📘 ❞ رحلتي الفكرية في البذور والجذور والثمر ❝ كتاب ــ عبد الوهاب المسيري اصدار 2000

كتب السير و المذكرات - 📖 كتاب ❞ رحلتي الفكرية في البذور والجذور والثمر ❝ ــ عبد الوهاب المسيري 📖

█ _ عبد الوهاب المسيري 2000 حصريا كتاب ❞ رحلتي الفكرية البذور والجذور والثمر ❝ عن دار الشروق للنشر والتوزيع: مصر لبنان 2024 والثمر: بسم الله الرحمن الرحيم وصلَى من بُعث رحمة للعالمين ونورًا للصِّراط المستقيم الذي جعل الحياة الطيّبة لمن اتبع نبيّه والذلة والهوان والصغار خالفه يزخرُ التاريخ بالأحداث يحدث الأمر أولًا ثم يؤثر أطباع الناس وأفكارهم أم أنّ وتغيُّراتها هي ما تصنع الأحداث؟ البدء كانت البيضة الدجاجة؟ لطالما أهمَّت الدوافع الإنسان وكان تساؤله حولها الدواعي والأفكار التي تُسيِّر المرء؟ حقيقة وكُنه الفكرة تدور العقل البشري تجعلنا نتصرف بهذا النحو سواءً كان الفعل فرديًا جماعيًا؟ يعدُّ “رحلتي لعبد المسيري” – مثلما قال سيرة ذاتية غير موضوعية وهنا يكمن سحر الكتاب باختصار مجحف هذا هو تحليل كامل للأحداث ومن خلفها الأفكار المُسبِّبة لها خاطر إلى تبلورها مرت حياته وتحليلاته ورأيه خلفيتها ودوافعها النفسية هذه المراجعة محاولة محتومٌ عليها بالفشل تعريف بمجمل عظيم لا يسعفه وقته لقراءته كاملًا حاولتُ كثير المواضع ذكر فكرة بطريقة أخرى لكن يأبى أسلوبه مثيلًا له ستجد غالبية كلام مقتبسًا لذا تلطيفًا لهذا الفشل؛ لنقل إنّ هذه “تشويقة” لقراءة لأنّ معرفة النهائية يُنقص متعة قراءة تطورها دمنهور رحابة البساطة يبدأ بذكر البيئة تكوّنت فيها أفكاره أصلُها وبذورها كانت دمنهور نشأته وتعليمه حتّى الثانوية نشأ عائلة ميسورة الحال حيث والده تاجرًا تربَّى مجتمعٍ تقليدي محافظ تحكمه العادات يذكر حسنها والتقاليد نظمت المجتمع وضبطته رحمه معجبًا بقوة أمه وحكمتها وارتباطها الوثيق بعائلتها خلال سيرته وفي أكثر موضع تناول شؤون العائلة وبشكل أخص دور الأمِّ عمل المرأة والمقارنة بين وضعها الماضي وحاضره تحليله لكلاَ النموذجين ونظرته المتوازنة والواقعية أدى اعتقاده الجازم شريَن أحلاهما مُر لابد أن يكون لهما ثالث يقول: ” وأرجو يفهم أقول أنّني أدعو العودة كل أودُّ تأكيده المجتمعات التقليدية تحوي منظومات قيمية وجمالية لم يؤد تقويضها وتدميرها بالضرورة مزيد السعادة كما الإشارة الأشكال الحضارية الحديثة (عادةً مستوردة) ليست الوحيدة بل هناك أشكال قد تكون ثراءً وأكثر دفئًا والأهم أنّها تجذّرًا وضياع مثل خسارة حقيقية يذكرنا بالماضي الجميل بحديثه بعض ذكريات طفولته “كان إيقاع هادئًا فكان عندنا دائمًا متسع الوقت” متسع الوقت يا رب السّماء والأرض الوقت! قد الجملة أعلاه عادية نظر البعض لكنها تشي باستقرار وطمأنينة وسُكون بَترَه القرن الواحد والعشرين الجميع مشغول فعلًا كلِّ شيء جميع الأعمار والطبقات والأشخاص مشغولون الدوام لهثٌ بلا أيِّ توقف يذكر الحالة بوضوح عندما قال: نجد يوم الحديث يبدد تمامًا ويجرد أي إنساني إنّه يهدد الأسرية ذاتها “ أولع بالتاريخ وانشغل به وسبب الشغف الانشغال يجعل المرء يرى حاضره “بحسبانه نقطة يلتقي والمستقبل وألاّ يُتصور أنّه عالَم بسيط يمكن اختزاله قانون أو قانونين وإنّما يراه عدسات وبؤر وذكريات وتقاليد ورموز” تأمل أبسط الأحداث والعادات الاجتماعية سترى جوهرها! الإسكندرية الزائغة التحق بقسم اللغة الإنجليزية جامعة الإسكندرية لإكمال تعليمه الجامعي لك تتخيَّل النقلة القرية المصرية بالاسم والموقع فقط وأثرُ ذلك يحكي حياة “جوٌّ كوزموبوليتاني زائغ جذور يُثري ويمكن يَبتلعه “ يذكر تنوعها وثراءها الاجتماعي والثقافي إضافةً أنّ” التدريس يأخذ شكل محاضرات دروس إملاء” وكانت الأسئلة الامتحانات تتطلب إجابة يُعمل عقله وخياله يجتر قاله الأساتذة قبل ” وهنا يأتي تساؤل الغالبية العظمى طلاب جامعاتنا: الجدوى حضور المحاضرة إن جُلُّ يفعله المدرس المنهج؟ القيمة المضافة للمدرّس أمور إضافية خارجية مهمة المجال وإن المنهج الدراسي يضمّنها سبب فقدان الشهادة الجامعية لثقلها بلادنا وعدم مساواة نفعها لتعبها ومضنتها؛ أصبح مهزلة باهظة الثمن وثمنها جزء كبير ميزانية الدولة ووقت وذهن الطلاب نظام تقييم تنطلق فلسفته التعليم عملية مستمرة مستدامة عامل الضيق الفيصل عليك تعرف الشهر الموضوع تفعل تخسر الدرجة أبد الآبدين مجال للتَّأسي فات ولا مُداركة الأخطاء المجتمعات الأخرى (الأمريكية أنموذجًا) أكمل دراساته العليا الولايات المتحدة الأمريكية وقصَ عاشه لفترة قاربت الخمسة عشر سنة سياق يروي كتأكيد لفكرة طرحها مستهل سيتناولها لهذه الآراء ثقلها لأنّه عايش الأمريكي وعاش أرضه مدة بالقصيرة تؤهله ليعطي رأيًا يعتدّ يميِّز الفرد والحكومة وأنّ بعد سنين طوال الرأسمالية الطاحنة والإعلام والتضليل نتاج سياسات حكومته والمحصِّلة إنسان محاصر بغربته حتى مع نفسه وأقرب المقربين “وبرغم حبي لكثير الأمريكيين (فهو شعب طيب نشيط متفتح الذهن) فإنّي وجدت النظام المهيمن يُجهض إنسانيتهم ويخاطب أحط “ تطرق صراع نفسي يمر برأيي بصفة عامة وليس الصراع الطريقة يختلط بها الحابل بالنابل تعامل حوله فوجدانه دون وعي منه يتعامل زميله العمل بنفس يتعاطى أخيه عرضٌ وطلب أخذ وعطاء طرفي المعادلة ينبغي تتساوى بدون استثناء كل نداءات البراغماتية المعلنة تبطنت الوعي وأثمرت إنسانًا بعقود سيكولوجية إرادية وسيأتي المعضلة المدمِّرة لمؤسسة الزواج والتي تقض أصلب أركانها: المودة والرّحمة إنّ يعيش ثنائية حادة: تعاقدية العامة مستوى النموذج تراحمية الخاصة الممارسة الشخصية ولكن مجتمعات تجعل تحقيق مشاعر التراحم أمرًا عسيرًا ومجتمعات تيسِّر تحقيقها وكلما ازداد التناقض والواقع ازدادت الثنائية تتحول استقطاب وهذا موجود التعاقدي جهة وحياة المتعينة أخرى جامعة كولومبيا ” وعند وصولي عقدوا للطلبة الدارسين امتحانًا موضوعيًا الإجابة فيه إمّا بنعم لتحديد مستواهم الثقافي واللغوي ولكنني مرة نظرًا لثقتي بنفسي أخبرتهم الخلل ليس فيَ الامتحان فهو امتحان سخيف يقيس مَقدرات الطالب الحقيقية سرعة بديهته واستجابته السرعة العمق وكانت أولى المواجهات بيني وبين الحضارة بسذاجتها وأحاديتها وخيلائها ” يصطدم الراغب بإكمال الدراسات بعدد الاختبارات المنغصة النوع يعرف رغم إنكاره الطويل إيمانًا بخبرة السابقين السائد ربّما وبكل بساطة فعال لأسباب أهمها الآن اكتساب مقدرة اجتياز الامتحانات” والإقبال الرهيب شراء بنك أدنى اهتمام بالتحصيل العلمي المعرفة بكسل الأهم نهاية المطاف لجميع الأطراف تحصيل المعدل الجنون بعينه! تقرأ حرف صفحة لخمسة مواد الأقل تسليماتها واختباراتها وإلاّ تحلم بتجاوز المادة بمعدل ممتاز يؤهلك لوظيفة جيدة خضم المنافسة الجارية سوق المستوى العالي الضغط بأي حال يولِّد الإبداع فضلًا قدرتك وبقاء رغبتك سير الميل الإضافي لتكون “مميزًا” شعورًا بالعجز والاكتفاء بما يجعلني أتجاوز الفصل النحس كافيًا أخذًا بالاعتبار رداءة وقدم المناهج وسخافة طرق ونتيجة سريعًا لدرجة تسمح إبداع حقيقي كما تعدُّد المقررات وغلبة النزعة المعلوماتية يؤدي نوع أنواع التشظي “ يميِّز والعلم يؤكد لوحدها نقدي تفكير الجهل أفضل فأيُّ طالب العالم “يعرف” قدر عرفه أرسطو عشرات المرات ناحية المعلومات أما المقدرة التحليل والرؤية النقدية تصل جوهر الأمور فالأمر جدُّ مختلف كتب السير المذكرات مجاناً PDF اونلاين هى تلك كتبها أصحابها أشخاص آخرون تجارب شخصيات رسمت وأسست قواعد هامة حياتنا تستوجب القراءة والتفكّر

