❞ لا أحد يولد مخلصًا، بل هو التفاعل مع المحيط، وانتزاع الرؤى الأخرى، ولو بألمٍ وجهدٍ كبيرين.. كما سيحدث عندما يصيب سهم ما وسط قلبك، وتمتد يدك -المرتجفة- وتنزعه رغم الألم. ❝ ⏤احمد خيرى العمرى
❞ لا أحد يولد مخلصًا، بل هو التفاعل مع المحيط، وانتزاع الرؤى الأخرى، ولو بألمٍ وجهدٍ كبيرين. كما سيحدث عندما يصيب سهم ما وسط قلبك، وتمتد يدك -المرتجفة- وتنزعه رغم الألم. ❝
❞ الحياة تقتضى دائما السعي للاتصال بالآخرين, و التعاون معهم لسد احتياجاتهم لان الأثر
الحسن للاتصال و العلاقات بين الأفراد يساعد على قضاء الأعمال بسرعة و بأقل مجهود فهي
ضرورة لا غنى عنها من أجل بلوغ أهداف معينة, كون الإنسان بحاجة دائمة و مستمرة إلى
الآخرين, فهولا يمكن أن يعيش بمعزل عنهم.
و باعتبار أن المؤسسة تعرف نوعا من الاتصال فهي لا تعيش بمعزل عن المجتمع المحيط
بها لذلك لابد من وجود علاقات اتصالية فعالة تجمع بينهما, فالمؤسسات عرفت هي الأخرى
على غرار وسائل الاتصال تطورا كبيرا من ناحية عدد عمالها وإنتاجها, واستطاعت في
البداية أن تلبي جزءا كبيرا من حاجات أفراد المجتمع و متطلباتهم, لذلك كانت العلاقات العامة
مهنة تخلق علاقات جيدة مع الجماهير التي تتعامل معها المؤسسة, و ذلك بضرورة مراعاة
متطلبات جمهورها من المستخدمين و المستهلكين و السعي الدائم حتى تكسب رضائه ومعرفة
أرائه و اتجاهاته,و ذلك لما لها من دور فعال في نجاح أي مؤسسة سواء كانت إنتاجية أو
خدمية.. ❝ ⏤مجموعة من المؤلفين
❞ الحياة تقتضى دائما السعي للاتصال بالآخرين, و التعاون معهم لسد احتياجاتهم لان الأثر
الحسن للاتصال و العلاقات بين الأفراد يساعد على قضاء الأعمال بسرعة و بأقل مجهود فهي
ضرورة لا غنى عنها من أجل بلوغ أهداف معينة, كون الإنسان بحاجة دائمة و مستمرة إلى
الآخرين, فهولا يمكن أن يعيش بمعزل عنهم.
و باعتبار أن المؤسسة تعرف نوعا من الاتصال فهي لا تعيش بمعزل عن المجتمع المحيط
بها لذلك لابد من وجود علاقات اتصالية فعالة تجمع بينهما, فالمؤسسات عرفت هي الأخرى
على غرار وسائل الاتصال تطورا كبيرا من ناحية عدد عمالها وإنتاجها, واستطاعت في
البداية أن تلبي جزءا كبيرا من حاجات أفراد المجتمع و متطلباتهم, لذلك كانت العلاقات العامة
مهنة تخلق علاقات جيدة مع الجماهير التي تتعامل معها المؤسسة, و ذلك بضرورة مراعاة
متطلبات جمهورها من المستخدمين و المستهلكين و السعي الدائم حتى تكسب رضائه ومعرفة
أرائه و اتجاهاته,و ذلك لما لها من دور فعال في نجاح أي مؤسسة سواء كانت إنتاجية أو
خدمية. ❝
❞ #ما_وراء_المحيط
🌱🌾🌱🌾🌱
لطالما تأملت مياه البحر الواسعة، وهي تمتد بلا نهاية، تلامس المحيط وكأنها تهمس بأسرارها.
تُرى، ماذا يكمن خلفها؟ هل هو الحلم المنتظر أم الكابوس المجهول؟ النجاة أم الضياع؟
في أحد الأحياء الشعبية، حيث تختلط رائحة الخبز الطازج المتصاعد من أحد المخابز بدخان المقاهي المتناثر في الهواء، وحيث الأزقة الضيقة تضج بأصوات الباعة الجائلين. على إحدى الطاولات الخشبية المهترئة داخل مقهى بسيط، الأضواء الخافتة تتراقص على وجوه الجالسين، وأحاديث الرجال تتشابك مع صوت المذياع الذي يصدح بأغنية قديمة، جلس الصديقان، سالم شابًا في منتصف العشرينيات، طويل القامة نسبيًا، بجسد نحيل لكن متماسك، كأن الحياة صقلته رغم قسوتها، وجهه ليّن الملامح، عيناه السوداوان تحملان مزيجًا من الحلم والضياع، كأنهما تبحثان عن مخرج من دوامة الفقر والقيود التي تحاصره، أما سليم، فكان شابًا في منتصف العشرينيات أيضًا، نحيل الجسد لكنه قوي الملامح، يحمل وجهه ندوب التعب وأشعة أمل خجولة كأنه إنعكاس لسنوات عمره التي تناثرت في الورش والمخابز، محاولًا شق طريقه وسط قسوة الحياة، وهما يحملان بداخلهما همومًا لاتنتهي وأحلامًا لا تحصى لا يعلمان كيف يحققونها، ظلا يتسامران سويًا عما يدور بخلدهما.
كان سالم مستندًا إلى كرسيه بإهمال، يحدق في كوب الشاي أمامه وكأنما يبحث في قاعه عن مخرج من الضيق الذي يكبّله، زفر بضيق، ثم ضرب بيده على الطاولة بخشونة وبنبرة مليئة ضيق ومرارة:
˝والله الواحد اتخنق! تعبت من القعدة من غير شغل، وكل يوم أمي تديني مصروفي زي العيال الصغيرة، وانا راجل أطول منها،
والله يا أخي بقيت حاسس إني بشحت منها وانا بمد إيدي أخد المصروف بدل ما أديها.˝
هزّ سليم رأسه بتنهيدة ثقيلة، عاقدًا ذراعيه فوق صدره، وكأن جسده يشارك روحه في التعب، حدّق في الشارع الممتد أمام المقهى، حيث الأطفال يركضون حفاة، والباعة ينادون على بضائعهم بصوت مبحوح، ثم قال بإحباط وبغصة في صوته: ˝ومين سمعك يا سالم؟ أنا لفيت على كل شغلانة ممكن اشتغلها ما خليتش... مرة في ورشة، مرة في فرن، مرة في محل ملابس، اهو بجيب مصاريفي عشان ما أطلبش من أبويا، بس الفلوس اللي بتيجي ما بتكفيش، كل حاجة بقت نـ*ـار، والعيشة بقت مستحيلة˝
أطرق سالم رأسه قليلًا، ثم رفع عينيه نحو السماء، وكأنما يحاول أن يرى مصيره بين نجومها المتناثرة، تمتم بصوت مملوء بالشوق لحياة لم يعشها بعد وبأمل ممزوج بالخيبة: ˝نفسي أهرب من هنا، أروح أى بلد، إيطاليا، أمريكا، مش فارقة، المهم ألاقي شغل وأبني نَفسي، نِفسي أتجوز هناء بنت خالي، بدل ما هي مربوطة جنبي، لا قادر أتقدملها ولا قادر أسيبها تشوف حالها!˝
نظر إليه سليم نظرة طويلة، وكأنما يزن كلماته قبل أن ينطق بها، ثم قال ببطء، وكأنه يكشف له عن كنز مخفي:
˝تصدق بالله يا سالم؟ تاهت ولقيناها! الواد عمر، ابن عم إبراهيم، كان بيقول إن فيه واحد اسمه راغب، بيسفّر الناس لإيطاليا، بس بياخد 100 ألف جنيه، ويجيبلك عقد شغل مضمون هناك، ده حتى عمر خلاص هيسافر عن طريقه، تعالى نروح له، واهو يا عم تقدر تتجوز بنت خالك اللى مجنناك دي˝
سالم، الذي كان يترنح بين الأمل واليأس، اتسعت عيناه للحظة قبل أن يطلق ضحكة ساخرة، مريرة، كمن سمع نكتة سوداء ثم قال بتهكم وحسرة: ˝هاهاا... 100 ألف؟! يا عم هو أنا لو معايا المبلغ ده كنت هبقى قاعد ع القهوة أستنى أمي تديني مصروفي؟!˝
لكن سليم لم يفقد حماسه، مال نحوه قليلًا، وكأنما يوسوس له بفكرة قد تقلب حياتهما رأسًا على عقب قائلاً بإصرار:
˝يا ابني اسمع مني، تعالى بس نروح له ونتكلم معاه، يمكن يطلع ابن حلال ويساعدنا... ممكن ياخد مقدم صغير، والباقي نبقى نبعته لما نسافر ونشتغل!˝
كان عقل سالم يعمل بسرعة، بين المنطق الذي يخبره بأن الأمر مستحيل، والرغبة العارمة التي تجعله يرى أي فرصة كطوق نجاة، لكنه سرعان ما هزّ رأسه بعناد، ثم نهض من كرسيه ودسّ يديه في جيبيه بحسم: ˝لا يا عم، عايز تروح انت، روح، أنا هرجع البيت، أكيد أمي خلصت الغدا، سلام!˝
تابعه سليم بعينيه يشاهده وهو يبتعد وسط زحام الشارع، خطواته ثقيلة، لكنها تحمل في داخلها صراعًا لا يراه أحد، زفر ببطء، ثم أسند رأسه إلى الطاولة، غارقًا في دوامة من الأفكار، ترى... هل يخاطر بنفسه ويذهب إلى راغب وحده، أم يحاول إقناع سالم مرة أخرى؟
كانت الليلة قد بدأت تسدل ستائرها على الحيّ، أما أحلامهما، فعلى الرغم من ظلام الواقع، كانت تتخبط بحثًا عن شعاع نور في أفق مجهول...
____________________
في بيت سالم
في نفس الحي الشعبي، حيث تتراص البيوت المتجاورة كأنها تشد بعضها بعضًا، وقف سالم أمام باب منزله المتواضع، الذى تتدلى ستائره القماشية فوق مدخله، بينما تعكس جدرانه القديمة حكايات العائلة التي سكنته لعقود، كان المنزل صغيرًا لكنه دافئ، يضم غرفة معيشة بسيطة بها أريكة مهترئة لكنها تحمل دفء العائلة، وطاولة خشبية في المنتصف تتوسط الغرفة وكأنها شاهد على أحاديث الأيام وذكرياتها، في الزاوية، كان هناك تلفاز قديم يعمل بصعوبة، بينما تنبعث من المطبخ رائحة الطعام المنزلي التي تحمل معها إحساسًا بالأمان رغم ضيق الحال، دلف إلى المنزل، لكن عقله ظل عالقًا في حديث سليم، تتصارع داخله الأفكار بين رغبته في الهروب من هذا الواقع الضيق، وخوفه من المجهول الذي ينتظره هناك، خلف البحار.
ما إن دخل حتى استقبلته والدته، هنادي، بلهجتها الحادة المعهودة، لكن بعينين تحملان ألف سؤال وألف قلق، قائلة: ˝طيب أرمى سلام ربنا، ولا داخل كده كأنك داخل على يهود مش مسلمين؟˝
رفع رأسه كأنما استيقظ من شروده، ثم تنهد وهو يخلع حذاءه عند الباب:
˝معلش يا أمي، سامحيني˝
تأملته للحظة، فلاحظت شروده، شحوب وجهه، شيء ما يشغل فكره، اقتربت منه ومسحت على كتفه بحنان:
˝مالك يا ضنايا؟ إيه اللي شاغل بالك؟ مصروفك خلص يا حبيبي مش كده؟˝
هزّ سالم رأسه نافيًا، ثم جلس على الأريكة مطرقًا برأسه: ˝معايا يا حبيبتي، خيرك مغرقني... بس، تعبت يا أمي من العوزة وقلة الشغل، بصراحة بفكر أسافر برة، يمكن ربنا يكرمني والحال يتبدل.˝
قطبت هنادي حاجبيها، وعقدت يديها أمام صدرها، فبدت عيناها تائهتين، كأنها تحاول استيعاب فكرة سفره، أو تبحث عن طمأنينة مفقودة بين كلماته،
قائلة بنبرة يشوبها القلق والتوجس: ˝وهتلاقي مين بس يسفرك يا ابني؟ ولا هتسافر فين وازاي؟˝
تنهّد سالم وهو يمرر يده في شعره بتوتر، ثم قال بصوت يحمل شيئًا من التردد:
˝مش عارف والله يا أمي، بس سليم بيقول إن عمر ابن عم إبراهيم جارنا هيسافر عن طريق واحد اسمه راغب، رايح إيطاليا.˝
خرج والده من الغرفة المجاورة بعد أن سمع حديثهما، ظل يستمع بصمت، حتى تحدث أخيرًا، بصوت حمل نبرة القلق أكثر من الغضب: ˝وده تبع شركة سياحة يا ابني؟ ولا تبع السفارة؟ ولا إيه بالظبط؟ فهّمني.˝
تردد سالم، ثم قال:
˝بصراحة مش عارف يا بابا، بس سليم بيقول إن الراجل ده بياخد 100 ألف جنيه مقابل العقد والسفر.˝
نظر حسن إلى ابنه طويلًا، وكأنما يحاول قراءة ما يدور في رأسه، ثم قال بجدية:
˝بص يا ابني، هقولك كلمة وعايزك تسمعها كويس... لو عايز تسافر وتشوف رزقك وتبني مستقبلك، مش همنعك، بس امشي صح، روح الشركات الحكومية، اسأل عن الطرق القانونية، وأنا معاك ف اللي انت عايزه، لكن اللي بيقول عليه صاحبك ده، لأ يا سالم... ده شكله واحد من تجار الموت اللى بياخدوا الفلوس ويسهّلوا السفر للشباب، والله أعلم هتوصل ولا هتضيع في البحر زي غيرك.˝
تسارعت نبضات قلب سالم، لم يكن يفكر في الأمر من هذه الزاوية، رفع عينيه إلى والده، كأنه يبحث عن بصيص أمل: ˝يعني أنت يا حاج، مش معترض إني أسافر؟˝
زفر حسن أنفاسه ببطء يحاول ترتيب كلماته بعناية، حدّق في وجه ابنه بنظرة حازمة تخفي خلفها مزيجًا من الخوف والرجاء قائلا بصوت هادئ يحمل ثقل خبرة السنوات:
˝لا يا حبيب أبوك، مش معترض طالما مافيش لك رزق هنا، بس امشي في النور، مش في الضلمة.˝
أغمض عينيه للحظة وكأنه يسترجع ذكريات لأشخاص فُقدوا في طرق مجهولة، قبل أن يعود لينظر إلى سالم مباشرة، متابعًا بجدية:
˝دور على فرصة سفر قانونية يا سالم، إنما الطريق اللي بتتكلم عنه ده، مش مضمون يا ابني... تفتكر اللي هياخد منك مبلغ زي ده، همه إنك توصل بالسلامة؟ لا، دول همهم الفلوس وبس، أنا مش هقف في طريقك، بس مش هسمح لك تضيع نفسك في مغامرة مش محسوبة.˝
ساد الصمت للحظة، لم يُسمع فيها سوى صوت أنفاس سالم المضطربة، بينما بدت هنادي وكأنها تحبس دموعها بصعوبة، تنظر لزوجها وكأنها تنتظر منه أن يزيد في كلامه ليمنع ولدها تمامًا، لكنه اكتفى بالصمت، تاركًا القرار في يد ابنه، في تلك الليلة، ظل سالم مستلقيًا على سريره، يفكر في كلمات والده، وفي الطريق الذي عليه أن يختاره، كان يدرك أن الفقر قاسٍ، لكنه أيضًا أدرك أن الحلم إذا لم يُبْنَ على أساس قوي، قد يتحول إلى كابوس لا نجاة منه،
وفي النهاية، قرر أن يسافر، لكنه سيفعلها بالطريقة الصحيحة، كما قال والده. فالموت في الغربة ليس أهون من الحياة في الفقر.
