❞ مراجعة رواية ماريو وأبو العباس للكاتبة الجميلة د / ريم بسيوني :
إن للجبن ضريبةً باهظة يظل المرء يدفعها طيلة حياته كما يظل ينتقل من مشكلة لأخرى ويعاني الأمرَّين ويكابد المشقات على مدار الطريق ذلك لأن التخاذل لم يكن يوماً من شِيم الأقوياء وهو المصير الطبيعي لأفعالهم الوضيعة ، فقد تخلَّف عن الدفاع عن بلاده بشجاعة واستبسال وحمايته من يد الطُغاة المستعمرين الذين وضعوا قبضتهم عليه مُصرِّين على البقاء فيه لأبد الآبدين معتقدين أن في هذا حقاً لهم ، فلم تكن إراقة الدماء واستباحة الأراضي وإزهاق الأرواح حقاً لأحد ذات يوم ولكنها الظنون الوهمية التي تمحق البلاد كافة وتطمس تاريخها وتُدمِّر كل شبر فيها بلا التفات من أحد مواطنيها وهذا أكبر عار قد يصدر عن أحد ، هذا ما تبدَّى لنا في بداية الأحداث ورُغم أنه أبلى بلاءً حسناً في بعض الحروب الأخرى وتجلَّت شجاعته وحرصه على نُصرة تلك البلاد وإرجاع الحقوق لأصحابها فكان من الأجدر والأولَى أنْ يدافع عن أرض وطنه التي ينتمي إليها وتربَّى فيها بالفعل بدلاً من الحفاظ على أراضي الغير من أيدي المعتدين ،
فقد غادر بطل الرواية أبو العباس المُرسي أراضيه في الأندلس بعدما احتلها الفرنجة وفَرَّ هارباً مع أسرته قاصداً تونس هو وجميع مَنْ في البلاد ، وحدث ما لم يكن في الحسبان فقَبْل الوصول انشقت السفينة وابتلعهم البحر جميعاً ولم ينجُ من الركاب سوى هو وأخوه الذي ظل يبحث عنه وقتاً طويلاً حتى عثر عليه وحينها استمرا في البحث عن أهلهما ولم يجدا أثراً لهم ، أصابهما الحزن الشديد ومن ثَم قرر محمد أخوه أنْ يلتفت لحياته ويستمر في ممارسة تجارة القمح التي تركها له والده ولم يتمكن أحمد من ممارسة الحياة بسهولة لفترة طويلة إلى أنْ وجد وسيلة للعيش بمرور الوقت فقد التقى بفتاة ساعدها في جلب الماء من البئر فعَمِل لدى والدها الشيخ لفترة ما وتعرَّض للمزيد من المشاكل معه انتهت بزَجِّه في السجن على جُرم لم يقترفه حينما وشاه للوالي فذهب إليه أخوه وأَخرجه ونصحه بألا يفتعل المشكلات مع الآخرين وليتذكر أنه ليس بوطنه كي يحميه أحد أو يُنقذه ولكنه لم يُنصت إليه فلم يكن يحب الظلم أو يرغب في تفشيه على يد أي امرئ ظالم يبطش بكل عبد ضعيف أو ذي حاجة ، ثم انتقل إلى الإسكندرية التي أحبَها كثيراً وكان يتعجب من جمالها وبخاصةً الفنار الذي لفَته وقرر البحث عن طريقة تشييده وكيف تعمل تلك المرآة العاكسة داخله ، ظل ينتقل ويرتحل بين البلدان حتى استقر به الحال في المنصورة التي كانت بداية الحروب حيث هزم التتار في دمياط وكان يشعر أنه من الصعب عليهم الدخول للمنصورة ولكن بمرور الوقت دلَّهم أحد الخونة على معبر يمكِّنهم من استعمار تلك البلاد وقد كان تسلل جيش الأعداء إلى هذا الممر السري وتمكَّنوا من وضع قبضتهم على المنصورة ولكن الجيش قد وضع خُطةً محكمة من أجل القضاء عليهم إذْ أظهروا الهزيمة واختبأوا داخل أزقة البلاد وحينما دخل الفرنجة هاجموهم وأطاحوا بهم وقضوا عليهم جميعاً ولما جاء موعد الملك أشار إليهم أحمد أبو العباس بالابتعاد فلا يَصِح أنْ يتم قتل الملك وأمرهم بأسره وإرساله إلى قصر بن لقمان ليكون عبرة لمَنْ يأتي من بَعْده ، ثم هتف الجميع باسمه وهلَّلوا لهذا النصر العظيم الذي تحقَّق على يده ومن ثم ذهب إلى بيبرس أحد قادة الأمراء المماليك وقتها فكان فخوراً به للغاية حينما أتاه بالملك أسيراً وقد أراد مكافأته فخيَّره بين الولاية والمال فلم يختَر أيهما فكل ما أراده هو العودة لبلاده فوافق بيبرس على الفور ولكنه كان حزيناً لهذا الرحيل ، مشتاقاً لتلك الفتاة المحاربة التي قابلها في بداية الحرب في دمياط ولكنه لم يجدها حينما عثر عليها في المكان الذي أخبرته عنه في دمياط فقرر العودة على ألا يتوقف عن مسيرة البحث عنها ، ولما عاد التقى بأحد الشيوخ الذي اعتمد عليه في كل شيء وكان يحضر دروسه وتقرَّب منه شيئاً فشيئاً حتى أحبَه فكان يشعر به دون أنْ يتكلم ، وفي أحد المرات شعر بأن هناك أمراً يشغله ويؤرقه فلما لم يحكِ عرف من تلقاء نفسه وأخبره أن ما قد يبحث عنه وينتقل من مكان لآخر قاصداً إياه قد يكون صوب عينيه دون أنْ يدري ، لم يفهم كلامه في بادئ الأمر ولكن بالتدريج اتضح الأمر حينما وجدها أمامه وقد كانت ابنة الشيخ ، لم يكن يُصدِّق عينيه ، طلب الزواج منها على الفور فقد أحبَها حباً جماً ، عاش حياته معها في نعيم وسعادة غير مرتقبة النظير ، ورُزقا بالبنين والبنات ، وقد قرر الشيخ أن يُولِّيه بعض المهام فطلب منه إعطاء الدروس في القاهرة ، في البداية لم يكن مُرحِّباً بالأمر ولكن بمرور الوقت قرر الذهاب وأخذ زوجته وأولاده معه إذْ لم يتمكن من فراقها يوماً ، وَفَّر لهم مكاناً آمناً يعيشون فيه كان شيخه قد أخبره عنه قبل السفر مباشرةً وقد بدأ رحلة الوعظ وإلقاء الدروس ودَلْ الناس على طريق الله ، كان خائفاً في البداية من قبول الناس له ولكن الله فتح عليه بالكلمة التي كانت تخرج من قلبه بصِدق فتدخل القلوب وتمسَّها وتؤثر فيها فقد كان الجميع يشعرون بالراحة فور الاستماع إليه ، ظل كذلك إلى أنْ انتهت المدة وعاد للأسكندرية وقد تتابعت تلك الدروس إلى أنْ اعتادها الناس جميعاً وكانوا يشتاقون إليها إلى أنْ حدث أمر جلل أصابه هو وزوجته بالجزع فقررا الرحيل تماماً من هذا المكان المشئوم إذْ وفر لهم أبو العباس مكاناً أكثر سعةً ورحابةً ولكن كان يسكنه شيخٌ لا يَطيق الأطفال فإذا به يدفع بأبنائه من فوق الدرَج فمات أحدهم وقد فجَع هذا الحدث قلبيهما ، رغبت لطيفة في أنْ يُعيد زوجها حقه ولكنه لم يجد الوسيلة المناسبة لذلك ، ظل واجماً حزيناً