❞ قال ابن عباس:
كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس
,
وأجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل
,
وكان جبريل يلقاه في كل ليلة من رمضان
,
فيدارسه القرآن
,
فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة.
وقال جابر: ما سئل شيئاً قط فقال: لا.
وكان من *الشجاعة والنجدة والبأس*
بالمكان الذي لا يجهل
,
كان أشجع الناس
,
حضر المواقف الصعبة
,
وفر عنه الكماة والأبطال غير مرة
,
وهو ثابت لا يبرح
,
ومقبل لا يدبر
,
ولا يتزحزح
,
وما شجاع إلا وقد أحصيت له فَرَّة
,
وحفظت عنه جولة سواه
,
قال علي:
كنا إذا حمي البأس واحمرت الحَدَقُ
,
اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم
فما يكون أحد أقرب إلى العدو منه.
قال أنس:
فزع أهل المدينة ذات ليلة
,
فانطلق ناس قِبَلَ الصوت
,
فتلقاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعاً
,
وقد سبقهم إلى الصوت
,
وهو على فرس لأبي طلحة عُرْي
,
في عنقه السيف
,
وهو يقول:
*لم تُرَاعوا
, لم تُرَاعوا*.
*وكان أشد الناس حياء وإغضاء*
,
قال أبو سعيد الخدري:
كان أشد حياء من العذراء في خِدْرها
,
وإذا كره شيئاً عرف في وجهه.
وكان لا يثبت نظره في وجه أحد
,
خافض الطرف.
نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى السماء
,
جُلُّ نظره الملاحظة
,
لا يشافه أحداً بما يكره حياء وكرم نفس
,
وكان لا يسمي رجلاً بلغ عنه شيء يكرهه
,
بل يقول: *ما بال أقوام يصنعون كذا*.
وكان أحق الناس بقول الفرزدق:
يُغْضِي حياءً ويُغْضَى من مهابته
فلا يُكَلَّمُ إلاّ حين يبتسمُ
صـلـى الـلـه عـلـيـه وســلـم.
وكان *أعدل الناس*
,
وأعفهم
,
وأصدقهم لهجة
,
وأعظمهم أمانة
,
اعترف له بذلك مجاوروه وأعداؤه
,
وكان يسمي قبل نبوته *الأمين*
,
ويُتَحاكم إليه في الجاهلية قبل الإسلام
,
روى الترمذي عن علي
أن أبا جهل قال له:
إنا لا نكذبك
,
ولكن نكذب بما جئت به
,
فأنزل الله تعالى فيهم:
{ *فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ* } [ الأنعام : 33 ] .
وسأل هرقل أبا سفيان
,
هل تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟
قال: لا.
وكان *أشد الناس تواضعاً*
,
وأبعدهم عن الكبر
,
*يمنع عن القيام له كما يقومون للملوك*
,
وكان يعود المساكين
,
ويجالس الفقراء
,
ويجيب دعوة العبد
,
ويجلس في أصحابه كأحدهم
,
قالت عائشة:
كان يخصف نعله
,
ويخيط ثوبه
,
ويعمل بيده كما يعمل أحدكم في بيته
,
وكان بشراً من البشر يَفْلِي ثوبه
,
ويحلب شاته
,
ويخدم نفسه.
وكان *أوفى الناس بالعهود*
,
و *أوصلهم للرحم*
,
و *أعظمهم شفقة ورأفة ورحمة بالناس*
,
أحسن الناس عشرة وأدباً
,
وأبسط الناس خلقاً
,
أبعد الناس من سوء الأخلاق
,
لم يكن فاحشاً
,
ولا متفحشاً
,
ولا لعاناً
,
ولا صخابا في الأسواق
,
ولا يجزي بالسيئة السيئة
,
ولكن يعفو ويصفح
,
وكان لا يدع أحدا يمشي خلفه
,
وكان لا يترفع على عبيده وإمائه في مأكل ولا ملبس
,
ويخدم من خَدَمَه
,
ولم يقل لخادمه أف قط
,
ولم يعاتبه على فعل شيء أو تركه
,
وكان يحب المساكين ويجالسهم
,
ويشهد جنائزهم
,
ولا يحقر فقيراً لفقره.
كان في بعض أسفاره فأمر بإصلاح شاة
,
فقال رجل: عليَّ ذبحها
,
وقال آخر: عليَّ سلخها
,
وقال آخر عليَّ طبخها
,
فقال صلى الله عليه وسلم: *وعليَّ جمع الحطب*
,
فقالوا: نحن نكفيك.
فقال:
*قد علمتُ أنكم تكفوني ولكني أكره أن أتميز عليكم
, فإن الله يكره من عبده أن يراه متميزاً بين أصحابه*
,
وقام وجمع الحطب.
ولنترك هند بن أبي هالة يصف لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم؛
قال هند فيما قال:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم متواصل الأحزان
,
دائم الفكرة
,
ليست له راحة
,
ولا يتكلم في غير حاجة
,
طويل السكوت
,
يفتتح الكلام ويختمه بأشداقه ـ لا بأطراف فمه ـ
ويتكلم بجوامع الكلم
,
فصلاً
,
لا فضول فيه ولا تقصير
,
دمثاً
ليس بالجافي ولا بالمهين
,
يعظم النعمة وإن دقت
,
لايذم شيئاً
,
ولم يكن يذم ذواقاً ـ ما يطعم ـ ولا يمدحه
,
ولا يقام لغضبه إذا تعرض للحق بشيء حتى ينتصر له
,
لا يغضب لنفسه
,
ولا ينتصر لها ـ سماحة ـ
وإذا أشار أشار بكفه كلها
,
وإذا تعجب قلبها
,
وإذا غضب أعرض وأشاح
,
وإذا فرح غض طرفه
,
جل ضحكه التبسم
,
ويفتر عن مثل حب الغمام .
