❞ أتمتم لنفسي: الله يرحمك يا أمي، لو مد الله في عمرك لعرفت زمناً آخر، يُلَقنك التآلف مع مدن بعيدة تفصلك عنها آلاف الكيلومترات، تتعثرين في نطق أسمائها و تتعلقين بها لأن الأولاد هناك.
هل قلت لم أتعوَّد؟ أتراجع عن الكلام. تعودت، لا أحد يستعصي على ترويض الزمان. ❝ ⏤رضوى عاشور
❞ أتمتم لنفسي: الله يرحمك يا أمي، لو مد الله في عمرك لعرفت زمناً آخر، يُلَقنك التآلف مع مدن بعيدة تفصلك عنها آلاف الكيلومترات، تتعثرين في نطق أسمائها و تتعلقين بها لأن الأولاد هناك.
هل قلت لم أتعوَّد؟ أتراجع عن الكلام. تعودت، لا أحد يستعصي على ترويض الزمان. ❝
الفصل الثالث عشر: الأماكن التي تسكننا
بقلم: هاني الميهى
ليست كلّ الأماكن التي مررنا بها مجرّد محطات عابرة، بل بعضها يستقر في داخلنا كما لو كان جزءًا من كياننا. نحن لا نسكن البيوت وحدها، بل البيوت تسكننا أيضًا. لا نترك الشوارع حين نرحل، بل تظلّ الشوارع محفورة في أعماقنا، تنبض كلّما استدعيناها بالذاكرة.
الأماكن التي تسكننا لا تُقاس بجمالها أو بفخامتها، بل بقدرتها على احتضان لحظة ما من حياتنا. زاوية صغيرة جلسنا فيها ذات مساء لنفكر، مقعد خشبي في حديقة عامة شهد دمعة أو ضحكة، نافذة كنا نطلّ منها لنحلم بالعالم. كلها أماكن لا تموت، وإن اندثرت من الخارج أو تغيّرت ملامحها.
إنّنا حين نعود إلى تلك الأماكن نكتشف أنّنا لا نعود إليها حقًّا، بل نعود إلى أنفسنا القديمة. نعود إلى نسخة منّا تركناها هناك يومًا، وما زالت تنتظرنا بصبر. ولهذا، لا عجب أن نشعر بالحنين حين نمرّ بمكان كان في يومٍ ما جزءًا من حكايتنا، حتى لو صار غريبًا عن أعيننا.
بعض الأماكن تتحوّل إلى أوطان صغيرة داخل الروح. قد تكون غرفة الطفولة التي حفظت أسرارنا الأولى، أو الطريق إلى المدرسة الذي علّمنا معنى البداية، أو المقهى الذي شهد أول اعتراف بالحب، أو حتى رائحة بيت الجدّة التي لا تمحى من الذاكرة مهما ابتعدنا. تلك التفاصيل المكانية هي أوتاد تربطنا بالحياة، حتى ونحن نظنّ أننا أحرار لا يُقيّدنا شيء.
لكن الأماكن ليست كلها رحيمة. هناك أماكن تجرحنا أيضًا، تسكننا رغمًا عنا، ونحملها معنا كندوب لا تُرى. قد يكون مستشفى ودّعنا فيه عزيزًا، أو بيتًا غادرناه مكسورين، أو شارعًا شهد لحظة سقوطٍ لا نريد استعادتها. وهذه الأماكن، مثلها مثل الذكريات، لا ترحل بسهولة.
الغريب أنّ المكان لا يظلّ على حاله، لكنه يظلّ حيًّا داخلنا كما كان. البيت الذي هُدم، نراه في أعماقنا كما كان يوم عشنا فيه. الشجرة التي قُطعت، نراها باسقة في مخيلتنا. وكأنّ الذاكرة تمتلك قدرة على إنقاذ الأماكن من الفناء، تحفظها كما تُحبّ، لا كما آلت إليه.
ربما لهذا السبب نخاف من العودة أحيانًا. نخشى أن نصطدم بالواقع ونفقد المكان الذي يسكننا حين نراه مختلفًا عمّا حفظناه. نخشى أن تتحطّم الصورة المثالية التي صانت ذاكرتنا طوال السنوات. ولهذا، نكتفي بالحنين، ونُفضّل أن تبقى بعض الأماكن داخلنا لا في الخارج.
الحقيقة أنّ الإنسان ليس كائنًا زمنيًا فقط، بل مكاني أيضًا. نحن نعيش بالذاكرة كما نعيش بالمكان، وننتمي إلى تضاريس الداخل مثلما ننتمي إلى تضاريس الأرض. الأماكن التي تسكننا ليست جغرافيا ملموسة، بل جغرافيا عاطفية، خرائطها مرسومة بالحنين أكثر مما هي مرسومة بالطرقات.
في النهاية، كلّ واحد منّا هو حصيلة أماكنه: الأماكن التي أحببناها، الأماكن التي جرحَتنا، الأماكن التي عبرناها سريعًا، والأماكن التي ظلّت عالقة فينا إلى الأبد. نحن لسنا مجرد أشخاص نتحرك في فراغ، بل كائنات محمولة على ذاكرة المكان، نجرّه معنا أينما ذهبنا، كما يجرّ البحر صدى أمواجه.
