📘 ❞ حكم تقنين الشريعة الإسلامية ❝ كتاب ــ عبد الرحمن بن سعد بن علي الشثري اصدار 2007

كتب السياسة الشرعية - 📖 ❞ كتاب حكم تقنين الشريعة الإسلامية ❝ ــ عبد الرحمن بن سعد بن علي الشثري 📖

█ _ عبد الرحمن بن سعد علي الشثري 2007 حصريا كتاب حكم تقنين الشريعة الإسلامية عن دار الصميعي للنشر والتوزيع 2024 : يرجع تاريخ التقنين التاريخ العام للقانون إلى عصور موغلة القدم وقد عرفته مختلف الحضارات بصور متباينة وبدرجات مختلفة من السذاجة والنضج فقانون حمورابي والألواح الإثنا عشر كانا نوعًا ساذجًا أنواع والقانون الروماني القديم مر بمراحل عدة قبل أن ينتهي تقنينات جوستنيان الضخمة ذائعة الصيت وهكذا تدرجت الأمم والشعوب وضع ما يناسبها كل مرحلة مراحل تطورها وصلنا العصر الحديث الذي شهد نقلة نوعية هائلة عندما صدرت نابليون التي بقيت اليوم بعد زالت الانتصارات العسكرية ظفر بها نفسه ومحتها معركة واترلو ولم يتوقف أثر هذه التقنينات النابليونية فرنسا فقط وإنما امتدت فسادت أغلب دول أوروبا وأمريكا اللاتينية طوال القرن التاسع وامتدت أيضًا فشملت بلادًا عربية مثل مصر وتونس ومراكش ولبنان تتخلص البلدان أثار تلك منذ دخلتها أو اقتحمتها خلال وقد قضت وقائع التطور والتمدن العمراني بوجوب صوغ عامة تنظم شئون الحياة الاجتماعية وتتمتع بدرجة عالية التجريد والمرونة وفي نطاق الفقه الإسلامي أضحى حسب رأي العلامة المجتهد توفيق الشاوي: وسيلةً لعرض الأحكام القانونية بأسلوب أكثر دقة وإيجازًا الأسلوب تسير عليه كتب شاع استعماله الحاضر استجابة للضرورات العملية تفرض القائمين بتنفيذ القوانين وتطبيقها العلم دون حاجة البحث مصادرها أدلتها الشرعية غاياتها وأهدافها؛ لأن هذا كله تقوم به الهيئة العلمية اللجنة الفنية العالم الفقيه يقوم بإعداد وتتم مناقشته إصداره[1] وإذا رجعنا الجذر اللغوي لكلمة لغة العرب سنجد أنها مشتقة القَنِّ والقنُّ: هو تتبعُ الأخبار واقتن: بمعنى اتَّخذ والقنة: أي القوة وقنة شيء: طريقه ومقياسه ومنه التقنين[2] ويتكون جذر الكلمة حرفي: القاف والنون المشددة يقول ابن فارس معجم «مقاييس اللغة»: «إن أصلان: يدل الأول الملازمة والآخر العلو والارتفاع»[3] «المعجم الوسيط» قنَّن: وفي قول آخر: القانون كلمة رومية فارسية: وهي تعني مقياس شيء وطريقه وجاء «المنجد» (والجمع قوانين) هو: مجموعة الشرائع والنظم علاقات المجتمع سواء كان جهة الأشخاص الأموال «التعريفات» للجرجاني القانون: يشير كلي منطبق جميع جزئياته يُتعّرف أحكامها منه تقودنا الخلفية اللغوية المعنى الاصطلاحي للتقنين؛ حيث معناه المجمل والارتفاع التفاصيل ولزوم والعموم وهما أهم صفات بالمعنى فالتقنين هو: عملية بمقتضاها هيئة علمية متخصصة بجمع أحكام المسائل موضوع مواد مرقَّمة ويقتصر المسألة الواحدة اجتهاد واحد مختار الآراء المختلفة قالها الفقهاء؛ وذلك ليسهل الأمر القضاة معرفة الحكم المختار وتطبيقه وحده أطراف القضية تدخل تحت حكمه بقية المخالفة للرأي المختار[4] ويظهر صورة قانون ظل الدولة الحديثة