📘 ❞ ابن تيمية وخصومه الأشاعرة حول العقل والوحي: أوجه الشبه والاختلاف والحلقة المفرغة ❝ كتاب ــ فرانك جريفيل اصدار 2018

فرق ومذاهب وأفكار وردود - 📖 كتاب ❞ ابن تيمية وخصومه الأشاعرة حول العقل والوحي: أوجه الشبه والاختلاف والحلقة المفرغة ❝ ــ فرانك جريفيل 📖

█ _ فرانك جريفيل 2018 حصريا كتاب ❞ ابن تيمية وخصومه الأشاعرة حول العقل والوحي: أوجه الشبه والاختلاف والحلقة المفرغة ❝ عن مركز نهوض للدراسات والنشر 2025 المفرغة: مقدمة المترجم إنَّ الورقة التي بين أيدينا لأستاذ جامعيٍّ مرموق متخصِّص الدراسات الإسلامية عمومًا والتاريخ الكلامي خصوصًا وله إسهاماته التأسيسية دراسة الغزالي أحد أبرز روَّاده وهي ورقةٌ تتناول مشكلةً قديمةً جديدة مستمرة ومتجدِّدة ربما ظهرت منذ أواسط عصر الصحابة إشكالية تعامُل البشري مع النص الديني لا يخفى أنَّ الإسلام من الأديان تُصنَّف أنها نصيَّة بمعنى مؤسَّسة النصِّ المقدَّس والنصُّ حاضرٌ دائمًا جميع أمورِها مهما تحوَّر هذا النصُّ أو مفهومُه استعماله وصرنا نتكلَّم كثيرٍ الأحيان تقليد خطابيٍّ تأويليٍّ وليس نصًّا ثابتًا – والكلام البُعْد التداولي للنص الثبوتي فالقرآن الأقل هو نصٌّ مُسلَّم الثبوت المسلمين اختلف المسلمون مبكِّرًا فهم بعض النصوص القرآنية والحديثية تبعًا لعواملَ كثيرةٍ جدًّا يرجع بعضُها لملكاتهم اللغوية والعلمية المتفاوتة ولكن العامل الحاسم الذي كان فاصلًا مرحلتَيْن التعامل أولاهما قصيرةٌ لا نبالغ إذا قلنا إنها بدأت الانحسار النسبي أنفسهِم؛ التفاعُل العقلي وغيرِهم سواءٌ أصحاب الديانات الأخرى كاليهود والنصارى والمجوس الفلسفات يموج العالمُ بها والعربُ معزِلٍ عنها وأهمها الفلسفة الأرسطية والأفلاطونية والغنوصيات الأفلوطينية المحدثة والسكندرية إن تفاعل العنصر المكوَّن هذين الشِّقين قد ولَّد طُرُقًا جديدةً وأسئلةً مستحدثةً وفهمه وأسَّس لمرحلةٍ جديدةٍ الاعتقاد الإسلامي لم تنتهِ ذلك الحين مرحلة القرنين الثاني والثالث الهجريين تشكَّلت فيها الاتجاهاتُ الكلامية والفلسفية والصوفية الأساسية والتي تلتئم ولن بعد تساءلت هذه الاتجاهات وساءلتْه وبخاصةٍ مستوى المدوَّنة الحديثيّة فيما يتعلَّق بالمساءلة وحاولت أن توفِّق القيم الإنسانية والأخلاقية فهمتْها الميل الأخلاقي العام لها دوافعها السياسية المباني المفاهيمية العقلية توصَّلت إليها بعقولها تلقتْها عقولٍ أخرى؛ توفق جميعًا وبين المتمثِّل القرآن والسُّنة فماجت الساحةُ الفكرية بالأسئلة العَقَدية المتعلِّقة بدءًا بتصوُّر الوجود الإلهي وما يرتبط به وصولًا إلى الفعل الإنساني وانتهاءً بأسئلة المصير في بداية الأمر حرصت الأقرب ممارسةً واشتغالًا وهم المحدِّثون ثم الفقهاء الالتزام بالنصِّ مواجهة القواعد والأحكام الوافدة مراوِحةً الحرفية والنصوصية الشديدة عرَّضتها للتشهير والذمِّ فالانزواء النصيَّة المعتدلة دافعت وَفْقَ مبانٍ أساسية متدرِّجة تاريخيًّا قامت الإيمان والتسليم جهة ومحاولة العزل