الغلاف
غلاف مميز يستحق الدراسة والتحليل، دعنا نبدأ بتدرجات اللون الأزرق (لون البحر) ما بين فاتح يشتد لونه إلى أن يصبح قاتم أقرب للسواد، وذلك ما هو إلا دليل على أن ما يخفيه البحر من هموم البشر وتسربات شكواهم، وربما تستُّرات لجرائمهم ذهبت بنقائه فعمّ الحزن والكآبة عليه، كذلك كانت الأمواج بلونها الأبيض قليلة الحظ في الظهور على جانبي الغلاف وكأن أخطاء البشر أكبر من أن تكفيها تلك الأمواج لإعادة الطُهر إليها. نلاحظ أن الغلاف عبارة عن بحر واسع يكتسيه اللون الأزرق بتدرجاته ولكن تم حصره بإطار أسود ترقد في داخله علامة استفهام كبيرة، الإطار جاء موفقاً لأن الرواية لا تتحدث عن البحر كاملاً وإنما بحر ميمون _منطقة الحدث_ وعلامة الاستفهام جاءت لتزيد فضول القارئ حول ماهية هذا المكان غير المتواجد على الخارطة الجغرافية للعالم، وربما جاءت كتساؤل عمّ يحدث في الخفاء في جنبات ذلك المكان من خطط ودسائس، أو لعلها كانت استنكاراً لحدث مفاجئ لمقتولٍ في الرواية، ويزداد الاحتمال الأخير تأكيداً من رشقات الدماء _اللون الأحمر_ المنثورة في ثلاث مناطق على الغلاف، أما عن العنوان فجاء بخط مبعثر كبير يتناسب مع هول البحر بلونٍ أزرق فيروزي يجلب شيئاً من الحنين لذكرى ما، وأكثر ما راقني من ذكاء في العنوان الثلاث نقاط _نقطة الباء، نقطتي الياء التي جاءتا متلاصقتين كنقطة واحدة، ونقطة النون_ التي جاءت بلون أحمر لتعبر عن القتل. غلاف موفق جداً.
العنوان
تخط الكاتبة عنواناً من كلمتين: الأولى نكرة تفيد الشمول والعموم، ولكن لأن ذلك يتعارض مع مضمون الرواية فجاءت الكلمة الثانية لتُعرفه وتخصصه فهنا المقصود بحر ميمون بالتحديد، وليس أي بحر. العنوان مبهم للقارئ وهذا للفت انتباهه فكما ذكرت سابقاً ميمون ليس اسم لأحد البحار في كرتنا الأرضية، إذن هناك مغزى ونقصد آخر من العنوان ستكشف عنه صفحات الرواية.
الإهداء : ليس هناك أجمل من مشاعر الامتنان، كيف لا وهي تعزز من مكانة الأشخاص في داخلنا، وتُرقدهم مكاناً يستحقونه. كان الزوج المعنيّ في هذه الرواية، راق للكاتبة تقديره وذكره بين دفتي كتابها الأول ليبقى دهراً يتكرر فضله ويتجدد امتنانها له وربما يتناقل الأجيال تلك الفضيلة، فضيلة الشكر والامتنان.
.
الافتتاحية
تفتتح الكاتبة روايتها بأبيات لفاروق جويدة لمهمومٍ يبوح بسر شكواه للبحر الذي ضاق ذرعاً بويلات البشر، افتتاحية مناسبة لموضوع الرواية.
مكان الحدث: تمنحنا الكاتبة حياة جديدة في مدينة جديدة تختلقها بين ثنايا عقلها وتهبها لنا لننصت لما حدث في أرجائها، جعلت اسم المدينة (مدينة) لم تحدد وذلك لأن قصصاً اجتماعية ك هاته تحدث في أي مدينة وفي أي زمان، فالطمع والجشع وحب النفوذ والسلطة مشاعر غريزية موجودة بالفطرة، منّا من يتحرر من عبوديتها، ومنا من تأسره طول العمر. رغم ذلك خلقت الكاتبة المكان ولم تتهرب من هذه الركيزة الأساسية لصناعة الرواية فكان مكان الحدث بتلك المدينة منطقة (بحر ميمون).
.
الزمان : لم تحدد زماناً معيناً لكن نظراً للانفتاح الوارد في الرواية، واستخدام الهاتف، وأمن الشركة نرجح أنها في القرن العشرين.
