❞ و أهل الحكمة فى راحة لأنهم أدركوا هذا بعقولهم و أهل الله فى راحة لأنهم أسلموا إلى الله فى ثقة و قبلوا ما يجريه عليهم و رأوا فى أفعاله عدلا مطلقا دون أن يتعبوا عقولهم فأراحوا عقولهم أيضا فجمعوا لأنفسهم بين الراحتين راحة القلب و راحة العقل فأثمرت الراحتان راحة ثالثة هى راحة البدن.. بينما شقى أصحاب العقول بمجادلاتهم..
أما أهل الغفلة و هم الأغلبية الغالبة فما زالوا يقتل بعضهم بعضا من أجل اللقمة و المرأة و الدرهم و فدان الأرض ، ثم لا يجمعون شيئا إلا مزيدا من الهموم و أحمالا من الخطايا و ظمأ لا يرتوى و جوعا لا يشبع..
فانظر من أى طائفة من هؤلاء أنت.. و اغلق عليك بابك و ابك على خطيئتك..
..
د. مصطفى محمود رحمه الله
من كتاب / أناشيد الإثم و البراءة. ❝ ⏤مصطفى محمود
❞ و أهل الحكمة فى راحة لأنهم أدركوا هذا بعقولهم و أهل الله فى راحة لأنهم أسلموا إلى الله فى ثقة و قبلوا ما يجريه عليهم و رأوا فى أفعاله عدلا مطلقا دون أن يتعبوا عقولهم فأراحوا عقولهم أيضا فجمعوا لأنفسهم بين الراحتين راحة القلب و راحة العقل فأثمرت الراحتان راحة ثالثة هى راحة البدن.. بينما شقى أصحاب العقول بمجادلاتهم..
أما أهل الغفلة و هم الأغلبية الغالبة فما زالوا يقتل بعضهم بعضا من أجل اللقمة و المرأة و الدرهم و فدان الأرض ، ثم لا يجمعون شيئا إلا مزيدا من الهموم و أحمالا من الخطايا و ظمأ لا يرتوى و جوعا لا يشبع..
فانظر من أى طائفة من هؤلاء أنت.. و اغلق عليك بابك و ابك على خطيئتك..
..
د. مصطفى محمود رحمه الله
من كتاب / أناشيد الإثم و البراءة . ❝
❞ وما رأت الحكماء أحدا قط جهل حقيقة معنى الحياة إلا وجدوا هذه الحقيقة في بطنه.... ولذلك قالوا: من كانت همته ما يدخل جوفه كانت قيمته ما يخرج منه ... وإنما البطن جوع فشبع وشبع فجوع، وعلى هذا القياس لا تكون حياة هؤلاء إلا جوعا في الشهوات والآمال، فلا يطفئه إلا ما يسعره، ولا يجلب الراحة فيه إلا ما لا بد أن يرجع التعب به. ❝ ⏤مصطفى صادق الرافعي
❞ وما رأت الحكماء أحدا قط جهل حقيقة معنى الحياة إلا وجدوا هذه الحقيقة في بطنه.... ولذلك قالوا: من كانت همته ما يدخل جوفه كانت قيمته ما يخرج منه ... وإنما البطن جوع فشبع وشبع فجوع، وعلى هذا القياس لا تكون حياة هؤلاء إلا جوعا في الشهوات والآمال، فلا يطفئه إلا ما يسعره، ولا يجلب الراحة فيه إلا ما لا بد أن يرجع التعب به . ❝
❞ تروي لنا الأديان حكاية رجل يظهر في آخر الزمان و يأتي من الخوارق و المعجزات بما يفتن الناس من كافة أرجاء الأرض فيسيرون خلفه و قد اعتقدوا أنه إله .
و تصفه الروايات بأنه أعور , و أنه يملك من القوة الخارقة ما يجعله يرى بهذه العين الواحدة ما يجري في أقصى الأرض كما يسمع بأذنه ما يتهامس به عبر البحار , كما يسقط الأمطار بمشيئته فينبت الزرع و يكشف عن الكنوز المخبوءة و يشفى المرضى و يحيي الموتى و يميت الأحياء و يطير بسرعة الريح .
و يفتتن به كل من يراه و يسجد له , على أنه الله . على حين يراه المؤمنون على حقيقته و لا تخدعهم معجزاته , و يشهَدون رسم الكفر على وجهه .
ذلك هو المسيخ الدجال , إحدى علامات الساعة التي نقرأ عنها في كتب الدين .
و المسيخ الدجال قد ظهر بالفعل كما يقول الكاتب البولندي ليوبولدفايس ... و قد أسلم هذا الكاتب و عاش بمكة . و تسمى باسم محمد أسد .
و هذا المسيخ الشائه ذو العين الواحدة كما يقول ليوبولدفايس هو :
التقدم العلمي و القوة المادية و الترف المادي .. معبودات هذا الزمان .
مدينة العصر الذري , العوراء العرجاء , التي تتقدم في اتجاه واحد , و ترى في اتجاه واحد هو الاتجاه المادي , على حين تفتقد العين الثانية ((الروح)) التي تبصر البعد الروحي للحياة .. فهي قوة بلا محبة , و علم بلا دين , و تكنولوجيا بلا أخلاق .
و قد استطاع هذا المسخ فعلاً عن طريق العلم أن يسمع ما يدور في أقصى الأرض ((باللاسلكي)) و يرى ما يجري في آخر الدنيا ((بالتلفزيون)) , وهو الآن يسقط المطر بوسائل صناعية , و يزرع الصحارى و يشفي المرضى و ينقل قلوب الأموات إلى قلوب الأحياء , و يطير حول الأرض في صواريخ و ينشر الموت و الدمار بالقنابل الذرية , و يكشف عروق الذهب في باطن الجبال .
و قد افتتن الناس بهذا المسخ فعبدوه .
و أمام هذا الاستعراض الباهر للتقدم العلمي الغربي فقدنا نحن الشرقيين ثقتنا بأنفسنا و نظرنا باحتقار إلى تراثنا و ديننا .
و في حمى الشعور بالنقص و التخلف تصورنا أن دياناتنا ضرب من الخرافات المخجلة التي يجب أن نتخلص منها لنلحق بركب التقدم و ندخل في رحاب المعبد الجديد . معبد العلم لنعبد ذلك الإله الجديد الذي اسمه القوة المادية .
و سجدنا مبهورين فاقدي الوعي و قد اختلطت علينا الوسيلة بالغاية .. فجعلنا من القوة المادية غايتنا . و نسينا أنها مجرد وسيلة و أداة .
القطار وسيلة .
و التلغراف وسيلة .
و الكهرباء وسيلة .
و الطاقة الذرية وسيلة .
و دور هذه الوسائل أن توضع في خدمة الإنسان لتحرره من الضرورات المادية فيفرغ إلى الفكر و التأمل و إثراء روحه بالمعرفة الحقة .
و بدلاً من أن تكون هذه الوسائل في خدمتنا أصبحنا نحن في خدمتها نكد و نكدح و نتعارك و نتكالب لنمتلك عربة و راديو و تلفزيوناً . فإذا امتلكنا هذه الأشياء ازددنا نهماً و رغبة لنمتلك عربة أكبر من العربة ثم جهاز تسجيل ستريو فونيك ثم قارباً للنزهة ثم يختاً ثم فيلا و حديقة و حمام سباحة .. ثم طائرة خاصة إن أمكن . و يطيش صوابنا شيئاً فشيئاً أمام سيل المنتجات الاستهلاكية التي تملأ الفاترينات .. و نتحول إلى جوع أكال يزداد جوعاً كلما أمعن في الشراء . و حلقة مفرغة من الأطماع لا تنتهي لتبدأ , و هي أبداً تهدف إلى اقتناء سبب من أسباب القوة المادية أو الترف الحياتي مما تطرحه التكنولوجيا كل يوم في واجهات المحلات .
