هل أنت صادق ؟ سؤال سوف يجيب عليه الكل بنعم .. فكل واحد... 💬 أقوال مصطفى محمود 📖 كتاب رحلتي من الشك الي الإيمان

- 📖 من ❞ كتاب رحلتي من الشك الي الإيمان ❝ مصطفى محمود 📖

█ أنت صادق ؟ سؤال سوف يجيب عليه الكل بنعم فكل واحد يتصور أنه وأنه لا يكذب وقد يعترف أحدهم بكذبة أو بكذبتين ويعتبر نفسه بلغ الغاية من الدقة والصراحة مع النفس أدلى بحقيقة تقبل مراجعة ومع ذلك فدعونا نراجع معًا هذا الإدعاء العريض وسوف نكتشف أن الصدق شيء نادر جدّاً وأن الصادق الحقيقي يكاد يكون غير موجود وأكثرنا الواقع مغشوش حينما أهل بل إننا نبدأ الكذب لحظة نتيقظ الصباح وقبل نفتح فمنا بكلمة أحياناً تكون مجرد تسريحة الشعر التي نختارها كذبة الكهل الذي يسرح شعره خنافس ليبدو أصغر سِنه , والمرأة العجوز تصبغ شعرها لتبدو سنها تكذب والباروكة رأس الأصلع وطقم الأسنان فم الأهتم والبدلة السبور الخفيفة تخفي تحتها فانلة صوف والكورسيه والمشدّات حول البطن المترهلة والنهد الكاوتشوك الصدر المنهك الرضاع والمكياج يحاول صاحبه إن يخفي به التجاعيد هو نوع آخر الصامت والبودرة والأحمر والكحل والريميل والرموش الصناعية كلها أكاذيب ينطق بها لسان الحال قبل يفتح الواحد منا فمه ويتكلم ضفيرة المدارس بنت الثلاثين كتاب رحلتي الشك الي الإيمان مجاناً PDF اونلاين 2024 إلى فكري ألفه مصطفى محمود عام 1970 يعرض الكتاب العديد المواضيع والتساؤلات الفكرية والمتعلقة بخلق الإنسان والجسد والعقل ويتحدث بشكل تفصيلي عن رحلة الطويلة وصولاً فصول الكتاب: يتألف ثمانية فصول وهي: الله: الفصل الأفكار الجدلية وجود الخالق وفكرة الوجود والعدم الجسد: كيفية تميز كل شخص بصفات فريدة تميزه غيره مثل البصمة الوراثية الروح: يتحدث الروح وكيف أنها مجهولة بالنسبة للإنسان العدل الأزلي: عدل الله المطلق لماذا العذاب؟: الحكمة العذاب ماذا قالت لي الخلوة التوازن الطبيعي المسيح الدجال

إنضم الآن وتصفح بدون إعلانات
❞ هل أنت صادق ؟



سؤال سوف يجيب عليه الكل بنعم .. فكل واحد يتصور أنه صادق وأنه لا يكذب .. وقد يعترف أحدهم بكذبة أو بكذبتين ويعتبر نفسه بلغ الغاية من الدقة والصراحة مع النفس وأنه أدلى بحقيقة لا تقبل مراجعة .



ومع ذلك فدعونا نراجع معًا هذا الإدعاء العريض وسوف نكتشف أن الصدق شيء نادر جدّاً .. وأن الصادق الحقيقي يكاد يكون غير موجود .

وأكثرنا في الواقع مغشوش في نفسه حينما يتصور أنه من أهل الصدق .



بل إننا نبدأ في الكذب من لحظة أن نتيقظ في الصباح وقبل أن نفتح فمنا بكلمة .



أحياناً تكون مجرد تسريحة الشعر التي نختارها كذبة .

الكهل الذي يسرح شعره خنافس ليبدو أصغر من سِنه يكذب , والمرأة العجوز التي تصبغ شعرها لتبدو أصغر من سنها تكذب .



والباروكة على رأس الأصلع كذبة .



وطقم الأسنان في فم الأهتم كذبة .



والبدلة السبور الخفيفة التي تخفي تحتها فانلة صوف كذبة .



والكورسيه والمشدّات حول البطن المترهلة كذبة .



والنهد الكاوتشوك على الصدر المنهك من الرضاع كذبة .



والمكياج الذي يحاول صاحبه إن يخفي به التجاعيد هو نوع آخر من الكذب الصامت .



والبودرة والأحمر والكحل والريميل والرموش الصناعية .. كلها أكاذيب ينطق بها لسان الحال قبل أن يفتح الواحد منا فمه ويتكلم .