______________________
في بيت سليم
عاد سليم إلى المنزل، لكنه لم يكن كعادته، سار ببطء وعيناه شاردتان، يحمل على كتفيه ثقل أفكاره التي لم تفارقه منذ ساعات، لم يكن المنزل سوى محطة مؤقتة لروحه القلقة، فقد أصبح يشعر بأنه محاصر بين جدرانه، كما لو أن الأبواب مغلقة أمام مستقبله، وما زالت الأفكار تتلاطم في رأسه كالأمواج، تبحث عن طريق للخلاص من هذا الواقع الخانق. وقف للحظة أمام باب منزله القديم ذو الطابقين، يعلوه بعض الشقوق التي حفرها الزمن في جدرانه، مدخله الضيق تصطف على جانبيه أحذية قديمة، ونافذته المطلة على الزقاق تكاد لا تغلق جيدًا، كأنها تعبت من مقاومة الرياح، دفع الباب بيده، فصدر عنه أزيز خافت، ثم دخل ليجد أمه تجلس على أريكة خشبية قديمة، منشغلة بطيّ بعض الملابس، ووجهها الذي خطّ عليه الزمن تجاعيد خفيفة، يضيئه نور خافت ينبعث من مصباح يتدلى من السقف، فألقى عليها السلام بصوت هادئ: السلام عليكم يا ست الكل.˝
ما إن وقع نظرها عليه حتى رفعت رأسها بسرعة، وضعت ما بيدها جانبًا، ثم تطلعت إليه بابتسامة دافئة تخفي وراءها قلقًا لم تستطع مواراته:
˝وعليكم السلام ورحمة الله، مالك يا سليم يا حبيبي؟˝
ألقى بجسده على أقرب مقعد، وأخذ يمرر يده في شعره بعصبية واضحة، زفر بضيق قبل أن يرد:
˝زهقان يا أمه... وعايز أطفش من البلد دي بأي طريقة.˝
قطّبت نادية حاجبيها، واعتدلت في جلستها، ثم قالت بصوت دافئ لكنه يحمل قلق الأم:
˝سلامتك من الزهق يا قلب أمك، مالك بس يا ضنايا؟˝
انتفض واقفًا، وقد تملّكه الغضب والإحباط، لوّح بيديه في الهواء وكأن كلماته تكاد تخنقه:
˝هيكون مالي بس يا أمه؟ زهقان ومخنوق وأنا كده عواطلي بعد سنين تعليم وشهادة جامعية بتقدير! مش لاقي حتى تمن السيجارة، وعشان أقدر اشتريها، لازم اتسحل في قهوة، ولا اتحشر تحت عربية في ورشة، ولا يطلع عيني في فرن، واتحمل غلاسة ده ورزالة ده كأني بشحت منهم!˝
في هذه اللحظة، دخل والده، محمود، رجل خمسيني، آثار التعب والحياة القاسية واضحة على وجهه، يرتدي جلبابًا رماديًا قديمًا، ويضع طاقية بيضاء فوق رأسه، فاقترب وجلس على المقعد المقابل له، هزّ رأسه بأسى وقال بنبرة يغلفها العجز: ˝ماهو ده حال الشباب كلها يا ابني، ما فيش غير القليل، هنعمل إيه يعني؟ ما باليد حيلة، يا سليم.˝
أطرق سليم برأسه، وابتلع مرارة الواقع، ثم قال بصوت خافت يشوبه الإحباط:
˝والله يا أبا تعبت والعمر بيجري! لا عارف اشتغل وأساعدك ولا حتى عارف أكفي نفسي!˝
وضعت نادية يدها على كتف ابنها بحنان، كأنها تحاول أن تخفف عنه ثقل همومه، لكنها لم تجد كلمات تشفي وجعه سوى تساؤلها العاجز:
˝وفي إيدنا إيه بس يا حبيبي نعمله؟ ما فيش غير إننا ندعيلك ربنا يرزقك، بس أنت كمان خليك صابر.˝
رفع سليم رأسه، واتخذ قراره، فقد كان الشعور بالضياع أشد عليه من أي مخاطر قد تواجهه، فقال بصوت جاد:
˝بفكر أسافر يا أمه... الواد عمر ابن عم إبراهيم هيسافر إيطاليا، في واحد اسمه راغب جاب له عقد وهيسفره، بس هياخد منه 100 ألف جنيه!˝
سكت للحظة، ثم تابع بنبرة أكثر إصرارًا:
˝هكلمه يمكن يجيب لي عقد أنا كمان.˝
نظر إليه والده باندهاش، واتكأ إلى الوراء مفكرًا، قبل أن يرد مستنكرًا:
˝يااااه! 100 ألف جنيه؟! ده مبلغ كبير أوي يا سليم، هتجيبه منين بس يا ابني؟˝
عقد سليم حاجبيه، وأخذ يفكر في طريقة لإقناع ذلك الرجل
ثم قال محاولًا طمأنة والده: ˝أنا هحاول أقنع اللي اسمه راغب ده، إنه ياخد مني أي مبلغ دلوقتي، والباقي أبعته له لما أسافر واشتغل، يمكن يوافق، يا أبا!˝
نظر محمود إلى سليم نظرة تحمل ثقل السنين، يعلم أنه لا يملك المال، ولا يملك حتى وعدًا بأن الأمور ستكون بخير، لكنه لا يستطيع أيضًا كسر جناحه وتحطيم آماله.
أما نادية، لم تكن سعيدة بهذا القرار، لكنها لم تجد في قلبها القوة لتثنيه عنه، فالحياة ضاقت عليه، وعيناه كانت تحملان رجاءً يوجع قلبها، فقالت بنبرة مستسلمة لكنها مليئة بالدعاء: ˝خلاص يا حبيبي، اتوكل على الله، شوف عمر، خليه ياخدك للراجل ده، وربنا يكتب لك الخير يا ضنايا.˝
تأثر سليم بدعم والدته، ثم أقترب منها وأمسك يدها قبّلها بحب، وتمتم بصوت يملؤه الرجاء:
˝يا رب، يا أمه، ادعي لي أنتِ بس.˝
وفي تلك الليلة، ظل سليم مستلقيًا على سريره، يحدق في السقف بعينين مثقلتين بالأفكار، وقلبه ينبض بعنف بين الحماسة والقلق، كان عقله يطوف بين احتمالات المستقبل، بين الطريق الذي يستعد لخوضه والغد الذي يلوح أمامه كضباب لا يكشف عن مكنونه، هل ستكون هذه الفرصة طوق نجاته، أم مجرد وهم يقوده إلى معاناة لا يدري مداها؟ لم يكن متأكدًا مما يخبئه له القدر، لكنه كان يعلم يقينًا شيئًا واحدًا... لم يعد بإمكانه البقاء هنا أكثر من ذلك.
______________________
في المقهى
في اليوم التالي، وكما جرت العادة، التقيا سليم وسالم بعد ساعات طويلة من التجوّل في الشوارع بحثًا عن فرصة عمل، لم يكن الهدف منها وظيفة مستقرة بقدر ما كان محاولة لتوفير ما يكفي لجلسة المساء في المقهى، حيث يقتلان الوقت بين لُعبة النّرد وأحاديث عابرة عن المستقبل الذي بدا بعيد المنال، جلسا إلى طاولتهما المعتادة، وأمامهما أكواب الشاي التي بدأ سطحها يبرد، بينما يملآن الجو بأنفاس ثقيلة، مزيج من الإرهاق والأمل الخافت، حيث تصاعد الدخان في الهواء مختلطًا بأصوات الباعة في الخارج وضجيج الحياة الرتيبة.
تنهد سالم، وأسند مرفقه على الطاولة وهو يحرّك الملعقة داخل كوبه، ينظر إلى سليم بنظرة جانبية قبل أن يقول بصوت خافت لكنه مشحون بالتردد:
˝أسكت يا سليم، بقول لأبويا عن كلامك ع السفر، وعن الراجل اللي اسمه راغب ده.˝
اعتدل سليم في جلسته على الفور، وكأن الكلمات قد نبهته من سباته، تسللت الحماسة إلى ملامحه وهو يسأل بترقب:
˝وبعدين؟ قالك إيه؟ وافق، مش كده؟˝
لم يرد سالم بسرعة، لكنه أدار الملعقة ببطء داخل الكوب قبل أن يضعها على الطاولة وهو يرمي حجر النرد:
˝أبويا ما عندوش اعتراض على السفر.. بس مش مع الراجل ده، قال لي أقدم تبع الحكومة.˝
انعقد حاجبا سليم، ونقر بأصابعه على الطاولة بإيقاع سريع ينمّ عن ضيقه:
˝يا عم، هى الحكومة بتسفّر حد الأيام دي؟˝
رفع سالم كتفيه وهو يرد بنبرة حاول أن تبدو مقنعة:
˝أيوه يا ابني، تبع وزارة القوى العاملة والهجرة، بندخل بياناتنا على النت، ونتابع لغاية ما ربنا يكرم.˝
قهقه سليم ضاحكًا وهو يلوّح بيده في الهواء:
˝ده انت رايق يا عم سالم! يوم الحكومة بسنة يا ابني، هو انت فاكر هتقدم النهارده وتسافر بكرة؟˝
هزّ سالم رأسه وارتشف رشفة صغيرة من الشاي قبل أن يرد بصبر نافذ:
˝هو احنا ورانا إيه يعني؟ أهى كده قعدة وكده قعدة، على الأقل يبقى في حاجة تشغل تفكيرنا بدل الفراغ اللي إحنا فيه ده.˝
لم يكن سليم من النوع الذي يحتمل فكرة الانتظار، زفر بحدة وهو يسحب سيجارة من علبته ويشعلها، ثم قال وهو ينفث الدخان ببطء:
˝لا يا عم، أنا ما عنديش طولة بال زيك، أنا هروح أشوف عمر يوصّلني براغب، وإن شاء الله أسافر عن طريقه.˝
قطب سالم جبينه، وأسند ظهره إلى الكرسي وهو يراقب سليم بصمت لثوانٍ قبل أن يقول بنبرة مشوبة بالقلق:
˝يا ابني، اسمع مني، خليك في السليم وتعالى نقدّم تبع الحكومة أحسن، وسيبك من الراجل ده! ده على رأي أبويا، شكله واخدها تجارة وبيتاجر في الموت!˝
ضحك سليم بسخرية، وأطفأ سيجارته قبل أن يميل للأمام، مستندًا بكوعيه إلى الطاولة وهو يهمس بمكر:
˝لا يا سيدي، خليك انت في طريقك السليم ياخويا، وسيبني أنا للطريق السريع! يا ابني، ده أنا هسافر وأشتغل وأكسب، وهارجع كمان أجازة، وتكون انت لسه ما سافرتش، ولا حتى الحكومة ردّت عليك!˝
شعر سالم بوخزة في صدره، لكنه أبعدها سريعًا، يعلم أن صديقه عنيد ولا يسمع إلا ما يريد، ومع ذلك لم يستسلم، مال نحوه محاولًا إقناعه للمرة الأخيرة:
˝يا ابني اسمع مني.. سيبك من الطريق ده عشان ما تندمش في الآخر.˝
لكن سليم كان قد حسم أمره، ضرب الطاولة بكفه وهو يقول بإصرار:
˝اسمعني انت يا سالم، خليك معايا ونسافر سوا يا ابني، أسهل وأسرع!˝
هزّ سالم رأسه ببطء، ثم ابتسم ابتسامة خفيفة تحمل في طياتها قلقًا دفينًا:
˝لا يا عم، خليك انت في طريقك السريع، وسيبني أنا في الطريق المضمون، ده على رأي أمي، بتقول دايمًا: في التأني السلامة، وفي العجلة الندامة.˝
ساد الصمت للحظات بينهما، قبل أن يميل كل منهما إلى الخلف، كل واحد منهما غارق في أفكاره الخاصة، وهكذا، في تلك الليلة، خرج كلٌ منهما من المقهى وقد حسم أمره، غير مدركين أن قراراتهما تلك ستحمل لهما مصائر لم يكن أيٌ منهما يتوقعها.
_____________________
في بيت سالم
عاد سالم إلى منزله وجلس مع والده ليخبره بقراره بالتقديم على السفر إلى إيطاليا عبر موقع وزارة الهجرة على الإنترنت، كان يشعر بمزيج من الحماس والقلق، فهذه الخطوة قد تكون بداية جديدة لحياته، لكنها في الوقت ذاته مجهولة المصير.
رفع حسن رأسه ببطء، حدَّق في ابنه للحظات، ثم قال بصوت هادئ، لكنه يحمل الكثير من التساؤلات:
˝طيب يا ابني، كويس... بس عرفت إيه الأوراق المطلوبة عشان تعرف تقدِّم؟˝
عدل سالم جلسته، وأراح كفيه على ركبتيه، ثم أجاب بثقة:
˝حاليًا مش مطلوب غير إنِّي أدخل بياناتي الشخصية على الموقع الإلكتروني، وأحدِّد موقفي من الجيش، وأكتب رقم جواز السفر، وبعدها هستنى لحد ما يردوا عليا.˝
هزَّ حسن رأسه بتفهُّم، ثم قال بنبرة مشجعة:
˝وماله، قدِّم يا ابني، وربنا يوفقك... واللي رايده ربك هيكون إن شاء الله.˝
شعر سالم براحة غريبة تغمره، رغم التوتر الذي لم يفارقه، لكنه كان بحاجة لدعم والده أكثر من أي شيء آخر، نظر إليه بعينين ممتلئتين بالامتنان، ثم قال:
˝ادعيلي يا أبو سالم.˝
وضع حسن يده على كتف ابنه وربَّت عليه بحنان، ثم قال بصوته العميق الذي اعتاد سالم أن يستمد منه الطمأنينة:
˝داعيلك يا بني، وراضي عنك... ربنا يوفقك يا حبيبي.˝
لم يتردد سالم في الانحناء ليقبِّل يد والده بحب واحترام، وقال بحرارة:
˝ربنا يبارك لنا فيك يا حج، وما يحرمناش منك ولا من دعواتك ورضاك علينا.˝
بينما كان المشهد يسوده جو من الألفة، خرجت هنادي من المطبخ وعينيها تحملان قلق الأمهات المعتاد:
˝بس يا بني، إنت ما عندكش باسبور، هتقدِّم إزاي؟˝
ضحك سالم بخفة، محاولًا طمأنتها، وقال بثقة:
˝ما تقلقيش يا ست الكل، إن شاء الله بكرة الصبح هروح إدارة الجوازات وأطلع الباسبور وأقدِّم بيه... بس إنتِ ادعيلي، وهتفرج بإذن الله.˝
رفعت هنادي كفيها بالدعاء وهي ترد بحماس:
˝دعيالك يا بني، يسعدك، ويجعل في وشك القبول، ويفتح لك كل باب مقفول، ويهدي عليك خلقه ببركة ربنا وبركة الصلاة على الرسول... عليه أفضل الصلاة والسلام.˝
أغمض سالم عينيه للحظة، مستشعرًا بركة دعائها، ثم قال بابتسامة خاشعة:
˝الله.. يا أم سالم، أحلى دعوة.. ربنا يقبل منك يا رب، اللهم آمين.˝
نظرت هنادي إلى حسن بنظرة جانبية ماكرة، ثم قالت وهي تخفي ابتسامتها:
˝اسكت يا حسن، مش إبراهيم وعياله جايين يوم الجمعة وهياخدوا يومين عندنا.˝
انتبه حسن لما قالته زوجته، فأدار رأسه نحوها ببطء ثم قال متسائلًا وهو ينقل نظراته إلى سالم:
˝بجد؟ طيب كويس إنك قولتي، عشان نعمل حسابنا... بس يا ترى هناء جاية معاهم ولا إيه؟˝
ضحكت هنادي بخبث، وردَّت بحزم مصطنع:
˝أنا ياخويا شرطت عليه ما يجيش من غير حبيبة عمتها.˝
جلس سالم يستمع الى حديث والديه، لكن عقله كان في مكان آخر... لم يكن بحاجة إلى سماع اسمها، فهو محفور في أعماقه... تلك الفتاة التي سكنت قلبه دون إذن، وأصبحت روحه لا تعرف الطمأنينة إلا بها، لكنها كانت أيضًا الحلم البعيد، الأمنية العالقة بين ضيق الحال وقلة الفرص، الحلم الذي يخشى أن يضيع منه كما ضاع غيره،
عندما جاء ذكرها، تجمدت أنفاسه في صدره، كأن الزمن توقف للحظة، حاول أن يخفي اضطرابه، خفض رأسه ببطء، شبك أصابعه ببعضها بقوة، كأنه يحاول أن يتمسك بشيء وسط الفراغ الذي يحاصره، لكن عقله لم يرحمه، كان يعيد عليه ذات الحقيقة القاسية: لا يملك ما يكفي ليطلبها... لا يملك سوى قلبه، وهل القلب وحده يكفي؟
تنهيدة طويلة أفلتت منه، وكأنها تحمل كل الخذلان، كل الانتظار، كل الأحلام التي كاد يفقدها، رفع رأسه قليلًا، نظر إلى الفراغ أمامه وكأنه يرى مستقبلًا مجهولًا، ثم همس، بصوت لم يكن سوى وعد قطعه لنفسه:
˝هانت يا هناء... إن شاء الله ربنا يوفقني، وأول حاجة هعملها... هطلب إيدك.˝
____________________
في بيت سليم
عاد سليم إلى المنزل بخطوات ثقيلة، ألقى بجسده على الأريكة، حدّق في السقف بشرود، ثم زفر بضيق لم يعد يحتمل الانتظار أكثر، هذه الحياة تُخنقه، والفرص هنا تبدو وكأنها تنكمش يومًا بعد يوم حتى تكاد تختفي، مدّ يده إلى هاتفه واتصل بصديقه عمر، لعلّه يكون مفتاحه للخروج من هذا القفص:
˝ألو، عمر... عامل إيه؟˝
عمر بلهجة مرحة:
˝سليم! حبيب قلبي فينك مختفي ليه؟ وعامل ايه؟˝
سليم بصوت يحمل ضيقًا: ˝الحمد لله يا عمر، بس زهقت من قلة الشغل! بقولك إيه، ما توصّلني بالراجل اللي اسمه راغب ده؟ أنا عايز أسافر إيطاليا، أشتغل بدل القعدة اللي مالهاش آخر دي!˝
عمر:
˝تمام ياعم، وماله! أنا أصلًا رايح له كمان ساعة، تعال معايا ونكلمه عليك.˝
سليم بحماس ممزوج بالقلق: ˝تمام، يا عمور، ساعة زمن وتلاقيني عندك، يلا سلام!˝
أغلق الهاتف، لكنه ظلّ جالسًا للحظات، وكأن جسده لم يستوعب بعد أنه قد يجد فرصة حقيقية للخروج من هذا الواقع الكئيب، نهض فجأة، وكأن نارًا اشتعلت داخله، وقام بتغيير ملابسه بسرعة قبل أن يغادر، يتشبث بهذا الأمل الذي قد يكون الأخير.
في مكتب راغب
عندما دخل سليم مع عمر إلى مكتب راغب، شعر بشيء غريب، وكأن المكان نفسه ينبض بالخطر، كانت الغرفة فسيحة لكنها كئيبة، أضواؤها خافتة، وجدرانها بلون رمادي قاتم، مكتب ضخم يتوسطها، مصنوع من خشب ثقيل، تعلوه طبقة زجاجية تعكس الإضاءة الصفراء المتدلية من السقف.
خلف المكتب، جلس راغب متكئًا على كرسي جلدي أسود، ساقه فوق الأخرى، يلفّ سيجارًا ببطء بين أصابعه، رجل في منتصف الأربعينات، بشرته داكنة كأنما احترقت من شمس الصحارى، عيناه ضيقتان، تلمعان بمكر واضح، وكأنهما تزنان كل من يقف أمامه، تقرران إن كان يستحق الثقة... أو الاستغلال.
على جانبي المكتب، وقف رجلان ضخمان، بذراعين معقودتين أمام صدورهما، ملامحهما جامدة كأنهما تماثيل، لكن نظراتهما تقول إنهما جاهزان للتحرك في أي لحظة.
أقترب عمر بابتسامة حذرة وهو يمدّ يده لمصافحته:
˝مساء الخير يا راغب بيه.˝
راغب دون أن يتحرك:
˝ أهلا يا عمر، اتفضل.˝
جلس عمر، بينما بقي سليم واقفًا للحظات قبل أن يلحق به.
