█ حصريا تحميل كتاب مجاناً PDF اونلاين 2024
❞ ضَمِن الإسلام للمرأة حقّها في اختيار الزوج الذي ترتضيه لها، ولا يجوز لأحدٍ إجبارها على الزواج من رجلٍ لا ترغب بالارتباط به، وفي حال أجبر الوليّ الفتاة البِكْر أو الثيّب أن تتزوج من رجلٍ لا تريده، فلها أن تفسخ العقد ويتحمّل الوليّ تكاليف الفسخ . ❝
❞ ذَٰلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ (52)
قوله تعالى : ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب وأن الله لا يهدي كيد الخائنين
قوله تعالى : ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب اختلف فيمن قاله ، فقيل : هو من قول امرأة العزيز ، وهو متصل بقولها : الآن حصحص الحق أي أقررت بالصدق ليعلم أني لم أخنه بالغيب أي بالكذب عليه ، ولم أذكره بسوء وهو غائب ، بل صدقت وحدت عن الخيانة ; ثم قالت : وما أبرئ نفسي بل أنا راودته ; وعلى هذا هي كانت مقرة بالصانع ، ولهذا قالت : إن ربي غفور رحيم . وقيل : هو من قول يوسف ; أي قال يوسف : ذلك الأمر الذي فعلته ، من رد الرسول ليعلم العزيز أني لم أخنه بالغيب قاله الحسن وقتادة وغيرهما . ومعنى بالغيب وهو غائب . وإنما قال يوسف ذلك بحضرة الملك ، وقال : ليعلم على الغائب توقيرا للملك . وقيل : قاله إذ عاد إليه الرسول وهو في السجن بعد ; قال ابن عباس : جاء الرسول إلى يوسف - عليه السلام - بالخبر وجبريل معه يحدثه ; فقال يوسف : ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب وأن الله لا يهدي كيد الخائنين أي لم أخن سيدي بالغيب ; فقال له جبريل - عليه السلام - : يا يوسف ! ولا حين حللت الإزار ، وجلست مجلس الرجل من المرأة ؟ ! فقال يوسف : وما أبرئ نفسي الآية . وقال السدي : إنما قالت له امرأة العزيز ولا حين حللت سراويلك يا يوسف ؟ ! فقال يوسف : وما أبرئ نفسي . وقيل : ذلك ليعلم من قول العزيز ; أي ذلك ليعلم يوسف أني لم أخنه بالغيب ، وأني لم أغفل عن مجازاته على أمانته .
وأن الله لا يهدي كيد الخائنين معناه : أن الله لا يهدي الخائنين بكيدهم . ❝
❞ وَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَىٰ عَلَىٰ يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ (84)
قوله تعالى : وتولى عنهم وقال يا أسفى على يوسف وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم فيه ثلاث مسائل :
الأولى : قوله تعالى : وتولى عنهم أي أعرض عنهم ; وذلك أن يعقوب لما بلغه خبر بنيامين تتام حزنه ، وبلغ جهده ، وجدد الله مصيبته له في يوسف فقال : يا أسفى على يوسف ونسي ابنه بنيامين فلم يذكره ; عن ابن عباس . وقال سعيد بن جبير : لم يكن عند يعقوب ما في كتابنا من الاسترجاع ، ولو كان عنده لما قال : يا أسفى على يوسف قال قتادة والحسن : والمعنى يا حزناه ! وقال مجاهد والضحاك : يا جزعاه ! ; قال كثير :
فيا أسفا للقلب كيف انصرافه وللنفس لما سليت فتسلت
والأسف شدة الحزن على ما فات . والنداء على معنى : تعال يا أسف فإنه من أوقاته . وقال الزجاج : الأصل يا أسفي ; فأبدل من الياء ألف لخفة الفتحة .
