، ونعطي لكل ذي قدر قدره، كي تكون عبادتنا خالصة تامَّة ما استطعنا، وذلك بسرد أحاديث مشروحة عن فضل خير العصور الثلاثة، وهم عصر الصحابة، وعصر التابعين، وعصر أتباع التابعين، بصفة كل يوم حديث أو حديثين مع الشرح، فلا يظننَّ أحد أنَّ الخير كان خاصًّا بالصحابة وحسب، بل وأتباعهم وأتباع أتباعهم، وسنرى ذلك في هذه السلسلة المباركة، وقد قدَّمت أحاديث تبيِّن فضل التابعين تُذكر في جملة فضل الصحابة، ثمَّ أحاديث خاصَّة بجملة الصحابة، ثمَّ نختم بأحاديث في خواص الصحابة، وقد ركزَّت كثيرا فيها على فضل التابعين، لأنَّ الحال يقتضي ذلك، هذا ونسأل الله تعالى أن يجعل هذه السلسلة مباركة وذات فائدة وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم.
وكتب:
الدكتور عصام الدين إبراهيم النقيلي. ❝ ⏤الدُّكتُور: عِصَامُ الدِّينِ إِبْرَاهِيمَ النُّقَيْلِي
❞﴿مقدمة سلسلة أحاديث رمضان﴾ لله حمدي وإليه أسند * وما ينوب فعليه أعتمد
ثمَّ على نبيِّه محمــــــــدِ * خير صلاة وسلام سرمدِ
وبعد: فقد يظن البعض أن علم الحديث علم خاص بسرد الأحاديث وسماعها وحسب، والصحيح؛ أنَّ علم الحديث هو علم شامل، فيشمل كل العلوم الأخرى، فهو يشمل علم العقيدة، وعلم التفسير، وعلم الفقه، وعلم القواعد الفقهية، وعلم أصول الفقه، والقواعد أصول الفقه، وعلم البلاغة، واللغة وغيرها..
وكل هذا لأنَّ علم الحديث هو الأصل لكل العلوم، سواء أكانت أصلية أم فرعية (آلات العلوم الأصلية) والأصلية هي الفقه والتفسير والحديث، وحتى العلوم الأصلية فإنَّ علم الحديث هو المهيمن عليها، فكل من الفقه والتفسير مع أنهما أصليَّان إلَّا إنهما مُستخرجان من علم الحديث، فالتفسير إن لم يكن من تفسير رسول الله ﷺ أو ما علمَّه لأصحابه فلا خير فيه، إلا إن لم يكن في الآية حديث، فبقول الصحابة فيها، وقول الصحابة ليس بدعة بل هو مما تعلموه من رسول الله ﷺ؛ فإن لم يكن في قول الصحابة شيء فبقول التابعين وأتباعهم، وأقوال هؤلاء ليس ببدعة بل هو مما تعلموه من الصحابة والصحابة بدورهم تعلموه من النبي ﷺ، فإن لم يوجد شيء ممَّل سبق نستعمل قواعد التفسير، وقواعد التفسير وأصوله هما بذاتهما تمَّ استنباطهما من حديث رسول الله، فأصل أصول التفسير أن تفسر القرآن بالقرآن، وهذا تعلمناه من الحديث، من ذلك تفسير النبي ﷺ لقوله تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ﴾[الأنعام: 82]، فشق ذلِكَ علَى المسلِمينَ فقَالوا: يا رسولَ اللَّهِ وأيُّنا لا يظلِمُ نفسَهُ؟ قالَ: ليسَ ذلِكَ، إنَّما هوَ الشِّركُ ألَم تسمَعوا ما قالَ لقمانُ لابنِهِ: ﴿يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾[لقمان: 13] .
وأمَّا الفقه فكلُّه مستخرج من علم الحديث، وهذا معلوم مشهور مأثور، فإن كانت أصول العلوم كذلك ففروعه من باب أولى، سيقول القائل إنَّ القواعد الفقهية وأصول الفقه هي استنباطية جائت من عقول العلماء، نقول: أنَّ العلماء استنبطوها من حديث رسول الله ﷺ، فمثلا قاعدة: الأمور بمقاصدها، التي عبَّر عنها ابن سند المالكي في منظومته منظومة القواعد الفقهية قال: إنَّ الأمور هنَّ بالمقاصد * .........
فهذا مستنبط من قول النبي ﷺ: إنَّما الأعمال بالنيَّات.. .
وهكذا إلى سائر العلوم الشرعية فكلها مستنبطة من علم الحديث، ومن جملة هذه العلوم علوم العقيدة، فأصل أصول علم العقيدة هو حديث جبريل ﷺ، وفيه كل أبواب أصول العقيدة ، فقد جمع النبي ﷺ في حديث واحد كل مباني العقيدة.
والعقيدة عند أهل السنة لا تستحكم من قلب المسلم إلا بثلاثة أعمال:
1 – أعمال القلب.
2 – وأعمال اللسان.
3 – وأعمال الجوارح.
ومرادها هو أن تعتقد بأن ˝لا إله إلا الله˝ بقلبك، وتنطق بها بلسانك، وتعمل بها جوارحك.
وهذه المباني الثلاثة لا تتمُّ إلا ببعضها فهي كالعقد الدريُّ المنظوم، إن سللت درة منه تساقطت البقية، ومع هذا فهي ليست متساوية في القوَّة، فأعلاها قوَّة هي أعمال القلوب، وقد بيَّن النبي ﷺ ذلك بقوله: ألا وإنَّ في الجَسَدِ مُضْغَةً، إذا صَلَحَتْ، صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وإذا فَسَدَتْ، فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، ألا وهي القَلْبُ .
