❞ كان بطل الفيلم يمسك بشاب أجنبي ويوشك على
ضربه لأنه عاكس حبيبته، لولا أن قال له الشاب بالإنجليزية:
- آي آم جاي..! يعني (أنا شاذ)
هنا ارتفع في ظلام السينما صوت ابنتي البريء يقول:
- بابا.. ما معنى آي أم جاي؟
ساد الصمت السينما كلها وحبس كل الناس أنفاسهم
انتظاراً لما سأقول. طبعاً فعلت الشيء الوحيد الممكن
-لم أسمع ما قال.
عاد صوتها الرقيق يسأل بصوت عال:
- قال له آي آم جاي فتركه.. ما هو السبب؟
قلت في حكمة:
- لا أعرف.. ربما لو سمعت لفهمت.
من جديد عادت أحداث الفيلم تتكرر وعادت أنفاسي تدخل وتخرج
في صدري، إلى أن تكرر على الشاشة نفس الموقف
حرفيا.. ومن جديد دوى صوت صديقة ابنتي:
- عمو.. ما معنى آي آم جاي؟
-هه؟
- لقد قالوها ثانية..
فكرت لربع ثانية، ثم قلت على الفور:
- معناها أنه مصاب بصداع.. نعم.. البطل لم يضربه لأنه مصاب بصداع.
هنا قال واحد جالس خلفي في السينما بلهجة معلم الأجيال
الذي لا يطيق أن يسمع أحدا يهذي بما لا يعلم:
- لا مؤاخذة يا أستاذ.. جاي ليس معناها أنه مصاب بصداع.. بل معناها..
استدرت له موشكا على لكم فمه، وقلت بغلظة:
-بل هي كذلك. ولتعن بشئونك الخاصة من فضلك.
هنا قالت ابنتي بصوتها الرفيع العالي:
- ما معناها إذن؟ هذا الرجل الجالس خلفنا يقول أنها لا تعني الصداع.
- سوف أشرح لك فيما بعد.. تابعي الفيلم.. تابعن الفيلم يا بنات وإلا
هشمت رءوسكن.. لن تتأثر حبكة الفيلم أو يفسد لو عرفتن معنى كل كلمة.
- ولكن..
- ش ش ش ش!.. لو سمعت كلمة أخرى لغادرت السينما..
هكذا ظللن يشاهدن الفيلم في تعاسة شاعرات أن الكلمة التي لم يفهمنها
هي ذروة الفيلم وحلاوته وأجمل ما قيل فيه. أما أنا فتمنيت لو أحضرت الأخ كاتب السيناريو
من عنقه لأسدد له بعض اللكمات.. ألم تقل يا أخ إن الفيلم كوميدي ومناسب
للأطفال؟.. إذن لماذا تحشر فيه هذه الألفاظ؟ سوف أحطم رأسه حتى لو قال لي آي آم جاي ألف مرة..
انتهي الفيلم فخرجنا.. كان رأسي ينبض كالطبل وأصاب ضوء الشارع شبكيتي
بشلل تام، تحسست رأسي وقلت لابنتي:
- صداع عنيف فعلا.
هنا رأيتها تفكر قليلا.. تستعمل الضمائر كما تعلمتها في المدرسة
وتحاول تكوين جملة جديدة. ثم صاحت في مرح بصوت سمعه كل الخارجين من السينما:
- بابا.. أنت عندك صداع.. إذن.. يو آر جاي!. ❝ ⏤أحمد خالد توفيق
❞ كان بطل الفيلم يمسك بشاب أجنبي ويوشك على
ضربه لأنه عاكس حبيبته، لولا أن قال له الشاب بالإنجليزية:
آي آم جاي..! يعني (أنا شاذ)
هنا ارتفع في ظلام السينما صوت ابنتي البريء يقول:
بابا.. ما معنى آي أم جاي؟
ساد الصمت السينما كلها وحبس كل الناس أنفاسهم
انتظاراً لما سأقول. طبعاً فعلت الشيء الوحيد الممكن
لم أسمع ما قال.
عاد صوتها الرقيق يسأل بصوت عال:
قال له آي آم جاي فتركه.. ما هو السبب؟
قلت في حكمة:
لا أعرف.. ربما لو سمعت لفهمت.
من جديد عادت أحداث الفيلم تتكرر وعادت أنفاسي تدخل وتخرج
في صدري، إلى أن تكرر على الشاشة نفس الموقف
حرفيا.. ومن جديد دوى صوت صديقة ابنتي:
عمو.. ما معنى آي آم جاي؟
هه؟
لقد قالوها ثانية..
فكرت لربع ثانية، ثم قلت على الفور:
معناها أنه مصاب بصداع.. نعم.. البطل لم يضربه لأنه مصاب بصداع.
هنا قال واحد جالس خلفي في السينما بلهجة معلم الأجيال
الذي لا يطيق أن يسمع أحدا يهذي بما لا يعلم:
لا مؤاخذة يا أستاذ.. جاي ليس معناها أنه مصاب بصداع.. بل معناها..
استدرت له موشكا على لكم فمه، وقلت بغلظة:
بل هي كذلك. ولتعن بشئونك الخاصة من فضلك.