يصدر السلطة التشريعية (البرلمان مجلس الشعب النواب إلخ) والمقصود بتقنين نصوص مرتبة ووضع النصوص مبوبة مرقمة غرار مدنية وجنائية وإدارية وغيرها؛ كي تكون مرجعًا سهلًا محددًا يمكن يتقيد بيسر ويرجع إليه المحامون ويتعامل أساسه المواطنون وينطبق عملية شرعية كانت وضعية فالإجراءت الشكلية تحدد مسار صدور واجب التطبيق تكاد واحدة ويظل الاختلاف الجوهري موجودًا المضمون تسفر عنه سياق تجربةِ والمعاصر القول إن حصاد وهو توصل علماء وفقهاء آراء وأحكام فقهية ووضعوها ومبوبة؛ إليها وتطبقها المحاكم وتصل أعلى مراحلها تصدر عنها قوانين بمعرفة المجالس كما أسلفنا شريطة منتخبة بإرادة شعبية حرة وتتسم الحالة بما تتسم آخر العموم والتجريد والإلزام والجزاء يوقع بحكم محكمة يخالف المادة وإذا الشرعي صياغة الفقهية شكل ومسلسلة ومختصرة ومستمدة فمن البديهي تصاغ يخلو ذكر الأدلة والنصوص النقلية طلبًا للاختصار وبحثًا سرعة الوصول النص الفقهي المطلوب واقتصارًا واحدٍ يعتبر الراجح الدليل والمصلحة؛ وبهذا يختلف التدوين: كتابة بصيغة يراها المدون مناسبة الوضوح ومن اشتمال المدونة لا يقتصر أقوال الفقهاء وبوضوح الفرق يصبح الخطأ استخدام مصطلحي التدوين والتقنين كمترادفين الجدل الدائر نهايات الرابع الهجري سبعينيات العشرين الماضي حول الإسلامية؛ ذهب الشاوي المقصود بالتقنين المستمد ودعا استعمال (هذه التسمية؛ «القانون الإسلامي» وحجته ذلك هي التسمية ملائمة لمرحلة انتقالية يجري فيها الانتقال الوضعية يتم تطهير مجتمعاتنا نهائيًا ويصبح إسلاميًا مستمدًا القواعد والأصول جاءت السمحاء ويكتسب صفة إذا توافر فيه شرطان هما: يُستمد مصادر ويلتزم أصولها وأن يكون ملتزمًا بأحكامها القطعية ومقاصدها السامية بهذا شأنه يسهم إخراج أقطارنا الازدواجية تفصل بين والقوانين السائدة تسهم توحيد الثقافة الحقوقية تمكننا المساهمة التقدم العالمي العلوم التشريعية؛ باعتبارنا أصحاب شريعة أصيلة ونظام قانوني عريق ومتميز المستقبل بدلًا نكون عالة غيرنا وأذنابًا للثقافة المستوردة ويؤكد القادر عودة ثمة فرقًا كبيرًا الوضعي فالقانون الوضعي`ينشأ الجماعة ينظمها ويحكمها ثم يتطور بتطورها فتزداد قواعده وتتسامى نظرياته كلما ازدادت حاجات وتنوعت وكلما تقدمت تفكيرها وعلومها وآدابها فالجماعة إذن تخلق وتصنعه الوجه يسد حاجاتها وينظم حياتها تابع لها وتقدمه مرتبط بتقدمها أما فهي ذات مصدر سماوي يسمو واقع وفكرها نصوصها المؤسسة عند الله ومصدرها الوحي تكن قواعد قليلة كثرت ولا مبادئ متفرقة تجمعت نظريات أولية تهذبت نزلت كاملة شاملة جامعة تحكم حالة مانعةً تخرج لأمور الأفراد والجماعات والدول ترى عوجًا تشهد نقصًا تأت لجماعة جماعة لقوم قوم لدولة دولة إنما للناس كافة السياسة مجاناً PDF اونلاين باب أبواب والفقه الدين قيادة الأمة وتحقيق مصالحها الدينية الدنيوية جليل القدر عظيم النفع أفرده العلماء بالتصنيف والحديث وانتشرت كثير مباحثه مسائلة بطون التفسير والتاريخ وشروح وهذا الباب خطره ينتج الغلط وعدم الفهم له شر مستطير