❞ \" ربما تعلمون أنني تزوجت مرتين ، وكان الطلاق هو النهاية في كل مرة .. إن الرجال لا يحتملون المرأة التي تطالب ألا تعامل کامرأة ..
هاك يا صغيرتي ما سيحدث :
سیجلس معك ، ويكلمك عن ( سارتر) وعن الوجودية، ويتلو أبياتاً من شعر ( لوركا) ، ويقول لك كلاماً كثيراً عن انبهاره بعقلك ، وأنه - للمرة الأولى - يلقي المرأة التي تبدو كامرأة ، وتفكر كرجل ..
سيقول إن حياتك معه لن تختلف عن سلسلة من الأعياد الفكرية والمهرجانات العقلانية .. لقد حان الوقت لفهم ذلك الكائن المدعو ( حواء ) حق الفهم ..
سيقول هذا وأكثر يا فتاة ، ولسوف تصدقين ..
کیف لا تصدقين هذه الكلمات من رجل رزين أنيق في منتصف العمر ، عرك الحياة وعركته ؟
ولن يمر وقت طويل حتى تجلسی جواره في ( الكوشة) - إلى يمينه على وجه الدقة - وأنت
تحلمين كمراهقة صغيرة ..
بعد أشهر - لو حالفك الحظ - ستدركين الحقيقة ..
إن الجمال عند الرجل أهم من أي عقل .. طبق الفول بالزيت على مائدة الإفطار أهم من كل كتابات ( سيمون دي بوفوار ) .. مباراة الأهلي والزمالك أهم من ندوة شعرية يتكلم فيها ( أبو العلاء المعري ) شخصياً لو أمكن هذا ..
تدريجياً تدركين أبعاد الخدعة ، وتدركين أن الدور المختار لك هو دور الزوجة لا أكثر ولا أقل ..
ستئورين يا فتاة .. لكنك ستتلقين كلمات قاسية جداً ، ربما بعض الصفعات كذلك لو كان زوجك شرساً مثل زوجي الثاني ..
ستكون معاناة طويلة ، حتى يتم الطلاق ، بعدها تقررين ألا تكرري الخطأ ذاته .. لكن سرعان ما يظهر رجل رزين أنيق في منتصف العمر ، يحدثك عن ( سارتر ) ويتلو عليك شعر ( لوركا ) ..
عندها تقولين لنفسك : لعل الأمر مختلف هذه المرة ؟
تم زواجي الثاني في بداية الشتاء ..
بعدها رحلت مع زوجي ( هشام ) - وهو صحفي كما تعلمون - إلى شاليه في ( بلطيم ) يملكه أحد أصدقائه .. وكانت ( بلطيم ) في هذا الوقت شبه خالية من الشاليهات والمصطافين كذلك ، لأننا كنا في الشتاء ، وحتى في فصل الصيف كانت الإسكندرية - خاصة ( العجمي ) - هي المصيف المرموق الذي يحلم به الجميع ..
كان الشاليه يتكون من أربع غرف .. اثنتان منهما موصدتان بالمفتاح ، وقد تركت لنا غرفتان هما كافيتان تماماً ..
وضعنا حقائبنا .. وقررنا الخروج للنزهة على الشاطئ .. بالطبع ارتدي كل منا ثياباً شتوية ثقيلة ، فالطقس لم يكن يسمح بالمزاح.. وكانت الأمواج ثائرة كأنما ضاقت بالبحر المتوسط، وودت لو فتح لها أحدهم الباب إلى المحيط ..
مشينا بضع دقائق ، وفي نفس كل منا شك لا يعترف به : هذه العطلة لن تكون ناجحة جداً .
صحيح أننا متفردان .. تنائينا عن القطيع .. لكن كل هذا الفراغ الأثيري لم يكن ليناسبنا حقاً ..
لقد أنهينا أكثر ما لدينا من كلمات وملاحظات ودعابات ، ونحن نمشي متشابكى اليدين بمحاذاة الشاطئ .. خمس دقائق لا أكثر .. والمفترض أن لدينا أسبوعاً كاملاً ، فماذا نعمل فيه ؟
السماء مكفهرة تنذر بالويل ، والبرد قارس وهدير الأمواج يقتل كلماتك ما إن تغادر فاك قلت له بعد ما حاولت إشعال لفافة تبغ ست مرات :
- « فلنعد إلى الشاليه .. »
عدنا إلى الشاليه فتناولنا غذاءنا من المعلبات في صمت .. لاحظت في اشمئزاز أن ( هشام ) يملأ فمه بالطعام كالخرتيت قبل أن يبتلعه .. كان يأكل برقة العصافير حينما كان يخطب ودي ، وكان يقضم حبة العنب على ست مرات .. وبدأت أشم رائحة التحول إياها ..