فالقلب وأعماله هو المهين على سائر الأعمال سواء أعمال الجوارح أو اللسان، وهذا لا يعني أنَّ ترك أعمال الجوارح واللسان جائز، هذا لا يجوز أبدا، فكل الثلاثة يكملون بعضهم، ولكنَّ مرادنا بيان أنَّ أعمال القلب أعلاها.
وعمل القلب هو التوحيد، والتوحيد أصل تندرج تحته كل أعمال القلب، كالولاء والبراء، والبغض والمحبة، وغيرها من أعمال القلب، وأعلى فرع من فروع التوحيد هو المحبَّة، فعلى قدر حب المسلم لربِّه ولنبيِّه ولصحب نبيه يكون قربه لله تعالى، وعلى قدر بغضه للكفر والكفار يكون قربه من الله تعالى، والعكس بالعكس.
وهذا الحب ليس متعلق بالله وحده، بل يشمل نبيه ثمَّ سائر أنبيائه، ثمَّ صحب نبيه وصحب سائر أنبيائه، ثمَّ تابعيهم وتابعي سائر أنبيائهم، ثمَّ أتباعهم وأتباع سائر أنبيائهم، ولكن حبُّ الله تعالى هو الأعلى من بين ما سبق، لأنه الأصل وحب هؤلاء ما كان إلا بحب الله تعالى، وهذه المحبَّة هي بدورها كالدر المنظوم، إن سللت درة تساقطت بقية الدرر، فلا يدعي أحدا أنه يحب الله تعالى وهو يبغض أحد أنبيائه أو أحد ملائكته، فقد قال تعالى: ﴿مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَىٰ قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ * مَن كَانَ عَدُوًّا لِّلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ﴾[البقرة: 97 – 98]، لاحظ معي أنه سبحانه قال في الآية الأولى ﴿مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ﴾ثمَّ بيَّن لك أنَّ عداوة جبريل الملك الرسول هي عداوة لله تعالى، وزاد وبيَّن أنَّ الضرر المنجر إليك ببغضك لجبريل ليس خاصا بجبريل وحسب، بل بيَّن في الآية الثانية أنه شامل لكل أهل الله تعالى، وعطف جبريل وميكال عطف الخاص على العام لبيان فضلهما فقال: ﴿مَن كَانَ عَدُوًّا لِّلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ﴾ ثمَّ بيَّن حكم من يبغض أهل الله تعالى وقال: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ﴾، هذه الآيات المباركات، هي درر أصول وفروع عقيدة المسلم، التي لم ينتبه إليها كثير من العامة، بحيث يبغض البعض منهم اللحية أو الأقمصة أو الأبيض من اللباس أو التقصير في الثياب، فكل ما ذكرته يعود لتك الآيات المباركات، فما اللحية والقميص والبياض والتقصير وغيره إلا سنن من سنن المصطفى ﷺ، فمن كان يبغض هذا فقد أبغض شيأ من سنن المصطفى ﷺ ومن أبغض شيأ من سنن المصطفى ﷺ فقد أبغض المصطفى ﷺ، ومن أبغض المصطفى أبغض الله تعالى، ومن أبغض الله تعالى، يوشك الله أن يأخذه.
وعكس هذا يكون له نقيضه، فمن أحب سنن المصطفى فقد أحب المصطفى، ومن أحب المصطفى فقد أحب الله، ومن أحب الله تعالى، يوشك الله أن يدخله جنته، واسمع لهذا الحديث الصحيح عن أنس بن مالك رضي الله عنه حيث قال: أنَّ رَجُلًا سَأَلَ النبيَّ ﷺ عَنِ السَّاعَةِ، فَقَالَ: مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ: ومَاذَا أعْدَدْتَ لَهَا. قَالَ: لا شيءَ، إلَّا أنِّي أُحِبُّ اللَّهَ ورَسوله ﷺ، فَقَالَ: أنْتَ مع مَن أحْبَبْتَ. قَالَ أنَسٌ: فَما فَرِحْنَا بشيءٍ، فَرَحَنَا بقَوْلِ النبيِّ ﷺ: أنْتَ مع مَن أحْبَبْتَ، قَالَ أنَسٌ: فأنَا أُحِبُّ النبيَّ ﷺ وأَبَا بَكْرٍ، وعُمَرَ، وأَرْجُو أنْ أكُونَ معهُمْ بحُبِّي إيَّاهُمْ، وإنْ لَمْ أعْمَلْ بمِثْلِ أعْمَالِهِمْ .
والآن لاحظ معي؛ إن كان هذا الأمر في شيء من السنن، فما بالك من أمر الله ورسوله ﷺ بحبهم، بل وحثَّ على توقيرهم واتباعهم ونصرتهم، بل وأمر بالاقتداء بهم، وهم أصحاب رسول الله ﷺ وأتباعهم وأتباع أتباعهم، الذين قال الله تعالى فيهم: ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾[التوبة: 100].
وقال: ﴿مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ ۚ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ۖ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا ۖ سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ۚ ذَٰلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ ۚ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ ۗ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾[الفتح: 29].
