❞ ﴿2 رمضان - الحديث الثالث﴾
عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله ﷺ: يَأْتي علَى النَّاسِ زَمانٌ
, فَيَغْزُو فِئامٌ مِنَ النَّاسِ
, فيَقولونَ: فِيكُمْ مَن صاحَبَ رَسولَ اللَّهِ ﷺ؟ فيَقولونَ: نَعَمْ
, فيُفْتَحُ لهمْ
, ثُمَّ يَأْتي علَى النَّاسِ زَمانٌ
, فَيَغْزُو فِئامٌ مِنَ النَّاسِ
, فيُقالُ: هلْ فِيكُمْ مَن صاحَبَ أصْحابَ رَسولِ اللَّهِ ﷺ؟ فيَقولونَ: نَعَمْ
, فيُفْتَحُ لهمْ
, ثُمَّ يَأْتي علَى النَّاسِ زَمانٌ
, فَيَغْزُو فِئامٌ مِنَ النَّاسِ
, فيُقالُ: هلْ فِيكُمْ مَن صاحَبَ مَن صاحَبَ أصْحابَ رَسولِ اللَّهِ ﷺ؟ فيَقولونَ: نَعَمْ
, فيُفْتَحُ لهمْ .
********** الشرح **********
إنَّ خَير النَّاسِ بعْدَ الأنبياءِ هُم أصحابُ النَّبيِّ ﷺ
, ثمَّ تابِعُوهم
, ثمَّ تابِعُو تابِعِيهم
, هكذا أخبَرَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في هذا الحديث صراحة.
وفي هذا الحَديثِ بَيانُ فَضلِ القُرونِ الثَّلاثةِ
, وأنَّ النَّصرَ أجْراهُ اللهُ على أيدِيهم
, فيُخبِرُ ﷺ أنَّه سَيأتي على النَّاسِ زَمانٌ يُجاهِدُ فيه جَماعةٌ مِنَ النَّاسِ في سَبيلِ اللهِ تعالى
, فيَسألُهمُ الَّذين يَغزونَهم: هلْ فيكم أحَدٌ صَحِبَ رَسولَ اللهِ ﷺ؟ فيَقولُ المُجاهِدونَ: نَعَمْ
, فينا مَن صَحِبَ رَسولَ اللهِ ﷺ
, فيَكونُ ذلك سَبَبًا في أنْ يَكتُبَ اللهُ الفَتحَ على أيدِيهم؛ لِفَضلِهم ومَكانَتِهم
, حيث صاحَبوا رَسولَه ﷺ
, وهذا بيان لبركة صحبة رسول الله ﷺ وأنَّ مقام الصحبة على اختلاف درجاتها مقام عظيم.
ثمَّ يَأتي زَمَانٌ
, فيُقَالُ: هل فيكم مَن صَحِبَ أصحَابَ النَّبيِّ ﷺ؟ وهُمُ التَّابِعونَ
, فيُقالُ: نَعَمْ
, فيَكتُبُ اللهُ عَزَّ وجَلَّ الفَتحَ على أيدِيهم؛ لِفَضلِهم وبَرَكَتِهم؛ حيث صَحِبوا أصحابَ رَسولِ اللهِ ﷺ
, وتأدَّبوا بأدَبِهم
, وهذا بيان واضح على عدالة التابعين المطلقة
, وعلى فضلهم بل وعلى بركتهم البيِّنة في الخبر؛ فإنَّهم لم ينزلوا عن بركة الصحابة إلا أنهم لم يروا رسول الله ﷺ.
ثمَّ يأتي زَمَانٌ فيُقالُ: هل فيكم مَن صَحِبَ صَاحِبَ أصحَابِ النَّبيِّ ﷺ؟ وهُم أتباعُ التَّابِعينَ
, فيُقالُ: نَعَمْ. فيَكتُبُ اللهُ الفَتحَ على أيديهم؛ لِفَضلِهم وبَرَكَتِهم؛ إذْ صَحِبوا مَن صاحَبَ أصحابَ رَسولِ اللهِ ﷺ
, وتأدَّبوا بأدَبِهم
, وتعَلَّموا مِن عُلومِهم.
وكذلك هذه دلالة واضحة على عدالة أصحاب العصور الثلاثة المطلقة حيث أخبر النبي ﷺ عن فضلهم في أكثر من موضع كما ترى في هذه الأربعين
, وشهد لهم بالفضل
, وأوصى بهم وباتباعهم وبالاقتداء بهم
, بل أنبأ عن الغيب بفضلهم وبركتهم في قوله: ثُمَّ يَأْتي علَى النَّاسِ زَمانٌ
, فَيَغْزُو فِئامٌ مِنَ النَّاسِ
, فيُقالُ: هلْ فِيكُمْ مَن صاحَبَ مَن صاحَبَ أصْحابَ رَسولِ اللَّهِ ﷺ فيَقولونَ: نَعَمْ
, فيُفْتَحُ لهمْ.
فبمجرَّد أنَّ في الجيش تابعيٌّ أو تباع تابعيٍّ فُتحت لهم الأمصار ببركته وفضله
, ويُفهم من هذا أن هؤلاء عدالتهم مطلقة بتعديل الله تعالى ورسوله ﷺ
, وهم على عدالتهم الأصلية حتَّى يأتي صارف يصرفهم من عدالتهم الأصلية إلى غير ذلك
, بأن يُشهد على تابعيٍّ أنَّه كذَّاب
, فبالطَّبع هذا معزول من ديوان التَّابعين فلا يُذكر أنَّه تابعي بل يُذكر أنَّه كذَّاب
, وغالب العلماء على تكفير قاصد الكذب على رسول الله ﷺ
, فهو حاله حال من رأى رسول الله ﷺ ولكنَّه كافر به
, فهذا ليس صحابيا معه أنَّه رأى رسول الله ﷺ
, فكذلك من كذب على رسول الله ﷺ من التابعين قاصدا
, فهو ليس تابعيًّا مع أنَّه صحب أصحاب رسول الله ﷺ.
وفي الحَديثِ: عَلَمٌ مِن أعلامِ النُّبُوَّةِ
, حيث أنبأ النبي ﷺ
, على غيب وقد وقع ما أنبأ به.
وفيه: فَضيلةٌ لِأهلِ القُرونِ الثَّلاثةِ الأُولى
, وأنَّ فضلهم لا يبلغه فضل
, وأنَّ مجموع الأحاديث السابقة تنبأُ بأنهم من ذوي العدالة المطلقة
, وأنَّ الفرد منهم بجماعة ممن هم بعدهم.. ❝