هنا قالت ابنتي بصوتها الرفيع العالي:
ما معناها إذن؟ هذا الرجل الجالس خلفنا يقول أنها لا تعني الصداع.
سوف أشرح لك فيما بعد.. تابعي الفيلم.. تابعن الفيلم يا بنات وإلا
هشمت رءوسكن.. لن تتأثر حبكة الفيلم أو يفسد لو عرفتن معنى كل كلمة.
ولكن..
ش ش ش ش!.. لو سمعت كلمة أخرى لغادرت السينما..
هكذا ظللن يشاهدن الفيلم في تعاسة شاعرات أن الكلمة التي لم يفهمنها
هي ذروة الفيلم وحلاوته وأجمل ما قيل فيه. أما أنا فتمنيت لو أحضرت الأخ كاتب السيناريو
من عنقه لأسدد له بعض اللكمات.. ألم تقل يا أخ إن الفيلم كوميدي ومناسب
للأطفال؟.. إذن لماذا تحشر فيه هذه الألفاظ؟ سوف أحطم رأسه حتى لو قال لي آي آم جاي ألف مرة..
انتهي الفيلم فخرجنا.. كان رأسي ينبض كالطبل وأصاب ضوء الشارع شبكيتي
بشلل تام، تحسست رأسي وقلت لابنتي:
صداع عنيف فعلا.
هنا رأيتها تفكر قليلا.. تستعمل الضمائر كما تعلمتها في المدرسة
وتحاول تكوين جملة جديدة. ثم صاحت في مرح بصوت سمعه كل الخارجين من السينما:
بابا.. أنت عندك صداع.. إذن.. يو آر جاي! . ❝
❞ كان الرجل يجلس مكتوف اليدين .. معصوب العينين .. لا يعرف أين و لا متى و لا منْ الذي يضع فوهة المسدس على رأسه .. و إنما هو ظلام حالك .. و صوت أجش يخرج من بطن الظُلمة :
●● هل أنت محمود السويفي ؟
● نعم .
●● تعترف أنك كافر مارق زنديق خارج على دين الله .. و أنك تساند دولة الكُفر و تؤيدها ؟
● أنا أقول لا إله إلا الله محمد رسول الله .. فكيف أكون كافراً ؟
●● لو كنت تقول إن محمداً رسول الله بحق لاتبعته .
● أنا أتبعه قدر طاقتي .
●● كان رسول الله يُطلق لحيته ، و أنت تحلقها فكيف تدَّعي إتباعه ؟
● و كان رسول الله يركب البغلة ، و أنتم تركبون القطار .. فهل خرجتم على السُنّة بذلك .. !
إن معنى السُنّة الأفعال الدالة على الخُلُق و القِيم و ليست أية أفعال .. و اللحية لا تدُل على شيء .. و كاسترو مُلحِد و يُربي لحيته .. و جيفارا أنكر وجود الله في جميع أحاديثه ، فهل تنفعه لحيته .. و راسبوتين راهب الفِسق و العهر له أطول لحية ..
أنا لا أفهم ماذا تعني لحية يصنعها و يقصها مقص حلاق في دقيقة .. و ماذا تضيف أو تُعطي للإسلام .
●● تعترف أنك تعيش في عالم جاهلي ؟
● و أشنع من العالَم الجاهلي .
●● عالَم سافل .. منحرف .. ضال .
● و أشنع من ذلك .. مجنون و لا معقول بدليل وجود سيادتك فيه .
●● و لكنك واحد من الذين يقودون هذا العالَم بالكلمة و الأمر و التوجيه و الإدارة .
● أحاول أن أُصلِح منه قدر استطاعتي .
●● أنت تشتغل في الإعلام .. فما رأيك في الإعلام .. ؟ ما رأيك في حال التليفزيون و السينما و المسرح و الصحيفة ؟ ..
● تسالي يا لب .. و لكننا نحاول من حين لآخر أن نقول شيئاً ذا قيمة .
●● ثم يضيع الكلام في طوفان الرقص و الطبل و الزمر و الهزل .
● هذا شأن العالَم دائماً من خمسة آلاف سنة .. كانت الراقصة تكسب أكثر من الكاتب .. و الطَبّال يكسب أكثر من الخبّاز و النجار و الحدّاد ..
و لو أنك دعوت أينشتين اليوم لندوة علمية .. ثم دعوت امرأة عارية لحديث صحفي ، لَترَك الجمهور أينشتين و علمه و لتجمَعوا حول المرأة العارية بالألوف .. و هذا ليس ذنبنا .. و إنما سببه أن أكثر الناس من البهم و من أهل الهوى و من عبيد الشهوات .. و هم لذلك يشجعون التافه من الأمور و ينصرفون عن الجاد .
●● و لهذا جئنا لنصلح العالَم .
● ليس بالرصاص و لا بالمدافع الرشاشة و لا بالمعتقلات و الإرهاب تُصنَع الفضائل .. لن تجعل من الناس مسلمين مثل أبي بكر بقرار وزاري ، و لن تُصلِح هذا العالَم برفضه و تكفيره و إطلاق النار عليه .. سيادتك لست مسلماً و إنما مجرم .