صارحته بهذا ، فابتسم ولم يعلّق ..
بعد الغداء لاحظت أنه يسلك أسنانه بعود ثقاب ، ولما فشل مزق قطعة خيط من كم منامته وراح يمررها بين الأسنان وبعضها ، على سبيل ال (Floss) المرتجل..
صارحته بهذا ، فابتسم ولم يعلّق ..
أحضر جهاز الد( بيك أب ) ، ووضعه على المنضدة ، ثم انتقى أسطوانة لمطربة شابة اشتهرت بأغانيها عديمة المعنى ، وكنت قد جئت بعدة ألبومات لـ ( فاجنر ) و ( جانیس جوبلن ) ..
صارحته بهذا ، فابتسم ولم يعلّق ..
أدرت أسطوانة لـ ( فاجنر ) ، وجلست منتظرة أن يبدأ في الحديث الرومانسي معي ، لا سيما لو كان ذا طابع ثقافي .. لكنه راح يحكى دعابات سمجة عن الحموات الشرسات ، والزوجات المتسلطات ، حاسباً أن هذا يجعله أقرب لقلبي ، وينهي كل دعابة بـ ( هاع هاع هاع هاع ! ) ..
صارحته بهذا ، فابتسم ولم يعلّق ..
جلس بمنامته ورفع قدماً يريحها على المقعد ، ثم راح يعبث في أصابع قدميه باستمتاع كما يحب الرجال أن يفعلوا ..
صارحته بهذا ، فانفجر في ..
قال لي إنه لم يتلق كل هذا القدر من الانتقادات منذ كان طفلاً في الرابعة من عمره ، وإن أمه لم تبذل كل هذا الجهد التربوي معه، وإنني بالتأكيد إنسانة متسلطة قررت أن تتحكم في كل التفاصيل ، في أول نصف ساعة من حياتنا الزوجية ..
راق لي هذا .. فالحرب هي أرضى التي أشعر فيها براحة حقيقية ..
- «من منكم يدنو .. أو يجسر ؟ »
بدأت معركتنا الأولى ، ولم تكن عنيفة جداً بطبيعة الحال ، لكنها انتهت به صامتاً كالأسماك و بي أشعل لفافة تبغ في عصبية ..
وفي المساء تشاجرنا ثانية مع صوت الأمواج ..
في الصباح لاحظت في ضيق أنه يريد أن يلتهم الإفطار دون أن يغسل وجهه ، وهكذا تشاجرنا مرة ثالثة ..
عند الظهيرة تشاجرنا بعنف ، لأنه يريد أن يخرج النزهة ، بينما أنا مصرة على أن نجلس ونستمع لـ ( فاجنر ) ، والأدهى أنه دعا بخراب بيت ( فاجنر ) وكل أحفاد ( فاجنر ) إلى يوم الدين ..
- « من فضلك .. أريدك أن تكون متحضرا
لا أسمح لك بسب ( فاجنر ) ! »
- « هذا خير من أن أسبك أنت أيتها المتسلطة ! »
وغادر الشاليه غاضباً ، والحقيقة هي أننا أحرزنا سبقاً هائلاً في عصر السرعة هذا .. لقد حققنا خلال أربع وعشرين ساعة من الجفاء والنفور ما يحققه سوانا في عشر سنوات !
الشاعرة / نادية فهيم
- قصة : مع الحطمة. ❝ ⏤أحمد خالد توفيق
❞ ربما تعلمون أنني تزوجت مرتين ، وكان الطلاق هو النهاية في كل مرة . إن الرجال لا يحتملون المرأة التي تطالب ألا تعامل کامرأة .
هاك يا صغيرتي ما سيحدث :
سیجلس معك ، ويكلمك عن ( سارتر) وعن الوجودية، ويتلو أبياتاً من شعر ( لوركا) ، ويقول لك كلاماً كثيراً عن انبهاره بعقلك ، وأنه - للمرة الأولى - يلقي المرأة التي تبدو كامرأة ، وتفكر كرجل .