لفترة لا بأس بها ، وكانت تشعر بالضيق تجاهه لأنه لا يتصرف فكيف يمكنه تجاهل الأمر لتلك الدرجة البغيضة ، تركت له البيت وعادت لأبيها رُغم أنها على علم أنه لا يوجد حل يُعيد المفقود إلى حضنها مرة أخرى ، مرَّت الأيام وقد اعتصرهما الحزن وفتَّت قلبيهما ولكن ما باليد حيلة ، قررت العودة إلى بيت زوجها وكانت تخشى مواجهته بما حدث بينهما من خلاف بفعل عجزه عن إرجاع حق ابنهما ، ثم سافر إلى الحج مع أبيها وفي تلك الرحلة تُوفي والدها وشيخه ولم يكن يعرف كيف سيُخبرها بالأمر عند العودة ، كان قد عَزم أمره على استكمال الرحلة فلم يرجع سوى بعد إتمام الحج وقد لَامه الجميع على ذلك ، وحينما عاد إلى الإسكندرية انقلب عليه الجميع خاصةً حينما حثهم عبد البارئ على ذلك ، فقد كان يضمُر الشر والحقد تجاه أبي العباس حيث غار منه حينما صار خليفة الشيخ لأنه كان يرى عدم أحقيته بهذا الأمر وأنه الأجدر به حيث جاء قبله وحضر دروس الشيخ قبل أنْ يأتي أحمد إلى الإسكندرية من الأساس ، حشد الجميع ضده حتى أن متولي الإسكندرية كان يرغب في طرده وقد هدد الجميع بالعقاب العسير إنْ حضر أحدهم دروس الشيخ أو لمحهم في مجلسه فقد ارتعب الجميع واعتزلوا الشيخ تماماً ، عاني كثيراً من انصراف الناس عنه ولم يَستعِد مكانته سوى بعد مرور وقت طويل حينما رحل المتولي من البلاد تماماً حينها بدأ يسترجع وضعه وبدأت القلة القليلة تحضر دورسه مرة أخرى حتى الصيادون وتجار العبيد ، وكانت المفارقة من هنا فكيف يمكن لشخص أنْ يحبه البشر أجمعين ثم ينصرفوا عنه تماماً وكان هذا بفعل الاتحاد والتكالب الذي حدث ضده من قُبيل زميله عبد البارئ وتقي الدين فقيه الإسكندرية وقتها وهما مَنْ شنَّا الحرب ضده وجعلا متولي الإسكندرية يتخذ هذا الموقف العنيف ضده ، ولكن ما أعجبني بشدة هو براعة الكاتبة في إخراج البطل من قوقعة الإنسان المثالي فقد جذبته الدنيا في بعض المحطات فهو كبقية البشر لا يسلَم من مغرياتها ، فقد تعرَّض لمزيد من الهفوات والكبوات التي لولا تعلُّقه بالله لاجتذبه الدنيا بكل ما فيها من متاع ولكنه كان يتصدى لها ويجتنبها بقدر الإمكان حيث كان رجلاً تقياً زاهداً في الدنيا لا يبغى سوى رضا الله وقربه ، لذا حاول مجاهدة نفسه ومحاربتها من أجل الثبات على مبادئه ومعتقداته التي كان يدعو الناس إليها طوال الوقت فقد كان يستغفر ويتوب إلى الله على الفور ، وقد حدث هذا في موقفين حينما طلب منه السلطان بيبرس أنْ يصير شيخه ويعاونه في كل أموره ولكنه رفض رفضاً قاطعاً باتاً ، كان سيضعف في بادئ الأمر حينما فكَّر أن بهذا قد تسير أمور حياته بمزيد من السلاسة والمرونة ويتمكن من تلبية حاجيات أبنائه بسهولة ولكنه قد يضحي في المقابل بكل ما وصل إليه من عِلم وتاريخه الماضي الذي بذل فيه جهداً مضنياً ، وحينما اغتر بذاته وأصابه بعض الزَهو والكِبر حينما شعر من زوجته أنها تغار عليه من نجمة خاتون ملكة الديار المصرية التي كانت تفوقها جمالاً وجاهاً وسُلطةً وقد تعجَّب من هذا الأمر فكيف تفكر فيه بتلك الطريقة وهو شيخ ؟ ، كيف توقعت منه الغدر والخيانة ونقض العهد ولا يفعل ذلك شخص عادي ؟ ، حينها شعر أنه رأى ذاته في مكانة أعلى من كل البشر وتراجع واعتذر عمَّا بدر منه بالفعل وطلب منها الصَفح والسماح ،
الجدير بالذكر أن أبا العباس حظى بحب الناس حيث التف حوله الجميع وكانوا يعتبرونه عَلماً من أعلام بلادهم ورمزاً لهم حينما وجدوا في كلماته الراحة والسكون ولمست قلوبهم وأثرت فيهم بقدر كبير لأنها خرجت بصِدق من قلبه وقد دعاهم لسبيل الله ودلهم على الطريق السليم ، وبمرور الوقت ذاع صيته في الإسكندرية رغم أنها لم تكن موطنه الأصلي ، كما شُيِّد مسجد باسمه بناه أكبر مهندس معماري قَدِم من إيطاليا وكأنه بُعِث خِصيصاً لبناء هذا المسجد العريق الذي برع في رسم كل ركن من أركانه ليُعبِّر عن هذا الشيخ العظيم الذي بجَّله الجميع ورفعوا اسمه على مرِّ الزمان نظراً لقلبه النادر بين الورى ، وكان يُخيَّل إليه وقت البناء أنه يتحدث إليه أو بالكاد يعرفه عن طريق وصف الناس له كما رسم صورة له أثناء البناء وكأنه يحاول التقرب إليه وتوطيد علاقته به رغم أنه لم يَره وقد انتهى منها مع انتهائه من بناء المسجد بعد ستة عشر عاماً وقد بنى هذا المسجد تخليداً لاسمه وإبقاءً لأثره بعد الممات ، حقاً إن ترك البصمة في قلوب البشر هي غاية كل الخَلْق وما يصبو إليه الجميع بلا استثناء فيظلون يطمحون لهذا طوال أعمارهم وها قد تحقَّقت لهذا الرجل الخلوق الذي أحبه الجميع رغم اختلاف البعض عليه والتشكيك في نواياه في بادئ الأمر فقد تغيَّرت وجهات نظرهم حينما تقربوا إليه وبدأوا في حضور بعض الدورس التي كان يُلقيها لمَنْ يرغب في التقرب من الله والعمل لآخرته ، لم يكن أبو العباس كغيره من البشر ، كان زاهداً في الدنيا بالقَدْر الذي يجعله لا يرغب في نيل أي شيء منها وكل ما كان يتمناه أنْ يظل قريباً من ربه أو يَلقاه في أقرب وقت ممكن وقد كان ، حزنت كثيراً لهذا الحدث المُفجِع فقد تعلَّقت كثيراً بقصة كفاح هذا البطل المغوار الذي ضحى بحياته في سبيل الحفاظ على معتقداته ومبادئه وما كان مؤمناً به ولم يُفرِّط فيه رغم كثرة المغريات من حوله ...
مما أعجبني ؛
لقد سارت الرواية على خط متوازن لم يختل للحظة لدرجة أنك لا تفقد الشخصيات أو تتيه لوهلة كما أنها تصف أحداث حقيقية واقعية ذكَّرتني بالماضي الذي استرجعت بعض أحداثه فور القراءة المُتمعِّنة لتلك السطور البديعة التي أطرَبت القلب وشحنت الفؤاد بالطاقة وملأته بالسعادة التي غمرته على فوهته فقد غيَّرت وجهة نظري في التاريخ بالكامل ...