إنضم الآن وتصفح بدون إعلانات
رحلتي الفكرية في البذور والجذور والثمر
كتاب

رحلتي الفكرية في البذور والجذور والثمر

ــ عبد الوهاب المسيري

صدر 2000م عن دار الشروق للنشر والتوزيع: مصر - لبنان
رحلتي الفكرية في البذور والجذور والثمر
كتاب

رحلتي الفكرية في البذور والجذور والثمر

ــ عبد الوهاب المسيري

صدر 2000م عن دار الشروق للنشر والتوزيع: مصر - لبنان
حول
عبد الوهاب المسيري ✍️ المؤلف
المتجر أماكن الشراء
دار الشروق للنشر والتوزيع: مصر - لبنان 🏛 الناشر
مناقشات ومراجعات
QR Code
عن كتاب رحلتي الفكرية في البذور والجذور والثمر:
بسم الله الرحمن الرحيم، وصلَى الله على من بُعث رحمة للعالمين ونورًا للصِّراط المستقيم. بسم الذي جعل الحياة الطيّبة لمن اتبع نبيّه والذلة والهوان والصغار على من خالفه.

يزخرُ التاريخ بالأحداث. يحدث الأمر أولًا ثم يؤثر في أطباع الناس وأفكارهم، أم أنّ أطباع الناس وأفكارهم وتغيُّراتها هي ما تصنع الأحداث؟ في البدء كانت البيضة أم الدجاجة؟ .

لطالما أهمَّت الدوافع الإنسان وكان تساؤله حولها. ما هي الدواعي والأفكار التي تُسيِّر المرء؟ ما حقيقة وكُنه الفكرة التي تدور في العقل البشري التي تجعلنا نتصرف بهذا النحو سواءً كان الفعل فرديًا أم جماعيًا؟.