سيقول إن حياتك معه لن تختلف عن سلسلة من الأعياد الفكرية والمهرجانات العقلانية . لقد حان الوقت لفهم ذلك الكائن المدعو ( حواء ) حق الفهم .
سيقول هذا وأكثر يا فتاة ، ولسوف تصدقين .
کیف لا تصدقين هذه الكلمات من رجل رزين أنيق في منتصف العمر ، عرك الحياة وعركته ؟
ولن يمر وقت طويل حتى تجلسی جواره في ( الكوشة) - إلى يمينه على وجه الدقة - وأنت
تحلمين كمراهقة صغيرة .
بعد أشهر - لو حالفك الحظ - ستدركين الحقيقة .
إن الجمال عند الرجل أهم من أي عقل . طبق الفول بالزيت على مائدة الإفطار أهم من كل كتابات ( سيمون دي بوفوار ) . مباراة الأهلي والزمالك أهم من ندوة شعرية يتكلم فيها ( أبو العلاء المعري ) شخصياً لو أمكن هذا .
تدريجياً تدركين أبعاد الخدعة ، وتدركين أن الدور المختار لك هو دور الزوجة لا أكثر ولا أقل .
ستئورين يا فتاة . لكنك ستتلقين كلمات قاسية جداً ، ربما بعض الصفعات كذلك لو كان زوجك شرساً مثل زوجي الثاني .
ستكون معاناة طويلة ، حتى يتم الطلاق ، بعدها تقررين ألا تكرري الخطأ ذاته . لكن سرعان ما يظهر رجل رزين أنيق في منتصف العمر ، يحدثك عن ( سارتر ) ويتلو عليك شعر ( لوركا ) .
عندها تقولين لنفسك : لعل الأمر مختلف هذه المرة ؟
تم زواجي الثاني في بداية الشتاء .
بعدها رحلت مع زوجي ( هشام ) - وهو صحفي كما تعلمون - إلى شاليه في ( بلطيم ) يملكه أحد أصدقائه . وكانت ( بلطيم ) في هذا الوقت شبه خالية من الشاليهات والمصطافين كذلك ، لأننا كنا في الشتاء ، وحتى في فصل الصيف كانت الإسكندرية - خاصة ( العجمي ) - هي المصيف المرموق الذي يحلم به الجميع .
كان الشاليه يتكون من أربع غرف . اثنتان منهما موصدتان بالمفتاح ، وقد تركت لنا غرفتان هما كافيتان تماماً .
وضعنا حقائبنا . وقررنا الخروج للنزهة على الشاطئ . بالطبع ارتدي كل منا ثياباً شتوية ثقيلة ، فالطقس لم يكن يسمح بالمزاح. وكانت الأمواج ثائرة كأنما ضاقت بالبحر المتوسط، وودت لو فتح لها أحدهم الباب إلى المحيط .
مشينا بضع دقائق ، وفي نفس كل منا شك لا يعترف به : هذه العطلة لن تكون ناجحة جداً .
صحيح أننا متفردان . تنائينا عن القطيع . لكن كل هذا الفراغ الأثيري لم يكن ليناسبنا حقاً .
لقد أنهينا أكثر ما لدينا من كلمات وملاحظات ودعابات ، ونحن نمشي متشابكى اليدين بمحاذاة الشاطئ . خمس دقائق لا أكثر . والمفترض أن لدينا أسبوعاً كاملاً ، فماذا نعمل فيه ؟
السماء مكفهرة تنذر بالويل ، والبرد قارس وهدير الأمواج يقتل كلماتك ما إن تغادر فاك قلت له بعد ما حاولت إشعال لفافة تبغ ست مرات :
- « فلنعد إلى الشاليه . »
عدنا إلى الشاليه فتناولنا غذاءنا من المعلبات في صمت . لاحظت في اشمئزاز أن ( هشام ) يملأ فمه بالطعام كالخرتيت قبل أن يبتلعه . كان يأكل برقة العصافير حينما كان يخطب ودي ، وكان يقضم حبة العنب على ست مرات . وبدأت أشم رائحة التحول إياها .
صارحته بهذا ، فابتسم ولم يعلّق .
بعد الغداء لاحظت أنه يسلك أسنانه بعود ثقاب ، ولما فشل مزق قطعة خيط من كم منامته وراح يمررها بين الأسنان وبعضها ، على سبيل ال (Floss) المرتجل.
صارحته بهذا ، فابتسم ولم يعلّق .