و كما يكدس المواطن العادي البضائع الاستهلاكية تكدس الدول الأسلحة و الذخائر ثم تدمر بها بعضها بعضاً في حروب طاحنة ثم تعود فتكدس أسلحة أخطر و قنابل أكبر .
العالم أصبح مسرحاً مجنوناً يهرول فيها المجانين في اتجاه واحد نحو القوة المادية . المسيخ الدجال الأعور ذو العين الواحدة . معبود هذا الزمان .
لا إله إلا المادة .
هذه هي الصلاة اليومية .
اختفى الإيمان بالله .
و اختفى معه الإحساس بالأمن و السكينة و الطمأنينة .
و أصبحت الصورة الفلسفية للعالم هي غابة يتصارع فيها المخلب و الناب .
صراع طبقي .. و صراع عنصري .. و صراع عقائدي .. عالم فظيع من الخوف و القتل .
و لا أحد في السماء يرعى هذا العالم و يحفظه .
إلى هذه الحالة انتهت بنا عبادة الدجال الذي اسمه القوة المادية .
والنتيجة هي هذا الإنسان الكئيب المهموم الخائف القلق .وهذا الشاب الذي يدمن المخدرات في شوارع لندن وباريس ..والانتحار والجنون الذي بلغ ذروته في بلاد الغنى والوفرة والرخاء أمثال السويد والنرويج وأمريكا .
وإنسان المذعور الذي افتقد الأمان يحاول أن يستجلب لنفسه هذا الأمان بالوسائل الصناعية التكنولوجية .. عن طريق عين سحرية يضعها على الباب تعمل بالأشعة تحت الحمراء لاكتشاف اللصوص . و جرس الإنذار للخزينة . و رسم كهربائي للقلب كل شهر لاكتشاف الجلطة قبل أوانها . و أجهزة تكييف للحر و البرد و بوالص تأمين . و عشرات الأصناف من الفيتامينات و المسكنات و المنبهات و عشرات الأجهزة التي توفر الجهد و القوة العضلية .
و كل وسيلة ماديّة تحتاج بدورها إلى وسيلة مادية أخرى لتؤمنها . و في النهاية لا أمان , بل مزيد من الخوف و القلق و سعار نحو مزيد من الوسائل المادية بلا جدوى .
و ينسى الإنسان في هذا التيه الذي أضاع فيه عمره أنه أخطأ منذ البداية حينما تصوّر أن هذا العالم بلا إله و أنه قذف به إلى الدنيا بلا نواميس تحفظه و بلا رب يسأله .
و أخطأ مرة أخرى حينما عبد القوة المادية و جعل منها مصدراً لسعادته و هدفاً لحياته و غاية لسعيه , و أقامها مكان الله . و تصور أنها يمكن أن تمنحه الأمن و السكينة و الاطمئنان المفتقد , و أنها يمكن أن تحفظه من الموت و الدمار , فإذا هي نفسها التي تسلبه سكينة النفس , ثم إذا بها في النهاية تصبح أدوات الحروب التي تدمره و تبعثره أشلاء .
و أخطأ مرة ثالثة حينما تصور أنا الكيمياء و الطبيعة و الكهرباء علوم و أن الدين خرافة .
و لو انه فكر قليلاً لأدرك أن الكيمياء و الطبيعة و الكهرباء هي في الواقع علوم جزئية تبحث في الجزيئات و العلاقات و المقادير و الكميات .. و أن الدين علم كلي يبحث في الكليات .. بل هو منتهى العلم لأنه يبحث في البدايات الأولى للأشياء و النهايات المطلقة للأشياء , و الغايات النهائية للوجود , و المعنى العالم للحياة و المغزى الكلي للألم .
الكيمياء و الطبيعة و الكهرباء هي العلوم الصغيرة .
و الدين هو العلم الكبير الذي يشتمل على كل العلوم في باطنه .
و لا تعارض بين الدين و العلم , لأن الدين في ذاته منتهى العلم المشتمل بالضرورة على جميع لعلوم .
و الدين ضروري و مطلوب لأنه هو الذي يرسم للعلوم الصغيرة غاياتها و أهدافها و يضع لها وظائفها السليمة في إطار الحياة المثلى .
الدين هو الذي يقيم الضمير .
و الضمير بدوره يختار للطاقة الذرية وظيفة بناءة .. و لا يلقى بها دماراً و موتاً على الأبرياء .
و هو الذي يهيب بنا أن نجعل من الكهرباء وسيلة للإضاءة لا وسيلة للهلاك .
و الدين هو الذي يدلنا على أن كل العلوم وسائل هي الأخرى . و المادة ذاتها مخلوقة مثلنا و ليست إلهاً يعبد .. و أنها لا تستطيع أن تمنح الإنسان الأمن و السكينة و السعادة .. و أنها من طبيعتها التحلل و الفساد و التبدل و التغير شأنها شأن ذلك الكون الناقص و أنها لا تصلح سنداً و لا تشكل قوة حقيقية .
و التقدم المادي مطلوب و لكنه وسيلة لا أكثر من وسائل الإنسان المتحضر و لا يصح أن يكون غايته .
و الدين لا يرفض التقدم المادي و لكنه يضع في مكانه كوسيلة لا غاية .
و الدين لا يرفض العلم بل يأمر به و يحض عليه و لكنه يضعه في مكانه كوسيلة للمعرفة ضمن الوسائل العديدة التي يملكها الإنسان كالفطرة و البصيرة و البداهة و الإلهام و الوحي .
و رفض العلم و رفض الأخذ بالوسائل المادية المتقدمة خطيئة مثل عبادة هذه الوسائل و الخضوع لها سواء بسواء , و هو أحد أسباب التأخر في بلادنا .
و أنت تجد في الشرق أحد اثنين .. تجد من يرفض العلم اكتفاء بالدين و القرآن .. و تجد من يرفض الدين اكتفاء و عبادة للعلم المادي و الوسائل المادية .
و كلا الاثنين سبب من أسباب النكبة الحضارية في المنطقة .. و كلاهما لم يفهم المعنى الحقيقي للدين و لا المعنى الحقيقي للعلم .
و الدين , و الإسلام خاصة , يعتبر العلم فريضة .. و يقول نبينا إن من مات مهاجراً في سبيل العلم فقد مات شهيداً .. و عن العلماء ورثة الأنبياء .. و إن علينا أن نطلب العلم و لو في الصين .. و أول كلمة نزلت في القرآن هي ((اقرأ)) .
و الإسلام دين عقل يخاطب أتباعه بالمنهج العقلي .
فالعلم و التقدم العلمي المادي له مكانه العظيم في ديننا .
و لكن هو دائماً وسيلة لا غاية .. أداة لا صنم معبود ..
و هذا هو وضع الشيء في وضعه الصحيح .
فالوسيلة المادية لا تمنح النفس أمناً و لا سكينة . و إنما هي سبيل إلى الترف و الرفاهية و تيسير الحياة .. أما القلق و الخراب الروحي فأنه يبقى و لا يزول بالرغم من وجود الفريجيدير و التلفزيون و الريكوردر و جهاز التكييف و جميع الوسائل المادية . بل إن هذا القلق و الخراب الروحي يتفاقم بازدياد خضوع الإنسان لهذه الوسائل و جريه وراءها .