أخرج عمر ظرفًا مغلقًا، وضعه بهدوء أمام راغب:
˝جبت لك الفلوس والورق اللي طلبته مني، اتفضل.˝
أخذ راغب الظرف، فتحه ببطء، أخرج الأوراق، قلّبها بعينيه السريعتين، ثم أومأ برأسه برضا، قبل أن يدسّها في درج مكتبه قائلا ببرود:
˝تمام يا عمر، كده كل حاجة جاهزة، فاضل بس تعرف ميعاد السفر.˝
عمر بتردد واضح: ˝طيب يا راغب بيه... عندي طلب صغير.˝
رفع راغب حاجبًا واحدًا، وأشعل سيجاره أخيرًا، سحب نفسًا عميقًا، ثم نفث الدخان ببطء، وكأن صبره محدود:
˝خير يا عمر؟˝
عمر مشيرًا إلى سليم:
˝أخويا وصاحبي سليم عايز يسافر، بس ظروفه ع القد وطمعان فـ كرم حضرتك.˝
توجهت نظرات راغب إلى سليم مباشرة، حدّق فيه كالصياد الذي يقيّم فريسته، ثم قال ببرود: ˝أنت عارف النظام، يا عمر.˝
سليم بصوت يائس متوسلاً: ˝أرجوك يا بيه، ظروفي صعبة، مقدرش أدبر المبلغ كله دلوقتي.˝
راغب بابتسامة جانبية ساخرة: ˝وتقدر تدبر قد إيه؟˝
سليم بتردد: ˝يعني... لو نص المبلغ حتى؟ والباقي لما أسافر إن شاء الله هبقى أبعته لك.˝
ساد الصمت للحظات، تبادل راغب النظرات مع أحد رجاله الواقفين بجواره، ثم مال للأمام، واضعًا مرفقيه على المكتب، وهو يحدّق في سليم وكأنه يستطيع أن يرى من خلاله، ببطء شديد:
˝عشان خاطر عمر بس، هقبل بنص المبلغ، لكن متتأخرش عليا في الباقي، فاهمني؟˝
شعر سليم بقشعريرة تسري في عموده الفقري، لكنه أخفى ارتجافة يده وهو يمدها نحو راغب ليصافحه، بامتنان وسعادة مشوبة بالحذر:
˝فاهم، فاهم، شكرًا يا بيه، وصدقني مش هتأخر عليك، اول ما اشتغل هبعتلك الباقي ع طول.˝
راغب بابتسامة غامضة:
˝يبقى هات لي باسبورك وصورة بطاقتك، ومتقلقش... هتسافر.˝
أنهى سليم مقابلته وهمَّ بالانصراف، لكنه فجأة شعر بوخزة غامضة في صدره، كأن شيئًا ما يحاول تحذيره، توقّف للحظة عند الباب، ألقى نظرة خاطفة على راغب الجالس خلف مكتبه، بعينين تخفيان أكثر مما تُظهران، لم يستطع تفسير ذلك الشعور الثقيل الذي اجتاحه، لكنه كان أشبه بتنبيه خفي... كأن الاتفاق الذي أبرمه لم يكن كما يبدو، وكأن الثمن الذي سيدفعه قد يكون أكثر مما توقع، لكنه تجاهل هذا الشعور، مرددًا في داخله أنها مجرد اوهام.
في مصلحة الجوازات
في صباح اليوم التالي، وقف سليم أمام إدارة الجوازات، يتأمل ذلك المبنى العتيق الذي شهد آلاف الأحلام المعلّقة، أخذ نفسًا عميقًا، كأنه يستعد لعبور بوابة القدر، ثم تقدم بخطوات ثابتة، كأن كل خطوة تقرّبه أكثر من مستقبله المجهول.
داخل المصلحة، لمح سالم وسط الزحام، وكأن القدر شاء أن يجمعهما مرة أخرى، كرفيقين في رحلة محفوفة بالمجهول، تبادلا نظرات صامتة، تفهّما منها ما لم تقله الكلمات، كأنهما يعلمان أن الطريق الذي يسلكانه لن يكون سهلًا، لكنه الخيار الوحيد المتاح... خيار لم يعد بإمكانهما التراجع عنه.
بعد ساعات من الانتظار، خرج سليم وهو يمسك بجواز سفره الجديد، تأمله طويلًا، ضغط عليه بقوة، وكأنه يخشى أن يستيقظ ليجد أنه كان مجرد حلم.
______________________
في بيت سالم
عندما استلم سالم جواز سفره، شعر بثقل غريب في يديه، وكأن هذه الوثيقة الصغيرة تحمل كل مستقبله، لم يكن هناك وقت للتردد، فسارع بتقديم طلبه للسفر عبر وزارة الهجرة، مترقبًا الرد بين الأمل والقلق، ومرت الأيام كأنها دهور، حتى جاءه الخبر الذي انتظره بشغف... تمت الموافقة على سفره، وحدّدوا له موعد الرحيل، لم يضيع لحظة واحدة، بدأ بحزم أمتعته، كل قطعة ملابس كان يطويها، كانت تحمل معها ذكرى من ذكرياته، كل طية تخبئ بين ثناياها جزءًا من حياته التي يوشك على تركها وراءه، الغرفة التي احتضنته منذ طفولته، صوت أمه تناديه من المطبخ، رائحة أبيه بعد عودته من العمل… كلها أشياء لم يكن يدرك قيمتها إلا الآن، وقف عند الباب، ليجد أمه تنظر إليه، ودموعها تتلألأ في عينيها، تحاول أن تتماسك لكنها تفشل، وبنبرة بصوت مرتعش: ˝خلاص يا ابني نويت؟˝
ابتلع سالم غصته، وحاول أن يبدو ثابتًا، لكنه لم يستطع منع صوته من أن يخرج دافئًا مشحونًا بالمشاعر:
˝ادعيلي يا أمي… إن شاء الله، بدعواتك ربنا يفتحها عليَّ، وأقدر أعوضك إنتي وأبويا عن كل سنين التعب والشقى اللي عشتوها˝.
أخذت نفسًا عميقًا، كأنها تحاول أن تملأ رئتيها بوجوده قبل أن يغادر وبنبرة رضا:
˝دعيالك يا بني… قلبي وربي راضين عنك، يا نور عيني˝.
تردد سالم للحظة، ثم نظر إليها نظرة حاسمة، وكأن هذا القرار الذي اتخذه لم يكن كاملًا دون أن يخبرها بابتسامة خافتة: ˝يسلملى دعاكي يا أمي، ان شاء الله أول ما أظبط أموري هناك، هبعتلك تكلمي خالي... عشان هناء˝.
اتسعت عيناها، رغم الدموع التي لم تجف بعد، وكأن قلبها وجد عزاءه وسط هذا الوداع بصوت يحمل رجاءً وفرحة خجولة: فرحتني يا بني بالخبر الحلو ده، سافر يا نور عيني ولما ترجع بالسلامة ان شاء الله، مجبور الخاطر، هكون كلمت خالك، وتتجوزوا على طول.
أمسك وجه أمه بين يديه بحنان، وعيناه تتفحصان ملامحها كأنما يحاول نقشها في ذاكرته للأبد، ثم طبع قبلة طويلة فوق جبينها، يُشبع روحه برائحتها الدافئة، يستنشقها وكأنه يُخزّن أنفاسها في صدره ليتزود بها في غربته، ثم، بانحناءة مُفعمة بالاحترام والحب، أمسك يدها بين راحتيه، وقبّلها ببطء، وكأنه يبث فيها آخر جزء من روحه قبل أن يرحل، يترك فيها أثره الذي لن يمحوه الزمن، يهمس في صمت بأنه سيعود، ولو بعد حين، ثم اتجه إلى والده، صافحه بقوة، وكأنما يحاول أن ينقل إليه شجاعته، لكن الأب لم يكتفِ بذلك، بل جذبه نحوه في احتضان دافئ، احتضان رجل يحاول إخفاء مشاعره بصعوبة، لكنه فشل أمام لحظة الوداع، شعر بقوة ذراعي والده التي تحمل في طياتها خوفًا خفيًا، دعوات غير منطوقة، ووصايا كثيرة لم تجد طريقها إلى الكلمات، ربّت الأب على كتفه بقوة، كأنه يخبره دون أن ينطق: ˝كن قويًا، لا تنسَ من أنت، ولا تنسَ أننا في انتظارك.˝
حمل سالم حقيبته، وأخذ نفسًا عميقًا، ثم استدار نحو الباب، لم يلتفت خلفه مرة أخرى، فلم يكن قادرًا على ذلك، خرج مسرعًا إلى العالم المجهول، إلى الرحلة التي لا يعلم ما تخبئه له، لكنه سار بخطوات ثابتة، وعلى شفتيه دعاء واحد، وهو أن يعود مجبور الخاطر.
______________________
في بيت سليم
وقف سليم أمام والده بعد أن تسلّم جواز سفره، عيناه تحملان امتنانًا لا تسعه الكلمات، الرجل الذي ضحّى بكل ما يملك، باع الأرض التي أفنى عمره في زراعتها، فقط ليمنحه فرصة لحياةٍ أفضل.
نظر محمود إلى ابنه بعينين مُثقلتين بالهموم، وبصوتٍ متهدج محمل بالرجاء:
˝يا سليم، يا ابني، أنا بِعت لك قيراط الأرض اللي كنت شايله للزمن، عشان جهاز إخواتك البنات... أوعى تنسانا لما تسافر، إحنا ما لناش غيرك بعد ربنا يا ابني.˝
شعر سليم بوخز الألم في صدره، لكنه تماسك، وضع يده فوق يد والده، وضغط عليها مطمئنًا:
˝صدقني يا أبا، كل ده عشانكم، عشان نعيش كويس ونبقى مرتاحين.˝
لكن الكلمات وحدها لم تكن كافية لطمأنة قلب أمّه، التي ظلت تراقبه بعينين دامعتين، خوفها لم يكن مجرد قلق أم على ابنها المسافر، بل إحساس داخلي يشبه الفقد، تقدمت نحوه، وضعت يدها فوق صدره، وكأنها تحاول أن تحفظ دفء وجوده قبل أن يختفي، وبقبضة قلب أمّ تخشى الفقد:
˝ربنا يوسع عليك يا ابني، ويرزقك بالرزق الحلال، ويردّك لنا سالم غانم.˝
مدّ يده ليقبّل يدها، لكنه لم يستطع منع نفسه من احتضانها، غاص في دفئها للحظة، وكأن رائحتها كانت آخر خيط يربطه بهذا المكان، وبصوتٍ مختنق:
˝تسلميلي يا أما... ويسلملي دعاكي، هو اللي هيسندني في الغُربة.˝
بعدها، خرج سليم متجهًا إلى مكتب راغب، يحمل بين يديه ثمن الأرض، ثمن أحلام عائلته المعلقة على أمل سفره، حيث وضع مصيره بين يدي رجلٍ يعرف تمامًا كيف يستغل حاجات الناس.
أستقبله راغب، بابتسامة جانبية، وكأنه يُحكم قبضته على فريسته، ثم قال بثقة:
˝كدا تمام يا سليم، خلاص، كام يوم وهتكون مسافر، جهّز شنطتك، وهكلمك وقت التحرك.˝
سليم بثقة ظاهرية تُخفي قلقه: ˝تشكر يا راغب بيه، وأول ما تستقرّ أموري، هبعت لك باقي المبلغ.˝
راغب بضحكة باردة، تفضح خبثه:
˝ولا يهمك.. المهم توصل بالسلامة الأول.˝
غادر سليم المكتب، شعر أن الهواء من حوله بدا أثقل، كأن المدينة بأكملها تحاول منعه من الرحيل، لكنه تجاهل كل شيء، وعاد إلى بيته ليحزم أمتعته.
وفي الليلة التي سبقت الرحيل، جلس سليم وسط حقيبته المفتوحة، عيناه تجولان في أركان البيت الذي نشأ فيه، البيت الذي لم يكن يومًا واسعًا لكنه كان دافئًا... ترى، هل سيعود إليه يومًا؟
وفي الصباح، وقف أمام عتبة البيت، يحمل حقيبته بيديه، وقلبه بين يديّ أهله، والده تقدّم نحوه، وضع يده على كتفه، ثم جذب رأسه ليُقبّل جبينه بحنان الأب الذي يخشى أن لا يحتضن ابنه ثانيةً وبصوتٍ مكسور، يثبّت نظره في وجه ابنه وكأنه يريد أن يحفره في ذاكرته: ˝تروح وترجع بالسلامة، يا سليم.˝
لم يستطع سليم الردّ، فقط هزّ رأسه، ثم التفت إلى والدته، التي لم تعد قادرة على كبح دموعها، أمسكت بكفّه، شدّت عليه كأنها تحاول منعه من الذهاب بلهفة مخنوقة:
˝أمانة يا ضناي، لما توصل تطمني عليك.. ما تسيبنيش بالي مشغول.˝
ضمّ وجهها بين راحتيه برفق، كأنما يحاول أن يحفظ ملامحها في ذاكرته للأبد، ثم طبع قبلة دافئة على جبينها، قبل أن ينحني ويودع كفّها بقبلة امتزجت بحزن صامت، وكأنه يترك معها آخر نبض من قلبه قبل أن يمضي، ثم استدار، ليخطو خطواته الأولى مبتعدًا، لكن قدميه كانت ثقيلة، وكأن الأرض ترفض أن تتركه يذهب، قبل أن يختفي، ألقى نظرة أخيرة، فوجد والدته تبكي بصمت، ووالده ينظر إليه بعينين جامدتين، لكنه كان يعرف أنه يكتم دموعه بالقوة.
تجاهل سليم إحساسًا جاثمًا فوق صدره يخبره أن هذه قد تكون المرة الأخيرة التي يراهم فيها، ثم مضى في طريقه إلى النقطة التي حدّدها له راغب، حيث سينتظر هو ومجموعة أخرى، استعدادًا للرحلة التي لا يعلم هل ستكون طريقًا إلى المستقبل.. أم طريقًا بلا عودة.
انطلق كلٌّ من سالم وسليم في طريقهما نحو الهجرة، لكن شتّان بين الطريقين…
سالم سار في طريقٍ قانونيٍّ آمن، خطّط له بعناية، تحمل فيه مشقة الغربة لكنه حمل معه الأمل، أما سليم فاختار طريقًا محفوفًا بالمخاطر، طريقًا رسمه الطمع واستعجال الحلم، دون أن يدرك أنه قد يكون بلا عودة.
كلاهما حمل حقيبته، غادر وطنه، ترك خلفه أهلاً وأحبة، لكن أحدهما سار بخطوات ثابتة فوق أرض صلبة، بينما الآخر كان يسير فوق مياهٍ مضطربة، لا يعلم إن كانت ستوصله إلى برّ الأمان أم ستبتلعه إلى الأبد.
وصل سالم أخيرًا إلى وجهته، بعد رحلة طويلة حملت بين طياتها القلق والتوتر، لكنه ما إن وطأت قدماه الأرض الجديدة حتى شعر وكأنه يعبر إلى عالم مختلف تمامًا، الهواء مختلف، المدينة تعج بالحياة، والفرص تبدو وكأنها تنتظره ليقتنصها،
استلم عمله وبدأ يتأقلم شيئًا فشيئًا، رغم الحنين الذي كان يعتصر قلبه كل ليلة، إلا أن عزيمته كانت أقوى من أن يتراجع، كان يدرك أن عليه أن يصمد، أن يواجه العواصف بكل ما أوتي من قوة، أن يثبت لنفسه قبل الآخرين أنه ليس ضعيفاً، أنه قادر ع أجتياز المحنة وتحمل مشقّات الغربة وتحقيق أحلامه.
فكان أول ما فعله بعد استقراره هو الاتصال بوالدته، صوتها المشتاق ملأ أذنيه قبل أن تنطق بكلمة واحدة وبابتسامة مطمئنة:
˝أنا بخير يا أمي، الحمد لله وصلت واستلمت الشغل، الأمور بتتحسن يومً بعد يوم، ما تقلقيش˝.
كان يعلم أنها لن تكف عن القلق مهما حاول طمأنتها، لكنها مع ذلك شعرت ببعض الراحة لسماع صوته، أما والده، فلم يكن من الرجال الذين يعبرون عن مشاعرهم بالكلمات، لكنه في تلك اللحظة، وبعد أن استلم الهاتف من زوجته، اكتفى بجملة واحدة حملت في طياتها كل شيء:
˝خليك على العهد، وافتكر إن إحنا مستنيينك.˝
أغلق سالم الهاتف، ثم نظر من نافذته إلى الشوارع المزدحمة أسفل المبنى حيث يقف، هنا، يبدأ مستقبله.. لكنه في أعماقه يعلم أن قلبه ما زال هناك، في وطنه، حيث ينتظره من يحبونه.
أما سليم عندما وطأت قدماه سطح المركب، أدرك سريعًا أنه في مأزق لا خروج منه، المركب كان مزدحمًا فوق طاقته، يتأرجح تحت ثقل الأجساد المتكدسة والحمولة الزائدة، لكن العودة لم تكن خيارًا، والخوف لم يكن رفاهية مسموحة، حاول إقناع نفسه بأن الأمور ستسير على ما يرام، رغم أن كل شيء من حوله كان يصرخ بالعكس،
الأمواج العاتية، الهواء المالح الذي يلسع وجهه، والوجوه الشاحبة من حوله كانت شاهدة على رحلة محفوفة بالمجهول، لم يكن يدرك أن الأسوأ لم يأتِ بعد، عند اقتراب المركب من الحدود الإيطالية، وقف رجال راغب أمامهم بوجوه خالية من الرحمة، يلقون الأوامر كما لو كانوا يطردون حمولة زائدة بلا قيمة، فأشار أحد الرجال بحدة إلى القارب الصغير المتأرجح وسط الأمواج، ثم التفت إلى سالم ومن معه، يعلن بصوت صارم أن عليهم النزول في هذا المكان، لم يكن هناك مجال للاعتراض، فمصيرهم بات معلقًا على أمواج البحر، من يصل إلى الشاطئ فقد كتب له النجاة، ومن تبتلعه المياه فلن يكون سوى رقم جديد في قائمة المفقودين.