وكان يخزن لسانه إلا عما يعنيه
,
يؤلف أصحابه ولا يفرقهم
,
يكرم كريم كل قوم
,
ويوليه عليهم
,
ويحذر الناس
,
ويحترس منهم من غير أن يطوي عن أحد منهم بشره.
يتفقد أصحابه
,
ويسأل الناس عما في الناس
,
ويحسن الحسن ويصوبه
,
ويقبح القبيح ويوهنه
,
معتدل الأمر
,
غير مختلف
,
لا يغفل مخافة أن يغفلوا أو يملوا
,
لكل حال عنده عتاد
,
لا يقصر عن الحق
,
ولا يجاوزه إلى غيره.
الذين يلونه من الناس خيارهم
,
وأفضلهم عنده أعمهم نصيحة
,
وأعظمهم عنده منزلة أحسنهم مواساة ومؤازرة .
كان لا يجلس ولا يقوم إلا على ذكر
,
ولا يوطن الأماكن ـ لا يميز لنفسه مكاناً ـ
إذا انتهى إلى القوم جلس حيث ينتهي به المجلس
,
ويأمر بذلك
,
ويعطي كل جلسائه نصيبه حتى لا يحسب جليسه أن أحداً أكرم عليه منه
,
من جالسه أو قاومه لحاجة صابره حتى يكون هو المنصرف عنه
,
ومن سأله حاجة لم يرده إلا بها أو بميسور من القول
,
وقد وسع الناس بسطه وخلقه
,
فصار لهم أبا
,
وصاروا عنده في الحق متقاربين
,
يتفاضلون عنده بالتقوى
,
مجلسه مجلس حلم وحياء وصبر وأمانة
,
لا ترفع فيه الأصوات
,
ولا تؤبن فيه الحرم ـ لا تخشي فلتاته ـ
يتعاطفون بالتقوى
,
يوقرون الكبير
,
ويرحمون الصغير
,
ويرفدون ذا الحاجة
,
ويؤنسون الغريب.
كان دائم البشر
,
سهل الخلق
,
لين الجانب
,
ليس بفظ
,
ولا غليظ
,
ولا صَخَّاب
,
ولا فحاش
,
ولا عتاب
,
ولا مداح
,
يتغافل عما لا يشتهي
,
ولا يقنط منه.
قد ترك نفسه من ثلاث:
الرياء
,
والإكثار
,
وما لا يعنيه
,
وترك الناس من ثلاث:
لا يذم أحداً
,
ولا يعيره
,
ولا يطلب عورته
,
ولا يتكلم إلا فيما يرجو ثوابه
,
إذا تكلم أطرق جلساؤه
,
كأنما على رؤوسهم الطير
,
وإذا سكت تكلموا .
لا يتنازعون عنده الحديث
,
من تكلم عنده أنصتوا له حتى يفرغ
,
حديثهم حديث أولهم
,
يضحك مما يضحكون منه
,
ويعجب مما يعجبون منه
,
ويصبر للغريب على الجفوة في المنطق
,
يقول: إذا رأيتم صاحب الحاجة يطلبها فأرفدوه
,
ولا يطلب الثناء إلا من مكافئ.
(الحديث فيه ضعف
, المشرف)
وقال خارجة بن زيد:
كان النبي صلى الله عليه وسلم أوقر الناس في مجلسه
,
لا يكاد يخرج شيئاً من أطرافه
,
وكان كثير السكوت
,
لا يتكلم في غير حاجة
,
يعرض عمن تكلم بغير جميل
,
كان ضحكه تبسماً
,
وكلامه فصلا لا فضول ولا تقصير
,
وكان ضحك أصحابه عنده التبسم توقيراً له واقتداء به.
وعلى الجملة
,
فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم محلى بصفات الكمال المنقطعة النظير
,
أدبه ربه فأحسن تأديبه
,
حتى خاطبه مثنياً عليه فقال:
{ *وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ* } [ القلم : 4 ]
,
وكانت هذه الخلال مما قرب إليه النفوس
,
وحببه إلى القلوب
,
وصيره قائداً تهوي إليه الأفئدة
,
وألان من شكيمة قومه بعد الإباء
,
حتى دخلوا في دين الله أفواجاً.
وهذه الخلال التي أتينا على ذكرها
خطوط قصار من مظاهر كماله وعظيم صفاته
,
أما حقيقة ما كان عليه من الأمجاد والشمائل
فأمر لا يدرك كنهه
,
ولا يسبر غوره
,
ومن يستطيع معرفة كنه أعظم بشر في الوجود بلغ أعلى قمة من الكمال
,
استضاء بنور ربه
,
حتى صار خلقه القرآن؟
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد
,
كما صلَّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم
,
إنَّك حَميد مجيد.
اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد
,
كما باركتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم
,
إنَّك حميد مجيد.
*وجزى الله كاتبها المباركفوري خير الجزاء ورحمه وغفر له*. ❝