و لا تنزل السكينة على القلب و لا تعمر الروح بالطمأنينة و الأمان إلا بوسيلة واحدة هي الاعتقاد بأن هناك إلهاً خلق الكون و أن هذا الإله عادل كامل .. و أنه هيأ الكون نواميس تحفظه و قدر فيه كل شيء لحكمة و سبب و أننا راجعون إليه . و أن آلامنا و عذابنا لن تذهب عبثاً . و أن الفرد حقيقة مطلقة و ليس ترساً في آلة مصيره إلى التراب .
هذا اليقين الديني هو وحده الذي يرد للإنسان اعتباره و كرامته و ليس الفريجيدير و التلفزيون و الريكوردر و لا أية وسيلة مادية مهما عظمت .
و بهذا اليقين تنزل السكينة على القلب و يصل الإنسان إلى حالة من العمار الروحي و التكامل الداخلي و يشعر بنفسه أقوى من الموت و أقوى من الظلم .
و بهذا اليقين يجابه أعظم الأخطار و يقهرها فهو بإيمانه في حصن أقوى من دروع الدبابات . حصن لا سبيل إلى اختراقه بأي قذيفة . لأنه حصن يعبر الموت ذاته .
و بهذا الإيمان يشعر الإنسان أنه استرد هويته و أنه أصبح هو هو حقّاً .. و أنه أدرك ذاته و تعرف على نفسه و مكانته من خلال إدراكه للإله الواحد الكامل .
و الذي جرب هذا الشعور النادر يعلم أنه حالة من الاستنارة الداخلية و أنه ليس افتعالاً .. و ليس استجلاباً مزيفاً للأمان .. و إنما هو الحق عينه .. و أنه الصحو و ليس الحلم .
و إنا نعلم أمر هذا اليقين من حال نقيضه ..
من حال كثرة الناس الذين يعبدون الدجال ..
مسيخ العصر الذري ذو المخ الإلكتروني .
هذه الكثرة التي تتصارع بالمخلب و الناب و تأكل المخدرات و تتخبط على أبواب الجنون و الانتحار و تنحدر في خطوات دموية إلى حرب عالمية ثالثة .
و سوف تقول لك فطرتك أي الاثنين على حق ؟
هذه الكثرة التي يأكل بعضها بعضاً و تتآكل حقداً و غلاً و ضراوة .. أم هذه القلة التي نزلت على قلوبها السكينة و أدركت أن هناك إلهاً ..
* * *
و الدين لا يرفض الحياة و لا يرفض العقل .
و الإسلام بالذات ينطلق من مبدأ حب الحياة و الحرص عليها و رعايتها , و بحض على احترام العقل و على طلب العلم و يقدم شريعة عصرية توحد بين الروح و الجسد في التئام فريد .. لا الروح تطغى على الجسد و لا الجسد يطغى على الروح و إنما يتصرف الاثنان على أنهما واحد .. فهو لا يطلب كنا أن نميت الشهوة و إنما يطلب منا أن ننظمها و نوجهها في إطار العلاقة المشروعة .. و معيار التقوى عنده ليس الانقطاع للعبادة و العزلة و الرهبانية .. و إنما معيارها العمل .. تسبيح الروح لا بد أن يقترن بعمل اليدين و سعي القدمين من أجل خير المجتمع و نفعه .. و الصلاة لا يكفي فيها خشوع النفس و إنما لا بد أن يعبر الجسد عن الخشوع هو الآخر و في ذات الوقت بالركوع و السجود ..
و الصلاة الإسلامية هي رمز لهذه الوحدة التي لا تتجزأ بين الروح و الجسد ..الروح تخشع و اللسان يسبح و الجسد يركع .
و الطواف حول الكعبة رمز آخر لدوران الأعمال حول القطب الواحد .. و استهداف الحركات و الأفكار لهف واحد هو الخالق الذي خلق الإنسان حيث لا موجود بحق إلا هو , و حيث كل شيء منه و إليه .. و الطواف هو التعبير الجسماني و النفساني و الروحاني لهذا التوحيد .
و بهذا يعيد الإسلام إلى الإنسان التئامه روحاً و جسداً و يعيد إليه السكينة فينتهي ذلك الصراع الأزلي بين الشهوة و العقل , و يولد منهما شيء جديد هو الشهوة العاقلة البصيرة التي يتوحد فيها النقيضان .. كما تتوحد العاطفة مع الفكر و الباطن مع الظاهر فلا نعود نرى ذلك المخادع يخالف قلبه عقله و يخالف عقله قوله و يخالف قوله فعله .. و إنما يقوم مقام ذلك الإنسان المفكك الممزق .. إنسان جديد توحد روحاً و جسداً .. و قولاً و فعلاً .. و باطناً و ظاهراً ..
و بوصول الإنسان إلى وحدته مع نفسه يصل إلى وحدته مع ربه .. و هي حالة القرب التي يدخل بها الإنسان دائرة الضوء و يضع قدمه على حافة الملكوت .
و يدور الإسلام حول هذه الفكرة المحورية .. فكرة التوحيد .. و يؤكد القرآن هذا المعنى في كل حرف و كل كلمة و كل آية و يكرره بمختلف الصور و القصص و الأمثلة و الحكم و العبر .
و الإسلام يقدم للعصر المادي باب النجاة الوحيد و الحل الوحيد و المخرج الوحيد .. فهو يقدم إليه كل تراثه الروحي دون أن يكلفه أن ينزل عن شيء من مكتسباته العلمية أو تفوقه المادي .. و كل ما يريده الإسلام هو أن يحقق الاقتران الناجح و التزاوج الناجح بين المادة والروح لتقوم مدينة جديدة هي مدينة القوة و الرحمة , حيث لا تكون القوة المادية مسخاً معبوداً و إنما تكون أداة و وسيلة في يد القلب الرحيم .. و بذلك يتم تحطيم المسخ الدجال .. و تقوم دولة الإنسان الكامل .
....
و جواباً على الذين يسألون في حيرة : لماذا خلقنا الله ؟ لماذا أوجدنا في هذه الدنيا ؟ و ما حكمة هذا العذاب الذي نعانيه ؟
يجيب القرآن بمجموع آياته .. إن الله أنزل الإنسان إلى الدنيا بفضول مفطور فيه .. ليتعرف على مجهولاتها ثم يتعرف على نفسه . و من خلال إدراكه لنفسه يدرك ربه .. و يدرك مقام هذا الرب الجليل فيعبده و يحبه و بذلك يصبح أهلاً لمحبته و عطائه ..
و لهذا خلقنا الله ..
وهذا الهدف النهائي .. ليحبنا و يعطينا ..
و هو يعذبنا ليوقظنا من غفلتنا فنصبح أهلاً لمحبته وعطائه .
بالحب خلق ..
و للحب خلق ..
تبارك و تعالى في سماواته , الذي خلقنا باسمه الرحمن الرحيم .
مقال / المسيخ الدجال
من كتاب : رحلتي من الشك إلى الإيمان
للدكتور / مصطفى محمود (رحمه الله ). ❝ ⏤مصطفى محمود
❞ تروي لنا الأديان حكاية رجل يظهر في آخر الزمان و يأتي من الخوارق و المعجزات بما يفتن الناس من كافة أرجاء الأرض فيسيرون خلفه و قد اعتقدوا أنه إله .
و تصفه الروايات بأنه أعور , و أنه يملك من القوة الخارقة ما يجعله يرى بهذه العين الواحدة ما يجري في أقصى الأرض كما يسمع بأذنه ما يتهامس به عبر البحار , كما يسقط الأمطار بمشيئته فينبت الزرع و يكشف عن الكنوز المخبوءة و يشفى المرضى و يحيي الموتى و يميت الأحياء و يطير بسرعة الريح .
و يفتتن به كل من يراه و يسجد له , على أنه الله . على حين يراه المؤمنون على حقيقته و لا تخدعهم معجزاته , و يشهَدون رسم الكفر على وجهه .