أبدعتِ أستاذة ريم ولن تكون أول وآخر رواية بمشيئة الله ... ❤️
#خلود_أيمن #مراجعات #روايات .. ❝ ⏤Kholoodayman1994 Saafan
❞ مراجعة رواية ماريو وأبو العباس للكاتبة الجميلة د / ريم بسيوني :
إن للجبن ضريبةً باهظة يظل المرء يدفعها طيلة حياته كما يظل ينتقل من مشكلة لأخرى ويعاني الأمرَّين ويكابد المشقات على مدار الطريق ذلك لأن التخاذل لم يكن يوماً من شِيم الأقوياء وهو المصير الطبيعي لأفعالهم الوضيعة ، فقد تخلَّف عن الدفاع عن بلاده بشجاعة واستبسال وحمايته من يد الطُغاة المستعمرين الذين وضعوا قبضتهم عليه مُصرِّين على البقاء فيه لأبد الآبدين معتقدين أن في هذا حقاً لهم ، فلم تكن إراقة الدماء واستباحة الأراضي وإزهاق الأرواح حقاً لأحد ذات يوم ولكنها الظنون الوهمية التي تمحق البلاد كافة وتطمس تاريخها وتُدمِّر كل شبر فيها بلا التفات من أحد مواطنيها وهذا أكبر عار قد يصدر عن أحد ، هذا ما تبدَّى لنا في بداية الأحداث ورُغم أنه أبلى بلاءً حسناً في بعض الحروب الأخرى وتجلَّت شجاعته وحرصه على نُصرة تلك البلاد وإرجاع الحقوق لأصحابها فكان من الأجدر والأولَى أنْ يدافع عن أرض وطنه التي ينتمي إليها وتربَّى فيها بالفعل بدلاً من الحفاظ على أراضي الغير من أيدي المعتدين ،
فقد غادر بطل الرواية أبو العباس المُرسي أراضيه في الأندلس بعدما احتلها الفرنجة وفَرَّ هارباً مع أسرته قاصداً تونس هو وجميع مَنْ في البلاد ، وحدث ما لم يكن في الحسبان فقَبْل الوصول انشقت السفينة وابتلعهم البحر جميعاً ولم ينجُ من الركاب سوى هو وأخوه الذي ظل يبحث عنه وقتاً طويلاً حتى عثر عليه وحينها استمرا في البحث عن أهلهما ولم يجدا أثراً لهم ، أصابهما الحزن الشديد ومن ثَم قرر محمد أخوه أنْ يلتفت لحياته ويستمر في ممارسة تجارة القمح التي تركها له والده ولم يتمكن أحمد من ممارسة الحياة بسهولة لفترة طويلة إلى أنْ وجد وسيلة للعيش بمرور الوقت فقد التقى بفتاة ساعدها في جلب الماء من البئر فعَمِل لدى والدها الشيخ لفترة ما وتعرَّض للمزيد من المشاكل معه انتهت بزَجِّه في السجن على جُرم لم يقترفه حينما وشاه للوالي فذهب إليه أخوه وأَخرجه ونصحه بألا يفتعل المشكلات مع الآخرين وليتذكر أنه ليس بوطنه كي يحميه أحد أو يُنقذه ولكنه لم يُنصت إليه فلم يكن يحب الظلم أو يرغب في تفشيه على يد أي امرئ ظالم يبطش بكل عبد ضعيف أو ذي حاجة ، ثم انتقل إلى الإسكندرية التي أحبَها كثيراً وكان يتعجب من جمالها وبخاصةً الفنار الذي لفَته وقرر البحث عن طريقة تشييده وكيف تعمل تلك المرآة العاكسة داخله ، ظل ينتقل ويرتحل بين البلدان حتى استقر به الحال في المنصورة التي كانت بداية الحروب حيث هزم التتار في دمياط وكان يشعر أنه من الصعب عليهم الدخول للمنصورة ولكن بمرور الوقت دلَّهم أحد الخونة على معبر يمكِّنهم من استعمار تلك البلاد وقد كان تسلل جيش الأعداء إلى هذا الممر السري وتمكَّنوا من وضع قبضتهم على المنصورة ولكن الجيش قد وضع خُطةً محكمة من أجل القضاء عليهم إذْ أظهروا الهزيمة واختبأوا داخل أزقة البلاد وحينما دخل الفرنجة هاجموهم وأطاحوا بهم وقضوا عليهم جميعاً ولما جاء موعد الملك أشار إليهم أحمد أبو العباس بالابتعاد فلا يَصِح أنْ يتم قتل الملك وأمرهم بأسره وإرساله إلى قصر بن لقمان ليكون عبرة لمَنْ يأتي من بَعْده ، ثم هتف الجميع باسمه وهلَّلوا لهذا النصر العظيم الذي تحقَّق على يده ومن ثم ذهب إلى بيبرس أحد قادة الأمراء المماليك وقتها فكان فخوراً به للغاية حينما أتاه بالملك أسيراً وقد أراد مكافأته فخيَّره بين الولاية والمال فلم يختَر أيهما فكل ما أراده هو العودة لبلاده فوافق بيبرس على الفور ولكنه كان حزيناً لهذا الرحيل ، مشتاقاً لتلك الفتاة المحاربة التي قابلها في بداية الحرب في دمياط ولكنه لم يجدها حينما عثر عليها في المكان الذي أخبرته عنه في دمياط فقرر العودة على ألا يتوقف عن مسيرة البحث عنها ، ولما عاد التقى بأحد الشيوخ الذي اعتمد عليه في كل شيء وكان يحضر دروسه وتقرَّب منه شيئاً فشيئاً حتى أحبَه فكان يشعر به دون أنْ يتكلم ، وفي أحد المرات شعر بأن هناك أمراً يشغله ويؤرقه فلما لم يحكِ عرف من تلقاء نفسه وأخبره أن ما قد يبحث عنه وينتقل من مكان لآخر قاصداً إياه قد يكون صوب عينيه دون أنْ يدري ، لم يفهم كلامه في بادئ الأمر ولكن بالتدريج اتضح الأمر حينما وجدها أمامه وقد كانت ابنة الشيخ ، لم يكن يُصدِّق عينيه ، طلب الزواج منها على الفور فقد أحبَها حباً جماً ، عاش حياته معها في نعيم وسعادة غير مرتقبة النظير ، ورُزقا بالبنين والبنات ، وقد قرر الشيخ أن يُولِّيه بعض المهام فطلب منه إعطاء الدروس في القاهرة ، في البداية لم يكن مُرحِّباً بالأمر ولكن بمرور الوقت قرر الذهاب وأخذ زوجته وأولاده معه إذْ لم يتمكن من فراقها يوماً ، وَفَّر لهم مكاناً آمناً يعيشون فيه كان شيخه قد أخبره عنه قبل السفر مباشرةً وقد بدأ رحلة الوعظ وإلقاء الدروس ودَلْ الناس على طريق الله ، كان خائفاً في البداية من قبول الناس له ولكن الله فتح عليه بالكلمة التي كانت تخرج من قلبه بصِدق فتدخل القلوب وتمسَّها وتؤثر فيها فقد كان الجميع يشعرون بالراحة فور الاستماع إليه ، ظل كذلك إلى أنْ انتهت المدة وعاد للأسكندرية وقد تتابعت تلك الدروس إلى أنْ اعتادها الناس جميعاً وكانوا يشتاقون إليها إلى أنْ حدث أمر جلل أصابه هو وزوجته بالجزع فقررا الرحيل تماماً من هذا المكان المشئوم إذْ وفر لهم أبو العباس مكاناً أكثر سعةً ورحابةً ولكن كان يسكنه شيخٌ لا يَطيق الأطفال فإذا به يدفع بأبنائه من فوق الدرَج فمات أحدهم وقد فجَع هذا الحدث قلبيهما ، رغبت لطيفة في أنْ يُعيد زوجها حقه ولكنه لم يجد الوسيلة المناسبة لذلك ، ظل واجماً حزيناً لفترة لا بأس بها ، وكانت تشعر بالضيق تجاهه لأنه لا يتصرف فكيف يمكنه تجاهل الأمر لتلك الدرجة البغيضة ، تركت له البيت وعادت لأبيها رُغم أنها على علم أنه لا يوجد حل يُعيد المفقود إلى حضنها مرة أخرى ، مرَّت الأيام وقد اعتصرهما الحزن وفتَّت قلبيهما ولكن ما باليد حيلة ، قررت العودة إلى بيت زوجها وكانت تخشى مواجهته بما حدث بينهما من خلاف بفعل عجزه عن إرجاع حق ابنهما ، ثم سافر إلى الحج مع أبيها وفي تلك الرحلة تُوفي والدها وشيخه ولم يكن يعرف كيف سيُخبرها بالأمر عند العودة ، كان قد عَزم أمره على استكمال الرحلة فلم يرجع سوى بعد إتمام الحج وقد لَامه الجميع على ذلك ، وحينما عاد إلى الإسكندرية انقلب عليه الجميع خاصةً حينما حثهم عبد البارئ على ذلك ، فقد كان يضمُر الشر والحقد تجاه أبي العباس حيث غار منه حينما صار خليفة الشيخ لأنه كان يرى عدم أحقيته بهذا الأمر وأنه الأجدر به حيث جاء قبله وحضر دروس الشيخ قبل أنْ يأتي أحمد إلى الإسكندرية من الأساس ، حشد الجميع ضده حتى أن متولي الإسكندرية كان يرغب في طرده وقد هدد الجميع بالعقاب العسير إنْ حضر أحدهم دروس الشيخ أو لمحهم في مجلسه فقد ارتعب الجميع