في النزول الى جحيم... وجهك الآخر!: قراءة ممكنة في رواية... 💬 أقوال محمد الجابلي 📖 رواية أبناء السحاب

- 📖 من ❞ رواية أبناء السحاب ❝ محمد الجابلي 📖

█ النزول جحيم وجهك الآخر!: قراءة ممكنة رواية «أبناء السّحاب» لمحمد الجابلّي (1 2) كتاب أبناء السحاب مجاناً PDF اونلاين 2024 مثل النضال الفكري خاصية متفرّدة وحقيقية علاقة الكاتب الناقد محمد الجابلي بالكتابة الإبداعيّة هو الّذي كان من أبرز مؤسسي رابطة الكتاب الأحرار سنة 2000 وتمثّل الكتابات الروائيّة الجبلي منجزا سرديا متميزا صعيدي المبنى والمعنى بما يقيم الدليل ما تميزت به كتاباته ريادة وعمق نزعة تجديديّة

إنضم الآن وتصفح بدون إعلانات

في النزول الى جحيم... وجهك الآخر!: قراءة ممكنة في رواية «أبناء السّحاب» لمحمد الجابلّي (1\2)

منقول من turess.com ، مساهمة من: ❣ Jihan Hamady
عندما نزل «دانتي» الى جحيم «الكوميديا الإلهية» توسل بشيطان «الشعر المقدس». وعندما تجشمت الأنا الساردة في نص «أبناء السحاب» مغامرة التوغل في زواريب الذات وأغوارها المهلكة، رامت الإمساك، في رحلة حفرها تلك بيد الحكي النثري والتخييل الروائي، وبتلابيب خواص خطابه وذلك دون تقديم أو تمهيد وإهداء فامتدت مساحة القول على 163 صفحة في كتاب من الحجم المتوسط مكتفية بالإعلان عن انتمائها الأجناسي غير المعرف، رواية.
أما عندما يتورط المتلقي، في قراءة النص فإنه لا بد وأن يجد نفسه، بالرغم من احتياطاته في التحلي بالموضوعية المسبقة، مجبرا على انتزاع أقنعة سوائه الكاذب وعلى تحريك مرجل الأسئلة التي حسب أنها خمدت فيه الى أجل غير مسمى
كما ستنفتح فيه الأدراج والخزائن المقفلة للزمن الذاتي، على جردة للحساب ثقيلة بديون المرحلة الملتبسة لينتهي الى الوقوف على هول بشاعة وجهه المعلق على صفحة مرآة المدينة المحدبة المشوهة

I-على العتبات:

تواجهك أو تعرض نفسها عليك هندسة حداثية يصرفها للوهلة الأولى تقابل لوني فاضح للنوايا الطيبة، بما هي الطريق الملكية المؤدية للجحيم: حرية الأزرق البحري واعتدال البرتقالي.
في جهة الاعتدال يحلق الاسم اسم المؤلف: محمد الجابلي في سمائه الملساء، ويتوسطها انتجاع عنوان «أبناء السحاب» كابتعاد قافلة أو ركض فارس، منشد الى الاقتراب من مساحة الحرية حيث تنبثق على خلفية الانتظار اللازوردي يد الكتابة وقد تلاعبت بها صروف التصاعد والنشدان فتبدلت بالتحول والتشكل شمعة للاحتراق. يعاضدها على بعد حركة في ذات الاتجاه رسم للحدثان المفارق، بمرارة «حنظلة» ناجي العلي، الذي يضعك باستدارة وجه الققا الرافض، الساخر وجها لوجه مع «وجهك الآخر»؟!
(انطر النسخة المصاحبة لوجه الغلاف)

II- حفيف الأصداء.. فحيح السرد... :