وابيضت عيناه من الحزن قيل : لم يبصر بهما ست سنين ، وأنه عمي ; قاله مقاتل . وقيل : قد تبيض العين ويبقى شيء من الرؤية ، والله أعلم بحال يعقوب ; وإنما ابيضت عيناه من البكاء ، ولكن سبب البكاء الحزن ، فلهذا قال : من الحزن . وقيل : إن يعقوب كان يصلي ، ويوسف نائما معترضا بين يديه ، فغط في نومه ، فالتفت يعقوب إليه ، ثم غط ثانية فالتفت إليه ، ثم غط ثالثة فالتفت إليه سرورا به وبغطيطه ; فأوحى الله تعالى إلى ملائكته : ˝ انظروا إلى صفيي وابن خليلي قائما في مناجاتي يلتفت إلى غيري ، وعزتي وجلالي ! لأنزعن الحدقتين اللتين التفت بهما ، ولأفرقن بينه وبين من التفت إليه ثمانين سنة ، ليعلم العاملون أن من قام بين يدي يجب عليه مراقبة نظري ˝ .
الثانية : هذا يدل على أن الالتفات في الصلاة - وإن لم يبطل - يدل على العقوبة عليها ، والنقص فيها ، وقد روى البخاري عن عائشة قالت : سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الالتفات في الصلاة فقال : هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد . وسيأتي ما للعلماء في هذا في أول سورة ˝ المؤمنون ˝ موعبا إن شاء الله تعالى .
الثالثة : قال النحاس : فإن سأل قوم عن معنى شدة حزن يعقوب - صلى الله عليه وسلم - وعلى نبينا - فللعلماء في هذا ثلاثة أجوبة : منها - أن يعقوب - صلى الله عليه وسلم - لما علم أن يوسف - صلى الله عليه وسلم - حي خاف على دينه ، فاشتد حزنه لذلك . وقيل : إنما حزن لأنه سلمه إليهم صغيرا ، فندم على ذلك . والجواب الثالث : وهو أبينها - هو أن الحزن ليس بمحظور ، وإنما المحظور الولولة وشق الثياب ، والكلام بما لا ينبغي وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول ما يسخط الرب . وقد بين الله جل وعز ذلك بقوله : فهو كظيم أي مكظوم مملوء من الحزن ممسك عليه لا يبثه ; ومنه كظم الغيظ وهو إخفاؤه ; فالمكظوم المسدود عليه طريق حزنه ; قال الله تعالى : إذ نادى وهو مكظوم أي مملوء كربا . ويجوز أن يكون المكظوم بمعنى الكاظم ; وهو المشتمل على حزنه . وعن ابن عباس : كظيم مغموم ; قال الشاعر :
فإن أك كاظما لمصاب شاس فإني اليوم منطلق لساني
وقال ابن جريج عن مجاهد عن ابن عباس قال : ذهبت عيناه من الحزن فهو كظيم قال : فهو مكروب . وقال مقاتل بن سليمان عن عطاء عن ابن عباس في قوله : فهو كظيم قال : فهو كمد ; يقول : يعلم أن يوسف حي ، وأنه لا يدري أين هو ; فهو كمد من ذلك . قال الجوهري : الكمد الحزن المكتوم ; تقول منه كمد الرجل فهو كمد وكميد . النحاس . يقال فلان كظيم وكاظم ; أي حزين لا يشكو حزنه ; قال الشاعر :
فحضضت قومي واحتسبت قتالهم والقوم من خوف المنايا كظم . ❝
❞ وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ۚ مَا كَانَ لَنَا أَن نُّشْرِكَ بِاللَّهِ مِن شَيْءٍ ۚ ذَٰلِكَ مِن فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (38)
قوله تعالى : واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب لأنهم أنبياء على الحق .
˝ ما كان ˝ أي ما ينبغي .
لنا أن نشرك بالله من شيء ˝ من ˝ للتأكيد ، كقولك : ما جاءني من أحد .
ذلك من فضل الله علينا إشارة إلى عصمته من الزنا .
˝ وعلى الناس ˝ أي على المؤمنين الذين عصمهم الله من الشرك . وقيل : ذلك من فضل الله علينا إذ جعلنا أنبياء ، وعلى الناس إذ جعلنا الرسل إليهم .
