📘 ❞ ترجمة الإمام أحمد بن حنبل وقصته مع المسند وبيان الجهود المبذولة في خدمته ❝ كتاب ــ عماد علي عبد السميع حسين اصدار 2008

التراجم والأعلام - 📖 ❞ كتاب ترجمة الإمام أحمد بن حنبل وقصته مع المسند وبيان الجهود المبذولة في خدمته ❝ ــ عماد علي عبد السميع حسين 📖

█ _ عماد علي عبد السميع حسين 2008 حصريا كتاب ترجمة الإمام أحمد بن حنبل وقصته مع المسند وبيان الجهود المبذولة خدمته عن دار الإيمان للطبع والنشر والتوزيع 2024 خدمته: أبو الله محمد الشيباني الذهلي (164 241هـ 780 855م) فقيه ومحدِّث مسلم ورابع الأئمة الأربعة عند أهل السنة والجماعة وصاحب المذهب الحنبلي الفقه الإسلامي اشتُهر بعلمه الغزير وحفظه القوي وكان معروفاً بالأخلاق الحسنة كالصبر والتواضع والتسامح وقد أثنى عليه كثير من العلماء منهم الشافعي بقوله: «خرجتُ بغداد وما خلَّفتُ بها أحداً أورع ولا أتقى أفقه حنبل» ويُعدُّ كتابه "المسند" أشهر كتب الحديث وأوسعها وُلد سنة 164هـ ونشأ فيها يتيماً كانت ذلك العصر حاضرة العالم تزخر بأنواع المعارف والفنون المختلفة وكانت أسرة توجهه إلى طلب العلم وفي 179هـ بدأ ابن يتَّجه النبوي فبدأ يطلبه شيخه هُشَيم بشير الواسطي حتى توفي 183هـ فظل يطلب 186هـ ثم برحلاته فرحل العراق والحجاز وتهامة واليمن وأخذ والمحدثين وعندما بلغ أربعين عاماً 204هـ جلس للتحديث والإفتاء الناس يجتمعون درسه يبلغ عددهم قرابة خمسة آلاف اشتُهر بصبره المحنة التي وقعت به والتي عُرفت باسم "فتنة خلق القرآن" وهي فتنة العباسي عهد الخليفة المأمون المعتصم والواثق بعده إذ اعتقد هؤلاء الخلفاء أن القرآن مخلوق محدَث وهو رأي المعتزلة ولكن وغيره خالفوا فحُبس وعُذب أُخرج السجن وعاد التحديث والتدريس الواثق مُنع الاجتماع بالناس فلما تولى المتوكل الحكمَ أنهى تلك الفتنة إنهاءً كاملاً شهر ربيع الأول مرض مات عمره سبعاً وسبعين سبب بأحمد هو دعا الفقهاء يقولوا مقالته فيقولوا إن كما يقول أصحابه الذين اختار وزراءه وصفوته لم يوافق رأيه ولم ينطق بمثل بل كان كلام أدى نزول الأذى الشديد والذي ابتدأ عصر توالى بوصية واتباعاً لمسلكه واستمر حبسه ثمانية وعشرين شهراً في المأمون لما الخلافة أحاط جل حاشيته رجالهم وأدناهم إليه وقرَّبهم نحوه وأكرمهم أبلغ الإكرام والسبب الميل أنه تلميذاً لأبي الهذيل العلاف الأديان والمقالات وأبو رؤوس ولما عقد المجالس للمناظرات والمناقشات المقالات والنحل هم السابقين والبارزين الخصوم لِما اختصوا دراسات عقلية واسعة فكان لهم أثر كبير نفس يجتبي يشاء لصحبته ويختار يريد لوزارته وخص أبي دؤاد بالرعاية والعطف والتقريب إنه أوصى أخاه بإشراكه معه أمره فقد قال وصيته: «وأبو فلا يفارقك وأشركه المشورة كل أمرك فإنه موضع لذلك منك» ولما أحس بهذه المنزلة زينوا له إعلان قوله نشراً لمذهبهم وليكتسبوا إجلال العامة واحترامهم فأعلن 212هـ وناظر يغشى مجلس مناظرته هذا الشأن وأدلى بحججه وأدلته وترك أحراراً عقائدهم لا يُحملون فكرة يرونها عقيدة يستسيغون الخوض شأنها 218هـ بدا يدعو بقوة السلطان اعتناق فأراد يحملهم قهراً فابتدأ بإرسال كتبه بالرقة نائبه إسحاق إبراهيم يأمره بامتحان ليحملهم جاء أول أرسله بغداد: «فاجمع بحضرتك القضاة واقرأ عليهم أمير المؤمنين إليك فابدأ بامتحانهم فيما يقولون وتكشيفهم عما يعتقدون وإحداثه وأعلمهم غير مستعين عمله واثق فيمن قلده واستحفظه رعيته بمن يوثق بدينه وخلوص توحيده ويقينه فإذا أقروا بذلك ووافقوا فيه وكانوا سبيل الهدى والنجاة فمرهم بنص يحضرهم الشهود ومسألتهم علمهم شهادة يقر محدث يره والامتناع توقيعها عنده واكتب بما يأتيك قضاة عملك مسألتهم والأمر أشرف وتفقد آثارهم تنفذ إلا بشهادة البصائر الدين والإخلاص للتوحيد » وقعت وأدَّت إيذاء أشهرهم حنبل فأحضر وكل تصدى للفتوى والتعليم والإرشاد فاختبرهم وامتحنهم وأرسل إجاباتهم مسألته فأرسل كتاباً يبين سخف هذه الإجابات نظره ويجرح المجيبين ذكر الكتاب عقوبات لمن يقل أمر بحمل موثقاً سارع تنفيذ رغبته فأحضر المحدثين والفقهاء والمفتين وفيهم وأنذرهم بالعقوبة الصارمة والعذاب العتيد يقروا ويحكموا بالحكم الذي ارتآه تردد أو مراجعة فنطقوا جميعاً وأعلنوا أربعة أصروا موقفهم إصراراً جريئاً وهم: ومحمد نوح والقواريري وسجادة فشُدوا الوثاق وكبلوا بالحديد وباتوا ليلتهم مصفدين الأغلال الغد أجاب سجادة فخلوا عنه وفكوا قيوده الباقون حالهم اليوم التالي أعيد السؤال وطلب الجواب إليهم فخارت القواريري وأجابهم ما طلبوا