بالتصادي، من خلال مكون عنصر أصداء المتن، يأتلف نص آخر مواز يشي من خلال ركوبه حيلة التناص الداخلي بوشائج الحكي. بأن يحضر عبد الرحمان ابن خلدون خارج بحكمته المشخصة لأحوال العمران في هيأة الحارس الأخير لعمارة الحاضرة الموجودة. وتصاعد الحال الصوفية بين غيمة البدوي المتصعلكة عبر أطلال التاريخ المأفون، وأقبية التحقيق المدني.. في مجتمع الناموس والقانون؟!
بينما يشدك حبل النجاة الأخير الى الخروج من مستنقع مياه مجاري العولمة... لتقف على تأمل ملامح وجهك الآخر في بركة نرجسيتك المتورمة نقاء. أما عمارة الرواية فقد تشكلت من تجاور عنصري مقاطع نصوص «الأصداء» وفصول المتن السردي. وقد اضطلعت شذرات التصادي بتهريب دلالات موضعية الى آخر كل فصل قوامها الأحكام المعياريه (فساد، صلاح...) والنزوع الى الاعتبار، وذلك حتى لا تغبط المساحة السردية خواصها الأصيلة الضاربة في التخييل والإيهام والضالعة في تعهد الانتظار بالتأجيل والايحاء، لتشتغل مثل هذه النصوص الأصداء بذلك التناص الداخلي الذي يشي بنوايا السارد التأملية والناسجة ل «خيط آريان» الرؤية المهيمنة والدلالة الكلية. بالالحاح المنفصل عن الحدثين والمنصب على الهواجس والأسئلة والمفارقات الناظمة لفلول السرد.


أما السرد ذاته فقد توخى تقنية الارجاء والتقطيع اذ تعمد تقطيع أوصال «قصة» لا تتعدى في نواتها الأصلية الوقائعية: أزمة تفكك أسرة من الطبقة المتوسطة بتقسيمها الى مساحات متعاقبة من الزمن الكتابي يضطلع بها خطاب لا يكاد يمنح القارئ نبذة من مقطع سردي من شأنه ان يتقدّم بمسار الحكي بعض الشيء، حتى يتوقّف ليغوص بالتداعي في الحفر في أغوار الذات بوصف انفعالاتها وبجلدتها ورصد استشكال علائقها، بهدف التبئير على ما يتملّكها من قلق جذريّ.
«يقود الهادي السيارة شاردا... ليدخل شارع افريقيا، ويستحث ذاكرته.» (ص 22).
وغالبا ما يجد القارئ نفسه أمام شخصية في حالة غياب وعزلة عن محيطها المباشر مستغرقة في شأنها الداخلي، لتنتبه فجأة الى ما يحدث حولها، أو لتنط وهو فعل تكرر كثيرا في النص في ذهنها فكرة تجعلها تستأنف ما جاءت من أجله:
«صعد الدّرج مسرعا وفتح باب الشقة، جال في المطبخ وفتح البرّاد ثم أغلقه، ارتمى على السرير وفتح التلفاز، طافت في ذهنه خواطر، واستعاد وقائع يومه تذكر...» ص (35).


«يرتقي الرتل الهضبة المطلّة على المروج فتبدو البنايات...» (ص 75).
يتوقف السرد على جملة واحدة، ليشغل الوصف كامل المقطع. كما يعمد النصّ أحيانا الى التصريح بارادة الوقوف على الحال، ليفكّر بصوت عال «وكان يُقلّب أمره ويلاحظ أن فسقه الخفيّ يزيد مع بياض شعره، فكان أحيانا يلوم نفسه ويُجري مقارنة بين شبابه وكهولته، كان قديما أكثر صرامة...» ص (134).
لذلك كثيرا ما ينقلب السرد الى ضرب من «الشعريّة» التي تترك اللغة المرجعية، لغة الانعكاس مرآة وتمثيلا للواقع، لتتوغل في الاستعارة الكثيفة وهي تتوسل المفارقة وتصنع مرارة السخرية وهباء الخلف. لتنتهي وبكيفية متواترة الى «الشاعرية» الخالصة بتضمين المقاطع الشعرية الصريحة:


«أيها الواقف في ريح المساء / تستحث الروح، / موثوقا الى الصخرة، / مأخوذا بسرّ النار والوردة، / أنظر (...) وسدى تذهل عن لحن الأفول» (ص 92).
كما تتدعّم اختيارات ايقاف السرد بعودة المقاطع الحوارية التي جعلت بدورها من توظيف اللهجة العامية (المحليّة والمشرقية) وسيلة لتأكيد مناحي السفور والتعرية ودلالة الركود والانسداد:
« اتحب تتعشى بابا»؟
أجاب الهادي من داخل الحمام:
لالا ما انحبش نتعشى لكن نحب نحكي معاك...
سامحني بابا والله تاعب، خلّي مرة أخرى» (ص 85)

III دائرة الزمان المفرغة:


«الزماكانية chronotope أحد أهم مفاهيم ميخائيل باختين المعقدة، وتعني حرفيا «الزمان المكان»... ولا شك أن باختين في تبنيه المصطلح قد ربط «سيولة» العلاقة الزمانية المكانية (في نظرية آنشتاين النسبية) بالنقد الأدبي، خاصة أن النظرية النسبية تقول أن الفصل بين الفعل والزمن أمر محال لأن الزمن هو البعد الرابع للمكان...» (دليل الناقد الأدبي، ص170).
في رواية «أبناء السحاب» كغيرها من النصوص الروائية، تعددت سياقات السرد بالاتكاء على التقطيع العمودي للسير الأفقي لخط الزمن عن طريق التداعي والاسترجاع ليقع الربط بينها بإفراغ حبكة السرد في قالب زمكاني جامع هو: العولمة بمعناها الكارثي لينشد زمن الماضي القريب الي دائرة محددة في ملامحها الكبرى، بتاريخ معاصر مؤشر له موضوعيا: بأحداث غزة على المستوى الاقليمي وأحداث سليمان على المستوى المحلي لاحظ غياب المؤشر الزمني والاكتفاء بربطه بمكان الفعل والحدث وفي ما عدا ذلك فقد اشتغل النص في التعامل مع الأزمنة الأخرى بالاستدعاء والاستحضار والاسقاط وذلك بالذهاب في الماضي البعيد الى أيام الصبا والشباب والى ضرب من الزمن الخرافي، هو زمن «أسطورة تكوين القبيلة وخروج أبناء السحاب» ليحقق مقابلته البنائية الأثيرة بين: الزمن الجميل والزمن الكارثي، وهي ذات الثنائية التي تتجسد على مستوى المكان في المقابلة بين مكان للإحباط وللموت البطيء هنا، ومكان للمتعة والحكمة والبرء هناك؟.


تونس العاصمة، دائرة مفرغة تعتمل الأشياء في أزقتها الخلفية بينما يمثل محورها الشارع الرئيسي باهتا خال من الدلالة والمعنى، ومعطل الوقت تتخمر الأحداث الى درجة العفن في الأحياء الشمالية الراقية (المنزه) وفي الأحياء الجنوبية النمطية (المروج). تقترب من المركز حتى تكاد تحاصره بخساراتها وانهياراتها (باب سويقة، البساج، شارع الحرية، البلفيدير...). لكنه مع ذلك يكابر بتحصين عقمه، بحيث لا يكتمل فيه شيء أو فعل، لا تشذب قصيدة «الأرض الخراب» ولا تفضي لقاءات المبدعين الى لقاء احتفالي ناجز (المزار) أو موعد حول مشروع فكري وفني، ولا تثمر مقابلة الطليقين: الهادي وقمر في نزل «أفريكا» مصالحة أو حلا لمأساة الأسرة المتفجرة
وحتى ابن خلدون واضع علم الاجتماع وأس العمران، يتراجع دورة الى حضور معماري باهت، هو تمثال أو شارع للعبور، أما حكمته فلا يعبأ بها أحد
أما بعيدا عن المدينة الملعونة، فتتراءى سهوب حرية القبائل وساحات (مضمار) فروسية الجد المؤسس، وظلال الحنين والحلم والسوء الوارقة في مكان ما قصي في دواخل البلاد والعباد وفي ملكوت المخيال الجمعي

محمد الجابلي

منذ 11 شهور ، مساهمة من: ❣ Jihan Hamady
12
0 تعليقاً 0 مشاركة
نتيجة البحث