والانعزال الجديدة جهةٍ أخرى وأخيرًا وبفعل الضرورة التاريخية والسياسية محاولة التعاطي والدفاع وإن بصورةٍ محدودةٍ الكمِّ والكيف ومع فقد كُتب للاتجاهات الانتصارُ نهاية المطاف ومنذ أواخر القرن الرابع تقريبًا أصبحت السلطة المعرفية والقضائية والتعليمية يد «ذلك» شيئًا فشيئًا شوكاتٍ مقاوِمةٍ متفرِّقة ومتقطِّعة الأكثر قُربًا وعندما بلغنا القرنَ السابع الهجري وفي وقتٍ بدا فيه التيارات حسمت انتصارَها النهائي واستقرَّت واستتبَّ الأمر؛ بزغ نجمُ شخصية فذَّة تمتَّعت بمَلَكاتٍ وعلمية وحجاجية نادرة شيخ (728هـ) نهض بثورةٍ مضادَّة انتصرت للنصِّ جديدٍ وقارَعت بالحُجَج رموزَ والفلاسفة والمتصوِّفة مرجعياتٍ كلاسيكيةً غنى التقليد حتى اليوم أمثال: والرازي وابن سينا رشد عربي ونحوهم أنكأ ابنُ خصومه وقام وحدَه بعبءٍ تداوليٍّ حجاجيٍّ تنوء العُصبة أولو القوَّة المتعذِّر لولا القدرُ يحدث مثلُه التاريخ أحدث تأسيس لهذا الاتجاه الإحيائي النصي القائم أسسٍ عقلانية واسعة لأول مرة صدعًا لن يُجبَر والفلسفي وهو أعمق غورًا وأبعد أثرًا الشقِّ حفره الجدار الفلسفي وصحيحٌ الأثر اختفى بالأحرى استتر وفاة الشيخ وطبقة تلاميذه القريبة أو المباشرة محدودةِ والكيفِ كانت لدى «السلف» بل متطوِّرة تعتمد المفاهيم الشرعية بالمعنى فحسب أيضًا ضروبٍ الاستدلال اللاهوتي والطبيعي والتاريخي والاجتماعي وحتى السياسي وأجادل يكن ينطلق أبحاثه الدينية والعقدية وهذا فارقٌ مؤثِّر كبيرٌ أمكننا تعقُّلُه ودراستُه فإن منظورًا جديدًا وغير تقليديٍّ سينشأ وقيمته والتاريخية ثالثًا: الموافقة الجزئية الإشكال الكامن نظرية العقلانية قاوم قانون التأويل الفني التقني المتأثر بالعناصر والغنوصية ويتمثَّل جانبين: أولًا: ضيق مساحة الصريح ونسبية مصاديقه وثانيًا: اتساع احتمال التعارض الظاهر الظنيَّين الشرعي والعقلي عمَّا تطرحه النظرية التيمية وختامًا: ما زال المجال مفتوحًا لاستنقاذ التجربة تجاذبات العقدية والأيديولوجية الضيقة يستفيد الفكر بعمومه الجبَّارة يعيد الاعتباره لتنوُّع تراثه وثرائه ا أنه ظلَّ كامنًا وموجودًا ويتمتَّع ذاته بحيويةٍ هائلة ولياقةٍ كاملة وجاهزة للاشتعال مجددًا أي وقت حدث الثامن عشر ظهور الدعوة الوهابية اقتصرت المكوِّنين التوحيدي الأخص والسلوكي دعوة وفق منظورها التأويلي بطبيعة الحال البزوغ الأكبر لابن وتفعَّل وترسَّخ حقًّا بصورة أكبر الإحيائية والإصلاحية التاسع وأوائل العشرين حيث انسحبت الواقع ليس للشعور بالحاجة العودة المقام الأول ؛ لأن «العقل» تنادي الكلاسيكية يعُد المناسب للعصر الحديث التجريبي العملي الواقعي جافى الصورية والمثالية يتصف ذاك القديم تتناول الجدلَ المحموم دار والأشاعرة الرمزان: مسألة العلاقة الجدلية والنقل بلغت ذروة تمامها يُعرف بـ«قانون التأويل» أسَّس له وأتمَّ بنيانَه الفخر الرازي وحمَل عليه تحفته الرائعة الضخمة: «درء تعارض والنقل» «موافقة صحيح المنقول لصريح المعقول» أعاد الاعتبارَ للعقلانية وحاول