والخطأ التفريط كالخطأ الإفراط؛ إذ كلاهما يقود نتائج مرذولة غير مقبولة وضح شيخ الإسلام القيم فقال: 'وهذا موضع مزلة أقدام ومضلة أفهام مقام ضنك ومعترك صعب فرط طائفة فعطلوا الحدود وضيعوا الحقوق وجرءوا أهل الفجور الفساد وجعلوا قاصرة بمصالح العباد محتاجة غيرها وسدوا نفوسهم طرقًا صحيحة طرق الحق والتنفيذ وعطلوها وأفرطت أخرى قابلت الطائفة فسوغت ينافي ورسوله وكلتا الطائفتين أتيت تقصيرها بعث رسوله وأنزل كتابه' وإدراكًا منَّا لأهمية وموقعه وحاجة الناس فقد رأينا نجعل زاوية دورية المجلة؛ سائلين تعالى يتحقق منها بالدور المراد يحب ربنا ويرضى وراء القصد ـ اللغة: لفظ 'السياسة' محمل بكثير الدلالات والإرشادات والمضامين إصلاح واستصلاح بوسائل متعددة الإرشاد والتوجيه والتأديب والتهذيب والأمر والنهي تنطلق قدرة تعتمد الولاية الرئاسة وما جاء معاجم اللغة تقدم تاج العروس مادة سوس: 'سست الرعية سياسة' أمرتها ونهيتها والسياسة القيام الشيء يصلحه' لسان نفسها: 'السوس: الرياسة وإذا رأسوه قيل سوسوه وأساسوه وسوس أمر بني فلان: كلف سياستهم وسُوِّس الرجل لم يسم فاعله: ملك أمرهم وساس سياسة: قام والسياسة: يصلحه والسياسة: فعل السائس يقال: يسوس الدواب عليها وراضها والوالي رعتيه' والإصلاح ليس مجرد هدف غاية تسعى حركتها لتحقيقه بل نفسها وحقيقتها فقدته فقدت الشرعي: لم يرد لفظ مادته سبحانه وتعالى وإن الصلاح والإصلاح والحكم وغير المعاني اشتمل وإما السنة قوله صلى وسلم: 'كادت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء هلك نبي خلفه ' وقوله 'تسوسهم الأنبياء'؛ أي: تتولى أمورهم يفعل الأمراء والولاة بالرعية' ويتبين استخدمت بمعناها تعني: القيام شأن قِبَل ولاتهم يصلحهم والإرشاد يحتاج تنظيمات ترتيبات إدارية تؤدي تحقيق مصالح بجلب المنافع الأمور الملائمة ودفع المضار والشرور المنافية وهذا التعريف يبرز الجانب العملي للسياسة فالسياسة هنا إجراءات وأعمال وتصرفات للإصلاح وعلى فإن سياسة تتطلب القدرة القيادة الحكيمة تتمكن طريق إتقان التدبير وحسن التأتي لما يراد فعله تركه بدوره تامة تتطلبه والرئاسة خبرة وحنكة وقدرة واستغلال الإمكانات المتاحة الأمثل وقد كلام لذلك ذلك: قال جرير الطبري ـ رحمه بيان السبب أجله جعل عمر رضي الخلافة الستة الذين اختارهم: 'لم يكن أحد المنزلة والهجرة والسابقة والعقل والعلم والمعرفة بالسياسة؛ للستة شورى بينهم' وقال حجر ـ: 'والذي يظهر سيرة أمرائه يؤمرهم البلاد أنه يراعي الأفضل يضم مزيد المعرفة بالسياسة مع اجتناب الشرع منها' ومما ورد شرح النبي 'يا عائشة لولا قومك حديث عهدهم بكفر لنقضت الكعبة فجعلت بابين؛ يدخل وباب يخرجون' والذي ترجم البخاري صحيحه بقوله: ترك بعض الاختيار مخالفة يقصر فهم فيقعوا أشد منه' حجر: 'ويستفاد الإمام رعيته إصلاحهم ولو مفضولاً محرمًا' والسياسة فيما مجالها رحب فسيح ليست مقصورة محجوزة شيء؛ 'القيام يحمله والشمول فيعمل بنا صاحب ولاية تدبير ولايته وهذا الركن يتضمن الكتب تتحدث الموضوع شتى جوانبه