وهاهو عبد الله ابن مسعود يبيِّن فضل هؤلاء وهو منهم حيث قال: مَن كانَ مُستنًّا؛ فليستَنَّ بمَن قَد ماتَ فإنَّ الحيَّ لا تُؤمَنُ علَيهِ الفِتنةُ أولئِكَ أصحابُ محمَّدٍ ﷺ كانوا أفضلَ هذِهِ الأمَّةِ أبرَّها قلوبًا وأعمقَها عِلمًا وأقلَّها تَكَلُّفًا اختارَهُمُ اللَّهُ لِصُحبةِ نبيِّهِ ولإقامةِ دينِهِ فاعرِفوا لَهُم فضلَهُم واتَّبعوا علَى آثارِهِم وتمسَّكوا بما استطعتُمْ مِن أخلاقِهِم وسِيَرِهِم ، فإنَّهم كانوا علَى الهُدى المستقيمِ .
فهؤلاء حبُّهم عقيدة المسلم، وبغضهم علامة المنافة، فمن أحبهم فهو معهم وإن لم يعمل بأعمالهم، ومن أبغضهم فلقد أبغض رسول الله ﷺ، ومن أبغض رسول الله ﷺ فقد أبغض الله تعالى.
ومن أحبهم فقد أحب رسول الله ﷺ، ومن أحب رسول الله ﷺ فقد أحب الله تعالى.
ونحن نريد أن نجدد إيماننا، ونحيي قلوبنا، في هذا الشهر المبارك، ونعطي لكل ذي حقٍّ حقَّه، وننزل الناس منازلها، ونعطي لكل ذي قدر قدره، كي تكون عبادتنا خالصة تامَّة ما استطعنا، وذلك بسرد أحاديث مشروحة عن فضل خير العصور الثلاثة، وهم عصر الصحابة، وعصر التابعين، وعصر أتباع التابعين، بصفة كل يوم حديث أو حديثين مع الشرح، فلا يظننَّ أحد أنَّ الخير كان خاصًّا بالصحابة وحسب، بل وأتباعهم وأتباع أتباعهم، وسنرى ذلك في هذه السلسلة المباركة، وقد قدَّمت أحاديث تبيِّن فضل التابعين تُذكر في جملة فضل الصحابة، ثمَّ أحاديث خاصَّة بجملة الصحابة، ثمَّ نختم بأحاديث في خواص الصحابة، وقد ركزَّت كثيرا فيها على فضل التابعين، لأنَّ الحال يقتضي ذلك، هذا ونسأل الله تعالى أن يجعل هذه السلسلة مباركة وذات فائدة وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم.
❞ تجارة خديجة
كانت خديجة ترسل الرجال في تجارتها إلى الشام واليمن، وكانت دائمَة التدقيق والتمحيص فيمن تختاره حتى تضمن سلامة أموالها وعظيم ربحها، فلما بلغها عن محمد ما بلغها من صدق حديثه وعظم أمانته وكرم أخلاقه، تذكرت عندما كانت تجلس مع نساء أهل مكة يوم اجتمعن في عيد لهنَّ في الجاهلية، فتمثل لهن رجل فلما قرب نادى بأعلى صوته: يا نساء تيماء إنه سيكون في بلدكن نبي يقال له أحمد يُبعث برسالة الله فأيما امرأة استطاعت أن تكون زوجًا له فلتفعل، فحصبته النساء وقبحنه وأغلظن له وأغضت خديجة على قوله ولم تعرض له فيما عرض له النساء، فبعثت إليه فعرضت عليه أن يخرج في مالها تاجرًا إلى الشام، وقيل بل إن أبا طالب عم الرسول هو من أشار إليه بالعمل في تجارة خديجة وقال له: «أنا رجل لا مال لي، وقد اشتد الزمان علينا، وهذه عير قومك قد حضر خروجها إلى الشام، وخديجة بنت خويلد تبعث رجالا من قومك في عيراتها، فلو جئتها فعرضت نفسك عليها لأسرعت إليك».
وبلغ خديجة ما كان من محاورة الرسول وعمه، فأرسلت إليه في ذلك، وقالت: أنا أعطيك ضعف ما أعطي رجلا من قومك، فقال أبو طالب: هذا رزق قد ساقه الله إليك، فخرج مع غلام خديجة ميسرة، وأوصته أن يقوم على خدمته وألا يخالف له أمرًا وأن يرصد لها أحواله، وجعل عمومة الرسول يوصون به أهل العير، فلما قدما بصرى من الشام، نزلا في ظل شجرة، فقال نسطور الراهب: ما نزل تحت هذه الشجرة قط إلا نبي، ثم قال لميسرة: أفي عينيه حمرة قال ميسرة: نعم لا تفارقه، قال: هو نبي، وهو آخر الأنبياء، ثم باع سلعته، فوقع بينه وبين رجل خلاف، فقال رجل احلف باللات والعزى، فقال الرسول: ما أحلف بهما قط وإني لامرؤ، فأعرض عنهما، فقال الرجل: القول قولك، ثم قال لميسرة: هذا والله نبي تجده أحبارنا منعوتًا في كتبهم، وكان ميسرة إذا كانت الهاجرة واشتد الحر يرى ملكين يظلان الرسول من الشمس، فوعى ذلك كله ميسرة، وكان الله قد ألقى عليه المحبة من ميسرة، فكان كأنه عبد له، وباعوا تجارتهم وربحوا ضعف ما كانوا يربحون، فلما رجعوا، قال ميسرة: يا محمد انطلق إلى خديجة، فأخبرها بما صنع الله لها على وجهك فإنها تعرف لك ذلك، فتقدم محمد حتى دخل مكة في ساعة الظهيرة، وخديجة في عليةٍ لها فرأته وهو على بعيره، ودخل عليها فأخبرها بما ربحوا في تجارتهم، فسرت بذلك، فلما دخل عليها ميسرة أخبرها بما قال الراهب، وبما قال الآخر الذي خالفه في البيع، وكانت قد ربحت ضعف ما كانت تربح، وأعطت لمحمد ضعف ما خصصت له.