إعادة تأسيسها ووجَّه نقودًا حاسمةً للمفاهيم استندت المدارسُ لم يكتفِ كاتبُ ورقتنا بعرض وتحليل الجدل ولكنه سلَّط المنظار الناقد محاولًا الوقوف إشكالٍ وأقول: قليلةٌ هي الكتابات النقدية غير المؤدلجة وهذه نموذجٌ لذلك النوعِ يكون مفهوم النقد تمحَّض أزمنة بالقصيرة معناه السلبي يقتصر معنى بيان العيوب القصور يتعدَّى ليتوهَّج الثَّلْب والانتقاص بحيث قارب النقدُ النقضَ كاد يطابقه ومن المعلوم أصل وضعه اللغوي والاستعمالي طائرًا يطير بجناحين فيبيِّن الجيِّدَ والرديءَ والقوي والضعيف كما عمل النقَّاد الصيارفة فبيان مكامن القوة والضعف والكمال والنقص كلاهما البصير والأهم منطلق النقص والضعف: الدفاع الهجوم المطلق المسبق؟ التشهير والذم والانتقاص؟ أم التساؤل والأَشْكَلة والبحث؟ إن ندعو إليه تجاه المشروعات العظيمة كمشروع والغزالي حزم يرافقها مشروعاتٌ نقدية عظيمة الأعم للنقد ذكرناه المتواضع يحاول يفهم ويتساءل بشجاعة ويُخرج أسئلتَه حيِّز الذهن مجال التداول يعرضه الناقدُ يقول لنا بلسان حاله الأقل: تعالَوا ننقدْ كي نفهمَ نسأل نقرِّب المسافاتِ المتباعدةَ نخطِّئ نستفيد أكثر جوانب الصواب نخطِّئه يرى المؤلف المسافة علاقة ليست كبيرةً البناء التيمي يتَّسم بثغرةٍ أطلق الحلقة وإن لي كلمةٍ موضوع البحث فإنني سأذكرها سبْكٍ مركَّز بما تسمح المساحة المقتضبة لتقديم ترجمةٍ خلاصة ثلاثية النقاط أستفيض تفصيلها بحثٍ خاصٍّ كنت أسستُه الترجمة رأيت الأجدرَ وبالترجمة أفصله عنها: أولًا: صحيحًا بالنقل ضئيلةٌ كبيرة والسبب خاصَّة اختلافهما الأساسي ينبغي يتعامل فهو المتكلِّمين عقل فنيٌّ تقنيٌّ يستمدُّ مواده أبنية عقلية سابقةٍ الوحي متأثرة بأبنية سابقة أما فهي شرعية يعني تجاوزنا نوعًا معيَّنًا عند فساعتها يمكن مسافة بعيدةٍ تأصيل والكلاميين موهم أنَّى ذلك؟ يقود النقطة الثانية ثانيًا: يعتقد كثيرٌ الباحثين «نصيًّا» وقد صار مطروحًا بالفعل الدوائر الغربية يتسع الاتساع اللائق أعتقده عقلانيًّا؛ نعم يؤمن بالعقلانية كليهما وجه التحديد يعنِ عقلانيًّا حاول التأسيس لعقلانية والأدق: تلك مطابقةً للملاحظات «الحدسية» فرق ومذاهب وأفكار وردود مجاناً PDF اونلاين المذاهب الفرق العقائدية فروع مختلفة مدارس فكرية وكلامية يتعلق بالعقيدة فعن النبي صلى الله وسلم: «افترقت اليهود إحدى وسبعين فرقة وافترقت النصارى اثنتين وستفترق الأمة ثلاث فرقة» ومن المهم نُدرك وندرُس والمذاهب بصناعة تاريخنا الحضاري وشكلّت قسَماته تراثٌ حضاري غني وعريق وسيُمكننا بكل تأكيد الاسلامية الحديثة وإدراك مدارسها وصراعاتها وجذورها الممتدة ويبدو وكأنه أحيانا حديثٌ واقعنا الفكري المعاصر وتشعُباته وتعقيداته ولعله هنا السُبل لاستشراف المستقبل وصراعاته ومآلاته لتصحيح مسارنا وترشيد مسيرتنا المُلفت للنظر قيداً فكرِ وتطور ونهضتها تترك غريبا والتشدد إلا ودَعَت اليه بينما بعضها الآخر مُعبّرا آمال الأمّة والتقدم والنهضة وهذا الركن خاص بكتب مجانيه للتحميل

