█ فَأَتْبَعَ سَبَبًا (85) فأتبع سببا قرأ ابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي فأتبع مقطوعة الألف وقرأ أهل المدينة وأبو عمرو فاتبع بوصلها ; أي اتبع من الأسباب التي أوتيها قال الأخفش : تبعته وأتبعته بمعنى مثل ردفته وأردفته ومنه قوله تعالى إلا خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب الإتباع الكلام حسن بسن وقبيح شقيح النحاس واختار أبو عبيد قراءة الكوفة لأنها السير وحكى هو والأصمعي أنه يقال تبعه واتبعه إذا سار ولم يلحقه وأتبعه لحقه ومثله فأتبعوهم مشرقين وهذا التفريق وإن كان الأصمعي قد حكاه لا يقبل بعلة أو دليل وقوله عز وجل ليس الحديث أنهم لحقوهم وإنما لما خرج موسى عليه السلام وأصحابه البحر وحصل فرعون انطبق عليهم والحق هذا أن تبع واتبع وأتبع لغات واحد وهي فقد يجوز يكون معه لحاق وألا كتاب تفسير القرآن الكريم سورة الكهف مجاناً PDF اونلاين 2024 هي سورةٌ مكيةٌ رقمها 18 تسبق مريم وتلحق الإسراء ترتيب سور عدد آياتها 110 آية السور المكية المتأخرة النزول إذ نزولها 69 تتوسط السورة فهي تقع الجزئين الخامس عشر والسادس 8 صفحات نهاية الجزء و3 بداية السادس تتناول عدة مواضيع تدور حول التحذير الفتن والتبشير والإنذار وذكر بعض المشاهد يوم القيامة كما تناولت قصص كقصة أصحاب الذين سُميّت لذكر قصتهم فيها سورة ذوات الفضل وذكرت أحاديث كثيرة ومن أهم فضائلها ما ذكر قراءتها الجمعة نورٌ بين الجمعتين إن سبب نزول ذكره مفسرين كابن كثير وغيره: فعن عباس قال: «بعثت قريش النضر بن الحارث وعقبة أبي معيط إلى أحبار يهود بالمدينة فقالوا لهم: سلوهم عن محمد وصفوا لهم صفته وأخبروهم بقوله فإنهم الكتاب الأول وعندهم علم عندنا الأنبياء فخرجا حتى قدما فسألوا رسول الله ﷺ ووصفوا أمره وبعض وقالا: إنكم التوراة وقد جئناكم لتخبرونا صاحبنا فقالت سلوه ثلاث نأمركم بهن فإن أخبركم فهو نبي مرسل لم يفعل فالرجل متقول فروا فيه رأيكم سلوه فتية ذهبوا الدهر أمرهم شأن عجيب وسلوه رجل طواف بلغ مشارق الأرض ومغاربها نبؤه؟ الروح هو؟ بذلك فاتبعوه يخبركم فإنه فاصنعوا بدا لكم فأقبل فقالا: يا معشر بفصل بينكم وبين أمرنا نسأله أمور فأخبروهم بها فجاءوا فقالوا: أخبرنا فسألوه عما أمروهم به فقال ﷺ: غدا سألتم عنه يستثن فانصرفوا ومكث خمس عشرة ليلة يحدث له ذلك وحيا ولا يأتيه جبريل الصلاة والسلام أرجف مكة وقالوا: وعدنا واليوم أصبحنا يخبرنا بشيء سألناه وحتى أحزن مكث الوحي وشق يتكلم ثم جاءه بسورة معاتبته إياه حزنه وخبر سألوه أمر الفتية والرجل الطواف وقول وجل: ﴿وَيَسْأَلونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ﴾ [الكهف:83]» الأصل دروس ألقاها فضيلة الشيخ عثيمين رحمه الدورة العلمية عقدها شهر ربيع عام 1419هـ بالجامع الكبير مدينة عنيزة والتي فسر آيات
❞ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا (46)
قوله تعالى : المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا قوله تعالى : المال والبنون زينة الحياة الدنيا ويجوز " زينتا " وهو خبر الابتداء في التثنية والإفراد . وإنما كان المال والبنون زينة الحياة الدنيا لأن في المال جمالا ونفعا ، وفي البنين قوة ودفعا ، فصارا زينة الحياة الدنيا ، لكن معه قرينة الصفة للمال والبنين ; لأن المعنى : المال والبنون زينة هذه الحياة المحتقرة فلا تتبعوها نفوسكم . وهو رد على عيينة بن حصن وأمثاله لما افتخروا بالغنى والشرف ، فأخبر - تعالى - أن ما كان من زينة الحياة الدنيا فهو غرور يمر ولا يبقى ، كالهشيم حين ذرته الريح ; إنما يبقى ما كان من زاد القبر وعدد الآخرة . وكان يقال : لا تعقد قلبك مع المال لأنه فيء ذاهب ، ولا مع النساء لأنها اليوم معك وغدا مع غيرك ، ولا مع السلطان لأنه اليوم لك وغدا لغيرك . ويكفي في هذا قول الله - تعالى - : إنما أموالكم وأولادكم فتنة . وقال - تعالى - : إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم .
قوله تعالى : والباقيات الصالحات أي ما يأتي به سلمان وصهيب وفقراء المسلمين من الطاعات
واختلف العلماء في الباقيات الصالحات ; خير عند ربك ثوابا أي أفضل .
وخير أملا أي أفضل أملا من ذي المال والبنين دون عمل صالح ، وليس في زينة الدنيا خير ، ولكنه خرج مخرج قوله أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا .
وقيل : خير في التحقيق مما يظنه الجهال أنه خير في ظنهم .
فقال ابن عباس وابن جبير وأبو ميسرة وعمرو ابن شرحبيل : هي الصلوات الخمس . وعن ابن عباس أيضا : إنها كل عمل صالح من قول أو فعل يبقى للآخرة . وقاله ابن زيد ورجحه الطبري . وهو الصحيح إن شاء الله ; لأن كل ما بقي ثوابه جاز أن يقال له هذا . وقال علي - رضي الله عنه - : الحرث حرثان فحرث الدنيا المال والبنون ; وحرث الآخرة الباقيات الصالحات ، وقد يجمعهن الله - تعالى - لأقوام . وقال الجمهور : هي الكلمات المأثور فضلها : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم . خرجه مالك في موطئه عن عمارة بن صياد عن سعيد بن المسيب أنه سمعه يقول في الباقيات الصالحات : إنها قول العبد الله أكبر وسبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله . أسنده النسائي عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : استكثروا من الباقيات الصالحات قيل : وما هي يا رسول الله ؟ قال : التكبير والتهليل والتسبيح والحمد لله ولا حول ولا قوة إلا بالله . صححه أبو محمد عبد الحق - رحمه الله - . وروى قتادة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذ غصنا فخرطه حتى سقط ورقه وقال : إن المسلم إذا قال سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر تحاتت خطاياه كما تحات هذا خذهن إليك أبا الدرداء قبل أن يحال بينك وبينهن فإنهن من كنوز الجنة وصفايا الكلام وهن الباقيات الصالحات . ذكره الثعلبي ، وخرجه ابن ماجه بمعناه من حديث أبي الدرداء قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : عليك بسبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر فإنهن يعني يحططن الخطايا كما تحط الشجرة ورقها . وأخرجه الترمذي من حديث الأعمش عن أنس بن مالك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مر بشجرة يابسة الورقة فضربها بعصاه فتناثر الورق فقال : إن الحمد لله وسبحان الله ولا إله إلا الله والله أكبر لتساقط من ذنوب العبد كما تساقط ورق هذه الشجرة . قال : هذا حديث غريب ولا نعرف للأعمش سماعا من أنس ، إلا أنه قد رآه ونظر إليه . وخرج الترمذي أيضا عن ابن مسعود قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لقيت إبراهيم - عليه السلام - ليلة أسري بي فقال يا محمد أقرئ أمتك مني السلام وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة عذبة الماء وأنها قيعان وأن غراسها سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر قال : حديث حسن غريب ، خرجه الماوردي بمعناه . وفيه - فقلت : ما غراس الجنة ؟ قال : لا حول ولا قوة إلا بالله . وخرج ابن ماجه عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مر به وهو يغرس غرسا فقال : يا أبا هريرة ما الذي تغرس قلت غراسا . قال : ألا أدلك على غراس خير من هذا سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر يغرس لك بكل واحدة شجرة في الجنة . وقد قيل : إن الباقيات الصالحات هي النيات والهمات ; لأن بها تقبل الأعمال وترفع ; قال الحسن . وقال عبيد بن عمير : هن البنات ; يدل عليه أوائل الآية ; قال الله - تعالى - : المال والبنون زينة الحياة الدنيا ثم قال والباقيات الصالحات يعني البنات الصالحات هن عند الله لآبائهن خير ثوابا ، وخير أملا في الآخرة لمن أحسن إليهن . يدل عليه ما روته عائشة - رضي الله عنها - قالت : دخلت علي امرأة مسكينة . . الحديث ، وقد ذكرناه في سورة النحل في قوله يتوارى من القوم الآية . وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : لقد رأيت رجلا من أمتي أمر به إلى النار فتعلق به بناته وجعلن يصرخن ويقلن رب إنه كان يحسن إلينا في الدنيا - فرحمه الله - بهن . وقال قتادة في قوله - تعالى - : فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما قال : أبدلهما منه ابنة فتزوجها نبي فولدت له اثني عشر غلاما كلهم أنبياء . ❝
❞ وَتِلْكَ الْقُرَىٰ أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِدًا (59)
قوله تعالى : وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا تلك في موضع رفع بالابتداء . القرى نعت أو بدل . وأهلكناهم في موضع الخبر محمول على المعنى ; لأن المعني أهل القرى . ويجوز أن تكون تلك في موضع نصب على قول من قال : زيدا ضربته ; أي وتلك القرى التي قصصنا عليك نبأهم ، نحو قرى عاد وثمود ومدين وقوم لوط أهلكناهم لما ظلموا وكفروا .
وجعلنا لمهلكهم موعدا أي وقتا معلوما لم تعده و " مهلك " من أهلكوا . وقرأ عاصم مهلكهم بفتح الميم واللام وهو مصدر هلك . وأجاز الكسائي والفراء لمهلكهم بكسر اللام وفتح الميم . النحاس : قال الكسائي وهو أحب إلي لأنه من هلك . الزجاج : اسم للزمان والتقدير : لوقت مهلكهم ، كما يقال : أتت الناقة على مضربها . ❝
❞ وَكَذَٰلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ ۖ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِم بُنْيَانًا ۖ رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ ۚ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَىٰ أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِدًا (21)
قوله : وكذلك أعثرنا عليهم ليعلموا أن وعد الله حق وأن الساعة لا ريب فيها إذ يتنازعون بينهم أمرهم فقالوا ابنوا عليهم بنيانا ربهم أعلم بهم قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجدا
قوله تعالى : وكذلك أعثرنا عليهم أي أطلعنا عليهم وأظهرناهم . و " أعثر " تعدية عثر بالهمزة ، وأصل العثار في القدم .
