█ حصريا تحميل كتاب مجاناً PDF اونلاين 2024
❞ من يهرب من شيء تركه وراءه ، إلا القبر فما يهرب أحد منه إلا وجده أمامه ، فهو أبدا ينتظر غير متململ ، وأنت أبدا مُتقدم إليه غير متراجع ، وليس في السماء عنوان لما لا يتغير إلا اسم الله . وليس في الأرض عنوان لما لا يتغير إلا اسم القبر . ❝
❞ في سرّي أقسمْتُ يومًا سأهجرُ الرّبيعَ/ عصيْتُ قلبي/ خلعْتُ ثوبَ العطرِ/ محوتُ كلَّ الألوان/ ورحلْتُ في غربةٍ رماديّة/ ليلُ الغيابِ حرمَني النجوم/ صرتُ بلا عنوان/ أهملَتْني الفرحةُ/ فأنا روحٌ عاقّة/ وحين اشتقْتُ لعطري/ عتقَني قسمي/ همسَ لندمي ينتظرُكِ ربيعٌ جديد: إلهُ الياسمين عايَنَكِ/ وها أنا بشّوقٍ ناريٍّ أسير/ أه! ما أحلى الرّجوعَ إليَّ” . ❝
❞ بقيّ يراقب هاتفه، ينتظر رسالة منها، مرّت أكثر من عشر أيام على لقائهما وما إن بدأ ينسى الموضوع حتى داعبت بريده رسالة منها متكونة من كلمة واحدة:
- تتذكرني؟
عرفها على الفور، كانت تضع صورتها الشخصية تظهر فيها بابتسامتها العذبة، بدأ الحديث بينهما بمراسلات كتابية في مواضيع عديدة، منها الفن والتاريخ وإيجاد الذات ونظرتهما لمستقبل الوطن ولأحلامهما، تبادلا وجهات النظر، ثم بعدها تحول التواصل بينهما إلى مكالمات هاتفية، كانت تصغره بثلاثة أعوام، تنقلت مع والديها وأختها التي تصغرها من منزل إلى آخر حتى استقروا بمنزل مستأجر في حي قريب مني، كانت تتكلم بصوتٍ واثق وكان هو يحاول تنميق كلماته حتى يظهر أمامها بهيئة الشاب الواعي المتزن، تكررت المكالمات قبل أن يلتقيا مجددًا، شَعر وكأنها وسادة لروحه المثقلة بالذكريات، قصائد وكتب وفناجين قهوة لعزلته، أصبحت تخطر في باله طيلة اليوم، كل شيء يذكره فيها، يقضي وقته سارحًا، يرتب في مخيلته من كلماتها وبحة صوتها موعدًا بغداد أرضه ورمشها الأسمر شمسه، تقطع خطواتها تفكيره حين تصله رسالتها التي انتظرها طويلًا، تميل شفتاه نحو اليمين، يبتسم، فتغدو أقرب البعيدين، يجلس في صيدلية المستشفى، فتعود لتشاكس ذهنه بين كلمات الأغاني التي اعتاد الاستماع إليها وصار يتردد اسمها فيها بكثرة، حتى أسماء المحال التجارية فجأة تغيرت وأصبحت باسمها، باغتته دون مقدمات، أبهرته بشخصيتها وجمالها، كان وقعها على قلبه رقيقًا، أراد لقاءها في ساحات الاحتجاج، لكنها رفضت واختارت أن تلتقي به قبل ساعات عملها في مطعم قريب من المستشفى، انتظرها بشوق، رسم سيناريوهات الموعد الأول في رأسه، ساعة رملية حيرته، انتظرها رملة رملة، وضع يديه خلف ظهره ثم في جيبه، ارتجف، إلا أنّ ذلك البرد الذي أحس به اختفى حين سمع خطوات كعبها، حتى أنا شعرت بذلك الدفء الذي انتقل إلى صدره، بدا ذلك في عينيه، نظر إليها مطولًا كما لو أنّه يود حفظ كل تفصيلة منها قبل مغادرتها، طالعها بنظرة لا أنساها، كانت كوقع موسيقى يضيف لحياة الرتابة التي يعيشها بهجة، عرف من الفراشات التي تتراقص في معدته؛ أنَّ الحب آتٍ لا محالة، تساءلتُ كيف سيشعر إذًا قبلها؟ . ❝
❞ رواية
الحوش الكبير
أن تعود إلى الحياة مرة أخرى بعد أن تختبر الموت اختباراً حقيقياً، تلمسه تستنشق رائحته حتى تتمكن روحك من استخلاص معناه، واستحضاره في أي وقت تريده؛ حينها تدرك قيمة الهواء البارد الذي يتسلل إلى صدرك، ودفْء الشمس على وجهك ولمعانها في صباح ذهبي جميل، وستطرب لصوت الطيور الذي لم تكن تلحظه سابقاً، بل وستنتشي بحركات جسدك الرشيقة التي لم تنتبه لها ولو لمرة واحدة بعمرك السابق. نعم يخفض الموت كل ما هو مزيف ويرفع كل أصيل.
ما إن فتحت عينيّ حتى تفجرت الحركة في المكان، الكل يسعى هنا وهناك يسعفونني ويفحصون كلَّ ملليمترٍ بجسدي.. وما إن اطمأنوا على كل شيء حتى راحوا يجهزونني، ويذكرونني بأنني على موعد في الرابعة عصراً مع السيد عمار. وأنه ينتظرني باهتمام بالغ...
لا أدري من يكون السيد عمار هذا؟ وما علاقتي به من الأساس!! بل وكيف جئت إلى هنا؟ لا أدري شيئاً!!
كانت الواحدة ظهراً حين أفقت. وما أن دقّت الرابعة حتى جاء رجلان تعلو وجهيهما ابتسامتان صافيتان، ولكنهما لا تحملان أي معنى. يرتديان ملابسَ رسمية مرتبة، وتعاملا معي بغاية الاحترام والحزم..
وبالرغم من أنهما لم يجيبا على أيٍّ من أسئلتي؛ إلا أنهما كانا يقتاداني إلى لقاء (السيد عمار) بهدوء ورزانة، وكأنه مصيرٌ محتومٌ لا مهرب منه..
كان رواقاً ممتداً وإضاءة ناعمة وكأنني بقصر كبير. ولم أستشعر أو أتقبل أبداً أن يكون هذا المكان مشفى، أو وحدة علاجية. لكنه وبرغم كل شيء ظل مكاناً مألوفاً للغاية ويشعرني بالأمان بطريقة ما.
محمد السيد رحمه . ❝