█ حصريا تحميل كتاب مجاناً PDF اونلاين 2024
❞ لما كثر المدعون للمحبة ، طولِبوا بإقامة البينة على صحة الدعوى ، فلو يُعطى الناس بدعواهم ، لإدَّعى الخَلِيُّ حِرْفَةَ الشَّجِي، فتنوع المدعون في الشهود ، فقيل : لا تثبت هذه الدعوى إلَّا بِبينةٍ { قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ } ، فتأخر الخلقُ كُلُّهم ، وثبت أتباع الرسول ﷺ في أفعاله وأقواله وهديه وأخلاقه ، فطُولِبوا بعدالة البَيِّنة ، وقيل : لا تُقبَلُ العدالة إلَّا بتزكية { يُجهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائم } ، فتأخر أكثر المدعين للمحبة ، وقام المجاهدون ، فقيل لهم : إن نفوس المحبين وأموالهم ليست لهم ، فسلموا ما وقع عليه العقد ، ف { إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنةَ } ، وعقد التبايع يُوجِبُ التسليم من الجانبين ، فلما رأى التجارُ عظمة المشتري وقَدْرَ الثمن ، وجَلالَةَ قَدْرِ مَن جرى عقد التبايع على يديه ، ومقدار الكتاب الذي أثبت فيه هذا العقد ، عرفوا أن للسلعة قدراً وشأناً ليس لغيرها من السلع ، فرأوا مِن الخُسران البين والغَبْنِ الفاحش أن يبيعوها بثمن بَخْسٍ دَرَاهِمَ معدودة ، تذهب لذَّتُهَا وشهوتُهَا، وتبقى تَبِعَتُهَا وحسرتها ، فإن فاعل ذلك معدود في جملة السفهاء ، فعقدوا مع المشتري بيعةَ الرّضوان رضى واختياراً من غير ثبوت خيار ، وقالوا : والله لا نَقِيلُكَ ولا نَسْتَقِيلُكَ فلما تم العقد ، وسلموا المبيع ، قيل لهم : قد صارت أنفسكم وأموالكم لنا ، والآن فقد رددناها عليكم أوفر ما كانت وأضعاف أموالكم معها { وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا في سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ } ، لم نبتع منكم نفوسكم وأموالكم طلباً للربح عليكم ، بل ليظهر أثر الجود والكرم في قبول المعيب والإعطاء عليه أجل الأثمان ، ثم جمعنا لكم بين الثمن والمثمن ، تأمل قصة جابر بن عبد الله وقد اشترى منه بعيره ، ثم وفاه الثَمَنَ وزادَهُ ، ورَدَّ عليه البعير ، وكان أبوه قد قُتِلَ مع النبي صلى الله عليه وسلم في وقعة أحد ، فذكره بهذا الفعل حال أبيه مع الله ، وأخبره أنَّ الله أحياه ، وكلمهُ كَفَاحاً وقَالَ ( يَا عَبْدِي تَمَنَّ عَلَيَّ ) ، سبحان مَنْ عَظُمَ جوده وكرمه أن يُحيط به علم الخلائق ، فقد أعطى السلعة ، وأعطى الثمن ، ووفق لتكميل العقد ، وقبل المبيع على عيبه ، وأعاض عليه أجل الأثمانَ ، واشترى عبده نفسه بماله ، وجمع له بين الثمن والمُثَمَّنِ ، وأثنى عليه ، ومدحه بهذا العقد ، وهو سبحانه الذي وفقه له ، وشاءه منه . ❝