أحضر جهاز الد( بيك أب ) ، ووضعه على المنضدة ، ثم انتقى أسطوانة لمطربة شابة اشتهرت بأغانيها عديمة المعنى ، وكنت قد جئت بعدة ألبومات لـ ( فاجنر ) و ( جانیس جوبلن ) .
صارحته بهذا ، فابتسم ولم يعلّق .
أدرت أسطوانة لـ ( فاجنر ) ، وجلست منتظرة أن يبدأ في الحديث الرومانسي معي ، لا سيما لو كان ذا طابع ثقافي . لكنه راح يحكى دعابات سمجة عن الحموات الشرسات ، والزوجات المتسلطات ، حاسباً أن هذا يجعله أقرب لقلبي ، وينهي كل دعابة بـ ( هاع هاع هاع هاع ! ) .
صارحته بهذا ، فابتسم ولم يعلّق .
جلس بمنامته ورفع قدماً يريحها على المقعد ، ثم راح يعبث في أصابع قدميه باستمتاع كما يحب الرجال أن يفعلوا .
صارحته بهذا ، فانفجر في .
قال لي إنه لم يتلق كل هذا القدر من الانتقادات منذ كان طفلاً في الرابعة من عمره ، وإن أمه لم تبذل كل هذا الجهد التربوي معه، وإنني بالتأكيد إنسانة متسلطة قررت أن تتحكم في كل التفاصيل ، في أول نصف ساعة من حياتنا الزوجية .
راق لي هذا . فالحرب هي أرضى التي أشعر فيها براحة حقيقية .
- «من منكم يدنو . أو يجسر ؟ »
بدأت معركتنا الأولى ، ولم تكن عنيفة جداً بطبيعة الحال ، لكنها انتهت به صامتاً كالأسماك و بي أشعل لفافة تبغ في عصبية .
وفي المساء تشاجرنا ثانية مع صوت الأمواج .
في الصباح لاحظت في ضيق أنه يريد أن يلتهم الإفطار دون أن يغسل وجهه ، وهكذا تشاجرنا مرة ثالثة .
عند الظهيرة تشاجرنا بعنف ، لأنه يريد أن يخرج النزهة ، بينما أنا مصرة على أن نجلس ونستمع لـ ( فاجنر ) ، والأدهى أنه دعا بخراب بيت ( فاجنر ) وكل أحفاد ( فاجنر ) إلى يوم الدين .
- « من فضلك . أريدك أن تكون متحضرا
لا أسمح لك بسب ( فاجنر ) ! »
- « هذا خير من أن أسبك أنت أيتها المتسلطة ! »
وغادر الشاليه غاضباً ، والحقيقة هي أننا أحرزنا سبقاً هائلاً في عصر السرعة هذا . لقد حققنا خلال أربع وعشرين ساعة من الجفاء والنفور ما يحققه سوانا في عشر سنوات !
الشاعرة / نادية فهيم
❞ *\"خطوات مائلة\"*
في يومٍ مليء بالاحتفالات والمهرجانات التي تعلو أصواتها في المدينة، تتقدم فرقة مسرحية مكونة من رجلين وامرأة، تتناغم خطواتهم على المسرح الخشبي المتين، خطوة تلو الأخرى بشكلٍ متناسق ومستدير خلف الستائر الحمراء التي تزهو وتنير المكان بأكمله، تأسر عيون الجميع، وتعمل على راحة عيونهم، تقف المرأة في المنتصف، والرجلين على جانبيها تحرك يداها للأعلى، وتفعل حركاتها الجميلة التي تجذب الجمهور إلى عرضها، تستدير بخفة، وكأنها تفعل ذلك منذ ولادتها، وفي الجانب الأيسر يقف ذلك الشاب ويستخدم المظلة في عرضه وكأنه يحارب بها أعداءه، لم يكن بالسهولة وقوفهم على تلك الخشبة؛ فتلك الخطوات تحتاج إلى الاتزان فلو فقدوه؛ لتحطم كل شيء، ينتقل الجمهور بنظرهم إلى ثالثهما، كان يميل بيديه، ويحرك قدميه باعوجاج، يرتدي قبعة سوداء تملأ رأسه بأكملها لا يظهر منها شيء، كان ذلك العرض رائعًا للغاية، يعملون بروح واحدة، وامتزاج يظهر تعاونهم، وتجانس أرواحهم؛ لتعلن الموسيقى عن انتهائها، ويصفق الجميع بحرارة لهم ولتفوقهم، وينتهي ذلك بانبهار الناس على ما فعلوه، ويحصلون على التهاني والتسليم الحار.
