█ لما كان الحياء من شيم الأشراف وأهل الكرم والنفوس الزكية صاحبه أحسن حالا أهل الخوف ولأن الله ما يدل مراقبته وحضور القلب معه فيه تعظيمه وإجلاله ليس وازع فمن وازَعه قلبه حاضر مع العقوبة ومن الله والخائف مُراعٍ جانب نفسه وحمايتها والمُستَحيّي ربه ومُلاحظٍ عظمته وكلا المقامين مقامات الإيمان غير إن أقرب إلى مقام الإحسان وألصق به إذ أنزل منزلة كأنه يرى فنبعت ينابيع عين وتفجرت عيونها كتاب مدارج السالكين (ط العلمية) مجاناً PDF اونلاين 2024 هذا الكتاب هو خير كتب الإمام ابن القّيم وحسبنا تهذيب النفوس والأخلاق والتأدب بآداب المتقين الصادقين مما أوضح دلالة أنه أولئك المهتدين الذين طابت نفوسهم بتقوى فجاء ليسدّ الحاجة الماسّة إليه عصر المادة يجمع النشاط المادي عند الناس صفاء الأرواح وتقوى وتهذيب الأخلاق حتى يجعل للعرب والمسلمين فيما آتاهم الأسباب المادية والغنى والثراء الحاضر والمنتظر المستقبل حياة عزيزة كريمة آمنة ظل الإسلام والإمام القيّم كتابه ينبه أن كمال الإنسان إنما بالعلم النافع والعمل الصالح وهما الهدى ودين الحق وبتكميله لغيره هذين الأمرين وبالتوصية بالحق والصبر عليه وما إلا وليس ذلك بالإقبال القرآن وتفهمه وتدبره واستخراج كنوزه وآثاره فإنه الكفيل بمصالح العباد المعاش والمعاد والموصل لهم سبيل الرشاد فالحقيقة والطريقة والأذواق والمواجيد الصحيحة كلها لا تقبس مشكاته ولا تستثمر شجراته القيم كله بالكلام فاتحة وأم وعلى بعض تضمنته هذه السورة المطالب الرد جميع طوائف البدع والضلال منازل السائرين ومقامات العارفين والفرق بين وسائلها وغاياتها ومواهبها وكسبياتها وبيان يقوم مقامها يسد مسدها ولذلك لم ينزل تعالى التوراة الإنجيل مثلها ونظراً لأهمية فقد عمل تحقيقه حيث تم تخريج آياته وأهم أحاديثه والتعليق نصوصه بما يفيد المطالع فيها أعطى نبذة يسيرة عن الفرق الإسلامية ووقف المصطلحات الصوفية والفلسفية وإتماماً للنفع وضعت ترجمة لشيخ مستهل
❞ كلما كانت الأخلاق في صاحبها أكمل كانت حياته أقوى وأتم ، ولهذا كان خُلق ( الحياء ) مشتقا من ( الحياة ) إسما وحقيقة ، فأكمل الناس حياة أكملهم حياء ، ونقصان حياء المرء من نقصان حياته ، فإن الروح إذا ماتت لم تحس بما يؤلمها من القبائح ، فلا تستحي منها ، فإذا كانت صحيحة الحياة أحست بذلك فاستحيت منه ، وكذلك سائر الأخلاق الفاضلة والصفات الممدوحة تابعة لقوة الحياة ، وضدها من نقصان الحياة ، ولهذا كانت حياة الشجاع أكمل من حياة الجبان ، وحياة السخي أكمل من حياة البخيل ، وحياة الفطن الذكي أكمل من حياة الفدم البليد ، ولهذا كان الأنبياء أكمل الناس حياة حتى أن قوة حياتهم تمنع الأرض أن تبلي أجسامهم ، لأنهم كانوا أكمل الناس في هذه الأخلاق .
فأنظر الآن إلى حياة حلاف مهين هماز مشاء بنميم ، مناع للخير معتد أثيم ، عتل بعد ذلك زنيم ، وحياة جواد شجاع برٍ عادل عفيف محسن ، تجد الأول ميتا بالنسبة إلى الثاني . . ❝
❞ 《 إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ۚ 》.
فلما عرفوا عظمة المشتري ، وفضل الثمن ، وجلالة من جرى على يديه عقد التبايع ، عرفوا قدر السلعة ، وأن لها شأنا ، فرأوا من أعظم الغبن أن يبيعوها لغيره بثمن بخس ، فعقدوا معه بيعة الرضوان بالتراضي ، من غير ثبوت الخيار ، وقالوا : والله لا نُقيلك ولا نَستقيلك ، فلم تم العقد وسلموا البيع ، قيل لهم : مذ صارت نفوسكم واموالكم لنا رددناها عليكم أوفر ما كانت وأضعافها معها . ❝