ففكوا وبقي اثنان فسيقا الحديد ليلتقيا بالمأمون طرسوس الطريق وأما أجابوا يواجهوا فقدموا كفلاء بأنفسهم ليوافوه بطرسوس وبينما ولكنه يودِّع الدنيا يوصي بالاستمساك بمذهبه ودعوة وبسبب الوصية فإن تنقطع بوفاة اتسع نطاقها وزادت ويلاتها شراً مستطيراً المتوقفين الزهاد والعلماء وعلى رأسهم البلاء أشده والمحنة أقصاها المعتصم لم يكن رجل علم سيف فترك لأحمد يدبر الأمر لينفذ وصية وأحمد صاحب الفكرة حمل القول وعنف الامتحان وإنزال والسجن والتقييد ووضع الاغلال تبين قد عندما مقيداً مسوقاً فأعيد ببغداد يصدر شأنه سيق واتُّخذت ذرائع الإغراء والإرهاب فما أجدى حمله ترغيب ترهيب فنفذوا الوعيد فأخذوا يضربونه بالسياط المرة بعد الأخرى يُترك مرة يغمى وينخس بالسيف يحس وتكرر نحواً استيئسوا منه وثارت نفوسهم بعض نوازع الرحمة أطلقوا سراحه وأعادوه بيته أثخنته الجراح وأثقله الضرب المبرح المتوالي والإلقاء غيابات وبعد عاد استقر يقوى السير منقطعاً الدرس والتحديث ريثما التأمت جراحه واستطاع يخرج المسجد رُدت العافية وذهبت وعثاء جسمه وإن تركت آثاراً وندوباً وأوجاعاً أجزائه مكث يُحدِّث ويُدرس بالمسجد الواثق لما الحكم أعاد يتناول السوط ويضربه فعل رأى زاده منزلة وزاد فكرته ذيوعاً ومنع دعوة تَذيع وتفشو فوق ترتب سخط ونقمة مَن سماهم ابنُ "حشو الأمة" ولذلك يُرِد يعيد الجسمي منعه فقط وقال له: «لا تجمعن تساكني بلد أنا فيه» فأقام مختفياً صلاة غيرها وبذلك يكون انقطع الدراسة مدة تزيد خمس سنوات 232هـ وبعدها مكرماً عزيزاً ترفعه عزة التقى وجلال السن والقناعة والزهادة وحسن وينبغي الذكر تكن مقصورة سبق غيره الصبر تجاوزته يساقون الأمصار ليُختبروا المسألة وممن نزل ذلك: يوسف يحيى البويطي الفقيه المصري حُمل مقيَّداً مغلولاً أصفاده ومنهم نعيم حماد سجن رُوي رجع آخر حياته إنزال يرى الرأي وذلك بسبب مناظرة جرت بين يديه الأَولى تركُ امتحان المتوكل ولي فقام بإنهاء بأهل القائلين بأن التيمي قاضي البصرة: «الخلفاء ثلاثة: بكر الصديق قاتلَ الردة استجابوا وعمر العزيز ردَّ مظالم بني أمية والمتوكل محا البدع وأظهر السنة» الجوزي: «أطفأ نيران البدعة وأوقد مصابيح ثم بعث مضي سنين ولايته بتسيير خرج رُدَّ وولي مكانه ابنه فنَقل أعداء يُخفي أحفاد طالب فكتب إسحاق: «أن وجِّه عندك طلبة (يعني المتآمرين إسقاطه)» فحُلِّف أحد أولئك وفُتش منزله ومنزل صالح فلم يجدوا فثبتت براءة أرسل يُخيِّره يفعل بالمحرضين أحمد: جاءني خاقان فقال لي: «إن جاءه فيه: يُقرئك السلام ويقول لك: لو سَلِم سَلمتَ أنت ها هنا رفع عليك أيدينا محبوس علوياً توجَّه قِبل خراسان بعثت برجل أصحابك يتلقاه ذا شئتَ ضربتُه حبستُه بعثتُ إليك» قال: «فقلت أعرف مما شيئاً أرى تطلقوه تعرضوا له» فقيل للإمام «سفك دمه أشاط بدمائكم» فقال: «ما أراد استئصالنا قلت: لعل والدة أخوات بنات تخلوا سبيله الجهم بالخروج يعقوب حجاب ليتلقى جائزة ونصحه بأخذ الجائزة يُبعد الشبهة نفسه فذهب يعقوب: «يا أبا يقرأ ويقول: صحَّ عندنا نقاء ساحتك أحببت آنس بقربك وأن أتبرك بدعائك وجهت عشرة درهم معونة سفرك» وأخرج بدرة صرة ينظر إليها فشدّها وبعثها فوزعها أبناء المهاجرين والأنصار وغيرهم يبق منها شيء وكتب البريد تصدق بالدراهم يومه بالكيس معيشته ومصادر رزقه عاش فقيراً مكدوداً محدوداً يعش مجدوداً مال وفير يؤثر الخصاصة يعرف حلال خالص منة العطاء وكثيراً تضطره حاله يعمل بيديه ليكسب يؤجر عمل يعمله إذا يقبل يعيش غلة عقار تركه أبوه ويظهر دكاكين يؤجرها تجعله بحبوحة العيش فإنها تسد خلته وتدفع حاجته والأخبار متضاربة أنها كبيرة ضئيلة مقدارها «وكانت غلته ملك سبعة عشر درهماً ينفقها عياله ويتقنع رحمة صابراً محتسباً» ويُروى رجلاً سأل العقار يستغله ويسكن داراً كيف «هذا ورثته فصحح خرجت ودفعته إليه» وكان يرضى يأخذ عطاءً معونةً ولقد تشتد الحال أحياناً تكفي الغلة لنفقات وتنزل العسرة يتحملها وتعلو الاحتمال سفر وانقطع الزاد يهن يضعف ويتعب أيضاً راحة القلة المال أسخى يده يستطيع حريصاً متشدداً ماله حلالاً طيباً الزكاة يبالغ الإيجاب فيختار أشد الأقوال يدفع زكاة عقاره يغل يسكنه مستأنساً بفتوى لعمر الخطاب فتح سواد يتعفف يبعده درجة النفور فعندما الثانية أقام ونشر مذهبه التزم مجلسه يفارقه لطلب حديث السفر الحضر ولاحظ يرحل اليمن الرزاق همام يلاحظ الشقة وعظم المشقة يعانيها الرحلة قلة الخليفةُ الأمين كلَّف يختار قاضياً لليمن فوجد التسهيل ليَسهُل السماع مشقة فعرض فرفض فكرر