لـ/ إنجي محمد \"بنت الأزهر\". ❝ ⏤گ/انجى محمد "بنت الأزهر"
❞*˝خطوات مائلة˝*
في يومٍ مليء بالاحتفالات والمهرجانات التي تعلو أصواتها في المدينة، تتقدم فرقة مسرحية مكونة من رجلين وامرأة، تتناغم خطواتهم على المسرح الخشبي المتين، خطوة تلو الأخرى بشكلٍ متناسق ومستدير خلف الستائر الحمراء التي تزهو وتنير المكان بأكمله، تأسر عيون الجميع، وتعمل على راحة عيونهم، تقف المرأة في المنتصف، والرجلين على جانبيها تحرك يداها للأعلى، وتفعل حركاتها الجميلة التي تجذب الجمهور إلى عرضها، تستدير بخفة، وكأنها تفعل ذلك منذ ولادتها، وفي الجانب الأيسر يقف ذلك الشاب ويستخدم المظلة في عرضه وكأنه يحارب بها أعداءه، لم يكن بالسهولة وقوفهم على تلك الخشبة؛ فتلك الخطوات تحتاج إلى الاتزان فلو فقدوه؛ لتحطم كل شيء، ينتقل الجمهور بنظرهم إلى ثالثهما، كان يميل بيديه، ويحرك قدميه باعوجاج، يرتدي قبعة سوداء تملأ رأسه بأكملها لا يظهر منها شيء، كان ذلك العرض رائعًا للغاية، يعملون بروح واحدة، وامتزاج يظهر تعاونهم، وتجانس أرواحهم؛ لتعلن الموسيقى عن انتهائها، ويصفق الجميع بحرارة لهم ولتفوقهم، وينتهي ذلك بانبهار الناس على ما فعلوه، ويحصلون على التهاني والتسليم الحار.
❞ استمرت الثقافة النوبية تطلّ في رواية \"زلنبح\" برأسها بشكل ضمني غير مباشر، إذ تخلّل النسيج الروائي بعض الطقوس التي طالما اهتم واحتفى بها المجتمع النوبي، مثل الرقص والأعياد والمهرجانات والأعراس. أما اللغة التي اعتمدها الكاتب، فكانت الفصحى السلسة شديدة العذوبة كثيفة الدلالة، كما كانت دائماً في كل نصوص حجاج أدول وكان يبرز دوماً خلالها ارتفاع الحس الإنساني الذي يعبّر بصورة أو بأخرى عن المجتمع النوبي ويميّز أهله بشكل خاص.. ❝ ⏤حجاج حسن محمد
❞ استمرت الثقافة النوبية تطلّ في رواية ˝زلنبح˝ برأسها بشكل ضمني غير مباشر، إذ تخلّل النسيج الروائي بعض الطقوس التي طالما اهتم واحتفى بها المجتمع النوبي، مثل الرقص والأعياد والمهرجانات والأعراس. أما اللغة التي اعتمدها الكاتب، فكانت الفصحى السلسة شديدة العذوبة كثيفة الدلالة، كما كانت دائماً في كل نصوص حجاج أدول وكان يبرز دوماً خلالها ارتفاع الحس الإنساني الذي يعبّر بصورة أو بأخرى عن المجتمع النوبي ويميّز أهله بشكل خاص. ❝
❞ لماذا الكوارث..
إن كل ما بالعالم من كوارث وازمات ومحن وحروب ومجاعات ينبع من اصل واحد هو أزمة الضمير الإنسانى وما أصابه.
إن السماء لن تجود بالماء ولا الأرض بالحياة وأبناؤها يسفحون عليها الدم
بغيا وجورا على بعضهم البعض فخالق الأرض وما تثمر من غلات هو الله وحده وبيده مرفق المياه الذى ينساب من السماء كما أن بيده تغوير المياه الجوفية التى تخرج من الأرض وهو قد جعل الاجتهاد سببا فى الرزق كما جعل الطاعة والتقوى والمحبة مؤهلات أكبر خطرا ..