تسارعت أنفاس سليم، وارتفع صوته وهو يحدّق في الرجل أمامه بعينين ممتلئتين بالذهول والذعر. جسده ارتجف رغم حرارة الموقف، وكأن صقيع البحر تسلل إلى عظامه قبل أن يلامس مياهه. خطا خطوة للأمام، يلوّح بذراعيه بانفعال، قبل أن يهتف بصوت مختنق:
˝إزاي يعني ننط فـ عرض البحر؟! دا كدا انتحار!˝
أجابه الرجل ببرود قاتل:
˝دي الأوامر.. هو كدا النظام! ويلا بقى متعطلناش، خلينا نرجع نجيب الفوج اللي بعدكم.˝
تجمّد سليم للحظة، نظراته تائهة بين البحر الواسع والقارب المهترئ، وبين الرجال المسلحين الذين لا مجال لمناقشتهم، شعر أن الموت يُحدّق به من كل جانب، لكن لم يكن أمامه سوى الامتثال، استسلم للأمر الواقع، ونزل كما نزل الآخرون، رغم أن صوته الداخلي كان يصرخ: كان لازم تسمع كلام سالم.. كان لازم تفهم أن راغب بيتاجر في الموت!
قلبه يخفق بقوة، وكأن ضلوعه تضيق على روحه، وعقله يرفض استيعاب المصير الذي يُدفع إليه قسرًا، كان الندم ينهش قلبه كلما تذكر كلمة صديقه، لكنه لم يعد يجدي نفعًا الآن، عليه أن يقاتل من أجل حياته، أن يتمسك ولو بخيط واهٍ من الأمل، وما إن أبحر القارب الصغير حتى بدأ يتمايل بجنون مع الأمواج الهائجة، وكأن البحر يرفض حملهم، أو ربما كان يعاقبهم على سعيهم خلف الحلم بطريقة خاطئة،
لم تمر سوى لحظات حتى تسللت المياه إلى داخله، باردة كالموت، غادرة كالوهم، تعالت صرخات الركاب، كل منهم يحاول التشبث بالحياة كيفما استطاع، لكن الفوضى كانت أسبق منهم، في غمضة عين، انقلب القارب، وابتلع البحر الجميع في جوفه المظلم.
راح سليم يعافر، يحاول أن يعوم، لكن الرعب شلّ أطرافه، والماء البارد صار كيدٍ جبارة تسحبه إلى القاع، الهواء يضيق في رئتيه، والموج يصفعه بلا رحمة، من حوله أجساد تتخبط، بعضها يستسلم سريعًا، وبعضها ما زال يحاول النجاة، لكنهم جميعًا يعلمون أن المصير واحد.
في تلك اللحظة، لم يكن الموت فكرة بعيدة، ولا احتمالًا مستبعدًا، بل كان حاضرًا أمامه، يحدّق في عينيه بلا هوادة، يقترب منه كما لو أنه يعرفه منذ زمن، أدرك حينها فقط أنه ارتكب أكبر خطأ في حياته، وأن النهاية كانت محتومة منذ اللحظة التي اختار فيها الطريق الخطأ، وعلم أن الطريق المستقيم هو أقصر الطرق وصولًا الى الهدف، لكنه لم يدرك ذلك.. إلا وهو يغرق.
وبذلك عزيزي القارئ،
إن لكل طريق نختاره في الحياة عواقبه الحتمية، فحينما تسير في دربٍ خاطئ، لا تتوقع أن تصل إلى نهاية مختلفة عن الفشل أو الضياع، قد لا يكون الموت دائمًا نهاية جسدية، لكنه قد يكون موتًا من نوع آخر، موت الضمير حين تعتاد الخطأ حتى يصبح جزءًا منك، أو موت الروح حين تفقد ذاتك وسط زحام الندم والخيبات، فتعيش جسدًا بلا معنى، تتنفس لكنك لا تحيا، وعلى النقيض، فإن الطريق المستقيم، وإن بدا أطول أو أكثر صعوبة، هو السبيل الوحيد إلى النجاة، هو الذي يمنحك راحة الضمير، وسكينة القلب، والطمأنينة بأنك لم تظلم أحدًا، ولم تظلم نفسك. فلا تستسهل الطرق الملتوية، فإنها وإن بدت مغرية في البداية، لن تقودك إلا إلى الهاوية.
كما يقولون: ˝امشِ عدل، يحتار عدوك فيك.˝ فالنقاء في المسير هو ما يمنحك القوة، وما يبني لك طريقًا لا تخشاه العثرات.
ما وراء المحيط بقلمي✍️____لبنى دراز
تمت بحمد الله. ❝ ⏤Lobna Draz
لطالما تأملت مياه البحر الواسعة، وهي تمتد بلا نهاية، تلامس المحيط وكأنها تهمس بأسرارها.
تُرى، ماذا يكمن خلفها؟ هل هو الحلم المنتظر أم الكابوس المجهول؟ النجاة أم الضياع؟
في أحد الأحياء الشعبية، حيث تختلط رائحة الخبز الطازج المتصاعد من أحد المخابز بدخان المقاهي المتناثر في الهواء، وحيث الأزقة الضيقة تضج بأصوات الباعة الجائلين. على إحدى الطاولات الخشبية المهترئة داخل مقهى بسيط، الأضواء الخافتة تتراقص على وجوه الجالسين، وأحاديث الرجال تتشابك مع صوت المذياع الذي يصدح بأغنية قديمة، جلس الصديقان، سالم شابًا في منتصف العشرينيات، طويل القامة نسبيًا، بجسد نحيل لكن متماسك، كأن الحياة صقلته رغم قسوتها، وجهه ليّن الملامح، عيناه السوداوان تحملان مزيجًا من الحلم والضياع، كأنهما تبحثان عن مخرج من دوامة الفقر والقيود التي تحاصره، أما سليم، فكان شابًا في منتصف العشرينيات أيضًا، نحيل الجسد لكنه قوي الملامح، يحمل وجهه ندوب التعب وأشعة أمل خجولة كأنه إنعكاس لسنوات عمره التي تناثرت في الورش والمخابز، محاولًا شق طريقه وسط قسوة الحياة، وهما يحملان بداخلهما همومًا لاتنتهي وأحلامًا لا تحصى لا يعلمان كيف يحققونها، ظلا يتسامران سويًا عما يدور بخلدهما.
كان سالم مستندًا إلى كرسيه بإهمال، يحدق في كوب الشاي أمامه وكأنما يبحث في قاعه عن مخرج من الضيق الذي يكبّله، زفر بضيق، ثم ضرب بيده على الطاولة بخشونة وبنبرة مليئة ضيق ومرارة:
˝والله الواحد اتخنق! تعبت من القعدة من غير شغل، وكل يوم أمي تديني مصروفي زي العيال الصغيرة، وانا راجل أطول منها،
والله يا أخي بقيت حاسس إني بشحت منها وانا بمد إيدي أخد المصروف بدل ما أديها.˝
هزّ سليم رأسه بتنهيدة ثقيلة، عاقدًا ذراعيه فوق صدره، وكأن جسده يشارك روحه في التعب، حدّق في الشارع الممتد أمام المقهى، حيث الأطفال يركضون حفاة، والباعة ينادون على بضائعهم بصوت مبحوح، ثم قال بإحباط وبغصة في صوته: ˝ومين سمعك يا سالم؟ أنا لفيت على كل شغلانة ممكن اشتغلها ما خليتش.. مرة في ورشة، مرة في فرن، مرة في محل ملابس، اهو بجيب مصاريفي عشان ما أطلبش من أبويا، بس الفلوس اللي بتيجي ما بتكفيش، كل حاجة بقت نـ*ـار، والعيشة بقت مستحيلة˝
أطرق سالم رأسه قليلًا، ثم رفع عينيه نحو السماء، وكأنما يحاول أن يرى مصيره بين نجومها المتناثرة، تمتم بصوت مملوء بالشوق لحياة لم يعشها بعد وبأمل ممزوج بالخيبة: ˝نفسي أهرب من هنا، أروح أى بلد، إيطاليا، أمريكا، مش فارقة، المهم ألاقي شغل وأبني نَفسي، نِفسي أتجوز هناء بنت خالي، بدل ما هي مربوطة جنبي، لا قادر أتقدملها ولا قادر أسيبها تشوف حالها!˝
نظر إليه سليم نظرة طويلة، وكأنما يزن كلماته قبل أن ينطق بها، ثم قال ببطء، وكأنه يكشف له عن كنز مخفي:
˝تصدق بالله يا سالم؟ تاهت ولقيناها! الواد عمر، ابن عم إبراهيم، كان بيقول إن فيه واحد اسمه راغب، بيسفّر الناس لإيطاليا، بس بياخد 100 ألف جنيه، ويجيبلك عقد شغل مضمون هناك، ده حتى عمر خلاص هيسافر عن طريقه، تعالى نروح له، واهو يا عم تقدر تتجوز بنت خالك اللى مجنناك دي˝
سالم، الذي كان يترنح بين الأمل واليأس، اتسعت عيناه للحظة قبل أن يطلق ضحكة ساخرة، مريرة، كمن سمع نكتة سوداء ثم قال بتهكم وحسرة: ˝هاهاا.. 100 ألف؟! يا عم هو أنا لو معايا المبلغ ده كنت هبقى قاعد ع القهوة أستنى أمي تديني مصروفي؟!˝
لكن سليم لم يفقد حماسه، مال نحوه قليلًا، وكأنما يوسوس له بفكرة قد تقلب حياتهما رأسًا على عقب قائلاً بإصرار:
˝يا ابني اسمع مني، تعالى بس نروح له ونتكلم معاه، يمكن يطلع ابن حلال ويساعدنا.. ممكن ياخد مقدم صغير، والباقي نبقى نبعته لما نسافر ونشتغل!˝
كان عقل سالم يعمل بسرعة، بين المنطق الذي يخبره بأن الأمر مستحيل، والرغبة العارمة التي تجعله يرى أي فرصة كطوق نجاة، لكنه سرعان ما هزّ رأسه بعناد، ثم نهض من كرسيه ودسّ يديه في جيبيه بحسم: ˝لا يا عم، عايز تروح انت، روح، أنا هرجع البيت، أكيد أمي خلصت الغدا، سلام!˝
تابعه سليم بعينيه يشاهده وهو يبتعد وسط زحام الشارع، خطواته ثقيلة، لكنها تحمل في داخلها صراعًا لا يراه أحد، زفر ببطء، ثم أسند رأسه إلى الطاولة، غارقًا في دوامة من الأفكار، ترى.. هل يخاطر بنفسه ويذهب إلى راغب وحده، أم يحاول إقناع سالم مرة أخرى؟
كانت الليلة قد بدأت تسدل ستائرها على الحيّ، أما أحلامهما، فعلى الرغم من ظلام الواقع، كانت تتخبط بحثًا عن شعاع نور في أفق مجهول..
___________________
في بيت سالم
في نفس الحي الشعبي، حيث تتراص البيوت المتجاورة كأنها تشد بعضها بعضًا، وقف سالم أمام باب منزله المتواضع، الذى تتدلى ستائره القماشية فوق مدخله، بينما تعكس جدرانه القديمة حكايات العائلة التي سكنته لعقود، كان المنزل صغيرًا لكنه دافئ، يضم غرفة معيشة بسيطة بها أريكة مهترئة لكنها تحمل دفء العائلة، وطاولة خشبية في المنتصف تتوسط الغرفة وكأنها شاهد على أحاديث الأيام وذكرياتها، في الزاوية، كان هناك تلفاز قديم يعمل بصعوبة، بينما تنبعث من المطبخ رائحة الطعام المنزلي التي تحمل معها إحساسًا بالأمان رغم ضيق الحال، دلف إلى المنزل، لكن عقله ظل عالقًا في حديث سليم، تتصارع داخله الأفكار بين رغبته في الهروب من هذا الواقع الضيق، وخوفه من المجهول الذي ينتظره هناك، خلف البحار.
ما إن دخل حتى استقبلته والدته، هنادي، بلهجتها الحادة المعهودة، لكن بعينين تحملان ألف سؤال وألف قلق، قائلة: ˝طيب أرمى سلام ربنا، ولا داخل كده كأنك داخل على يهود مش مسلمين؟˝
رفع رأسه كأنما استيقظ من شروده، ثم تنهد وهو يخلع حذاءه عند الباب:
˝معلش يا أمي، سامحيني˝
تأملته للحظة، فلاحظت شروده، شحوب وجهه، شيء ما يشغل فكره، اقتربت منه ومسحت على كتفه بحنان:
˝مالك يا ضنايا؟ إيه اللي شاغل بالك؟ مصروفك خلص يا حبيبي مش كده؟˝
هزّ سالم رأسه نافيًا، ثم جلس على الأريكة مطرقًا برأسه: ˝معايا يا حبيبتي، خيرك مغرقني.. بس، تعبت يا أمي من العوزة وقلة الشغل، بصراحة بفكر أسافر برة، يمكن ربنا يكرمني والحال يتبدل.˝
قطبت هنادي حاجبيها، وعقدت يديها أمام صدرها، فبدت عيناها تائهتين، كأنها تحاول استيعاب فكرة سفره، أو تبحث عن طمأنينة مفقودة بين كلماته،
قائلة بنبرة يشوبها القلق والتوجس: ˝وهتلاقي مين بس يسفرك يا ابني؟ ولا هتسافر فين وازاي؟˝
تنهّد سالم وهو يمرر يده في شعره بتوتر، ثم قال بصوت يحمل شيئًا من التردد:
˝مش عارف والله يا أمي، بس سليم بيقول إن عمر ابن عم إبراهيم جارنا هيسافر عن طريق واحد اسمه راغب، رايح إيطاليا.˝
خرج والده من الغرفة المجاورة بعد أن سمع حديثهما، ظل يستمع بصمت، حتى تحدث أخيرًا، بصوت حمل نبرة القلق أكثر من الغضب: ˝وده تبع شركة سياحة يا ابني؟ ولا تبع السفارة؟ ولا إيه بالظبط؟ فهّمني.˝
تردد سالم، ثم قال:
˝بصراحة مش عارف يا بابا، بس سليم بيقول إن الراجل ده بياخد 100 ألف جنيه مقابل العقد والسفر.˝
نظر حسن إلى ابنه طويلًا، وكأنما يحاول قراءة ما يدور في رأسه، ثم قال بجدية:
˝بص يا ابني، هقولك كلمة وعايزك تسمعها كويس.. لو عايز تسافر وتشوف رزقك وتبني مستقبلك، مش همنعك، بس امشي صح، روح الشركات الحكومية، اسأل عن الطرق القانونية، وأنا معاك ف اللي انت عايزه، لكن اللي بيقول عليه صاحبك ده، لأ يا سالم.. ده شكله واحد من تجار الموت اللى بياخدوا الفلوس ويسهّلوا السفر للشباب، والله أعلم هتوصل ولا هتضيع في البحر زي غيرك.˝
تسارعت نبضات قلب سالم، لم يكن يفكر في الأمر من هذه الزاوية، رفع عينيه إلى والده، كأنه يبحث عن بصيص أمل: ˝يعني أنت يا حاج، مش معترض إني أسافر؟˝
زفر حسن أنفاسه ببطء يحاول ترتيب كلماته بعناية، حدّق في وجه ابنه بنظرة حازمة تخفي خلفها مزيجًا من الخوف والرجاء قائلا بصوت هادئ يحمل ثقل خبرة السنوات:
˝لا يا حبيب أبوك، مش معترض طالما مافيش لك رزق هنا، بس امشي في النور، مش في الضلمة.˝
أغمض عينيه للحظة وكأنه يسترجع ذكريات لأشخاص فُقدوا في طرق مجهولة، قبل أن يعود لينظر إلى سالم مباشرة، متابعًا بجدية:
˝دور على فرصة سفر قانونية يا سالم، إنما الطريق اللي بتتكلم عنه ده، مش مضمون يا ابني.. تفتكر اللي هياخد منك مبلغ زي ده، همه إنك توصل بالسلامة؟ لا، دول همهم الفلوس وبس، أنا مش هقف في طريقك، بس مش هسمح لك تضيع نفسك في مغامرة مش محسوبة.˝
ساد الصمت للحظة، لم يُسمع فيها سوى صوت أنفاس سالم المضطربة، بينما بدت هنادي وكأنها تحبس دموعها بصعوبة، تنظر لزوجها وكأنها تنتظر منه أن يزيد في كلامه ليمنع ولدها تمامًا، لكنه اكتفى بالصمت، تاركًا القرار في يد ابنه، في تلك الليلة، ظل سالم مستلقيًا على سريره، يفكر في كلمات والده، وفي الطريق الذي عليه أن يختاره، كان يدرك أن الفقر قاسٍ، لكنه أيضًا أدرك أن الحلم إذا لم يُبْنَ على أساس قوي، قد يتحول إلى كابوس لا نجاة منه،
وفي النهاية، قرر أن يسافر، لكنه سيفعلها بالطريقة الصحيحة، كما قال والده. فالموت في الغربة ليس أهون من الحياة في الفقر.