يتبع الفصل الرابع عشر
#بين_صمتين
#هانى_الميهى. ❝ ⏤هاني الميهي
❞ بين صمتين
الفصل الثالث عشر: الأماكن التي تسكننا
بقلم: هاني الميهى
ليست كلّ الأماكن التي مررنا بها مجرّد محطات عابرة، بل بعضها يستقر في داخلنا كما لو كان جزءًا من كياننا. نحن لا نسكن البيوت وحدها، بل البيوت تسكننا أيضًا. لا نترك الشوارع حين نرحل، بل تظلّ الشوارع محفورة في أعماقنا، تنبض كلّما استدعيناها بالذاكرة.
الأماكن التي تسكننا لا تُقاس بجمالها أو بفخامتها، بل بقدرتها على احتضان لحظة ما من حياتنا. زاوية صغيرة جلسنا فيها ذات مساء لنفكر، مقعد خشبي في حديقة عامة شهد دمعة أو ضحكة، نافذة كنا نطلّ منها لنحلم بالعالم. كلها أماكن لا تموت، وإن اندثرت من الخارج أو تغيّرت ملامحها.
إنّنا حين نعود إلى تلك الأماكن نكتشف أنّنا لا نعود إليها حقًّا، بل نعود إلى أنفسنا القديمة. نعود إلى نسخة منّا تركناها هناك يومًا، وما زالت تنتظرنا بصبر. ولهذا، لا عجب أن نشعر بالحنين حين نمرّ بمكان كان في يومٍ ما جزءًا من حكايتنا، حتى لو صار غريبًا عن أعيننا.
بعض الأماكن تتحوّل إلى أوطان صغيرة داخل الروح. قد تكون غرفة الطفولة التي حفظت أسرارنا الأولى، أو الطريق إلى المدرسة الذي علّمنا معنى البداية، أو المقهى الذي شهد أول اعتراف بالحب، أو حتى رائحة بيت الجدّة التي لا تمحى من الذاكرة مهما ابتعدنا. تلك التفاصيل المكانية هي أوتاد تربطنا بالحياة، حتى ونحن نظنّ أننا أحرار لا يُقيّدنا شيء.
لكن الأماكن ليست كلها رحيمة. هناك أماكن تجرحنا أيضًا، تسكننا رغمًا عنا، ونحملها معنا كندوب لا تُرى. قد يكون مستشفى ودّعنا فيه عزيزًا، أو بيتًا غادرناه مكسورين، أو شارعًا شهد لحظة سقوطٍ لا نريد استعادتها. وهذه الأماكن، مثلها مثل الذكريات، لا ترحل بسهولة.
الغريب أنّ المكان لا يظلّ على حاله، لكنه يظلّ حيًّا داخلنا كما كان. البيت الذي هُدم، نراه في أعماقنا كما كان يوم عشنا فيه. الشجرة التي قُطعت، نراها باسقة في مخيلتنا. وكأنّ الذاكرة تمتلك قدرة على إنقاذ الأماكن من الفناء، تحفظها كما تُحبّ، لا كما آلت إليه.
ربما لهذا السبب نخاف من العودة أحيانًا. نخشى أن نصطدم بالواقع ونفقد المكان الذي يسكننا حين نراه مختلفًا عمّا حفظناه. نخشى أن تتحطّم الصورة المثالية التي صانت ذاكرتنا طوال السنوات. ولهذا، نكتفي بالحنين، ونُفضّل أن تبقى بعض الأماكن داخلنا لا في الخارج.
الحقيقة أنّ الإنسان ليس كائنًا زمنيًا فقط، بل مكاني أيضًا. نحن نعيش بالذاكرة كما نعيش بالمكان، وننتمي إلى تضاريس الداخل مثلما ننتمي إلى تضاريس الأرض. الأماكن التي تسكننا ليست جغرافيا ملموسة، بل جغرافيا عاطفية، خرائطها مرسومة بالحنين أكثر مما هي مرسومة بالطرقات.
في النهاية، كلّ واحد منّا هو حصيلة أماكنه: الأماكن التي أحببناها، الأماكن التي جرحَتنا، الأماكن التي عبرناها سريعًا، والأماكن التي ظلّت عالقة فينا إلى الأبد. نحن لسنا مجرد أشخاص نتحرك في فراغ، بل كائنات محمولة على ذاكرة المكان، نجرّه معنا أينما ذهبنا، كما يجرّ البحر صدى أمواجه.
❞ ربما .. لا تمثل لأحدهم سوى "عاابر" فليس كل من نحب سيحبنا بقدر ما أحببناھ ، أحيانا نتمنى لو نعود جميعا لذلك المكان ، حبذا يا زمان لو يعود ما كان .. هي أماني ، وبعض الأماني التي بداخلنا تموت و بعضھا يعيش حتى الموت ..
إترك بتفكيرك أثرا طيبا ، تنفس النقاء لترتاح ذاتك !. ❝ ⏤كريم الشاذلي
❞ ربما . لا تمثل لأحدهم سوى ˝عاابر˝ فليس كل من نحب سيحبنا بقدر ما أحببناھ ، أحيانا نتمنى لو نعود جميعا لذلك المكان ، حبذا يا زمان لو يعود ما كان . هي أماني ، وبعض الأماني التي بداخلنا تموت و بعضھا يعيش حتى الموت .
إترك بتفكيرك أثرا طيبا ، تنفس النقاء لترتاح ذاتك !. ❝