إنضم الآن وتصفح بدون إعلانات
 ابن تيمية وخصومه الأشاعرة حول العقل والوحي: أوجه الشبه والاختلاف والحلقة المفرغة
كتاب

ابن تيمية وخصومه الأشاعرة حول العقل والوحي: أوجه الشبه والاختلاف والحلقة المفرغة

ــ فرانك جريفيل

صدر 2018م عن مركز نهوض للدراسات والنشر
 ابن تيمية وخصومه الأشاعرة حول العقل والوحي: أوجه الشبه والاختلاف والحلقة المفرغة
كتاب

ابن تيمية وخصومه الأشاعرة حول العقل والوحي: أوجه الشبه والاختلاف والحلقة المفرغة

ــ فرانك جريفيل

صدر 2018م عن مركز نهوض للدراسات والنشر
حول
فرانك جريفيل ✍️ المؤلف
المتجر أماكن الشراء
مركز نهوض للدراسات والنشر 🏛 الناشر
مناقشات ومراجعات
QR Code
عن كتاب ابن تيمية وخصومه الأشاعرة حول العقل والوحي: أوجه الشبه والاختلاف والحلقة المفرغة:
مقدمة المترجم

إنَّ الورقة التي بين أيدينا لأستاذ جامعيٍّ مرموق متخصِّص في الدراسات الإسلامية عمومًا، والتاريخ الكلامي خصوصًا، وله إسهاماته التأسيسية في دراسة الغزالي أحد أبرز روَّاده، وهي ورقةٌ تتناول مشكلةً قديمةً جديدة، مستمرة ومتجدِّدة، ربما ظهرت منذ أواسط عصر الصحابة، وهي إشكالية تعامُل العقل البشري مع النص الديني.

لا يخفى أنَّ الإسلام من الأديان التي تُصنَّف على أنها نصيَّة، بمعنى أنها مؤسَّسة على النصِّ المقدَّس، والنصُّ المقدَّس حاضرٌ دائمًا في جميع أمورِها، مهما تحوَّر هذا النصُّ أو مفهومُه أو استعماله، وصرنا نتكلَّم في كثيرٍ من الأحيان عن تقليد خطابيٍّ تأويليٍّ وليس نصًّا ثابتًا – والكلام عن البُعْد التداولي للنص وليس البُعْد الثبوتي، فالقرآن على الأقل هو نصٌّ مُسلَّم الثبوت بين جميع المسلمين.

اختلف المسلمون مبكِّرًا في فهم بعض النصوص القرآنية والحديثية، تبعًا لعواملَ كثيرةٍ جدًّا، يرجع بعضُها لملكاتهم اللغوية والعلمية المتفاوتة. ولكن العامل الحاسم الذي كان فاصلًا بين مرحلتَيْن في التعامل مع النص الديني، أولاهما قصيرةٌ جدًّا لا نبالغ إذا قلنا إنها بدأت في الانحسار النسبي في عصر الصحابة أنفسهِم؛ كان العامل الحاسم هو التفاعُل العقلي بين المسلمين وغيرِهم، سواءٌ من أصحاب الديانات الأخرى كاليهود والنصارى والمجوس، أو أصحاب الفلسفات التي كان يموج العالمُ بها والعربُ في معزِلٍ عنها، وأهمها الفلسفة الأرسطية والأفلاطونية والغنوصيات الأفلوطينية المحدثة والسكندرية.