●● أنا أقول لا إله إلا الله محمد رسول الله ، فكيف أكون مجرماً ؟
● أنتَ تقول لا إله إلا نحن و مَنْ خالفنا كَفَر و مَنْ خرج عنا تزندق و مَنْ عارضنا عليه اللعنة .
أنت طالب سُلطة و سيطرة و جبروت .. و تلك شهوات نهى الله عنها ..
فقال لنبيه :
{ و ما أنت عليهم بجبَّار } ( ق - 45 )
و قال له :
{ لست عليهم بمسيطر } ( الغاشية - 22 )
و حدد دوره قائلاً :
{ إنما أنت منذر } ( الرعد - 7 )
{ إنْ عليك إلا البلاغ } ( الشورى - 48 )
و أطلق الحرية لكافة الناس في الإستجابة أو الرفض فقال :
{ و قُل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن و من شاء فليكفر } ( الكهف - 29 )
و قال :
{ لكم دينُكُم و لِيَ دينِ } ( الكافرون - 6 )
و قال :
{ لا يضرُكُم مَنْ ضَلَّ إذا اهتديتم } ( المائدة - 105 )
ثم أفرد الله نفسه بالعلم و البَت في قضية التكفير ، فقال :
{ هو أعلم بمن ضل عن سبيله و هو أعلم بمن اهتدى } ( النجم - 30 )
و قال :
{ فلا تُزَكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى } ( النجم 32 )
و لكنكم تزكون أنفسكم على الأمة كلها .. و تكفرونها كلها ، و تدَّعون لأنفسكم العصمة .
●● تعترف أنك رجل كثير الأخطاء و أن ماضيك مثقل و حاضرك لا يبرأ من الشُبهة ؟
● كُل ابن آدم خطّاء و خير الخطائين عند الله التوابون .. و أنا أتوب إلى الله كل يوم و كل ساعة .
●● و لكنك شربت الخمر و زنيت .
● لستُ أدعي عصمة و لا ولاية و لا نبوّة و لا قيادة .. و ما أنا إلا صارخ في بَريّة يحمل على ظهره أوزاره ، و لكنه يرتجي المغفرة و يدعو إلى الخير .
●● تدعو إلى العِفّة و قد زنيت .. و تنهى عن الخمر و قد شربتها .. ؟
فماذا يكون شأنك إلا كما قال رسول الله عن علماء آخر الزمان ، بأنهم كغثاء السيل لا خير فيهم .
● صدق رسول الله .. و الله إننا كغثاء السيل و لكن ما حيلتنا و قد طم السيل و جرف الجميع ، و لوَّث الجميع ، و ما بقي واحد إلا مسّتهُ شبهة ، أو تلوَّث منه البال و الخاطر .
●● هذا إعتراف بأن هذا العصر لا يصلُح إلا أن يكون حطباً لجهنم .. أليست هذه إدانة شاملة ؟ .
● لا يُدين إلا الدَيّان و لا يحكم بالنار إلا رب النار ، و قد قال ربنا عن نفسه : { و إني لغفّارٌ لمن تاب و آمن و عَمِلَ صالِحاً ثُم اهتدى } ( طه – 82 ) .
و قال عن نفسه إنه لا يُسأَل عما يفعل .. و قال إنه يغفر لمن يشاء ، و يُعَذِب من يشاء .. و قال رحمتي وَسِعت كل شيء .. و ليس من حقك أن تحجُر على رحمة الله و لا أن تُدخلنا النار و تُدخِل نفسك الجنة ، إلا إذا كنت قد تألهت و تصورت نفسك وصياً على العالمين .
●● لقد اعترفت بأنك شربت الخمر و زنيت .
● من لم يرتكب منكم خطيئة فليرمنا بحَجَر .
فأجاب الرجُل في زَهو و اختيال :
●● أنا لم أرتكب خطيئة .
● تلك الدعوى هي كُبرى خطيئاتك و سوف تُحاسب عنها حساباً عسيراً .
●● أبعُلماء أمثالِكم نحارب الكُفّار ؟
● إذا كُنا سيئين فالكُفار أسوأ و الله ينصر السيئ على الأسوأ .. و الله عليم بضعف الناس و هو القائل : { اتقوا الله حق تُقاته } ( آل عمران – 102 ) .
ذلك القول للأنبياء و لستُ منهم ، إنما أنا بشر عادي أَخطأَ و أصاب ، و عمل عملاً صالحاً و آخر سيئاً .. عسى الله أن يتوب عليه ..
ثم خَبِرني لماذا تجعل من نفسك منتقماً .. و هل أعطاك الله الوكالة عنه أم أعطيتها لنفسك .. و بأي حق تتغطرس علينا هكذا و تُطلِق التهم عن يمين و شمال و أنت حدث قليل التجربة لم تتجاوز السابعة عشرة من عمرك ثم تُفتينا في الإسلام و أنت لم تحفظ بعد قرآناً و لا درست سُنّة و لا جلست إلى علماء و لا سهرت على مرجِع .. و تختال بعفتك و طهارتك و أنت لم تتعرض بعد لما تعرضنا له من مُغرَيات .. و ما حُكم عِفّة بلا مكابدة .. و طهارة بلا ابتلاء إلا أن تكون مراهقة و غروراً ..