ولكن أكثر الناس لا يشكرون على نعمة التوحيد والإيمان . ❝
❞ فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا ۖ قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُم مَّوْثِقًا مِّنَ اللَّهِ وَمِن قَبْلُ مَا فَرَّطتُمْ فِي يُوسُفَ ۖ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّىٰ يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي ۖ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (80)
قوله تعالى : فلما استيأسوا منه أي يئسوا ; مثل عجب واستعجب ، وسخر واستسخر . ˝ خلصوا ˝ أي انفردوا وليس هو معهم . ˝ نجيا ˝ نصب على الحال من المضمر في خلصوا وهو واحد يؤدي عن جمع ، كما في هذه الآية ; ويقع على الواحد كقوله تعالى : وقربناه نجيا وجمعه أنجية ; قال الشاعر :
إني إذا ما القوم كانوا أنجيه واضطرب القوم اضطراب الأرشيه
هناك أوصيني ولا توصي بيه
وقرأ ابن كثير : ˝ استايسوا ˝ ˝ ولا تايسوا ˝ ˝ إنه لا يايس ˝ ˝ أفلم يايس ˝ بألف من غير همز على القلب ; قدمت الهمزة وأخرت الياء ، ثم قلبت الهمزة ألفا لأنها ساكنة قبلها فتحة ; والأصل قراءة الجماعة ; لأن المصدر ما جاء إلا على تقديم الياء - يأسا - والإياس ليس بمصدر أيس ; بل هو مصدر أسته أوسا وإياسا أي أعطيته . وقال قوم : أيس ويئس لغتان ; أي فلما يئسوا من رد أخيهم إليهم تشاوروا فيما بينهم لا يخالطهم غيرهم من الناس ، يتناجون فيما عرض لهم . والنجي فعيل بمعنى المناجي .
قوله تعالى : قال كبيرهم قال قتادة : وهو روبيل ، كان أكبرهم في السن . مجاهد : هو شمعون ، كان أكبرهم في الرأي . وقال الكلبي : يهوذا ; وكان أعقلهم . وقال محمد بن كعب وابن إسحاق : هو لاوي ، وهو أبو الأنبياء .
ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقا من الله أي عهدا من الله في حفظ ابنه ، ورده إليه .
ومن قبل ما فرطتم في يوسف ˝ ما ˝ في محل نصب عطفا على أن والمعنى : ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقا من الله ، وتعلموا تفريطكم في يوسف ; ذكره النحاس وغيره . و ˝ من ˝ في قوله : ˝ ومن قبل ˝ متعلقة ب ˝ تعلموا ˝ . ويجوز أن تكون ما زائدة ; فيتعلق الظرفان اللذان هما ˝ من قبل ˝ و ˝ في يوسف ˝ بالفعل وهو ˝ فرطتم ˝ . ويجوز أن تكون ما والفعل مصدرا ، و ˝ من قبل ˝ متعلقا بفعل مضمر ; التقدير : تفريطكم في يوسف واقع من قبل ; فما والفعل في موضع رفع بالابتداء ، والخبر هو الفعل المضمر الذي يتعلق به ˝ من قبل ˝ .
فلن أبرح الأرض أي ألزمها ، ولا أبرح مقيما فيها ; يقال : برح براحا وبروحا أي زال ، فإذا دخل النفي صار مثبتا .
حتى يأذن لي أبي بالرجوع فإني أستحي منه .
أو يحكم الله لي وهو خير الحاكمين بالممر مع أخي فأمضي معه إلى أبي . وقيل : المعنى أو يحكم الله لي بالسيف فأحارب وآخذ أخي ، أو أعجز فأنصرف بعذر ، وذلك أن يعقوب قال : لتأتنني به إلا أن يحاط بكم ومن حارب وعجز فقد أحيط به ; وقال ابن عباس : وكان يهوذا إذا غضب وأخذ السيف فلا يرد وجهه مائة ألف ; يقوم شعره في صدره مثل المسال فتنفذ من ثيابه . وجاء في الخبر أن يهوذا قال لإخوته - وكان أشدهم غضبا - : إما أن تكفوني الملك ومن معه أكفكم أهل مصر ; وإما أن تكفوني أهل مصر أكفكم الملك ومن