█ حصريا تحميل كتاب مجاناً PDF اونلاين 2024
❞ اقتربتُ من الباب مرة أخرى والتصقت به، فلم أسمع شيئًا وبينما أُدخل المفتاح في ثقب الباب، تناهى إلى سمعي صوت يأتي كما خمّنتُ من غرفة أمي، الصوت يتطابق تمامًا مع صوتها.
حال تشويش تملكتني، ولا يمكن أن أغادر المكان، ماذا ساُخبر أي جارٍ لي إذا سألني عن سبب نزولي المفاجئ مرة أخرى؟ استجمعتُ شجاعتي بعدما كادت تَفرُّ مني، وحرّكتُ المفتاح داخل الثقب، وفتحت الباب، فوجدتُ غرفة أمي منيرة وبابها مواربًا، توجهتُ إليها في حذر، نَظَرَت لي مبتهجة، وضمّت أطراف بنانها في إشارة لي كي أصبر حتى تُتم مكالمتها الهاتفية.
في تلك اللحظة بدوت كما لو أصابني فقدان الذاكرة، فلم يخطر على بالي مطلقًا أنها ماتت وتركتني، وهُيئ لي أن الزمن قد توقف عند 18 يناير، ولم تتتابع الأيام والشهور بعده لمدة عامين . ❝
❞ منذ قليل أعلنوا في المساجد عن موت علي وزة، الذي يسكن بالقرب منا، وأن تشييع جنازته بعد صلاة العصر.
لم يكن من السكان القدامى في الحي، لا أحد يعرف أصله من فصله، إنما هبط الرجل علينا ذات يوم، منذ عشرة أعوام، وراح ينشد مواويلاً حزينة، كانت النسوة يذرفن الدموع كلما سمعنه ينشد عن البلاء والمرض ووحشة الدنيا وافتقاد الأحباب وعقوق الأبناء . ❝
❞ قالت وهي تختلس النظر لأصابع يدي:
˝اعتن بنفسك، وبلّغ سلامي لشقيقك وشقيقتك وكل أحبائنا˝
بكيتُ، شهقتُ، وصِحتُ:
˝لا، لا تتركيني وحيدًا، خذيني معك˝
راحت تضمني في حنان، وفجأة بينما تضمني ينبُت لها جناحان، ويُزهر وجهها، فيضيء المكان وينشق سقف الشقة، وراحت تُحلّق لأعلى.
ازداد نحيبي وأنا أسألها:
˝أين ستذهبين وتتركيني؟˝
فأشارت بيدها نحو السماء..
مكثتُ أبكي بينما تلوّح لي بيدها مودعة ومشفقة عليّ،
رجوتها أن تعودني مرات كثير، فأومأت وقالت:
˝كل يوم 19 يناير˝ . ❝
❞ لا يرسم “بيرفوس” هذه المتاهة، الأشبه بالأوديسة، اللاهثة والجامعة بين الكوميديا والتراجيديا، بوصفها مساراً تحركه الهواجس الشخصية؛ بل يستعرض هذا العالم الحديث المرفه بمناطقه المعادية للحياة وتهديداته الكامنة. لتتمثل فنية هذا الكاتب في خلقه، داخل منظومة الزمان والمكان الواقعيين أجواءً توحي بالسريالية الكاملة، نتخيل من خلالها، دون عناء، آلية “التخلص من الإنسان”، بعد أن قَبَلَ طواعيةً بتحكم الماكينات الرقمية في أقداره.تنتمي هذه الرواية لأهم الأعمال النثرية الألمانية، وأكثرها إثارة في الوقت الحاضر . ❝