ولا شك أن الشرور والمحن التى تغرق الأرض يواكبها على الناحية الاخرى موجات الكفر والشرك والوثنية والتدهور الخلقى وتفكك الأسرة وطغيان الظلم وغلبة الشهوات المادية على كل القيم والاعتبارات ..حتى فى البلاد التى عرفت بتراثها العريق فى الدين والتدين قد انحسر الآن إلى مجرد شكليات دينية فى حين انحرف السلوك إلى مادية مسرفة وراح الكل يتسابق إلى الكسب المادى والثراء العاجل على حساب جميع القيم الدينية.
وإذا كان ما يجرى فى أثيوبيا بسبب القحط والجفاف من موت الملايين جوعا وعطشا يذيب الفؤاد حسرة وألما ..فإن ماجاء فى تقرير لجنة المعونة البريطانية لأثيوبيا يستوقف النظر فقد جاء فى التقرير أن المعونة لا تصل إلى المستحقين وأنها تمنع عن القرى التى بها ثوار وأن هذه القرى تترك ليفترسها الجوع والعطش بينما تذهب المعونة إلى الجيش وإلى القوات الحكومية ويعلق التقرير على البذخ والملايين والدولارات التى انفقتها الحكومة فى الاحتفال بأعياد الاشتراكية وفى الولائم والمسيرات الشبابية والمهرجانات فى اديس أبابا بينما الفلاحون يموتون هم وبهائهم جوعا وعطشا فى القرى الاثيوبية وهو كلام يقال فى مواطن كثيرة ولدول كثيرة من العالم وليس لاثيوبيا وحدها.
إن الخير وحتى الخير البحت الذى ينبع من الضمير لا يوزع بضمير ويظل المبدأ هو نفس المبدأ ..أنا آكل وخصمى فى الرآى يموت..
ماذا يتوقع فى عالم كهذا..
إن ما يجرى داخل الاسرة وداخل الوطن من مظالم يظهر مكبرا على مساحة العالم كله ثم يعود فيظهر مترجما فى احداث وازمات وحروب ومحن واوبئة ومجاعات.
بل أن ما يجرى فى ضمير الفرد من صراع وما تسكن رأسه من خواطر وما تتنازعه من رغبات هو المفتاح للمشكلة كلها..
وإذا كان البحر تلوث ..فقد تلوث بنا نحن وبما أفرزناه فيه.
إن فضلات أفكارنا ورغباتنا هى التى صنعت كل هذا ..
سمعت الرجل يلوم زوجته ويلقى براسها وعلى النساء جميعا ما بالعالم من بؤس..فهى لا ترضى ولا تشبع ولا تكف عن الطلب وهى كرباج لا يكف ولا ينزل على ظهرة ليجرى ويهرول ويسعى إلى السوق لتنفق ماجمع وتطلب المزيد ولا هامش ليدها للاكتفاء.
وإذا صدق الرجل فى شكواه فهو ملوم هو الآخر مثل زوجته فيبدو أنه لا هامش ليده للخضوع والرضوخ والضعف والاستكانة ..فهو ملوم لضعفه بمثل ماهى ملومة لضغيانها ولن تكون الذرية التى ينجبها الاثنان إلا استمرارا لهذه العيوب وتضخيمها لها مع مرور الوقت ..وهكذا تتفاقم العيوب بمثل ما تتضاعف الأرقام فى متوالية حسابية..وتتدهور الأجيال ويتدهور النتاج الإنسانى فنا وفكراً وسياسة..ومع الوقت لن يكون التقدم العلمى فى مثل هذه المجتمعات حسنة بل عيبا لأنه سيضع فى يد هؤلاء الضعاف وسيلة دمار كلية يقضون بها على كل شئ وينسفون بها كل ما كسبه أجدادهم من تراث الحضارة وا بنوه وما شيدوه بعرقهم ودمائهم.
إن العلم سوف يسلح الحماقة.
وطاقة الذرة سوف تكون ذراعا للطغيان وأداة لحب السيطرة.
والصاروخ سوف يكون أداة للقهر والاستبداد.
وسوف تتجسد المأساة فى هذا المسخ الشائه الذى له ذراعا شمشون والذى له ضمير وغد محتال.
ولكنا جميعا وضعنا بذرة هذا المسخ ونحن جميعا أنجبناه وربيناه.
ولايملك أحدنا أن يبرئ نفسه.
وقديما قال عمر بن الخطاب (لو عثرت دابة فى العراق لرأيت نفسى مسئولا عما حدث لها ) وهى قولة حق ..فما يجرى فى أى مجتمع هو محصلة أفعال أفراده وكل منهم مسئول بحسب مكانه تصاعديا من القاعدة إلى القمة.