زواج خديجة من النبي
أخذت خديجة تفكر في أمر محمد بعدما سمعته من غلامها ميسرة، وبعدما رأت من أمانته وصدقه، فأفضت بسرها لصديقتها نفيسة أخت الصحابي يعلي بن أمية وقالت: «يا نفيسة إني أرى في محمد بن عبد الله ما لا أراه في غيره من الرجال، فهو الصادق الأمين وهو الشريف الحسيب وهو الشهم الكريم، وهو إلى ذلك له نبأ عجيب وشأن غريب، وقد سمعت ما قاله غلامي ميسرة عنه، ورأيت ما كان يظلله حين قدم علينا من سفره، وما تحدث به الرهبان عنه، وإن فؤادي ليكاد يجزم أنه نبي هذه الأمة»، فقالت نفيسة لخديجة: تأذنين وأنا أدبر الأمر، قالت نفيسة: فأرسلتني خديجة إليه دسيساً أعرض عليه نكاحها فقبل.
بعد أن رضي محمد بالزواج من خديجة كلّم أعمامه أبو طالب والعباس وحمزة فذهبوا إلى عم خديجة وخطبوها إليه وقال أبو طالب خطيبًا: «الحمد لله الذي جعلنا من ذرية إبراهيم، وزرع إسماعيل، وجعلنا حَضَنَةَ بيته، وسوّاس حرمه، وجعل لنا بيتًا محجوجًا، وحرمًا آمنًا، وجعلنا حكام الناس، إن ابن أخي هذا محمد بن عبد الله لا يوزن به رجل من قريش شرفاً ونبلاً وفضلاً إلا رجح به، وهو إن كان في قل فإن المال ظل زائل، وأمر حائل، وعارية مسترجعة، اليوم معك وغداً يكون مع فلان وفلان، وهذا يكون غنياً ثم فقيراً، والفقير يصبح غنياً والدول هكذا... وبعد هذا هو والله له نبأ عظيم وخطب جليل جسيم، وله في خديجة بنت خويلد رغبة، ولها فيه مثل ذلك، وما أحببتم من الصداق فعلي»،
ثم رد عليه ورقة بن نوفل وقال: «الحمد لله الذي جعلنا كما ذكرت وفضلنا على ما عددت فنحن سادة العرب وقادتها وأنتم أهل ذلك كله لا تنكر العشيرة فضلكم ولا يرد أحد من الناس فخركم وشرفكم؛ وقد رغبنا في الاتصال بحبلكم وشرفكم فاشهدوا عليّ معاشر قريش بأني قد زوجت خديجة بنت خويلد من محمد بن عبد الله على كذا»
ثم سكت، فقال أبو طالب: قد أحببت أن يشركك عمها، فقال عمها عمرو بن أسد: «اشهدوا عليّ يا معشر قريش أني قد أنكحت محمد بن عبد الله خديجة بنت خويلد»،
وعلى إثر ذلك تم الزواج، وأولم عليها محمد فنحر جزورا وقيل جزورين وأطعم الناس، حضر العقد بنوهاشم ورؤساء مضر،
وذلك بعد رجوع محمد من الشام بشهرين، وأصدقها عشرين بَكْرة، وكان سنها إذ ذاك أربعين سنة، وكانت يومئذ أفضل نساء قومها نسبًا وثروة وعقلًا، وهي أول امرأة تزوجها الرسول، ولم يتزوج عليها غيرها حتى ماتت.
روى ابن سعد في الطبقات عن الواقدي: «وتزوجها رسول الله وهو ابن خمس وعشرين سنة، وخديجة يومئذ بنت أربعين سنة».
كثيرة هي الأقوال التي وردت في عمر السيدة خديجة بنت خويلد -رضي الله عنها- لمَّا تزوجها رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- ومع أنَّ الراجح من الأقوال هو أنَّها كانت تبلغ من العمر أربعين عامًا، إلَّا أنَّ بعض الأقوال حملت خلاف هذا القول بعضهم قال أن عمرها إذ ذاك خمسًا وثلاثين، وقيل خمسًا وعشرين سنة\". ابن كثير
وفي هذا الزواج نزلت آية: ( وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى)
أي فقيرا لا مال لك، فأغناك بخديجة.