معه ; قالوا : بل اكفنا الملك ومن معه نكفك أهل مصر ، فبعث واحدا من إخوته فعدوا أسواق مصر فوجدوا فيها تسعة أسواق ، فأخذ كل واحد منهم سوقا ; ثم إن يهوذا دخل على يوسف وقال : أيها الملك ! لئن لم تخل معنا أخانا لأصيحن صيحة لا تبقي في مدينتك حاملا إلا أسقطت ما في بطنها ; وكان ذلك خاصة فيهم عند الغضب ، فأغضبه يوسف وأسمعه كلمة ، فغضب يهوذا واشتد غضبه ، وانتفجت شعراته ; وكذا كان كل واحد من بني يعقوب ; كان إذا غضب ، اقشعر جلده ، وانتفخ جسده ، وظهرت شعرات ظهره ، من تحت الثوب ، حتى تقطر من كل شعرة قطرة دم ; وإذا ضرب الأرض برجله تزلزلت وتهدم البنيان ، وإن صاح صيحة لم تسمعه حامل من النساء والبهائم والطير إلا وضعت ما في بطنها ، تماما أو غير تمام ; فلا يهدأ غضبه إلا أن يسفك دما ، أو تمسكه يد من نسل يعقوب ; فلما علم يوسف أن غضب أخيه يهوذا قد تم وكمل كلم ولدا له صغيرا بالقبطية ، وأمره أن يضع يده بين كتفي يهوذا من حيث لا يراه ; ففعل فسكن غضبه وألقى السيف فالتفت يمينا وشمالا لعله يرى أحدا من إخوته فلم يره ; فخرج مسرعا إلى إخوته وقال : هل حضرني منكم أحد ؟ قالوا : لا ! قال : فأين ذهب شمعون ؟ قالوا : ذهب إلى الجبل ; فخرج فلقيه ، وقد احتمل صخرة عظيمة ; قال : ما تصنع بهذه ؟ قال أذهب إلى السوق الذي وقع في نصيبي أشدخ بها رءوس كل من فيه ; قال : فارجع فردها أو ألقها في البحر ، ولا تحدثن حدثا ; فوالذي اتخذ إبراهيم خليلا ! لقد مسني كف من نسل يعقوب . ثم دخلوا على يوسف ، وكان يوسف أشدهم بطشا ، فقال : يا معشر العبرانيين ! أتظنون أنه ليس أحد أشد منكم قوة ، ثم عمد إلى حجر عظيم من حجارة الطاحونة فركله برجله فدحا به من خلف الجدار - الركل الضرب بالرجل الواحدة ; وقد ركله يركله ; قال الجوهري - ثم أمسك يهوذا بإحدى يديه فصرعه لجنبه ، وقال : هات الحدادين أقطع أيديهم وأرجلهم وأضرب أعناقهم ، ثم صعد على سريره وجلس على فراشه ، وأمر بصواعه فوضع بين يديه ، ثم نقره نقرة فخرج طنينه ، فالتفت إليهم وقال : أتدرون ما يقول ؟ قالوا : لا ! قال : فإنه يقول : إنه ليس على قلب أبي هؤلاء هم ولا غم ولا كرب إلا بسببهم ، ثم نقر نقرة ثانية وقال : إنه يخبرني أن هؤلاء أخذوا أخا لهم صغيرا فحسدوه ونزعوه من أبيهم ثم أتلفوه ; فقالوا : أيها العزيز ! استر علينا ستر الله عليك ، وامنن علينا من الله عليك ; فنقره نقرة ثالثة وقال إنه يقول : إن هؤلاء طرحوا صغيرهم في الجب ، ثم باعوه بيع العبيد بثمن بخس ، وزعموا لأبيهم أن الذئب أكله ; ثم نقره رابعة وقال : إنه يخبرني أنكم أذنبتم ذنبا منذ ثمانين سنة لم تستغفروا الله منه ; ولم تتوبوا إليه ، ثم نقره خامسة وقال إنه يقول : إن أخاهم الذي زعموا أنه هلك لن تذهب الأيام حتى يرجع فيخبر الناس بما صنعوا ; ثم نقره سادسة وقال إنه يقول : لو كنتم أنبياء أو بني أنبياء ما كذبتم ولا عققتم والدكم ; لأجعلنكم نكالا للعالمين . ايتوني بالحدادين أقطع أيديهم وأرجلهم ، فتضرعوا وبكوا وأظهروا التوبة وقالوا : لو قد أصبنا أخانا يوسف إذ هو حي لنكونن طوع يده ، وترابا يطأ علينا برجله ; فلما رأى ذلك يوسف من إخوته بكى وقال لهم : اخرجوا عني ! قد خليت سبيلكم إكراما لأبيكم ، ولولا هو لجعلتكم نكالا . ❝