العرض للشافعي وله التجلة والاحترام: سمعتُ منك ثانياً ترني عندك» دفع شيخ شيوخ عصره مالاً ليقسمه أصحاب لأن فيهم ضعفاء يعينهم خصصوا أنفسهم بقي أخذ عدا يرد عطاء ولو ليوزعه الحاجة والمعوزين وجه ألف دينار ليوزعها «أنا البيت منقطع أعفاني أكره وهذا أكره» مرضه ووفاته ومدفنه قال واصفاً مرضَ أبيه قُبيل وفاته: «لما يوم إحدى وأربعين ومئتين حُمَّ ليلة الأربعاء فدخلتُ محموم يتنفس تنفساً شديداً وكنت عرفت علته أمرِّضُه اعتل فقلت أبة علام أفطرت البارحة؟» «على ماء باقلَّاء» القيام «خذ بيدي» فأخذت بيده صار الخلاء ضعفت رجلاه توكأ يختلف غيرُ متطبب كلهم مسلمون فوصف يُقال الرحمن قَرعةً تُشوى ويُسقى ماءها الثلاثاء وتوفي الجمعة صالح» «لبيك» منزلك منزل أخيك» وصار الفتح سهل الباب ليعوده فحجبته وأتى الجعد وكثُر فقلت: أبةِ كثر الناس» «فأي ترى؟» «تأذن فيدعون لك» «أستخير الله» فجعلوا يدخلون أفواجاً تمتلئ الدار فيسألونه ويدعون يخرجون ويدخل فوج وكثر وامتلأ الشارع وأغلقنا باب الزقاق وجاء جيراننا خضب فدخل «إني لأرى الرجلَ يُحيي فأفرح به» فجعل يقول: «له ولجميع المسلمين» «تلطَّفْ لي بالإذن فإني حضرت ضربه وأريد أستحله» «فأمسك» أزل «أدخله» فأدخلته وجعل يبكي وقال: كنت ممن حضر ضربك أتيتك أحببتَ القِصاص فأنا يديك رأيتَ تُحلَّني فعلت» تعود لمثل ذلك» «نعم» «قد جعلتك حل» فخرج وبكى خُريقة قُطيعات الشيء أعطينا يشتري وأنا عنده: «انظر خريقتي شيء؟» فنظرت «وجِّه فاقتَضِ السكان» فوجهت فأعطيت فاشتر تمراً وكفِّر عني كفارة يمين» فاشتريت وكفرت يمين ثلاثة دراهم نحو فأخبرته «الحمد لله» «اقرأ الوصية» فقرأتها فأقرَّها » ومات وقت الضحى الثاني سبع ودُفن حنبل: «توفي ضحوة ودفناه لاثنتي خلت وأربعين» ودفن مقبرة حرب أكده العديد المؤرخين الخطيب البغدادي تاريخ وياقوت الحموي وابن الجوزي المنتظم وباب الربض الواقع شمال غرب الكاظمية الحالية والمتواتر نقل رفات أيام فيضان نهر دجلة 1937م مسجد عارف أغا منطقة الحيدرخانة بالقرب جامع حسن باشا "ضريح حنبل" التراجم والأعلام مجاناً PDF اونلاين سير حياة الأعلام عبر العصور دقيق يبحث أحوال الشخصيات والأفراد تركوا آثارا المجتمع ويتناول كافة طبقات الأنبياء والخلفاء والملوك والأمراء والقادة شتى المجالات والأدباء والشعراء والفلاسفة ويهتم بذكر حياتهم الشخصية ومواقفهم وأثرهم الحياة وتأثيرهم ويعتبر عموما فرعا فروع التاريخ اهتم المسلمون بعلم اهتماما كبيرا بدأت العناية بهذا عندهم الرسول صلى وسلم بزمن يسير حيث حرص حماية وصيانة المصدر مصادر التشريع الإسلام حرصوا صيانته الكذب والتزوير والغش والتلفيق والدس فنشأ كقاعدة تلقّي الأخبار وبالأخص يتعلق بالحديث أولا ومن الآثار المروية الصحابة والتابعين وباقي خصوصا والناس روى صحيحه مجاهد «جاء العدوي عباس يحدث رسول يأذن لحديثه يا مالي أراك تسمع لحديثي؟ أحدثك تسمع؟ عباس: إنا كنا سمعنا رجلا ابتدرته أبصارنا وأصغينا بآذاننا ركب الصعب والذلول نأخذ نعرف » واستمر العمل القاعدة ضرورة معرفة الرجال ناقلي حال نقلة النبوية لما ينبني المعرفة قبول والتعبد لله تعالى رد والحذر اعتبارها ديناً وروى سيرين «لم يكونوا يسألون الإسناد قالوا سموا لنا رجالكم فينظر فيؤخذ حديثهم وينظر يؤخذ حديثهم» وجاءت عبارات بيان أهمية الرواة صريحة وواضحة الأهمية بمكان البحث نواح تفصيلية الراوي ونواح استنتاجية (تُستنتج حديثه وطريقته التحديث) مباحث العلم: ميلاد وتاريخ طلبه للعلم سمع سِنِيِّ الشيوخ عنهم (من حدث سماعاً دلس عنه) ملازمته لكلّ شيوخه وكيف ذاك وكم الأحاديث والآثار روى ذلك؛ وهل الضعفاء والمجاهيل؟ ورحلاته العلمية حدّث به؛ ومتى يحدِّث؟ حفظه أم كتابه؛ سماعٌ عرض؛ المستملون والوراقون استخدمهم؟) إقبال عدد الحاضرين عنده؟ هي الأوهام وقع والسَّقطات أُخذت عليه؟ أخلاق وعبادته ومهنته؛ أجراً التحديث؟ عسِراً سمحاً متساهلاً ؟ وتفرّع وانبثق علوم كثيرة متعلّقة تفرّدته الأمة الإسلامية باقي الأمم وعلم مصطلح ناحية العدالة والتوثيق والضبط العلل الجرح والتعديل وغيرها أقسام التراجم هنالك تقسيمات متنوعة لعلم والكتب العديدة المؤلفة فمنها: التراجم الطبقات التراجم الحروف الوفيات القرون البلدان وقسّمهم البعض الآخر أبواب مختلفة منها: التراجم المتعلقة معيّن المتعلّقة بمذهب بفنّ بشخص الترجمة الذاتية وقد أسهب التأليف الأبواب يكاد يخلوا وصنّفت عشرات الكتب وهذا ركن خاص بكتب مجانيه للتحميل وتراجم ومذكرات فيشمل الكثير حول المجال