إن تفاعل هذا العنصر المكوَّن من هذين الشِّقين قد ولَّد طُرُقًا جديدةً وأسئلةً مستحدثةً في التعامل مع النصِّ وفهمه، وأسَّس لمرحلةٍ جديدةٍ في الاعتقاد الإسلامي لم تنتهِ منذ ذلك الحين، وهي مرحلة القرنين الثاني والثالث الهجريين، التي تشكَّلت فيها الاتجاهاتُ الكلامية والفلسفية والصوفية الأساسية في الإسلام، والتي لم تلتئم ولن تلتئم بعد ذلك. تساءلت هذه الاتجاهات حول النصِّ، وساءلتْه في بعض الأحيان – وبخاصةٍ على مستوى المدوَّنة الحديثيّة فيما يتعلَّق بالمساءلة – وحاولت أن توفِّق بين القيم الإنسانية والأخلاقية التي فهمتْها من النصِّ أو من الميل الأخلاقي العام لها أو دوافعها السياسية أو المباني المفاهيمية العقلية التي توصَّلت إليها بعقولها أو تلقتْها من عقولٍ أخرى؛ أن توفق بين ذلك جميعًا، وبين النص الديني المتمثِّل في القرآن والسُّنة، فماجت الساحةُ الفكرية الإسلامية بالأسئلة العَقَدية، المتعلِّقة بدءًا بتصوُّر الوجود الإلهي وما يرتبط به، وصولًا إلى الفعل الإنساني، وانتهاءً بأسئلة المصير.

في بداية الأمر، حرصت الاتجاهاتُ الأقرب إلى النصِّ ممارسةً واشتغالًا – وهم المحدِّثون ثم الفقهاء – على الالتزام بالنصِّ في مواجهة القواعد والأحكام الفكرية الوافدة، مراوِحةً بين الحرفية والنصوصية الشديدة التي عرَّضتها للتشهير والذمِّ فالانزواء، وبين النصيَّة المعتدلة التي دافعت عن النصِّ وَفْقَ مبانٍ أساسية متدرِّجة تاريخيًّا، قامت على الإيمان والتسليم من جهة، ومحاولة العزل والانعزال عن الاتجاهات الكلامية الجديدة من جهةٍ أخرى، وأخيرًا وبفعل الضرورة التاريخية والسياسية محاولة التعاطي والدفاع العقلي وإن كان بصورةٍ محدودةٍ في الكمِّ والكيف. ومع ذلك، فقد كُتب للاتجاهات الكلامية والفلسفية الانتصارُ في نهاية المطاف، ومنذ أواخر القرن الرابع تقريبًا أصبحت السلطة المعرفية والقضائية والتعليمية في يد الاتجاهات الأقرب إلى «ذلك» العقل شيئًا فشيئًا، مع شوكاتٍ مقاوِمةٍ متفرِّقة ومتقطِّعة للاتجاهات الأكثر قُربًا إلى النصِّ.

وعندما بلغنا القرنَ السابع الهجري، وفي وقتٍ بدا فيه أن التيارات الكلامية والفلسفية والصوفية قد حسمت انتصارَها النهائي واستقرَّت واستتبَّ لها الأمر؛ بزغ نجمُ شخصية فذَّة، تمتَّعت بمَلَكاتٍ شخصية وعلمية وحجاجية نادرة، وهي شخصية شيخ الإسلام ابن تيمية (728هـ)، الذي نهض بثورةٍ مضادَّة انتصرت للنصِّ من جديدٍ، وقارَعت بالحُجَج رموزَ الأشاعرة والفلاسفة والمتصوِّفة التي أصبحت مرجعياتٍ كلاسيكيةً لا غنى عنها في التقليد الإسلامي حتى اليوم، أمثال: الغزالي والرازي وابن سينا وابن رشد وابن عربي ونحوهم. أنكأ ابنُ تيمية في خصومه، وقام وحدَه بعبءٍ تداوليٍّ حجاجيٍّ تنوء به العُصبة أولو القوَّة، كان من المتعذِّر – لولا القدرُ الإلهي – أن يحدث مثلُه في التاريخ الإسلامي. أحدث تأسيس ابن تيمية لهذا الاتجاه الإحيائي النصي القائم على أسسٍ عقلانية واسعة – لأول مرة – صدعًا لن يُجبَر في التقليد الكلامي والفلسفي الإسلامي، وهو أعمق غورًا وأبعد أثرًا من الشقِّ الذي حفره الغزالي في الجدار الفلسفي. وصحيحٌ أن هذا الأثر قد اختفى – بالأحرى استتر – بعد وفاة الشيخ وطبقة تلاميذه القريبة،

أو المباشرة محدودةِ الكمِّ والكيفِ التي كانت لدى «السلف»، بل إنها عقلانية متطوِّرة، لا تعتمد على المفاهيم الشرعية – بالمعنى النصي – فحسب، ولكن أيضًا على ضروبٍ من الاستدلال اللاهوتي العام والطبيعي والتاريخي والاجتماعي وحتى السياسي، وأجادل أن ابن تيمية لم يكن ينطلق في جميع أبحاثه الدينية والعقدية من النص، أو على الأقل لم يكن ينطلق فيها من النص فحسب، وهذا فارقٌ مؤثِّر كبيرٌ جدًّا، إذا أمكننا تعقُّلُه ودراستُه فإن منظورًا جديدًا وغير تقليديٍّ سينشأ حول ابن تيمية وقيمته الفكرية والتاريخية.