●● أنتم تلوون ألسنتكم بالعِلم و أنتم زُناة فاسقون مكانكم جهنم و سأشيعك بهذه الرصاصة إلى مكانك .
● أعرفتَ مكاني الذي ستشيعني إليه برصاصتك .. ؟! ذلك و اللهِ غرور آخر و ادِّعاء بعلم الآخرة بعد ادعائك لعلم الدنيا .
●● ابكِ على مصيرك .
● و الله ما أَلقَى الله باكياً ، بل ألقاه راجياً رحمته و هو الذي أنشأني من تراب الأرض و يعلم ضعفي ، و هو القائل : { و خُلِقَ الإنسانُ ضعيفا } ( النساء – 28 9 .
و الله ما أكُف عن الأمل في رحمة الله أبداً .
●● ذلك ظن الذين كفروا .
● بل هو قول الذين آمنوا و سيُخلِف الله ظنّك و الله خلّاف الظنون .
# و شد الرجل أصابعه على زناد المسدس في غيظ ليقول في كلمة أخيرة :
●● ألَكَ مطلب أخير ؟
● أنت أهوَن عند الله من أن أطلب منك شيئاً و هذه الدنيا أتفه من أن ألتفت إليها بطمع .
●● أحاقدٌ أنت عليّ ؟
● بل إنك لَتُحسِن إليَّ بهذه الرصاصة و تتصدق عليَّ بهذه الشهادة ، و تعطيني الفرصة لأدفع في كلمة حق أغلى ثمن ، و تلك نعمة من الله أشكره عليها .. الحمد لله على ما أعطى و ما أخذ .
# و ضغط الرجل على الزناد في غيظ ، فانطلقت الرصاصة و سقط رَجُل ، و زاد عدد المجرمين واحداً ..
و لم ينصلح في العالَم أي شيئ .. بل زاد ضلالاً على ضلال .
قصة / الرصــاصــة .
..
من كتـــاب / نـقـطــة الغـليــان
للدكتور مصطفى محمود ( رحمه الله). ❝ ⏤مصطفى محمود
❞ كان الرجل يجلس مكتوف اليدين .. معصوب العينين .. لا يعرف أين و لا متى و لا منْ الذي يضع فوهة المسدس على رأسه .. و إنما هو ظلام حالك .. و صوت أجش يخرج من بطن الظُلمة :
●● هل أنت محمود السويفي ؟
● نعم .
●● تعترف أنك كافر مارق زنديق خارج على دين الله .. و أنك تساند دولة الكُفر و تؤيدها ؟
● أنا أقول لا إله إلا الله محمد رسول الله .. فكيف أكون كافراً ؟
●● لو كنت تقول إن محمداً رسول الله بحق لاتبعته .
● أنا أتبعه قدر طاقتي .
●● كان رسول الله يُطلق لحيته ، و أنت تحلقها فكيف تدَّعي إتباعه ؟
● و كان رسول الله يركب البغلة ، و أنتم تركبون القطار .. فهل خرجتم على السُنّة بذلك .. !
إن معنى السُنّة الأفعال الدالة على الخُلُق و القِيم و ليست أية أفعال .. و اللحية لا تدُل على شيء .. و كاسترو مُلحِد و يُربي لحيته .. و جيفارا أنكر وجود الله في جميع أحاديثه ، فهل تنفعه لحيته .. و راسبوتين راهب الفِسق و العهر له أطول لحية ..
أنا لا أفهم ماذا تعني لحية يصنعها و يقصها مقص حلاق في دقيقة .. و ماذا تضيف أو تُعطي للإسلام .
●● تعترف أنك تعيش في عالم جاهلي ؟
● و أشنع من العالَم الجاهلي .
●● عالَم سافل .. منحرف .. ضال .
● و أشنع من ذلك .. مجنون و لا معقول بدليل وجود سيادتك فيه .
●● و لكنك واحد من الذين يقودون هذا العالَم بالكلمة و الأمر و التوجيه و الإدارة .
● أحاول أن أُصلِح منه قدر استطاعتي .
●● أنت تشتغل في الإعلام .. فما رأيك في الإعلام .. ؟ ما رأيك في حال التليفزيون و السينما و المسرح و الصحيفة ؟ ..
● تسالي يا لب .. و لكننا نحاول من حين لآخر أن نقول شيئاً ذا قيمة .
●● ثم يضيع الكلام في طوفان الرقص و الطبل و الزمر و الهزل .
● هذا شأن العالَم دائماً من خمسة آلاف سنة .. كانت الراقصة تكسب أكثر من الكاتب .. و الطَبّال يكسب أكثر من الخبّاز و النجار و الحدّاد ..
و لو أنك دعوت أينشتين اليوم لندوة علمية .. ثم دعوت امرأة عارية لحديث صحفي ، لَترَك الجمهور أينشتين و علمه و لتجمَعوا حول المرأة العارية بالألوف .. و هذا ليس ذنبنا .. و إنما سببه أن أكثر الناس من البهم و من أهل الهوى و من عبيد الشهوات .. و هم لذلك يشجعون التافه من الأمور و ينصرفون عن الجاد .