إنضم الآن وتصفح بدون إعلانات
حكم تقنين الشريعة الإسلامية
كتاب

حكم تقنين الشريعة الإسلامية

ــ عبد الرحمن بن سعد بن علي الشثري

صدر 2007م عن دار الصميعي للنشر والتوزيع
حكم تقنين الشريعة الإسلامية
كتاب

حكم تقنين الشريعة الإسلامية

ــ عبد الرحمن بن سعد بن علي الشثري

صدر 2007م عن دار الصميعي للنشر والتوزيع
عن كتاب حكم تقنين الشريعة الإسلامية :
يرجع تاريخ التقنين في التاريخ العام للقانون إلى عصور موغلة في القدم، وقد عرفته مختلف الحضارات بصور متباينة، وبدرجات مختلفة من السذاجة والنضج. فقانون حمورابي والألواح الإثنا عشر كانا نوعًا ساذجًا من أنواع التقنين. والقانون الروماني القديم مر بمراحل عدة قبل أن ينتهي إلى تقنينات جوستنيان الضخمة ذائعة الصيت.

وهكذا، تدرجت الأمم والشعوب في وضع ما يناسبها من تقنينات في كل مرحلة من مراحل تطورها، إلى أن وصلنا إلى العصر الحديث الذي شهد نقلة نوعية هائلة في تاريخ التقنين عندما صدرت تقنينات نابليون، التي بقيت إلى اليوم، بعد أن زالت الانتصارات العسكرية التي ظفر بها نابليون نفسه ومحتها معركة واترلو. ولم يتوقف أثر هذه التقنينات النابليونية على فرنسا فقط، وإنما امتدت فسادت أغلب دول أوروبا وأمريكا اللاتينية طوال القرن التاسع عشر، وامتدت أيضًا فشملت بلادًا عربية مثل مصر وتونس ومراكش ولبنان. ولم تتخلص هذه البلدان إلى اليوم من أثار تلك التقنينات منذ دخلتها، أو اقتحمتها خلال القرن التاسع عشر.

وقد قضت وقائع التطور والتمدن العمراني بوجوب صوغ تقنينات عامة تنظم شئون الحياة الاجتماعية، وتتمتع بدرجة عالية من التجريد والمرونة. وفي نطاق الفقه الإسلامي، أضحى التقنين حسب رأي العلامة المجتهد توفيق الشاوي:

وسيلةً لعرض الأحكام القانونية بأسلوب أكثر دقة وإيجازًا من الأسلوب الذي تسير عليه كتب الفقه الإسلامي. وقد شاع استعماله في العصر الحاضر استجابة للضرورات العملية التي تفرض على القائمين بتنفيذ القوانين وتطبيقها العلم بها دون حاجة إلى البحث في مصادرها أو أدلتها الشرعية أو غاياتها وأهدافها؛ لأن هذا كله تقوم به الهيئة العلمية أو اللجنة الفنية أو العالم أو الفقيه الذي يقوم بإعداد التقنين وتتم مناقشته قبل إصداره[1].
وإذا رجعنا إلى الجذر اللغوي لكلمة تقنين في لغة العرب، سنجد أنها مشتقة من القَنِّ. والقنُّ: هو تتبعُ الأخبار. واقتن: بمعنى اتَّخذ. والقنة: أي القوة. وقنة كل شيء: طريقه، ومقياسه، ومنه التقنين[2]. ويتكون جذر الكلمة من حرفي: القاف والنون المشددة. يقول ابن فارس في معجم «مقاييس اللغة»: «إن القاف والنون أصلان: يدل الأول على الملازمة، والآخر على العلو والارتفاع»[3].وفي «المعجم الوسيط»، قنَّن: أي وضع القوانين.