إنضم الآن وتصفح بدون إعلانات
ترجمة الإمام أحمد بن حنبل وقصته مع المسند وبيان الجهود المبذولة في خدمته
كتاب

ترجمة الإمام أحمد بن حنبل وقصته مع المسند وبيان الجهود المبذولة في خدمته

ــ عماد علي عبد السميع حسين

صدر 2008م عن دار الإيمان للطبع والنشر والتوزيع
ترجمة الإمام أحمد بن حنبل وقصته مع المسند وبيان الجهود المبذولة في خدمته
كتاب

ترجمة الإمام أحمد بن حنبل وقصته مع المسند وبيان الجهود المبذولة في خدمته

ــ عماد علي عبد السميع حسين

صدر 2008م عن دار الإيمان للطبع والنشر والتوزيع
عن كتاب ترجمة الإمام أحمد بن حنبل وقصته مع المسند وبيان الجهود المبذولة في خدمته:
أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الذهلي (164-241هـ / 780-855م) فقيه ومحدِّث مسلم، ورابع الأئمة الأربعة عند أهل السنة والجماعة، وصاحب المذهب الحنبلي في الفقه الإسلامي. اشتُهر بعلمه الغزير وحفظه القوي، وكان معروفاً بالأخلاق الحسنة كالصبر والتواضع والتسامح، وقد أثنى عليه كثير من العلماء منهم الإمام الشافعي بقوله: «خرجتُ من بغداد وما خلَّفتُ بها أحداً أورع ولا أتقى ولا أفقه من أحمد بن حنبل»، ويُعدُّ كتابه "المسند" من أشهر كتب الحديث وأوسعها.

وُلد أحمد بن حنبل سنة 164هـ في بغداد ونشأ فيها يتيماً، وقد كانت بغداد في ذلك العصر حاضرة العالم الإسلامي، تزخر بأنواع المعارف والفنون المختلفة، وكانت أسرة أحمد بن حنبل توجهه إلى طلب العلم، وفي سنة 179هـ بدأ ابن حنبل يتَّجه إلى الحديث النبوي، فبدأ يطلبه في بغداد عند شيخه هُشَيم بن بشير الواسطي حتى توفي سنة 183هـ، فظل في بغداد يطلب الحديث حتى سنة 186هـ، ثم بدأ برحلاته في طلب الحديث، فرحل إلى العراق والحجاز وتهامة واليمن، وأخذ عن كثير من العلماء والمحدثين، وعندما بلغ أربعين عاماً في سنة 204هـ جلس للتحديث والإفتاء في بغداد، وكان الناس يجتمعون على درسه حتى يبلغ عددهم قرابة خمسة آلاف.

اشتُهر ابن حنبل بصبره على المحنة التي وقعت به والتي عُرفت باسم "فتنة خلق القرآن"، وهي فتنة وقعت في العصر العباسي في عهد الخليفة المأمون، ثم المعتصم والواثق من بعده، إذ اعتقد هؤلاء الخلفاء أن القرآن مخلوق محدَث، وهو رأي المعتزلة، ولكن ابن حنبل وغيره من العلماء خالفوا ذلك، فحُبس ابن حنبل وعُذب، ثم أُخرج من السجن وعاد إلى التحديث والتدريس، وفي عهد الواثق مُنع من الاجتماع بالناس، فلما تولى المتوكل الحكمَ أنهى تلك الفتنة إنهاءً كاملاً. وفي شهر ربيع الأول سنة 241هـ، مرض أحمد بن حنبل ثم مات، وكان عمره سبعاً وسبعين سنة.