●● و لهذا جئنا لنصلح العالَم .
● ليس بالرصاص و لا بالمدافع الرشاشة و لا بالمعتقلات و الإرهاب تُصنَع الفضائل .. لن تجعل من الناس مسلمين مثل أبي بكر بقرار وزاري ، و لن تُصلِح هذا العالَم برفضه و تكفيره و إطلاق النار عليه .. سيادتك لست مسلماً و إنما مجرم .
●● أنا أقول لا إله إلا الله محمد رسول الله ، فكيف أكون مجرماً ؟
● أنتَ تقول لا إله إلا نحن و مَنْ خالفنا كَفَر و مَنْ خرج عنا تزندق و مَنْ عارضنا عليه اللعنة .
أنت طالب سُلطة و سيطرة و جبروت .. و تلك شهوات نهى الله عنها ..
فقال لنبيه :
{ و ما أنت عليهم بجبَّار } ( ق 45 )
و قال له :
{ لست عليهم بمسيطر } ( الغاشية 22 )
و حدد دوره قائلاً :
{ إنما أنت منذر } ( الرعد 7 )
{ إنْ عليك إلا البلاغ } ( الشورى 48 )
و أطلق الحرية لكافة الناس في الإستجابة أو الرفض فقال :
{ و قُل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن و من شاء فليكفر } ( الكهف 29 )
و قال :
{ لكم دينُكُم و لِيَ دينِ } ( الكافرون 6 )
و قال :
{ لا يضرُكُم مَنْ ضَلَّ إذا اهتديتم } ( المائدة 105 )
ثم أفرد الله نفسه بالعلم و البَت في قضية التكفير ، فقال :
{ هو أعلم بمن ضل عن سبيله و هو أعلم بمن اهتدى } ( النجم 30 )
و قال :
{ فلا تُزَكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى } ( النجم 32 )
و لكنكم تزكون أنفسكم على الأمة كلها .. و تكفرونها كلها ، و تدَّعون لأنفسكم العصمة .
●● تعترف أنك رجل كثير الأخطاء و أن ماضيك مثقل و حاضرك لا يبرأ من الشُبهة ؟
● كُل ابن آدم خطّاء و خير الخطائين عند الله التوابون .. و أنا أتوب إلى الله كل يوم و كل ساعة .
●● و لكنك شربت الخمر و زنيت .
● لستُ أدعي عصمة و لا ولاية و لا نبوّة و لا قيادة .. و ما أنا إلا صارخ في بَريّة يحمل على ظهره أوزاره ، و لكنه يرتجي المغفرة و يدعو إلى الخير .
●● تدعو إلى العِفّة و قد زنيت .. و تنهى عن الخمر و قد شربتها .. ؟
فماذا يكون شأنك إلا كما قال رسول الله عن علماء آخر الزمان ، بأنهم كغثاء السيل لا خير فيهم .
● صدق رسول الله .. و الله إننا كغثاء السيل و لكن ما حيلتنا و قد طم السيل و جرف الجميع ، و لوَّث الجميع ، و ما بقي واحد إلا مسّتهُ شبهة ، أو تلوَّث منه البال و الخاطر .
●● هذا إعتراف بأن هذا العصر لا يصلُح إلا أن يكون حطباً لجهنم .. أليست هذه إدانة شاملة ؟ .
● لا يُدين إلا الدَيّان و لا يحكم بالنار إلا رب النار ، و قد قال ربنا عن نفسه : { و إني لغفّارٌ لمن تاب و آمن و عَمِلَ صالِحاً ثُم اهتدى } ( طه – 82 ) .
و قال عن نفسه إنه لا يُسأَل عما يفعل .. و قال إنه يغفر لمن يشاء ، و يُعَذِب من يشاء .. و قال رحمتي وَسِعت كل شيء .. و ليس من حقك أن تحجُر على رحمة الله و لا أن تُدخلنا النار و تُدخِل نفسك الجنة ، إلا إذا كنت قد تألهت و تصورت نفسك وصياً على العالمين .
●● لقد اعترفت بأنك شربت الخمر و زنيت .
● من لم يرتكب منكم خطيئة فليرمنا بحَجَر .
فأجاب الرجُل في زَهو و اختيال :
●● أنا لم أرتكب خطيئة .
● تلك الدعوى هي كُبرى خطيئاتك و سوف تُحاسب عنها حساباً عسيراً .
●● أبعُلماء أمثالِكم نحارب الكُفّار ؟
● إذا كُنا سيئين فالكُفار أسوأ و الله ينصر السيئ على الأسوأ .. و الله عليم بضعف الناس و هو القائل : { اتقوا الله حق تُقاته } ( آل عمران – 102 ) .
ذلك القول للأنبياء و لستُ منهم ، إنما أنا بشر عادي أَخطأَ و أصاب ، و عمل عملاً صالحاً و آخر سيئاً .. عسى الله أن يتوب عليه ..