واعتزلوا الشيخ تماماً ، عاني كثيراً من انصراف الناس عنه ولم يَستعِد مكانته سوى بعد مرور وقت طويل حينما رحل المتولي من البلاد تماماً حينها بدأ يسترجع وضعه وبدأت القلة القليلة تحضر دورسه مرة أخرى حتى الصيادون وتجار العبيد ، وكانت المفارقة من هنا فكيف يمكن لشخص أنْ يحبه البشر أجمعين ثم ينصرفوا عنه تماماً وكان هذا بفعل الاتحاد والتكالب الذي حدث ضده من قُبيل زميله عبد البارئ وتقي الدين فقيه الإسكندرية وقتها وهما مَنْ شنَّا الحرب ضده وجعلا متولي الإسكندرية يتخذ هذا الموقف العنيف ضده ، ولكن ما أعجبني بشدة هو براعة الكاتبة في إخراج البطل من قوقعة الإنسان المثالي فقد جذبته الدنيا في بعض المحطات فهو كبقية البشر لا يسلَم من مغرياتها ، فقد تعرَّض لمزيد من الهفوات والكبوات التي لولا تعلُّقه بالله لاجتذبه الدنيا بكل ما فيها من متاع ولكنه كان يتصدى لها ويجتنبها بقدر الإمكان حيث كان رجلاً تقياً زاهداً في الدنيا لا يبغى سوى رضا الله وقربه ، لذا حاول مجاهدة نفسه ومحاربتها من أجل الثبات على مبادئه ومعتقداته التي كان يدعو الناس إليها طوال الوقت فقد كان يستغفر ويتوب إلى الله على الفور ، وقد حدث هذا في موقفين حينما طلب منه السلطان بيبرس أنْ يصير شيخه ويعاونه في كل أموره ولكنه رفض رفضاً قاطعاً باتاً ، كان سيضعف في بادئ الأمر حينما فكَّر أن بهذا قد تسير أمور حياته بمزيد من السلاسة والمرونة ويتمكن من تلبية حاجيات أبنائه بسهولة ولكنه قد يضحي في المقابل بكل ما وصل إليه من عِلم وتاريخه الماضي الذي بذل فيه جهداً مضنياً ، وحينما اغتر بذاته وأصابه بعض الزَهو والكِبر حينما شعر من زوجته أنها تغار عليه من نجمة خاتون ملكة الديار المصرية التي كانت تفوقها جمالاً وجاهاً وسُلطةً وقد تعجَّب من هذا الأمر فكيف تفكر فيه بتلك الطريقة وهو شيخ ؟ ، كيف توقعت منه الغدر والخيانة ونقض العهد ولا يفعل ذلك شخص عادي ؟ ، حينها شعر أنه رأى ذاته في مكانة أعلى من كل البشر وتراجع واعتذر عمَّا بدر منه بالفعل وطلب منها الصَفح والسماح ،
الجدير بالذكر أن أبا العباس حظى بحب الناس حيث التف حوله الجميع وكانوا يعتبرونه عَلماً من أعلام بلادهم ورمزاً لهم حينما وجدوا في كلماته الراحة والسكون ولمست قلوبهم وأثرت فيهم بقدر كبير لأنها خرجت بصِدق من قلبه وقد دعاهم لسبيل الله ودلهم على الطريق السليم ، وبمرور الوقت ذاع صيته في الإسكندرية رغم أنها لم تكن موطنه الأصلي ، كما شُيِّد مسجد باسمه بناه أكبر مهندس معماري قَدِم من إيطاليا وكأنه بُعِث خِصيصاً لبناء هذا المسجد العريق الذي برع في رسم كل ركن من أركانه ليُعبِّر عن هذا الشيخ العظيم الذي بجَّله الجميع ورفعوا اسمه على مرِّ الزمان نظراً لقلبه النادر بين الورى ، وكان يُخيَّل إليه وقت البناء أنه يتحدث إليه أو بالكاد يعرفه عن طريق وصف الناس له كما رسم صورة له أثناء البناء وكأنه يحاول التقرب إليه وتوطيد علاقته به رغم أنه لم يَره وقد انتهى منها مع انتهائه من بناء المسجد بعد ستة عشر عاماً وقد بنى هذا المسجد تخليداً لاسمه وإبقاءً لأثره بعد الممات ، حقاً إن ترك البصمة في قلوب البشر هي غاية كل الخَلْق وما يصبو إليه الجميع بلا استثناء فيظلون يطمحون لهذا طوال أعمارهم وها قد تحقَّقت لهذا الرجل الخلوق الذي أحبه الجميع رغم اختلاف البعض عليه والتشكيك في نواياه في بادئ الأمر فقد تغيَّرت وجهات نظرهم حينما تقربوا إليه وبدأوا في حضور بعض الدورس التي كان يُلقيها لمَنْ يرغب في التقرب من الله والعمل لآخرته ، لم يكن أبو العباس كغيره من البشر ، كان زاهداً في الدنيا بالقَدْر الذي يجعله لا يرغب في نيل أي شيء منها وكل ما كان يتمناه أنْ يظل قريباً من ربه أو يَلقاه في أقرب وقت ممكن وقد كان ، حزنت كثيراً لهذا الحدث المُفجِع فقد تعلَّقت كثيراً بقصة كفاح هذا البطل المغوار الذي ضحى بحياته في سبيل الحفاظ على معتقداته ومبادئه وما كان مؤمناً به ولم يُفرِّط فيه رغم كثرة المغريات من حوله ..
مما أعجبني ؛
لقد سارت الرواية على خط متوازن لم يختل للحظة لدرجة أنك لا تفقد الشخصيات أو تتيه لوهلة كما أنها تصف أحداث حقيقية واقعية ذكَّرتني بالماضي الذي استرجعت بعض أحداثه فور القراءة المُتمعِّنة لتلك السطور البديعة التي أطرَبت القلب وشحنت الفؤاد بالطاقة وملأته بالسعادة التي غمرته على فوهته فقد غيَّرت وجهة نظري في التاريخ بالكامل ..
أبدعتِ أستاذة ريم ولن تكون أول وآخر رواية بمشيئة الله .. ❤️
❞ ماذا أفادتك النشبة بحبيبك، أيها المحب، أصبحت شخصًا مئق، أصبحت تَئقًا على أتفه الأسباب، ترهات الحب؛ أدت بك إلى الخسف أمام من تحب؛ كي يرضى عنكَ، ولا يتركك، أصبحت الأثول في أعين الناس، خضت الأزقة؛ لأجل المحب، أيها العاشق الولهان، لو أحببتَ ثَّلَّة، وتعلقت بها، خيرٌ لك من ألف شخص، أيها العاشقون، أفيقوا، كلما تأخرتم في معرفة وجه الحب الحقيقي، زدات حماقتكم، وكان الجرح أعمق، ماذا أفادكم الحب؟
أفادكم آلام، أورثكم عذابًا، ثم فناءً سرمديًا.. ❝ ⏤هالةمحمود
❞ ماذا أفادتك النشبة بحبيبك، أيها المحب، أصبحت شخصًا مئق، أصبحت تَئقًا على أتفه الأسباب، ترهات الحب؛ أدت بك إلى الخسف أمام من تحب؛ كي يرضى عنكَ، ولا يتركك، أصبحت الأثول في أعين الناس، خضت الأزقة؛ لأجل المحب، أيها العاشق الولهان، لو أحببتَ ثَّلَّة، وتعلقت بها، خيرٌ لك من ألف شخص، أيها العاشقون، أفيقوا، كلما تأخرتم في معرفة وجه الحب الحقيقي، زدات حماقتكم، وكان الجرح أعمق، ماذا أفادكم الحب؟
أفادكم آلام، أورثكم عذابًا، ثم فناءً سرمديًا. ❝
❞ وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ (20)
قوله تعالى : وشروه بثمن بخس دراهم معدودة وكانوا فيه من الزاهدين فيه ست مسائل : الأولى : قوله تعالى : وشروه يقال : شريت بمعنى اشتريت ، وشريت بمعنى بعت لغة ; قال الشاعر :
وشريت بردا ليتني من بعد برد كنت هامه
أي بعت . وقال آخر :
فلما شراها فاضت العين عبرة وفي الصدر حزاز من اللوم حامز
بثمن بخس أي نقص ; وهو هنا مصدر وضع موضع الاسم ; أي باعوه بثمن مبخوس ، أي منقوص . ولم يكن قصد إخوته ما يستفيدونه من ثمنه ، وإنما كان قصدهم ما يستفيدونه من خلو وجه أبيهم عنه . وقيل : إن يهوذا رأى من بعيد أن يوسف أخرج من الجب فأخبر إخوته فجاءوا وباعوه من الواردة . وقيل : لا بل عادوا بعد ثلاث إلى البئر يتعرفون الخبر ، فرأوا أثر السيارة فاتبعوهم وقالوا : هذا عبدنا أبق منا فباعوه منهم . وقال قتادة : " بخس " ظلم وقال الضحاك ومقاتل والسدي وابن عطاء : " بخس " حرام . وقال ابن العربي : ولا وجه له ، وإنما الإشارة فيه إلى أنه لم يستوف ثمنه بالقيمة ; لأن إخوته إن كانوا باعوه فلم يكن قصدهم ما يستفيدونه من ثمنه ، وإنما كان قصدهم ما يستفيدون من خلو وجه أبيهم عنه ; وإن كان الذين باعوه الواردة فإنهم أخفوه مقتطعا ; أو قالوا لأصحابهم : أرسل معنا بضاعة فرأوا أنهم لم يعطوا عنه ثمنا وأن ما أخذوا فيه ربح كله .