.
الشخصيات
الشخصيات الرئيسية: (صفوان ميمون، مراد، ميسون، حسنية)، الشخصيات الفرعية: (حنان، سليم، خيري، محرز، زوجة محرز، عمر بن محرز، حورية وزوجها وحماتها)
السرد
تبدأ الرواية بسرد على لسان حسنية (مديرة القصر) ولكن يختفي سردها ويتلاشى ليحل محله سرد الرواي حتى نهاية الرواية، حقيقةً أحببت لو يتناوب السرد بين الراوي وحسنية. وازنت الكتابة بمهارة عالية بين السرد والحوار، فجاء السرد منمق بلغة بليغة وجاء الحوار مفعم بالمشاعر المتنوعة، وأبدعت في تقمص جميع الشخصيات. لا وجود للإطناب والملل، تشويق مستمر متصاعد إلى أن يصل لذروة
الحبكة
تبدأ العقد تُفك واللغز يصبح متاحاً، وجلبت لنا حكاية أخرى بداخل الحكاية، وقصة قصر سنمار التي جلبتها لعبرة داخل الحكاية، وكانت موفقة جداً في ضربها بها مثلاً.
اللغة
تنقلت الكاتبة في طرقات الرواية وأزقتها بلغة صحيحة، بليغة، قوية جداً ومفردات جزلة وساقت تشبيهات رائعة وصور جمالية في محلها تماماً، مثال راقني جداً:
"أعدّت دهاناتها الواقية من الشمس فهي لا تدّخر جهداً في المحافظة على جمال وجهها ورشاقة جسدها". ولا ننسى براعتها في وصف الأشخاص ووصف القصر والأماكن.
التنقلات في الرواية: تنقلت الكاتبة بين فصل وفصل برشاقة ومهنية جيدة جداً، لكنني كنت أُفضل تقسيم الرواية لفصول، كل فصل يحمل عنوان فرعي أو حتى رقم، ذلك يُقوي من بنية الرواية.
.
الحبكة : هنا سأقف مصفقة بحرارة لحبكة الرواية فقد كانت مضبوطة تماماً ومحبوكة بحرفية، وبنت على أساسها تصاعد الأحداث المتتابعة والتي كانت مخالفة للتوقعات تماماً، للحظة عندما قرأت وصف الأشخاص لاحظت شبه بين شخصين، فقلت هاااا حللتها، ولكن هيهات أن أوقع كاتبة بحجم الدكتورة الزهراء في شرك تحليلاتي، حقيقةً الحبكة مختلفة تماماً والحقيقة خارج أي توقع، وصفت بشكل دقيق لتوقعك في فخ الذكاء ولكن ستكتشف أنك ما كنت سوى فراشة طافت حول ضوء تظنه نوراً فحرقها.
.
الموسيقى : تبدأ الرواية بأصوات الباعة والسوق والطريق إلى القصر، ثم بعد الهدوء وتخشع القلوب في حضرة مالك القصر، ثم يتناغم هدير الأمواج مع زخات المطر وهزيم الرعد، الموسيقى حاضرة بقوة، مثال: "شتاء قارص صارع الصيف وانتصرت ليملأ الدنيا بالمطر، زخات المطر تضرب زجاج النوافذ...".
.
النهاية
تُسدل الكاتبة الستار على نهاية مؤلمة لكنها مستحقة لهم، فلا يصح إلا الصحيح، وفي نهج العدالة لا يستقيم إلا الحق.
جاءت قفلة الرواية على توديع حسنية للقصر وجاء مرتبط مع البداية فكأن حسنية فتحت باب القصر وعرضت علينا حكايته ثم عند النهاية غادرت من حيث أتت.
أشياء استوقفتني: ذكرت الكاتبة الخريف في موضعين الأول في بداية الرواية على لسان حسنية التي تذكرت نقمة والدتها لفصل الخريف لأن فيه ذكرى موت لأعزاء على قلبها، والموضع الآخر حينما قارنت بين خريف البشر وخريف الشجر فالأول لا تجدد فيه بل يعقبه نهاية حياة، أما الآخر فتبدأ بنهايته حياة جديدة. التشبيه والمقارنة رائعين وأوافق الكاتبة في ذلك.