تحتل المملكة العربية السعودية موقع الصدارة بين دول العالم الإسلامي، بفضل مكانتها الدينية، وأهميتها التاريخية والحضارية، ففيها قبلة المسلمين؛ حيث يتجه إليها المسلمون في صلاتهم كل يوم، كما أن أفئدة الملايين من البشر تهوي إلى مكة المكرمة لأداء الحج والعمرة.
وفي العصر الحديث، أصبحت المملكة الأنموذج للدولة الإسلامية، التي تأخذ بمستجدات الحضارة الحديثة، مع المحافظة على أصالتها وخصوصياتها، وتميز سياستها الداخلية والخارجية المبنية على دستور الشرع القويم.
وتتمتع المملكة، اليوم، بفضل سياستها الحكيمة بمركز ثقل عالمي، يؤهلها لممارسة دور ذي نفوذ وتأثير في مجريات السياسة والاقتصاد الدوليين، كما حققت خطط التنمية الخمسية؛ التي أخذت بها البلاد منذ ثلاثين عاماً مضت، طفرة من النهوض والإسراع بحركة النمو قل أن تتاح لكثير من البلدان، وقد اتجهت فيها أيدي البناء والتطوير، في سياسة متوازنة، إلى بناء المرافق والتجهيزات الأساسية، جنباً إلى جنب مع بناء الرجال وإعداد الأجيال.
وكان من أوائل اهتمامات الدولة، بعد ضم الحجاز سنة 1344هـ/1925م، العناية بحركة الفكر والتربية والتعليم، ورعاية طلاب العلم، حيث تم إنشاء أول مديرية عامة للمعارف، وتوالى افتتاح المدارس في مناطق المملكة، وتجهيزها، ومدها بالمدرسين من داخل البلاد وخارجها.
ومن أوائل المعاهد التي تم تأسيسها المعهد العلمي بمكة المكرمة عام 1345هـ /1926م، ومدرسة تحضير البعثات بمكة سنة 1355هـ/ 1936م، ودار التوحيد بالطائف سنة 1368هـ، كما تم نشر المعاهد العلمية والمدارس في مختلف المدن والمناطق.
وفي عام 1369هـ، أمر الملك عبدالعزيز بتأسيس كلية الشريعة في مكة المكرمة، لتصبح أولى المؤسسات التعليمية الجامعية إنشاءً في البلاد، ونواة لجامعة "أم القرى"، والكلية الأم فيها.
وتظل جامعة أم القرى، رغم حداثة قيامها في هيئتها وترسيمها الحالي، من أكثر الجامعات تميزا بحكم موقعها وعراقتها، فقد برزت جامعة أم القرى، كمؤسسة أكاديمية ذات سمعة علمية كبيرة في علوم الشريعة والتربية والدراسات الإسلامية، علاوة على التخصصات العلمية والتطبيقية الحديثة.
وقد مرت جامعة أم القرى منذ إنشاء أولى كلياتها بثلاث مراحل تاريخية:
المرحلة الأولى (1369-1391هـ):
تعود الانطلاقة الأولى لجامعة أم القرى إلى العام 1369هـ، حين أُسست كلية الشريعة كأول صرح في التعليم العالي بمفهومه الحديث في المملكة العربية السعودية، وفي عام 1372هـ، تم إنشاء معهد للمعلمين باسم "كلية المعلمين" استمرت إلى عام 1379هـ، ثم أسندت مهمة إعداد المعلمين لكلية الشريعة عام1381هـ، وسميت كلية الشريعة والتربية، وفي عام 1382هـ أُنشئت كلية التربية بمكة المكرمة مستقلة عن كلية الشريعة.
المرحلة الثانية (1391-1401هـ):
وهي مرحلة انضمام كليتي الشريعة والتربية إلى جامعة الملك عبدالعزيز بجدة، كشطر من الجامعة في مكة المكرمة، وتم في نهاية هذه المرحلة افتتاح كلية التربية بالطائف، وإضافة أقسام علمية جديدة، وإنشاء عدد من المراكز العلمية.
المرحلة الثالثة (جامعة أم القرى):
أدى قيام الجامعة في عام 1401هـ، بأمر من الملك خالد بن عبد العزيز، يرحمه الله، إلى انبثاق عدد من الكليات، كامتداد لأقسام الكليتين العتيقتين بها كلية الشريعة والدراسات الإسلامية وكلية التربية مع معهد اللغة العربية، حيث تم خلال العقد الأول من القرن الخامس عشر إنشاء خمس كليات، هي كلية الدعوة وأصول الدين، كلية اللغة العربية، كلية العلوم التطبيقية، كلية العلوم الاجتماعية، وكلية الهندسة والعمارة الإسلامية، بالإضافة إلى كلية التربية بالطائف التي افتتحت في عام 1400هـ، وبإنشاء كلية الطب والعلوم الطبية في عام 1416هـ بمكة، وتحويل عمادة خدمة المجتمع إلى كلية، أصبح عدد كليات هذه الجامعة اثنتي عشرة كلية، بالإضافة إلى معهد خاص بتعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها، ومعهد لأبحاث الحج، وتم افتتاح كلية للمجتمع بالباحة.
وأصبحت الجامعة تقدم مختلف أنواع التخصصات، وتمنح درجات البكالوريوس والدبلوم العالي والماجستير والدكتوراه في علوم الشريعة واللغة العربية والتربية، والعلوم الاجتماعية والتطبيقية والطب والهندسة.
وتضم الجامعة من الطلاب نحو ثلاثين ألف طالب وطالبة في مقر الجامعة بمكة، وتخصصات الكليات في هذه الجامعة في ازدياد، وهي بذلك تساهم في سد احتياجات المجتمع، ومتطلبات خطط التنمية من الدارسين المؤهلين للخدمة في مختلف المجالات.
وقد واكب قيام هذه الجامعة إقامة مباني المدينة الجامعية الجديدة، حيث اختيرت منطقة العابدية، جنوب شرقي مكة المكرمة المطلة على صعيد عرفات، موقعاً جديداً للجامعة، ووضع حجر الأساس لهذا المشروع العملاق خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز، يرحمه الله، عام 1406هـ، ويتوقع أن يتم إنجاز المرحلة الثانية قريباً.
وفي عام 1414هـ، انتقلت إلى المباني الجديدة في العابدية كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، وهي الكلية الرائدة في العلوم الشرعية، الحاصلة على الاعتماد الأكاديمي من رابطة العالم الإسلامي، وكلية الهندسة والعمارة الإسلامية، واحتلت كلية اللغة العربية مبنى ملحقاً، ثم انتقلت إلى مبنى آخر في نهاية 1420هـ.
وعند إنشاء كلية الطب والعلوم الطبية في عام 1417هـ، ألحقت بمبنى كلية الهندسة والعمارة الإسلامية بصفة مؤقتة، ثم استقلت بمبناها الجديد الذي أنجزت المرحلة الأولى منه في وقت قياسي.
وتتوزع مقرات الجامعة حالياً وكلياتها على ثلاثة مواقع في مكة المكرمة هي العزيزية، وبها مباني الإدارة العامة والعمادات المساندة، وبعض الكليات، ومعهد خادم الحرمين الشريفين لأبحاث الحج والعمرة، وكلية خدمة المجتمع، ومعهد البحوث العلمية.
والمقر الثاني بالزاهر يضم عمادة الدراسات الجامعية للطالبات ومباني كلياتها ومرافقها، بالإضافة إلى المدينة الجديدة في العابدية.