قلت : قوله - وإنما الإشارة فيه إلى أنه لم يستوف ثمنه بالقيمة - يدل على أنهم لو أخذوا القيمة فيه كاملة كان ذلك جائزا وليس كذلك ; فدل على صحة ما قاله السدي وغيره ; لأنهم أوقعوا البيع على نفس لا يجوز بيعها ، فلذلك كان لا يحل لهم ثمنه . وقال عكرمة والشعبي : قليل . وقال ابن حيان : زيف . وعن ابن عباس وابن مسعود باعوه بعشرين درهما أخذ كل واحد من إخوته درهمين ، وكانوا عشرة ; وقاله قتادة والسدي . وقال أبو العالية ومقاتل : اثنين وعشرين درهما ، وكانوا أحد عشر أخذ كل واحد درهمين ; وقاله مجاهد . وقال عكرمة : أربعين درهما ; وما روي عن الصحابة أولى . و " بخس " من نعت " ثمن " .
دراهم معدودة على البدل والتفسير له . ويقال : دراهيم على أنه جمع درهام ، وقد يكون اسما للجمع عند سيبويه ، ويكون أيضا عنده على أنه مد الكسرة فصارت ياء ، وليس هذا مثل مد المقصور ; لأن مد المقصور لا يجوز عند البصريين في شعر ولا غيره . وأنشد النحويون :
تنفي يداها الحصى في كل هاجرة نفي الدراهيم تنقاد الصياريف
" معدودة " نعت ; وهذا يدل على أن الأثمان كانت تجري عندهم عدا لا وزنا بوزن . وقيل : هو عبارة عن قلة الثمن ; لأنها دراهم لم تبلغ أن توزن لقلتها ; وذلك أنهم كانوا لا يزنون ما كان دون الأوقية ، وهي أربعون درهما .
الثانية : قال القاضي ابن العربي : وأصل النقدين الوزن ; قال - صلى الله عليه وسلم - : لا تبيعوا الذهب بالذهب ولا الفضة بالفضة إلا وزنا بوزن من زاد أو ازداد فقد أربى . والزنة لا فائدة فيها إلا المقدار ; فأما عينها فلا منفعة فيه ، ولكن جرى فيها العد تخفيفا عن الخلق لكثرة المعاملة ، فيشق الوزن ; حتى لو ضرب مثاقيل أو دراهم لجاز بيع بعضها ببعض عدا إذا لم يكن بها نقصان ولا رجحان ; فإن نقصت عاد الأمر إلى الوزن ; ولأجل ذلك كان كسرها أو قرضها من الفساد في الأرض حسب ما تقدم .
الثالثة : واختلف العلماء في الدراهم والدنانير هل تتعين أم لا ؟ وقد اختلفت الرواية في ذلك عن مالك : فذهب أشهب إلى أن ذلك لا يتعين ، وهو الظاهر من قول مالك ; وبه قال أبو حنيفة . وذهب ابن القاسم إلى أنها تتعين ، وحكي عن الكرخي ; وبه قال الشافعي . وفائدة الخلاف أنا إذا قلنا لا تتعين فإذا قال : بعتك هذه الدنانير بهذه الدراهم تعلقت الدنانير بذمة صاحبها ، والدراهم بذمة صاحبها ; ولو تعينت ثم تلفت لم يتعلق بذمتهما شيء ، وبطل العقد كبيع الأعيان من العروض وغيرها .
الرابعة : روي عن الحسن بن علي - رضي الله عنهما - أنه قضى في اللقيط أنه حر ، وقرأ : وشروه بثمن بخس دراهم معدودة وقد مضى القول فيه .
الخامسة : قوله تعالى : وكانوا فيه من الزاهدين قيل : المراد إخوته . وقيل : السيارة . وقيل : الواردة ; وعلى أي تقدير فلم يكن عندهم غبيطا ، لا عند الإخوة ; لأن المقصد زواله عن أبيه لا ماله ، ولا عند السيارة لقول الإخوة إنه عبد أبق منا - والزهد قلة الرغبة - ولا عند الواردة لأنهم خافوا اشتراك أصحابهم معهم ، ورأوا أن القليل من ثمنه في الانفراد أولى .
السادسة : في هذه الآية دليل واضح على جواز شراء الشيء الخطير بالثمن اليسير ، ويكون البيع لازما ; ولهذا قال مالك : لو باع درة ذات خطر عظيم بدرهم ثم قال لم أعلم أنها درة وحسبتها مخشلبة لزمه البيع ولم يلتفت إلى قوله .
وقيل : وكانوا فيه من الزاهدين أي في حسنه ; لأن الله تعالى وإن أعطى يوسف شطر الحسن صرف عنه دواعي نفوس القوم إليه إكراما له . وقيل : وكانوا فيه من الزاهدين لم يعلموا منزلته عند الله تعالى . وحكى سيبويه والكسائي : زهدت وزهدت بكسر الهاء وفتحها .. ❝ ⏤محمد رشيد رضا
❞ وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ (20)
قوله تعالى : وشروه بثمن بخس دراهم معدودة وكانوا فيه من الزاهدين فيه ست مسائل : الأولى : قوله تعالى : وشروه يقال : شريت بمعنى اشتريت ، وشريت بمعنى بعت لغة ; قال الشاعر :
وشريت بردا ليتني من بعد برد كنت هامه
أي بعت . وقال آخر :
فلما شراها فاضت العين عبرة وفي الصدر حزاز من اللوم حامز
بثمن بخس أي نقص ; وهو هنا مصدر وضع موضع الاسم ; أي باعوه بثمن مبخوس ، أي منقوص . ولم يكن قصد إخوته ما يستفيدونه من ثمنه ، وإنما كان قصدهم ما يستفيدونه من خلو وجه أبيهم عنه . وقيل : إن يهوذا رأى من بعيد أن يوسف أخرج من الجب فأخبر إخوته فجاءوا وباعوه من الواردة . وقيل : لا بل عادوا بعد ثلاث إلى البئر يتعرفون الخبر ، فرأوا أثر السيارة فاتبعوهم وقالوا : هذا عبدنا أبق منا فباعوه منهم . وقال قتادة : ˝ بخس ˝ ظلم وقال الضحاك ومقاتل والسدي وابن عطاء : ˝ بخس ˝ حرام . وقال ابن العربي : ولا وجه له ، وإنما الإشارة فيه إلى أنه لم يستوف ثمنه بالقيمة ; لأن إخوته إن كانوا باعوه فلم يكن قصدهم ما يستفيدونه من ثمنه ، وإنما كان قصدهم ما يستفيدون من خلو وجه أبيهم عنه ; وإن كان الذين باعوه الواردة فإنهم أخفوه مقتطعا ; أو قالوا لأصحابهم : أرسل معنا بضاعة فرأوا أنهم لم يعطوا عنه ثمنا وأن ما أخذوا فيه ربح كله .
قلت : قوله - وإنما الإشارة فيه إلى أنه لم يستوف ثمنه بالقيمة - يدل على أنهم لو أخذوا القيمة فيه كاملة كان ذلك جائزا وليس كذلك ; فدل على صحة ما قاله السدي وغيره ; لأنهم أوقعوا البيع على نفس لا يجوز بيعها ، فلذلك كان لا يحل لهم ثمنه . وقال عكرمة والشعبي : قليل . وقال ابن حيان : زيف . وعن ابن عباس وابن مسعود باعوه بعشرين درهما أخذ كل واحد من إخوته درهمين ، وكانوا عشرة ; وقاله قتادة والسدي . وقال أبو العالية ومقاتل : اثنين وعشرين درهما ، وكانوا أحد عشر أخذ كل واحد درهمين ; وقاله مجاهد . وقال عكرمة : أربعين درهما ; وما روي عن الصحابة أولى . و ˝ بخس ˝ من نعت ˝ ثمن ˝ .
دراهم معدودة على البدل والتفسير له . ويقال : دراهيم على أنه جمع درهام ، وقد يكون اسما للجمع عند سيبويه ، ويكون أيضا عنده على أنه مد الكسرة فصارت ياء ، وليس هذا مثل مد المقصور ; لأن مد المقصور لا يجوز عند البصريين في شعر ولا غيره . وأنشد النحويون :
تنفي يداها الحصى في كل هاجرة نفي الدراهيم تنقاد الصياريف
˝ معدودة ˝ نعت ; وهذا يدل على أن الأثمان كانت تجري عندهم عدا لا وزنا بوزن . وقيل : هو عبارة عن قلة الثمن ; لأنها دراهم لم تبلغ أن توزن لقلتها ; وذلك أنهم كانوا لا يزنون ما كان دون الأوقية ، وهي أربعون درهما .
