❞ ❞نحن لا نزرع الصبّار❝ ، بقلم د. محمـد فتحي فوزي تتسلل الشمس رويدا رويدا من نافذة الغرفة، وبخيت مستلق على سريره يتقلب على جنبيه يُفكر فى مستقبله وحياته المُقبلة، وطوال الليل يحملق فى سقف غرفته ويتساءل فى قرارة نفسه ماذا يفعـل لزيادة موارده وتنمية دخله، حتى أصبح عليه الصباح، فاستقر تفكيره على السفر إلى الخارج يجهز نفسه، وينمى قرشه، ليعـود إلى بلده مرتديا تاج العزة والكرامة، وهداه تفكيره. إستقــرار التفـــكير: ليذهب إلى مزارع العنب فى إحدى الدول الأوربية، وما أكثرها من فرنسا، وإنجلترا وغيرهما الكثير، فنهض من فراشه هائما باحثا عن أمه لتحضر له طعام الإفطار، وطفقت شقشقة العصافير ترتفع أصواتها من وراء شيش النافذة، وأشعة الشمس بلونها الذهبى تنفذ وتنتشر مضفية على الحجرة روح الدفء من رطوبتها الصباحية، فتوجه لقضاء حاجته مــن وضـــــــوء واغتسال ونظافة وخِلافه واضعا منشفته على منكبيه؛ ليستعملها فى تجفيف أعضائه من الماء. أخذ سجادته، ليصلى الضُحى ثم يتنفل لحين ماتحضر له أمه الفطار، وبعد الصلاة ارتدى ملابس الخروج، وكان الفطار جاهزاً، فالتقم لقيمات تقمن صلبه وتسنده من شقاء العمل، وتحركات سيره فخرج مربتا على كتف والدته، فاتحا باب شقته، إلى السعى والكد، ولقمة العيش.. ❝ ⏤د. محمـد فتحي فوزي
❞نحن لا نزرع الصبّار❝ ، بقلم د. محمـد فتحي فوزي
تتسلل الشمس رويدا رويدا من نافذة الغرفة، وبخيت مستلق على سريره يتقلب على جنبيه يُفكر فى مستقبله وحياته المُقبلة، وطوال الليل يحملق فى سقف غرفته ويتساءل فى قرارة نفسه ماذا يفعـل لزيادة موارده وتنمية دخله، حتى أصبح عليه الصباح، فاستقر تفكيره على السفر إلى الخارج يجهز نفسه، وينمى قرشه، ليعـود إلى بلده مرتديا تاج العزة والكرامة، وهداه تفكيره.
ليذهب إلى مزارع العنب فى إحدى الدول الأوربية، وما أكثرها من فرنسا، وإنجلترا وغيرهما الكثير، فنهض من فراشه هائما باحثا عن أمه لتحضر له طعام الإفطار، وطفقت شقشقة العصافير ترتفع أصواتها من وراء شيش النافذة، وأشعة الشمس بلونها الذهبى تنفذ وتنتشر مضفية على الحجرة روح الدفء من رطوبتها الصباحية، فتوجه لقضاء حاجته مــن وضـــــــوء واغتسال ونظافة وخِلافه واضعا منشفته على منكبيه؛ ليستعملها فى تجفيف أعضائه من الماء. أخذ سجادته، ليصلى الضُحى ثم يتنفل لحين ماتحضر له أمه الفطار، وبعد الصلاة ارتدى ملابس الخروج، وكان الفطار جاهزاً، فالتقم لقيمات تقمن صلبه وتسنده من شقاء العمل، وتحركات سيره فخرج مربتا على كتف والدته، فاتحا باب شقته، إلى السعى والكد، ولقمة العيش.
وأثناء نزوله على الدرج، إلتقى بصديقه المجاور له فى السكن، متجازبين أطراف الحديث عن السفر والهجرة إلى الخارج ،للعمل ثم العودة؛ لإقامة أى مشروع يحقق له ربحا يتعيش منه هو ووالدته وزوجته المستقبلية؛ فثرثرا على السلم عن جوازات السفر، وكيفية استخراجها، وهى أول عتبة من عتبات السفر للخارج، ووضح المفهوم لديه باقتناء الجواز ،ثم تطرقا للتأشيرة وكيف الحصول عليهــا للدولة المرغوب السفر إليها. اكتملت فى عقل "بخيت" كل تلك المعلومات، واختمرت الفكرة فى ذهنه، إلى أن خرجا من بوابة العمارة، وافترقا للتلاقى بعد قضاء المصالح ليلا، فوصل "بخيت" لعمله قاضيا حاجات مواطنيه، ثم قرر بعد ذلك التوجه؛ لالتقاط الصور الفوتوغرافية، ليذهب بها للإدارة، لاستخراج جوازه، وفعلا إنتهى من ذلك، وأخبره الضابط المنوط به العمل العودة بعد أيام، لاستلام وثيقته وهو عائد تذكر أن يأتى ببعض نبات الصبر من لدى العطار كما أوصته أمه لشعرها، فاتجه صوب المحل.
