█ نهضَ إدريس وجلسَ القُرفصاء وفتَحَ فاه وحَدقَ بصالح بعينين متوردتين وقد صُعق تَلفَتَ حوله ودون انتظار ردّ من صالح وغابَ لفترةٍ وجيزة راح يمشِي أصابعِ قدميه يتَطلَّع حولهُ بحذرٍ وخوف ظلّ يتلفَتْ يمينًا وشمالاً وهو يتفحصُ البحارة النائمين فجأة جَمدَّ مكانهِ حين سمع نوْبةِ سعال صادرة أحدِ أدركَ أن الرجل المدخنين كان صوتُ صدره يتنفس دليلاً أنه المدمنين لفّ السجائر أنتظر لبُرهةٍ حتى أدرك يغطُ نومٍ عميق رغم موجة السعال التي صدرت عنه يستحق الأمر كلّ هذا؟ يبدو جوري تدفع الجميع للجنون! إنه يدفعني مثلهم للجنون ما الذي أفعلهُ بحقِ الشيطان؟ خاطبَ نفسه رَكَعَ قدميهِ بقربِ بصعوبة تلفتَ الهدوء يسودُّ المكان توَزَّعَ الرجال الاثني عشر كاملِ سطح المركب يخشى يكون ثمة هو صاحٍ مثلهُ ويراقبه هذه اللحظة تستحق المُجازَفة؟ سأل ثم بَركَ جثةِ النائم وبدأ يعبثُ صرةِ ملابسهِ أنتَ لِفَّ السيجارة أنا لا أعرف كيف يفعلونها؟ تعرف أنتَ؟ سأل يدفع لهُ حفنة التبغ وحزْمة صغيرة ورقٍ شفاف أبيض اللون بعد عاد متسلِّلاً كلصٍ بل كتاب الغانية والبحر مجاناً PDF اونلاين 2024 حديثًا رواية للكاتب أحمد جمعة عن دار اسكرايب للنشر والتوزيع القاهرة وهي تقود القارئ رحلة غوص طويلة وشاقة لجني المحار فتروي حكاية غواص وصديقه يقضيان أربعة شهور قلب البحار منعزلين العالم وتبدأ العلاقة بالتشابك يروي أحدهما حكايته مع زوجته الجميلة الأخاذة بتفاصيل شفافة مما يزرع عقل الآخر_ لم يلتقِ بامرأة_ أفكارًا ومشاعر جياشة تبلغ ذروتها بالولوج عمق يبلغ مرحلة عشق زوجة الآخر خلال يرويه صديقه مغامراته العاصفة والمثيرة ويصل به لمنعطفٍ محموم يستطيع مقاومة الاندماج الكلي المرأة عبر يسردهُ جسدها وعاطفتها ورغباتها إلى يُفكر بالاستيلاء عليها التسبّب موت المسؤول الغوص فيتركه ليغرق ويعود اليابِسة العزلة الطويلة البحر ويبدأ قصة أخرى معها تجري احداث الرواية بدايةِ اربعينات القرن الماضي إبان الحرب العالمية الثانية مجتمع البحرين الخليجي بذروة محنة الكساد والموت الرخيص إطار منطقة رمادية ساحلية تعتمد حياتها صيد السمك والغوص بحثًا اللؤلؤ مدينة موبوءة بالفقر والمجاعة والعواصف والمرض والاستغلال ثمنه الغواصون وهم يلقون حتفهم وجودهم ويُدْفَنون فيه قبل العودّة
❞ لمع نور الشيطان أمامها وكأنّهُ يضيء شارعًا تغيَّرت ملامحهُ من حبٍّ ضمَّ في قائمتهِ الشغف والوله واللهفة والعشق والجنس إلى عبثٍ ولهوٍ ومتعة ومالٍ ونفوذ إنَّها القاعدة، والاستثناء هو الحبّ. ضحكت بصوتٍ شجي مقْتضَب وتوغَلَّت بشارعٍ لا تعرفهُ، قادها لطرقٍ متعرِّجة، رغم يقينها من أنها بالحي الذي تقطنهُ وقريبة من منزلها، لكنها أمام ضبابية الصورة وتلاعب أفكارها المشوَّشة، وتراكم انفعالات اسْتملكَتها بهمجيّةٍ منذ إسعاف الرجل وحتى صدمة الخطيب فقدت بطاريّة عقلها طاقاتها على التفكير وأُعشي نظرها فبدأت تتوَغَّل بطرقٍ وممرات ومنعطفات وهي بطريقها للدار التي اجتازتها ملايين المرات، منذ طفولتها حتى قبل ساعة، وهي مغمَّضة العينين تقود السيارة.