_____________________
في بيت سليم
عاد سليم إلى المنزل، لكنه لم يكن كعادته، سار ببطء وعيناه شاردتان، يحمل على كتفيه ثقل أفكاره التي لم تفارقه منذ ساعات، لم يكن المنزل سوى محطة مؤقتة لروحه القلقة، فقد أصبح يشعر بأنه محاصر بين جدرانه، كما لو أن الأبواب مغلقة أمام مستقبله، وما زالت الأفكار تتلاطم في رأسه كالأمواج، تبحث عن طريق للخلاص من هذا الواقع الخانق. وقف للحظة أمام باب منزله القديم ذو الطابقين، يعلوه بعض الشقوق التي حفرها الزمن في جدرانه، مدخله الضيق تصطف على جانبيه أحذية قديمة، ونافذته المطلة على الزقاق تكاد لا تغلق جيدًا، كأنها تعبت من مقاومة الرياح، دفع الباب بيده، فصدر عنه أزيز خافت، ثم دخل ليجد أمه تجلس على أريكة خشبية قديمة، منشغلة بطيّ بعض الملابس، ووجهها الذي خطّ عليه الزمن تجاعيد خفيفة، يضيئه نور خافت ينبعث من مصباح يتدلى من السقف، فألقى عليها السلام بصوت هادئ: السلام عليكم يا ست الكل.˝
ما إن وقع نظرها عليه حتى رفعت رأسها بسرعة، وضعت ما بيدها جانبًا، ثم تطلعت إليه بابتسامة دافئة تخفي وراءها قلقًا لم تستطع مواراته:
˝وعليكم السلام ورحمة الله، مالك يا سليم يا حبيبي؟˝
ألقى بجسده على أقرب مقعد، وأخذ يمرر يده في شعره بعصبية واضحة، زفر بضيق قبل أن يرد:
˝زهقان يا أمه.. وعايز أطفش من البلد دي بأي طريقة.˝
قطّبت نادية حاجبيها، واعتدلت في جلستها، ثم قالت بصوت دافئ لكنه يحمل قلق الأم:
˝سلامتك من الزهق يا قلب أمك، مالك بس يا ضنايا؟˝
انتفض واقفًا، وقد تملّكه الغضب والإحباط، لوّح بيديه في الهواء وكأن كلماته تكاد تخنقه:
˝هيكون مالي بس يا أمه؟ زهقان ومخنوق وأنا كده عواطلي بعد سنين تعليم وشهادة جامعية بتقدير! مش لاقي حتى تمن السيجارة، وعشان أقدر اشتريها، لازم اتسحل في قهوة، ولا اتحشر تحت عربية في ورشة، ولا يطلع عيني في فرن، واتحمل غلاسة ده ورزالة ده كأني بشحت منهم!˝
في هذه اللحظة، دخل والده، محمود، رجل خمسيني، آثار التعب والحياة القاسية واضحة على وجهه، يرتدي جلبابًا رماديًا قديمًا، ويضع طاقية بيضاء فوق رأسه، فاقترب وجلس على المقعد المقابل له، هزّ رأسه بأسى وقال بنبرة يغلفها العجز: ˝ماهو ده حال الشباب كلها يا ابني، ما فيش غير القليل، هنعمل إيه يعني؟ ما باليد حيلة، يا سليم.˝
أطرق سليم برأسه، وابتلع مرارة الواقع، ثم قال بصوت خافت يشوبه الإحباط:
˝والله يا أبا تعبت والعمر بيجري! لا عارف اشتغل وأساعدك ولا حتى عارف أكفي نفسي!˝
وضعت نادية يدها على كتف ابنها بحنان، كأنها تحاول أن تخفف عنه ثقل همومه، لكنها لم تجد كلمات تشفي وجعه سوى تساؤلها العاجز:
˝وفي إيدنا إيه بس يا حبيبي نعمله؟ ما فيش غير إننا ندعيلك ربنا يرزقك، بس أنت كمان خليك صابر.˝
رفع سليم رأسه، واتخذ قراره، فقد كان الشعور بالضياع أشد عليه من أي مخاطر قد تواجهه، فقال بصوت جاد:
˝بفكر أسافر يا أمه.. الواد عمر ابن عم إبراهيم هيسافر إيطاليا، في واحد اسمه راغب جاب له عقد وهيسفره، بس هياخد منه 100 ألف جنيه!˝
سكت للحظة، ثم تابع بنبرة أكثر إصرارًا:
˝هكلمه يمكن يجيب لي عقد أنا كمان.˝
نظر إليه والده باندهاش، واتكأ إلى الوراء مفكرًا، قبل أن يرد مستنكرًا:
˝يااااه! 100 ألف جنيه؟! ده مبلغ كبير أوي يا سليم، هتجيبه منين بس يا ابني؟˝
عقد سليم حاجبيه، وأخذ يفكر في طريقة لإقناع ذلك الرجل
ثم قال محاولًا طمأنة والده: ˝أنا هحاول أقنع اللي اسمه راغب ده، إنه ياخد مني أي مبلغ دلوقتي، والباقي أبعته له لما أسافر واشتغل، يمكن يوافق، يا أبا!˝
نظر محمود إلى سليم نظرة تحمل ثقل السنين، يعلم أنه لا يملك المال، ولا يملك حتى وعدًا بأن الأمور ستكون بخير، لكنه لا يستطيع أيضًا كسر جناحه وتحطيم آماله.
أما نادية، لم تكن سعيدة بهذا القرار، لكنها لم تجد في قلبها القوة لتثنيه عنه، فالحياة ضاقت عليه، وعيناه كانت تحملان رجاءً يوجع قلبها، فقالت بنبرة مستسلمة لكنها مليئة بالدعاء: ˝خلاص يا حبيبي، اتوكل على الله، شوف عمر، خليه ياخدك للراجل ده، وربنا يكتب لك الخير يا ضنايا.˝
تأثر سليم بدعم والدته، ثم أقترب منها وأمسك يدها قبّلها بحب، وتمتم بصوت يملؤه الرجاء:
˝يا رب، يا أمه، ادعي لي أنتِ بس.˝
وفي تلك الليلة، ظل سليم مستلقيًا على سريره، يحدق في السقف بعينين مثقلتين بالأفكار، وقلبه ينبض بعنف بين الحماسة والقلق، كان عقله يطوف بين احتمالات المستقبل، بين الطريق الذي يستعد لخوضه والغد الذي يلوح أمامه كضباب لا يكشف عن مكنونه، هل ستكون هذه الفرصة طوق نجاته، أم مجرد وهم يقوده إلى معاناة لا يدري مداها؟ لم يكن متأكدًا مما يخبئه له القدر، لكنه كان يعلم يقينًا شيئًا واحدًا.. لم يعد بإمكانه البقاء هنا أكثر من ذلك.
_____________________
في المقهى
في اليوم التالي، وكما جرت العادة، التقيا سليم وسالم بعد ساعات طويلة من التجوّل في الشوارع بحثًا عن فرصة عمل، لم يكن الهدف منها وظيفة مستقرة بقدر ما كان محاولة لتوفير ما يكفي لجلسة المساء في المقهى، حيث يقتلان الوقت بين لُعبة النّرد وأحاديث عابرة عن المستقبل الذي بدا بعيد المنال، جلسا إلى طاولتهما المعتادة، وأمامهما أكواب الشاي التي بدأ سطحها يبرد، بينما يملآن الجو بأنفاس ثقيلة، مزيج من الإرهاق والأمل الخافت، حيث تصاعد الدخان في الهواء مختلطًا بأصوات الباعة في الخارج وضجيج الحياة الرتيبة.
تنهد سالم، وأسند مرفقه على الطاولة وهو يحرّك الملعقة داخل كوبه، ينظر إلى سليم بنظرة جانبية قبل أن يقول بصوت خافت لكنه مشحون بالتردد:
˝أسكت يا سليم، بقول لأبويا عن كلامك ع السفر، وعن الراجل اللي اسمه راغب ده.˝
اعتدل سليم في جلسته على الفور، وكأن الكلمات قد نبهته من سباته، تسللت الحماسة إلى ملامحه وهو يسأل بترقب:
˝وبعدين؟ قالك إيه؟ وافق، مش كده؟˝
لم يرد سالم بسرعة، لكنه أدار الملعقة ببطء داخل الكوب قبل أن يضعها على الطاولة وهو يرمي حجر النرد:
˝أبويا ما عندوش اعتراض على السفر. بس مش مع الراجل ده، قال لي أقدم تبع الحكومة.˝
انعقد حاجبا سليم، ونقر بأصابعه على الطاولة بإيقاع سريع ينمّ عن ضيقه:
˝يا عم، هى الحكومة بتسفّر حد الأيام دي؟˝
رفع سالم كتفيه وهو يرد بنبرة حاول أن تبدو مقنعة:
˝أيوه يا ابني، تبع وزارة القوى العاملة والهجرة، بندخل بياناتنا على النت، ونتابع لغاية ما ربنا يكرم.˝
قهقه سليم ضاحكًا وهو يلوّح بيده في الهواء:
˝ده انت رايق يا عم سالم! يوم الحكومة بسنة يا ابني، هو انت فاكر هتقدم النهارده وتسافر بكرة؟˝
هزّ سالم رأسه وارتشف رشفة صغيرة من الشاي قبل أن يرد بصبر نافذ:
˝هو احنا ورانا إيه يعني؟ أهى كده قعدة وكده قعدة، على الأقل يبقى في حاجة تشغل تفكيرنا بدل الفراغ اللي إحنا فيه ده.˝
لم يكن سليم من النوع الذي يحتمل فكرة الانتظار، زفر بحدة وهو يسحب سيجارة من علبته ويشعلها، ثم قال وهو ينفث الدخان ببطء:
˝لا يا عم، أنا ما عنديش طولة بال زيك، أنا هروح أشوف عمر يوصّلني براغب، وإن شاء الله أسافر عن طريقه.˝
قطب سالم جبينه، وأسند ظهره إلى الكرسي وهو يراقب سليم بصمت لثوانٍ قبل أن يقول بنبرة مشوبة بالقلق:
˝يا ابني، اسمع مني، خليك في السليم وتعالى نقدّم تبع الحكومة أحسن، وسيبك من الراجل ده! ده على رأي أبويا، شكله واخدها تجارة وبيتاجر في الموت!˝
ضحك سليم بسخرية، وأطفأ سيجارته قبل أن يميل للأمام، مستندًا بكوعيه إلى الطاولة وهو يهمس بمكر:
˝لا يا سيدي، خليك انت في طريقك السليم ياخويا، وسيبني أنا للطريق السريع! يا ابني، ده أنا هسافر وأشتغل وأكسب، وهارجع كمان أجازة، وتكون انت لسه ما سافرتش، ولا حتى الحكومة ردّت عليك!˝
شعر سالم بوخزة في صدره، لكنه أبعدها سريعًا، يعلم أن صديقه عنيد ولا يسمع إلا ما يريد، ومع ذلك لم يستسلم، مال نحوه محاولًا إقناعه للمرة الأخيرة:
˝يا ابني اسمع مني. سيبك من الطريق ده عشان ما تندمش في الآخر.˝
لكن سليم كان قد حسم أمره، ضرب الطاولة بكفه وهو يقول بإصرار:
˝اسمعني انت يا سالم، خليك معايا ونسافر سوا يا ابني، أسهل وأسرع!˝
هزّ سالم رأسه ببطء، ثم ابتسم ابتسامة خفيفة تحمل في طياتها قلقًا دفينًا:
˝لا يا عم، خليك انت في طريقك السريع، وسيبني أنا في الطريق المضمون، ده على رأي أمي، بتقول دايمًا: في التأني السلامة، وفي العجلة الندامة.˝
ساد الصمت للحظات بينهما، قبل أن يميل كل منهما إلى الخلف، كل واحد منهما غارق في أفكاره الخاصة، وهكذا، في تلك الليلة، خرج كلٌ منهما من المقهى وقد حسم أمره، غير مدركين أن قراراتهما تلك ستحمل لهما مصائر لم يكن أيٌ منهما يتوقعها.
____________________
في بيت سالم
عاد سالم إلى منزله وجلس مع والده ليخبره بقراره بالتقديم على السفر إلى إيطاليا عبر موقع وزارة الهجرة على الإنترنت، كان يشعر بمزيج من الحماس والقلق، فهذه الخطوة قد تكون بداية جديدة لحياته، لكنها في الوقت ذاته مجهولة المصير.
رفع حسن رأسه ببطء، حدَّق في ابنه للحظات، ثم قال بصوت هادئ، لكنه يحمل الكثير من التساؤلات:
˝طيب يا ابني، كويس.. بس عرفت إيه الأوراق المطلوبة عشان تعرف تقدِّم؟˝
عدل سالم جلسته، وأراح كفيه على ركبتيه، ثم أجاب بثقة:
˝حاليًا مش مطلوب غير إنِّي أدخل بياناتي الشخصية على الموقع الإلكتروني، وأحدِّد موقفي من الجيش، وأكتب رقم جواز السفر، وبعدها هستنى لحد ما يردوا عليا.˝
هزَّ حسن رأسه بتفهُّم، ثم قال بنبرة مشجعة:
˝وماله، قدِّم يا ابني، وربنا يوفقك.. واللي رايده ربك هيكون إن شاء الله.˝
شعر سالم براحة غريبة تغمره، رغم التوتر الذي لم يفارقه، لكنه كان بحاجة لدعم والده أكثر من أي شيء آخر، نظر إليه بعينين ممتلئتين بالامتنان، ثم قال:
˝ادعيلي يا أبو سالم.˝
وضع حسن يده على كتف ابنه وربَّت عليه بحنان، ثم قال بصوته العميق الذي اعتاد سالم أن يستمد منه الطمأنينة:
˝داعيلك يا بني، وراضي عنك.. ربنا يوفقك يا حبيبي.˝
لم يتردد سالم في الانحناء ليقبِّل يد والده بحب واحترام، وقال بحرارة:
˝ربنا يبارك لنا فيك يا حج، وما يحرمناش منك ولا من دعواتك ورضاك علينا.˝
بينما كان المشهد يسوده جو من الألفة، خرجت هنادي من المطبخ وعينيها تحملان قلق الأمهات المعتاد:
˝بس يا بني، إنت ما عندكش باسبور، هتقدِّم إزاي؟˝
ضحك سالم بخفة، محاولًا طمأنتها، وقال بثقة:
˝ما تقلقيش يا ست الكل، إن شاء الله بكرة الصبح هروح إدارة الجوازات وأطلع الباسبور وأقدِّم بيه.. بس إنتِ ادعيلي، وهتفرج بإذن الله.˝
رفعت هنادي كفيها بالدعاء وهي ترد بحماس:
˝دعيالك يا بني، يسعدك، ويجعل في وشك القبول، ويفتح لك كل باب مقفول، ويهدي عليك خلقه ببركة ربنا وبركة الصلاة على الرسول.. عليه أفضل الصلاة والسلام.˝
أغمض سالم عينيه للحظة، مستشعرًا بركة دعائها، ثم قال بابتسامة خاشعة:
˝الله. يا أم سالم، أحلى دعوة. ربنا يقبل منك يا رب، اللهم آمين.˝
نظرت هنادي إلى حسن بنظرة جانبية ماكرة، ثم قالت وهي تخفي ابتسامتها:
˝اسكت يا حسن، مش إبراهيم وعياله جايين يوم الجمعة وهياخدوا يومين عندنا.˝
انتبه حسن لما قالته زوجته، فأدار رأسه نحوها ببطء ثم قال متسائلًا وهو ينقل نظراته إلى سالم:
˝بجد؟ طيب كويس إنك قولتي، عشان نعمل حسابنا.. بس يا ترى هناء جاية معاهم ولا إيه؟˝
ضحكت هنادي بخبث، وردَّت بحزم مصطنع:
˝أنا ياخويا شرطت عليه ما يجيش من غير حبيبة عمتها.˝
جلس سالم يستمع الى حديث والديه، لكن عقله كان في مكان آخر.. لم يكن بحاجة إلى سماع اسمها، فهو محفور في أعماقه.. تلك الفتاة التي سكنت قلبه دون إذن، وأصبحت روحه لا تعرف الطمأنينة إلا بها، لكنها كانت أيضًا الحلم البعيد، الأمنية العالقة بين ضيق الحال وقلة الفرص، الحلم الذي يخشى أن يضيع منه كما ضاع غيره،
عندما جاء ذكرها، تجمدت أنفاسه في صدره، كأن الزمن توقف للحظة، حاول أن يخفي اضطرابه، خفض رأسه ببطء، شبك أصابعه ببعضها بقوة، كأنه يحاول أن يتمسك بشيء وسط الفراغ الذي يحاصره، لكن عقله لم يرحمه، كان يعيد عليه ذات الحقيقة القاسية: لا يملك ما يكفي ليطلبها.. لا يملك سوى قلبه، وهل القلب وحده يكفي؟
تنهيدة طويلة أفلتت منه، وكأنها تحمل كل الخذلان، كل الانتظار، كل الأحلام التي كاد يفقدها، رفع رأسه قليلًا، نظر إلى الفراغ أمامه وكأنه يرى مستقبلًا مجهولًا، ثم همس، بصوت لم يكن سوى وعد قطعه لنفسه:
˝هانت يا هناء.. إن شاء الله ربنا يوفقني، وأول حاجة هعملها.. هطلب إيدك.˝
___________________
في بيت سليم
عاد سليم إلى المنزل بخطوات ثقيلة، ألقى بجسده على الأريكة، حدّق في السقف بشرود، ثم زفر بضيق لم يعد يحتمل الانتظار أكثر، هذه الحياة تُخنقه، والفرص هنا تبدو وكأنها تنكمش يومًا بعد يوم حتى تكاد تختفي، مدّ يده إلى هاتفه واتصل بصديقه عمر، لعلّه يكون مفتاحه للخروج من هذا القفص:
˝ألو، عمر.. عامل إيه؟˝
سليم بصوت يحمل ضيقًا: ˝الحمد لله يا عمر، بس زهقت من قلة الشغل! بقولك إيه، ما توصّلني بالراجل اللي اسمه راغب ده؟ أنا عايز أسافر إيطاليا، أشتغل بدل القعدة اللي مالهاش آخر دي!˝
عمر:
˝تمام ياعم، وماله! أنا أصلًا رايح له كمان ساعة، تعال معايا ونكلمه عليك.˝
سليم بحماس ممزوج بالقلق: ˝تمام، يا عمور، ساعة زمن وتلاقيني عندك، يلا سلام!˝
أغلق الهاتف، لكنه ظلّ جالسًا للحظات، وكأن جسده لم يستوعب بعد أنه قد يجد فرصة حقيقية للخروج من هذا الواقع الكئيب، نهض فجأة، وكأن نارًا اشتعلت داخله، وقام بتغيير ملابسه بسرعة قبل أن يغادر، يتشبث بهذا الأمل الذي قد يكون الأخير.
في مكتب راغب
عندما دخل سليم مع عمر إلى مكتب راغب، شعر بشيء غريب، وكأن المكان نفسه ينبض بالخطر، كانت الغرفة فسيحة لكنها كئيبة، أضواؤها خافتة، وجدرانها بلون رمادي قاتم، مكتب ضخم يتوسطها، مصنوع من خشب ثقيل، تعلوه طبقة زجاجية تعكس الإضاءة الصفراء المتدلية من السقف.
خلف المكتب، جلس راغب متكئًا على كرسي جلدي أسود، ساقه فوق الأخرى، يلفّ سيجارًا ببطء بين أصابعه، رجل في منتصف الأربعينات، بشرته داكنة كأنما احترقت من شمس الصحارى، عيناه ضيقتان، تلمعان بمكر واضح، وكأنهما تزنان كل من يقف أمامه، تقرران إن كان يستحق الثقة.. أو الاستغلال.
على جانبي المكتب، وقف رجلان ضخمان، بذراعين معقودتين أمام صدورهما، ملامحهما جامدة كأنهما تماثيل، لكن نظراتهما تقول إنهما جاهزان للتحرك في أي لحظة.
