ثمة أرض لا يراها أحد، لكنها تمتد في داخلي مثل خريطة سرّية لا تفنى. أرض لا تحكمها الجغرافيا، ولا يقيّدها الزمن، ولا تُباع في المزادات. هي المساحة التي تُكوّنني، الحقول التي أزرع فيها أحلامي، والجبال التي أخبئ خلفها ضعفي، والبحار التي أغسل فيها هزائمي.
لطالما ظننت أنّ الانتماء مرتبط بمكان الولادة أو بحدود الوطن، لكنني حين أغمضت عينيّ، واستمعت إلى الصمت الذي يعلو بين الضلوع، اكتشفت أنّ كل إنسان يحمل وطناً سريّاً بداخله، يلوذ به حين يخذله العالم. هذا الوطن لا يُحتل ولا يُسرق ولا يضيع؛ لأنه ليس في الأرض، بل هو الأرض ذاتها التي تسكننا.
في تلك الأرض الداخلية، هناك طرقات لم تُسفلتها الدولة، لكنها معبّدة بذكرياتي؛ هناك أشجار نبتت من طفولتي، وعيون ماءٍ جارية من دموعي الأولى، وهناك أيضاً مقابر صغيرة دُفن فيها أحبّتي الذين رحلوا، وما زلتُ أزورهم كل ليلة بصمتٍ مهيب.
الأرض التي في داخلي ليست دائماً خضراء، أحياناً تجفّ وتتحوّل إلى صحراء قاحلة، كأنّ اليأس زحف عليها وأحرق زرعها. لكنني تعلّمت أنّ الصحراء أيضاً تحمل حياةً كامنة، وأنّ المطر – وإن تأخّر – قادر أن يُعيدها خصبة. هكذا أنا: كلما شعرت أنّي صرت أرضاً جرداء، جاء حلم صغير أو لقاء غير متوقّع فأزهرتُ من جديد.
لقد رأيتُ في تلك الأرض حقول صراع، وجبهات معارك، حيث حاربتُ نفسي أكثر مما حاربتُ الآخرين. في داخلي سهول مليئة بالهزائم، ومرتفعات تعلو عليها رايات النصر الصغيرة. ومع ذلك، تظلّ الأرض صامدة، تتقبّل كل ما يُلقى فوقها: البذور، والرماد، وحتى الأجساد.
أحياناً أسمع أصواتاً في تلك الأرض: همسات أجدادي، خطوات أبي، ضحكات أصدقائي، أنين الوحدة، وأغاني الطيور التي لا وجود لها إلا في خيالي. كلها أصوات تُعيدني إلى يقين أن هذه الأرض ليست مهجورة، بل مأهولة بأرواحٍ تسكنني وترافقني.
ما أدهشني أنني حين أتأمل وجوه الآخرين، أجد أنّ لكل واحد منهم أرضاً شبيهة. نحن لسنا جزر معزولة كما نعتقد، بل أراضٍ متجاورة، متداخلة، تتبادل المطر والرياح. ما يزرعه إنسان في أرضه الداخلية قد يثمر في أرض آخر دون أن يدري. هكذا تنتقل الكلمات، وتكبر الأفكار، وتُولد القلوب من جديد.
إنّ الأرض التي في داخلي تُذكّرني أنني لا أملك العالم الخارجي حقاً، لكنني أملك هذا الوطن السري الذي لا يستطيع أحد أن ينزعه مني. هو الكنز الوحيد الذي يزداد عمقاً كلما شاركته مع الآخرين، ويزداد خصوبة كلما مشيت فيه بصدقٍ وأمانة.
وحين أرحل يوماً، لن يهمّ كثيراً أين يُدفن جسدي؛ فالأرض التي في داخلي ستظلّ باقية في كلماتٍ تركتها، وفي ذكرى زرعتها في قلب إنسان آخر. تلك الأرض وحدها هي ميراثي الحقيقي، وهي المرفأ الأخير الذي ألوذ به كلما داهمني صخب العالم.
#مرافئ_الروح
#هانى_الميهى. ❝ ⏤هاني الميهي
❞ مرافئ الروح
الكاتب: هاني الميهي
الفصل العاشر: الأرض التي في داخلي
ثمة أرض لا يراها أحد، لكنها تمتد في داخلي مثل خريطة سرّية لا تفنى. أرض لا تحكمها الجغرافيا، ولا يقيّدها الزمن، ولا تُباع في المزادات. هي المساحة التي تُكوّنني، الحقول التي أزرع فيها أحلامي، والجبال التي أخبئ خلفها ضعفي، والبحار التي أغسل فيها هزائمي.