بل إن مجرد ضفيرة المدارس على رأس بنت الثلاثين كذبة .



واللبانة في فم رجل كهل هي كذبة أكثر وقاحة .



كل هذا ولم يبدأ اللسان ينطق ولم يُفتح الفم بعد .



فإذا فتح الواحد منا فمه وقال صباح الخير .. فإنه يقولها على سبيل العرف والعادة .. لم ينوي له الخير ولم ينوي له الشر .. فهو يكذب .. وهو يقرأ السلام على من يبيت له العدوان .. فهو يكذب .



فإذا رفع سماعة التليفون مضى يطلب ما لا يريد من الأشياء لمجرد أنها مظاهر ومجاملات .. فهو يكذب .. وقد يرفض ما يريد خجلًا وادعاء .. فهو يكذب .



والولد والبنت يتكلمان طوال ساعتين في كل شيء إلا ما يتحرقان شوقًا إلى أن يتصارحا به .. فهما يكذبان .



وفتاة البار تبدؤك الحديث بالحب وهو لا يخطر لها على بال ولا تشغلها سوى حافظة نقودك . وكم زجاجة من الشمبانيا ستفتح لها .



والإعلان الذي يصف لك نكهة السيجارة وفوائدها الصحية يكذب عليك .



والإعلان الذي يقول لك إن قرص الإسبرين يشفي من الإنفلونزا كذب حتى بالقياس إلى علم الأدوية ذاته .



وكل ما يدور في عالم البيع والشراء يبدأ بالكذب .



وصورة لاعب التنس في يده زجاجة ويسكي وصورة الأسد الذي يحتضن زجاجة الكينا .. وبطل الجري الذي يدخن سيجارة فرجينيا كلها صنوف من الأكاذيب الظريفة التي تراها ملصقة على الجدران وعلى أغلفة الصحف وفي إعلانات السينما والتلفزيون وكأنما أصبح الكذب عُرفًا تجاريًا لا لوم عليه .



وفي عالم السياسة والسياسيين وفي أروقة الأمم المتحدة وعلى أفواه الدبلوماسيين نجد أن الكذب هو القاعدة .



بل إن فن الدبلوماسية الرفيع هو كيف تستطيع أن تجعل الكذب يبدو كالصدق .. وكيف تقول ما لا تعني .. وكيف تخفي ما تريد .. وكيف تحب ما تكره .. وكيف تكره ما تحب .



وأذكر بهذه المناسبة النكتة التي رويت عن تشرشل حينما رأى شاهد مقبرة مكتوبًا عليها ..



(( هنا يرقد الرجل الصادق والسياسي العظيم )) .



فقال ضاحكاً :



هذه أول مرة أرى فيها رجلين يدفنان في تابوت واحد .



فلم يكن من الممكن إطلاقاً في نظر تشرشل أن يكون الرجل الصادق والسياسي العظيم رجلاً واحداً .. إذ أن أول مؤهلات العظمة السياسية في نظر تشرشل هو الكذب .



وشرط السياسة هو أن تخفي الحقيقة لحساب المصلحة .. وتتأخر العاطفة لتتقدم الحيلة .. والفطنة .. والذكاء .. والمراوغة .



والدبلوماسي الذي يجاهر بعاطفته هو دبلوماسي أبله .. بل إنه لا يكون دبلوماسيّاً على الإطلاق .



وفي عالم الدين ودنيا العبادات يطل الكذب الخفي من وراء الطقوس والمراسيم .



شهر الصيام الذي هو امتناع عن الأكل يتحول إلى شهر أكل فتظهر المشهيات والحلويات والمخللات والمتبلات .. من كنافة إلى مشمشية إلى قطايف إلى مكسرات ويرتفع استهلاك اللحم في شهر رمضان فتقول لنا الإحصاءات بالأرقام إنه يصل إلى الضعف ويصبح شهر رمضان هو شهر الصواني والطواجن .



وبين كل مائة مُصَل أكثر من تسعين يقفون بين يدي الله وهم شاردون مشغولون بصوالحهم الدنيوية يعبدون الله وهم في الحقيقة يعبدون مصالحهم وأغراضهم ويركعون الركعة لتُقضَى لهم هذه المصالح والأغراض .



وقد عاش بابوات القرون الوسطى في ترف الملوك والسلاطين وسبحوا في الذهب والحرير والسلطة والنفوذ , وامتلكوا الإقطاعيات والقصور بإسم الدين وبإسم الإنجيل الذي يقول إن الغني لن يدخل ملكوت الله إلا إذا دخل الجمل في ثقب الإبرة .



