❞❝
❞ من رواية ˝يسرا البريطانية˝
طائر إلفينش
حطّ طائر صغير، بنافذتها عند تلك الصبيحة الرتيبة إثر ليلة ماطرة اشتدّ على إثرها البرد، لَوَن الأفق، شطر السماء لقطعتين من السحب أخذت الأولى شكل لسان نهر التيمز باللون الرصاصي القاتم، والقطعة الأخرى، شكل ورقة العنب المصفحة باللون الرصاصي المائل للسواد، ولأن الليل ما زال يطبع الوقت بصداه رغم بزوغ الفجر، فقد أيقظها صوت الطائر الشرشور، وذكرها بصوت الحسون الوردي الذي سافر معها من حافة سماء الزبير لأطراف برج الحمام بحلب، خيّل إليها أنه يحمل رسالة من جبار الشريف˝ ماذا يريد أن يوصل إلي هذا الحسون في هذا الوقت المُبكر من الفجر؟˝ تساءلت وهي تهم بترك النافذة التي يتسلل من أطرافها برد ˝كينغستون˝ لاحقها الكسل والبرد والشعور بالخمول، ودت لو يكون اليوم إجازتها لتبقى في الفراش تتأمل هذا الطائر الوحيد الضال وهو من فصيلة ˝الفينش˝ الانكليزي (finch) الشرشور بلونه البني القاتم، فيما مال لون ظهره للبني الفاتح وبرز صدره باللون البني الفاتح، أما أسفل بطنه الصغير المدبب فقد اكتسى باللون الكستنائي، بينما اتخذ رأسه اللون الرمادي، وبدا اللون الأسود يطبع منقاره وجناحيه، تأملته كما لو كان إنساناً راحلاً من موطن لآخر، ربما رسمت من خلاله رحلتها الطويلة من الزبير إلى حلب مروراً بالحدود التركية ثم البحرين ودبي وانتهاء ˝بكينغستون˝، كانت الصورة دقيقة وعميقة سبرت غور الأزمنة كلها وعبرت الأمكنة بمطاراتها وحدودها وحقائب وتأشيرات وما صاحبها من سجون وتحقيقات، اختزلت ذلك كله في دقائق الصباح، الذي رأت فيه هذا الطائر المرهق من أهوال الطقس وكأنه استقر في محطته عند نافذتها في هذا الوقت، شبهت رحلته برحلتها ابتسمت وهي تتأمله وودت لو تمسكه وتمسح عنه التعب.
عادت من الحمام لتزيح الستارة عن النافذة، فوجئت به منكمش وقد التحف البرد الذي لم يرغمه بالتوقف عن الزقزقة، كان صوته يخفت ويعود وكأنه يود التأكيد على صموده ˝ما الذي يرغمه على البقاء والتشبث بالنافذة؟˝ ارتدت روب الحمام الأبيض القطني الذي استعارته من الفندق، ونظرت للساعة التي كانت تشير إلى الخامسة وسبعة عشرة دقيقة . ❝
❞ رواية شاي مع ماريو فيتالي للكاتب البحريني أحمد جمعة.
بقلم/ شيرين رضا
العمل الروائي ما هو إلا نسيج لغوي تتشابك طبقاته حسب المقومات التي يتم بناء الصراع الدرامي عليها والتي من خلالها نرى ايديولوچية الرواية المعاصرة.
فبعض النصوص تأتي محملة بشفرات ودلالات عديدة، تضعنا أمام مناوئة حادة بيننا وبين أنفسنا، فنصارعها بعقل يقظ، يجعلنا نصل معها إلى النهاية. وقد امتاز العمل الروائي بحمله كافة الأسلحة المعرفية والثقافية، التي تحفو عقولنا للوصول إليها. ونحنُ بصدد عمل مغاير للاستنتاجات الأولى له حيث يضعنا أمام المعايير والسمات الوظيفية للنص الروائي.
ولكي نصل لتلك الأساسيات الوظيفية علينا دراسة أهم المقومات التي يرشدنا إليها النص والعناصر التي استنبطتها الرواية المعاصرة.
فصناعة العمل الروائي بحاجة لوحدات مترابطة من العناصر اللغوية والأسلوبية والصور الفنية التي ترسم ملامحها عن طريق الحبكة الدرامية.
شاي مع ماريو فيتالي هو عمل أدبي ذات وحدة متكاملة، ينتمي إلى منهجية النصوص الطويلة التي تملك دلالات زمانية ومكانية، وعناصر زاخرة بالمعطيات الدرامية والأسلوبية واللغوية للنص الدرامي، كما أمتلك طبيعة سردية شملت البُعد الاجتماعي لكل شخصية، وتصاعدها تدريجيا حيث استخدم الكاتب صيغة الفعل الماضي في السرد - انتقال الأحداث من زمان لمكان حسب التصاعد التدريجي لسلوك الشخصيات زائد المعطيات الفنية الخاصة بدراما العمل؛ فيقدم لنا دراسة كاملة لنص أدبي شمل داخله واحدة من لسانيات اللغة السردية.
ومن سمات العمل الروائي أنه يعمل على إعادة هيكلة النص السردي ويضع ضوابط تمكن القارئ من وقوفه على قارعة الطريق لينقل لنا صورة كاملة عن طريق إزالة العوائق التي تُحيل بينه وبين مفهومية النص . ❝
❞ من رواية ˝القرنفل التبريزي أبو العلاء المعري وخليله˝
- حدثني عن الشكّ أبي العلاء، أما زلتَ بين الريبة واليقين؟ يُخَيَّل إليّ أنك بمنعطف السبيل إلى السداد، وكم تستغرق سفرة بلوغ مرفأ الحقيقة؟
˝إنّ حزناً في ساعة الموت، أضعاف سرورٍ في ساعةِ الميلادِ، أمر الإله واختلف الناسُ، فداعٍ إلى ضلال وهادٍ، واللبيبُ اللبيبُ من ليس يغترُّ بكونٍ مصيره للفساد، يأتي على الخلق إصباحٌ وإمساء وكلّنا لصروف الدهر نسّاءٌ، نالوا قليلاً من اللذات وارتحلوا، فإذاً النعماء بَأْسَاءٌ˝✍️ . ❝