الثانية : قال القاضي ابن العربي : وأصل النقدين الوزن ; قال - صلى الله عليه وسلم - : لا تبيعوا الذهب بالذهب ولا الفضة بالفضة إلا وزنا بوزن من زاد أو ازداد فقد أربى . والزنة لا فائدة فيها إلا المقدار ; فأما عينها فلا منفعة فيه ، ولكن جرى فيها العد تخفيفا عن الخلق لكثرة المعاملة ، فيشق الوزن ; حتى لو ضرب مثاقيل أو دراهم لجاز بيع بعضها ببعض عدا إذا لم يكن بها نقصان ولا رجحان ; فإن نقصت عاد الأمر إلى الوزن ; ولأجل ذلك كان كسرها أو قرضها من الفساد في الأرض حسب ما تقدم .
الثالثة : واختلف العلماء في الدراهم والدنانير هل تتعين أم لا ؟ وقد اختلفت الرواية في ذلك عن مالك : فذهب أشهب إلى أن ذلك لا يتعين ، وهو الظاهر من قول مالك ; وبه قال أبو حنيفة . وذهب ابن القاسم إلى أنها تتعين ، وحكي عن الكرخي ; وبه قال الشافعي . وفائدة الخلاف أنا إذا قلنا لا تتعين فإذا قال : بعتك هذه الدنانير بهذه الدراهم تعلقت الدنانير بذمة صاحبها ، والدراهم بذمة صاحبها ; ولو تعينت ثم تلفت لم يتعلق بذمتهما شيء ، وبطل العقد كبيع الأعيان من العروض وغيرها .
الرابعة : روي عن الحسن بن علي - رضي الله عنهما - أنه قضى في اللقيط أنه حر ، وقرأ : وشروه بثمن بخس دراهم معدودة وقد مضى القول فيه .
الخامسة : قوله تعالى : وكانوا فيه من الزاهدين قيل : المراد إخوته . وقيل : السيارة . وقيل : الواردة ; وعلى أي تقدير فلم يكن عندهم غبيطا ، لا عند الإخوة ; لأن المقصد زواله عن أبيه لا ماله ، ولا عند السيارة لقول الإخوة إنه عبد أبق منا - والزهد قلة الرغبة - ولا عند الواردة لأنهم خافوا اشتراك أصحابهم معهم ، ورأوا أن القليل من ثمنه في الانفراد أولى .
السادسة : في هذه الآية دليل واضح على جواز شراء الشيء الخطير بالثمن اليسير ، ويكون البيع لازما ; ولهذا قال مالك : لو باع درة ذات خطر عظيم بدرهم ثم قال لم أعلم أنها درة وحسبتها مخشلبة لزمه البيع ولم يلتفت إلى قوله .
وقيل : وكانوا فيه من الزاهدين أي في حسنه ; لأن الله تعالى وإن أعطى يوسف شطر الحسن صرف عنه دواعي نفوس القوم إليه إكراما له . وقيل : وكانوا فيه من الزاهدين لم يعلموا منزلته عند الله تعالى . وحكى سيبويه والكسائي : زهدت وزهدت بكسر الهاء وفتحها. ❝
❞ اغرب مهر في تاريخ البشرية لم يقدمه العريس ولا اهله انما قدمته القرية كلها
بقلم د محمد عمر
من اغرب القصص في تاريخ البشرية والتي لا تقبل شرعا ولا عقلا ولا عرفا قصة زواج شكيم بن حمور الحوي رئيس الارض في زمن حياة نبي الله يعقوب والقصة كما جاءت في الاصحاح الرابع والثلاثون من سفر التكوين في الكتاب المقدس عن النصاري واليهود الكتابيين وفيها ان دينة ابنة يعقوب خرجت يبدوا في نزهة لتتفقد المدينة فاذا بشكيم بن حمور راها فاعجبته فمن غير استاذان ولا تردد انما زني بها ويبدوا انها طابت له فما استطاع ان يعيش من غير ان يرتبط بها فاخذ اباه وذهب لملاقاة يعقوب وابناءه ليخطب دينة
ومن العجيب ان يعقوب وابناءه لم يغضبا لانتهاك عرض ابنتهم انما كل اعتراضهم بعد ان عرض الشاب عليهم ان يطلبو ما يشاءون من المال وقال لهم كثروا عليا مهر وعطية لكنهم لم يكن بغيتهم المال انما كل اعتراضهم ان القوم لا يختتنون وهم لا يستطيعون تزويج ابنتهم لرجل اغلف لا يختتن فان هم وافقوا علي اجراء الختان لكل رجال القرية فلا مانع عند يعقوب وابناءه من اتمام الزواج بل وتوسيع دائرة التعامل بين شكيم وحمور وبين يعقوب وابناءه فما كان من شكيم وحمور الا ان اقروا بهذا الكلام وتعاهدوا علي ختان اهل القرية جميعا ثم عادوا وقد قاموا بختان جميع رجال القرية بما فيهم شكيم وحمور فانتهزا شمعون ولاوي ابناء يعقوب الفرصة وهم متوجعين من اثر الختان فانقضوا عليهم جميها وقتلو الرجال والصبيان وساقو جميع مقتنياتهم ومواشيهم سبايا ومما اغضب يعقوب من هذه الحادثة ليس قضية زنا او انتهاك شرف ابنته ولا قتل جميع اهل القرية بدون سبب ولا سلب ونهب جميع ممتلكات اهل القرية انما قوله لابناءه كدرتماني بين اهل الارض او بلغتنا العامية جعلتموني شخص مكروه من اهل القرية
فيا اصحاب العقول هل مثل هذه القصة من افلام هوليود ام ان هذا وحي السماء ؟
فانا لم اكتب تعليق انما اترك التعليق للقاري فمهر هذه الصبية بعد ان زني بها شكيم هي ختان جميع اهل القرية ؟
(وَخَرَجَتْ دِينَةُ ابْنَةُ لَيْئَةَ الَّتِي وَلَدَتْهَا لِيَعْقُوبَ لِتَنْظُرَ بَنَاتِ الأَرْضِ،فَرَآهَا شَكِيمُ ابْنُ حَمُورَ الْحِوِّيِّ رَئِيسِ الأَرْضِ، وَأَخَذَهَا وَاضْطَجَعَ مَعَهَا وَأَذَلَّهَا وَتَعَلَّقَتْ نَفْسُهُ بِدِينَةَ ابْنَةِ يَعْقُوبَ، وَأَحَبَّ الْفَتَاةَ وَلاَطَفَ الْفَتاةَ فَكَلَّمَ شَكِيمُ حَمُورَ أَبِاهُ قَائِلًا: «خُذْ لِي هذِهِ الصَّبِيَّةَ زَوْجَةً وَسَمِعَ يَعْقُوبُ أَنَّهُ نَجَّسَ دِينَةَ ابْنَتَهُ. وَأَمَّا بَنُوهُ فَكَانُوا مَعَ مَوَاشِيهِ فِي الْحَقْلِ، فَسَكَتَ يَعْقُوبُ حَتَّى جَاءُوا فَخَرَجَ حَمُورُ أَبُو شَكِيمَ إِلَى يَعْقُوبَ لِيَتَكَلَّمَ مَعَهُ
وَأَتَى بَنُو يَعْقُوبَ مِنَ الْحَقْلِ حِينَ سَمِعُوا. وَغَضِبَ الرِّجَالُ وَاغْتَاظُوا جِدًّا لأَنَّهُ صَنَعَ قَبَاحَةً فِي إِسْرَائِيلَ بِمُضَاجَعَةِ ابْنَةِ يَعْقُوبَ، وَهكَذَا لاَ يُصْنَعُ وَتَكَلَّمَ حَمُورُ مَعَهُمَ قَائِلًا: «شَكِيمُ ابْنِي قَدْ تَعَلَّقَتْ نَفْسُهُ بِابْنَتِكُمْ. أَعْطُوهُ إِيَّاهَا زَوْجَةً وَصَاهِرُونَا. تُعْطُونَنَا بَنَاتِكُمْ، وَتَأْخُذُونَ لَكُمْ بَنَاتِنَا وَتَسْكُنُونَ مَعَنَا، وَتَكُونُ الأَرْضُ قُدَّامَكُمُ. اسْكُنُوا وَاتَّجِرُوا فِيهَا وَتَمَلَّكُوا بِهَا ثُمَّ قَالَ شَكِيمُ لأَبِيهَا وَلإِخْوَتِهَا: «دَعُونِي أَجِدْ نِعْمَةً فِي أَعْيُنِكُمْ. فَالَّذِي تَقُولُونَ لِي أُعْطِي كَثِّرُوا عَلَيَّ جِدًّا مَهْرًا وَعَطِيَّةً، فَأُعْطِيَ كَمَا تَقُولُونَ لِي. وَأَعْطُونِي الْفَتَاةَ زَوْجَةً فَأَجَابَ بَنُو يَعْقُوبَ شَكِيمَ وَحَمُورَ أَبَاهُ بِمَكْرٍ وَتَكَلَّمُوا. لأَنَّهُ كَانَ قَدْ نَجَّسَ دِينَةَ أُخْتَهُمْ،فَقَالُوُا لَهُمَا: «لاَ نَسْتَطِيعُ أَنْ نَفْعَلَ هذَا الأَمْرَ أَنْ نُعْطِيَ أُخْتَنَا لِرَجُل أَغْلَفَ، لأَنَّهُ عَارٌ لَنَا غَيْرَ أَنَّنَا بِهذَا نُواتِيكُمْ: إِنْ صِرْتُمْ مِثْلَنَا بِخَتْنِكُمْ كُلَّ ذَكَر نُعْطِيكُمْ بَنَاتِنَا وَنَأْخُذُ لَنَا بَنَاتِكُمْ، وَنَسْكُنُ مَعَكُمْ وَنَصِيرُ شَعْبًا وَاحِدًا وَإِنْ لَمْ تَسْمَعُوا لَنَا، أَنْ تَخْتَتِنُوا، نَأْخُذُ ابْنَتَنَا وَنَمْضِي فَحَسُنَ كَلاَمُهُمْ فِي عَيْنَيْ حَمُورَ وَفِي عَيْنَيْ شَكِيمَ بْنِ حَمُورَ.