ذلك هو المسيخ الدجال , إحدى علامات الساعة التي نقرأ عنها في كتب الدين .
و المسيخ الدجال قد ظهر بالفعل كما يقول الكاتب البولندي ليوبولدفايس ... و قد أسلم هذا الكاتب و عاش بمكة . و تسمى باسم محمد أسد .
و هذا المسيخ الشائه ذو العين الواحدة كما يقول ليوبولدفايس هو :
التقدم العلمي و القوة المادية و الترف المادي .. معبودات هذا الزمان .
مدينة العصر الذري , العوراء العرجاء , التي تتقدم في اتجاه واحد , و ترى في اتجاه واحد هو الاتجاه المادي , على حين تفتقد العين الثانية ((الروح)) التي تبصر البعد الروحي للحياة .. فهي قوة بلا محبة , و علم بلا دين , و تكنولوجيا بلا أخلاق .
و قد استطاع هذا المسخ فعلاً عن طريق العلم أن يسمع ما يدور في أقصى الأرض ((باللاسلكي)) و يرى ما يجري في آخر الدنيا ((بالتلفزيون)) , وهو الآن يسقط المطر بوسائل صناعية , و يزرع الصحارى و يشفي المرضى و ينقل قلوب الأموات إلى قلوب الأحياء , و يطير حول الأرض في صواريخ و ينشر الموت و الدمار بالقنابل الذرية , و يكشف عروق الذهب في باطن الجبال .
و قد افتتن الناس بهذا المسخ فعبدوه .
و أمام هذا الاستعراض الباهر للتقدم العلمي الغربي فقدنا نحن الشرقيين ثقتنا بأنفسنا و نظرنا باحتقار إلى تراثنا و ديننا .
و في حمى الشعور بالنقص و التخلف تصورنا أن دياناتنا ضرب من الخرافات المخجلة التي يجب أن نتخلص منها لنلحق بركب التقدم و ندخل في رحاب المعبد الجديد . معبد العلم لنعبد ذلك الإله الجديد الذي اسمه القوة المادية .
و سجدنا مبهورين فاقدي الوعي و قد اختلطت علينا الوسيلة بالغاية .. فجعلنا من القوة المادية غايتنا . و نسينا أنها مجرد وسيلة و أداة .
القطار وسيلة .
و التلغراف وسيلة .
و الكهرباء وسيلة .
و الطاقة الذرية وسيلة .
و دور هذه الوسائل أن توضع في خدمة الإنسان لتحرره من الضرورات المادية فيفرغ إلى الفكر و التأمل و إثراء روحه بالمعرفة الحقة .
و بدلاً من أن تكون هذه الوسائل في خدمتنا أصبحنا نحن في خدمتها نكد و نكدح و نتعارك و نتكالب لنمتلك عربة و راديو و تلفزيوناً . فإذا امتلكنا هذه الأشياء ازددنا نهماً و رغبة لنمتلك عربة أكبر من العربة ثم جهاز تسجيل ستريو فونيك ثم قارباً للنزهة ثم يختاً ثم فيلا و حديقة و حمام سباحة .. ثم طائرة خاصة إن أمكن . و يطيش صوابنا شيئاً فشيئاً أمام سيل المنتجات الاستهلاكية التي تملأ الفاترينات .. و نتحول إلى جوع أكال يزداد جوعاً كلما أمعن في الشراء . و حلقة مفرغة من الأطماع لا تنتهي لتبدأ , و هي أبداً تهدف إلى اقتناء سبب من أسباب القوة المادية أو الترف الحياتي مما تطرحه التكنولوجيا كل يوم في واجهات المحلات .
و كما يكدس المواطن العادي البضائع الاستهلاكية تكدس الدول الأسلحة و الذخائر ثم تدمر بها بعضها بعضاً في حروب طاحنة ثم تعود فتكدس أسلحة أخطر و قنابل أكبر .
العالم أصبح مسرحاً مجنوناً يهرول فيها المجانين في اتجاه واحد نحو القوة المادية . المسيخ الدجال الأعور ذو العين الواحدة . معبود هذا الزمان .
لا إله إلا المادة .
هذه هي الصلاة اليومية .
اختفى الإيمان بالله .
و اختفى معه الإحساس بالأمن و السكينة و الطمأنينة .
و أصبحت الصورة الفلسفية للعالم هي غابة يتصارع فيها المخلب و الناب .
صراع طبقي .. و صراع عنصري .. و صراع عقائدي .. عالم فظيع من الخوف و القتل .
و لا أحد في السماء يرعى هذا العالم و يحفظه .
إلى هذه الحالة انتهت بنا عبادة الدجال الذي اسمه القوة المادية .
والنتيجة هي هذا الإنسان الكئيب المهموم الخائف القلق .وهذا الشاب الذي يدمن المخدرات في شوارع لندن وباريس ..والانتحار والجنون الذي بلغ ذروته في بلاد الغنى والوفرة والرخاء أمثال السويد والنرويج وأمريكا .
وإنسان المذعور الذي افتقد الأمان يحاول أن يستجلب لنفسه هذا الأمان بالوسائل الصناعية التكنولوجية .. عن طريق عين سحرية يضعها على الباب تعمل بالأشعة تحت الحمراء لاكتشاف اللصوص . و جرس الإنذار للخزينة . و رسم كهربائي للقلب كل شهر لاكتشاف الجلطة قبل أوانها . و أجهزة تكييف للحر و البرد و بوالص تأمين . و عشرات الأصناف من الفيتامينات و المسكنات و المنبهات و عشرات الأجهزة التي توفر الجهد و القوة العضلية .
و كل وسيلة ماديّة تحتاج بدورها إلى وسيلة مادية أخرى لتؤمنها . و في النهاية لا أمان , بل مزيد من الخوف و القلق و سعار نحو مزيد من الوسائل المادية بلا جدوى .
و ينسى الإنسان في هذا التيه الذي أضاع فيه عمره أنه أخطأ منذ البداية حينما تصوّر أن هذا العالم بلا إله و أنه قذف به إلى الدنيا بلا نواميس تحفظه و بلا رب يسأله .
و أخطأ مرة أخرى حينما عبد القوة المادية و جعل منها مصدراً لسعادته و هدفاً لحياته و غاية لسعيه , و أقامها مكان الله . و تصور أنها يمكن أن تمنحه الأمن و السكينة و الاطمئنان المفتقد , و أنها يمكن أن تحفظه من الموت و الدمار , فإذا هي نفسها التي تسلبه سكينة النفس , ثم إذا بها في النهاية تصبح أدوات الحروب التي تدمره و تبعثره أشلاء .
و أخطأ مرة ثالثة حينما تصور أنا الكيمياء و الطبيعة و الكهرباء علوم و أن الدين خرافة .
و لو انه فكر قليلاً لأدرك أن الكيمياء و الطبيعة و الكهرباء هي في الواقع علوم جزئية تبحث في الجزيئات و العلاقات و المقادير و الكميات .. و أن الدين علم كلي يبحث في الكليات .. بل هو منتهى العلم لأنه يبحث في البدايات الأولى للأشياء و النهايات المطلقة للأشياء , و الغايات النهائية للوجود , و المعنى العالم للحياة و المغزى الكلي للألم .
الكيمياء و الطبيعة و الكهرباء هي العلوم الصغيرة .
و الدين هو العلم الكبير الذي يشتمل على كل العلوم في باطنه .
و لا تعارض بين الدين و العلم , لأن الدين في ذاته منتهى العلم المشتمل بالضرورة على جميع لعلوم .
و الدين ضروري و مطلوب لأنه هو الذي يرسم للعلوم الصغيرة غاياتها و أهدافها و يضع لها وظائفها السليمة في إطار الحياة المثلى .