لطالما ظننت أنّ الانتماء مرتبط بمكان الولادة أو بحدود الوطن، لكنني حين أغمضت عينيّ، واستمعت إلى الصمت الذي يعلو بين الضلوع، اكتشفت أنّ كل إنسان يحمل وطناً سريّاً بداخله، يلوذ به حين يخذله العالم. هذا الوطن لا يُحتل ولا يُسرق ولا يضيع؛ لأنه ليس في الأرض، بل هو الأرض ذاتها التي تسكننا.
في تلك الأرض الداخلية، هناك طرقات لم تُسفلتها الدولة، لكنها معبّدة بذكرياتي؛ هناك أشجار نبتت من طفولتي، وعيون ماءٍ جارية من دموعي الأولى، وهناك أيضاً مقابر صغيرة دُفن فيها أحبّتي الذين رحلوا، وما زلتُ أزورهم كل ليلة بصمتٍ مهيب.
الأرض التي في داخلي ليست دائماً خضراء، أحياناً تجفّ وتتحوّل إلى صحراء قاحلة، كأنّ اليأس زحف عليها وأحرق زرعها. لكنني تعلّمت أنّ الصحراء أيضاً تحمل حياةً كامنة، وأنّ المطر – وإن تأخّر – قادر أن يُعيدها خصبة. هكذا أنا: كلما شعرت أنّي صرت أرضاً جرداء، جاء حلم صغير أو لقاء غير متوقّع فأزهرتُ من جديد.
لقد رأيتُ في تلك الأرض حقول صراع، وجبهات معارك، حيث حاربتُ نفسي أكثر مما حاربتُ الآخرين. في داخلي سهول مليئة بالهزائم، ومرتفعات تعلو عليها رايات النصر الصغيرة. ومع ذلك، تظلّ الأرض صامدة، تتقبّل كل ما يُلقى فوقها: البذور، والرماد، وحتى الأجساد.
أحياناً أسمع أصواتاً في تلك الأرض: همسات أجدادي، خطوات أبي، ضحكات أصدقائي، أنين الوحدة، وأغاني الطيور التي لا وجود لها إلا في خيالي. كلها أصوات تُعيدني إلى يقين أن هذه الأرض ليست مهجورة، بل مأهولة بأرواحٍ تسكنني وترافقني.
ما أدهشني أنني حين أتأمل وجوه الآخرين، أجد أنّ لكل واحد منهم أرضاً شبيهة. نحن لسنا جزر معزولة كما نعتقد، بل أراضٍ متجاورة، متداخلة، تتبادل المطر والرياح. ما يزرعه إنسان في أرضه الداخلية قد يثمر في أرض آخر دون أن يدري. هكذا تنتقل الكلمات، وتكبر الأفكار، وتُولد القلوب من جديد.
إنّ الأرض التي في داخلي تُذكّرني أنني لا أملك العالم الخارجي حقاً، لكنني أملك هذا الوطن السري الذي لا يستطيع أحد أن ينزعه مني. هو الكنز الوحيد الذي يزداد عمقاً كلما شاركته مع الآخرين، ويزداد خصوبة كلما مشيت فيه بصدقٍ وأمانة.
وحين أرحل يوماً، لن يهمّ كثيراً أين يُدفن جسدي؛ فالأرض التي في داخلي ستظلّ باقية في كلماتٍ تركتها، وفي ذكرى زرعتها في قلب إنسان آخر. تلك الأرض وحدها هي ميراثي الحقيقي، وهي المرفأ الأخير الذي ألوذ به كلما داهمني صخب العالم.
❞ مراجعة أدبية لرواية \"زائر من بعد آخر\" – بقلم القارئ:
في روايته \"زائر من بعد آخر\"، يأخذنا الكاتب الأردني محمود عمر محمد جمعة في رحلة فريدة من نوعها، تتجاوز حدود الجغرافيا والخيال، لتُبحر في فضاءات فلسفية وعلمية تتعلق بوجودنا ذاته. ليست الرواية مجرد مغامرة فضائية أو لقاء مع مخلوق من كوكب آخر، بل هي تأمل طويل في فكرة \"الآخر\"؛ ذلك الغريب الذي قد يكون من بعدٍ مختلف، لكنه يضعنا وجهاً لوجه أمام تساؤلات عن أنفسنا، عن إنسانيتنا، وعن موقعنا في هذا الكون الواسع.
اللغة التي استخدمها الكاتب هادئة ومشحونة بالتأمل، بعيدة عن الصخب، لكنها تفيض بالإثارة الفكرية. فهو لا يستعرض مجرد أحداث، بل يبني أجواءً نفسية، يملأها بالدهشة والقلق والتساؤل. يسأل: هل نحن فعلاً وحدنا؟ وإن لم نكن، فهل الزائر الغريب أكثر إنسانية منا أم أقل؟ هل نرحب بالاختلاف، أم نخافه؟
الرواية تتميز بسرد ذكي، لا يقدم الأجوبة الجاهزة، بل يفتح الباب للتأمل، ويُشرك القارئ في بناء المعنى. شخصيات الرواية رمزية وعميقة، تعكس صراع الإنسان الدائم بين البحث عن الحقيقة والخوف منها، بين اليقين والاحتمال.