يعدُّ كتاب “رحلتي الفكرية في البذور والجذور والثمر لعبد الوهاب المسيري” – مثلما قال- سيرة ذاتية غير موضوعية.. وهنا يكمن سحر الكتاب. باختصار مجحف، هذا الكتاب هو تحليل كامل للأحداث – ومن خلفها الأفكار المُسبِّبة لها، من خاطر الفكرة إلى تبلورها – التي مرت على المسيري في حياته وتحليلاته لها ورأيه في خلفيتها الفكرية ودوافعها النفسية.

هذه المراجعة هي محاولة – محتومٌ عليها بالفشل- تعريف بمجمل كتاب عظيم لمن لا يسعفه وقته لقراءته كاملًا.

حاولتُ في كثير من المواضع ذكر فكرة المسيري بطريقة أخرى لكن يأبى أسلوبه مثيلًا له. ستجد في غالبية المراجعة كلام المسيري مقتبسًا. لذا تلطيفًا لهذا الفشل؛ لنقل إنّ هذه المراجعة “تشويقة” لقراءة هذا الكتاب، لأنّ معرفة الأفكار النهائية لا يُنقص من متعة قراءة تطورها.

دمنهور.. رحابة البساطة

يبدأ المسيري بذكر البيئة التي تكوّنت فيها أفكاره.. أصلُها وبذورها.

كانت في دمنهور نشأته وتعليمه حتّى الثانوية. نشأ في عائلة ميسورة الحال حيث كان والده تاجرًا. تربَّى في مجتمعٍ تقليدي محافظ تحكمه العادات التي يذكر حسنها والتقاليد التي نظمت المجتمع وضبطته. كان – رحمه الله- معجبًا بقوة أمه وحكمتها وارتباطها الوثيق بعائلتها. خلال سيرته وفي أكثر من موضع تناول المسيري شؤون العائلة وبشكل أخص دور الأمِّ فيها، عمل المرأة والمقارنة بين وضعها في الماضي وحاضره. تحليله لكلاَ النموذجين ونظرته المتوازنة والواقعية أدى إلى اعتقاده الجازم أنّ ما كان شريَن أحلاهما مُر لابد من أن يكون لهما ثالث. يقول: ” وأرجو أن لا يفهم من ما أقول أنّني أدعو إلى العودة إلى الماضي..

كل ما أودُّ تأكيده هو أنّ المجتمعات التقليدية كانت تحوي منظومات قيمية وجمالية لم يؤد تقويضها وتدميرها بالضرورة إلى مزيد من السعادة.

كما أودُّ الإشارة أن الأشكال الحضارية الحديثة (عادةً مستوردة) ليست هي الأشكال الحضارية الوحيدة، بل هناك أشكال أخرى قد تكون أكثر ثراءً وأكثر دفئًا، والأهم من هذا أنّها قد تكون أكثر تجذّرًا، وضياع مثل هذه الأشكال هو خسارة حقيقية. ” .

يذكرنا المسيري بالماضي الجميل بحديثه عن بعض ذكريات طفولته.

“كان إيقاع الحياة في دمنهور هادئًا، فكان عندنا دائمًا متسع من الوقت”.

متسع من الوقت.. متسع من الوقت.. يا رب السّماء والأرض متسع من الوقت!

قد تكون الجملة أعلاه عادية في نظر البعض لكنها تشي باستقرار وطمأنينة وسُكون بَترَه القرن الواحد والعشرين. الجميع مشغول.. فعلًا مشغول.. في كلِّ شيء. جميع الأعمار والطبقات والأشخاص مشغولون على الدوام. لهثٌ بلا أيِّ توقف.

يذكر المسيري هذه الحالة بوضوح عندما قال: ” نجد أنّ يوم الإنسان الحديث يبدد تمامًا ويجرد من أي إيقاع إنساني، بل إنّه يهدد الحياة الأسرية ذاتها. “

أولع المسيري بالتاريخ وانشغل به. وسبب هذا الشغف أنّ الانشغال بالتاريخ يجعل المرء يرى حاضره “بحسبانه نقطة يلتقي فيها الماضي والمستقبل، وألاّ يُتصور أنّه عالَم بسيط يمكن اختزاله في قانون أو قانونين، وإنّما يراه من خلال عدسات وبؤر وذكريات وتقاليد ورموز”. تأمل في أبسط الأحداث والعادات الاجتماعية.. سترى الماضي في جوهرها!.