وفي قول آخر: القانون كلمة رومية، أو فارسية: وهي تعني مقياس كل شيء وطريقه. وجاء في «المنجد»، القانون (والجمع قوانين) هو: مجموعة الشرائع والنظم التي تنظم علاقات المجتمع، سواء كان من جهة الأشخاص أو من جهة الأموال. وفي «التعريفات» للجرجاني، أن القانون: يشير إلى ما هو كلي منطبق على جميع جزئياته التي يُتعّرف أحكامها منه.

تقودنا هذه الخلفية اللغوية إلى المعنى الاصطلاحي للتقنين؛ حيث يشير في معناه المجمل إلى العلو والارتفاع عن التفاصيل، ولزوم التجريد والعموم، وهما من أهم صفات التقنين بالمعنى الاصطلاحي. فالتقنين هو:

عملية تقوم بمقتضاها جهة أو هيئة علمية متخصصة بجمع أحكام المسائل في موضوع ما على هيئة مواد مرقَّمة. ويقتصر التقنين في المسألة الواحدة على حكم أو اجتهاد واحد مختار من الآراء المختلفة التي قالها الفقهاء؛ وذلك ليسهل الأمر على القضاة في معرفة الحكم المختار وتطبيقه وحده على أطراف القضية التي تدخل تحت حكمه، دون بقية الآراء المخالفة للرأي المختار[4].
ويظهر التقنين في صورة قانون، وفي ظل الدولة الحديثة يصدر القانون عن السلطة التشريعية (البرلمان أو مجلس الشعب، أو مجلس النواب.. إلخ).

والمقصود بتقنين الشريعة هو: صوغ الأحكام الشرعية في نصوص مرتبة، ووضع هذه النصوص في مجموعة مبوبة، أو مرقمة على غرار القوانين الحديثة من مدنية وجنائية وإدارية وغيرها؛ كي تكون مرجعًا سهلًا محددًا، يمكن أن يتقيد به القضاة بيسر، ويرجع إليه المحامون ويتعامل على أساسه المواطنون. وينطبق هذا المعنى على أي عملية تقنين، شرعية كانت أو وضعية. فالإجراءت الشكلية التي تحدد مسار صدور القانون واجب التطبيق تكاد تكون واحدة، ويظل الاختلاف الجوهري موجودًا في المضمون الذي تسفر عنه عملية التقنين.

وفي سياق تجربةِ تقنين أحكام الشريعة الإسلامية في التاريخ الحديث والمعاصر، يمكن القول إن حصاد عملية التقنين وهو القانون، هو ما توصل إليه علماء وفقهاء الشريعة والقانون من آراء وأحكام فقهية، ووضعوها في نصوص مرقمة ومبوبة؛ كي يرجع إليها القضاة، وتطبقها المحاكم.

وتصل عملية التقنين إلى أعلى مراحلها عندما تصدر عنها قوانين بمعرفة المجالس التشريعية كما أسلفنا، شريطة أن تكون هذه المجالس منتخبة بإرادة شعبية حرة. وتتسم مواد القانون في هذه الحالة بما تتسم به مواد أي قانون آخر من حيث العموم والتجريد والإلزام والجزاء الذي يوقع بحكم محكمة على من يخالف هذه المادة أو تلك من مواد القانون.

وإذا كان التقنين الشرعي هو صياغة الأحكام الفقهية على شكل مواد مرقمة ومسلسلة ومختصرة، ومستمدة من نصوص الشريعة الإسلامية، فمن البديهي أن تصاغ بأسلوب يخلو من ذكر الأدلة والنصوص النقلية، طلبًا للاختصار، وبحثًا عن سرعة الوصول إلى النص الفقهي المطلوب، واقتصارًا على قول واحدٍ يعتبر هو الراجح من حيث الدليل والمصلحة؛ وبهذا المعنى يختلف التقنين عن التدوين: الذي هو كتابة الأحكام الفقهية بصيغة يراها المدون مناسبة من حيث الوضوح، ومن حيث اشتمال المدونة على الأدلة والنصوص، وقد لا يقتصر على قول واحد من أقوال الفقهاء، دون أن تكون على شكل مواد مرقمة ومسلسلة. وبوضوح هذا الفرق يصبح من الخطأ استخدام مصطلحي التدوين والتقنين كمترادفين.

