█ حصريا تحميل كتاب مجاناً PDF اونلاين 2024
❞ ربما قِيل أنه كان في استطاعة محمد -صلى الله عليه وسلم -وهو الصادق الأمين، الذي حكَّمه أشراف قريش قبل ذلك في وضْـع الحجر الأسود وارتضوا حُكْمه -أن يجعلها قوميّة عربية تستهدف تجميع قبائل العرب التي أكلتْها الحروب ومزّقتْها النزاعات، ويوجهها وجْهة قومية لاستخلاص أرضها المغتَصَبة من الإمبراطوريات المستعمِرة؛ فلو دعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم -هذه الدعوة لاستجاب العرب كلهم له، بدلًا من أن يعاني ثلاثة عشر عامًا في معارضة أهواء أصحاب السلطان في الجزيرة، وبعد ذلك يستخدم هذا كله في إقرار عقيدة التوحيد التي بُعِث بها في تعبيد الناس لسُلطان ربهم، بعد أن عبَّدهم لسُلطانه البشريّ.
ولكن الله -سبحانه وهو العليم الحكيم -لم يوجِّه رسوله - صلى الله عليه وسلم - هذا التوجيه؛ لأنه ليس الطريق أن يتحرر الناس في هذه الأرض من طاغوت روماني أو فارسي إلى طاغوت عربي؛ فالطاغوت كله طاغوت. والناس عبيد لله وحده، ولا يكونون عبيدًا لله وحده إلا عندما ترتفع راية (لا إله إلا الله)، كما يدركها العربي العارف بمدلولات لغته: لا حاكمية إلا الله، ولا شريعة إلا من الله، ولا سلطان لأحد على أحد؛ لأن السلطان كله لله، ولأن الجنسية التي يريدها الإسلام للناس هي جنسية العقيدة، التي يتساوى فيها العربي والروماني والفارسي وسائر الأجناس والألوان تحت راية الله.
وربما قِيل أنه كان في استطاعة محمد -صلى الله عليه وسلم -أن يرفعها راية اجتماعية، وأن يثيرها حربًا على طبقة الأشراف، وأن يجعلها دعوة تستهدف تعديل الأوضاع، وردّ أموال الأغنياء إلى الفقراء، وبعد ذلك يدعوهم إلى التوحيد، ولكن الله بِحِكمته يعلم أن هذا ليس هو الطريق الصحيح، وأن العدالة الاجتماعية لا بد أن تنشأ في المجتمع من تصور اعتقادي شامل يردّ الأمر كله لله، ويقبل عن رضًي وعن طواعية ما يقضي به الله من عدالة التوزيع . ❝