حكمة خديجة وحبها للنبي
عاشت خديجة مع الرسول خمسة عشر عامًا قبل بعثته، أحاطته بكل رعاية وعناية واهتمام، وكانت هذه السنوات هي السنوات التي شغلت فيها خديجة بإنجاب أولادها باستثناء عبد الله الذي وُلد بعد البعثة، فقد رُزقت بأولادها زينب ورقية وأم كلثوم، والقاسم الذي كان يكنى به الرسول، وفاطمة الزهراء، ثم عبد الله الذي عرف بالطيب الطاهر، كانت خديجة مشتغلة بتربية أولادها، ثم شاء الله أن يتوفى القاسم، وفي هذه الفترة طلب الرسول من عمه أبو طالب وقد لاحظ كثرة الأولاد عنده أن يعطيه عليًا ليربيه، أراد التخفيف عليه، وقامت خديجة برعايته أتم رعاية، وعندما مات العوام بن خويلد خلّف ورائه الزبير وهو ابن سنتين، فقررت خديجة أن تكفله وترعاه، فنشأ الزبير بين بيت عمّته خديجة وبين بيت أمه صفية بنت عبد المطلب عمّة الرسول، ثم لما قدم حكيم بن حزام بن خويلد من الشام برقيق فيهم زيد بن حارثة وصيف، دخلت عليه عمته خديجة، وهي يومئذ عند رسول الله، فقال لها: اختاري يا عمة أي هؤلاء الغلمان شئت فهو لك، فاختارت زيداً فأخذته، فرآه رسول الله عندها، فاستوهبه منها، فوهبته له، فاعتقه رسول الله وتبناه، وذلك قبل أن يوحى إليه،فكان بمثابة الابن من خديجة، ورعته خير رعاية، وكانت لهذه التربية الصالحة الأثر العظيم في اتباع هؤلاء الأشخاص لنور الإسلام، فـ\"علي\" أول من أسلم من الصبيان، و\"الزبير\" من أوائل من دخل في الإسلام.
وزيد بن حارثة ثاني من أسلم من الرجال بعد علي.
كان الرسول محمد يواصل مسيرته بالاختلاء بنفسه، وبتعبده في غار حراء بعيدًا عن الناس، وكانت خديجة مشغولة بالأسرة وتوفير ما يلزمها، في الوقت الذي كانت تشتغل فيه بتجارتها التي تنفق منها على الأسرة، ومع ذلك كانت تذهب إليه في غار حراء لتوفر له الأكل والشرب، قال ابن حجر العسقلاني: «كانت حريصة على رضاه بكل ممكن، ولم يصدر منها ما يغضبه قط كما وقع لغيرها»،
روى الفاكهاني عن أنس بن مالك قال: «أن النبي كان عند أبي طالب، فاستأذنه أن يتوجه إلى خديجة فأذن له، وبعث بعده جارية له يقال لها نبعة فقال لها: انظري ما تقول له خديجة، قالت نبعة: فرأيت عجبًا، ما هو إلا أن سمعت به خديجة فخرجت إلى الباب فأخذت بيده فضمتها إلى صدرها ونحرها ثم قالت: بأبي وأمي، والله ما أفعل هذا لشيء، ولكني أرجو أن تكون أنت النبي الذي ستُبعث، فإن تكن هو فاعرف حقي ومنزلتي وادع الإله الذي يبعثك لي، قالت: فقال لها: والله لئن كنت أنا هو قد اصطنعت عندي ما لا أضيعه أبدًا، وإن يكن غيري فإن الإله الذي تصنعين هذا لأجله لا يضيعك أبدًا».
عندما حُبب إلى الرسول الخلوة، صار يتجه لغار حراء يعتكف متأملًا ويتعبد متبتلًا، وكان موقف خديجة موقف المعين الداعم، فكانت تعد له ما يحتاجه في خلوته من طعام وشراب ومهاد، تُجهزه قبل خروجه، وتحمل إليه إن طالت غيبته ما يكفيه من مؤونة، وفي بعض الأحيان تصحبه في خلوته، تخدمه وتؤنسه وتسقيه وتطعمه، ولما أصبح في عقده الرابع بدأت تظهر له المبشرات، يسمعها أو يراها، يقظةً أو منامنًا، مثل سماعه نداء يأمره بستر عورته حين كان يحمل الحجارة من أجياد لبناء الكعبة، ومثل تسليم الحجر والشجر عليه، ومن ذلك ما رواه عمرو بن شرحبيل أن الرسول قال لخديجة: «إني إذا خلوت وحدي سمعت نداء وقد والله خشيت أن يكون هذا أمرًا، فقالت : معاذ الله ما كان الله ليفعل بك، فوالله إنك لتؤدي الأمانة، وتصل الرحم، وتصدق الحديث»
وعن عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم قال: «كان من بدء أمر رسول الله أنه رأى في المنام فشق ذلك عليه، فذكر ذلك لصاحبته خديجة بنت خويلد فقالت: أبشر فإن الله لا يصنع بك إلا خيرً»
وكان الرسول كلما رأى رؤيا قصها على خديجة، فقد روى محمد بن يوسف الصالحي الشامي: «رأى رسول الله مرةً في منامه أن سقف بيته نزعت منه خشبة، وأدخل فيه سلمٌ من فضَّة، ثم نزل إليه رجلان، فأراد أن يستغيث فمُنع من الكلام، فقعد أحدهما إليه والآخر إلى جنبه، فأدخل أحدهما يده في جنبه فنزع ضلعين منه، فأدخل يده في جوفه، ورسول الله يجد بردهما، فأخرج قلبه فوضعه على كفه، فقال لصاحبه: نعم القلب قلب رجلٍ صالح، فطهر قلبه وغسله، ثم أدخل القلب مكانه، وردَّ الضلعين ثم ارتفعا، ورفع سلّمها، فإذا السقف كما هو، فذكر ذلك لخديجة فقالت له: أبشر فإن الله لا يصنع بك إلا خيرًا، هذا خير فأبشر».