سبب المحنة التي وقعت بأحمد بن حنبل هو أن الخليفة المأمون دعا الفقهاء والمحدثين أن يقولوا مقالته في خلق القرآن، فيقولوا إن القرآن مخلوق محدَث، كما يقول أصحابه من المعتزلة الذين اختار منهم وزراءه وصفوته، ولكن أحمد بن حنبل لم يوافق المأمون في رأيه، ولم ينطق بمثل مقالته بل كان يقول إن القرآن كلام الله، وقد أدى ذلك إلى نزول الأذى الشديد به، والذي ابتدأ في عصر المأمون ثم توالى في عصر المعتصم والواثق بوصية من المأمون واتباعاً لمسلكه. واستمر حبسه ثمانية وعشرين شهراً.

في عهد المأمون
لما تولى المأمون الخلافة أحاط به المعتزلة، وكان جل حاشيته من رجالهم، وأدناهم إليه وقرَّبهم نحوه وأكرمهم أبلغ الإكرام، والسبب في ذلك الميل أنه كان تلميذاً لأبي الهذيل العلاف في الأديان والمقالات، وأبو الهذيل من رؤوس المعتزلة. ولما عقد المأمون المجالس للمناظرات والمناقشات في المقالات والنحل كان المعتزلة هم السابقين والبارزين على الخصوم، لِما اختصوا به من دراسات عقلية واسعة، فكان لهم أثر كبير في نفس المأمون، يجتبي منهم من يشاء لصحبته، ويختار منهم من يريد لوزارته، وخص منهم أحمد بن أبي دؤاد بالرعاية والعطف والتقريب، حتى إنه أوصى أخاه المعتصم بإشراكه معه في أمره، فقد قال في وصيته: «وأبو عبد الله بن أبي دؤاد، فلا يفارقك، وأشركه في المشورة في كل أمرك فإنه موضع لذلك منك».

ولما أحس المعتزلة بهذه المنزلة، زينوا له إعلان قوله في خلق القرآن نشراً لمذهبهم وليكتسبوا إجلال العامة واحترامهم، فأعلن ذلك سنة 212هـ، وناظر من يغشى مجلس مناظرته في هذا الشأن، وأدلى فيها بحججه وأدلته، وترك الناس أحراراً في عقائدهم، لا يُحملون على فكرة لا يرونها، ولا عقيدة لا يستسيغون الخوض في شأنها. ولكن في سنة 218هـ، وهي السنة التي توفي فيها، بدا له أن يدعو الناس بقوة السلطان إلى اعتناق فكرة خلق القرآن، فأراد أن يحملهم على ذلك قهراً، فابتدأ ذلك بإرسال كتبه وهو بالرقة إلى نائبه في بغداد إسحاق بن إبراهيم يأمره بامتحان الفقهاء والمحدثين، ليحملهم على أن يقولوا إن القرآن مخلوق، فقد جاء في أول كتاب أرسله إلى نائبه في بغداد:

«فاجمع من بحضرتك من القضاة، واقرأ عليهم كتاب أمير المؤمنين إليك، فابدأ بامتحانهم فيما يقولون، وتكشيفهم عما يعتقدون في خلق القرآن وإحداثه، وأعلمهم أن أمير المؤمنين غير مستعين في عمله ولا واثق فيمن قلده واستحفظه من رعيته بمن لا يوثق بدينه، وخلوص توحيده ويقينه، فإذا أقروا بذلك ووافقوا أمير المؤمنين فيه، وكانوا على سبيل الهدى والنجاة فمرهم بنص من يحضرهم من الشهود على الناس، ومسألتهم عن علمهم في القرآن، وترك شهادة من لم يقر أنه مخلوق محدث ولم يره، والامتناع عن توقيعها عنده، واكتب إلى أمير المؤمنين بما يأتيك عن قضاة أهل عملك في مسألتهم، والأمر لهم بمثل ذلك، ثم أشرف عليهم وتفقد آثارهم حتى لا تنفذ الله إلا بشهادة أهل البصائر في الدين، والإخلاص للتوحيد.»

وقعت فتنة خلق القرآن في العصر العباسي، وأدَّت إلى إيذاء كثير من العلماء أشهرهم أحمد بن حنبل
فأحضر إسحاق بن إبراهيم القضاة والمحدثين وكل من تصدى للفتوى والتعليم والإرشاد، فاختبرهم وامتحنهم، وأرسل إجاباتهم عن مسألته في خلق القرآن إلى المأمون، فأرسل المأمون كتاباً يبين سخف هذه الإجابات في نظره، ويجرح المجيبين، ثم ذكر في هذا الكتاب عقوبات لمن لم يقل مقالته، إذ أمر بحمل من لم يقل ذلك إليه موثقاً. وقد سارع إسحاق بن إبراهيم إلى تنفيذ رغبته، فأحضر المحدثين والفقهاء والمفتين، وفيهم أحمد بن حنبل، وأنذرهم بالعقوبة الصارمة والعذاب العتيد إن لم يقروا بما طلب منهم، ويحكموا بالحكم الذي ارتآه المأمون من غير تردد أو مراجعة، فنطقوا جميعاً بما طلب منهم وأعلنوا اعتناق ذلك المذهب إلا أربعة منهم أصروا على موقفهم إصراراً جريئاً، وهم: أحمد بن حنبل، ومحمد بن نوح، والقواريري، وسجادة، فشُدوا في الوثاق، وكبلوا بالحديد، وباتوا ليلتهم مصفدين في الأغلال، فلما كان الغد أجاب سجادة إسحاق فيما يدعو إليه، فخلوا عنه وفكوا قيوده، واستمر الباقون على حالهم، وفي اليوم التالي، أعيد السؤال عليهم، وطلب الجواب إليهم، فخارت نفس القواريري وأجابهم إلى ما طلبوا ففكوا قيوده، وبقي اثنان، فسيقا في الحديد ليلتقيا بالمأمون في طرسوس، وقد توفي محمد بن نوح في الطريق. وأما الذين أجابوا فقد طلب منهم أن يواجهوا المأمون أحراراً، فقدموا كفلاء بأنفسهم ليوافوه بطرسوس.