ليعلموا أن وعد الله حق يعني الأمة المسلمة الذين بعث أهل الكهف على عهدهم . وذلك أن دقيانوس مات ومضت قرون وملك أهل تلك الدار رجل صالح ، فاختلف أهل بلده في الحشر وبعث الأجساد من القبور ، فشك في ذلك بعض الناس واستبعدوه وقالوا : إنما تحشر الأرواح والجسد تأكله الأرض . وقال بعضهم : تبعث الروح والجسد جميعا ; فكبر ذلك على الملك وبقي حيران لا يدري كيف يتبين أمره لهم ، حتى لبس المسوح وقعد على الرماد وتضرع إلى الله - تعالى - في حجة وبيان ، فأعثر الله على أهل الكهف ; فيقال : إنهم لما بعثوا أحدهم بورقهم إلى المدينة ليأتيهم برزق منها استنكر شخصه واستنكرت دراهمه لبعد العهد ، فحمل إلى الملك وكان صالحا قد آمن من معه ، فلما نظر إليه قال : لعل هذا من الفتية الذين خرجوا على عهد دقيانوس الملك ، فقد كنت أدعو الله أن يرينيهم ، وسأل الفتى فأخبره ; فسر الملك بذلك وقال : لعل الله قد بعث لكم آية ، فلنسر إلى الكهف معه ، فركب مع أهل المدينة إليهم ، فلما دنوا إلى الكهف قال تمليخا : أنا أدخل عليهم لئلا يرعبوا فدخل عليهم فأعلمهم الأمر وأن الأمة أمة إسلام ، فروي أنهم سروا بذلك وخرجوا إلى الملك وعظموه وعظمهم ثم رجعوا إلى كهفهم . وأكثر الروايات على أنهم ماتوا حين حدثهم تمليخا ميتة الحق ، على ما يأتي . ورجع من كان شك في بعث الأجساد إلى اليقين . فهذا معنى أعثرنا عليهم . ليعلموا أن وعد الله حق أي ليعلم الملك ورعيته أن القيامة حق والبعث حق إذ يتنازعون بينهم أمرهم . وإنما استدلوا بذلك الواحد على خبرهم وهابوا الدخول عليهم .
فقال الملك : ابنوا عليهم بنيانا ; فقال الذين هم على دين الفتية : اتخذوا عليهم مسجدا . وروي أن طائفة كافرة قالت : نبني بيعة أو مضيفا ، فمانعهم المسلمون وقالوا لنتخذن عليهم مسجدا . وروي أن بعض القوم ذهب إلى طمس الكهف عليهم وتركهم فيه مغيبين . وروي عن عبد الله بن عمر أن الله - تعالى - أعمى على الناس حينئذ أثرهم وحجبهم عنهم ، فذلك دعا إلى بناء البنيان ليكون معلما لهم . وقيل : إن الملك أراد أن يدفنهم في صندوق من ذهب فأتاه آت منهم في المنام فقال : أردت أن تجعلنا في صندوق من ذهب فلا تفعل ; فإنا من التراب خلقنا وإليه نعود ، فدعنا .
وتنشأ هنا مسائل ممنوعة وجائزة ; فاتخاذ المساجد على القبور والصلاة فيها والبناء عليها ، إلى غير ذلك مما تضمنته السنة من النهي عنه ممنوع لا يجوز ; لما روى أبو داود والترمذي عن ابن عباس قال : لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زوارات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج . قال الترمذي : وفي الباب عن أبي هريرة وعائشة حديث ابن عباس حديث حسن . وروى الصحيحان عن عائشة أن أم حبيبة وأم سلمة ذكرتا كنيسة رأينها بالحبشة فيها تصاوير لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور أولئك شرار الخلق عند الله - تعالى - يوم القيامة . لفظ مسلم . قال علماؤنا : وهذا يحرم على المسلمين أن يتخذوا قبور الأنبياء والعلماء مساجد . وروى الأئمة عن أبي مرثد الغنوي قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها لفظ مسلم . أي لا تتخذوها قبلة فتصلوا عليها أو إليها كما فعل اليهود والنصارى ، فيؤدي إلى عبادة من فيها كما كان السبب في عبادة الأصنام . فحذر النبي - صلى الله عليه وسلم - عن مثل ذلك ، وسد الذرائع المؤدية إلى ذلك فقال : اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد . وروى الصحيحان عن عائشة وعبد الله بن عباس قالا : لما نزل برسول الله - صلى الله عليه وسلم - طفق يطرح خميصة له على وجهه فإذا اغتم بها كشفها عن وجهه فقال وهو كذلك : لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد يحذر ما صنعوا . وروى مسلم عن جابر قال : نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يجصص القبر وأن يقعد عليه وأن يبنى عليه . وخرجه