روى البخاري في صحيحه عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت: «أول ما بدئ به رسول الله من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ثمّ حُبب إليه الخلاء، وكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه، وهو التعبد الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله ويتزود لذلك ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها حتى جاءه الحق وهو في غار حراء فجاءه الملك فقال: اقرأ، قال: ما أنا بقارئ، قال: فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال: اقرأ، قلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثالثة ثم أرسلني فقال:(اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ)
فرجع بها رسول الله يرجف فؤاده فدخل على خديجة بنت خويلد فقال: زملوني، زملوني، فزملوه حتى ذهب عنه الروع، فقال لخديجة وأخبرها الخبر: لقد خشيت على نفسي، فقالت خديجة: كلا والله ما يخزيك الله أبدًا، إنك لتصل الرحم وتحمل الكَل وتكسب المعدوم وتُقري الضيف وتُعين على نوائب الحق، فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى ابن عم خديجة، وكان امرءاً قد تنصر في الجاهلية وكان يكتب الكتاب العبراني، فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخًا كبيراً قد عمى، فقالت له خديجة: يا ابن عم، اسمع من ابن أخيك، فقال له ورقة: يا ابن أخي، ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله ما رأى، فقال له ورقة: هذا الناموس الذي نزَّل الله على موسى، يا ليتني فيها جذعًا، ليتني أكون حيًا إذ يخرجك قومك، فقال رسول الله: أو مُخرِجِيَّ هم؟ قال: نعم، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عُودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرًا مؤزرًا، ثمّ لم ينشب ورقة أن توفي و فتر الوحي.»
#أمهات_ المؤمنين. ❝ ⏤مجموعة من المؤلفين
❞ تجارة خديجة
كانت خديجة ترسل الرجال في تجارتها إلى الشام واليمن، وكانت دائمَة التدقيق والتمحيص فيمن تختاره حتى تضمن سلامة أموالها وعظيم ربحها، فلما بلغها عن محمد ما بلغها من صدق حديثه وعظم أمانته وكرم أخلاقه، تذكرت عندما كانت تجلس مع نساء أهل مكة يوم اجتمعن في عيد لهنَّ في الجاهلية، فتمثل لهن رجل فلما قرب نادى بأعلى صوته: يا نساء تيماء إنه سيكون في بلدكن نبي يقال له أحمد يُبعث برسالة الله فأيما امرأة استطاعت أن تكون زوجًا له فلتفعل، فحصبته النساء وقبحنه وأغلظن له وأغضت خديجة على قوله ولم تعرض له فيما عرض له النساء، فبعثت إليه فعرضت عليه أن يخرج في مالها تاجرًا إلى الشام، وقيل بل إن أبا طالب عم الرسول هو من أشار إليه بالعمل في تجارة خديجة وقال له: «أنا رجل لا مال لي، وقد اشتد الزمان علينا، وهذه عير قومك قد حضر خروجها إلى الشام، وخديجة بنت خويلد تبعث رجالا من قومك في عيراتها، فلو جئتها فعرضت نفسك عليها لأسرعت إليك».
وبلغ خديجة ما كان من محاورة الرسول وعمه، فأرسلت إليه في ذلك، وقالت: أنا أعطيك ضعف ما أعطي رجلا من قومك، فقال أبو طالب: هذا رزق قد ساقه الله إليك، فخرج مع غلام خديجة ميسرة، وأوصته أن يقوم على خدمته وألا يخالف له أمرًا وأن يرصد لها أحواله، وجعل عمومة الرسول يوصون به أهل العير، فلما قدما بصرى من الشام، نزلا في ظل شجرة، فقال نسطور الراهب: ما نزل تحت هذه الشجرة قط إلا نبي، ثم قال لميسرة: أفي عينيه حمرة قال ميسرة: نعم لا تفارقه، قال: هو نبي، وهو آخر الأنبياء، ثم باع سلعته، فوقع بينه وبين رجل خلاف، فقال رجل احلف باللات والعزى، فقال الرسول: ما أحلف بهما قط وإني لامرؤ، فأعرض عنهما، فقال الرجل: القول قولك، ثم قال لميسرة: هذا والله نبي تجده أحبارنا منعوتًا في كتبهم، وكان ميسرة إذا كانت الهاجرة واشتد الحر يرى ملكين يظلان الرسول من الشمس، فوعى ذلك كله ميسرة، وكان الله قد ألقى عليه المحبة من ميسرة، فكان كأنه عبد له، وباعوا تجارتهم وربحوا ضعف ما كانوا يربحون، فلما رجعوا، قال ميسرة: يا محمد انطلق إلى خديجة، فأخبرها بما صنع الله لها على وجهك فإنها تعرف لك ذلك، فتقدم محمد حتى دخل مكة في ساعة الظهيرة، وخديجة في عليةٍ لها فرأته وهو على بعيره، ودخل عليها فأخبرها بما ربحوا في تجارتهم، فسرت بذلك، فلما دخل عليها ميسرة أخبرها بما قال الراهب، وبما قال الآخر الذي خالفه في البيع، وكانت قد ربحت ضعف ما كانت تربح، وأعطت لمحمد ضعف ما خصصت له.
زواج خديجة من النبي
أخذت خديجة تفكر في أمر محمد بعدما سمعته من غلامها ميسرة، وبعدما رأت من أمانته وصدقه، فأفضت بسرها لصديقتها نفيسة أخت الصحابي يعلي بن أمية وقالت: «يا نفيسة إني أرى في محمد بن عبد الله ما لا أراه في غيره من الرجال، فهو الصادق الأمين وهو الشريف الحسيب وهو الشهم الكريم، وهو إلى ذلك له نبأ عجيب وشأن غريب، وقد سمعت ما قاله غلامي ميسرة عنه، ورأيت ما كان يظلله حين قدم علينا من سفره، وما تحدث به الرهبان عنه، وإن فؤادي ليكاد يجزم أنه نبي هذه الأمة»، فقالت نفيسة لخديجة: تأذنين وأنا أدبر الأمر، قالت نفيسة: فأرسلتني خديجة إليه دسيساً أعرض عليه نكاحها فقبل.