وبينما هم في الطريق توفي المأمون، ولكنه لم يودِّع الدنيا من غير أن يوصي أخاه المعتصم بالاستمساك بمذهبه في القرآن، ودعوة الناس إليه بقوة السلطان، وبسبب هذه الوصية فإن المحنة لم تنقطع بوفاة المأمون، بل اتسع نطاقها وزادت ويلاتها، وكانت شراً مستطيراً على المتوقفين من الزهاد والعلماء والفقهاء والمحدثين، وعلى رأسهم أحمد بن حنبل، فقد بلغ البلاء أشده والمحنة أقصاها في عهد المعتصم، ثم في عهد الواثق.

في عهد المعتصم
لم يكن المعتصم رجل علم بل كان رجل سيف، فترك أمر خلق القرآن لأحمد بن أبي دؤاد يدبر الأمر فيه، لينفذ وصية المأمون في ذلك، وأحمد بن أبي دؤاد هذا هو صاحب الفكرة في حمل الناس على ذلك القول بقوة السلطان وعنف الامتحان، وإنزال البلاء والسجن والتقييد ووضع الاغلال.

تبين أن المأمون قد مات عندما كان أحمد بن حنبل مقيداً مسوقاً، فأعيد إلى السجن ببغداد حتى يصدر في شأنه أمر، ثم سيق إلى المعتصم، واتُّخذت معه ذرائع الإغراء والإرهاب، فما أجدى في حمله ترغيب ولا ترهيب، فنفذوا الوعيد، فأخذوا يضربونه بالسياط المرة بعد الأخرى، ولم يُترك في كل مرة حتى يغمى عليه، وينخس بالسيف فلا يحس، وتكرر ذلك مع حبسه نحواً من ثمانية وعشرين شهراً، فلما استيئسوا منه وثارت في نفوسهم بعض نوازع الرحمة أطلقوا سراحه وأعادوه إلى بيته وقد أثخنته الجراح، وأثقله الضرب المبرح المتوالي والإلقاء في غيابات السجن. وبعد أن عاد أحمد بن حنبل إلى بيته استقر فيه، وكان لا يقوى على السير، واستمر منقطعاً عن الدرس والتحديث ريثما التأمت جراحه، واستطاع أن يخرج إلى المسجد، فلما رُدت إليه العافية وذهبت وعثاء هذه المحنة عن جسمه، وإن كانت قد تركت آثاراً وندوباً فيه وأوجاعاً في بعض أجزائه، مكث يُحدِّث ويُدرس بالمسجد حتى مات المعتصم.

في عهد الواثق
لما تولى الواثق الحكم أعاد المحنة على أحمد بن حنبل، ولكنه لم يتناول السوط ويضربه كما فعل المعتصم، إذ رأى أن ذلك زاده منزلة عند الناس، وزاد فكرته ذيوعاً، ومنع دعوة الخليفة أن تَذيع وتفشو، فوق ما ترتب على ذلك من سخط العامة ونقمة مَن سماهم ابنُ أبي دؤاد "حشو الأمة"، ولذلك لم يُرِد أحمد بن أبي دؤاد والواثق من بعد المعتصم أن يعيد الأذى الجسمي، بل منعه فقط من الاجتماع بالناس، وقال الواثق له: «لا تجمعن إليك أحداً ولا تساكني في بلد أنا فيه»، فأقام ابن حنبل مختفياً لا يخرج إلى صلاة ولا غيرها، حتى مات الواثق، وبذلك يكون أحمد بن حنبل قد انقطع عن الدراسة مدة تزيد عن خمس سنوات إلى سنة 232هـ، وبعدها عاد إلى الدرس والتحديث مكرماً عزيزاً ترفعه عزة التقى وجلال السن والقناعة والزهادة وحسن البلاء.

وينبغي الذكر أن المحنة لم تكن مقصورة على أحمد بن حنبل وإن كان قد سبق غيره إلى الصبر، بل تجاوزته إلى غيره، وكان الفقهاء يساقون من الأمصار إلى بغداد ليُختبروا في هذه المسألة، وممن نزل به من ذلك: يوسف بن يحيى البويطي الفقيه المصري صاحب الإمام الشافعي، فقد حُمل مقيَّداً مغلولاً حتى مات في أصفاده، ومنهم نعيم بن حماد، فقد مات في سجن الواثق مقيداً لذلك، وقد رُوي أن الواثق رجع في آخر حياته عن إنزال المحنة بمن لا يرى هذا الرأي، وذلك بسبب مناظرة جرت بين يديه رأى بها أن الأَولى تركُ امتحان الناس فيما يعتقدون.

في عهد المتوكل
ولي الخليفة المتوكل بعد الواثق سنة 232هـ، فقام بإنهاء تلك المحنة التي وقعت بأهل السنة القائلين بأن القرآن غير مخلوق، حتى قال فيه إبراهيم بن محمد التيمي قاضي البصرة: «الخلفاء ثلاثة: أبو بكر الصديق قاتلَ أهل الردة حتى استجابوا له، وعمر بن عبد العزيز ردَّ مظالم بني أمية، والمتوكل محا البدع وأظهر السنة»، وقال ابن الجوزي: «أطفأ المتوكل نيران البدعة، وأوقد مصابيح السنة».