أقترب عمر بابتسامة حذرة وهو يمدّ يده لمصافحته:
˝مساء الخير يا راغب بيه.˝
راغب دون أن يتحرك:
˝ أهلا يا عمر، اتفضل.˝
جلس عمر، بينما بقي سليم واقفًا للحظات قبل أن يلحق به.
أخرج عمر ظرفًا مغلقًا، وضعه بهدوء أمام راغب:
˝جبت لك الفلوس والورق اللي طلبته مني، اتفضل.˝
أخذ راغب الظرف، فتحه ببطء، أخرج الأوراق، قلّبها بعينيه السريعتين، ثم أومأ برأسه برضا، قبل أن يدسّها في درج مكتبه قائلا ببرود:
˝تمام يا عمر، كده كل حاجة جاهزة، فاضل بس تعرف ميعاد السفر.˝
عمر بتردد واضح: ˝طيب يا راغب بيه.. عندي طلب صغير.˝
رفع راغب حاجبًا واحدًا، وأشعل سيجاره أخيرًا، سحب نفسًا عميقًا، ثم نفث الدخان ببطء، وكأن صبره محدود:
˝خير يا عمر؟˝
عمر مشيرًا إلى سليم:
˝أخويا وصاحبي سليم عايز يسافر، بس ظروفه ع القد وطمعان فـ كرم حضرتك.˝
توجهت نظرات راغب إلى سليم مباشرة، حدّق فيه كالصياد الذي يقيّم فريسته، ثم قال ببرود: ˝أنت عارف النظام، يا عمر.˝
سليم بصوت يائس متوسلاً: ˝أرجوك يا بيه، ظروفي صعبة، مقدرش أدبر المبلغ كله دلوقتي.˝
راغب بابتسامة جانبية ساخرة: ˝وتقدر تدبر قد إيه؟˝
سليم بتردد: ˝يعني.. لو نص المبلغ حتى؟ والباقي لما أسافر إن شاء الله هبقى أبعته لك.˝
ساد الصمت للحظات، تبادل راغب النظرات مع أحد رجاله الواقفين بجواره، ثم مال للأمام، واضعًا مرفقيه على المكتب، وهو يحدّق في سليم وكأنه يستطيع أن يرى من خلاله، ببطء شديد:
˝عشان خاطر عمر بس، هقبل بنص المبلغ، لكن متتأخرش عليا في الباقي، فاهمني؟˝
شعر سليم بقشعريرة تسري في عموده الفقري، لكنه أخفى ارتجافة يده وهو يمدها نحو راغب ليصافحه، بامتنان وسعادة مشوبة بالحذر:
˝فاهم، فاهم، شكرًا يا بيه، وصدقني مش هتأخر عليك، اول ما اشتغل هبعتلك الباقي ع طول.˝
أنهى سليم مقابلته وهمَّ بالانصراف، لكنه فجأة شعر بوخزة غامضة في صدره، كأن شيئًا ما يحاول تحذيره، توقّف للحظة عند الباب، ألقى نظرة خاطفة على راغب الجالس خلف مكتبه، بعينين تخفيان أكثر مما تُظهران، لم يستطع تفسير ذلك الشعور الثقيل الذي اجتاحه، لكنه كان أشبه بتنبيه خفي.. كأن الاتفاق الذي أبرمه لم يكن كما يبدو، وكأن الثمن الذي سيدفعه قد يكون أكثر مما توقع، لكنه تجاهل هذا الشعور، مرددًا في داخله أنها مجرد اوهام.
في مصلحة الجوازات
في صباح اليوم التالي، وقف سليم أمام إدارة الجوازات، يتأمل ذلك المبنى العتيق الذي شهد آلاف الأحلام المعلّقة، أخذ نفسًا عميقًا، كأنه يستعد لعبور بوابة القدر، ثم تقدم بخطوات ثابتة، كأن كل خطوة تقرّبه أكثر من مستقبله المجهول.
داخل المصلحة، لمح سالم وسط الزحام، وكأن القدر شاء أن يجمعهما مرة أخرى، كرفيقين في رحلة محفوفة بالمجهول، تبادلا نظرات صامتة، تفهّما منها ما لم تقله الكلمات، كأنهما يعلمان أن الطريق الذي يسلكانه لن يكون سهلًا، لكنه الخيار الوحيد المتاح.. خيار لم يعد بإمكانهما التراجع عنه.
بعد ساعات من الانتظار، خرج سليم وهو يمسك بجواز سفره الجديد، تأمله طويلًا، ضغط عليه بقوة، وكأنه يخشى أن يستيقظ ليجد أنه كان مجرد حلم.
_____________________
في بيت سالم
عندما استلم سالم جواز سفره، شعر بثقل غريب في يديه، وكأن هذه الوثيقة الصغيرة تحمل كل مستقبله، لم يكن هناك وقت للتردد، فسارع بتقديم طلبه للسفر عبر وزارة الهجرة، مترقبًا الرد بين الأمل والقلق، ومرت الأيام كأنها دهور، حتى جاءه الخبر الذي انتظره بشغف.. تمت الموافقة على سفره، وحدّدوا له موعد الرحيل، لم يضيع لحظة واحدة، بدأ بحزم أمتعته، كل قطعة ملابس كان يطويها، كانت تحمل معها ذكرى من ذكرياته، كل طية تخبئ بين ثناياها جزءًا من حياته التي يوشك على تركها وراءه، الغرفة التي احتضنته منذ طفولته، صوت أمه تناديه من المطبخ، رائحة أبيه بعد عودته من العمل… كلها أشياء لم يكن يدرك قيمتها إلا الآن، وقف عند الباب، ليجد أمه تنظر إليه، ودموعها تتلألأ في عينيها، تحاول أن تتماسك لكنها تفشل، وبنبرة بصوت مرتعش: ˝خلاص يا ابني نويت؟˝
ابتلع سالم غصته، وحاول أن يبدو ثابتًا، لكنه لم يستطع منع صوته من أن يخرج دافئًا مشحونًا بالمشاعر:
˝ادعيلي يا أمي… إن شاء الله، بدعواتك ربنا يفتحها عليَّ، وأقدر أعوضك إنتي وأبويا عن كل سنين التعب والشقى اللي عشتوها˝.
أخذت نفسًا عميقًا، كأنها تحاول أن تملأ رئتيها بوجوده قبل أن يغادر وبنبرة رضا:
˝دعيالك يا بني… قلبي وربي راضين عنك، يا نور عيني˝.
تردد سالم للحظة، ثم نظر إليها نظرة حاسمة، وكأن هذا القرار الذي اتخذه لم يكن كاملًا دون أن يخبرها بابتسامة خافتة: ˝يسلملى دعاكي يا أمي، ان شاء الله أول ما أظبط أموري هناك، هبعتلك تكلمي خالي.. عشان هناء˝.
اتسعت عيناها، رغم الدموع التي لم تجف بعد، وكأن قلبها وجد عزاءه وسط هذا الوداع بصوت يحمل رجاءً وفرحة خجولة: فرحتني يا بني بالخبر الحلو ده، سافر يا نور عيني ولما ترجع بالسلامة ان شاء الله، مجبور الخاطر، هكون كلمت خالك، وتتجوزوا على طول.
أمسك وجه أمه بين يديه بحنان، وعيناه تتفحصان ملامحها كأنما يحاول نقشها في ذاكرته للأبد، ثم طبع قبلة طويلة فوق جبينها، يُشبع روحه برائحتها الدافئة، يستنشقها وكأنه يُخزّن أنفاسها في صدره ليتزود بها في غربته، ثم، بانحناءة مُفعمة بالاحترام والحب، أمسك يدها بين راحتيه، وقبّلها ببطء، وكأنه يبث فيها آخر جزء من روحه قبل أن يرحل، يترك فيها أثره الذي لن يمحوه الزمن، يهمس في صمت بأنه سيعود، ولو بعد حين، ثم اتجه إلى والده، صافحه بقوة، وكأنما يحاول أن ينقل إليه شجاعته، لكن الأب لم يكتفِ بذلك، بل جذبه نحوه في احتضان دافئ، احتضان رجل يحاول إخفاء مشاعره بصعوبة، لكنه فشل أمام لحظة الوداع، شعر بقوة ذراعي والده التي تحمل في طياتها خوفًا خفيًا، دعوات غير منطوقة، ووصايا كثيرة لم تجد طريقها إلى الكلمات، ربّت الأب على كتفه بقوة، كأنه يخبره دون أن ينطق: ˝كن قويًا، لا تنسَ من أنت، ولا تنسَ أننا في انتظارك.˝
حمل سالم حقيبته، وأخذ نفسًا عميقًا، ثم استدار نحو الباب، لم يلتفت خلفه مرة أخرى، فلم يكن قادرًا على ذلك، خرج مسرعًا إلى العالم المجهول، إلى الرحلة التي لا يعلم ما تخبئه له، لكنه سار بخطوات ثابتة، وعلى شفتيه دعاء واحد، وهو أن يعود مجبور الخاطر.
_____________________
في بيت سليم
وقف سليم أمام والده بعد أن تسلّم جواز سفره، عيناه تحملان امتنانًا لا تسعه الكلمات، الرجل الذي ضحّى بكل ما يملك، باع الأرض التي أفنى عمره في زراعتها، فقط ليمنحه فرصة لحياةٍ أفضل.
نظر محمود إلى ابنه بعينين مُثقلتين بالهموم، وبصوتٍ متهدج محمل بالرجاء:
˝يا سليم، يا ابني، أنا بِعت لك قيراط الأرض اللي كنت شايله للزمن، عشان جهاز إخواتك البنات.. أوعى تنسانا لما تسافر، إحنا ما لناش غيرك بعد ربنا يا ابني.˝
شعر سليم بوخز الألم في صدره، لكنه تماسك، وضع يده فوق يد والده، وضغط عليها مطمئنًا:
˝صدقني يا أبا، كل ده عشانكم، عشان نعيش كويس ونبقى مرتاحين.˝
لكن الكلمات وحدها لم تكن كافية لطمأنة قلب أمّه، التي ظلت تراقبه بعينين دامعتين، خوفها لم يكن مجرد قلق أم على ابنها المسافر، بل إحساس داخلي يشبه الفقد، تقدمت نحوه، وضعت يدها فوق صدره، وكأنها تحاول أن تحفظ دفء وجوده قبل أن يختفي، وبقبضة قلب أمّ تخشى الفقد:
˝ربنا يوسع عليك يا ابني، ويرزقك بالرزق الحلال، ويردّك لنا سالم غانم.˝
مدّ يده ليقبّل يدها، لكنه لم يستطع منع نفسه من احتضانها، غاص في دفئها للحظة، وكأن رائحتها كانت آخر خيط يربطه بهذا المكان، وبصوتٍ مختنق:
˝تسلميلي يا أما.. ويسلملي دعاكي، هو اللي هيسندني في الغُربة.˝
بعدها، خرج سليم متجهًا إلى مكتب راغب، يحمل بين يديه ثمن الأرض، ثمن أحلام عائلته المعلقة على أمل سفره، حيث وضع مصيره بين يدي رجلٍ يعرف تمامًا كيف يستغل حاجات الناس.
أستقبله راغب، بابتسامة جانبية، وكأنه يُحكم قبضته على فريسته، ثم قال بثقة:
˝كدا تمام يا سليم، خلاص، كام يوم وهتكون مسافر، جهّز شنطتك، وهكلمك وقت التحرك.˝
سليم بثقة ظاهرية تُخفي قلقه: ˝تشكر يا راغب بيه، وأول ما تستقرّ أموري، هبعت لك باقي المبلغ.˝
غادر سليم المكتب، شعر أن الهواء من حوله بدا أثقل، كأن المدينة بأكملها تحاول منعه من الرحيل، لكنه تجاهل كل شيء، وعاد إلى بيته ليحزم أمتعته.
وفي الليلة التي سبقت الرحيل، جلس سليم وسط حقيبته المفتوحة، عيناه تجولان في أركان البيت الذي نشأ فيه، البيت الذي لم يكن يومًا واسعًا لكنه كان دافئًا.. ترى، هل سيعود إليه يومًا؟
وفي الصباح، وقف أمام عتبة البيت، يحمل حقيبته بيديه، وقلبه بين يديّ أهله، والده تقدّم نحوه، وضع يده على كتفه، ثم جذب رأسه ليُقبّل جبينه بحنان الأب الذي يخشى أن لا يحتضن ابنه ثانيةً وبصوتٍ مكسور، يثبّت نظره في وجه ابنه وكأنه يريد أن يحفره في ذاكرته: ˝تروح وترجع بالسلامة، يا سليم.˝
لم يستطع سليم الردّ، فقط هزّ رأسه، ثم التفت إلى والدته، التي لم تعد قادرة على كبح دموعها، أمسكت بكفّه، شدّت عليه كأنها تحاول منعه من الذهاب بلهفة مخنوقة:
˝أمانة يا ضناي، لما توصل تطمني عليك. ما تسيبنيش بالي مشغول.˝
ضمّ وجهها بين راحتيه برفق، كأنما يحاول أن يحفظ ملامحها في ذاكرته للأبد، ثم طبع قبلة دافئة على جبينها، قبل أن ينحني ويودع كفّها بقبلة امتزجت بحزن صامت، وكأنه يترك معها آخر نبض من قلبه قبل أن يمضي، ثم استدار، ليخطو خطواته الأولى مبتعدًا، لكن قدميه كانت ثقيلة، وكأن الأرض ترفض أن تتركه يذهب، قبل أن يختفي، ألقى نظرة أخيرة، فوجد والدته تبكي بصمت، ووالده ينظر إليه بعينين جامدتين، لكنه كان يعرف أنه يكتم دموعه بالقوة.
تجاهل سليم إحساسًا جاثمًا فوق صدره يخبره أن هذه قد تكون المرة الأخيرة التي يراهم فيها، ثم مضى في طريقه إلى النقطة التي حدّدها له راغب، حيث سينتظر هو ومجموعة أخرى، استعدادًا للرحلة التي لا يعلم هل ستكون طريقًا إلى المستقبل. أم طريقًا بلا عودة.
انطلق كلٌّ من سالم وسليم في طريقهما نحو الهجرة، لكن شتّان بين الطريقين…
سالم سار في طريقٍ قانونيٍّ آمن، خطّط له بعناية، تحمل فيه مشقة الغربة لكنه حمل معه الأمل، أما سليم فاختار طريقًا محفوفًا بالمخاطر، طريقًا رسمه الطمع واستعجال الحلم، دون أن يدرك أنه قد يكون بلا عودة.
كلاهما حمل حقيبته، غادر وطنه، ترك خلفه أهلاً وأحبة، لكن أحدهما سار بخطوات ثابتة فوق أرض صلبة، بينما الآخر كان يسير فوق مياهٍ مضطربة، لا يعلم إن كانت ستوصله إلى برّ الأمان أم ستبتلعه إلى الأبد.
وصل سالم أخيرًا إلى وجهته، بعد رحلة طويلة حملت بين طياتها القلق والتوتر، لكنه ما إن وطأت قدماه الأرض الجديدة حتى شعر وكأنه يعبر إلى عالم مختلف تمامًا، الهواء مختلف، المدينة تعج بالحياة، والفرص تبدو وكأنها تنتظره ليقتنصها،
استلم عمله وبدأ يتأقلم شيئًا فشيئًا، رغم الحنين الذي كان يعتصر قلبه كل ليلة، إلا أن عزيمته كانت أقوى من أن يتراجع، كان يدرك أن عليه أن يصمد، أن يواجه العواصف بكل ما أوتي من قوة، أن يثبت لنفسه قبل الآخرين أنه ليس ضعيفاً، أنه قادر ع أجتياز المحنة وتحمل مشقّات الغربة وتحقيق أحلامه.
فكان أول ما فعله بعد استقراره هو الاتصال بوالدته، صوتها المشتاق ملأ أذنيه قبل أن تنطق بكلمة واحدة وبابتسامة مطمئنة:
˝أنا بخير يا أمي، الحمد لله وصلت واستلمت الشغل، الأمور بتتحسن يومً بعد يوم، ما تقلقيش˝.
كان يعلم أنها لن تكف عن القلق مهما حاول طمأنتها، لكنها مع ذلك شعرت ببعض الراحة لسماع صوته، أما والده، فلم يكن من الرجال الذين يعبرون عن مشاعرهم بالكلمات، لكنه في تلك اللحظة، وبعد أن استلم الهاتف من زوجته، اكتفى بجملة واحدة حملت في طياتها كل شيء:
˝خليك على العهد، وافتكر إن إحنا مستنيينك.˝
أغلق سالم الهاتف، ثم نظر من نافذته إلى الشوارع المزدحمة أسفل المبنى حيث يقف، هنا، يبدأ مستقبله. لكنه في أعماقه يعلم أن قلبه ما زال هناك، في وطنه، حيث ينتظره من يحبونه.
أما سليم عندما وطأت قدماه سطح المركب، أدرك سريعًا أنه في مأزق لا خروج منه، المركب كان مزدحمًا فوق طاقته، يتأرجح تحت ثقل الأجساد المتكدسة والحمولة الزائدة، لكن العودة لم تكن خيارًا، والخوف لم يكن رفاهية مسموحة، حاول إقناع نفسه بأن الأمور ستسير على ما يرام، رغم أن كل شيء من حوله كان يصرخ بالعكس،
الأمواج العاتية، الهواء المالح الذي يلسع وجهه، والوجوه الشاحبة من حوله كانت شاهدة على رحلة محفوفة بالمجهول، لم يكن يدرك أن الأسوأ لم يأتِ بعد، عند اقتراب المركب من الحدود الإيطالية، وقف رجال راغب أمامهم بوجوه خالية من الرحمة، يلقون الأوامر كما لو كانوا يطردون حمولة زائدة بلا قيمة، فأشار أحد الرجال بحدة إلى القارب الصغير المتأرجح وسط الأمواج، ثم التفت إلى سالم ومن معه، يعلن بصوت صارم أن عليهم النزول في هذا المكان، لم يكن هناك مجال للاعتراض، فمصيرهم بات معلقًا على أمواج البحر، من يصل إلى الشاطئ فقد كتب له النجاة، ومن تبتلعه المياه فلن يكون سوى رقم جديد في قائمة المفقودين.