إن ما يحدث لنا هو نحن وكل واحد لا يقابل فى الطريق إلا نفسه..
المجرم تتسابق إليه مناسبات الاجرام والفاضل الخير تتسابق إليه مناسبات الخير والعطاء.
وبمثل ما تجود أيدينا تجود أرضنا وتجود سماؤنا لأن الذى خلق الكون خلق له قوانين الحافظة التى يزدهر بها طالما كان ناميا والقوانين الهادمة له إذا دب فيه الفساد ونخر فيه السوس.
وبيئة المجتمع مثل بنية الجسم هى فى نماء واذدهار طالما غلبت فيها عوامل الانسجام والنظام والصحة فإذا غلب الاضراب والفوضى والمرض تداعب إلى تراب.
فلا تلوموا القدر ولا تحتجوا على السماء ولا تقولوا ظلمنا ربنا بهذه الكوارث..
بل قولوا ربنا ظلمنا أنفسنا..
ولينظر كل منا ماذا يفعل فى دولة نفسه وإلى أى جانب من رغباته ينحاز..إلى لذاته العاجلة وإلى منفعته الذاتية أم إلى نجدة المحروم ونصرة الضعيف..
إلى الأصنام المادية يتوجه؟؟!أم إلى القيم ..أم إلى الرب القيم ثم لينظر ماذا يفعل لا ماذا يقول ..
وماذا يخفى لا ماذا يعلن ..
وحينئذ سيعرف الجواب على سؤاله
لماذا كل هذه الكوارث .. !
من كتاب : نار تحت الرماد
الدكتور : مصطفى محمود (رحمه الله ). ❝ ⏤مصطفى محمود
❞ لماذا الكوارث.
إن كل ما بالعالم من كوارث وازمات ومحن وحروب ومجاعات ينبع من اصل واحد هو أزمة الضمير الإنسانى وما أصابه.
إن السماء لن تجود بالماء ولا الأرض بالحياة وأبناؤها يسفحون عليها الدم
بغيا وجورا على بعضهم البعض فخالق الأرض وما تثمر من غلات هو الله وحده وبيده مرفق المياه الذى ينساب من السماء كما أن بيده تغوير المياه الجوفية التى تخرج من الأرض وهو قد جعل الاجتهاد سببا فى الرزق كما جعل الطاعة والتقوى والمحبة مؤهلات أكبر خطرا .
ولا شك أن الشرور والمحن التى تغرق الأرض يواكبها على الناحية الاخرى موجات الكفر والشرك والوثنية والتدهور الخلقى وتفكك الأسرة وطغيان الظلم وغلبة الشهوات المادية على كل القيم والاعتبارات .حتى فى البلاد التى عرفت بتراثها العريق فى الدين والتدين قد انحسر الآن إلى مجرد شكليات دينية فى حين انحرف السلوك إلى مادية مسرفة وراح الكل يتسابق إلى الكسب المادى والثراء العاجل على حساب جميع القيم الدينية.
وإذا كان ما يجرى فى أثيوبيا بسبب القحط والجفاف من موت الملايين جوعا وعطشا يذيب الفؤاد حسرة وألما .فإن ماجاء فى تقرير لجنة المعونة البريطانية لأثيوبيا يستوقف النظر فقد جاء فى التقرير أن المعونة لا تصل إلى المستحقين وأنها تمنع عن القرى التى بها ثوار وأن هذه القرى تترك ليفترسها الجوع والعطش بينما تذهب المعونة إلى الجيش وإلى القوات الحكومية ويعلق التقرير على البذخ والملايين والدولارات التى انفقتها الحكومة فى الاحتفال بأعياد الاشتراكية وفى الولائم والمسيرات الشبابية والمهرجانات فى اديس أبابا بينما الفلاحون يموتون هم وبهائهم جوعا وعطشا فى القرى الاثيوبية وهو كلام يقال فى مواطن كثيرة ولدول كثيرة من العالم وليس لاثيوبيا وحدها.
إن الخير وحتى الخير البحت الذى ينبع من الضمير لا يوزع بضمير ويظل المبدأ هو نفس المبدأ .أنا آكل وخصمى فى الرآى يموت.
ماذا يتوقع فى عالم كهذا.