˝من قال أن الحبّ معجزة؟ الحبّ معزة عمياء˝ . ❝
❞ من رواية ˝يسرا البريطانية˝
طائر إلفينش
حطّ طائر صغير، بنافذتها عند تلك الصبيحة الرتيبة إثر ليلة ماطرة اشتدّ على إثرها البرد، لَوَن الأفق، شطر السماء لقطعتين من السحب أخذت الأولى شكل لسان نهر التيمز باللون الرصاصي القاتم، والقطعة الأخرى، شكل ورقة العنب المصفحة باللون الرصاصي المائل للسواد، ولأن الليل ما زال يطبع الوقت بصداه رغم بزوغ الفجر، فقد أيقظها صوت الطائر الشرشور، وذكرها بصوت الحسون الوردي الذي سافر معها من حافة سماء الزبير لأطراف برج الحمام بحلب، خيّل إليها أنه يحمل رسالة من جبار الشريف˝ ماذا يريد أن يوصل إلي هذا الحسون في هذا الوقت المُبكر من الفجر؟˝ تساءلت وهي تهم بترك النافذة التي يتسلل من أطرافها برد ˝كينغستون˝ لاحقها الكسل والبرد والشعور بالخمول، ودت لو يكون اليوم إجازتها لتبقى في الفراش تتأمل هذا الطائر الوحيد الضال وهو من فصيلة ˝الفينش˝ الانكليزي (finch) الشرشور بلونه البني القاتم، فيما مال لون ظهره للبني الفاتح وبرز صدره باللون البني الفاتح، أما أسفل بطنه الصغير المدبب فقد اكتسى باللون الكستنائي، بينما اتخذ رأسه اللون الرمادي، وبدا اللون الأسود يطبع منقاره وجناحيه، تأملته كما لو كان إنساناً راحلاً من موطن لآخر، ربما رسمت من خلاله رحلتها الطويلة من الزبير إلى حلب مروراً بالحدود التركية ثم البحرين ودبي وانتهاء ˝بكينغستون˝، كانت الصورة دقيقة وعميقة سبرت غور الأزمنة كلها وعبرت الأمكنة بمطاراتها وحدودها وحقائب وتأشيرات وما صاحبها من سجون وتحقيقات، اختزلت ذلك كله في دقائق الصباح، الذي رأت فيه هذا الطائر المرهق من أهوال الطقس وكأنه استقر في محطته عند نافذتها في هذا الوقت، شبهت رحلته برحلتها ابتسمت وهي تتأمله وودت لو تمسكه وتمسح عنه التعب.
عادت من الحمام لتزيح الستارة عن النافذة، فوجئت به منكمش وقد التحف البرد الذي لم يرغمه بالتوقف عن الزقزقة، كان صوته يخفت ويعود وكأنه يود التأكيد على صموده ˝ما الذي يرغمه على البقاء والتشبث بالنافذة؟˝ ارتدت روب الحمام الأبيض القطني الذي استعارته من الفندق، ونظرت للساعة التي كانت تشير إلى الخامسة وسبعة عشرة دقيقة . ❝