ثم خَبِرني لماذا تجعل من نفسك منتقماً .. و هل أعطاك الله الوكالة عنه أم أعطيتها لنفسك .. و بأي حق تتغطرس علينا هكذا و تُطلِق التهم عن يمين و شمال و أنت حدث قليل التجربة لم تتجاوز السابعة عشرة من عمرك ثم تُفتينا في الإسلام و أنت لم تحفظ بعد قرآناً و لا درست سُنّة و لا جلست إلى علماء و لا سهرت على مرجِع .. و تختال بعفتك و طهارتك و أنت لم تتعرض بعد لما تعرضنا له من مُغرَيات .. و ما حُكم عِفّة بلا مكابدة .. و طهارة بلا ابتلاء إلا أن تكون مراهقة و غروراً ..
●● أنتم تلوون ألسنتكم بالعِلم و أنتم زُناة فاسقون مكانكم جهنم و سأشيعك بهذه الرصاصة إلى مكانك .
● أعرفتَ مكاني الذي ستشيعني إليه برصاصتك .. ؟! ذلك و اللهِ غرور آخر و ادِّعاء بعلم الآخرة بعد ادعائك لعلم الدنيا .
●● ابكِ على مصيرك .
● و الله ما أَلقَى الله باكياً ، بل ألقاه راجياً رحمته و هو الذي أنشأني من تراب الأرض و يعلم ضعفي ، و هو القائل : { و خُلِقَ الإنسانُ ضعيفا } ( النساء – 28 9 .
و الله ما أكُف عن الأمل في رحمة الله أبداً .
●● ذلك ظن الذين كفروا .
● بل هو قول الذين آمنوا و سيُخلِف الله ظنّك و الله خلّاف الظنون .
و شد الرجل أصابعه على زناد المسدس في غيظ ليقول في كلمة أخيرة :
●● ألَكَ مطلب أخير ؟
● أنت أهوَن عند الله من أن أطلب منك شيئاً و هذه الدنيا أتفه من أن ألتفت إليها بطمع .
●● أحاقدٌ أنت عليّ ؟
● بل إنك لَتُحسِن إليَّ بهذه الرصاصة و تتصدق عليَّ بهذه الشهادة ، و تعطيني الفرصة لأدفع في كلمة حق أغلى ثمن ، و تلك نعمة من الله أشكره عليها .. الحمد لله على ما أعطى و ما أخذ .
و ضغط الرجل على الزناد في غيظ ، فانطلقت الرصاصة و سقط رَجُل ، و زاد عدد المجرمين واحداً ..
و لم ينصلح في العالَم أي شيئ .. بل زاد ضلالاً على ضلال .
قصة / الرصــاصــة .
..
من كتـــاب / نـقـطــة الغـليــان
للدكتور مصطفى محمود ( رحمه الله) . ❝
❞ كان بطل الفيلم يمسك بشاب أجنبي ويوشك على
ضربه لأنه عاكس حبيبته، لولا أن قال له الشاب بالإنجليزية:
- آي آم جاي..! يعني (أنا شاذ)
هنا ارتفع في ظلام السينما صوت ابنتي البريء يقول:
- بابا.. ما معنى آي أم جاي؟
ساد الصمت السينما كلها وحبس كل الناس أنفاسهم
انتظاراً لما سأقول. طبعاً فعلت الشيء الوحيد الممكن:
-لم أسمع ما قال.
عاد صوتها الرقيق يسأل بصوت عال:
- قال له آي آم جاي فتركه.. ما هو السبب؟
قلت في حكمة:
- لا أعرف.. ربما لو سمعت لفهمت.
من جديد عادت أحداث الفيلم تتكرر وعادت أنفاسي تدخل وتخرج
في صدري، إلى أن تكرر على الشاشة نفس الموقف
حرفيا.. ومن جديد دوى صوت صديقة ابنتي:
- عمو.. ما معنى آي آم جاي؟
-هه؟
- لقد قالوها ثانية..
فكرت لربع ثانية، ثم قلت على الفور:
- معناها أنه مصاب بصداع.. نعم.. البطل لم يضربه لأنه مصاب بصداع.
هنا قال واحد جالس خلفي في السينما بلهجة معلم الأجيال
الذي لا يطيق أن يسمع أحدا يهذي بما لا يعلم:
- لا مؤاخذة يا أستاذ.. جاي ليس معناها أنه مصاب بصداع.. بل معناها..
استدرت له موشكا على لكم فمه، وقلت بغلظة:
-بل هي كذلك. ولتعن بشئونك الخاصة من فضلك.
هنا قالت ابنتي بصوتها الرفيع العالي:
- ما معناها إذن؟ هذا الرجل الجالس خلفنا يقول أنها لا تعني الصداع.
- سوف أشرح لك فيما بعد.. تابعي الفيلم.. تابعن الفيلم يا بنات وإلا
هشمت رءوسكن.. لن تتأثر حبكة الفيلم أو يفسد لو عرفتن معنى كل كلمة.
- ولكن..
- ش ش ش ش!!.. لو سمعت كلمة أخرى لغادرت السينما..
هكذا ظللن يشاهدن الفيلم في تعاسة شاعرات أن الكلمة التي لم يفهمنها
هي ذروة الفيلم وحلاوته وأجمل ما قيل فيه. أما أنا فتمنيت لو أحضرت الأخ كاتب السيناريو
من عنقه لأسدد له بعض اللكمات.. ألم تقل يا أخ إن الفيلم كوميدي ومناسب
للأطفال؟.. إذن لماذا تحشر فيه هذه الألفاظ؟ سوف أحطم رأسه حتى لو قال لي آي آم جاي ألف مرة..