ثم بعث المتوكل بعد مضي خمس سنين من ولايته بتسيير أحمد بن حنبل إليه، فلما خرج أحمد بن حنبل إلى المتوكل رُدَّ من بعض الطريق، ثم توفي إسحاق بن إبراهيم وولي مكانه ابنه عبد الله بن إسحاق، فنَقل بعض أعداء ابن حنبل إلى المتوكل أن أحمد بن حنبل كان يُخفي بعض أحفاد علي بن أبي طالب عنده، فكتب المتوكل إلى عبد الله بن إسحاق: «أن وجِّه إلى أحمد بن حنبل أن عندك طلبة أمير المؤمنين (يعني المتآمرين على إسقاطه)»، فحُلِّف أحمد بن حنبل أن ما عنده أحد من أولئك، وفُتش منزله ومنزل ابنه صالح فلم يجدوا فيها أحداً، فثبتت بذلك براءة أحمد بن حنبل، ثم أرسل إليه المتوكل يُخيِّره بما يفعل بالمحرضين عليه، قال الإمام أحمد: قد جاءني أبو علي يحيى بن خاقان فقال لي: «إن كتاباً جاءه فيه: إن أمير المؤمنين يُقرئك السلام ويقول لك: لو سَلِم أحد من الناس سَلمتَ أنت، ها هنا رجل قد رفع عليك وهو في أيدينا محبوس، رفع عليك أن علوياً قد توجَّه من قِبل خراسان، وقد بعثت برجل من أصحابك يتلقاه وهو ذا محبوس، فإن شئتَ ضربتُه، وإن شئتَ حبستُه، وإن شئتَ بعثتُ به إليك»، قال: «فقلت له: ما أعرف مما قال شيئاً، أرى أن تطلقوه ولا تعرضوا له»، فقيل للإمام أحمد: «سفك الله دمه، قد أشاط بدمائكم»، فقال: «ما أراد إلا استئصالنا ولكن قلت: لعل له والدة أو أخوات أو بنات، أرى أن تخلوا سبيله ولا تعرضوا له».

ثم بعث علي بن الجهم كتاباً لأحمد بن حنبل يأمره بالخروج إلى يعقوب أحد حجاب المتوكل ليتلقى جائزة من المتوكل، ونصحه بأخذ الجائزة حتى يُبعد الشبهة عن نفسه، فذهب ابن حنبل إلى يعقوب، فقال يعقوب: «يا أبا عبد الله، أمير المؤمنين يقرأ عليك السلام ويقول: قد صحَّ عندنا نقاء ساحتك، وقد أحببت أن آنس بقربك، وأن أتبرك بدعائك، وقد وجهت إليك عشرة آلاف درهم معونة على سفرك»، وأخرج بدرة فيها صرة فلم ينظر ابن حنبل إليها، فشدّها يعقوب وبعثها إليه، فوزعها ابن حنبل على أبناء المهاجرين والأنصار وغيرهم حتى لم يبق منها شيء، وكتب صاحب البريد أنه قد تصدق بالدراهم من يومه حتى تصدق بالكيس.

معيشته ومصادر رزقه
عاش أحمد بن حنبل فقيراً مكدوداً محدوداً، ولم يعش مجدوداً ذا مال وفير، وكان يؤثر الخصاصة على أن يكون ذا مال لا يعرف أنه حلال خالص، أو يكون فيه منة العطاء، وكثيراً ما كانت تضطره حاله أن يعمل بيديه ليكسب، أو أن يؤجر نفسه في عمل يعمله إذا انقطع به الطريق ولم يكن معه مال، وكان يؤثر ذلك على أن يقبل العطاء. وقد كان الإمام أحمد يعيش من غلة عقار قد تركه له أبوه، ويظهر أنه كانت له دكاكين يؤجرها، وإن كانت لا تجعله في بحبوحة من العيش فإنها تسد خلته وتدفع حاجته، والأخبار متضاربة على أنها لم تكن كبيرة بل كانت ضئيلة، وقد ذكر ابن كثير مقدارها فقال: «وكانت غلته من ملك له في كل شهر سبعة عشر درهماً، ينفقها على عياله، ويتقنع بذلك رحمة الله صابراً محتسباً». ويُروى أن رجلاً سأل الإمام أحمد عن العقار الذي كان يستغله ويسكن داراً منه كيف سبيله عنه، فقال له: «هذا شيء قد ورثته عن أبي، فإن جاءني رجل فصحح أنه له خرجت عنه ودفعته إليه».

وكان الإمام أحمد لا يرضى أن يأخذ من أحد عطاءً، ولا أن يقبل منه معونةً، ولقد كانت تشتد به الحال أحياناً، إذ لا تكفي تلك الغلة لنفقات عياله، وتنزل به العسرة فكان يتحملها صابراً، وكانت تلك العسرة تشتد وتعلو عن الاحتمال إذا كان في سفر وانقطع منه الزاد، فكان لا يهن ولا يضعف، ويتعب جسمه أيضاً في سبيل راحة نفسه. وقد كان ابن حنبل مع هذه القلة من المال من أسخى الناس بما في يده وما يستطيع، وكان حريصاً متشدداً في أن يكون ماله حلالاً طيباً، وكان عند الزكاة يبالغ في الإيجاب على نفسه فيختار أشد الأقوال، حتى كان يدفع زكاة عن عقاره الذي يغل والذي يسكنه، مستأنساً بفتوى لعمر بن الخطاب عندما فتح سواد العراق.

وكان أحمد بن حنبل يتعفف عن مال الخلفاء، بل كان يبعده عن نفسه إلى درجة النفور منه، فعندما جاء الإمام الشافعي إلى بغداد في المرة الثانية التي أقام فيها ونشر مذهبه بها، كان ابن حنبل قد التزم مجلسه، وما كان يفارقه إلا لطلب حديث في السفر أو الحضر، ولاحظ الشافعي أن أحمد كان يرحل إلى اليمن لطلب حديث عبد الرزاق بن همام، وكان يلاحظ بعد الشقة وعظم المشقة التي يعانيها الإمام أحمد في هذه الرحلة بسبب قلة المال، وكان الخليفةُ الأمين قد كلَّف الإمام الشافعي أن يختار قاضياً لليمن، فوجد أن من التسهيل على الإمام أحمد أن يكون هو قاضي اليمن، ليَسهُل عليه السماع من عبد الرزاق من غير مشقة، فعرض على أحمد فرفض، فكرر العرض، فقال أحمد للشافعي، وهو شيخه وله منه التجلة والاحترام: «يا أبا عبد الله، إن سمعتُ منك هذا ثانياً لم ترني عندك». ويُروى أيضاً أن المأمون دفع إلى شيخ من شيوخ الحديث في عصره مالاً ليقسمه على أصحاب الحديث لأن فيهم ضعفاء أراد أن يعينهم على ما خصصوا أنفسهم له، فما بقي منهم أحد إلا أخذ ما عدا أحمد بن حنبل. وكان أحمد بن حنبل يرد عطاء الخليفة ولو كان قد أرسله ليوزعه على أهل الحاجة والمعوزين، فقد رُوي أن الخليفة المتوكل وجه إليه ألف دينار ليوزعها على أهل الحاجة فقال: «أنا في البيت منقطع عن الناس، وقد أعفاني أمير المؤمنين مما أكره، وهذا ما أكره».