بعد أن رضي محمد بالزواج من خديجة كلّم أعمامه أبو طالب والعباس وحمزة فذهبوا إلى عم خديجة وخطبوها إليه وقال أبو طالب خطيبًا: «الحمد لله الذي جعلنا من ذرية إبراهيم، وزرع إسماعيل، وجعلنا حَضَنَةَ بيته، وسوّاس حرمه، وجعل لنا بيتًا محجوجًا، وحرمًا آمنًا، وجعلنا حكام الناس، إن ابن أخي هذا محمد بن عبد الله لا يوزن به رجل من قريش شرفاً ونبلاً وفضلاً إلا رجح به، وهو إن كان في قل فإن المال ظل زائل، وأمر حائل، وعارية مسترجعة، اليوم معك وغداً يكون مع فلان وفلان، وهذا يكون غنياً ثم فقيراً، والفقير يصبح غنياً والدول هكذا.. وبعد هذا هو والله له نبأ عظيم وخطب جليل جسيم، وله في خديجة بنت خويلد رغبة، ولها فيه مثل ذلك، وما أحببتم من الصداق فعلي»،
ثم رد عليه ورقة بن نوفل وقال: «الحمد لله الذي جعلنا كما ذكرت وفضلنا على ما عددت فنحن سادة العرب وقادتها وأنتم أهل ذلك كله لا تنكر العشيرة فضلكم ولا يرد أحد من الناس فخركم وشرفكم؛ وقد رغبنا في الاتصال بحبلكم وشرفكم فاشهدوا عليّ معاشر قريش بأني قد زوجت خديجة بنت خويلد من محمد بن عبد الله على كذا» ثم سكت، فقال أبو طالب: قد أحببت أن يشركك عمها، فقال عمها عمرو بن أسد: «اشهدوا عليّ يا معشر قريش أني قد أنكحت محمد بن عبد الله خديجة بنت خويلد»،
وعلى إثر ذلك تم الزواج، وأولم عليها محمد فنحر جزورا وقيل جزورين وأطعم الناس، حضر العقد بنوهاشم ورؤساء مضر،
وذلك بعد رجوع محمد من الشام بشهرين، وأصدقها عشرين بَكْرة، وكان سنها إذ ذاك أربعين سنة، وكانت يومئذ أفضل نساء قومها نسبًا وثروة وعقلًا، وهي أول امرأة تزوجها الرسول، ولم يتزوج عليها غيرها حتى ماتت.
روى ابن سعد في الطبقات عن الواقدي: «وتزوجها رسول الله وهو ابن خمس وعشرين سنة، وخديجة يومئذ بنت أربعين سنة».
كثيرة هي الأقوال التي وردت في عمر السيدة خديجة بنت خويلد -رضي الله عنها- لمَّا تزوجها رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- ومع أنَّ الراجح من الأقوال هو أنَّها كانت تبلغ من العمر أربعين عامًا، إلَّا أنَّ بعض الأقوال حملت خلاف هذا القول بعضهم قال أن عمرها إذ ذاك خمسًا وثلاثين، وقيل خمسًا وعشرين سنة˝. ابن كثير
وفي هذا الزواج نزلت آية: ( وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى)
أي فقيرا لا مال لك، فأغناك بخديجة.
حكمة خديجة وحبها للنبي
عاشت خديجة مع الرسول خمسة عشر عامًا قبل بعثته، أحاطته بكل رعاية وعناية واهتمام، وكانت هذه السنوات هي السنوات التي شغلت فيها خديجة بإنجاب أولادها باستثناء عبد الله الذي وُلد بعد البعثة، فقد رُزقت بأولادها زينب ورقية وأم كلثوم، والقاسم الذي كان يكنى به الرسول، وفاطمة الزهراء، ثم عبد الله الذي عرف بالطيب الطاهر، كانت خديجة مشتغلة بتربية أولادها، ثم شاء الله أن يتوفى القاسم، وفي هذه الفترة طلب الرسول من عمه أبو طالب وقد لاحظ كثرة الأولاد عنده أن يعطيه عليًا ليربيه، أراد التخفيف عليه، وقامت خديجة برعايته أتم رعاية، وعندما مات العوام بن خويلد خلّف ورائه الزبير وهو ابن سنتين، فقررت خديجة أن تكفله وترعاه، فنشأ الزبير بين بيت عمّته خديجة وبين بيت أمه صفية بنت عبد المطلب عمّة الرسول، ثم لما قدم حكيم بن حزام بن خويلد من الشام برقيق فيهم زيد بن حارثة وصيف، دخلت عليه عمته خديجة، وهي يومئذ عند رسول الله، فقال لها: اختاري يا عمة أي هؤلاء الغلمان شئت فهو لك، فاختارت زيداً فأخذته، فرآه رسول الله عندها، فاستوهبه منها، فوهبته له، فاعتقه رسول الله وتبناه، وذلك قبل أن يوحى إليه،فكان بمثابة الابن من خديجة، ورعته خير رعاية، وكانت لهذه التربية الصالحة الأثر العظيم في اتباع هؤلاء الأشخاص لنور الإسلام، فـ˝علي˝ أول من أسلم من الصبيان، و˝الزبير˝ من أوائل من دخل في الإسلام.
وزيد بن حارثة ثاني من أسلم من الرجال بعد علي.