أبو داود والترمذي أيضا عن جابر قال : نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تجصص القبور وأن يكتب عليها وأن يبنى عليها وأن توطأ . قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح . وروى الصحيح عن أبي الهياج الأسدي قال : قال لي علي بن أبي طالب : ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ألا تدع تمثالا إلا طمسته ولا قبرا مشرفا إلا سويته - في رواية - ولا صورة إلا طمستها . وأخرجه أبو داود والترمذي . قال علماؤنا : ظاهره منع تسنيم القبور ورفعها وأن تكون لاطئة . وقد قال به بعض أهل العلم . وذهب الجمهور إلى أن هذا الارتفاع المأمور بإزالته هو ما زاد على التسنيم ، ويبقى للقبر ما يعرف به ويحترم ، وذلك صفة قبر نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - وقبر صاحبيه - رضي الله عنهما - على ما ذكر مالك في الموطإ - وقبر أبينا آدم - صلى الله عليه وسلم - ، على ما رواه الدارقطني من حديث ابن عباس . وأما تعلية البناء الكثير على نحو ما كانت الجاهلية تفعله تفخيما وتعظيما فذلك يهدم ويزال ; فإن فيه استعمال زينة الدنيا في أول منازل الآخرة ، وتشبها بمن كان يعظم القبور ويعبدها . وباعتبار هذه المعاني وظاهر النهي أن ينبغي أن يقال : هو حرام . والتسنيم في القبر : ارتفاعه قدر شبر ; مأخوذ من سنام البعير . ويرش عليه بالماء لئلا ينتثر بالريح . وقال الشافعي لا بأس أن يطين القبر . وقال أبو حنيفة : لا يجصص القبر ولا يطين ولا يرفع عليه بناء فيسقط . ولا بأس بوضع الأحجار لتكون علامة ; لما رواه أبو بكر الأثرم قال : حدثنا مسدد حدثنا نوح بن دراج عن أبان بن تغلب عن جعفر بن محمد قال : كانت فاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تزور قبر حمزة بن عبد المطلب كل جمعة وعلمته بصخرة ; ذكره أبو عمر .
وأما الجائزة : فالدفن في التابوت ; وهو جائز لا سيما في الأرض الرخوة . روي أن دانيال - صلوات الله عليه - كان في تابوت من حجر ، وأن يوسف - عليه السلام - أوصى بأن يتخذ له تابوت من زجاج ويلقى في ركية مخافة أن يعبد ، وبقي كذلك إلى زمان موسى - صلوات الله عليهم أجمعين - ; فدلته عليه عجوز فرفعه ووضعه في حظيرة إسحاق - عليه السلام - . وفي الصحيح عن سعد بن أبي وقاص أنه قال في مرضه الذي هلك فيه : اتخذوا لي لحدا وانصبوا علي اللبن نصبا ; كما صنع برسول الله - صلى الله عليه وسلم - . اللحد : هو أن يشق في الأرض ثم يحفر قبر آخر في جانب الشق من جانب القبلة إن كانت الأرض صلبة يدخل فيه الميت ويسد عليه باللبن . وهو أفضل عندنا من الشق ; لأنه الذي اختاره الله - تعالى - لرسوله - صلى الله عليه وسلم - . وبه قال أبو حنيفة قال : السنة اللحد . وقال الشافعي : الشق . ويكره الآجر في اللحد . وقال الشافعي : لا بأس به لأنه نوع من الحجر . وكرهه أبو حنيفة وأصحابه ; لأن الآجر لإحكام البناء ، والقبر وما فيه للبلى ، فلا يليق به الإحكام . وعلى هذا يسوى بين الحجر والآجر . وقيل : إن الآجر أثر النار فيكره تفاؤلا ; فعلى هذا يفرق بين الحجر والآجر . قالوا : ويستحب اللبن والقصب لما روي أنه وضع على قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - حزمة من قصب . وحكي عن الشيخ الإمام أبي بكر محمد بن الفضل الحنفي - رحمه الله - أنه جوز اتخاذ التابوت في بلادهم لرخاوة الأرض . وقال : لو اتخذ تابوت من حديد فلا بأس به ، لكن ينبغي أن يفرش فيه التراب وتطين الطبقة العليا مما يلي الميت ، ويجعل اللبن الخفيف على يمين الميت ويساره ليصير بمنزلة اللحد .
قلت : ومن هذا المعنى جعل القطيفة في قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - ; فإن المدينة سبخة ، قال شقران : أنا والله طرحت القطيفة تحت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في القبر . قال أبو عيسى الترمذي : حديث شقران حديث حسن غريب . ❝