تسارعت أنفاس سليم، وارتفع صوته وهو يحدّق في الرجل أمامه بعينين ممتلئتين بالذهول والذعر. جسده ارتجف رغم حرارة الموقف، وكأن صقيع البحر تسلل إلى عظامه قبل أن يلامس مياهه. خطا خطوة للأمام، يلوّح بذراعيه بانفعال، قبل أن يهتف بصوت مختنق:
˝إزاي يعني ننط فـ عرض البحر؟! دا كدا انتحار!˝
أجابه الرجل ببرود قاتل:
˝دي الأوامر. هو كدا النظام! ويلا بقى متعطلناش، خلينا نرجع نجيب الفوج اللي بعدكم.˝
تجمّد سليم للحظة، نظراته تائهة بين البحر الواسع والقارب المهترئ، وبين الرجال المسلحين الذين لا مجال لمناقشتهم، شعر أن الموت يُحدّق به من كل جانب، لكن لم يكن أمامه سوى الامتثال، استسلم للأمر الواقع، ونزل كما نزل الآخرون، رغم أن صوته الداخلي كان يصرخ: كان لازم تسمع كلام سالم. كان لازم تفهم أن راغب بيتاجر في الموت!
قلبه يخفق بقوة، وكأن ضلوعه تضيق على روحه، وعقله يرفض استيعاب المصير الذي يُدفع إليه قسرًا، كان الندم ينهش قلبه كلما تذكر كلمة صديقه، لكنه لم يعد يجدي نفعًا الآن، عليه أن يقاتل من أجل حياته، أن يتمسك ولو بخيط واهٍ من الأمل، وما إن أبحر القارب الصغير حتى بدأ يتمايل بجنون مع الأمواج الهائجة، وكأن البحر يرفض حملهم، أو ربما كان يعاقبهم على سعيهم خلف الحلم بطريقة خاطئة،
لم تمر سوى لحظات حتى تسللت المياه إلى داخله، باردة كالموت، غادرة كالوهم، تعالت صرخات الركاب، كل منهم يحاول التشبث بالحياة كيفما استطاع، لكن الفوضى كانت أسبق منهم، في غمضة عين، انقلب القارب، وابتلع البحر الجميع في جوفه المظلم.
راح سليم يعافر، يحاول أن يعوم، لكن الرعب شلّ أطرافه، والماء البارد صار كيدٍ جبارة تسحبه إلى القاع، الهواء يضيق في رئتيه، والموج يصفعه بلا رحمة، من حوله أجساد تتخبط، بعضها يستسلم سريعًا، وبعضها ما زال يحاول النجاة، لكنهم جميعًا يعلمون أن المصير واحد.
في تلك اللحظة، لم يكن الموت فكرة بعيدة، ولا احتمالًا مستبعدًا، بل كان حاضرًا أمامه، يحدّق في عينيه بلا هوادة، يقترب منه كما لو أنه يعرفه منذ زمن، أدرك حينها فقط أنه ارتكب أكبر خطأ في حياته، وأن النهاية كانت محتومة منذ اللحظة التي اختار فيها الطريق الخطأ، وعلم أن الطريق المستقيم هو أقصر الطرق وصولًا الى الهدف، لكنه لم يدرك ذلك. إلا وهو يغرق.
وبذلك عزيزي القارئ،
إن لكل طريق نختاره في الحياة عواقبه الحتمية، فحينما تسير في دربٍ خاطئ، لا تتوقع أن تصل إلى نهاية مختلفة عن الفشل أو الضياع، قد لا يكون الموت دائمًا نهاية جسدية، لكنه قد يكون موتًا من نوع آخر، موت الضمير حين تعتاد الخطأ حتى يصبح جزءًا منك، أو موت الروح حين تفقد ذاتك وسط زحام الندم والخيبات، فتعيش جسدًا بلا معنى، تتنفس لكنك لا تحيا، وعلى النقيض، فإن الطريق المستقيم، وإن بدا أطول أو أكثر صعوبة، هو السبيل الوحيد إلى النجاة، هو الذي يمنحك راحة الضمير، وسكينة القلب، والطمأنينة بأنك لم تظلم أحدًا، ولم تظلم نفسك. فلا تستسهل الطرق الملتوية، فإنها وإن بدت مغرية في البداية، لن تقودك إلا إلى الهاوية.
كما يقولون: ˝امشِ عدل، يحتار عدوك فيك.˝ فالنقاء في المسير هو ما يمنحك القوة، وما يبني لك طريقًا لا تخشاه العثرات.
❞ نصائح وإرشادات لجمال شعرك .
* جمال الشعر ليس بنعومته ولكن بنظافته ولمعانه وصحته وتصفيفه لذلك يحتاج الشعر إلى عناية فائقة للمحافظة عليه فاغسليه مرة في الأسبوع شتاء ومرتين صيفا بالإضافة إلى الحمام الأسبوعي "يوم الجمعة" أو أي غسل شرعي آخر وذلك حتى يحتفظ بالمواد الطبيعية التي تفرزها الغدد الموجودة في فروة الرأس لحمايته والمحافظة على ليونته ونعومته.
* استعملي لغسيل شعرك شامبو من الأنواع الجيدة أما استعمال شامبو الرديء فقد يؤدي إلى إصابة الشعر بالجفاف.
* استخدمي الزيوت الطبيعية لشعرك مثل زيت جوز الهند، زيت الخروع، زيت اللوز، زيت الزيتون وهو مفيد جدا... ويجب أن تتأكدي من جودة هذه الزيوت وذلك بشرائها من أماكن موثوق بها وذلك لكثرة الغش فيها ويكون الضحية في ذلك هو الشعر... وابتعدي عن الزيوت المعدنية تماما مثل زيت البرافين والفازلين لأن هذه الزيوت ضارة لجلد المحيط بالشعرة.... ❝ ⏤أم سندس
❞ نصائح وإرشادات لجمال شعرك .
جمال الشعر ليس بنعومته ولكن بنظافته ولمعانه وصحته وتصفيفه لذلك يحتاج الشعر إلى عناية فائقة للمحافظة عليه فاغسليه مرة في الأسبوع شتاء ومرتين صيفا بالإضافة إلى الحمام الأسبوعي ˝يوم الجمعة˝ أو أي غسل شرعي آخر وذلك حتى يحتفظ بالمواد الطبيعية التي تفرزها الغدد الموجودة في فروة الرأس لحمايته والمحافظة على ليونته ونعومته.
استعملي لغسيل شعرك شامبو من الأنواع الجيدة أما استعمال شامبو الرديء فقد يؤدي إلى إصابة الشعر بالجفاف.
استخدمي الزيوت الطبيعية لشعرك مثل زيت جوز الهند، زيت الخروع، زيت اللوز، زيت الزيتون وهو مفيد جدا.. ويجب أن تتأكدي من جودة هذه الزيوت وذلك بشرائها من أماكن موثوق بها وذلك لكثرة الغش فيها ويكون الضحية في ذلك هو الشعر.. وابتعدي عن الزيوت المعدنية تماما مثل زيت البرافين والفازلين لأن هذه الزيوت ضارة لجلد المحيط بالشعرة
❞ إكرام الجار في الإسلام
بسم الله الرحمن الرحيم
قال النبي صلى الله عليه وسلم:\" أذى الجار يمحوا الحسنات كما تمحوا الشمس الجليد\" رواه الخلعي في الفوائد
نستفيد من هذا الحديث الكريم خلقا إسلاميا عظيما أصله رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإسلام و ربى عليه أمته الكريمة و هو الإحسان إلى الجار سواء كان هذا الجار مسلما أو غير مسلم فقد كان عليه الصلاة والسلام يحسن إلى جيرانه اليهود ، و لفظ الجار المذكور في الأحاديث لفظ عام يشمل المسلمين و غير المسلمين ، فالمتتبع للأحاديث النبوية يخرج بهذا الحكم الإسلامي وهو أن معاملة الجار بالحسنى لا تخرج عن حكم الوجوب أو المستحب ، فيجب عليك كف الأذى عنه و يستحب لك إكرامه يقول النبي صلى الله عليه وسلم:\" فو الله لا يؤمن فوالله لا يؤمن من لم يأمن جاره بوائقه\" و في حديث آخر:\" من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره\" و نجد لهذه الأخلاق المحمدية الكريمة أصلا في القرآن الكريم مثل قوله تعالى:\" وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ\" و حدود الجيران تشمل أربعين بيتا من كل الجهات المحيطة ببيتك و هذا الذي تعارف عليه المسلمون منذ القرون الأولى للإسلام ،و في الأخير نحمد الله و نشكره على نعمة الاسلام و على هدي و وصايا نبينا المتخلق الهمام و على آله وصحبه الأعلام إلى يوم القيام
كتبه أبو الحسن هشام المحجوبي و أبو مريم عبدالكريم صكاري
ChatGPT
The Virtue of Neighbors in Islam
In the name of Allah, the Most Gracious, the Most Merciful.
The Prophet, peace be upon him, said: \"Harming one\'s neighbor erases good deeds just as the sun erases ice.\" This was narrated by Al-Khulai in Al-Fawa\'id.
From this noble Hadith, we derive a great Islamic moral principle that originated from the Messenger of Allah, peace be upon him, in Islam. He elevated his honorable nation and emphasized the importance of showing kindness to neighbors, whether they are Muslims or non-Muslims. The term \"neighbor\" mentioned in the Hadith is a general term that includes both Muslims and non-Muslims.
Therefore, based on the teachings of the Prophet, peace be upon him, it is an Islamic ruling that treating one\'s neighbor with kindness is obligatory or highly recommended. It is incumbent upon you to refrain from causing harm to them, and it is commendable for you to honor them. The Prophet, peace be upon him, said: \"By Allah, he does not believe! By Allah, he does not believe! By Allah, he does not believe!\" Someone asked, \"Who, O Messenger of Allah?\" He replied, \"The one whose neighbor is not safe from his harm.\" In another Hadith, it is narrated: \"Whoever believes in Allah and the Last Day should honor his neighbor.\"
We find the basis of these noble Muhammadan ethics in the Noble Qur\'an, such as Allah\'s saying: \"And worship Allah and associate nothing with Him, and be good to parents and relatives and orphans and the needy. And speak to people good [words] and establish prayer and give zakah. And the neighbor who is near of kin and the neighbor who is a stranger and the companion by your side.\" The boundaries of neighbors include forty houses in all directions surrounding your own house, and this is what Muslims have recognized since the early centuries of Islam.
Finally, we thank and praise Allah for the blessing of Islam and for the guidance and teachings of our noble Prophet, and for his family and companions until the Day of Judgment.
Written by Abu al-Hasan Hisham al-Mahjoubi and Abu Maryam Abdul Karim Sokari.
Translation into French:
La vertu des voisins en Islam
Au nom d\'Allah, le Tout Miséricordieux, le Très Miséricordieux.
Le Prophète, que la paix soit sur lui, a dit : \"Faire du tort à son voisin efface les bonnes actions comme le soleil efface la glace.\" Cela a été rapporté par Al-Khulai dans Al-Fawa\'id.
De ce noble Hadith, nous tirons un grand principe moral islamique qui provient du Messager d\'Allah, que la paix soit sur lui, dans l\'Islam. Il a élevé sa noble nation et a souligné l\'importance de montrer de la bienveillance envers ses voisins, qu\'ils soient musulmans ou non-musulmans. Le terme \"voisin\" mentionné dans le Hadith est un terme général qui inclut à la fois les musulmans et les non-musulmans.
Par conséquent, selon les enseignements du Prophète, que la paix soit sur lui, il est un devoir islamique de traiter son voisin avec bienveillance, et cela est obligatoire ou fortement recommandé. Il vous incombe de vous abstenir de lui causer du tort, et il est louable de l\'honorer. Le Prophète, que la paix soit sur lui, a dit : \"Par Allah, il ne croit pas ! Par Allah, il ne croit pas ! Par Allah, il ne croit pas !\" Quelqu\'un a demandé : \"Qui, ô Messager d\'Allah ?\" Il a répondu : \"Celui dont le voisin n\'est pas à l\'abri de son tort.\" Dans un autre Hadith, il est rapporté : \"Celui qui croit en Allah et au Jour Dernier devrait honorer son voisin.\"
Nous trouvons la base de ces nobles éthiques muhammadanes dans le Noble Coran, comme le dit Allah : \"Adorez Allah et ne Lui donnez aucun associé. Agissez avec bonté envers les parents, les proches, les orphelins, les nécessiteux, les voisins proches et les voisins éloignés, le compagnon de voyage et les voyageurs.\" Les limites des voisins incluent quarante maisons dans toutes les directions entourant votre propre maison, et c\'est ce que les musulmans ont reconnu depuis les premiers siècles de l\'Islam.
Enfin, nous remercions et louons Allah pour la bénédiction de l\'Islam et pour la guidance et les enseignements de notre noble Prophète, ainsi que pour sa famille et ses compagnons jusqu\'au Jour du Jugement.
Traduction en allemand:
Die Tugend der Nachbarn im Islam
Im Namen Allahs, des Allerbarmers, des Barmherzigen.
Der Prophet, Friede sei mit ihm, sagte: \"Seinem Nachbarn Unrecht zufügen löscht gute Taten genauso aus, wie die Sonne das Eis schmilzt.\" Dies wurde von Al-Khulai in Al-Fawa\'id überliefert.
Aus diesem edlen Hadith leiten wir ein großes islamisches moralisches Prinzip ab, das seinen Ursprung im Gesandten Allahs, Friede sei mit ihm, im Islam hat. Er erhob seine ehrenwerte Nation und betonte die Bedeutung, den Nachbarn gegenüber Freundlichkeit zu zeigen, ob sie Muslime oder Nicht-Muslime sind. Der im Hadith erwähnte Begriff \"Nachbar\" ist ein allgemeiner Begriff, der sowohl Muslime als auch Nicht-Muslime einschließt.
Daher ist es aufgrund der Lehren des Propheten, Friede sei mit ihm, eine islamische Regelung, den Nachbarn freundlich zu behandeln, sei es als Pflicht oder als sehr empfehlenswert. Es liegt in deiner Verantwortung, ihnen keinen Schaden zuzufügen, und es ist lobenswert, sie zu ehren. Der Prophet, Friede sei mit ihm, sagte: \"Bei Allah, er glaubt nicht! Bei Allah, er glaubt nicht! Bei Allah, er glaubt nicht!\" Jemand fragte: \"Wer, o Gesandter Allahs?\" Er antwortete: \"Derjenige, dessen Nachbar nicht sicher vor seinem Schaden ist.\" In einem anderen Hadith wird überliefert: \"Wer an Allah und den Jüngsten Tag glaubt, sollte seinen Nachbarn ehren.\"
Wir finden die Grundlage dieser edlen muhammadanischen Ethik im edlen Koran, wie Allah sagt: \"Und dient Allah und gebt Ihm keine Teilhaber. Und tut Gutes zu den Eltern, Verwandten,Waisen, Bedürftigen, Nachbarn, Verwandten, Nachbarn in der Nähe und Nachbarn in der Ferne, dem Reisegefährten und den Reisenden.\" Die Grenzen der Nachbarn umfassen vierzig Häuser in alle Richtungen um dein eigenes Haus herum, und das ist es, was die Muslime seit den frühen Jahrhunderten des Islam anerkannt haben.
Abschließend danken und loben wir Allah für den Segen des Islam und für die Führung und Lehren unseres edlen Propheten sowie für seine Familie und Gefährten bis zum Tag des Gerichts.
Traducción al español:
La virtud de los vecinos en el Islam
En el nombre de Allah, el Misericordioso, el Compasivo.
El Profeta, paz sea con él, dijo: \"Hacer daño a tu vecino borra las buenas acciones, como el sol derrite el hielo.\" Esto fue narrado por Al-Khulai en Al-Fawa\'id.
De este noble Hadiz, derivamos un gran principio moral islámico que se originó en el Mensajero de Allah, paz sea con él, en el Islam. Él elevó a su honorable nación y enfatizó la importancia de mostrar amabilidad hacia los vecinos, ya sean musulmanes o no musulmanes. El término \"vecino\" mencionado en el Hadiz es un término general que incluye tanto a musulmanes como a no musulmanes.
Por lo tanto, basados en las enseñanzas del Profeta, paz sea con él, es una norma islámica tratar al vecino con amabilidad, ya sea como una obligación o como algo muy recomendable. Es tu responsabilidad evitar hacerle daño y es encomiable honrarlo. El Profeta, paz sea con él, dijo: \"¡Por Allah, no cree! ¡Por Allah, no cree! ¡Por Allah, no cree!\" Alguien preguntó: \"¿Quién, oh Mensajero de Allah?\" Él respondió: \"Aquel cuyo vecino no está a salvo de su daño.\" En otro Hadiz se narra: \"Quien crea en Allah y en el Último Día, que honre a su vecino\".
Encontramos la base de esta noble ética muhammadana en el Noble Corán, como dice Allah: \"Adora a Allah y no Le asocies nada. Sé bueno con tus padres, parientes, huérfanos, necesitados, vecinos cercanos, vecinos lejanos, compañeros de viaje y viajeros\". Los límites de los vecinos incluyen cuarenta casas en todas las direcciones que rodean tu propia casa, y esto es lo que los musulmanes han reconocido desde los primeros siglos del Islam.
Finalmente, agradecemos y alabamos a Allah por la bendición del Islam y por la guía y enseñanzas de nuestro noble Profeta, así como por su familia y compañeros hasta el Día del Juicio.
Traduzione in italiano:
La virtù dei vicini nell\'Islam
In nome di Allah, il Compassionevole, il Misericordioso.
Il Profeta, pace sia con lui, ha detto: \"Fare del male al vicino cancella le buone azioni, come il sole scioglie il ghiaccio\". Questo è stato narrato da Al-Khulai in Al-Fawa\'id.
Da questo nobile Hadith, deriviamo un grande principio morale islamico che ha origine dal Messaggero di Allah, pace sia con lui, nell\'Islam. Egli ha elevato la sua nobile nazione e ha sottolineato l\'importanza di mostrare gentilezza verso i vicini, che siano musulmani o non musulmani. Il termine \"vicino\" menzionato nell\'Hadith è un termine generale che include sia i musulmani che i non musulmani.
Pertanto, basandoci sugli insegnamenti del Profeta, pace sia con lui, è una regola islamica trattare il vicino con gentilezza, che sia un obbligo o altamente raccomandato. È tuo dovere evitare di causargli danni ed è lodevole onorarlo. Il Profeta, pace sia con lui, ha detto: \"Per Allah, non crede! Per Allah, non crede! Per Allah, non crede!\" Qualcuno chiese: \"Chi, o Messaggero di Allah?\" Egli rispose: \"Colui il cui vicino non è al sicuro dal suo male\". In un altro Hadith si narra: \"Chiunque crede in Allah e nell\'Ultimo Giorno dovrebbe onorare il suo vicino\".