شرعت السماء ملبدة بالغيوم؛ فكثرت وتكاثفت، وراحت الشمس تتوارى تارة، وأخرى تظهر، منبئة بهطول أمطار، حيث السحاب حين يرتفع إلى طبقات الجو العُليا، ثم يصطدم بكتلة سحابية أخرى إحداهما باردة والأخرى دافئة يحدث إرتطام، ينتج عنه شُحناتٌ كهربية يطلق عليها البرق، وصوتا مجلجلا يُسمى بالرعـد، فتعلو السحابة الدافئـــــة السحابة الباردة؛ فيتكاثف مابها من بخار الماء فتحدث أمطارا، وتتراوح كثرتها وهطولها من رزازها حسب كميات السحب المتراكمة، فإذا كانت قليلة تحدث رزازا، أما إذا كثرت فتهطل الأمطار الوفيرة، وعلى حسب قوة الرياح فإذا صارت عاتية تأخذ السحاب ليسقط فى إقليم آخر.
سبحان الله تُقدرون وتضحك الأقدار، "وبخيت" يجد السير مسرعا لمحل العطار ليشترى منه الصبر، وفى الدكان أخبره البائع أنه سيرتقى السلم، ليحضر له الصبر المطلوب، وهو صاعد على سلمه أصابت شرارة صغيرة الدكان فحرقت بعضه، ولم يصابا بسوء؛ فمرق بجوارهما شخصا متهكما عليهما بقوله" الصبر حرق دكان العطار" فتشاءم بخيت" من ذلك الموقف: أمطــار، حرائق وسخرية وعدم استحواذ المطلوب. فماذا يخفى باقى اليوم؛ فطفق عائدا لمنزله وفى الطريق إلتقاه صديق يرغب فى السفر؛ فأنباه بأن هنالك سفرا تكلفته بسيطة، ولا يستلزم سوى الجواز وحتى بدون تأشيرة للمغادرة عن طريق القوارب إلى سواحل ليبيا، ومنها لإيطاليا وبعد ذلك لمن يرغب إلى فرنسا للعمل فى جنى العنب ،وكما يقولون" فرش لـــه البــحر طحينـــــة". وكان فى فكر" بخيت" أنه يوم أغبر من ظواهره؛ فاتفقا على التعـرُّف على الشخص الذى سيخرجهما بأقل التكاليف، لتحقيق حلم العمل فى مزارع الكروم، والحصول على مكاسب تعيده لبلــــده ســـالـــما غانما، وتعاهدا عـــــلى اللقــــاء لاتمــــــــــام إتفاقهمـــا، وافـــترقا عـلى هــــذا.
فالتقاه عند باب عمارته شاب عاقل، فاستشاره "بخيت" فى ذلك الشأن، وطفقت الغيوم تتلبد وتسود متكاثفة فأخبره ذلك الفتى فى عجالة ليدخل العمارة محتميا من تكاثر الأمطار يتبعه " بخيت" مخاطبا له ياصديقى نحن لانزرع الصبار لأنه مُر، علقم.
كحديثك الذى أثرته بسفرك على القوارب فهو موضوع لم تدرك عواقبه الوخيمة، ولم تشفق على والدتك التى ستتركها بمفردها لأمل ذائف فنواياك حسنة ياصديقى ولكن تنفيذها غير مأمون العواقب، ولذا نحن لا نزرع الصبار رغم خُضرته إلا أنه حنظل مر: كما قال الشاعر: أصــــــبر على حلـــــو الــــــزمان ومــــــــرّه واعـــــــلم بـــــــأن الله بــــــالغ أمــــــره إيّــــــــــاك تجـــــني سكرًا مـــن حنظــــــــل فالشـــيء يرجـــع بالمــذاق لأصلـــــه فأجابه "بخيت" بالمثل القائل "إيه اللى رماك على المر؛ فقال اللى أمر منه" واحتدت غزارة الأمطار ،وزاد البرق ،واشتد الرعد صوتا ،وأخذت الأبواب وشُراعات النوافذ تتضارب مع بعضها ــ وانساب كليهما على مسكنيهما.