الدين هو الذي يقيم الضمير .
و الضمير بدوره يختار للطاقة الذرية وظيفة بناءة .. و لا يلقى بها دماراً و موتاً على الأبرياء .
و هو الذي يهيب بنا أن نجعل من الكهرباء وسيلة للإضاءة لا وسيلة للهلاك .
و الدين هو الذي يدلنا على أن كل العلوم وسائل هي الأخرى . و المادة ذاتها مخلوقة مثلنا و ليست إلهاً يعبد .. و أنها لا تستطيع أن تمنح الإنسان الأمن و السكينة و السعادة .. و أنها من طبيعتها التحلل و الفساد و التبدل و التغير شأنها شأن ذلك الكون الناقص و أنها لا تصلح سنداً و لا تشكل قوة حقيقية .
و التقدم المادي مطلوب و لكنه وسيلة لا أكثر من وسائل الإنسان المتحضر و لا يصح أن يكون غايته .
و الدين لا يرفض التقدم المادي و لكنه يضع في مكانه كوسيلة لا غاية .
و الدين لا يرفض العلم بل يأمر به و يحض عليه و لكنه يضعه في مكانه كوسيلة للمعرفة ضمن الوسائل العديدة التي يملكها الإنسان كالفطرة و البصيرة و البداهة و الإلهام و الوحي .
و رفض العلم و رفض الأخذ بالوسائل المادية المتقدمة خطيئة مثل عبادة هذه الوسائل و الخضوع لها سواء بسواء , و هو أحد أسباب التأخر في بلادنا .
و أنت تجد في الشرق أحد اثنين .. تجد من يرفض العلم اكتفاء بالدين و القرآن .. و تجد من يرفض الدين اكتفاء و عبادة للعلم المادي و الوسائل المادية .
و كلا الاثنين سبب من أسباب النكبة الحضارية في المنطقة .. و كلاهما لم يفهم المعنى الحقيقي للدين و لا المعنى الحقيقي للعلم .
و الدين , و الإسلام خاصة , يعتبر العلم فريضة .. و يقول نبينا إن من مات مهاجراً في سبيل العلم فقد مات شهيداً .. و عن العلماء ورثة الأنبياء .. و إن علينا أن نطلب العلم و لو في الصين .. و أول كلمة نزلت في القرآن هي ((اقرأ)) .
و الإسلام دين عقل يخاطب أتباعه بالمنهج العقلي .
فالعلم و التقدم العلمي المادي له مكانه العظيم في ديننا .
و لكن هو دائماً وسيلة لا غاية .. أداة لا صنم معبود ..
و هذا هو وضع الشيء في وضعه الصحيح .
فالوسيلة المادية لا تمنح النفس أمناً و لا سكينة . و إنما هي سبيل إلى الترف و الرفاهية و تيسير الحياة .. أما القلق و الخراب الروحي فأنه يبقى و لا يزول بالرغم من وجود الفريجيدير و التلفزيون و الريكوردر و جهاز التكييف و جميع الوسائل المادية . بل إن هذا القلق و الخراب الروحي يتفاقم بازدياد خضوع الإنسان لهذه الوسائل و جريه وراءها .
و لا تنزل السكينة على القلب و لا تعمر الروح بالطمأنينة و الأمان إلا بوسيلة واحدة هي الاعتقاد بأن هناك إلهاً خلق الكون و أن هذا الإله عادل كامل .. و أنه هيأ الكون نواميس تحفظه و قدر فيه كل شيء لحكمة و سبب و أننا راجعون إليه . و أن آلامنا و عذابنا لن تذهب عبثاً . و أن الفرد حقيقة مطلقة و ليس ترساً في آلة مصيره إلى التراب .
هذا اليقين الديني هو وحده الذي يرد للإنسان اعتباره و كرامته و ليس الفريجيدير و التلفزيون و الريكوردر و لا أية وسيلة مادية مهما عظمت .
و بهذا اليقين تنزل السكينة على القلب و يصل الإنسان إلى حالة من العمار الروحي و التكامل الداخلي و يشعر بنفسه أقوى من الموت و أقوى من الظلم .
و بهذا اليقين يجابه أعظم الأخطار و يقهرها فهو بإيمانه في حصن أقوى من دروع الدبابات . حصن لا سبيل إلى اختراقه بأي قذيفة . لأنه حصن يعبر الموت ذاته .
و بهذا الإيمان يشعر الإنسان أنه استرد هويته و أنه أصبح هو هو حقّاً .. و أنه أدرك ذاته و تعرف على نفسه و مكانته من خلال إدراكه للإله الواحد الكامل .
و الذي جرب هذا الشعور النادر يعلم أنه حالة من الاستنارة الداخلية و أنه ليس افتعالاً .. و ليس استجلاباً مزيفاً للأمان .. و إنما هو الحق عينه .. و أنه الصحو و ليس الحلم .
و إنا نعلم أمر هذا اليقين من حال نقيضه ..
من حال كثرة الناس الذين يعبدون الدجال ..
مسيخ العصر الذري ذو المخ الإلكتروني .
هذه الكثرة التي تتصارع بالمخلب و الناب و تأكل المخدرات و تتخبط على أبواب الجنون و الانتحار و تنحدر في خطوات دموية إلى حرب عالمية ثالثة .
و سوف تقول لك فطرتك أي الاثنين على حق ؟
هذه الكثرة التي يأكل بعضها بعضاً و تتآكل حقداً و غلاً و ضراوة .. أم هذه القلة التي نزلت على قلوبها السكينة و أدركت أن هناك إلهاً ..
و الدين لا يرفض الحياة و لا يرفض العقل .
و الإسلام بالذات ينطلق من مبدأ حب الحياة و الحرص عليها و رعايتها , و بحض على احترام العقل و على طلب العلم و يقدم شريعة عصرية توحد بين الروح و الجسد في التئام فريد .. لا الروح تطغى على الجسد و لا الجسد يطغى على الروح و إنما يتصرف الاثنان على أنهما واحد .. فهو لا يطلب كنا أن نميت الشهوة و إنما يطلب منا أن ننظمها و نوجهها في إطار العلاقة المشروعة .. و معيار التقوى عنده ليس الانقطاع للعبادة و العزلة و الرهبانية .. و إنما معيارها العمل .. تسبيح الروح لا بد أن يقترن بعمل اليدين و سعي القدمين من أجل خير المجتمع و نفعه .. و الصلاة لا يكفي فيها خشوع النفس و إنما لا بد أن يعبر الجسد عن الخشوع هو الآخر و في ذات الوقت بالركوع و السجود ..
و الصلاة الإسلامية هي رمز لهذه الوحدة التي لا تتجزأ بين الروح و الجسد ..الروح تخشع و اللسان يسبح و الجسد يركع .
و الطواف حول الكعبة رمز آخر لدوران الأعمال حول القطب الواحد .. و استهداف الحركات و الأفكار لهف واحد هو الخالق الذي خلق الإنسان حيث لا موجود بحق إلا هو , و حيث كل شيء منه و إليه .. و الطواف هو التعبير الجسماني و النفساني و الروحاني لهذا التوحيد .
و بهذا يعيد الإسلام إلى الإنسان التئامه روحاً و جسداً و يعيد إليه السكينة فينتهي ذلك الصراع الأزلي بين الشهوة و العقل , و يولد منهما شيء جديد هو الشهوة العاقلة البصيرة التي يتوحد فيها النقيضان .. كما تتوحد العاطفة مع الفكر و الباطن مع الظاهر فلا نعود نرى ذلك المخادع يخالف قلبه عقله و يخالف عقله قوله و يخالف قوله فعله .. و إنما يقوم مقام ذلك الإنسان المفكك الممزق .. إنسان جديد توحد روحاً و جسداً .. و قولاً و فعلاً .. و باطناً و ظاهراً ..