وفي سياق الجدل الدائر منذ نهايات القرن الرابع عشر الهجري/ سبعينيات القرن العشرين الماضي حول تقنين أحكام الشريعة الإسلامية؛ ذهب العلامة توفيق الشاوي إلى أن المقصود بالتقنين هو القانون المستمد من الشريعة، أو القانون الإسلامي. ودعا الشاوي إلى استعمال (هذه التسمية؛ أي «القانون الإسلامي»، وحجته في ذلك هي أن هذه التسمية ملائمة لمرحلة انتقالية يجري فيها الانتقال من القوانين الوضعية إلى القوانين الشرعية، وذلك إلى أن يتم تطهير مجتمعاتنا من القوانين الوضعية نهائيًا، ويصبح القانون كله إسلاميًا أي مستمدًا من القواعد والأصول التي جاءت بها الشريعة السمحاء.

ويكتسب التقنين صفة الشرعية إذا توافر فيه شرطان هما: أن يُستمد من مصادر الشريعة ويلتزم أصولها. وأن يكون ملتزمًا بأحكامها القطعية ومقاصدها السامية. والتقنين بهذا المعنى من شأنه أن يسهم في إخراج أقطارنا الإسلامية من مرحلة الازدواجية التي تفصل بين الفقه والقوانين الوضعية السائدة، كما تسهم في توحيد الثقافة الحقوقية التي تمكننا من المساهمة في التقدم العالمي في العلوم القانونية والنظم التشريعية؛ باعتبارنا أصحاب شريعة أصيلة ونظام قانوني عريق، ومتميز في المستقبل، بدلًا من أن نكون عالة على غيرنا وأذنابًا للثقافة الوضعية المستوردة.

ويؤكد عبد القادر عودة على أن ثمة فرقًا كبيرًا بين القانون الوضعي، والقانون المستمد من الشريعة. فالقانون الوضعي`ينشأ في الجماعة التي ينظمها ويحكمها، ثم يتطور بتطورها فتزداد قواعده، وتتسامى نظرياته، كلما ازدادت حاجات الجماعة وتنوعت، وكلما تقدمت الجماعة في تفكيرها وعلومها وآدابها. فالجماعة إذن هي التي تخلق القانون الوضعي وتصنعه على الوجه الذي يسد حاجاتها وينظم حياتها، وهو تابع لها، وتقدمه مرتبط بتقدمها.

أما الشريعة الإسلامية فهي ذات مصدر سماوي، يسمو عن واقع الجماعة وفكرها. نصوصها المؤسسة من عند الله، ومصدرها الأول هو الوحي. ولم تكن الشريعة قواعد قليلة ثم كثرت، ولا مبادئ متفرقة ثم تجمعت، ولا نظريات أولية ثم تهذبت. وإنما نزلت كاملة من عند الله، شاملة جامعة تحكم كل حالة. مانعةً لا تخرج عن أحكامها حالة، شاملة لأمور الأفراد والجماعات والدول. لا ترى فيها عوجًا، ولا تشهد فيها نقصًا ولم تأت لجماعة دون جماعة أو لقوم دون قوم، أو لدولة دون دولة، إنما جاءت للناس كافة.
الترتيب:

#6K

0 مشاهدة هذا اليوم

#31K

18 مشاهدة هذا الشهر

#9K

19K إجمالي المشاهدات
عدد الصفحات: 59.
المتجر أماكن الشراء
عبد الرحمن بن سعد بن علي الشثري ✍️ المؤلف
مناقشات ومراجعات
دار الصميعي للنشر والتوزيع 🏛 الناشر
QR Code
أماكن الشراء: عفواً ، لا يوجد روابط مُسجّلة حاليا لشراء الكتاب من المتاجر الإلكترونية
نتيجة البحث