انتهي الفيلم فخرجنا.. كان رأسي ينبض كالطبل وأصاب ضوء الشارع شبكيتي
بشلل تام، تحسست رأسي وقلت لابنتي:
- صداع عنيف فعلا.
هنا رأيتها تفكر قليلا.. تستعمل الضمائر كما تعلمتها في المدرسة
وتحاول تكوين جملة جديدة. ثم صاحت في مرح بصوت سمعه كل الخارجين من السينما:
- بابا.. أنت عندك صداع.. إذن.. يو آر جاي. ❝ ⏤أحمد خالد توفيق
❞ كان بطل الفيلم يمسك بشاب أجنبي ويوشك على
ضربه لأنه عاكس حبيبته، لولا أن قال له الشاب بالإنجليزية:
آي آم جاي..! يعني (أنا شاذ)
هنا ارتفع في ظلام السينما صوت ابنتي البريء يقول:
بابا.. ما معنى آي أم جاي؟
ساد الصمت السينما كلها وحبس كل الناس أنفاسهم
انتظاراً لما سأقول. طبعاً فعلت الشيء الوحيد الممكن:
لم أسمع ما قال.
عاد صوتها الرقيق يسأل بصوت عال:
قال له آي آم جاي فتركه.. ما هو السبب؟
قلت في حكمة:
لا أعرف.. ربما لو سمعت لفهمت.
من جديد عادت أحداث الفيلم تتكرر وعادت أنفاسي تدخل وتخرج
في صدري، إلى أن تكرر على الشاشة نفس الموقف
حرفيا.. ومن جديد دوى صوت صديقة ابنتي:
عمو.. ما معنى آي آم جاي؟
هه؟
لقد قالوها ثانية..
فكرت لربع ثانية، ثم قلت على الفور:
معناها أنه مصاب بصداع.. نعم.. البطل لم يضربه لأنه مصاب بصداع.
هنا قال واحد جالس خلفي في السينما بلهجة معلم الأجيال
الذي لا يطيق أن يسمع أحدا يهذي بما لا يعلم:
لا مؤاخذة يا أستاذ.. جاي ليس معناها أنه مصاب بصداع.. بل معناها..
استدرت له موشكا على لكم فمه، وقلت بغلظة:
بل هي كذلك. ولتعن بشئونك الخاصة من فضلك.
هنا قالت ابنتي بصوتها الرفيع العالي:
ما معناها إذن؟ هذا الرجل الجالس خلفنا يقول أنها لا تعني الصداع.
سوف أشرح لك فيما بعد.. تابعي الفيلم.. تابعن الفيلم يا بنات وإلا
هشمت رءوسكن.. لن تتأثر حبكة الفيلم أو يفسد لو عرفتن معنى كل كلمة.
ولكن..
ش ش ش ش!!.. لو سمعت كلمة أخرى لغادرت السينما..
هكذا ظللن يشاهدن الفيلم في تعاسة شاعرات أن الكلمة التي لم يفهمنها
هي ذروة الفيلم وحلاوته وأجمل ما قيل فيه. أما أنا فتمنيت لو أحضرت الأخ كاتب السيناريو
من عنقه لأسدد له بعض اللكمات.. ألم تقل يا أخ إن الفيلم كوميدي ومناسب
للأطفال؟.. إذن لماذا تحشر فيه هذه الألفاظ؟ سوف أحطم رأسه حتى لو قال لي آي آم جاي ألف مرة..
انتهي الفيلم فخرجنا.. كان رأسي ينبض كالطبل وأصاب ضوء الشارع شبكيتي
بشلل تام، تحسست رأسي وقلت لابنتي:
صداع عنيف فعلا.