بل إنهم تصوروا أنهم امتلكوا الجنة فباعوها صكوكًا لطالبي الغفران .



وفي دولة الحب نجد أن مخادعة النفس هي الأسلوب المتعارف عليه .. يخدع كل واحد نفسه ويخدع الآخر أحيانًا بوعي وأحيانًا بدون وعي .. فيتحدث العاشقان عن الحب وهما يريدان أن يقدما مبررًا شريفًا مقبولًا للوصول إلى الفراش .. ويخيل للحبيب أنه قد جن حبّاً وهو في الواقع يلتمس لنفسه وسيلة للهرب من واقع مرير .

كنوع من إظهار البراعة والمهارة أو كمظهر من مظاهر النجاح .



وأحياناً تكون كلمة الحب كذبة معسولة تخفي وراءها رغبة شريرة في الإمتلاك والإستحواذ والسيطرة .



وأحياناً تكون كلمة الحب خطة محبوكة وشِركاً للوصول إلى ميراث .



وهي في أكثر صورها شيوعاً وسيلة للوصول إلى لذّة سريعة وطريقة لتدليك الضمير والتغلب على الخجل ورفع الكلفة .



وهي ذريعتنا الدائمة للتغلب على عقدة الذنب فتخلع المرأة آخر قطعة ثياب وهي تطمئن نفسها بأنها ضحية الحب .. وأن الحب إحساس طاهر وأنه أمر الله وأنه قضاء وقدر .. وأنها ليست أول من أحبت ولا آخر من أعطت .



ولا توجد شبكة حريرية من الأكاذيب كما توجد في الحب .. ففي كل كلمة كذبة .. وفي كل لمسة كذبة .. والغريزة الجنسية ذاتها تكذب فما أسرع ما تشتعل وما أسرع ما تنطفئ . وما أسرع ما تضجر وتمل وتطالب بتغيير الطعام .



والصدق في الحب وقصص الحب نادر أندر من الماس في الصحاري .. وهو من أخلاق الصديقين وليس من أخلاق الغمر العادي من الناس .



وتتواطأ أغاني الحب وقصص الحب وتتآمر هي الأخرى لتنصب شراكاً من الأكاذيب المنمقة الجميلة وترسي دعامات ساحرة من الأوهام والأحلام الوردية والصور البراقة الخادعة عن القبلة والضمة ولقاء الفراش ولذة العذاب وعذاب اللذة ولسعة الحرمان ودموع الوسادة وإغماء السعادة وصحوة الفراق .. وضباب وضباب .. وعطور وصور خلابة مرسومة بريشة فنانين كذابين عظام .



والكذب في الفن عادة قديمة بدأها الشعراء من زمن طويل .



وقصائد المديح وقصائد الهجاء في شعرنا العربي شاهد على انتشار هذه العادة السيئة .



والفن وليد الهوى والخاطر والمزاج .. والمزاج متقلب .



ما أكثر الكذب حقّاً !



إننا لنكذب حتى في الأكل فنأكل حتى ونحن شبعانون .



أين الصدق إذن ؟



ومتى تأتي هذه اللحظة الشحيحة التي نتحرى فيها الحق والحق وحده ؟



إنها تأتي على ندرة .



في معمل العالم الذي يضع عينه على ميكروسكوب بحثاً عن حقيقة .



هنا نجد العقل يتطلع في شوق حقيقي وصادق ويبحث في حياد مطلق .. ويفكر في موضوعية على هدى أرقام دقيقة ومقادير وقوانين .



والعلم بذاته هو النظرة الموضوعية المستقلة عن الهوى والمزاج وأداته الوحيدة .. صدق الإستقراء .. وصدق الفراسة .



واللحظة الأخرى الصادقة هي لحظة الخلوة مع النفس حينما يبدأ ذلك الحديث السري .. ذلك الحوار الداخلي .



تلك المكالمة الإنفرادية حيث يصغي الواحد إلى نفسه دون أن يخشى أذناً أخرى تتلصص على الخط .



ذلك الإفضاء والإفشاء والإعتراف والطرح الصريح من الأعماق إلى سطح الوعي في محاولة مخلصة للفهم .



وهي لحظة من أثمن اللحظات .



إن الحياة تتوقف في تلك اللحظة لتبوح بحكمتها .



والزمن يتوقف ليعطي ذلك الشعور المديد بالحضور .. حيث نحن في حضرة الحق .. وحيث لا يجوز الكذب والخداع والتزييف .. كما لا يجوز لحظة الموت ولحظة الحشرجة .