و بوصول الإنسان إلى وحدته مع نفسه يصل إلى وحدته مع ربه .. و هي حالة القرب التي يدخل بها الإنسان دائرة الضوء و يضع قدمه على حافة الملكوت .
و يدور الإسلام حول هذه الفكرة المحورية .. فكرة التوحيد .. و يؤكد القرآن هذا المعنى في كل حرف و كل كلمة و كل آية و يكرره بمختلف الصور و القصص و الأمثلة و الحكم و العبر .
و الإسلام يقدم للعصر المادي باب النجاة الوحيد و الحل الوحيد و المخرج الوحيد .. فهو يقدم إليه كل تراثه الروحي دون أن يكلفه أن ينزل عن شيء من مكتسباته العلمية أو تفوقه المادي .. و كل ما يريده الإسلام هو أن يحقق الاقتران الناجح و التزاوج الناجح بين المادة والروح لتقوم مدينة جديدة هي مدينة القوة و الرحمة , حيث لا تكون القوة المادية مسخاً معبوداً و إنما تكون أداة و وسيلة في يد القلب الرحيم .. و بذلك يتم تحطيم المسخ الدجال .. و تقوم دولة الإنسان الكامل .
....
و جواباً على الذين يسألون في حيرة : لماذا خلقنا الله ؟ لماذا أوجدنا في هذه الدنيا ؟ و ما حكمة هذا العذاب الذي نعانيه ؟
يجيب القرآن بمجموع آياته .. إن الله أنزل الإنسان إلى الدنيا بفضول مفطور فيه .. ليتعرف على مجهولاتها ثم يتعرف على نفسه . و من خلال إدراكه لنفسه يدرك ربه .. و يدرك مقام هذا الرب الجليل فيعبده و يحبه و بذلك يصبح أهلاً لمحبته و عطائه ..
و لهذا خلقنا الله ..
وهذا الهدف النهائي .. ليحبنا و يعطينا ..
و هو يعذبنا ليوقظنا من غفلتنا فنصبح أهلاً لمحبته وعطائه .
بالحب خلق ..
و للحب خلق ..
تبارك و تعالى في سماواته , الذي خلقنا باسمه الرحمن الرحيم .
مقال / المسيخ الدجال
من كتاب : رحلتي من الشك إلى الإيمان
للدكتور / مصطفى محمود (رحمه الله ) . ❝
إن كل ما بالعالم من كوارث وازمات ومحن وحروب ومجاعات ينبع من اصل واحد هو أزمة الضمير الإنسانى وما أصابه.
إن السماء لن تجود بالماء ولا الأرض بالحياة وأبناؤها يسفحون عليها الدم
بغيا وجورا على بعضهم البعض فخالق الأرض وما تثمر من غلات هو الله وحده وبيده مرفق المياه الذى ينساب من السماء كما أن بيده تغوير المياه الجوفية التى تخرج من الأرض وهو قد جعل الاجتهاد سببا فى الرزق كما جعل الطاعة والتقوى والمحبة مؤهلات أكبر خطرا ..
ولا شك أن الشرور والمحن التى تغرق الأرض يواكبها على الناحية الاخرى موجات الكفر والشرك والوثنية والتدهور الخلقى وتفكك الأسرة وطغيان الظلم وغلبة الشهوات المادية على كل القيم والاعتبارات ..حتى فى البلاد التى عرفت بتراثها العريق فى الدين والتدين قد انحسر الآن إلى مجرد شكليات دينية فى حين انحرف السلوك إلى مادية مسرفة وراح الكل يتسابق إلى الكسب المادى والثراء العاجل على حساب جميع القيم الدينية.
وإذا كان ما يجرى فى أثيوبيا بسبب القحط والجفاف من موت الملايين جوعا وعطشا يذيب الفؤاد حسرة وألما ..فإن ماجاء فى تقرير لجنة المعونة البريطانية لأثيوبيا يستوقف النظر فقد جاء فى التقرير أن المعونة لا تصل إلى المستحقين وأنها تمنع عن القرى التى بها ثوار وأن هذه القرى تترك ليفترسها الجوع والعطش بينما تذهب المعونة إلى الجيش وإلى القوات الحكومية ويعلق التقرير على البذخ والملايين والدولارات التى انفقتها الحكومة فى الاحتفال بأعياد الاشتراكية وفى الولائم والمسيرات الشبابية والمهرجانات فى اديس أبابا بينما الفلاحون يموتون هم وبهائهم جوعا وعطشا فى القرى الاثيوبية وهو كلام يقال فى مواطن كثيرة ولدول كثيرة من العالم وليس لاثيوبيا وحدها.
إن الخير وحتى الخير البحت الذى ينبع من الضمير لا يوزع بضمير ويظل المبدأ هو نفس المبدأ ..أنا آكل وخصمى فى الرآى يموت..
ماذا يتوقع فى عالم كهذا..
إن ما يجرى داخل الاسرة وداخل الوطن من مظالم يظهر مكبرا على مساحة العالم كله ثم يعود فيظهر مترجما فى احداث وازمات وحروب ومحن واوبئة ومجاعات.
بل أن ما يجرى فى ضمير الفرد من صراع وما تسكن رأسه من خواطر وما تتنازعه من رغبات هو المفتاح للمشكلة كلها..
وإذا كان البحر تلوث ..فقد تلوث بنا نحن وبما أفرزناه فيه.
إن فضلات أفكارنا ورغباتنا هى التى صنعت كل هذا ..
سمعت الرجل يلوم زوجته ويلقى براسها وعلى النساء جميعا ما بالعالم من بؤس..فهى لا ترضى ولا تشبع ولا تكف عن الطلب وهى كرباج لا يكف ولا ينزل على ظهرة ليجرى ويهرول ويسعى إلى السوق لتنفق ماجمع وتطلب المزيد ولا هامش ليدها للاكتفاء.
وإذا صدق الرجل فى شكواه فهو ملوم هو الآخر مثل زوجته فيبدو أنه لا هامش ليده للخضوع والرضوخ والضعف والاستكانة ..فهو ملوم لضعفه بمثل ماهى ملومة لضغيانها ولن تكون الذرية التى ينجبها الاثنان إلا استمرارا لهذه العيوب وتضخيمها لها مع مرور الوقت ..وهكذا تتفاقم العيوب بمثل ما تتضاعف الأرقام فى متوالية حسابية..وتتدهور الأجيال ويتدهور النتاج الإنسانى فنا وفكراً وسياسة..ومع الوقت لن يكون التقدم العلمى فى مثل هذه المجتمعات حسنة بل عيبا لأنه سيضع فى يد هؤلاء الضعاف وسيلة دمار كلية يقضون بها على كل شئ وينسفون بها كل ما كسبه أجدادهم من تراث الحضارة وا بنوه وما شيدوه بعرقهم ودمائهم.
إن العلم سوف يسلح الحماقة.
وطاقة الذرة سوف تكون ذراعا للطغيان وأداة لحب السيطرة.
والصاروخ سوف يكون أداة للقهر والاستبداد.
وسوف تتجسد المأساة فى هذا المسخ الشائه الذى له ذراعا شمشون والذى له ضمير وغد محتال.
ولكنا جميعا وضعنا بذرة هذا المسخ ونحن جميعا أنجبناه وربيناه.
ولايملك أحدنا أن يبرئ نفسه.
وقديما قال عمر بن الخطاب (لو عثرت دابة فى العراق لرأيت نفسى مسئولا عما حدث لها ) وهى قولة حق ..فما يجرى فى أى مجتمع هو محصلة أفعال أفراده وكل منهم مسئول بحسب مكانه تصاعديا من القاعدة إلى القمة.
