█ _ محمد حسن علوان 2006 حصريا صوفيا عن دار الساقي للطباعة والنشر 2024 صوفيا: مجاناً PDF اونلاين
"كنت أجلس بين يدي موتها، وألون أضلاعي بفنائها الأخير، وأصفق بشجن مزور أعمى، حتى يكتمل موتها تماماً، عندها، أكنس أحلامها اليابسة، وأسحقها في قعرٍ نحاسي صلب، وأذرها على السفح المخذول من العمر، وأمضي.. هكذا اتفقنا، من دون أن نتحدث، هي ملاح وافق على الموت، ويفتش لنفسه عن حالة تليق بموته، ولذلك أختلق أنا معها حالة حب عابرة، مذهولة، عمرها أيام أو أسابيع، لا فرق، المهم أن تكون حالة تامة، لا ينقصها شيء أبداً. إن الحياة دأبت على أن تكون ناقصة، وفعل النقص فطرة غالبة عليها، ولا يوجد إنسان قد تذوق حالة تامة، مطلقة التمام، أبداً. تتأملني بعينين وسّعهما الألم المقيم فيهما منذ أشهر، وأتأمل في المقابل وجهها الذي يشي بالنقاء البكر، قبل أن يفتضّه الوهن ليبقى أشلاء نقاء. كل الإرهاق الذي تقع عليه عيناني مبررٌ بالتعب إذاً، وهو جليٌّ لعيني أنيمي مثلي، مهما اتخذت من زينتها الكثيفة ما تخفي به ذلك الشحوب المتصاعد، وتقمع تلك الصفرة التي تنهب جلدها بدأب، وتعلنها منطقة موبوءة بالجفاف، مقفرة من الضوء: الآن أنا حائر ومشفق، أعقد ذراعيَّ أمامي عندما لا أدري ماذا أفعل بهما، أحاول أن أخلق ملامح تناسب الإطار الكئيب للصورة، هي التي لتوها أفاقات من إغمائها، في تلك الشقة البيروتية الواسعة، على حد الشاطئ، ذات الشرفة الكبيرة التي تستقطب باقتداء، كل أفق البحر".
عند مواجهة موت الأحبة يصبح الإنسان أكثر شفافية، وأكثر تأملاً، وأكثر مقدرة على فلسفة الأمور، وأكثر تعمّقاً في اكتناه معنى الحياة. شعرة فاصلة بين الحياة والموت تغدو لدى محمد حسن علوان دهراً، وتجربة يتناول تفاصيلها بأسلوب رائع يكشف عن مدى عمق الأخدود الذي حفره داخله مرض صوفيا تلك التي عشقها والتي أضحت شقتها القائمة على شاطئ بيروت ملاذ فؤاده. يمضي الكاتب في استدراج تأملاته الفلسفية المنسابة حيناً من تجربته الحياتية وأحياناً من وحي وصفياته لصوفيا التي تعيش قصتها العاطفية معه بنفس الوقت الذي تعايش فيها اللحظات الأخيرة لعمرها الآفل الذي حدد لها الأطباء حينه.
❞ “هكذا حياة الملآئكة ، رهانٌ مستمرٌ على حمل الضوء مسافة أبعد ، لذلك الكون الذي لا ينتهي ، والله يزيد ، ويزيد .
لآبد من مضمار كافٍ لأخلاقهم ، لابد من مرتع فيه يستبقون ، وينثرون حكاية النور التي تسكُنهم !
ينطلقون بآيات ويعودون بأخرى ، كأن أعمارهم هي عدد الشؤون التي يقضونها في الخليقة !
ثم موتٌ أولُ بعده عدة ميتات مُحتملة ، تتفرّق أجسادهم ، وتُعيد تركيب نفسها من جديد ، على هيئة اخرى ، ولكن لا تتذكر هيئتها السابقة أبدًا !
لآ تتذكر منها طرفة عين !
إننا نُسمّيه موتًا ، لأننا لا ننتقل ، ولا نتحول الا الى رماد ،
إن الموت بالنسبة الى الملائكة مُختلف !
رُبما لا يعني أكثر من فُقدانٍ مُتكرر لذاكرة الحالة السابقة !” . ❝
❞ “عندما أتخيل كيف تبدو الشهور، يتراءى لي أكتوبر دائماً رجلاً طيباً، مكللاً بنبوءة الخريف، وبالزمن الذي ينحني لحقيقة السقوط في النهاية، ويأتي من بعده برد اليقين الذي لا يُرد.
قُلتُ أنهُ من المُربكِ أن نلتقي في هذا الشهر الذي تجرد فيه النفس أعلاقها كالأشجار، وقالت لي صوفيا:˝ومن المربك أكثر أن تولد فيه!” . ❝
❞ سأحلم ، اطرقي بيت احلامي رجاءً
سأترك في قلبي تفاحًا ، كوني تفاحة يا صوفيا .
سأجعل الأطفال يبتسمون ، كوني أسنانًا لبنية يا صوفيا !” . ❝
❞ “لذلك الأيام التى أنا فيها الآن خشبية الشكل، جافة، وخالية من الحياة، وقابلة للاشتعال فى اى ومضة حنين. انها أيام من النوع الذى نكبر بها أكثر من حجمها الزمنى فى العمر، أيام لا تغادر الجسد إلا بقطعة من الأسئلة، وقطعة أخرى من الكذب!” . ❝
❞ وغرابة أن أستشعر حركة يدها في يدي، بينما يدها الأخرى ملوية تحتها، منذ ان دستها قبل دقائق لتحك ظهرها، ونسيت أن تسحبها، أو عجزت ربما! . ❝
❞ “حاصر ضيقك! اعتبر حالتك النفسية مشكلة مادية بحتة. يجب ان تقلبها بين يديك ,وتتأمل سبب عطبها , أو مصدر الأزيز الذي يزعجك منها!
هذه المحاولة تجعلك تدريجياً أكثر مهارة في السيطرة على كوامن كآبتك !” . ❝