مرضه ووفاته ومدفنه
قال صالح بن أحمد بن حنبل واصفاً مرضَ أبيه قُبيل وفاته:

«لما كان في أول يوم من شهر ربيع الأول من سنة إحدى وأربعين ومئتين حُمَّ أبي ليلة الأربعاء، فدخلتُ عليه يوم الأربعاء وهو محموم يتنفس تنفساً شديداً، وكنت قد عرفت علته، وكنت أمرِّضُه إذا اعتل، فقلت له: «يا أبة، علام أفطرت البارحة؟»، قال: «على ماء باقلَّاء»، ثم أراد القيام فقال: «خذ بيدي»، فأخذت بيده، فلما صار إلى الخلاء ضعفت رجلاه حتى توكأ علي، وكان يختلف إليه غيرُ متطبب كلهم مسلمون، فوصف له متطبب يُقال له عبد الرحمن قَرعةً تُشوى ويُسقى ماءها، وهذا يوم الثلاثاء، وتوفي يوم الجمعة، فقال: «يا صالح»، قلت: «لبيك»، قال: «لا تُشوى في منزلك ولا منزل عبد الله أخيك». وصار الفتح بن سهل إلى الباب ليعوده فحجبته، وأتى ابن علي بن الجعد فحجبته، وكثُر الناس، فقلت: «يا أبةِ قد كثر الناس»، قال: «فأي شيء ترى؟»، قلت: «تأذن لهم فيدعون لك»، قال: «أستخير الله»، فجعلوا يدخلون عليه أفواجاً حتى تمتلئ الدار، فيسألونه ويدعون له ثم يخرجون ويدخل فوج آخر، وكثر الناس وامتلأ الشارع وأغلقنا باب الزقاق، وجاء رجل من جيراننا قد خضب فدخل عليه فقال: «إني لأرى الرجلَ يُحيي شيئاً من السنة فأفرح به»، فدخل فجعل يدعو له، فجعل يقول: «له ولجميع المسلمين»، وجاء رجل فقال: «تلطَّفْ لي بالإذن عليه، فإني قد حضرت ضربه يوم الدار وأريد أن أستحله»، فقلت له: «فأمسك»، فلم أزل به حتى قال: «أدخله»، فأدخلته، فقام بين يديه وجعل يبكي وقال: «يا أبا عبد الله، أنا كنت ممن حضر ضربك يوم الدار، وقد أتيتك، فإن أحببتَ القِصاص فأنا بين يديك، وإن رأيتَ أن تُحلَّني فعلت»، فقال: «على أن لا تعود لمثل ذلك»، قال: «نعم»، قال: «قد جعلتك في حل»، فخرج يبكي، وبكى من حضر من الناس، وكان له في خُريقة قُطيعات، فإذا أراد الشيء أعطينا من يشتري له، فقال لي يوم الثلاثاء وأنا عنده: «انظر في خريقتي شيء؟»، فنظرت فإذا فيها درهم، فقال: «وجِّه فاقتَضِ بعض السكان»، فوجهت فأعطيت شيئاً، فقال: «وجِّه فاشتر تمراً وكفِّر عني كفارة يمين»، فوجهت فاشتريت وكفرت عنه كفارة يمين، وبقي ثلاثة دراهم أو نحو ذلك، فأخبرته فقال: «الحمد لله»، وقال: «اقرأ علي الوصية»، فقرأتها عليه فأقرَّها.»
ومات أحمد بن حنبل في وقت الضحى من يوم الجمعة في الثاني عشر من شهر ربيع الأول سنة 241هـ، وهو ابن سبع وسبعين سنة، ودُفن بعد العصر، قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: «توفي أبي في يوم الجمعة ضحوة، ودفناه بعد العصر لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول سنة إحدى وأربعين». ودفن في مقبرة باب حرب وهذا ما أكده العديد من المؤرخين منهم الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد وياقوت الحموي وابن الجوزي في المنتظم، وباب حرب هو الربض الواقع شمال غرب الكاظمية الحالية، والمتواتر عند أهل بغداد نقل رفات الإمام أحمد بن حنبل أيام فيضان نهر دجلة سنة 1937م إلى مسجد عارف أغا في منطقة الحيدرخانة ببغداد في مسجد عارف أغا الواقع بالقرب من جامع حسن باشا وقد كتب عليه "ضريح أحمد بن حنبل".
الترتيب:

#5K

0 مشاهدة هذا اليوم

#24K

16 مشاهدة هذا الشهر

#35K

7K إجمالي المشاهدات
عدد الصفحات: 255.
المتجر أماكن الشراء
عماد علي عبد السميع حسين ✍️ المؤلف
مناقشات ومراجعات
دار الإيمان للطبع والنشر والتوزيع 🏛 الناشر
QR Code
أماكن الشراء: عفواً ، لا يوجد روابط مُسجّلة حاليا لشراء الكتاب من المتاجر الإلكترونية
نتيجة البحث