هنا رأيتها تفكر قليلا.. تستعمل الضمائر كما تعلمتها في المدرسة
وتحاول تكوين جملة جديدة. ثم صاحت في مرح بصوت سمعه كل الخارجين من السينما:
بابا.. أنت عندك صداع.. إذن.. يو آر جاي . ❝
❞ تقدموا به حتى أوقفوه على خشبةِ التنفيذ، قيَّدوه بالأحزمة كي يشلُّوا حركته.. حاول أن يصرخَ لكنَّ الصرخاتِ وقفت في حلقِه.. بلَّل ملابسَه من شدة الرعب.. نبضاتُه تضربُ صدرَه بعنف، تُمزِّق ضلوعه.. ركبتاه تتخبَّط تصارعا.. أنفاسُه تغيبُ لثوانٍ ثم تعود.. مِنصَّةُ الحكم بالإعدام أَصبحت جاهزةً.. الحبل ملفوفٌ حول عنقِه.. عيناه بارقتانِ.. الخوفُ من موتٍ محتومٍ جعل أَطرافهُ ترتعشُ؛ حتى خُيِّلَ لهُ أنهُ مات قبل أن يُوضع حبلُ المشنقةِ حوْلَ رقبتِه...! دخل في إغماءٍ، وكأنهُ يرِيدُ أن يمرَّ بسرعةٍ إلى ظلامٍ وسكونٍ أَبَدَيينِ، وُضِع على رأْسِه غطاءٌ أَسْودُ اللَّوْنِ، تمنَّى لدقيقةٍ أن يكونَ كابوساً مزعجاً سيستفيق منه، أو أنَّ أحداً ما يتدخل لإنقاذه من الموت.. فتح عينيه داخل الغطاء ظلامٌ دامسٌ لا يرى سواه.. هز رأسه.. حرَّك قدميه المكبلتين.. شعر بالحبل يضيق على عنقه.. عاد مسرعاً لسكون جسدِه خوفًاً أن يختنق، نهج بشدَّةٍ.. صرخ بينه وبين نفسِه: -أنقذوني- فُتحَتِ الطبليَّةُ أَسفلَ قدميه؛ فسقط في بئرٍ عمقُها أَربعةُ أمتارٍ.. احتقن وجهُه؛ حيثُ مال إلى اللون الأزرق، وبرز لسانُه، ولازال قلبُه يخفق بشدة.. حين أخرجوه لم ينتبهوا أنَّ قلبَه لازال ينبض، لفُّوه ببطانيةٍ ووضعوه خارجَ الغرفة، نظر إليه العميد مصطفى وتنفَّس الصُّعَدَاءَ رغم أنه ما زال يتساءل بذهولٍ:
-كيف عرف...؟
هكذا أرباب الفواحش يعرفون بعضهم البعض؛ وكأن بين جبينهم تكتب معاصيهم ليقرأها كل مبتلٍ بها. إنها الحقيقة التي يتغافل عنها أصحاب القلوب المريضة؛ فلا تظن نفسك قادرًا على إخفائها، فلولا ستر ربك لمَ استطعت أن تقيم ظهرك بعد انحنائه؛ ولمت اختناقا من رائحة ذنوبك النتنة...
إرم العهد الحديث ط5
رواية | يوسف حسين
#معرض_القاهرة_الدولي_للكتاب2024
#اسكرايب #اقرأ #جدد_مكتبتك 📚. ❝ ⏤
❞ تقدموا به حتى أوقفوه على خشبةِ التنفيذ، قيَّدوه بالأحزمة كي يشلُّوا حركته.. حاول أن يصرخَ لكنَّ الصرخاتِ وقفت في حلقِه.. بلَّل ملابسَه من شدة الرعب.. نبضاتُه تضربُ صدرَه بعنف، تُمزِّق ضلوعه.. ركبتاه تتخبَّط تصارعا.. أنفاسُه تغيبُ لثوانٍ ثم تعود.. مِنصَّةُ الحكم بالإعدام أَصبحت جاهزةً.. الحبل ملفوفٌ حول عنقِه.. عيناه بارقتانِ.. الخوفُ من موتٍ محتومٍ جعل أَطرافهُ ترتعشُ؛ حتى خُيِّلَ لهُ أنهُ مات قبل أن يُوضع حبلُ المشنقةِ حوْلَ رقبتِه...! دخل في إغماءٍ، وكأنهُ يرِيدُ أن يمرَّ بسرعةٍ إلى ظلامٍ وسكونٍ أَبَدَيينِ، وُضِع على رأْسِه غطاءٌ أَسْودُ اللَّوْنِ، تمنَّى لدقيقةٍ أن يكونَ كابوساً مزعجاً سيستفيق منه، أو أنَّ أحداً ما يتدخل لإنقاذه من الموت.. فتح عينيه داخل الغطاء ظلامٌ دامسٌ لا يرى سواه.. هز رأسه.. حرَّك قدميه المكبلتين.. شعر بالحبل يضيق على عنقه.. عاد مسرعاً لسكون جسدِه خوفًاً أن يختنق، نهج بشدَّةٍ.. صرخ بينه وبين نفسِه: أنقذوني فُتحَتِ الطبليَّةُ أَسفلَ قدميه؛ فسقط في بئرٍ عمقُها أَربعةُ أمتارٍ.. احتقن وجهُه؛ حيثُ مال إلى اللون الأزرق، وبرز لسانُه، ولازال قلبُه يخفق بشدة.. حين أخرجوه لم ينتبهوا أنَّ قلبَه لازال ينبض، لفُّوه ببطانيةٍ ووضعوه خارجَ الغرفة، نظر إليه العميد مصطفى وتنفَّس الصُّعَدَاءَ رغم أنه ما زال يتساءل بذهولٍ:
كيف عرف...؟
هكذا أرباب الفواحش يعرفون بعضهم البعض؛ وكأن بين جبينهم تكتب معاصيهم ليقرأها كل مبتلٍ بها. إنها الحقيقة التي يتغافل عنها أصحاب القلوب المريضة؛ فلا تظن نفسك قادرًا على إخفائها، فلولا ستر ربك لمَ استطعت أن تقيم ظهرك بعد انحنائه؛ ولمت اختناقا من رائحة ذنوبك النتنة...
إرم العهد الحديث ط5
رواية | يوسف حسين
معرض_القاهرة_الدولي_للكتاب2024
اسكرايب اقرأ جدد_مكتبتك 📚 . ❝