وَلَمْ يَتَأَخَّرِ الْغُلاَمُ أَنْ يَفْعَلَ الأَمْرَ، لأَنَّهُ كَانَ مَسْرُورًا بِابْنَةِ يَعْقُوبَ. وَكَانَ أَكْرَمَ جَمِيعِ بَيْتِ أَبِيهِ فَأَتَى حَمُورُ وَشَكِيمُ ابْنُهُ إِلَى بَابِ مَدِينَتِهِمَا، وَكَلَّمَا أَهْلَ مَدِينَتِهِمَا قَائِلِينَ:
«هؤُلاَءِ الْقَوْمُ مُسَالِمُونَ لَنَا. فَلْيَسْكُنُوا فِي الأَرْضِ وَيَتَّجِرُوا فِيهَا. وَهُوَذَا الأَرْضُ وَاسِعَةُ الطَّرَفَيْنِ أَمَامَهُمْ. نَأْخُذُ لَنَا بَنَاتِهِمْ زَوْجَاتٍ وَنُعْطِيهِمْ بَنَاتِنَا غَيْرَ أَنَّهُ بِهذَا فَقَطْ يُواتِينَا الْقَوْمُ عَلَى السَّكَنِ مَعَنَا لِنَصِيرَ شَعْبًا وَاحِدًا: بِخَتْنِنَا كُلَّ ذَكَرٍ كَمَا هُمْ مَخْتُونُونَ.
تَكُونُ مَوَاشِيهِمْ وَمُقْتَنَاهُمْ وَكُلُّ بَهَائِمِهِمْ لَنَا؟ نُواتِيهِمْ فَقَطْ فَيَسْكُنُونَ مَعَنَا
فَسَمِعَ لِحَمُورَ وَشَكِيمَ ابْنِهِ جَمِيعُ الْخَارِجِينَ مِنْ بَابِ الْمَدِينَةِ، وَاخْتَتَنَ كُلُّ ذَكَرٍ. كُلُّ الْخَارِجِينَ مِنْ بَابِ الْمَدِينَةِ فَحَدَثَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ إِذْ كَانُوا مُتَوَجِّعِينَ أَنَّ ابْنَيْ يَعْقُوبَ، شِمْعُونَ وَلاَوِيَ أَخَوَيْ دِينَةَ، أَخَذَا كُلُّ وَاحِدٍ سَيْفَهُ وَأَتَيَا عَلَى الْمَدِينَةِ بِأَمْنٍ وَقَتَلاَ كُلَّ ذَكَر وَقَتَلاَ حَمُورَ وَشَكِيمَ ابْنَهُ بِحَدِّ السَّيْفِ، وَأَخَذَا دِينَةَ مِنْ بَيْتِ شَكِيمَ وَخَرَجَا.
ثُمَّ أَتَى بَنُو يَعْقُوبَ عَلَى الْقَتْلَى وَنَهَبُوا الْمَدِينَةَ، لأَنَّهُمْ نَجَّسُوا أُخْتَهُمْ.
غَنَمَهُمْ وَبَقَرَهُمْ وَحَمِيرَهُمْ وَكُلَّ مَا فِي الْمَدِينَةِ وَمَا فِي الْحَقْلِ أَخَذُوهُ وَسَبَوْا وَنَهَبُوا كُلَّ ثَرْوَتِهِمْ وَكُلَّ أَطْفَالِهِمْ، وَنِسَاءَهُمْ وَكُلَّ مَا فِي الْبُيُوتِ فَقَالَ يَعْقُوبُ لِشَمْعُونَ وَلاَوِي: «كَدَّرْتُمَانِي بِتَكْرِيهِكُمَا إِيَّايَ عِنْدَ سُكَّانِ الأَرْضِ الْكَنْعَانِيِّينَ وَالْفِرِزِيِّينَ، وَأَنَا نَفَرٌ قَلِيلٌ. فَيَجْتَمِعُونَ عَلَيَّ وَيَضْرِبُونَنِي، فَأَبِيدُ أَنَا وَبَيْتِي فَقَالاَ: «أَنَظِيرَ زَانِيَةٍ يَفْعَلُ بِأُخْتِنَا؟. ❝ ⏤محمد عمر عبد العزيز محمد
❞ اغرب مهر في تاريخ البشرية لم يقدمه العريس ولا اهله انما قدمته القرية كلها
بقلم د محمد عمر
من اغرب القصص في تاريخ البشرية والتي لا تقبل شرعا ولا عقلا ولا عرفا قصة زواج شكيم بن حمور الحوي رئيس الارض في زمن حياة نبي الله يعقوب والقصة كما جاءت في الاصحاح الرابع والثلاثون من سفر التكوين في الكتاب المقدس عن النصاري واليهود الكتابيين وفيها ان دينة ابنة يعقوب خرجت يبدوا في نزهة لتتفقد المدينة فاذا بشكيم بن حمور راها فاعجبته فمن غير استاذان ولا تردد انما زني بها ويبدوا انها طابت له فما استطاع ان يعيش من غير ان يرتبط بها فاخذ اباه وذهب لملاقاة يعقوب وابناءه ليخطب دينة
ومن العجيب ان يعقوب وابناءه لم يغضبا لانتهاك عرض ابنتهم انما كل اعتراضهم بعد ان عرض الشاب عليهم ان يطلبو ما يشاءون من المال وقال لهم كثروا عليا مهر وعطية لكنهم لم يكن بغيتهم المال انما كل اعتراضهم ان القوم لا يختتنون وهم لا يستطيعون تزويج ابنتهم لرجل اغلف لا يختتن فان هم وافقوا علي اجراء الختان لكل رجال القرية فلا مانع عند يعقوب وابناءه من اتمام الزواج بل وتوسيع دائرة التعامل بين شكيم وحمور وبين يعقوب وابناءه فما كان من شكيم وحمور الا ان اقروا بهذا الكلام وتعاهدوا علي ختان اهل القرية جميعا ثم عادوا وقد قاموا بختان جميع رجال القرية بما فيهم شكيم وحمور فانتهزا شمعون ولاوي ابناء يعقوب الفرصة وهم متوجعين من اثر الختان فانقضوا عليهم جميها وقتلو الرجال والصبيان وساقو جميع مقتنياتهم ومواشيهم سبايا ومما اغضب يعقوب من هذه الحادثة ليس قضية زنا او انتهاك شرف ابنته ولا قتل جميع اهل القرية بدون سبب ولا سلب ونهب جميع ممتلكات اهل القرية انما قوله لابناءه كدرتماني بين اهل الارض او بلغتنا العامية جعلتموني شخص مكروه من اهل القرية
فيا اصحاب العقول هل مثل هذه القصة من افلام هوليود ام ان هذا وحي السماء ؟
فانا لم اكتب تعليق انما اترك التعليق للقاري فمهر هذه الصبية بعد ان زني بها شكيم هي ختان جميع اهل القرية ؟