ثالثًا: الموافقة الجزئية على الإشكال الكامن في نظرية العقلانية الشرعية لدى ابن تيمية، التي قاوم بها قانون التأويل العقلي الفني التقني المتأثر بالعناصر الأرسطية والغنوصية، ويتمثَّل الإشكال في جانبين: أولًا: ضيق مساحة العقل الصريح ونسبية بعض مصاديقه. وثانيًا: اتساع مساحة احتمال التعارض في الظاهر بين الظنيَّين الشرعي والعقلي عمَّا تطرحه النظرية التيمية.

وختامًا: ما زال المجال مفتوحًا لاستنقاذ التجربة التيمية من تجاذبات الاتجاهات العقدية والأيديولوجية وحتى السياسية الضيقة، حتى يستفيد الفكر الإسلامي بعمومه من هذه العقلية الجبَّارة، وحتى يعيد الاعتباره لتنوُّع تراثه وثرائه.

ا أنه ظلَّ كامنًا وموجودًا، ويتمتَّع في ذاته بحيويةٍ هائلة ولياقةٍ كاملة وجاهزة للاشتعال مجددًا في أي وقت، وهذا الذي حدث في القرن الثامن عشر مع ظهور الدعوة الوهابية، وإن كانت اقتصرت على المكوِّنين التوحيدي – بالمعنى الأخص – والسلوكي فحسب في دعوة ابن تيمية وفق منظورها التأويلي بطبيعة الحال. ولكن البزوغ الأكبر لابن تيمية حدث وتفعَّل وترسَّخ حقًّا بصورة أكبر مع الاتجاهات الإحيائية والإصلاحية أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، حيث انسحبت الاتجاهاتُ الكلامية من الواقع الإسلامي، ليس للشعور بالحاجة إلى العودة إلى النصِّ فحسب – أو في المقام الأول على الأقل -؛ ولكن لأن «العقل» الذي كانت تنادي به هذه التيارات العقلية الكلاسيكية لم يعُد هو «العقل» المناسب للعصر الحديث، التجريبي العملي الواقعي، الذي جافى الصورية والمثالية التي كان يتصف بها ذاك «العقل» القديم.

تتناول هذه الورقة الجدلَ المحموم الذي دار بين ابن تيمية والأشاعرة، وبخاصةٍ الرمزان: الغزالي والرازي، حول مسألة العلاقة الجدلية بين العقل والنقل، والتي بلغت ذروة تمامها فيما يُعرف بـ«قانون التأويل» الذي أسَّس له الغزالي وأتمَّ بنيانَه الفخر الرازي، وحمَل عليه ابن تيمية في تحفته الرائعة الكلاسيكية الضخمة: «درء تعارض العقل والنقل»، أو «موافقة صحيح المنقول لصريح المعقول»، الذي أعاد فيه الاعتبارَ للعقلانية الشرعية وحاول إعادة تأسيسها، ووجَّه نقودًا حاسمةً للمفاهيم العقلية التي استندت إليها المدارسُ الكلامية والفلسفية.