كان الرسول محمد يواصل مسيرته بالاختلاء بنفسه، وبتعبده في غار حراء بعيدًا عن الناس، وكانت خديجة مشغولة بالأسرة وتوفير ما يلزمها، في الوقت الذي كانت تشتغل فيه بتجارتها التي تنفق منها على الأسرة، ومع ذلك كانت تذهب إليه في غار حراء لتوفر له الأكل والشرب، قال ابن حجر العسقلاني: «كانت حريصة على رضاه بكل ممكن، ولم يصدر منها ما يغضبه قط كما وقع لغيرها»،
روى الفاكهاني عن أنس بن مالك قال: «أن النبي كان عند أبي طالب، فاستأذنه أن يتوجه إلى خديجة فأذن له، وبعث بعده جارية له يقال لها نبعة فقال لها: انظري ما تقول له خديجة، قالت نبعة: فرأيت عجبًا، ما هو إلا أن سمعت به خديجة فخرجت إلى الباب فأخذت بيده فضمتها إلى صدرها ونحرها ثم قالت: بأبي وأمي، والله ما أفعل هذا لشيء، ولكني أرجو أن تكون أنت النبي الذي ستُبعث، فإن تكن هو فاعرف حقي ومنزلتي وادع الإله الذي يبعثك لي، قالت: فقال لها: والله لئن كنت أنا هو قد اصطنعت عندي ما لا أضيعه أبدًا، وإن يكن غيري فإن الإله الذي تصنعين هذا لأجله لا يضيعك أبدًا».
عندما حُبب إلى الرسول الخلوة، صار يتجه لغار حراء يعتكف متأملًا ويتعبد متبتلًا، وكان موقف خديجة موقف المعين الداعم، فكانت تعد له ما يحتاجه في خلوته من طعام وشراب ومهاد، تُجهزه قبل خروجه، وتحمل إليه إن طالت غيبته ما يكفيه من مؤونة، وفي بعض الأحيان تصحبه في خلوته، تخدمه وتؤنسه وتسقيه وتطعمه، ولما أصبح في عقده الرابع بدأت تظهر له المبشرات، يسمعها أو يراها، يقظةً أو منامنًا، مثل سماعه نداء يأمره بستر عورته حين كان يحمل الحجارة من أجياد لبناء الكعبة، ومثل تسليم الحجر والشجر عليه، ومن ذلك ما رواه عمرو بن شرحبيل أن الرسول قال لخديجة: «إني إذا خلوت وحدي سمعت نداء وقد والله خشيت أن يكون هذا أمرًا، فقالت : معاذ الله ما كان الله ليفعل بك، فوالله إنك لتؤدي الأمانة، وتصل الرحم، وتصدق الحديث» وعن عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم قال: «كان من بدء أمر رسول الله أنه رأى في المنام فشق ذلك عليه، فذكر ذلك لصاحبته خديجة بنت خويلد فقالت: أبشر فإن الله لا يصنع بك إلا خيرً» وكان الرسول كلما رأى رؤيا قصها على خديجة، فقد روى محمد بن يوسف الصالحي الشامي: «رأى رسول الله مرةً في منامه أن سقف بيته نزعت منه خشبة، وأدخل فيه سلمٌ من فضَّة، ثم نزل إليه رجلان، فأراد أن يستغيث فمُنع من الكلام، فقعد أحدهما إليه والآخر إلى جنبه، فأدخل أحدهما يده في جنبه فنزع ضلعين منه، فأدخل يده في جوفه، ورسول الله يجد بردهما، فأخرج قلبه فوضعه على كفه، فقال لصاحبه: نعم القلب قلب رجلٍ صالح، فطهر قلبه وغسله، ثم أدخل القلب مكانه، وردَّ الضلعين ثم ارتفعا، ورفع سلّمها، فإذا السقف كما هو، فذكر ذلك لخديجة فقالت له: أبشر فإن الله لا يصنع بك إلا خيرًا، هذا خير فأبشر».
روى البخاري في صحيحه عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت: «أول ما بدئ به رسول الله من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ثمّ حُبب إليه الخلاء، وكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه، وهو التعبد الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله ويتزود لذلك ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها حتى جاءه الحق وهو في غار حراء فجاءه الملك فقال: اقرأ، قال: ما أنا بقارئ، قال: فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال: اقرأ، قلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثالثة ثم أرسلني فقال:(اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ)
فرجع بها رسول الله يرجف فؤاده فدخل على خديجة بنت خويلد فقال: زملوني، زملوني، فزملوه حتى ذهب عنه الروع، فقال لخديجة وأخبرها الخبر: لقد خشيت على نفسي، فقالت خديجة: كلا والله ما يخزيك الله أبدًا، إنك لتصل الرحم وتحمل الكَل وتكسب المعدوم وتُقري الضيف وتُعين على نوائب الحق، فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى ابن عم خديجة، وكان امرءاً قد تنصر في الجاهلية وكان يكتب الكتاب العبراني، فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخًا كبيراً قد عمى، فقالت له خديجة: يا ابن عم، اسمع من ابن أخيك، فقال له ورقة: يا ابن أخي، ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله ما رأى، فقال له ورقة: هذا الناموس الذي نزَّل الله على موسى، يا ليتني فيها جذعًا، ليتني أكون حيًا إذ يخرجك قومك، فقال رسول الله: أو مُخرِجِيَّ هم؟ قال: نعم، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عُودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرًا مؤزرًا، ثمّ لم ينشب ورقة أن توفي و فتر الوحي.»