\"زائر من بعد آخر\" عمل أدبي نادر في الخيال العلمي العربي، يجمع بين الغرابة والعمق، بين الفكر والعاطفة، ويستحق أن يُقرأ على أكثر من مستوى: كقصة، كرمز، وكمرآة للإنسان.
❞ مراجعة أدبية لرواية ˝زائر من بعد آخر˝ – بقلم القارئ:
في روايته ˝زائر من بعد آخر˝، يأخذنا الكاتب الأردني محمود عمر محمد جمعة في رحلة فريدة من نوعها، تتجاوز حدود الجغرافيا والخيال، لتُبحر في فضاءات فلسفية وعلمية تتعلق بوجودنا ذاته. ليست الرواية مجرد مغامرة فضائية أو لقاء مع مخلوق من كوكب آخر، بل هي تأمل طويل في فكرة ˝الآخر˝؛ ذلك الغريب الذي قد يكون من بعدٍ مختلف، لكنه يضعنا وجهاً لوجه أمام تساؤلات عن أنفسنا، عن إنسانيتنا، وعن موقعنا في هذا الكون الواسع.
اللغة التي استخدمها الكاتب هادئة ومشحونة بالتأمل، بعيدة عن الصخب، لكنها تفيض بالإثارة الفكرية. فهو لا يستعرض مجرد أحداث، بل يبني أجواءً نفسية، يملأها بالدهشة والقلق والتساؤل. يسأل: هل نحن فعلاً وحدنا؟ وإن لم نكن، فهل الزائر الغريب أكثر إنسانية منا أم أقل؟ هل نرحب بالاختلاف، أم نخافه؟
الرواية تتميز بسرد ذكي، لا يقدم الأجوبة الجاهزة، بل يفتح الباب للتأمل، ويُشرك القارئ في بناء المعنى. شخصيات الرواية رمزية وعميقة، تعكس صراع الإنسان الدائم بين البحث عن الحقيقة والخوف منها، بين اليقين والاحتمال.
˝زائر من بعد آخر˝ عمل أدبي نادر في الخيال العلمي العربي، يجمع بين الغرابة والعمق، بين الفكر والعاطفة، ويستحق أن يُقرأ على أكثر من مستوى: كقصة، كرمز، وكمرآة للإنسان.
❞ هي فرع الجغرافيا البشرية الذي يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالنظرية الاجتماعية بشكل عام وعلم الاجتماع بشكل خاص، الذي يتناول علاقة الظواهر الاجتماعية ومكوناتها المكانية. على الرغم من أن المصطلح نفسه له تقليد لأكثر من 100 عام، لا يوجد إجماع على محتواه الصريح.. ❝ ⏤جانيز فان كليف
❞ هي فرع الجغرافيا البشرية الذي يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالنظرية الاجتماعية بشكل عام وعلم الاجتماع بشكل خاص، الذي يتناول علاقة الظواهر الاجتماعية ومكوناتها المكانية. على الرغم من أن المصطلح نفسه له تقليد لأكثر من 100 عام، لا يوجد إجماع على محتواه الصريح. ❝
❞ الجغرافيا الكمية هي فرع من فروع الجغرافيا الذي يهتم بدراسة الظواهر الجغرافية التي يمكن قياسها وتحليلها باستخدام الأدوات والتقنيات الكمية مثل الإحصاء والرياضيات وتكنولوجيا المعلومات الجغرافية (GIS) ونظرية النُماء الرياضية. وتشمل مواضيع دراسة الجغرافيا الكمية المساحة والتغيرات الزمنية في تغطية الأرض والتركيب الديموغرافي والتنمية الاقتصادية وحركة السكان والظواهر الطقسية. ويستخدم هذا النهج الكمي لتحليل البيانات الجغرافية وتكوين نماذج تفسيرية لفهم تلك الظواهر بشكل أدق وأكثر دقة.. ❝ ⏤جانيز فان كليف
❞ الجغرافيا الكمية هي فرع من فروع الجغرافيا الذي يهتم بدراسة الظواهر الجغرافية التي يمكن قياسها وتحليلها باستخدام الأدوات والتقنيات الكمية مثل الإحصاء والرياضيات وتكنولوجيا المعلومات الجغرافية (GIS) ونظرية النُماء الرياضية. وتشمل مواضيع دراسة الجغرافيا الكمية المساحة والتغيرات الزمنية في تغطية الأرض والتركيب الديموغرافي والتنمية الاقتصادية وحركة السكان والظواهر الطقسية. ويستخدم هذا النهج الكمي لتحليل البيانات الجغرافية وتكوين نماذج تفسيرية لفهم تلك الظواهر بشكل أدق وأكثر دقة. ❝