إننا نكتشف ساعتها أننا عشنا عمرنا من أجل هذه اللحظة .. وأننا تألمنا وتعذبنا من أجل أن نصل إلى هذه المعرفة الثمينة عن نفوسنا .



وقد تأتي تلك اللحظة في العمر مرة فتكون قيمتها بالعمر كله .



أما إذا تأخرت ولم تأت إلا ساعة الموت .. فقد ضاع العمر دون معنى ودون حكم .. و أكلته الأكاذيب .. وجاءت الصحوة بعد فوات الأوان .



ولهذا كانت الخلوة مع النفس شيئاً ضروريّاً ومقدساً بالنسبة لإنسان العصر الضائع في متاهات الكذب والتزييف .. وهي بالنسبة له طوق النجاة وقارب الإنقاذ .



والإنسان يولد وحده ويموت وحده ويصل إلى الحق وحده .



وليست مبالغة أن توصف الدنيا .. بأنها باطل الأباطيل .. الكل باطل وقبض الريح ..



فكل ما حولنا من مظاهر الدنيا يتصف بالبطلان والزيف .



ونحن نقتل بعضنا بعضاً في سبيل الغرور وإرضاء لكبرياء كاذب .



والدنيا ملهاة قبل أن تكون مأساة .



ومع ذلك نحن نتحرق شوقاً في سبيل الحق ونموت سعداء في سبيله .



والشعور بالحق يملؤنا تماماً وإن كنا نعجز عن الوصول إليه .



إننا نشعر به ملء القلب وإن كنا لا نراه حولنا .



وهذا الشعور الطاغي هو شهادة بوجوده .



إننا وإن لم نر الحق وإن لم نصل إليه وإن لم نبلغه فهو فينا .. وهو يحفزنا .. وهو مثال مطلق لا يغيب عن ضميرنا لحظة وبصائرنا مفتوحة عليه دوماً .



ولحظة التأمل الصافي تقودنا إليه .

والعلم يقودنا إليه .

ومراقبتنا لأنفسنا من الداخل تقودنا إليه .

وبصائرنا تهدي إليه .



والحق في القرآن هو الله .. وهو أحد أسمائه الحسنى .



وكل هذه المؤثرات الداخلية تدل عليه .



وهو متجاوز للدنيا متعالٍ عليها .



نراه رؤية بصيرة لا رؤية بصر .



وتبرهن عليه أرواحنا بكل شوقها وبكل نزوعها .



والعجب كل العجب لمن يسألنا عن برهان على وجود الله .. على وجود الحق .. وهو نازع إليه بكليته مشغوف به بجماع قلبه .



وكيف يكون موضع شك من هو قِلبة كل القلوب ومهوى جميع الأفئدة وهدف جميع البصائر ؟



كيف نشك في وجوده وهو مستولٍ على كل مشاعرنا ؟



كيف نشك في الحق ونطلب عليه دليلاً من الباطل ؟



كيف ننزلق مع المنطق المراوغ إلى هذه الدرجة من التناقض فنجعل من لب الوجود وحقيقة حقائقه محل سؤال ؟



إني لا أجد نصيحة أثمن من أن أقول ليعد كل منا إلى فطرته .. ليعد إلى بكارته وعذريته التي لم تدنسها لفلفات المنطق ومراوغات العقل .



ليعد كل منا إلى قلبه في ساعة خلوة .



وليسأل قلبه .



وسوف يدل قلبه على كل شيء .



فقد أودع الله في قلوبنا تلك البوصلة التي لا تخطئ .. والتي اسمها الفطرة والبداهة .



وهي فطرة لا تقبل التبديل ولا التشويه لأنها محور الوجود ولُبَه ومداره وعليها تقوم كل المعارف والعلوم .



(( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ))

(الروم – 30)



لقد جعل الله هذه الفطرة نازعة إليه بطبيعتها تطلبه دواماً كما تطلب البوصلة أقطابها مشيرة إليه دالة عليه .



فليكن كل منا كما تملي عليه طبيعته لا أكثر .

وسوف تدله طبيعته على الحق .

وسوف تهديه فطرته إلى الله بدون جهد .



كن كما أنت .. وسوف تهديك نفسك إلى الصراط .



مقال / ماذا قالت لي الخلوة ؟!

من كتاب / رحلتي من الشك إلى الإيمان

للدكتور / مصطفى محمود (رحمه الله). ❝
1
0 تعليقاً 2 مشاركة
نتيجة البحث