لم يكتفِ كاتبُ ورقتنا بعرض وتحليل هذا الجدل بين ابن تيمية وخصومه الأشاعرة حول العقل والنقل، ولكنه سلَّط المنظار الناقد على ذلك الجدل، محاولًا الوقوف على إشكالٍ في تأسيس ابن تيمية العقلي للنص. وأقول: قليلةٌ هي الكتابات النقدية غير المؤدلجة عن ابن تيمية. وهذه الورقة نموذجٌ لذلك النوعِ من الكتابات. قد يكون مفهوم النقد تمحَّض منذ أزمنة ليس بالقصيرة في معناه السلبي، الذي قد لا يقتصر على معنى بيان العيوب أو القصور، بل يتعدَّى ذلك ليتوهَّج فيه معنى الثَّلْب والانتقاص، بحيث قارب النقدُ النقضَ أو كاد يطابقه. ومن المعلوم أن النقد في أصل وضعه اللغوي والاستعمالي كان طائرًا يطير بجناحين، فيبيِّن الجيِّدَ والرديءَ والقوي والضعيف، كما هو عمل النقَّاد من الصيارفة. فبيان مكامن القوة والضعف والكمال والنقص كلاهما من عمل الناقد البصير. والأهم من ذلك هو منطلق الناقد في بيان النقص والضعف: هل هو الدفاع أو الهجوم المطلق المسبق؟ هل هو التشهير والذم والانتقاص؟ أم التساؤل والأَشْكَلة والبحث؟ إن الذي ندعو إليه تجاه المشروعات الفكرية العظيمة – كمشروع ابن تيمية والغزالي والرازي وابن حزم وابن عربي – هو أن يرافقها مشروعاتٌ نقدية عظيمة، بالمعنى الأعم للنقد كما ذكرناه، النقد المتواضع الذي يحاول أن يفهم ويتساءل بشجاعة ويُخرج أسئلتَه من حيِّز الذهن إلى مجال التداول، النقد الذي يعرضه الناقدُ المتواضع الذي يقول لنا بلسان حاله على الأقل: تعالَوا ننقدْ كي نفهمَ، نسأل كي نقرِّب المسافاتِ المتباعدةَ، نخطِّئ كي نستفيد أكثر من جوانب الصواب لدى من نخطِّئه. يرى المؤلف أن المسافة بين ابن تيمية وخصومه حول علاقة العقل والنقل ليست كبيرةً كما هي في الظاهر، والأهم أنه يرى أن البناء التيمي للعقلانية الشرعية يتَّسم بثغرةٍ إشكالية أيضًا، وهو ما أطلق عليه الحلقة المفرغة.

وإن كان لي من كلمةٍ حول موضوع البحث، فإنني سأذكرها في سبْكٍ مركَّز، بما تسمح به المساحة المقتضبة لتقديم ترجمةٍ، وهي خلاصة ثلاثية النقاط، أستفيض في تفصيلها في بحثٍ خاصٍّ كنت أسستُه لتقديم هذه الترجمة ثم رأيت الأجدرَ به وبالترجمة أن أفصله عنها:

أولًا: ليس صحيحًا أن المسافة بين ابن تيمية وخصومه حول علاقة العقل بالنقل ضئيلةٌ، بل هي كبيرة، والسبب في ذلك بصورة خاصَّة هو اختلافهما الأساسي حول مفهوم العقل الذي ينبغي أن يتعامل مع النص، فهو لدى المتكلِّمين عقل فنيٌّ تقنيٌّ يستمدُّ أكثر مواده من أبنية عقلية سابقةٍ على الوحي أو متأثرة بأبنية سابقة على الوحي، أما لدى ابن تيمية فهي عقلانية شرعية، وهذا يعني أنه إذا تجاوزنا نوعًا معيَّنًا من العقل عند ابن تيمية، فساعتها يمكن الحديث عن مسافة غير بعيدةٍ بين تأصيل ابن تيمية والكلاميين والفلاسفة عن موهم التعارض بين العقل والنقل، ولكن أنَّى ذلك؟ وهذا يقود إلى النقطة الثانية.

ثانيًا: ليس ابن تيمية كما يعتقد كثيرٌ من الباحثين «نصيًّا» – وقد صار هذا الأمر مطروحًا بالفعل في الدوائر الغربية حول ابن تيمية وإن لم يتسع الاتساع اللائق به -، بل إن الذي أعتقده هو أن ابن تيمية كان عقلانيًّا؛ نعم لم يكن يؤمن بالعقلانية الأرسطية والغنوصية كليهما على وجه التحديد، ولكن هذا لم يعنِ أنه لم يكن عقلانيًّا، بل حاول التأسيس لعقلانية شرعية، والأدق: أن تلك العقلانية الشرعية التي حاول التأسيس لها ليست مطابقةً للملاحظات العقلية «الحدسية»
الترتيب:

#756

0 مشاهدة هذا اليوم

#31K

2 مشاهدة هذا الشهر

#113K

755 إجمالي المشاهدات