إن ما يحدث لنا هو نحن وكل واحد لا يقابل فى الطريق إلا نفسه..
المجرم تتسابق إليه مناسبات الاجرام والفاضل الخير تتسابق إليه مناسبات الخير والعطاء.
وبمثل ما تجود أيدينا تجود أرضنا وتجود سماؤنا لأن الذى خلق الكون خلق له قوانين الحافظة التى يزدهر بها طالما كان ناميا والقوانين الهادمة له إذا دب فيه الفساد ونخر فيه السوس.
وبيئة المجتمع مثل بنية الجسم هى فى نماء واذدهار طالما غلبت فيها عوامل الانسجام والنظام والصحة فإذا غلب الاضراب والفوضى والمرض تداعب إلى تراب.
فلا تلوموا القدر ولا تحتجوا على السماء ولا تقولوا ظلمنا ربنا بهذه الكوارث..
بل قولوا ربنا ظلمنا أنفسنا..
ولينظر كل منا ماذا يفعل فى دولة نفسه وإلى أى جانب من رغباته ينحاز..إلى لذاته العاجلة وإلى منفعته الذاتية أم إلى نجدة المحروم ونصرة الضعيف..
إلى الأصنام المادية يتوجه؟؟!أم إلى القيم ..أم إلى الرب القيم ثم لينظر ماذا يفعل لا ماذا يقول ..
وماذا يخفى لا ماذا يعلن ..
وحينئذ سيعرف الجواب على سؤاله
لماذا كل هذه الكوارث .. !
من كتاب : نار تحت الرماد
الدكتور : مصطفى محمود (رحمه الله ). ❝ ⏤مصطفى محمود
❞ لماذا الكوارث..
إن كل ما بالعالم من كوارث وازمات ومحن وحروب ومجاعات ينبع من اصل واحد هو أزمة الضمير الإنسانى وما أصابه.
إن السماء لن تجود بالماء ولا الأرض بالحياة وأبناؤها يسفحون عليها الدم
بغيا وجورا على بعضهم البعض فخالق الأرض وما تثمر من غلات هو الله وحده وبيده مرفق المياه الذى ينساب من السماء كما أن بيده تغوير المياه الجوفية التى تخرج من الأرض وهو قد جعل الاجتهاد سببا فى الرزق كما جعل الطاعة والتقوى والمحبة مؤهلات أكبر خطرا ..
ولا شك أن الشرور والمحن التى تغرق الأرض يواكبها على الناحية الاخرى موجات الكفر والشرك والوثنية والتدهور الخلقى وتفكك الأسرة وطغيان الظلم وغلبة الشهوات المادية على كل القيم والاعتبارات ..حتى فى البلاد التى عرفت بتراثها العريق فى الدين والتدين قد انحسر الآن إلى مجرد شكليات دينية فى حين انحرف السلوك إلى مادية مسرفة وراح الكل يتسابق إلى الكسب المادى والثراء العاجل على حساب جميع القيم الدينية.
وإذا كان ما يجرى فى أثيوبيا بسبب القحط والجفاف من موت الملايين جوعا وعطشا يذيب الفؤاد حسرة وألما ..فإن ماجاء فى تقرير لجنة المعونة البريطانية لأثيوبيا يستوقف النظر فقد جاء فى التقرير أن المعونة لا تصل إلى المستحقين وأنها تمنع عن القرى التى بها ثوار وأن هذه القرى تترك ليفترسها الجوع والعطش بينما تذهب المعونة إلى الجيش وإلى القوات الحكومية ويعلق التقرير على البذخ والملايين والدولارات التى انفقتها الحكومة فى الاحتفال بأعياد الاشتراكية وفى الولائم والمسيرات الشبابية والمهرجانات فى اديس أبابا بينما الفلاحون يموتون هم وبهائهم جوعا وعطشا فى القرى الاثيوبية وهو كلام يقال فى مواطن كثيرة ولدول كثيرة من العالم وليس لاثيوبيا وحدها.
إن الخير وحتى الخير البحت الذى ينبع من الضمير لا يوزع بضمير ويظل المبدأ هو نفس المبدأ ..أنا آكل وخصمى فى الرآى يموت..
ماذا يتوقع فى عالم كهذا..
إن ما يجرى داخل الاسرة وداخل الوطن من مظالم يظهر مكبرا على مساحة العالم كله ثم يعود فيظهر مترجما فى احداث وازمات وحروب ومحن واوبئة ومجاعات.
بل أن ما يجرى فى ضمير الفرد من صراع وما تسكن رأسه من خواطر وما تتنازعه من رغبات هو المفتاح للمشكلة كلها..
وإذا كان البحر تلوث ..فقد تلوث بنا نحن وبما أفرزناه فيه.
إن فضلات أفكارنا ورغباتنا هى التى صنعت كل هذا ..
سمعت الرجل يلوم زوجته ويلقى براسها وعلى النساء جميعا ما بالعالم من بؤس..فهى لا ترضى ولا تشبع ولا تكف عن الطلب وهى كرباج لا يكف ولا ينزل على ظهرة ليجرى ويهرول ويسعى إلى السوق لتنفق ماجمع وتطلب المزيد ولا هامش ليدها للاكتفاء.
وإذا صدق الرجل فى شكواه فهو ملوم هو الآخر مثل زوجته فيبدو أنه لا هامش ليده للخضوع والرضوخ والضعف والاستكانة ..فهو ملوم لضعفه بمثل ماهى ملومة لضغيانها ولن تكون الذرية التى ينجبها الاثنان إلا استمرارا لهذه العيوب وتضخيمها لها مع مرور الوقت ..وهكذا تتفاقم العيوب بمثل ما تتضاعف الأرقام فى متوالية حسابية..وتتدهور الأجيال ويتدهور النتاج الإنسانى فنا وفكراً وسياسة..ومع الوقت لن يكون التقدم العلمى فى مثل هذه المجتمعات حسنة بل عيبا لأنه سيضع فى يد هؤلاء الضعاف وسيلة دمار كلية يقضون بها على كل شئ وينسفون بها كل ما كسبه أجدادهم من تراث الحضارة وا بنوه وما شيدوه بعرقهم ودمائهم.
إن العلم سوف يسلح الحماقة.
وطاقة الذرة سوف تكون ذراعا للطغيان وأداة لحب السيطرة.
والصاروخ سوف يكون أداة للقهر والاستبداد.
وسوف تتجسد المأساة فى هذا المسخ الشائه الذى له ذراعا شمشون والذى له ضمير وغد محتال.
ولكنا جميعا وضعنا بذرة هذا المسخ ونحن جميعا أنجبناه وربيناه.
ولايملك أحدنا أن يبرئ نفسه.
وقديما قال عمر بن الخطاب (لو عثرت دابة فى العراق لرأيت نفسى مسئولا عما حدث لها ) وهى قولة حق ..فما يجرى فى أى مجتمع هو محصلة أفعال أفراده وكل منهم مسئول بحسب مكانه تصاعديا من القاعدة إلى القمة.
إن ما يحدث لنا هو نحن وكل واحد لا يقابل فى الطريق إلا نفسه..
المجرم تتسابق إليه مناسبات الاجرام والفاضل الخير تتسابق إليه مناسبات الخير والعطاء.
وبمثل ما تجود أيدينا تجود أرضنا وتجود سماؤنا لأن الذى خلق الكون خلق له قوانين الحافظة التى يزدهر بها طالما كان ناميا والقوانين الهادمة له إذا دب فيه الفساد ونخر فيه السوس.