(وَخَرَجَتْ دِينَةُ ابْنَةُ لَيْئَةَ الَّتِي وَلَدَتْهَا لِيَعْقُوبَ لِتَنْظُرَ بَنَاتِ الأَرْضِ،فَرَآهَا شَكِيمُ ابْنُ حَمُورَ الْحِوِّيِّ رَئِيسِ الأَرْضِ، وَأَخَذَهَا وَاضْطَجَعَ مَعَهَا وَأَذَلَّهَا وَتَعَلَّقَتْ نَفْسُهُ بِدِينَةَ ابْنَةِ يَعْقُوبَ، وَأَحَبَّ الْفَتَاةَ وَلاَطَفَ الْفَتاةَ فَكَلَّمَ شَكِيمُ حَمُورَ أَبِاهُ قَائِلًا: «خُذْ لِي هذِهِ الصَّبِيَّةَ زَوْجَةً وَسَمِعَ يَعْقُوبُ أَنَّهُ نَجَّسَ دِينَةَ ابْنَتَهُ. وَأَمَّا بَنُوهُ فَكَانُوا مَعَ مَوَاشِيهِ فِي الْحَقْلِ، فَسَكَتَ يَعْقُوبُ حَتَّى جَاءُوا فَخَرَجَ حَمُورُ أَبُو شَكِيمَ إِلَى يَعْقُوبَ لِيَتَكَلَّمَ مَعَهُ
وَأَتَى بَنُو يَعْقُوبَ مِنَ الْحَقْلِ حِينَ سَمِعُوا. وَغَضِبَ الرِّجَالُ وَاغْتَاظُوا جِدًّا لأَنَّهُ صَنَعَ قَبَاحَةً فِي إِسْرَائِيلَ بِمُضَاجَعَةِ ابْنَةِ يَعْقُوبَ، وَهكَذَا لاَ يُصْنَعُ وَتَكَلَّمَ حَمُورُ مَعَهُمَ قَائِلًا: «شَكِيمُ ابْنِي قَدْ تَعَلَّقَتْ نَفْسُهُ بِابْنَتِكُمْ. أَعْطُوهُ إِيَّاهَا زَوْجَةً وَصَاهِرُونَا. تُعْطُونَنَا بَنَاتِكُمْ، وَتَأْخُذُونَ لَكُمْ بَنَاتِنَا وَتَسْكُنُونَ مَعَنَا، وَتَكُونُ الأَرْضُ قُدَّامَكُمُ. اسْكُنُوا وَاتَّجِرُوا فِيهَا وَتَمَلَّكُوا بِهَا ثُمَّ قَالَ شَكِيمُ لأَبِيهَا وَلإِخْوَتِهَا: «دَعُونِي أَجِدْ نِعْمَةً فِي أَعْيُنِكُمْ. فَالَّذِي تَقُولُونَ لِي أُعْطِي كَثِّرُوا عَلَيَّ جِدًّا مَهْرًا وَعَطِيَّةً، فَأُعْطِيَ كَمَا تَقُولُونَ لِي. وَأَعْطُونِي الْفَتَاةَ زَوْجَةً فَأَجَابَ بَنُو يَعْقُوبَ شَكِيمَ وَحَمُورَ أَبَاهُ بِمَكْرٍ وَتَكَلَّمُوا. لأَنَّهُ كَانَ قَدْ نَجَّسَ دِينَةَ أُخْتَهُمْ،فَقَالُوُا لَهُمَا: «لاَ نَسْتَطِيعُ أَنْ نَفْعَلَ هذَا الأَمْرَ أَنْ نُعْطِيَ أُخْتَنَا لِرَجُل أَغْلَفَ، لأَنَّهُ عَارٌ لَنَا غَيْرَ أَنَّنَا بِهذَا نُواتِيكُمْ: إِنْ صِرْتُمْ مِثْلَنَا بِخَتْنِكُمْ كُلَّ ذَكَر نُعْطِيكُمْ بَنَاتِنَا وَنَأْخُذُ لَنَا بَنَاتِكُمْ، وَنَسْكُنُ مَعَكُمْ وَنَصِيرُ شَعْبًا وَاحِدًا وَإِنْ لَمْ تَسْمَعُوا لَنَا، أَنْ تَخْتَتِنُوا، نَأْخُذُ ابْنَتَنَا وَنَمْضِي فَحَسُنَ كَلاَمُهُمْ فِي عَيْنَيْ حَمُورَ وَفِي عَيْنَيْ شَكِيمَ بْنِ حَمُورَ.
وَلَمْ يَتَأَخَّرِ الْغُلاَمُ أَنْ يَفْعَلَ الأَمْرَ، لأَنَّهُ كَانَ مَسْرُورًا بِابْنَةِ يَعْقُوبَ. وَكَانَ أَكْرَمَ جَمِيعِ بَيْتِ أَبِيهِ فَأَتَى حَمُورُ وَشَكِيمُ ابْنُهُ إِلَى بَابِ مَدِينَتِهِمَا، وَكَلَّمَا أَهْلَ مَدِينَتِهِمَا قَائِلِينَ:
«هؤُلاَءِ الْقَوْمُ مُسَالِمُونَ لَنَا. فَلْيَسْكُنُوا فِي الأَرْضِ وَيَتَّجِرُوا فِيهَا. وَهُوَذَا الأَرْضُ وَاسِعَةُ الطَّرَفَيْنِ أَمَامَهُمْ. نَأْخُذُ لَنَا بَنَاتِهِمْ زَوْجَاتٍ وَنُعْطِيهِمْ بَنَاتِنَا غَيْرَ أَنَّهُ بِهذَا فَقَطْ يُواتِينَا الْقَوْمُ عَلَى السَّكَنِ مَعَنَا لِنَصِيرَ شَعْبًا وَاحِدًا: بِخَتْنِنَا كُلَّ ذَكَرٍ كَمَا هُمْ مَخْتُونُونَ.
تَكُونُ مَوَاشِيهِمْ وَمُقْتَنَاهُمْ وَكُلُّ بَهَائِمِهِمْ لَنَا؟ نُواتِيهِمْ فَقَطْ فَيَسْكُنُونَ مَعَنَا
فَسَمِعَ لِحَمُورَ وَشَكِيمَ ابْنِهِ جَمِيعُ الْخَارِجِينَ مِنْ بَابِ الْمَدِينَةِ، وَاخْتَتَنَ كُلُّ ذَكَرٍ. كُلُّ الْخَارِجِينَ مِنْ بَابِ الْمَدِينَةِ فَحَدَثَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ إِذْ كَانُوا مُتَوَجِّعِينَ أَنَّ ابْنَيْ يَعْقُوبَ، شِمْعُونَ وَلاَوِيَ أَخَوَيْ دِينَةَ، أَخَذَا كُلُّ وَاحِدٍ سَيْفَهُ وَأَتَيَا عَلَى الْمَدِينَةِ بِأَمْنٍ وَقَتَلاَ كُلَّ ذَكَر وَقَتَلاَ حَمُورَ وَشَكِيمَ ابْنَهُ بِحَدِّ السَّيْفِ، وَأَخَذَا دِينَةَ مِنْ بَيْتِ شَكِيمَ وَخَرَجَا.
ثُمَّ أَتَى بَنُو يَعْقُوبَ عَلَى الْقَتْلَى وَنَهَبُوا الْمَدِينَةَ، لأَنَّهُمْ نَجَّسُوا أُخْتَهُمْ.
غَنَمَهُمْ وَبَقَرَهُمْ وَحَمِيرَهُمْ وَكُلَّ مَا فِي الْمَدِينَةِ وَمَا فِي الْحَقْلِ أَخَذُوهُ وَسَبَوْا وَنَهَبُوا كُلَّ ثَرْوَتِهِمْ وَكُلَّ أَطْفَالِهِمْ، وَنِسَاءَهُمْ وَكُلَّ مَا فِي الْبُيُوتِ فَقَالَ يَعْقُوبُ لِشَمْعُونَ وَلاَوِي: «كَدَّرْتُمَانِي بِتَكْرِيهِكُمَا إِيَّايَ عِنْدَ سُكَّانِ الأَرْضِ الْكَنْعَانِيِّينَ وَالْفِرِزِيِّينَ، وَأَنَا نَفَرٌ قَلِيلٌ. فَيَجْتَمِعُونَ عَلَيَّ وَيَضْرِبُونَنِي، فَأَبِيدُ أَنَا وَبَيْتِي فَقَالاَ: «أَنَظِيرَ زَانِيَةٍ يَفْعَلُ بِأُخْتِنَا؟. ❝