إن ما يجرى داخل الاسرة وداخل الوطن من مظالم يظهر مكبرا على مساحة العالم كله ثم يعود فيظهر مترجما فى احداث وازمات وحروب ومحن واوبئة ومجاعات.
بل أن ما يجرى فى ضمير الفرد من صراع وما تسكن رأسه من خواطر وما تتنازعه من رغبات هو المفتاح للمشكلة كلها.
وإذا كان البحر تلوث .فقد تلوث بنا نحن وبما أفرزناه فيه.
إن فضلات أفكارنا ورغباتنا هى التى صنعت كل هذا .
سمعت الرجل يلوم زوجته ويلقى براسها وعلى النساء جميعا ما بالعالم من بؤس.فهى لا ترضى ولا تشبع ولا تكف عن الطلب وهى كرباج لا يكف ولا ينزل على ظهرة ليجرى ويهرول ويسعى إلى السوق لتنفق ماجمع وتطلب المزيد ولا هامش ليدها للاكتفاء.
وإذا صدق الرجل فى شكواه فهو ملوم هو الآخر مثل زوجته فيبدو أنه لا هامش ليده للخضوع والرضوخ والضعف والاستكانة .فهو ملوم لضعفه بمثل ماهى ملومة لضغيانها ولن تكون الذرية التى ينجبها الاثنان إلا استمرارا لهذه العيوب وتضخيمها لها مع مرور الوقت .وهكذا تتفاقم العيوب بمثل ما تتضاعف الأرقام فى متوالية حسابية.وتتدهور الأجيال ويتدهور النتاج الإنسانى فنا وفكراً وسياسة.ومع الوقت لن يكون التقدم العلمى فى مثل هذه المجتمعات حسنة بل عيبا لأنه سيضع فى يد هؤلاء الضعاف وسيلة دمار كلية يقضون بها على كل شئ وينسفون بها كل ما كسبه أجدادهم من تراث الحضارة وا بنوه وما شيدوه بعرقهم ودمائهم.
إن العلم سوف يسلح الحماقة.
وطاقة الذرة سوف تكون ذراعا للطغيان وأداة لحب السيطرة.
والصاروخ سوف يكون أداة للقهر والاستبداد.
وسوف تتجسد المأساة فى هذا المسخ الشائه الذى له ذراعا شمشون والذى له ضمير وغد محتال.
ولكنا جميعا وضعنا بذرة هذا المسخ ونحن جميعا أنجبناه وربيناه.
ولايملك أحدنا أن يبرئ نفسه.
وقديما قال عمر بن الخطاب (لو عثرت دابة فى العراق لرأيت نفسى مسئولا عما حدث لها ) وهى قولة حق .فما يجرى فى أى مجتمع هو محصلة أفعال أفراده وكل منهم مسئول بحسب مكانه تصاعديا من القاعدة إلى القمة.
إن ما يحدث لنا هو نحن وكل واحد لا يقابل فى الطريق إلا نفسه.
المجرم تتسابق إليه مناسبات الاجرام والفاضل الخير تتسابق إليه مناسبات الخير والعطاء.
وبمثل ما تجود أيدينا تجود أرضنا وتجود سماؤنا لأن الذى خلق الكون خلق له قوانين الحافظة التى يزدهر بها طالما كان ناميا والقوانين الهادمة له إذا دب فيه الفساد ونخر فيه السوس.
وبيئة المجتمع مثل بنية الجسم هى فى نماء واذدهار طالما غلبت فيها عوامل الانسجام والنظام والصحة فإذا غلب الاضراب والفوضى والمرض تداعب إلى تراب.
فلا تلوموا القدر ولا تحتجوا على السماء ولا تقولوا ظلمنا ربنا بهذه الكوارث.
بل قولوا ربنا ظلمنا أنفسنا.
ولينظر كل منا ماذا يفعل فى دولة نفسه وإلى أى جانب من رغباته ينحاز.إلى لذاته العاجلة وإلى منفعته الذاتية أم إلى نجدة المحروم ونصرة الضعيف.
إلى الأصنام المادية يتوجه؟؟!أم إلى القيم .أم إلى الرب القيم ثم لينظر ماذا يفعل لا ماذا يقول .
وماذا يخفى لا ماذا يعلن .
وحينئذ سيعرف الجواب على سؤاله
لماذا كل هذه الكوارث . !
من كتاب : نار تحت الرماد
الدكتور : مصطفى محمود (رحمه الله ). ❝