وبيئة المجتمع مثل بنية الجسم هى فى نماء واذدهار طالما غلبت فيها عوامل الانسجام والنظام والصحة فإذا غلب الاضراب والفوضى والمرض تداعب إلى تراب.
فلا تلوموا القدر ولا تحتجوا على السماء ولا تقولوا ظلمنا ربنا بهذه الكوارث..
بل قولوا ربنا ظلمنا أنفسنا..
ولينظر كل منا ماذا يفعل فى دولة نفسه وإلى أى جانب من رغباته ينحاز..إلى لذاته العاجلة وإلى منفعته الذاتية أم إلى نجدة المحروم ونصرة الضعيف..
إلى الأصنام المادية يتوجه؟؟!أم إلى القيم ..أم إلى الرب القيم ثم لينظر ماذا يفعل لا ماذا يقول ..
وماذا يخفى لا ماذا يعلن ..
وحينئذ سيعرف الجواب على سؤاله
لماذا كل هذه الكوارث .. !
من كتاب : نار تحت الرماد
الدكتور : مصطفى محمود (رحمه الله ) . ❝
❞ المسيخ الدجال قد ظهر بالفعل كما يقول الكاتب البولندي ليوبولد فايس، وقد اسلم هذا الكاتب وتسمى بإسم محمد أسد.
وهذا المسيخ الشائه ذو العين الواحدة كما يقول هو:
التقدم العلمي والقوة المادية والترف المادي. معبودات هذا الزمان .
مدينة العصر الذري، العوراء العرجاء، التي تتقدم في اتجاه واحد، وترى في اتجاه واحد هو الاتجاه المادي .
على حين تفتقد العين الثانية ((الروح)) التي تبصر البعد الروحي للحياة . فهي قوة بلا محبة، وعلم بلا دين، وتكنولوجيا بلا اخلاق .
وقد استطاع هذا المسخ فعلا عن طريق العلم ان يسمع ما يدور في اقصى الارض ((باللاسلكي)) ويرى ما يجري في اخر الدنيا ((بالتلفزيون))، وهو الان يسقط المطر بوسائل صناعية، ويزرع الصحارى، ويشفي المرضى وينقل قلوب الاموات الى الاحياء، ويطير حول الارض في صواريخ وينشر الموت والدمار بالقنابل الذرية، ويكشف عروق الذهب في باطن الجبال .
وقد افتتن الناس بهذا المسخ فعبدوه. وامام هذا الاستعراض الباهر للتقدم العلمي الغربي فقدنا نحن الشرقيين ثقتنا بأنفسنا ونظرنا بإحتقار الى تراثنا وديننا.
وفي حمى الشعور بالنقص والتخلف تصورنا ان دياناتنا ضرب من الخرافات المخجلة التي يجب ان نتخلص منها لنلحق بركب التقدم وندخل في رحاب المعبد الجديد. معبد العلم لنعبد ذلك الإله الجديد الذي اسمه القوة المادية وسجدنا مبهورين فاقدي الوعي وقد اختلطت علينا الوسيلة بالغاية
فجعلنا من القوة المادية غايتنا . ونسينا انها مجرد وسيلة واداة .
القطار وسيلة .
والتلغراف وسيلة .
والكهرباء وسيلة .
والطاقة الذرية وسيلة .
ودور هذه الوسائل ان توضع في خدمة الانسان لتحرره من الضرورات المادية فيفرغ الى الفكر والتأمل واثراء روحه بالمعرفة الحقة .
وبدلا من ان تكون هذه الوسائل في خدمتنا اصبحنا نحن في خدمتها نكد ونكدح ونتعارك ونتكالب لنمتلك عربة وراديو وتلفزيونا. فإذا امتلكنا هذه الاشياء ازددنا نهما ورغبة لنمتلك عربة اكبر ثم جهاز تسجيل ستيريوفونيك ثم قاربا للنزهة ثم يختا ثم فيلا وحديقة وحمام سباحة ..
ثم طائرة خاصة ان امكن، ويطيش صوابنا شيئا فشيئا امام سيل المنتجات الاستهلاكية التي تملأ الفترينات..ونتحول الى جوع اكال يزداد جوعا كلما امعن في الشراء. وحلقة مفرغة من الاطماع لا تنتهي لتبدأ .
وهي ابدا تهدف الى اقتناء سبب من اسباب القوة المادية او الترف الحياتي مما تطرحه التكنولوجيا كل يوم في واجهات المحلات .
. ❝ ⏤مصطفى محمود
❞ المسيخ الدجال قد ظهر بالفعل كما يقول الكاتب البولندي ليوبولد فايس، وقد اسلم هذا الكاتب وتسمى بإسم محمد أسد.
وهذا المسيخ الشائه ذو العين الواحدة كما يقول هو:
التقدم العلمي والقوة المادية والترف المادي. معبودات هذا الزمان .
مدينة العصر الذري، العوراء العرجاء، التي تتقدم في اتجاه واحد، وترى في اتجاه واحد هو الاتجاه المادي .
على حين تفتقد العين الثانية ((الروح)) التي تبصر البعد الروحي للحياة . فهي قوة بلا محبة، وعلم بلا دين، وتكنولوجيا بلا اخلاق .
وقد استطاع هذا المسخ فعلا عن طريق العلم ان يسمع ما يدور في اقصى الارض ((باللاسلكي)) ويرى ما يجري في اخر الدنيا ((بالتلفزيون))، وهو الان يسقط المطر بوسائل صناعية، ويزرع الصحارى، ويشفي المرضى وينقل قلوب الاموات الى الاحياء، ويطير حول الارض في صواريخ وينشر الموت والدمار بالقنابل الذرية، ويكشف عروق الذهب في باطن الجبال .
وقد افتتن الناس بهذا المسخ فعبدوه. وامام هذا الاستعراض الباهر للتقدم العلمي الغربي فقدنا نحن الشرقيين ثقتنا بأنفسنا ونظرنا بإحتقار الى تراثنا وديننا.
وفي حمى الشعور بالنقص والتخلف تصورنا ان دياناتنا ضرب من الخرافات المخجلة التي يجب ان نتخلص منها لنلحق بركب التقدم وندخل في رحاب المعبد الجديد. معبد العلم لنعبد ذلك الإله الجديد الذي اسمه القوة المادية وسجدنا مبهورين فاقدي الوعي وقد اختلطت علينا الوسيلة بالغاية
فجعلنا من القوة المادية غايتنا . ونسينا انها مجرد وسيلة واداة .
القطار وسيلة .
والتلغراف وسيلة .
والكهرباء وسيلة .
والطاقة الذرية وسيلة .
ودور هذه الوسائل ان توضع في خدمة الانسان لتحرره من الضرورات المادية فيفرغ الى الفكر والتأمل واثراء روحه بالمعرفة الحقة .
وبدلا من ان تكون هذه الوسائل في خدمتنا اصبحنا نحن في خدمتها نكد ونكدح ونتعارك ونتكالب لنمتلك عربة وراديو وتلفزيونا. فإذا امتلكنا هذه الاشياء ازددنا نهما ورغبة لنمتلك عربة اكبر ثم جهاز تسجيل ستيريوفونيك ثم قاربا للنزهة ثم يختا ثم فيلا وحديقة وحمام سباحة ..
ثم طائرة خاصة ان امكن، ويطيش صوابنا شيئا فشيئا امام سيل المنتجات الاستهلاكية التي تملأ الفترينات..ونتحول الى جوع اكال يزداد جوعا كلما امعن في الشراء. وحلقة مفرغة من الاطماع لا تنتهي لتبدأ .
وهي ابدا تهدف الى اقتناء سبب من اسباب القوة المادية او الترف الحياتي مما تطرحه التكنولوجيا كل يوم في واجهات المحلات .