Troviamo le basi di questa nobile etica muhammadana nel nobile Corano, come dice Allah: \"Adora Allah e non associare nulla a Lui. Sii gentile con i genitori, i parenti, gli orfani, i bisognosi, i vicini, i parenti stretti, i vicini lontani, i compagni di viaggio e i viaggiatori\". I confini dei vicini includono quaranta case in tutte le direzioni che circondano la propria casa, ed è ciò che i musulmani hanno riconosciuto fin dai primi secoli dell\'Islam.
Infine, ringraziamo e lodiamo Allah per la benedizione dell\'Islam e per la guida e gli insegnamenti del nostro nobile Profeta, così come per la sua famiglia e compagni fino al Giorno del Giudizio.
Перевод на русский язык:
Доброта по отношению к соседу в Исламе
Во имя Аллаха, Милосердного, Благословенного.
Пророк, мир ему и благословение Аллаха, сказал: \"Нанесение вреда соседу стирает добрые дела, как солнце тает лед\". Это передал Аль-Хулайи в своей книге \"Аль-Фаваид\".
Из этого благородного хадиса мы извлекаем великий исламский нравственный принцип, который источником имеет в послании Аллаха, мир ему и благословение Аллаха, в Исламе. Он поднял свой благородный народ и подчеркнул важность проявления доброты к соседям, будь они мусульманами или не мусульманами. Термин \"сосед\", упомянутый в хадисе, является общим термином, который включает в себя как мусульман, так и немусульман.
Следовательно, основываясь на учениях Пророка, мир ему и благословение Аллаха, доброта к соседу является обязательной или очень рекомендуемой исламской нормой. Вам следует воздерживаться от причинения вреда соседу, и величайшим достоинством будет почтительное обращение к нему. Пророк, мир ему и благословение Аллаха, сказал: \"Би-Аллах! Не верит! Би-Аллах! Не верит! Би-Аллах! Не верит!\" Кто-то спросил: \"Кто, о Посланник Аллаха?\" Он ответил: \"Тот, чей сосед не защищен от его вреда\". В другом хадисе передается: \"Кто верит в Аллаха и в Последний День, должен почтить своего соседа\".
Мы находим основу этой благородной мухаммеданской этики в Великом Коране, как сказано Аллахом: \"Поклоняйтесь Аллаху и не преклоняйтесь перед Ним никому, и совершайте добро по отношению к родителям, родственникам, сиротам, нуждающимся, соседям, близким и дальним, попутчикам и путешественникам\". Границы соседей включают сорок домов во всех направлениях, окружающих ваш дом, и это то, что мусульмане признают с первых веков Ислама.
Наконец, мы благодарим и прославляем Аллаха за благословение Ислама и за руководство и учения нашего благородного Пророка, а также за его семью и сподвижников до Дня Суда.
كرام_الجار_في_الإسلام
#حقوق_الجار_في_الإسلام
#الجار_في_الإسلام
#محبة_الجار_في_الإسلام
#الاحسان_إلى_الجار_فرض_واجب
#الجار_في_الإسلام_لا_للإيذاء
#الجار_في_الإسلام_حقوق_وواجبات
#حسن_المعاملة_للجار_في_الإسلام
#قرب_الجار_في_الإسلام
#قيمة_الجار_في_الإسلام
#VirtueOfNeighbors #KindnessToNeighbors #NeighborlyLove #IslamicEthics #ProphetMuhammadTeachings #RespectingNeighbors #MuslimCommunity #UnityInNeighborliness. ❝ ⏤بستان علم النبوءة
❞ إكرام الجار في الإسلام
بسم الله الرحمن الرحيم
قال النبي صلى الله عليه وسلم:˝ أذى الجار يمحوا الحسنات كما تمحوا الشمس الجليد˝ رواه الخلعي في الفوائد
نستفيد من هذا الحديث الكريم خلقا إسلاميا عظيما أصله رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإسلام و ربى عليه أمته الكريمة و هو الإحسان إلى الجار سواء كان هذا الجار مسلما أو غير مسلم فقد كان عليه الصلاة والسلام يحسن إلى جيرانه اليهود ، و لفظ الجار المذكور في الأحاديث لفظ عام يشمل المسلمين و غير المسلمين ، فالمتتبع للأحاديث النبوية يخرج بهذا الحكم الإسلامي وهو أن معاملة الجار بالحسنى لا تخرج عن حكم الوجوب أو المستحب ، فيجب عليك كف الأذى عنه و يستحب لك إكرامه يقول النبي صلى الله عليه وسلم:˝ فو الله لا يؤمن فوالله لا يؤمن من لم يأمن جاره بوائقه˝ و في حديث آخر:˝ من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره˝ و نجد لهذه الأخلاق المحمدية الكريمة أصلا في القرآن الكريم مثل قوله تعالى:˝ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ˝ و حدود الجيران تشمل أربعين بيتا من كل الجهات المحيطة ببيتك و هذا الذي تعارف عليه المسلمون منذ القرون الأولى للإسلام ،و في الأخير نحمد الله و نشكره على نعمة الاسلام و على هدي و وصايا نبينا المتخلق الهمام و على آله وصحبه الأعلام إلى يوم القيام
كتبه أبو الحسن هشام المحجوبي و أبو مريم عبدالكريم صكاري
ChatGPT
The Virtue of Neighbors in Islam
In the name of Allah, the Most Gracious, the Most Merciful.
The Prophet, peace be upon him, said: ˝Harming one˝s neighbor erases good deeds just as the sun erases ice.˝ This was narrated by Al-Khulai in Al-Fawa˝id.
From this noble Hadith, we derive a great Islamic moral principle that originated from the Messenger of Allah, peace be upon him, in Islam. He elevated his honorable nation and emphasized the importance of showing kindness to neighbors, whether they are Muslims or non-Muslims. The term ˝neighbor˝ mentioned in the Hadith is a general term that includes both Muslims and non-Muslims.
Therefore, based on the teachings of the Prophet, peace be upon him, it is an Islamic ruling that treating one˝s neighbor with kindness is obligatory or highly recommended. It is incumbent upon you to refrain from causing harm to them, and it is commendable for you to honor them. The Prophet, peace be upon him, said: ˝By Allah, he does not believe! By Allah, he does not believe! By Allah, he does not believe!˝ Someone asked, ˝Who, O Messenger of Allah?˝ He replied, ˝The one whose neighbor is not safe from his harm.˝ In another Hadith, it is narrated: ˝Whoever believes in Allah and the Last Day should honor his neighbor.˝
We find the basis of these noble Muhammadan ethics in the Noble Qur˝an, such as Allah˝s saying: ˝And worship Allah and associate nothing with Him, and be good to parents and relatives and orphans and the needy. And speak to people good [words] and establish prayer and give zakah. And the neighbor who is near of kin and the neighbor who is a stranger and the companion by your side.˝ The boundaries of neighbors include forty houses in all directions surrounding your own house, and this is what Muslims have recognized since the early centuries of Islam.
Finally, we thank and praise Allah for the blessing of Islam and for the guidance and teachings of our noble Prophet, and for his family and companions until the Day of Judgment.
Written by Abu al-Hasan Hisham al-Mahjoubi and Abu Maryam Abdul Karim Sokari.
Translation into French:
La vertu des voisins en Islam
Au nom d˝Allah, le Tout Miséricordieux, le Très Miséricordieux.
Le Prophète, que la paix soit sur lui, a dit : ˝Faire du tort à son voisin efface les bonnes actions comme le soleil efface la glace.˝ Cela a été rapporté par Al-Khulai dans Al-Fawa˝id.
De ce noble Hadith, nous tirons un grand principe moral islamique qui provient du Messager d˝Allah, que la paix soit sur lui, dans l˝Islam. Il a élevé sa noble nation et a souligné l˝importance de montrer de la bienveillance envers ses voisins, qu˝ils soient musulmans ou non-musulmans. Le terme ˝voisin˝ mentionné dans le Hadith est un terme général qui inclut à la fois les musulmans et les non-musulmans.
Par conséquent, selon les enseignements du Prophète, que la paix soit sur lui, il est un devoir islamique de traiter son voisin avec bienveillance, et cela est obligatoire ou fortement recommandé. Il vous incombe de vous abstenir de lui causer du tort, et il est louable de l˝honorer. Le Prophète, que la paix soit sur lui, a dit : ˝Par Allah, il ne croit pas ! Par Allah, il ne croit pas ! Par Allah, il ne croit pas !˝ Quelqu˝un a demandé : ˝Qui, ô Messager d˝Allah ?˝ Il a répondu : ˝Celui dont le voisin n˝est pas à l˝abri de son tort.˝ Dans un autre Hadith, il est rapporté : ˝Celui qui croit en Allah et au Jour Dernier devrait honorer son voisin.˝
Nous trouvons la base de ces nobles éthiques muhammadanes dans le Noble Coran, comme le dit Allah : ˝Adorez Allah et ne Lui donnez aucun associé. Agissez avec bonté envers les parents, les proches, les orphelins, les nécessiteux, les voisins proches et les voisins éloignés, le compagnon de voyage et les voyageurs.˝ Les limites des voisins incluent quarante maisons dans toutes les directions entourant votre propre maison, et c˝est ce que les musulmans ont reconnu depuis les premiers siècles de l˝Islam.
Enfin, nous remercions et louons Allah pour la bénédiction de l˝Islam et pour la guidance et les enseignements de notre noble Prophète, ainsi que pour sa famille et ses compagnons jusqu˝au Jour du Jugement.
Traduction en allemand:
Die Tugend der Nachbarn im Islam
Im Namen Allahs, des Allerbarmers, des Barmherzigen.
Der Prophet, Friede sei mit ihm, sagte: ˝Seinem Nachbarn Unrecht zufügen löscht gute Taten genauso aus, wie die Sonne das Eis schmilzt.˝ Dies wurde von Al-Khulai in Al-Fawa˝id überliefert.
Aus diesem edlen Hadith leiten wir ein großes islamisches moralisches Prinzip ab, das seinen Ursprung im Gesandten Allahs, Friede sei mit ihm, im Islam hat. Er erhob seine ehrenwerte Nation und betonte die Bedeutung, den Nachbarn gegenüber Freundlichkeit zu zeigen, ob sie Muslime oder Nicht-Muslime sind. Der im Hadith erwähnte Begriff ˝Nachbar˝ ist ein allgemeiner Begriff, der sowohl Muslime als auch Nicht-Muslime einschließt.
Daher ist es aufgrund der Lehren des Propheten, Friede sei mit ihm, eine islamische Regelung, den Nachbarn freundlich zu behandeln, sei es als Pflicht oder als sehr empfehlenswert. Es liegt in deiner Verantwortung, ihnen keinen Schaden zuzufügen, und es ist lobenswert, sie zu ehren. Der Prophet, Friede sei mit ihm, sagte: ˝Bei Allah, er glaubt nicht! Bei Allah, er glaubt nicht! Bei Allah, er glaubt nicht!˝ Jemand fragte: ˝Wer, o Gesandter Allahs?˝ Er antwortete: ˝Derjenige, dessen Nachbar nicht sicher vor seinem Schaden ist.˝ In einem anderen Hadith wird überliefert: ˝Wer an Allah und den Jüngsten Tag glaubt, sollte seinen Nachbarn ehren.˝
Wir finden die Grundlage dieser edlen muhammadanischen Ethik im edlen Koran, wie Allah sagt: ˝Und dient Allah und gebt Ihm keine Teilhaber. Und tut Gutes zu den Eltern, Verwandten,Waisen, Bedürftigen, Nachbarn, Verwandten, Nachbarn in der Nähe und Nachbarn in der Ferne, dem Reisegefährten und den Reisenden.˝ Die Grenzen der Nachbarn umfassen vierzig Häuser in alle Richtungen um dein eigenes Haus herum, und das ist es, was die Muslime seit den frühen Jahrhunderten des Islam anerkannt haben.
Abschließend danken und loben wir Allah für den Segen des Islam und für die Führung und Lehren unseres edlen Propheten sowie für seine Familie und Gefährten bis zum Tag des Gerichts.
Traducción al español:
La virtud de los vecinos en el Islam
En el nombre de Allah, el Misericordioso, el Compasivo.
El Profeta, paz sea con él, dijo: ˝Hacer daño a tu vecino borra las buenas acciones, como el sol derrite el hielo.˝ Esto fue narrado por Al-Khulai en Al-Fawa˝id.
De este noble Hadiz, derivamos un gran principio moral islámico que se originó en el Mensajero de Allah, paz sea con él, en el Islam. Él elevó a su honorable nación y enfatizó la importancia de mostrar amabilidad hacia los vecinos, ya sean musulmanes o no musulmanes. El término ˝vecino˝ mencionado en el Hadiz es un término general que incluye tanto a musulmanes como a no musulmanes.
Por lo tanto, basados en las enseñanzas del Profeta, paz sea con él, es una norma islámica tratar al vecino con amabilidad, ya sea como una obligación o como algo muy recomendable. Es tu responsabilidad evitar hacerle daño y es encomiable honrarlo. El Profeta, paz sea con él, dijo: ˝¡Por Allah, no cree! ¡Por Allah, no cree! ¡Por Allah, no cree!˝ Alguien preguntó: ˝¿Quién, oh Mensajero de Allah?˝ Él respondió: ˝Aquel cuyo vecino no está a salvo de su daño.˝ En otro Hadiz se narra: ˝Quien crea en Allah y en el Último Día, que honre a su vecino˝.
Encontramos la base de esta noble ética muhammadana en el Noble Corán, como dice Allah: ˝Adora a Allah y no Le asocies nada. Sé bueno con tus padres, parientes, huérfanos, necesitados, vecinos cercanos, vecinos lejanos, compañeros de viaje y viajeros˝. Los límites de los vecinos incluyen cuarenta casas en todas las direcciones que rodean tu propia casa, y esto es lo que los musulmanes han reconocido desde los primeros siglos del Islam.
Finalmente, agradecemos y alabamos a Allah por la bendición del Islam y por la guía y enseñanzas de nuestro noble Profeta, así como por su familia y compañeros hasta el Día del Juicio.
Traduzione in italiano:
La virtù dei vicini nell˝Islam
In nome di Allah, il Compassionevole, il Misericordioso.
Il Profeta, pace sia con lui, ha detto: ˝Fare del male al vicino cancella le buone azioni, come il sole scioglie il ghiaccio˝. Questo è stato narrato da Al-Khulai in Al-Fawa˝id.
Da questo nobile Hadith, deriviamo un grande principio morale islamico che ha origine dal Messaggero di Allah, pace sia con lui, nell˝Islam. Egli ha elevato la sua nobile nazione e ha sottolineato l˝importanza di mostrare gentilezza verso i vicini, che siano musulmani o non musulmani. Il termine ˝vicino˝ menzionato nell˝Hadith è un termine generale che include sia i musulmani che i non musulmani.
Pertanto, basandoci sugli insegnamenti del Profeta, pace sia con lui, è una regola islamica trattare il vicino con gentilezza, che sia un obbligo o altamente raccomandato. È tuo dovere evitare di causargli danni ed è lodevole onorarlo. Il Profeta, pace sia con lui, ha detto: ˝Per Allah, non crede! Per Allah, non crede! Per Allah, non crede!˝ Qualcuno chiese: ˝Chi, o Messaggero di Allah?˝ Egli rispose: ˝Colui il cui vicino non è al sicuro dal suo male˝. In un altro Hadith si narra: ˝Chiunque crede in Allah e nell˝Ultimo Giorno dovrebbe onorare il suo vicino˝.
Troviamo le basi di questa nobile etica muhammadana nel nobile Corano, come dice Allah: ˝Adora Allah e non associare nulla a Lui. Sii gentile con i genitori, i parenti, gli orfani, i bisognosi, i vicini, i parenti stretti, i vicini lontani, i compagni di viaggio e i viaggiatori˝. I confini dei vicini includono quaranta case in tutte le direzioni che circondano la propria casa, ed è ciò che i musulmani hanno riconosciuto fin dai primi secoli dell˝Islam.
Infine, ringraziamo e lodiamo Allah per la benedizione dell˝Islam e per la guida e gli insegnamenti del nostro nobile Profeta, così come per la sua famiglia e compagni fino al Giorno del Giudizio.
Перевод на русский язык:
Доброта по отношению к соседу в Исламе
Во имя Аллаха, Милосердного, Благословенного.
Пророк, мир ему и благословение Аллаха, сказал: ˝Нанесение вреда соседу стирает добрые дела, как солнце тает лед˝. Это передал Аль-Хулайи в своей книге ˝Аль-Фаваид˝.
Из этого благородного хадиса мы извлекаем великий исламский нравственный принцип, который источником имеет в послании Аллаха, мир ему и благословение Аллаха, в Исламе. Он поднял свой благородный народ и подчеркнул важность проявления доброты к соседям, будь они мусульманами или не мусульманами. Термин ˝сосед˝, упомянутый в хадисе, является общим термином, который включает в себя как мусульман, так и немусульман.
Следовательно, основываясь на учениях Пророка, мир ему и благословение Аллаха, доброта к соседу является обязательной или очень рекомендуемой исламской нормой. Вам следует воздерживаться от причинения вреда соседу, и величайшим достоинством будет почтительное обращение к нему. Пророк, мир ему и благословение Аллаха, сказал: ˝Би-Аллах! Не верит! Би-Аллах! Не верит! Би-Аллах! Не верит!˝ Кто-то спросил: ˝Кто, о Посланник Аллаха?˝ Он ответил: ˝Тот, чей сосед не защищен от его вреда˝. В другом хадисе передается: ˝Кто верит в Аллаха и в Последний День, должен почтить своего соседа˝.
Мы находим основу этой благородной мухаммеданской этики в Великом Коране, как сказано Аллахом: ˝Поклоняйтесь Аллаху и не преклоняйтесь перед Ним никому, и совершайте добро по отношению к родителям, родственникам, сиротам, нуждающимся, соседям, близким и дальним, попутчикам и путешественникам˝. Границы соседей включают сорок домов во всех направлениях, окружающих ваш дом, и это то, что мусульмане признают с первых веков Ислама.