الإسكندرية الزائغة

التحق المسيري بقسم اللغة الإنجليزية في جامعة الإسكندرية لإكمال تعليمه الجامعي. لك أن تتخيَّل النقلة من دمنهور القرية إلى الإسكندرية المصرية بالاسم والموقع فقط وأثرُ ذلك على المسيري. يحكي عن حياة الإسكندرية أنّها “جوٌّ كوزموبوليتاني زائغ لا جذور له يمكن أن يُثري الإنسان ويمكن أن يَبتلعه. “

يذكر المسيري عن جامعة الإسكندرية تنوعها وثراءها الاجتماعي والثقافي إضافةً إلى أنّ” التدريس فيها كان يأخذ شكل محاضرات حقيقية لا دروس إملاء” ” وكانت الأسئلة في الامتحانات تتطلب إجابة يُعمل فيها الإنسان عقله وخياله لا أن يجتر ما قاله الأساتذة من قبل.”

وهنا يأتي تساؤل الغالبية العظمى من طلاب جامعاتنا: ما الجدوى من حضور المحاضرة إن كان جُلُّ ما يفعله المدرس قراءة المنهج؟ القيمة المضافة للمدرّس الجامعي هو ذكر أمور إضافية خارجية مهمة في المجال وإن كان المنهج الدراسي لا يضمّنها.

سبب فقدان الشهادة الجامعية لثقلها في بلادنا وعدم مساواة نفعها لتعبها ومضنتها؛ أنّ التدريس الجامعي أصبح مهزلة باهظة الثمن، وثمنها جزء كبير من ميزانية الدولة ووقت وذهن الطلاب. ثم يأتي نظام تقييم الطلاب الذي لا تنطلق فلسفته من أنّ التعليم عملية مستمرة مستدامة وإنّما عملية عامل الوقت الضيق فيها هو الفيصل، عليك أن تعرف هذا الشهر هذا الموضوع وإن لم تفعل تخسر الدرجة إلى أبد الآبدين.. لا مجال للتَّأسي على ما فات ولا على مُداركة الأخطاء.

المجتمعات الأخرى (الأمريكية أنموذجًا)

أكمل المسيري دراساته العليا في الولايات المتحدة الأمريكية وقصَ بعض ما عاشه هناك لفترة قاربت الخمسة عشر سنة. سياق ما يروي دائمًا يأتي كتأكيد لفكرة طرحها أو مستهل لفكرة سيتناولها. لهذه الآراء ثقلها لأنّه عايش المجتمع الأمريكي وعاش في أرضه مدة ليست بالقصيرة تؤهله ليعطي رأيًا يعتدّ به.

يميِّز المسيري بوضوح بين الفرد الأمريكي والحكومة الأمريكية، وأنّ الفرد الأمريكي بعد سنين طوال من الرأسمالية الطاحنة والإعلام والتضليل أصبح نتاج سياسات حكومته، والمحصِّلة النهائية هي إنسان محاصر بغربته حتى مع نفسه وأقرب المقربين. يقول: “وبرغم حبي لكثير من الأمريكيين (فهو شعب طيب نشيط متفتح الذهن) فإنّي وجدت أنّ النظام المهيمن يُجهض إنسانيتهم، ويخاطب أحط ما في الإنسان. “

تطرق المسيري إلى صراع نفسي يمر به – برأيي- الإنسان الحديث بصفة عامة وليس فقط الفرد الأمريكي. يكمن هذا الصراع في الطريقة التي يختلط بها الحابل بالنابل في تعامل المرء مع من حوله، فوجدانه – دون وعي منه- يتعامل مع زميله في العمل بنفس الطريقة التي يتعاطى بها مع أخيه. عرضٌ وطلب.. أخذ وعطاء. طرفي المعادلة ينبغي أن تتساوى مع الجميع بدون استثناء. كل نداءات البراغماتية المعلنة تبطنت في الوعي وأثمرت إنسانًا يتعامل مع الجميع بعقود سيكولوجية لا إرادية، وسيأتي ذكر هذه المعضلة المدمِّرة لمؤسسة الزواج والتي تقض أصلب أركانها: المودة والرّحمة.

إنّ الفرد الأمريكي يعيش ثنائية حادة: تعاقدية في الحياة العامة على مستوى النموذج المهيمن، و تراحمية في الحياة الخاصة على مستوى الممارسة الشخصية. ولكن هناك مجتمعات تجعل تحقيق مشاعر التراحم أمرًا عسيرًا على المرء ومجتمعات أخرى تيسِّر تحقيقها. وكلما ازداد التناقض بين النموذج والواقع، ازدادت الثنائية إلى أن تتحول إلى استقطاب. وهذا التناقض موجود في الولايات المتحدة بين النموذج التعاقدي من جهة، وحياة الإنسان الفرد المتعينة من جهة أخرى

جامعة كولومبيا..

” وعند وصولي عقدوا للطلبة الدارسين امتحانًا موضوعيًا تكون الإجابة فيه إمّا بنعم أو لا لتحديد مستواهم الثقافي واللغوي. ولكنني مرة أخرى نظرًا لثقتي بنفسي أخبرتهم أنّ الخلل ليس فيَ وإنّما في الامتحان، فهو امتحان سخيف لا يقيس مَقدرات الطالب الحقيقية وإنّما سرعة بديهته واستجابته، وأنّ السرعة غير العمق.

وكانت هذه من أولى المواجهات بيني وبين الحضارة الأمريكية بسذاجتها وأحاديتها وخيلائها.”

يصطدم الراغب بإكمال الدراسات العليا بعدد من الاختبارات المنغصة من هذا النوع. ثم يعرف المرء – رغم إنكاره الطويل إيمانًا بخبرة السابقين- أنّ النظام السائد ربّما وبكل بساطة يكون غير فعال أو موجود لأسباب أخرى ليس التعليم أهمها بالضرورة.

” أصبح التعليم الآن هو اكتساب مقدرة اجتياز الامتحانات”. والإقبال الرهيب على شراء بنك الأسئلة من الطلاب دون أدنى اهتمام بالتحصيل العلمي نتاج المعرفة بكسل بعض الأساتذة وأنّ الأهم – في نهاية المطاف لجميع الأطراف- هو تحصيل المعدل. هذا أو الجنون بعينه! عليك أن تقرأ كل حرف في كل صفحة لخمسة مواد على الأقل مع تسليماتها واختباراتها وإلاّ لا تحلم بتجاوز المادة بمعدل ممتاز يؤهلك لوظيفة جيدة في خضم المنافسة الجارية في سوق العمل.

المستوى العالي من الضغط لا يمكن بأي حال أن يولِّد الإبداع فضلًا عن قدرتك وبقاء رغبتك في سير ” الميل الإضافي ” لتكون “مميزًا”، وإنّما يولِّد شعورًا بالعجز والاكتفاء بما يجعلني أتجاوز هذا الفصل النحس فقط، وهذا ليس كافيًا أخذًا بالاعتبار رداءة وقدم المناهج وسخافة طرق التدريس.

” ونتيجة كل هذا أنّ إيقاع الدراسات العليا أصبح سريعًا لدرجة لا تسمح بأي إبداع حقيقي، كما أنّ تعدُّد المقررات وغلبة النزعة المعلوماتية على بعض الأساتذة يؤدي إلى نوع من أنواع التشظي. “

يميِّز المسيري بوضوح بين المعرفة المعلوماتية والعلم كما يؤكد أنّ المعرفة لوحدها من دون أي تحليل نقدي أو تفكير قد يكون الجهل أفضل منه.

” فأيُّ طالب في أي جامعة في العالم “يعرف” قدر ما عرفه أرسطو عشرات المرات من ناحية المعلومات، أما من ناحية المقدرة على التحليل والرؤية النقدية التي تصل إلى جوهر الأمور، فالأمر جدُّ مختلف.”
الترتيب:

#8K

0 مشاهدة هذا اليوم

#906

25 مشاهدة هذا الشهر

#12K

17K إجمالي المشاهدات
عدد الصفحات: 562.